تفسير سورة الزلزلة

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة الزّلزال
مدنيّة وهى ثمان آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها اى حركت حركة واضطرابا مناسبا بشأنها فى العظمة ولابقاء بها فى الحكمة او حركة ممكنا لها او مقدرا لها اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال تحركت من أسفلها واختلفوا فى تلك الزلزلة هل هى بعد النفخة الثانية وقيام الناس من قبورهم او قبل النفخة الاولى فى الدنيا من اشراط الساعة فاختاره الحليمي وغيره الاول وابن العربي ومن معه الثاني محتجين بقوله تعالى يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وأجاب اهل المقالة الاولى انه خرج مخرج المجاز والتمثيل لشدة الهول لا على حقيقته مستدلين بما اخرج الترمذي وصححه عن عمران ابن حصين قال كنا مع رسول الله - ﷺ - فنزلت يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كل مرضعة الاية فقال أتدرون اى يوم ذلك يوم يقول الله لادم ابعث بعث النار الحديث وله طرق وفى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله - ﷺ - يقول الله يوم القيامة لادم قم فابعث بعث النار من ذريتك فيقول اى رب وما بعث النار فيقول من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون ويبقى واحد فعتد ذلك يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد فشق ذلك على الناس فقالوا يا رسول الله وأينا ذلك الواحد فقال من يأجوج وماجوج الف ومنكم واحد وهل أنتم فى الأمم الا كالشعرة السوداء فى الثور الأبيض او كالشعر البيضاء فى الثور الأسود وقال اهل المقالة الثانية هذا الحديث لا يدل على ان الزلزلة يكون حين الأمر ببعث النار بل فى ذلك اليوم والأمر متاخر عنها فكانه ﷺ لما اخبر عن الزلزلة التي يكون متقدمة على النفخة الاولى ذكر ما يكون فى ذلك اليوم من الأهوال الى العظام قلت وعبارة حديث الصحيحين يابى عن هذا التأويل فانه فيه فعند ذلك اى عند بعث النار
يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها والله تعالى اعلم قلت جاز ان يتكرر الزلزلة مرة فى اشراط الساعة ومرة بعد البعث.
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ اسناد الإخراج الى الأرض مجازى أَثْقالَها اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال يعنى الموتى من القبور كذا اخرج الفريابي عن ابن مجاهد وعلى هذا فهى حكاية عما بعد النفخة الثانية واخرج ابن ابى حاتم عن عطية قال يعنى ما فيها من الكنوز عن ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - يلقى الأرض أفلاذ كبدها أمثال أسطوان من الذهب والفضة ويجئ القاتل فيقول فى هذا قتلت ويجئ القاطع فيقول فى هذا قطعت رحمى فيقول فى هذا قطعت يدى ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا رواه مسلم وفى الصحيحين عنه مرفوعا يوشك الفرات ان يحسر عن اكثر من ذهب فمن حضر فلا يأخذ منه شيئا وفى رواية لمسلم عنه لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب فتقتل الناس عليه فتقتل من مائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل منهم لعلى أكون انا الذي أنجو قلت لعل القتال يكون فى بادى الأمر ثم يؤل الأمر الى ان لا يأخذ أحد منهم شيئا.
وَقالَ الْإِنْسانُ تعجبا ما لَها ج اى ما للارض تزلزل هذه الزلزلة الشديدة وتلفظ ما فى بطنها قيل المراد بالإنسان الكافر يقول ذلك حين يبعث ولم يكن يرجو البعث واما المؤمن فيقول هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون قال البغوي فى الاية تقديم وتأخير تقديره.
