تفسير سورة الكهف

تفسير البيضاوي
تفسير سورة سورة الكهف من كتاب أنوار التنزيل وأسرار التأويل المعروف بـتفسير البيضاوي .
لمؤلفه البيضاوي . المتوفي سنة 685 هـ
سورة الكهف وقيل إلا قوله ﴿ واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم ﴾ الآية وهي مائة وإحدى عشرة آية.

(١٨) سورة الكهف
مكية وقيل إلا قوله (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) الآية وهي مائة وإحدى عشرة آية.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ يعني القرآن، رتب استحقاق الحمد على إنزاله تنبيهاً على أنه أعظم نعمائه، وذلك لأنه الهادي إلى ما فيه كمال العباد والداعي إلى ما به ينتظم صلاح المعاش والمعاد.
وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً شيئاً من العوج باختلال في اللفظ وتناف في المعنى، أو انحراف من الدعوة إلى جناب الحق وهو في المعاني كالعوج في الأعيان.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢ الى ٣]
قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (٣)
قَيِّماً مستقيماً معتدلاً لا إفراط فيه ولا تفريط، أو قَيِّماً بمصالح العباد فيكون وصفاً له بالتكميل بعد وصفه بالكمال، أو على الكتب السابقة يشهد بصحتها، وانتصابه بمضمر تقديره جعله قيماً أو على الحال من الضمير في لَهُ، أو من الْكِتابَ على أن الواو وَلَمْ يَجْعَلْ للحال دون العطف، إذ لو كان للعطف لكان المعطوف فاصلاً بين أبعاض المعطوف عليه ولذلك قيل فيه تقديم وتأخير وقرئ «قَيِّماً». لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً أي لينذر الذين كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً، فحذف المفعول الأول اكتفاء بدلالة القرينة واقتصاراً على الغرض المسوق إليه. مِنْ لَدُنْهُ صادراً من عنده، وقرأ أبو بكر بإسكان الدال كإسكان الباء من سبع مع الإشمام ليدل على أصله، وكسر النون لالتقاء الساكنين وكسر الهاء للإِتباع. وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً هو الجنة.
ماكِثِينَ فِيهِ في الأجر. أَبَداً بلا انقطاع.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٤ الى ٥]
وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (٤) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (٥)
وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً خصهم بالذكر وكرر الإنذار متعلقاً بهم استعظاماً لكفرهم، وإنما لم يذكر المنذر به استغناء بتقدم ذكره.
مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ أي بالولد أو باتخاذه أو بالقول، والمعنى أنهم يقولونه عن جهل مفرط وتوهم كاذب، أو تقليد لما سمعوه من أوائلهم من غير علم بالمعنى الذي أرادوا به، فإنهم كانوا يطلقون الأب والابن بمعنى المؤثر والأثر. أو بالله إذ لو علموه لما جوزوا نسبة الاتخاذ إليه. وَلا لِآبائِهِمْ الذين تقولوه بمعنى
التبني. كَبُرَتْ كَلِمَةً عظمت مقالتهم هذه في الكفر لما فيها من التشبيه والتشريك، وإيهام احتياجه تعالى إلى ولد يعينه ويخلفه إلى غير ذلك من الزيغ، وكَلِمَةً نصب على التمييز وقرئ بالرفع على الفاعلية والأول أبلغ وأدل على المقصود. تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ صفة لها تفيد استعظام اجترائهم على إخراجها من أفواههم، والخارج بالذات هو الهواء الحامل لها. وقيل صفة محذوف هو المخصوص بالذم لأن كبر ها هنا بمعنى بئس وقرئ «كَبُرَتْ» بالسكون مع الإِشمام. إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٦]
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦)
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ قاتلها. عَلى آثارِهِمْ إذا ولوا عن الإِيمان، شبهه لما يداخله من الوجد على توليهم بمن فارقته أعزته فهو يتحسر على آثارهم ويبخع نفسه وجداً عليهم. وقرئ «باخع نَّفْسَكَ» على الإِضافة. إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ بهذا القرآن. أَسَفاً للتأسف عليهم أو متأسفاً عليهم، والأسف فرط الحزن والغضب. وقرئ «أن» بالفتح على لأن فلا يجوز إعمال باخِعٌ إلا إذا جعل حكاية حال ماضية.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٧ الى ٨]
إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧) وَإِنَّا لَجاعِلُونَ مَا عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨)
إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ من الحيوان والنبات والمعادن. زِينَةً لَها ولأهلها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا في تعاطيه، وهو من زهد فيه ولم يغتر به وقنع منه بما يزجي به أيامه وصرفه على ما ينبغي، وفيه تسكين لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وَإِنَّا لَجاعِلُونَ مَا عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً تزهيد فيه، والجرز الأرض التي قطع نباتها. مأخوذ من الجرز وهو القطع، والمعنى إنا لنعيد ما عليها من الزينة تراباً مستوياً بالأرض ونجعله كصعيد أملس لا نبات فيه.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٩]
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩)
أَمْ حَسِبْتَ بل أحسبت. أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ في إبقاء حياتهم مدة مديدة. كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً وقصتهم بالإِضافة إلى خلق ما على الأرض من الأجناس والأنواع الفائتة للحصر على طبائع متباعدة وهيئات متخالفة تعجب الناظرين من مادة واحدة، ثم ردها إليها ليس بعجيب مع أنه من آيات الله كالنزر الحقير. والْكَهْفِ الغار الواسع في الجبل. والرَّقِيمِ اسم الجبل أو الوادي الذي فيه كهفهم، أو اسم قريتهم أو كلبهم. قال أمية بن أبي الصلت:
وَلَيْسَ بِهَا إِلاَّ الرَّقِيمُ مُجَاوِرا وَصَيْدَهُمُو وَالقَوْمُ فِي الكَهْفِ هُجّدٌ
أو لوح رصاصي أو حجري رقمت فيه أسماؤهم وجعل على باب الكهف. وقيل أصحاب الرقيم قوم آخرون كانوا ثلاثة خرجوا يرتادون لأهلهم، فأخذتهم السماء فأووا إلى الكهف فانحطت صخرة وسدت بابه.
فقال أحدهم اذكروا أيكم عمل حسنة لعل الله يرحمنا ببركته، فقال أحدهم: استعملت أجراء ذات يوم فجاء رجل وسط النهار وعمل في بقيته مثل عملهم فأعطيته مثل أجرهم، فغضب أحدهم وترك أجره فوضعته في جانب البيت، ثم مر بي بقر فاشتريت به فصيلة فبلغت ما شاء الله، فرجع إلي بعد حين شيخاً ضعيفاً لا أعرفه وقال: إن لي عندك حقاً وذكره لي حتى عرفته فدفعتها إليه جميعاً، اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا، فانصدع الجبل حتى رأوا الضوء. وقال آخر: كان فِيَّ فضل وأصابت الناس شدة، فجاءتني امرأة فطلبت مني معروفاً فقلت: والله ما هو دون نفسك فأبت وعادت ثم رجعت ثلاثاً، ثم ذكرت لزوجها فقال أجيبي له وأغيثي عيالك، فأتت وسلمت إلي نفسها فلما تكشفتها وهممت بها ارْتَعَدَتْ فقلت: ما لكِ قالت أخاف الله،
فقلت لها: خفته في الشدة ولم أخفه في الرخاء فتركتها وأعطيتها ملتمسها، اللهم إن كنت فعلته لوجهك فافرج عنا، فانصدع حتى تعارفوا. وقال الثالث كان لي أبوان هرمان وكانت لي غنم وكنت أطعمهما وأسقيهما ثم أرجع إلى غني فحبسني ذات يوم غيث فلم أبرح حتى أمسيت، فأتيت أهلي وأخذت محلبي فحلبت فيه ومضيت إليهما، فوجدتهما نائمين فشق علي أن أوقظهما، فتوقعت جالساً ومحلبي على يدي حتى أيقظهما الصبح فسقيتهما. اللهم إن كنت فعلته لوجهك فافرج عنا. ففرج الله عنهم فخرجوا وقد رفع ذلك نعمان بن بشير.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٠ الى ١١]
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١)
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ يعني فتية من أشراف الروم أرادهم دقيانوس على الشرك فأبوا وهربوا إلى الكهف، فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً توجب لنا المغفرة والرزق والأمن من العدو. وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا من الأمر الذي نحن عليه من مفارقة الكفار. رَشَداً نصير بسببه راشدين مهتدين، أو اجعل أمرنا كله رشداً كقولك: رأيت منك أسداً وأصل التهيئة إحداث هيئة الشيء.
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ أي ضربنا عليهم حجاباً يمنع السماع بمعنى أنمناهم إنامة لا تنبههم فيها الأصوات، فحذف المفعول كما حذف في قولهم: بنى على امرأته. فِي الْكَهْفِ سِنِينَ ظرفان لضربنا.
عَدَداً أي ذوات عدد، ووصف السنين به يحتمل التكثير والتقليل، فإن مدة لبثهم كبعض يوم عنده.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٢ الى ١٣]
ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣)
ثُمَّ بَعَثْناهُمْ أيقظناهم. لِنَعْلَمَ ليتعلق علمنا تعلقاً حالياً مطابقاً لتعلقه أولاً تعلقاً استقبالياً. أَيُّ الْحِزْبَيْنِ المختلفين منهم أو من غيرهم في مدة لبثهم. أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً ضبط أمد الزمان لبثهم وما في أي من معنى الاستفهام علق عنه لنعلم، فهو مبتدأ وأَحْصى خبره. وهو فعل ماضٍ وأَمَداً مفعول له ولِما لَبِثُوا حال منه أو مفعول له، وقيل إنه المفعول واللام مزيدة وما موصولة وأَمَداً تمييز، وقيل أَحْصى اسم تفضيل من الإِحصاء بحذف الزوائد كقولهم: هو أحصى للمال وأفلس من ابن المذلق، وأَمَداً نصب بفعل دل عليه أَحْصى كقوله:
وَأضرب مِنَّا بِالسُّيُوفِ القَوَانِسَا نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ بالصدق. إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ شبان جمع فتى كصبي وصبية. آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً بالتثبيت.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٤ الى ١٥]
وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (١٥)
وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ وقويناها بالصبر على هجر الوطن والأهل والمال، والجراءة على إظهار الحق والرد على دقيانوس الجبار. إِذْ قامُوا بين يديه. فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً والله لقد قلنا قولاً ذا شطط أي ذا بعد عن الحق مفرط في الظلم.
