وهذا لقلة معرفتك بحقائق القرآن، ونظرك إلى ظاهر ألفاظه، فتظن أنها تكثر وتعظم بطول الألفاظ وتقصر بقصرها، وذلك كظن من يؤثر الدراهم الكثيرة على الجوهر الواحد، نظرا على كثرتها.
فاعلم أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن قطعا، وارجع إلى الأقسام الثلاثة التي ذكرناها في مهمات القرآن ؛ إذ هي معرفة الله تعالى، ومعرفة الآخرة، ومعرفة الصراط المستقيم، فهذه المعارف الثلاثة هي المهمة، والباقي توابع، وسورة " الإخلاص " تشتمل على واحد من الثلاث، وهو معرفة الله وتوحيده وتقديسه عن مشارك في الجنس والنوع، وهو المراد بنفي الأصل والفرع والكفؤ، ووصفه بالصمد يشعر بأنه الصمد الذي لا مقصد في الوجود للحوائج سواه، نعم ليس فيها حديث الآخرة، ومعرفة الصراط المستقيم، فلذلك تعدل ثلث القرآن، أي ثلث الأصول من القرآن، كما قال عليه السلام :( الحج عرفة )٢ أي هو الأصل، والباقي توابع. ( جواهر القرآن : ٤٨ )
١٢٩٥- لما قال بعض الأعراب لرسول الله : ما نسبة الله ؟ نزل في جوابه :﴿ قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد ﴾ معناه : التقديس عن النسبة. ( مشكاة الأنوار ضمن المجموعة رقم ٤ ص : ٢٨ )
٢ - روى أبو داود في سننه [[.. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فنادى: الحج الحج يوم عرفة]] ن. كتاب المناسك حديث رقم ١٩٤٩..
ﰡ
١٢٩٦- يعني : إلى الناس دون الجن. ( المنخول : ١٦٦ )
١٢٩٧- الأحد : هو المسلوب عن النظير والقسمة. ( روضة الطالبين وعمدة السالكين ضمن المجموعة رقم ٢ ص : ٦٥ )
١٢٩٨- فرق بين الواحد والأحد، قال الله تعالى :﴿ وإلهكم إله واحد ﴾١ فيقال : الإنسان شخص واحد وصنف واحد، والمراد به أنه جملة هي جملة واحدة، ويقال : ألف واحدة، فالواحد المشار إليه من طريق العقل والحس هو الذي يمتنع مفهومه عن وقوع الشركة فيه، والأحد هو الذي لا تركيب فيه، ولا جزء له بوجه من الوجوه، فالواحد نفي الشريك والمثل، والأحد نفي الكثرة في ذاته. ( المضنون به على غير أهله ضمن المجموعة رقم ٤ ص : ١٢٩-١٣٠ )
١٢٩٩- الصمد : الغني المحتاج إليه غيره، وهذا دليل على أن الله تعالى [ أحدي ]١ الذات وواحد ؛ لأنه لو كان له شريك في ملكه لما كان صمدا غنيا يحتاج إليه غيره ؛ بل كان هو أيضا يحتاج إلى شريكه في المشاركة والتثنية، ولو كان له أجزاء تركيب واحد لما كان صمدا يحتاج إليه غيره ؛ بل هو محتاج في قوامه ووجوده إلى أجزاء تركيبه وحده، فالصمد دليل على الواحدية والأحدية.
و﴿ لم يلد ﴾ دليل على أن وجوده المستمر، ليس مثل وجود الإنسان الذي يبقى نوعه بالتوالد والتناسل ؛ بل هو وجود مستمر ألالي وأبدي.
﴿ ولم يولد ﴾ دليل على أن وجوده ليس مثل وجود الإنسان الذي يحصل بعد العدم، ويبقى دائما إما في جنة عالية لا تفنى، وإما في هاوية لا تنقطع.
﴿ أحد ﴾ دليل على أن الوجود الحقيقي الذي له تبارك وتعالى، وهو الوجود الذي يفيد وجود غيره، ولا يستفيد الوجود من غيره، ليس إلا له تبارك وتعالى.
﴿ قل هو الله أحد ﴾ دليل على إثبات ذاته المنزه المقدس، والصمدية نفي وإضافة : نفي الحاجة عنه، واحتياج غيره إليه، والأحدية ﴿ لم يلد ﴾ على آخر السورة سلب ما يوصف به غيره تعالى عنه. فلا طريق في معرفة ذات الله تعالى أبين وأوضح من سلب صفات المخلوقات عنه. ( نفسه : رقم٤ ص ١٣٠ )