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ الأرض أَخْبارَها فيقول الإنسان مالها تخبر وتتكلم بما عمل عليها يومئذ بدل من إذا زلزلت والعامل فيه تحدث ويحتمل ان يكون يومئذ أصلا وإذا اقتضى بمحذوف اى لتحاسبن إذا زلزلت يومئذ تحدث اخبارها عن ابى هريرة قال قرأ رسول الله - ﷺ - هذه الاية فقال أتدرون ما اخبارها قالوا الله ورسوله اعلم قال فان اخبارها ان تشهد على كل عبدو امة بما عمل على ظهرها تقول عمل كذا وكذا فذاك اخبارها رواه احمد والترمذي وصححه والنسائي وابن حبان والبيهقي واخرج الطبراني عن ربيعة الحرثى ان رسول الله - ﷺ - قال تحفظوا من الأرض فانها امكم وانه ليس من أحد عمل عليها خيرا وشرا الا وهى مخبرة وكذا اخرج الطبراني عن مجاهد.
بِأَنَّ اى بسبب ان رَبَّكَ أَوْحى لَها ط اللام بمعنى الى يعنى اوحى ربك إليها ان تخبر او بمعناها
اذن لها فى ذلك تشقى فى العصاة وجاز ان يكون بان ربك بدلا من اخبارها يقول أخبرته كذا وأخبرته هكذا وحينئذ يكون جوابا لقول الإنسان مالها يعنى تقول اوحى ربك الى وحكم بالزلزلة وإخراج الأثقال.
يَوْمَئِذٍ ظرف لما بعده يَصْدُرُ اى يرجع النَّاسُ عن موقع الحساب بعد عرض أَشْتاتاً متفرقين فاخذ ذات اليمين الى الجنة وأخذ ذات الشمال الى النار قوله تعالى يومئذ يتفرقون لِيُرَوْا متعلق بيصدر اى لكن يروا أعمالهم قال ابن عباس اى ليروا جزاء أَعْمالَهُمْ ط يعنى يرجعون عن الموقف لينزلوا منازلهم من الجنة او النار وجملة يومئذ يصدر مستأنفة وقول.
فَمَنْ يَعْمَلْ الى اخر السورة تفصيل ليروا واخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير انه لما نزلت ويطعمون الطعام على حبه كان المسلمون يرون انهم يوجرون على الشيء القليل إذا اعطوا وكان آخرون يرون انهم لا يلامون على الذنبا ليسير الكذبة والنظرة وأشباه ذلك وانما وعد الله على الكبائر فانزل الله تعالى فمن يعمل مِثْقالَ ذَرَّةٍ الاية اى وزن نملة صغيرة او أصغر من نملة خَيْراً تميز المثقال ذرة يَرَهُ ط قرأ هشام بإسكان الهاء فى الموضعين والباقون بالإشباع فيهما اى يرى جزاءه قال مقاتل يرغبهم فى القليل من الخير ان يعطوه فانه يوشك ان يكبر قال قال رسول الله ﷺ من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله الا الطيب فان الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما يربى أحدكم فلوة حتى تكون مثل الجبل متفق عليه وعن ابى ذر قال قال رسول الله - ﷺ - لا تحقرن من المعروف شيئا ولو ان تلقى أخاك بوجه طليق رواه مسلم وهذا الاية حجة لاهل السنة على المعتزلة ان المؤمن وان كان مرتكبا للكبائر لا يخلد فى النار بل يصير عاقبته الى الجنة فان الله وعد بايفاء الجزاء على مثقال ذرة من الخير والخلف عن وعد الله محال والايمان نفسه راس الخيرات وأساس العبادات كلها فكيف يتلاشى بارتكاب المعاصي ومحل روية الجزاء انما هو الجنة فالمؤمن وان كان فاسقا ومات من غير توبة يصير لا محالة الى الجنة وعليه انعقد الإجماع وبه تواترت الروايات عن النبي - ﷺ - قال رسول الله - ﷺ - يخرج من النار من قالها وفى قلبه وزن ذرة من خير ومن ايمان متفق عليه من حديث انس وعند مسلم عن عثمان بلفظ من مات وهو يعلم ان لا اله الا الله دخل الجنة وعنده عن جابر بلفظ من مات