هؤُلاءِ مبتدأ. قَوْمُنَا عطف بيان. اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً خبره، وهو إخبار في معنى إنكار.
لَوْلا يَأْتُونَ هلا يأتون. عَلَيْهِمْ على عبادتهم. بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ ببرهان ظاهر فإن الدين لا يؤخذ إلا به، وفيه دليل على أن ما لا دليل عليه من الديانات مردود وأن التقليد فيه غير جائز. فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً بنسبة الشريك إليه.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٦]
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (١٦)
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ خطاب بعضهم لبعض. وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ عطف على الضمير المنصوب، أي وإذ اعتزلتم القوم ومعبوديهم إلا الله، فإنهم كانوا يعبدون الله ويعبدون الأصنام كسائر المشركين. ويجوز أن تكون مَا مصدرية على تقدير وإذ اعتزلتموهم وعبادتهم إلا عبادة الله، وأن تكون نافية على أنه إخبار من الله تعالى عن الفتية بالتوحيد معترض بين إِذِ وجوابه لتحقيق اعتزالهم. فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ يبسط الرزق لكم ويوسع عليكم. مِنْ رَحْمَتِهِ في الدارين. وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً ما ترتفقون به أي تنتفعون، وجزمهم بذلك لنصوع يقينهم وقوة وثوقهم بفضل الله تعالى، وقرأ نافع وابن عامر مِرفَقاً بفتح الميم وكسر الفاء وهو مصدر جاء شاذاً كالمرجع والمحيض فإن قياسه الفتح.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٧]
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧)
وَتَرَى الشَّمْسَ لو رأيتهم، والخطاب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو لكل أحد. إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ تميل عنه ولا يقع شعاعها عليهم فيؤذيهم، لأن الكهف كان جنوبياً، أو لأن الله تعالى زورها عنهم. وأصله تتزاور فأدغمت التاء في الزاي، وقرأ الكوفيون بحذفها وابن عامر ويعقوب «تزور» كتحمر، وقرئ «تزوار» كتحمار وكلها من الزور بمعنى الميل. ذاتَ الْيَمِينِ جهة اليمين وحقيقتها الجهة ذات اسم اليمين. وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ تقطعهم وتصرم عنهم. ذاتَ الشِّمالِ يعني يمين الكهف وشماله لقوله: وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ أي وهم في متسع من الكهف، يعني في وسطه بحيث ينالهم روح الهواء ولا يؤذيهم كرب الغار ولا حر الشمس، وذلك لأن باب الكهف في مقابلة بنات نعش، وأقرب المشارق والمغارب إلى محاذاته مشرق رأس السرطان ومغربه، والشمس إذا كان مدارها مداره تطلع مائلة عنه مقابلة لجانبه الأيمن وهو الذي يلي المغرب، وتغرب محاذية لجانبه الأيسر فيقع شعاعها على جانبيه، ويحلل عفونته ويعدل هواءه ولا يقع عليهم فيؤذي أجسادهم ويبلي ثيابهم. ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ أي شأنهم وإيواؤهم إلى كهف شأنه كذلك، أو إخبارك قصتهم، أو ازورار الشمس عنهم وقرضها طالعة وغاربة من آيات الله. مَنْ يَهْدِ اللَّهُ بالتوفيق. فَهُوَ الْمُهْتَدِ الذي أصاب الفلاح، والمراد به إما الثناء عليهم أو التنبيه على أن أمثال هذه الآيات كثيرة ولكن المنتفع بها من وفقه الله للتأمل فيها والاستبصار بها. وَمَنْ يُضْلِلْ ومن يخذله. فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً من يليه ويرشده.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٨]
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨)
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً لانفتاح عيونهم أو لكثرة تقلبهم. وَهُمْ رُقُودٌ نيام. وَنُقَلِّبُهُمْ في رقدتهم.
ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ كيلا تأكل الأرض ما يليها من أبدانهم على طول الزمان. وقرئ «ويقلبهم» بالياء والضمير لله تعالى، و «تَقَلُبَهُمْ» على المصدر منصوباً بفعل يدل عليه تحسبهم أي وترى تقلبهم. وَكَلْبُهُمْ هو كلب مروا به فتبعهم فطردوه فأنطقه الله تعالى فقال: أنا أحب أحباء الله فناموا وأنا أحرسكم. أو كلب راع مروا به فتبعهم وتبعه الكلب، ويؤيده قراءة من قرأ: «وكالبهم» أي وصاحب كلبهم. باسِطٌ ذِراعَيْهِ حكاية حال ماضية ولذلك أعمل اسم الفاعل. بِالْوَصِيدِ بفناء الكهف، وقيل الوصيد الباب، وقيل العتبة. لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ فنظرت إليهم، وقرئ «لَو اطلعت» بضم الواو. لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً لهربت منهم، وفِراراً يحتمل المصدر لأنه نوع من التولية والعلة والحال. وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً خوفاً يملأ صدرك بما ألبسهم الله من الهيبة أو لعظم أجرامهم وانفتاح عيونهم. وقيل لوحشة مكانهم. وعن معاوية رضي الله عنه أنه غزا الروم فمر بالكهف فقال: لو كشفت لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم، فقال له ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ليس لك ذلك قد منع الله تعالى منه من هو خير منك فقال لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً فلم يسمع وبعث ناساً فلما دخلوا جاءت ريح فأحرقتهم. وقرأ الحجازيان لَمُلِئْتَ بالتشديد للمبالغة وابن عامر والكسائي ويعقوب رُعْباً بالتثقيل.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠)
وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ وكما أنمناهم آية بعثناهم آية على كمال قدرتنا. لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ ليسأل بعضهم بعضاً فتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم فيزدادوا يقيناً على كمال قدرة الله تعالى، ويستبصروا به أمر البعث ويشكروا ما أنعم الله به عليهم. قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ بناء على غالب ظنهم لأن النائم لا يحصي مدة نومه ولذلك أحالوا العلم إلى الله تعالى. قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ ويجوز أن يكون ذلك قول بعضهم وهذا إنكار الآخرين عليهم. وقيل إنهم دخلوا الكهف غدوة وانتبهوا ظهيرة وظنوا أنهم في يومهم أو اليوم الذي بعده قالوا ذلك، فلما نظروا إلى طول أظفارهم وأشعارهم قالوا هذا ثم لما علموا أن الأمر ملتبس لا طريق لهم إلى علمه أخذوا فيما يهمهم وقالوا: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ والورق الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة، وقرأ أبو بكر وأبو عمرو وحمزة وروح عن يعقوب بالتخفيف. وقرئ بالتثقيل وإدغام القاف في الكاف وبالتخفيف مكسور الواو مدغماً وغير مدغم، ورد المدغم لالتقاء الساكنين على غير حده، وحملهم له دليل على أن التزود رأي المتوكلين والمدينة طرسوس. فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أي أهلها. أَزْكى طَعاماً أحل وأطيب أو أكثر وأرخص. فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وليتكلف اللطف في المعاملة حتى لا يغبن، أو في التخفي حتى لا يعرف. وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً ولا يفعلن ما يؤدي إلى الشعور.
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ أي يطلعوا عليكم أو يظفروا بكم، والضمير للأهل المقدر في أَيُّها. يَرْجُمُوكُمْ يقتلوكم بالرجم. أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ أو يصيروكم إليها كرهاً من العود بمعنى الصيرورة. وقيل كانوا أولاً على دينهم فآمنوا. وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً إن دخلتم في ملتهم.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢١]
وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١)
وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ وكما أنمناهم وبعثناهم لتزداد بصيرتهم أطلعنا عليهم. لِيَعْلَمُوا ليعلم الذين أطلعناهم على حالهم. أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث أو الموعود الذي هو البعث. حَقٌّ لأن نومهم وانتباهم كحال من يموت ثم يبعث. وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيها وأن القيامة لا ريب في إمكانها، فإن من توفى نفوسهم وأمسكها ثلاثمائة سنين حافظاً أبدانها عن التحلل والتفتت، ثم أرسلها إليها قدر أن يتوفى نفوس جميع الناس ممسكاً إياها إلى أن يحشر أبدانهم فيردها عليها. إِذْ يَتَنازَعُونَ ظرف ل أَعْثَرْنا أي أعثرنا عليهم حين يتنازعون. بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ أمر دينهم، وكان بعضهم يقول تبعث الأرواح مجردة وبعضهم يقول يبعثان معاً ليرتفع الخلاف ويتبين أنهما يبعثان معاً، أو أمر الفتية حين أماتهم الله ثانياً بالموت فقال بعضهم، ماتوا وقال آخرون ناموا نومهم أول مرة، أو قالت طائفة نبني عليهم بنياناً يسكنه الناس ويتخذونه قرية، وقال آخرون لنتخذن عليهم مسجداً يصلى فيه كما قال تعالى: فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً وقوله رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ اعتراض إما من الله رداً على الخائضين في أمرهم من أولئك المتنازعين أو من المتنازعين في زمانهم، أو من المتنازعين فيهم على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو من المتنازعين للرد إلى الله بعد ما تذكروا أمرهم وتناقلوا الكلام في أنسابهم وأحوالهم فلم يتحقق لهم ذلك.