يشرك بالله دخل النار ومن مات لا يشرك بالله دخل الجنة وعنده عن عبادة بن الصامت بلفظ من شهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله حرم الله عليه النار وكذا عن انس وعن عتبان بن مالك فى الصحيحين وعن عمر عند الحاكم وعن معاذ عند مسلم وعنده عن ابن مسعود بلفظ لا يدخل النار أحد فى قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان يعنى حرم الله عليه النار المؤبد ولا يدخل نارا مقدر الخلود فيه وعن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما من عبد قال لا اله الا الله ثم مات على ذلك دخل الجنة قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق على رغم انف ابى ذر متفق عليه وعند احمد والبزاز والطبراني مثله قال السيوطي الأحاديث فى ذلك كثيرة زائدة على التواتر فان قيل هذه الاية يشتمل من عمل صالحا كانفاق وصلة الرحم ونحو ذلك من الكفار مع دلالة النصوص والإجماع على خلودهم فى النار قلنا الاية لا يشملهم لان شرط إتيان الحسنات الايمان بالله واخلاص العمل له تعالى قال عليه الصلاة والسلام انما الأعمال بالنيات فاذا فات منهم شرط فات المشروط فمثل حسناتهم كمثل صلوة بلا وضوء فانها ليست بصلوة حقيقة بل يعد استهزاء ومعصية ومن ثم قال العلماء انه من نذر بالصلوة او بالصوم او بالاعتكاف فى حالة الكفر ثم اسلم لا يجب عليه الوفاء لان الصلاة والصوم والاعتكاف من الكافر ليس لله خالصا فهى كفر ومعصية ليس من الطاعة فى شىء ولا نذر بالمعصية وأَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ.
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ع اى يرى جزاءه ان لم يتداركه المغفرة والدليل على هذا التقييد الآيات والأحاديث الدالة على جواز مغفرة المعاصي من غير توبة قال الله تعالى ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقال الله تعالى يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وقال من يقنط من رحمة ربه الا الضالون وقال لا تقنطوا من رحمة الله ونحو ذلك وعن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله - ﷺ -
324
والذي نفسى بيده ليغفر الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس وجاء ان يصيبه رواه البيهقي وفى الباب أحاديث كثيرة بالغة حد التواتر وهذه الاية حجة لاهل السنة على المرجئة فى قولهم ان الله لا يعذب المؤمن وان كان فاسقا وان المؤمن لا يضره سيئة كما ان الكافر لا ينفعه حسنة وقد ورد فى تعذيب المؤمنين على الصغائر والكبائر آيات وأحاديث كثيرة لا يحصى يطول الكلام بذكرها فثبت ان الحق ما قال اهل السنة ان الله سبحانه ان شاء يعذب على صغيرة عدلا وان شاء يغفر الكبائر فضلا قال مقاتل الإثم الصغير فى عين صاحبه أعظم من الجبال يوم القيامة عن سعيد بن حبان قال لما فرغ النبي صلى الله عليه واله وسلم من حنين نزلنا قفرا من الأرض ليس فيها شىء فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم اجمعوا من وجد شيئا فليات به قال فما كان الا ساعة حتى اجمعوا ركابا فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم أترون هذا فكذلك تجمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا فليتق الله عز وجل فلا يذنب صغيرة ولا كبيرة فانها محصاة عليه رواه الطبراني وعن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فان لها من الله طالبا رواه النسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان وعن انس انكم لتعملون أعمالا هى أدق فى أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله ﷺ من الموبقات رواه البخاري ولاحمد مثله من حديث ابى سعيد بسند صحيح قال ابن مسعود احكم اية فى كتاب الله فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وورد فى الحديث الطويل عن انس عند مسلم ان رسول الله ﷺ سمى هذه الاية الفاذة الجامعة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وقال الربيع بن حيثم مر رجل بالحسن وهو يقرأ هذه السورة فلما بلغ آخرها قال حسبى قد انتهيت الموعظة عن عبد الله بن عمرو قال اتى رجل النبي ﷺ فقال أقرأني يا رسول الله قال اقرأ ثلثا من ذوات الرا قال كبر سنى واشتد قلبى وغلظ لسانى قال فاقرأ ثلثا من ذوات حم فقال مثل مقاله فقال الرجل يا رسول الله أقرأني
325
Icon