حكي أن المبعوث لما دخل السوق وأخرج الدراهم وكان عليها اسم دقيانوس اتهموه بأنه وجد كنزاً فذهبوا به إلى الملك. وكان نصرانياً موحداً. فقص عليه القصص، فقال بعضهم: إن آباءنا أخبرونا أن فتية فروا بدينهم من دقيانوس فلعلهم هؤلاء، فانطلق الملك وأهل المدينة من مؤمن وكافر وأبصروهم وكلموهم، ثم قالت الفتية للملك نستودعك الله ونعيذك به من شر الجن والإِنس ثم رجعوا إلى مضاجعهم فماتوا فدفنهم الملك في الكهف وبني عليهم مسجداً. وقيل لما انتهوا إلى الكهف قال لهم الفتى مكانكم حتى أدخل أولاً لئلا يفزعوا، فدخل فعمي عليهم المدخل فبنوا ثم مسجدا.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٢]
سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢)
سَيَقُولُونَ أي الخائضون في قصتهم في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم من أهل الكتاب والمؤمنين. ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ أي هم ثلاثة رجال يربعهم كلبهم بانضمامه إليهم. قيل هو قول اليهود وقيل هو قول السيد من نصارى نجران وكان يعقوبياً. وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ قاله النصارى أو العاقب منهم وكان نسطورياً. رَجْماً بِالْغَيْبِ يرمون رمياً بالخبر الخفي الذي لا مطلع لهم عليه وإتياناً به، أو ظناً بالغيب من قولهم رجم بالظن إذا ظن وإنما لم يذكر بالسين اكتفاء بعطفه على ما هو فيه. وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ إنما قاله المسلمون بإخبار الرسول لهم عن جبريل عليهما الصلاة والسلام وإيماء الله تعالى إليه بأن أتبعه قوله قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ وأتبع الأولين قوله رجماً بالغيب وبأن أثبت العلم بهم لطائفة بعد ما حصر أقوال الطوائف في الثلاثة المذكورة، فإن عدم إيراد رابع في نحو هذا المحل دليل العدم مع أن الأصل ينفيه، ثم رد الأولين بأن أتبعهما قوله رَجْماً بِالْغَيْبِ ليتعين الثالث وبأن أدخل فيه الواو على الجملة الواقعة صفة للنكرة تشبيهاً لها بالواقعة حالاً من المعرفة، لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت.
وعن علي رضي الله عنه هم سبعة وثامنهم كلبهم وأسماؤهم: يمليخا ومكشلينيا
ومشلينيا هؤلاء أصحاب يمين الملك، ومرنوش ودبرنوش وشاذنوش أصحاب يساره وكان يستشيرهم، والسابع الراعي الذي وافقهم واسم كلبهم قطمير واسم مدينتهم أفسوس.
وقيل الأقوال الثلاثة لأهل الكتاب والقليل منهم. فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً فلا تجادل في شأن الفتية إلاَّ جدالاً ظاهراً غير متعمق فيه، وهو أن تقص عليهم ما في القرآن من غير تجهيل لهم والرد عليهم. وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً ولا تسأل أحداً منهم عن قصتهم سؤال مسترشد فإن فيما أوحي إليك لمندوحة من غيره، مع أنه لا علم لهم بها ولا سؤال متعنت تريد تفضيح المسؤول وتزييف ما عنده فإنه مخل بمكارم الأخلاق.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢٣ الى ٢٤]
وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤)
وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نهي تأديب من الله تعالى لنبيه
حين قالت اليهود لقريش: سلوه عن الروح وأصحاب الكهف وذي القرنين، فسألوه فقال: «ائتوني غداً أخبركم»
ولم يستثن فأبطأ عليه الوحي بضعة عشر يوماً حتى شق عليه وكذبته قريش. والاستثناء من النهي أي ولا تقولن لأجل شيء تعزم عليه إني فاعله فيما يستقبل إلا ب أَنْ يَشاءَ اللَّهُ، أي إلا ملتبساً بمشيئته قائلاً إن شاء الله أو إلا وقت أن يشاء الله أن تقوله بمعنى أن يأذن لك فيه، ولا يجوز تعليقه بفاعل لأن استثناء اقتران المشيئة بالفعل غير سديد واستثناء اعتراضها دونه لا يناسب النهي وَاذْكُرْ رَبَّكَ مشيئة ربك وقل إن شاء الله. كما
روي أنه لما نزل قال عليه الصلاة والسلام: «إن شاء الله».
إِذا نَسِيتَ إذا فرط منك نسيان لذلك ثم تذكرته. وعن ابن عباس ولو بعد سنة ما لم يحنث، ولذلك جوز تأخير الاستثناء عنه. وعامة الفقهاء على خلافه لأنه لو صح ذلك لم يتقرر إقرار ولا طلاق ولا عتاق ولم يعلم صدق ولا كذب، وليس في الآية والخبر أن الاستثناء المتدارك به من القول السابق بل هو من مقدر مدلول به عليه، ويجوز أن يكون المعنى واذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت الاستثناء مبالغة في الحث عليه، أو اذكر ربك وعقابه إذا تركت بعض ما أمرك به ليبعثك على التدارك، أو اذكره إذا اعتراك النسيان ليذكرك المنسي. وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي يدلني. لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً لأقرب رشداً وأظهر دلالة على أني نبي من نبأ أصحاب الكهف. وقد هداه لأعظم من ذلك كقصص الأنبياء المتباعدة عنه أيامهم، والإِخبار بالغيوب والحوادث النازلة في الأعصار المستقبلة إلى قيام الساعة، أو لأقرب رشداً وأدنى خيرا من المنسي.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٥]
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥)
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً يعني لبثهم فيه أحياء مضروباً على آذانهم، وهو بيان لما أجمل قبل. وقيل إنه حكاية كلام أهل الكتاب فإنهم اختلفوا في مدة لبثهم كما اختلفوا في عدتهم فقال بعضهم ثلاثمائة وقال بعضهم ثلاثمائة وتسع سنين. وقرأ حمزة والكسائي ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ بالإِضافة على وضع الجمع موضع الواحد، ويحسنه ها هنا أن علامة الجمع فيه جبر لما حذف من الواحد وأن الأصل في العدد إضافته إلى الجمع ومن لم يضف أبدل السنين من ثلاثمائة.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٦]
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦)
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ له ما غاب فيهما وخفي من أحوال أهلهما، فلا خلق يخفى عليه علماً. أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ذكر بصيغة التعجب للدلالة على أن أمره في الإِدراك خارج عما
عليه إدراك السامعين والمبصرين، إذ لا يحجبه شيء ولا يتفاوت دونه لطيف وكثيف وصغير وكبير وخفي وجلي، والهاء تعود إلى الله ومحله الرفع على الفاعليه والباء مزيده عند سيبويه وكان أصله أبصر أي صار ذا بصر، ثم نقل إلى صيغة الأمر بمعنى الإنشاء، فبرز الضمير لعدم لياق الصيغة له أو لزيادة الباء كما في قوله تعالى وَكَفى بِهِ والنصب على المفعولية عند الأخفش والفاعل ضمير المأمور وهو كل أحد والباء مزيدة إن كانت الهمزة للتعدية ومعدية إن كانت للصيرورة. مَّا لَهُمْ الضمير لأهل السموات والأرض. مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ من يتولى أمورهم. وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ في قضائه. أَحَداً منهم ولا بجعل له فيه مدخلاً. وقرأ ابن عامر وقالون عن يعقوب بالتاء والجزم على نهي كل أحد عن الإِشراك، ثم لما دل اشتمال القرآن على قصة أصحاب الكهف من حيث إنها من المغيبات بالإضافة إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم على أنه وحي معجز أمره أن يداوم درسه ويلازم أصحابه فقال:
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨)
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ من القرآن، ولا تسمع لقولهم: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ.
لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ لا أحد يقدر على تبديلها وتغييرها غيره. وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ملتجأ عليه إن هممت به.
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ واحبسها وثبتها. مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ في مجامع أوقاتهم، أو في طرفي النهار. وقرأ ابن عامر «بالغدوة» وفيه أن غدوة علم في الأكثر فتكون اللام فيه على تأويل التنكير.
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ رضا الله وطاعته. وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ ولا يجاوزهم نظرك إلى غيرهم، وتعديته بعن لتضمينه معنى نبأ. وقرئ «ولا تعد عينيك» «وَلاَ تَعْدُ» من أعداه وعداه. والمراد نهي الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يزدري بفقراء المؤمنين وتعلو عينه عن رثاثة زيهم طموحاً إلى طراوة زي الأغنياء. تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا حال من الكاف في المشهورة ومن المستكن في الفعل في غيرها. وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ من جعلنا قلبه غافلاً.
عَنْ ذِكْرِنا كأمية بن خلف في دعائك إلى طرد الفقراء عن مجلسك لصناديد قريش. وفيه تنبيه على أن الداعي له إلى هذا الاستدعاء غفلة قلبه عن المعقولات وانهماكه في المحسوسات، حتى خفي عليه أن الشرف بحلية النفس لا بزينة الجسد، وأنه لو أطاعه كان مثله في الغباوة. والمعتزلة لما غاظهم إسناد الإِغفال إلى الله تعالى قالوا: إنه مثل أجبنته إذا وجدته كذلك أو نسبته إليه، أو من أغفل إبله إذا تركها بغير سمة أي لم نسمه بذكرنا كقلوب الذين كتبنا في قلوبهم الإِيمان، واحتجوا على أن المراد ليس ظاهر ما ذكر أولاً بقوله: وَاتَّبَعَ هَواهُ وجوابه ما مر غير مرة. وقرئ «أَغْفَلْنَا» بإسناد الفعل إلى القلب على معنى حسبنا قلبه غافلين عن ذكرنا إياه بالمؤاخذة. وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً أي تقدماً على الحق ونبذاً له وراء ظهره يقال: فرس فرط أي متقدم للخيل ومنه الفرط.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٩]
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩)
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ الحق ما يكون من جهة الله لا ما يقتضيه الهوى، ويجوز أن يكون الحق خبر مبتدأ محذوف ومِنْ رَبِّكُمْ حالاً. فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ لا أبالي بإيمان من آمن ولا كفر من كفر، وهو لا يقتضي استقلال العبد بفعله فإنه وإن كان بمشيئته فمشيئته ليست بمشيئته. إِنَّا أَعْتَدْنا
هيأنا. لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها فسطاطها، شبه به ما يحيط بهم من النار. وقيل السرادق الحجرة التي تكون حول الفسطاط. وقيل سرادقها دخانها وقيل حائط من نار وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا من العطش. يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ كالجسد المذاب. وقيل كدرديّ الزيت وهو على طريقة قوله: فأعتبوا بالصيلم. يَشْوِي الْوُجُوهَ إذا قدم ليشرب من فرط حرارته، وهو صفة ثانية لماء أو حال من المهل أو الضمير في الكاف.
بِئْسَ الشَّرابُ المهل. وَساءَتْ النار. مُرْتَفَقاً متكأ وأصل الارتفاق نصب المرفق تحت الخد، وهو لمقابلة قوله وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً وإلا فلا ارتفاق لأهل النار.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٣٠]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا خبر إن الأولى هي الثانية بما في حيزها، والراجع محذوف تقديره من أحسن عملاً منهم أو مستغنى عنه بعموم من أحسن عملاً كما هو مستغنى عنه في قولك: نعم الرجل زيد، أو واقع موقعه الظاهر فإن من أحسن عملاً لا يحسن اطلاقه على الحقيقة إلا على الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٣١]
أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١)
أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وما بينهما اعتراض وعلى الأول استئناف لبيان الأجر أو خبر ثان. يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ الأولى للابتداء والثانية للبيان صفة ل أَساوِرَ، وتنكيره لتعظيم حسنها من الإِحاطة به وهو جمع أسورة أو أسوار في جمع سوار. وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً لأن الخضرة أحسن الألوان وأكثرها طراوة. مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ نمارق من الديباج وما غلظ منه جمع بين النوعين للدلالة على أن فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين. مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ على السرر كما هو هيئة المتنعمين. نِعْمَ الثَّوابُ الجنة ونعيمها. وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً متكأ.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٣٢]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (٣٢)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا للكافر والمؤمن. رَجُلَيْنِ حال رجلين مقدرين أو موجودين هما أخوان من بني إسرائيل كافر اسمه قطروس ومؤمن اسمه يهوذا، ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فتشاطرا، فاشترى الكافر بها ضياعاً وعقاراً وصرفها المؤمن في وجوه الخير، وآل أمرهما إلى ما حكاه الله تعالى. وقيل الممثل بهما أخوان من بني مخزوم كافر وهو الأسود بن عبد الأشد ومؤمن وهو أبو سلمة عبد الله زوج أم سلمة قبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ بستانين. مِنْ أَعْنابٍ من كروم والجملة بتمامها بيان للتمثيل أو صفة للرجلين. وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وجعلنا النخل محيطة بهما مؤزراً بها كرومهما، يقال حفه القوم إذا أطافوا به وحففته بهم إذا جعلتهم حافين حوله فتزيده الباء مفعولاً ثانياً كقولك: غشيته به. وَجَعَلْنا بَيْنَهُما وسطهما.
زَرْعاً ليكون كل منهما جامعاً للأقوات والفواكه متواصل العمارة على الشكل الحسن والترتيب الأنيق.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٣٣ الى ٣٤]
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (٣٣) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (٣٤)
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها ثمرها، وإفراد الضمير لإِفراد كِلْتَا وقرئ «كل الجنتين آتى أكله». وَلَمْ
تَظْلِمْ مِنْهُ
ولم تنقص من أكلها. شَيْئاً يعهد في سائر البساتين فإن الثمار تتم في عام وتنقص في عام غالباً. وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً ليدوم شربهما فإنه الأصل ويزيد بهاؤهما، وعن يعقوب وَفَجَّرْنا بالتخفيف.
وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ أنواع من المال سوى الجنتين من ثمر ماله إذا كثره. وقرأ عاصم بفتح الثاء والميم، وأبو عمرو بضم الثاء وإسكان الميم والباقون بضمهما وكذلك في قوله وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ يراجعه في الكلام من حار إذا رجع. أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً حَشَماً وأعواناً. وقيل أولاداً ذكوراً لأنهم الذين ينفرون معه.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٣٥ الى ٣٦]
وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (٣٥) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (٣٦)
وَدَخَلَ جَنَّتَهُ بصاحبه يطوف به فيها ويفاخره بها، وإفراد الجنة لأن المراد ما هو جنته وما متع به من الدنيا تنبيهاً على أن لا جنة له غيرها ولا حظ له في الجنة التى وُعِدَ المتقون، أو لاتصال كل واحدة من جنتيه بالأخرى، أو لأن الدخول يكون في واحدة واحدة. وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ضار لها بعجبه وكفره قالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ أن تفنى. هذِهِ الجنة. أَبَداً لطول أمله وتمادي غفلته واغتراره بمهلته.
وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً كائنة. وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي بالبعث كما زعمت. لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها من جنته، وقرأ الحجازيان والشامي «منهما» أي من الجنتين. مُنْقَلَباً مرجعاً وعاقبة لأنها فانية وتلك باقية، وإنما أقسم على ذلك لاعتقاده أنه تعالى إنما أولاه ما أولاه لاستئهاله واستحقاقه إياه لذاته وهو معه أينما تلقاه.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٣٧ الى ٣٨]
قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (٣٧) لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (٣٨)
قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ لأنه أصل مادتك أو مادة أصلك. ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ فإنها مادتك القريبة. ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ثم عدلك وكملك إنساناً ذكراً بالغاً مبلغ الرجال. جعل كفره بالبعث كفراً بالله تعالى لأن منشأه الشك في كمال قدرة الله تعالى، ولذلك رتب الإِنكار على خلقه إياه من التراب فإن من قدر على بدء خلقه منه قدر أن يعيده منه.
لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً أصله لكن أنا فحذفت الهمزة بنقل الحركة أو دونه فتلاقت النونان فكان الإِدغام، وقرأ ابن عامر ويعقوب في رواية بالألف في الوصل لتعويضها من الهمزة أو لإِجراء الوصل مجرى الوقف، وقد قرئ «لكنا أنا» على الأصل وهو ضمير الشأن وهو بالجملة الواقعة خبراً له خبر «أنا» أو ضمير اللَّهُ واللَّهُ بدله وربي خبره والجملة خبر «أنا» والاستدراك من أكفرت كأنه قال: أنت كافر بالله لكني مؤمن به، وقد قرئ «لكن هو الله ربي ولكن أنا لا إله إلا هو ربي».
[سورة الكهف (١٨) : آية ٣٩]
وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً (٣٩)
وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ وهلا قلت عند دخولها. مَا شاءَ اللَّهُ الأمر ما شاء أو ما شاء كائن على أن ما موصولة، أو أي شيء شاء الله كان على أنها شرطية والجواب محذوف إقراراً بأنها وما فيها بمشيئة الله إن شاء أبقاها وإن شاء أبادها. لاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وقلت لا قوة إلا بالله اعترافاً بالعجز على نفسك والقدرة لله، وإن ما تيسر لك من عمارتها وتدبير أمرها فبمعونته وإقداره.
وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم «من رأى شيئاً فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره».
إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً يحتمل أن يكون فصلاً وأن يكون
تأكيدا للمفعول الأول، وقرئ «أَقُلْ» بالرفع على أنه خبر أَنَا والجملة مفعول ثاني ل تَرَنِ، وفي قوله وَوَلَداً دليل لمن فسر النفر بالأولاد.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٤٠ الى ٤١]
فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (٤٠) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (٤١)
فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ في الدنيا أو في الآخرة لإِيماني وهو جواب الشرط. وَيُرْسِلَ عَلَيْها على جنتك لكفرك. حُسْباناً مِنَ السَّماءِ مرامي جمع حسبانة وهي الصواعق. وقيل هو مصدر بمعنى الحساب والمراد به التقدير بتخريبها أو عذاب حساب الأعمال السيئة. فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً أرضاً ملساء يزلق عليها باستئصال نباتها وأشجارها.
أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً أي غائراً في الأرض مصدر وصف به كالزلق. فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً للماء الغائر تردداً في رده.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٤٢ الى ٤٣]
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (٤٢) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (٤٣)
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ وأهلك أمواله حسبما توقعه صاحبه وأنذره منه، وهو مأخوذ من أحاط به العدو فإنه إذا أحاط به غلبه وإذا غلبه أهلكه، ونظيره أتى عليه إذا أهلكه من أتى عليهم العدو إذا جاءهم مستعلياً عليهم.
فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ ظهراً لبطن تلهفاً وتحسراً. عَلى مَا أَنْفَقَ فِيها في عمارتها وهو متعلق ب يُقَلِّبُ لأن تقليب الكفين كناية عن الندم فكأنه قيل: فأصبح يندم، أو حال أي متحسراً على ما أنفق فيها. وَهِيَ خاوِيَةٌ ساقطة. عَلى عُرُوشِها بأن سقطت عروشها على الأرض وسقطت الكروم فوقها عليها. وَيَقُولُ عطف على يُقَلِّبُ أو حال من ضميره. يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً كأنه تذكر موعظة أخيه وعلم أنه أتى من قبل شركه فتمنى لو لم يكن مشركاً فلم يهلك الله بستانَه، ويحتمل أن يكون توبة من الشرك وندماً على ما سبق منه.
وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ وقرأ حمزة والكسائي بالياء لتقدمه. يَنْصُرُونَهُ يقدرون على نصره بدفع الإِهلاك أو رد المهلك أو الإِتيان بمثله. مِنْ دُونِ اللَّهِ فإِنه القادر على ذلك وحده. وَما كانَ مُنْتَصِراً وما كان ممتنعاً بقوته عن انتقام الله منه.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٤]
هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤)
هُنالِكَ في ذلك المقام وتلك الحال. الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ النصرة له وحدة لا يقدر عليها غيره تقديراً لقوله وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ أو ينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة كما نصر فيما فعل بالكافر أخاه المؤمن ويعضده قوله: هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً أي لأوليائه. وقرأ حمزة والكسائي بالكسر ومعناها السلطان والملك أي هنالك السلطان له لا يغلب ولا يمنع منه، أو لا يعبد غيره كقوله تعالى فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فيكون تنبيهاً على أن قوله يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ كان عن اضطرار وجزع مما دهاه.
وقيل هُنالِكَ إشارة إلى الآخرة وقرأ أبو عمرو والكسائي الحق بالرفع صفة للولاية، وقرئ بالنصب على المصدر المؤكد، وقرأ عاصم وحمزة عُقْباً بالسكون، وقرئ «عقبى» وكلها بمعنى العاقبة.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٥]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا واذكر لهم ما يشبه الحياة الدنيا في زهرتها وسرعة زوالها أو صفتها الغريبة. كَماءٍ هي كماء ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً ل اضْرِبْ على أنه بمعنى صير. أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فالتفت بسببه وخالط بعضه بعضاً من كثرته وتكاثفه، أو نجع في النبات حتى روى ورف وعلى هذا كان حقه فاختلط بنبات الأرض لكنه لما كان كل من المختلطين موصوفاً بصفة صاحبه عكس للمبالغة في كثرته. فَأَصْبَحَ هَشِيماً مهشوماً مكسوراً. تَذْرُوهُ الرِّياحُ تفرقه، وقرئ «تذريه» من أذرى والمشبه به ليس الماء ولا حاله بل الكيفية المنتزعة من الجملة، وهي حال النبات المنبت بالماء يكون أخضر وارفاً ثم هشيماً تطيره الرياح فيصير كأن لم يكن. وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الإِنشاء والإِفناء.
مُقْتَدِراً قادراً.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٦]
الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦)
الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا يتزين بها الإِنسان في دنياه وتفنى عنه عما قريب. وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ وأعمال الخيرات التي تبقى له ثمرتها أبد الآباد، ويندرج فيها ما فسرت به من الصلوات الخمس وأعمال الحج وصيام رمضان وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر والكلام الطيب. خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ من المال والبنين. ثَواباً عائدة. وَخَيْرٌ أَمَلًا لأن صاحبها ينال بها في الآخرة ما كان يؤمل بها في الدنيا.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٧]
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧)
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ واذكر يوم نقلعها ونسيرها في الجو، أو نذهب بها فنجعلها هباء منبثاً. ويجوز عطفه على عِنْدَ رَبِّكَ أي الباقيات الصالحات خير عند الله ويوم القيامة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر تسير بالتاء والبناء للمفعول وقرئ «تسير» من سارت. وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً بادية برزت من تحت الجبال ليس عليها ما يسترها، وقرئ «وترى» على بناء المفعول. وَحَشَرْناهُمْ وجمعناهم إلى الموقف، ومجيئه ماضياً بعد نُسَيِّرُ وَتَرَى لتحقق الحشر أو للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير ليعاينوا ويشاهدوا ما وعد لهم، وعلى هذا تكون الواو للحال بإضمار قد. فَلَمْ نُغادِرْ فلم نترك. مِنْهُمْ أَحَداً يقال غادره وأغدره إذا تركه ومنه الغدر لترك الوفاء والغدير لما غادره السيل، وقرئ بالياء.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٤٨ الى ٤٩]
وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨) وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩)
عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ
شبه حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان لا ليعرفهم بل ليأمر فيهم.
ًّا
مصطفين لا يحجب أحد أحدا. قَدْ جِئْتُمُونا
على إضمار القول على وجه يكون حالاً أو عاملاً في يوم نسير. ما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
عراة لا شيء معكم من المال والولد كقوله وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى أو أحياء كخلقتكم الأولى لقوله: لْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً
وقتاً لإنجاز الوعد بالبعث والنشور وأن الأنبياء كذبوكم به، وبل للخروج من قصة إلى أخرى.
وَوُضِعَ الْكِتابُ صحائف الأعمال في الأيمان والشمائل أو في الميزان وقيل هو كناية عن وضع
الحساب. فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ خائفين. مِمَّا فِيهِ من الذنوب. وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ينادون هلكتهم التي هلكوها من بين الهلكات. مالِ هذَا الْكِتابِ تعجباً من شأنه. لاَ يُغادِرُ صَغِيرَةً هنة صغيرة. وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها إلا عددها وأحاط بها. وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حاضِراً مكتوباً في الصحف. وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً فيكتب عليه ما لم يفعل أو يزيد في عقابه الملائم لعمله.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٠]
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (٥٠)
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كرره في مواضع لكونه مقدمة للأمور المقصود بيانها في تلك المحال، وها هنا لما شنع على المفتخرين واستقبح صنيعهم قرر ذلك بأنه من سنن إبليس، أو لما بين حال المغرور بالدنيا والمعرض عنها وكان سبب الاغترار بها حب الشهوات وتسويل الشيطان. زهدهم أولاً في زخارف الدنيا بأنها عرضة الزوال والأعمال الصالحة خير وأبقى من أنفسها وأعلاها، ثم نفرهم عن الشيطان بتذكير ما بينهم من العداوة القديمة وهكذا مذهب كل تكرير في القرآن. كانَ مِنَ الْجِنِّ حال بإضمار قد أو استئناف للتعليل كأنه قيل: ما له لم يسجد فقيل كَانَ مِنَ الجن. فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ فخرج عن أمره بترك السجود والفاء للسبب، وفيه دليل على أن الملك لا يعصى أَلبتة وإنما عصى إبليس لأنه كان جنياً في أصله والكلام المستقصى فيه في سورة «البقرة». أَفَتَتَّخِذُونَهُ أعقيب ما وجد منه تتخذونه والهمزة للإِنكار والتعجب. وَذُرِّيَّتَهُ أولاده أو أتباعه، وسماهم ذرية مجازاً. أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي فتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي. وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا من الله تعالى، إبليس وذريته.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥١]
ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١)
ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ. نفي إحضار إبليس وذريته خلق السموات والأرض وإحضار بعضهم خلق بعض ليدل على نفي الاعتضاد بهم في ذلك كما صرح به بقوله: وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً أي أعواناً رداً لاتخاذهم أَوْلِيَاء مِن دُونِ الله شركاء له في العبادة، فإن استحقاق العبادة من توابع الخالقية والاشتراك فيه يستلزم الاشتراك فيها، فوضع الْمُضِلِّينَ موضع الضمير ذماً لهم واستبعاداً للاعتضاد بهم. وقيل الضمير للمشركين والمعنى: ما أشهدتهم خلق ذلك وما خصصتهم بعلوم لا يعرفها غيرهم حتى لو آمنوا تبعهم الناس كما يزعمون، فلا تلتفت إلى قولهم طمعاً في نصرتهم للدين فإنه لا ينبغي لي أن أعتضد بالمضلين لديني. ويعضده قراءة من قرأ وَما كُنْتُ على خطاب الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وقرئ «مُتَّخِذاً المضلين» على الأصل و «عَضُداً» بالتخفيف و «عَضُداً» بالاتباع و «عَضُداً» كخدم جمع عاضد من عضده إذا قواه.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٢]
وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢)
وَيَوْمَ يَقُولُ أي الله تعالى للكافرين وقرأ حمزة بالنون. نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنهم شركائي وشفعاؤكم ليمنعوكم من عذابي، وإضافة الشركاء على زعمهم للتوبيخ والمراد ما عبد من دونه، وقيل إبليس وذريته. فَدَعَوْهُمْ فنادوهم للإِغاثة. فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ فلم يغيثوهم. وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ بين الكفار وآلهتهم. مَوْبِقاً مهلكاً يشتركون فيه وهو النار، أو عداوة هي في شدتها هلاك كقول عمر رضي الله عنه:
لا يكن حبك كلفاً ولا بغضك تلفا. وموبقا اسم مكان أو مصدر من وبق يوبق وبقا إذا هلك. وقيل البين الوصل أي وجعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكاً يوم القيامة.

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]

وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤)
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا فأيقنوا. أَنَّهُمْ مُواقِعُوها مخالطوها واقعون فيها. وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً انصرافاً أو مكانًا ينصرفون إليه.
وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ من كل جنس يحتاجون إليه. وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ يتأتى منه الجدل. جَدَلًا خصومة بالباطل وانتصابه على التمييز.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٥]
وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (٥٥)
وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا من الإِيمان. إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وهو الرسول الداعي والقرآن المبين.
وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ ومن الاستغفار من الذنوب. إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ إلا طلب أو انتظار أو تقدير أن تأتيهم سنة الأولين، وهي الاستئصال فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ عذاب الآخرة. قُبُلًا عياناً. وقرأ الكوفيون قُبُلًا بضمتين وهو لغة فيه أو جمع قبيل بمعنى أنواع، وقرئ بفتحتين وهو أيضاً لغة يقال لقيته مقابلة وقبلاً وقبلاً وقبلياً، وانتصابه على الحال من الضمير أو الْعَذابُ.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٦]
وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (٥٦)
وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ للمؤمنين والكافرين. وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات، والسؤال عن قصة أصحاب الكهف ونحوها تعنتاً. لِيُدْحِضُوا بِهِ ليزيلوا بالجدال. الْحَقَّ عن مقره ويبطلوه، من إدحاض القدم وهو إزلاقها وذلك قولهم للرسل مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ونحو ذلك. وَاتَّخَذُوا آياتِي يعني القرآن. وَما أُنْذِرُوا وإنذارهم أو والذي أنذروا به من العقاب. هُزُواً استهزاء. وقرئ «هزأ» بالسكون وهو ما يستهزأ به على التقديرين.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٥٧ الى ٥٨]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ بالقرآن. فَأَعْرَضَ عَنْها فلم يتدبرها ولم يتذكر بها. وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَداهُ من الكفر والمعاصي ولم يتفكر في عاقبتهما. إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً تعليل لإِعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم. أَنْ يَفْقَهُوهُ كراهة أن يفقهوه، وتذكير الضمير وإفراده للمعنى. وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً يمنعهم أن يستمعوه حق استماعه. وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً تحقيقاً ولا تقليداً لأنهم لا يفقهون ولا يسمعون وإذا كما عرفت جزاء وجواب للرسول صلّى الله عليه وسلّم على تقدير قوله ما لي لا أدعوهم، فإن حرصه صلّى الله عليه وسلّم على إسلامهم يدل عليه.
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ البليغ المغفرة. ذُو الرَّحْمَةِ الموصوف بالرحمة. لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ استشهاد على ذلك بإمهال قريش مع إفراطهم في عداوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ وهو يوم
بدر أو يوم القيامة. لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا منجاً ولا ملجأ، يقال وأل إذا نجا ووأل إليه إذا لجأ إليه.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٩]
وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩)
وَتِلْكَ الْقُرى يعني قرى عاد وثمود وأضرابهم، وَتِلْكَ مبتدأ خبره. أَهْلَكْناهُمْ أو مفعول مضمر مفسر به، والْقُرى صفته ولا بد من تقدير مضاف في أحدهما ليكون مرجع الضمائر. لَمَّا ظَلَمُوا كقريش بالتكذيب والمراء وأنواع المعاصي. وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً لإِهلاكهم وقتاً لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون، فليعتبروا بهم ولا يغتروا بتأخير العذاب عنهم، وقرأ أبو بكر لِمَهْلِكِهِمْ بفتح الميم واللام أي لهلاكهم، وحفص بكسر اللام حملاً على ما شذ من مصادر يفعل كالمرجع والمحيض.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٦٠]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠)
وَإِذْ قالَ مُوسى مقدر باذكر. لِفَتاهُ يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف عليهم الصلاة والسلام فإنه كان يخدمه ويتبعه ولذلك سماه فتاه وقيل لعبده. لا أَبْرَحُ أي لا أزال أسير فحذف الخبر لدلالة حاله وهو السفر وقوله: حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ من حيث إنها تستدعي ذا غاية عليه، ويجوز أن يكون أصله لا يبرح مسيري حتى أبلغ على أن حتى أبلغ هو الخبر، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فانقلب الضمير والفعل وأن يكون لا أَبْرَحُ هو بمعنى لا أزول عما أنا عليه من السير والطلب ولا أفارقه فلا يستدعي الخبر، ومَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ملتقى بحري فارس والروم مما يلي المشرق وُعِدَ لقاء الخضر فيه. وقيل البحران موسى وخضر عليهما الصلاة والسلام فإن موسى كان بحر علم الظاهر والخضر كان بحر علم الباطن.
وقرئ «مِجْمَعَ» بكسر الميم على الشذوذ من يفعل كالمشرق والمطلع أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً أو أسير زماناً طويلاً، والمعنى حتى يقع إما بلوغ المجمع أو مضي الحقب أو حتى أبلغ إلا أن أمضي زماناً أتيقن معه فوات المجمع، والحقب الدهر وقيل ثمانون سنة وقيل سبعون.
روي: أن موسى عليه الصلاة والسلام خطب الناس بعد هلاك القبط ودخوله مصر خطبة بليغة فأعجب بها فقيل له: هل تعلم أحداً أعلم منك فقال: لا، فأوحى الله إليه بل أعلم منك عبدنا الخضر وهو بمجمع البحرين، وكان الخضر في أيام افريدون وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر وبقي إلى أيام موسى.
وقيل إن موسى عليه السلام سأل ربه أي عبادك أحب إليك قال الذي يذكرني ولا ينساني، قال فأي عبادك أقضى، قال الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى، قال فأي عبادك أعلم قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى، فقال إن كان في عبادك أعلم مني فادللني عليه، قال أعلم منك الخضر قال: أين أطلبه، قال على الساحل عند الصخرة، قال كيف لي به قال تأخذ حوتاً في مكتل فحيث فقدته فهو هناك، فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فأخبرني فذهبا يمشيان.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٦١ الى ٦٢]
فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢)
فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما أي مجمع البحرين وبَيْنِهِما ظرف أضيف إليه على الاتساع أو بمعنى الوصل. نَسِيا حُوتَهُما نسي موسى عليه الصلاة والسلام أن يطلبه ويتعرف حاله، ويوشع أن يذكر له ما رأى من حياته ووقوعه في البحر.
روي: إن موسى عليه السلام رقد فاضطرب الحوت المشوي ووثب في البحر معجزة لموسى أو الخضر.
وقيل توضأ يوشع من عين الحياة فانتضح الماء عليه فعاش ووثب في الماء.
وقيل نسيا تفقد أمره وما يكون منه أمارة على الظفر بالمطلوب فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً فاتخذ الحوت
طريقه في البحر مسلكاً من قوله وَسارِبٌ بِالنَّهارِ. وقيل أمسك الله جرية الماء على الحوت فصار كالطاق عليه، ونصبه على المفعول الثاني وفي البحر حال منه أو من السبيل ويجوز تعلقه باتخذ.
فَلَمَّا جاوَزا مجمع البحرين. قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا ما نتغدى به. لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً قيل لم ينصب حتى جاوز الموعد فلما جاوزه وسار الليلة والغد إلى الظهر ألقي عليه الجوع والنصب. وقيل لم يعي موسى في سفر غيره ويؤيده التقييد باسم الإشارة.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٦٣]
قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣)
قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا أرأيت ما دهاني إذ أوينا. إِلَى الصَّخْرَةِ يعني الصخرة التي رقد عندها موسى.
وقيل هي الصخرة التي دون نهر الزيت. فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ فقدته أو نسيت ذكره بما رأيت منه. وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان فإن أَنْ أَذْكُرَهُ بدل من الضمير، وقرئ «أن أذكركه». وهو اعتذار عن نسيانه بشغل الشيطان له بوساوسه، والحال وإن كانت عجيبة لا ينسى مثلها لكنه لما ضرى بمشاهدة أمثالها عند موسى وألفها قل اهتمامه بها، ولعله نسي ذلك لاستغراقه في الاستبصار وانجذاب شراشره إلى جناب القدس بما عراه من مشاهدة الآيات الباهرة، وإنما نسبه إلى الشيطان هضماً لنفسه أو لأن عدم احتمال القوة للجانبين واشتغالها بأحدهما عن الآخر يعد من نقصان. وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً سبيلاً عجباً وهو كونه كالسرب أو اتخاذ عجباً، والمفعول الثاني هو الظرف وقيل هو مصدر فعله المضمر أي قال في آخر كلامه، أو موسى في جوابه عجباً تعجباً من تلك الحال. وقيل الفعل لموسى أي اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٦٤ الى ٦٥]
قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (٦٤) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥)
قالَ ذلِكَ أي أمر الحوت. مَا كُنَّا نَبْغِ نطلب لأنه أمارة المطلوب. فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما فرجعا في الطريق الذي جاءا فيه. قَصَصاً يقصان قصصاً أي يتبعان آثارهما اتباعاً، أو مقتصين حتى أتيا الصخرة.
فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا الجمهور على أنه الخضر عليه السلام واسمه بليا بن ملكان، وقيل اليسع، وقيل إلياس. آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا هي الوحي والنبوة. وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً مما يختص بنا ولا يعلم إلا بتوفيقنا وهو علم الغيوب.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٦٦]
قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦)
قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ على شرط أن تعلمني، وهو في موضع الحال من الكاف.
مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً علماً ذا رشد وهو إصابة الخير، وقرأ البصريان بفتحتين وهما لغتان كالبخل والبخل، وهو مفعول تُعَلِّمَنِ ومفعول عُلِّمْتَ العائد المحذوف وكلاهما منقولان من علم الذي له مفعول واحد، ويجوز أن يكون رشداً علة لأتبعك أو مصدراً بإضمار فعله، ولا ينافي نبوته وكونه صاحب شريعة أن يتعلم من غيره ما لم يكن شرطاً في أبواب الدين، فإن الرسول ينبغي أن يكون أعلم ممن أرسل إليه فيما بعث به من أصول الدين وفروعه لا مطلقاً، وقد راعى في ذلك غاية التواضع والأدب، فاستجهل نفسه واستأذن أن يكون تابعاً له، وسأل منه أن يرشده وينعم عليه بتعليم بعض ما أنعم الله عليه.

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٦٧ الى ٦٨]

قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨)
قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً نفى عنه استطاعة الصبر معه على وجوه من التأكيد كأنها مما لا يصح ولا يستقيم وعلل ذلك واعتذر عنه بقوله.
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً أي وكيف تصبر وأنت نبي على ما أتولى من أمور ظواهرها مناكير وبواطنها لم يحط بها خبرك، وخبراً تمييز أو مصدر لأَن لم تحط به بمعنى لم تخبره.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٦٩ الى ٧٠]
قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩) قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (٧٠)
قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً معك غير منكر عليك. وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً عطف على صابراً أي ستجدني صابراً وغير عاص، أو على ستجدني. وتعليق الوعد بالمشيئة إما للتيمن وخلفه ناسياً لا يقدح في عصمته أو لعلمه بصعوبة الْامر، فإن مشاهدة الفساد والصبر على خلاف المعتاد شديد فلا خلف، وفيه دليل على أن أفعال العباد واقعة بمشيئة الله تعالى.
قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ فلا تفاتحني بالسؤال عن شيء أنكرته مني ولم تعلم وجه صحته. حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً حتى أبتدئك ببيانه، وقرأ نافع وابن عامر فَلا تَسْئَلْنِي بالنون الثقيلة.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٧١ الى ٧٢]
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١) قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢)
فَانْطَلَقا على الساحل يطلبان السفينة، حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها أخذ الخضر فأساً فخرق السفينة بأن قلع لوحين من ألواحها. قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها فإن خرقها سبب لدخول الماء فيها المفضي إلى غرق أهلها. وقرئ «لِتُغَرِّقْ» بالتشديد للتكثير. وقرأ حمزة والكسائي «ليغرق أهلها» على إسناده إلى الأهل. لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً أتيت أمراً عظيماً من أمر الأمر إذا عظم.
قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً تذكير لما ذكره قبل.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٣]
قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣)
قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ بالذي نسيته أو بشيء نسيته، يعني وصيته بأن لا يعترض عليه أو بنسياني إياها، وهو اعتذار بالنسيان أخرجه في معرض النهي عن المؤاخذة مع قيام المانع لها. وقيل أراد بالنسيان الترك أي لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرة. وقيل إنه من معاريض الكلام والمراد شيء آخر نسيه.
وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً ولا تغشني عسراً من أمري بالمضايقة والمؤاخذة على المنسي، فإن ذلك يعسر على متابعتك وعُسْراً مفعول ثان لترهق فانه يقال: رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه، وقرئ عُسْراً بضمتين.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٤]
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤)
فَانْطَلَقا أي بعد ما خرجا من السفينة. حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قيل فتل عنقه، وقيل ضرب برأسه الحائط، وقيل أضجعه فذبحه والفاء للدلالة على أنه كما لقيه قتله من غير ترو واستكشاف حال ولذلك: قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ أي طاهرة من الذنوب، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ورويس عن يعقوب «زاكية» والأول أبلغ، وقال أبو عمرو الزاكية التي لم تذنب قط والزكية التي أذنبت ثم غفرت، ولعله اختار
الأول لذلك فإنها كانت صغيرة ولم تبلغ الحلم أو أنه لم يرها قد أذنبت ذنباً يقتضي قتلها، أو قتلت نفساً فتقاد بها، نبه به على أن القتل إنما يباح حداً أو قصاصاً وكلا الأمرين منتف، ولعل تغيير النظم بأن جعل خرقها جزاء، واعتراض موسى عليه الصلاة والسلام مستأنفاً في الأولى وفي الثانية قتله من جملة الشرط واعتراضه جزاء، لأن القتل أقبح والاعتراض عليه أدخل فكان جديراً بأن يجعل عمدة الكلام ولذلك فصله بقوله: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً أي منكراً، وقرأ نافع في رواية قالون وورش وابن عامر ويعقوب وأبو بكر نُكْراً بضمتين.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٧٥ الى ٧٦]
قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦)
قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً زاد فيه لَكَ مكافحة بالعتاب على رفض الوصية، ووسماً بقلة الثبات والصبر لما تكرر منه الاشمئزاز والاستنكار ولم يرعو بالتذكير أول مرة حتى زاد في الاستنكار ثاني مرة.
قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي وإن سألت صحبتك، وعن يعقوب «فلا تصحبني» أي فلا تجعلني صاحبك. قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً قد وجدت عذراً من قبلي لما خالفتك ثلاث مرات.
وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «رحم الله أخي موسى استحيا فقال ذلك لو لبث مع صاحبه لأبصر أعجب الأعاجيب».
وقرأ نافع مِنْ لَدُنِّي بتحريك النون والاكتفاء بها عن نون الدعامة كقوله: قِدْنِي مِنْ نَصْرِ الحَبِيبَينِ قُدى. وأبو بكر لَدُنِّي بتحريك النون وإسكان الضاد من عضد.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٧]
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧)
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ قَرْيَةٍ أنطاكية وقيل أبلة البصرة. وقيل باجروان أرمينية. اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما وقرئ يُضَيِّفُوهُما من أضافه يقال ضافه إذا نزل به ضيفاً وأضافه وضيفه أنزله، وأصل التركيب للميل يقال ضاف السهم عن الغرض إذا مال. فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ يداني أن يسقط فاستعيرت الإِرادة للمشارفة كما استعير لها الهم والعزم قال:
يُرِيدُ الرُّمْح صَدْرَ أَبِي بَرَاء وَيَعْدِلُ عَنْ دِمَاءِ بَني عَقِيلِ
وقال:
إِنَّ دَهْراً يَلُمُّ شَمْلي بجمل لزمانٌ يَهُمُّ بِالإِحْسَانِ
وانقض انفعل من قضضته إذا كسرته، ومنه انقضاض الطير والكواكب لهويه، أو أفعل من النقض.
وقرئ «أَن يَنقَض» و «أن ينقاص» بالصاد المهملة من انقاصت السن إذا انشقت طولاً. فَأَقامَهُ بعمارته أو بعمود عمده به، وقيل مسحه بيده فقام. وقيل نقضه وبناه. قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً تحريضاً على أخذ الجعل لينتعشا به، أو تعريضاً بأنه فضول لما في لَوْ من النفي كأنه لما رأى الحرمان ومساس الحاجة واشتغاله بما لا يعنيه لم يتمالك نفسه، واتخذ افتعل من تخذ كاتبع من تبع وليس من الأخذ عند البصريين، وقرأ ابن كثير والبصريان «لتخذت» أي لأخذت وأظهر ابن كثير ويعقوب وحفص الدال وأدغمه الباقون.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٨]
قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨)
قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ الإِشارة إلى الفراق الموعود بقوله فَلا تُصاحِبْنِي أو إلى الاعتراض
الثالث، أو الوقت أي هذا الاعتراض سبب فراقنا أو هذا الوقت وقته، وإضافة الفراق إلى البين إضافة المصدر إلى الظرف على الاتساع، وقد قرئ على الأصل. سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً بالخبر الباطن فيما لم تستطع الصبر عليه لكونه منكراً من حيث الظاهر.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٩]
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩)
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ لمحاويج، وهو دليل على أن المسكين يطلق على من يملك شيئاً إذا لم يكفه. وقيل سموا مساكين لعجزهم عن دفع الملك أو لزمانتهم فإنها كانت لعشرة إخوة خمسة زمني وخمسة يعملون في البحر. فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها أن أجعلها ذات عيب. وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ قدامهم أو خلفهم وكان رجوعهم عليه، واسمه جلندى بن كركر، وقيل منوار بن جلندي الأزدي. يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً من أصحابها. وكان حق النظم أن يتأخر قوله فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها عن قوله وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ لأن إرادة التعيب مسببة عن خوف الغصب وإنما قدم للعناية أو لأن السبب لما كان مجموع الأمرين خوف الغصب ومسكنة الملاك رتبه على أقوى الجزأين وأدعاهما وعقبه بالآخر على سبيل التقييد والتتميم، وقرئ «كل سفينة صالحة» والمعنى عليها.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٨٠ الى ٨١]
وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١)
وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما أن يغشيهما. طُغْياناً وَكُفْراً لنعمتهما بعقوقه فيلحقهما شراً، أو يقرن بإيمانهما طغيانه وكفره فيجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر، أو يعديهما بعلته فيرتدا بإضلاله، أو بممالأته على طغيانه وكفره حبّا له. وإنما خشي ذلك لأن الله تعالى أعلمه. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن نجدة الحروري كتب إليه كيف قتله وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن قتل الولدان، فكتب إليه إن كنت علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك أن تقتل. وقرئ «فخاف ربك» أي فكره كراهة من خاف سوء عاقبته، ويجوز أن يكون قوله فَخَشِينا حكاية قول الله عز وجل.
فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ أن يرزقهما ولدا خيرا منه. زَكاةً طهارة من الذنوب والأخلاق الرديئة. وَأَقْرَبَ رُحْماً رحمة وعطفاً على والديه. قيل ولدت لهما جارية فتزوجها نبي فولدت له نبياً هدى الله به أمة من الأمم، وقرأ نافع وأبو عمرو يُبْدِلَهُما بالتشديد وابن عامر ويعقوب وعاصم رُحْماً بالتخفيف، وانتصابه على التمييز والعامل اسم التفضيل وكذلك زَكاةً.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٨٢]
وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٨٢)
وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ قيل اسمهما أصرم وصريم، واسم المقتول جيسور.
وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما من ذهب وفضة، روي ذلك مرفوعاً والذم على كنزهما في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لمن لا يؤدي زكاتهما وما تعلق بهما من الحقوق. وقيل من كتب العلم. وقيل كان لوح من ذهب مكتوب فيه: عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب،
وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، لا إله إلا الله محمد رسول الله. وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً تنبيه على أن سعيه ذلك كان لصلاحه. قيل كان بينهما وبين الأب الذي حفظا فيه سبعة آباء وكان سياحاً واسمه كاشح. فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما أي الحلم وكمال الرأي. وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ مرحومين من ربك، ويجوز أن يكون علة أو مصدراً لأراد فإن إرادة الخير رحمة. وقيل متعلق بمحذوف تقديره فعلت ما فعلت رحمة من ربك، ولعل إسناد الإِرادة أولاً إلى نفسه لأنه المباشر للتعييب وثانياً إلى الله وإلى نفسه لأن التبديل بإهلاك الغلام وإيجاد الله بدله، وثالثاً إلى الله وحده لأنه لا مدخل له في بلوغ الغلامين. أو لأن الأول في نفسه شر، والثالث خير، والثاني ممتزج. أو لاختلاف حال العارف في الالتفات إلى الوسائط. وَما فَعَلْتُهُ وما فعلت ما رأيته. عَنْ أَمْرِي عن رأيي وإنما فعلته بأمر الله عز وجل، ومبني ذلك على أنه إذا تعارض ضرران يجب تحمل أهونهما لدفع أعظمهما، وهو أصل ممهد غير أن الشرائع في تفاصيله مختلفة. ذلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً أي ما لم تستطع فحذف التاء تخفيفاً.
ومن فوائد هذة القصة أن لا يعجب المرء بعلمه ولا يبادر إلى إنكار ما لم يستحسنه، فلعل فيه سراً لا يعرفه، وأن يداوم على التعلم ويتذلل للمعلم، ويراعي الأدب في المقابل وأن ينبه المجرم على جرمه ويعفو عنه حتى يتحقق إصراره ثم يهاجر عنه.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٨٣]
وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣)
وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ يعني إسكندر الرومي ملك فارس والروم. وقيل المشرق والمغرب ولذلك سمي ذا القرنين، أو لأنه طاف قرني الدنيا شرقها وغربها، وقيل لأنه انقرض في أيامه قرنان من الناس، وقيل كان له قرنان أي ضفيرتان، وقيل كان لتاجه قرنان. ويحتمل أنه لقب بذلك لشجاعته كما يقال الكبش للشجاع كأنه ينطح أقرانه. واختلف في نبوته مع الاتفاق على إيمانه وصلاحه، والسائلون هم اليهود سألوه امتحاناً أو مشركو مكة. قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً خطاب للسائلين والهاء لذي القرنين. وقيل لله.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٨٤]
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤)
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ أي مكنا له أمره من التصرف فيها كيف شاء فحذف المفعول. وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أراده وتوجه إليه. سَبَباً وصلة توصله إليه من العلم والقدرة والآلة.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٨٥ الى ٨٦]
فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦)
فَأَتْبَعَ سَبَباً أي فأراد بلوغ المغرب فاتبع سبباً يوصله إليه، وقرأ الكوفيون وابن عامر بقطع الألف مخففة التاء.
حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ذات حمأ من حمئت البئر إذا صارت ذات حمأة. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر «حامية» أي حارة، ولا تنافي بينهما لجواز أن تكون العين جامعة للوصفين أو «حمية» على أن ياءها مقلوبة عن الهمزة لكسر ما قبلها. ولعله بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك إذ لم يكن في مطمح بصره غير الماء ولذلك قال وَجَدَها تَغْرُبُ ولم يقل كانت تغرب. وقيل إن ابن عباس سمع معاوية يقرأ «حامية» فقال «حمئة» فبعث معاوية إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب قال في ماء وطين كذلك نجده في التوراة وَوَجَدَ عِنْدَها عند تلك العين. قَوْماً قيل كان لباسهم جلود
الوحش وطعامهم ما لفظه البحر، وكانوا كفاراً فخيره الله بين أن يعذبهم أو يدعوهم إلى الإِيمان كما حكى بقوله قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ أي بالقتل على كفرهم. وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً بالإِرشاد وتعليم الشرائع. وقيل خيره الله بين القتل والأسر وسماه إحساناً في مقابلة القتل ويؤيده الأول قوله:
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٨٧ الى ٨٨]
قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨)
قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً أي فاختار الدعوة وقال: أما من دعوته فظلم نفسه بالإِصرار على كفره أو استمر على ظلمه الذي هو الشرك فنعذبه أنا ومن معي في الدنيا بالقتل، ثم يعذبه الله في الآخرة عذاباً منكراً لم يعهد مثله.
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وهو ما يقتضيه الإِيمان. فَلَهُ في الدارين. جَزاءً الْحُسْنى فعلته الحسنى. وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص جَزاءً منوناً منصوباً على الحال أي فله المثوبة الحسنى مجزياً بها، أو على المصدر لفعله المقدر حالاً أي يجزي بها جزاء أو التمييز، وقرئ منصوباً غير منون على أن تنوينه حذف لالتقاء الساكنين ومنوناً مرفوعاً على أنه المبتدأ والْحُسْنى بدله، ويجوز أن يكون أَمَّا وأَمَّا للتقسيم دون التخيير أي ليكن شأنك معهم إما التعذيب وإما الإِحسان، فالأول لمن أصر على الكفر والثاني لمن تاب عنه، ونداء الله إياه إن كان نبياً فبوحي وإن كان غيره فبإلهام أو على لسان نبي. وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا بما نأمر به. يُسْراً سهلاً ميسراً غير شاق وتقديره ذا يسر، وقرئ بضمتين.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٨٩ الى ٩١]
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (٩١)
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً ثم أتبع طريقاً يوصله إلى المشرق.
حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ يعني الموضع الذي تطلع الشمس عليه أولاً من معمورة الأرض، وقرئ بفتح اللام على إضمار مضاف أي مكان مطلع الشمس فإنه مصدر. وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً من اللباس أو البناء، فإن أرضهم لا تمسك الأبنية أو أنهم اتخذوا الأسراب بدل الأبنية.
كَذلِكَ أي أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة الملك، أو أمره فيهم كأمره في أهل المغرب من التخيير والاختيار. ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف لوجد أو نَجْعَلْ أو صفة قوم أي على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم الشمس في الكفر والحكم. وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ من الجنود والآلات والعدد والأسباب. خُبْراً علماً تعلق بظواهره وخفاياه، والمراد أن كثرة ذلك بلغت مبلغاً لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٩٢ الى ٩٣]
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لاَّ يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣)
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً يعني طريقاً ثالثاً معترضاً بين المشرق والمغرب آخذاً من الجنوب إلى الشمال.
حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ بين الجبلين المبني بينهما سده وهماً جبلا أرمينية وأذربيجان. وقيل جبلان منيفان في أواخر الشمال في منقطع أرض الترك من ورائهما يأجوج ومأجوج. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ويعقوب بَيْنَ السَّدَّيْنِ بالضم وهما لغتان. وقيل المضموم لما خلقه الله تعالى والمفتوح لما عمله الناس لأنه في الأصل مصدر سمي به حدث يحدثه الناس. وقيل بالعكس وبين ها هنا مفعول به
وهو من الظروف المتصرفة. وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لاَّ يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا لغرابة لغتهم وقلة فطنتهم. وقرأ حمزة والكساء «لا يفقهون» أي لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لتلعثمهم فيه.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٩٤ الى ٩٦]
قالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) قالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦)
قالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ قال مترجمهم وفي مصحف ابن مسعود قال «الذين من دونهم». إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ قبيلتان من ولد يافث بن نوح، وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجبل. وهما اسمان أعجميان بدليل منع الصرف. وقيل عربيان من أج الظليم إذا أسرع وأصلهما الهمز كما قرأ عاصم ومنع صرفهما للتعريف والتأنيث. مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أي في أرضنا بالقتل والتخريب وإتلاف الزرع. قيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون أخضر إلا أكلوه ولا يابساً إلا احتملوه، وقيل كانوا يأكلون الناس. فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً جعلا نخرجه من أموالنا. وقرأ حمزة والكسائي «خراجاً» وكلاهما واحد كالنول والنوال. وقيل الخراج على الأرض والذمة والخرج المصدر. عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا يحجز دون خروجهم علينا وقد ضمه من ضم السَّدَّيْنِ غير حمزة والكسائي.
قالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ما جعلني فيه مكيناً من المال والملك خير مما تبذلون لي من الخراج ولا حاجة بي إليه. وقرأ ابن كثير «مكنني» على الأصل. فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أي بقوة فعلة أو بما أتقوى به من الآلات. أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً حاجزاً حصيناً وهو أكبر من السد من قولهم ثوب مردم إذا كان رقاعا فوق رقاع.
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ قطعه والزبرة القطعة الكبيرة، وهو لا ينافي رد الخراج والاقتصار على المعونة لأن الإِيتاء بمعنى المناولة، ويدل عليه قراءة أبي بكر رَدْمًا ائتونى بكسر التنوين موصولة الهمزة على معنى جيئوني بزبر الحديد، والباء محذوفة حذفها في أمرتك الخير ولأن إعطاء الآلة من الإِعانة بالقوة دون الخراج على العمل. حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ بين جانبي الجبلين بتنضيدها. وقرأ ابن كثير وابن عامر والبصريان بضمتين، وأبو بكر بضم الصاد وسكون الدال، وقرئ فتح الصاد وضم الدال وكلها لغات من الصدف وهو الميل لأن كلاً منهما منعزل عن الآخر ومنه التصادف للتقابل. قالَ انْفُخُوا أي قال للعملة انفخوا في الأكوار والحديد. حَتَّى إِذا جَعَلَهُ جعل المنفوخ فيه. نَارًا كالنار بالإِحماء. قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً أي آتوني قطراً أي نحاساً مذاباً أفرغ عليه قطراً، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه. وبه تمسك البصريون على أن إعمال الثاني من العاملين المتوجهين نحو معمول واحد أولى، إذ لو كان قطرا مفعول آتوني لأضمر مفعول أفرغ حذراً من الإِلباس. وقرأ حمزة وأبو بكر قال أتوني موصولة الألف.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٩٧]
فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧)
فَمَا اسْطاعُوا بحذف التاء حذراً من تلاقي متقاربين. وقرأ حمزة بالإِدغام جامعاً بين الساكنين على غير حده. وقرئ بقلب السين صاداً. أَنْ يَظْهَرُوهُ أن يعلوه بالصعود لارتفاعه وانملاسه. وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً لثخنه وصلابته. وقيل حفر للأساس حتى بلغ الماء، وجعله من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينهما الحطب والفحم حتى ساوى أعلى الجبلين، ثم وضع المنافيخ حتى صارت كالنار فصب النحاس المذاب عليه فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلاً صلداً. وقيل بناه من الصخور مرتبطاً بعضها ببعض بكلاليب من حديد ونحاس مذاب في تجاويفها.

[سورة الكهف (١٨) : آية ٩٨]

قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨)
قالَ هذا هذا السد أو الأقدار على تسويته. رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي على عباده. فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي وقت وعده بخروج يأجوج ومأجوج، أو بقيام الساعة بأن شارف يوم القيامة. جَعَلَهُ دَكًّا مدكوكاً مبسوطاً مسوى بالأرض، مصدر بمعنى مفعول ومنه جمل أدك لمنبسط السنام. وقرأ الكوفيون دكاء بالمد أي أرضاً مستوية. وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا كائناً لا محالة وهذا آخر حكاية قول ذي القرنين.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٩٩ الى ١٠١]
وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١)
وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وجعلنا بعض يأجوج ومأجوج حين يخرجون مما وراء السد يموجون في بعض مزدحمين في البلاد، أو يموج بعض الخلق في بعض فيضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى ويؤيده قوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ لقيام الساعة. فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً للحساب والجزاء.
وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً وأبرزناها وأظهرناها لهم.
الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي عن آياتي التي ينظر إليها فأذكر بالتوحيد والتعظيم. وَكانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً استماعاً لذكري وكلامي لإِفراط صممهم عن الحق، فإن الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء كأنهم أصمت مسامعهم بالكلية.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠٢]
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (١٠٢)
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أفظنوا والاستفهام للإِنكار. أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي اتخاذهم الملائكة والمسيح.
مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ معبودين نافعهم، أو لا أعذبهم به فحذف المفعول الثاني كما يحذف الخبر للقرينة، أوسد أن يتخذوا مسد مفعوليه وقرئ «أَفَحَسِبَ الذين كَفَرُواْ» أي أفكافيهم في النجاة، وإن بما في حيزها مرتفع بأنه فاعل حسب، فإن النعت إذا اعتمد على الهمزة ساوى الفعل في العمل أو خبر له. إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا ما يقام للنزيل، وفيه تهكم وتنبيه على أن لهم وراءها من العذاب ما تستحقر دونه.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٤]
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤)
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا نصب على التمييز وجمع لأنه من أسماء الفاعلين أو لتنوع أعمالهم.
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ضاع وبطل لكفرهم وعجبهم كالرهابنة فإنهم خسروا دنياهم وأخراهم، ومحله الرفع على الخبر المحذوف فإنه جواب السؤال أو الجر على البدل أو النصب على الذم.
وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً بعجبهم واعتقادهم أنهم على الحق.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٠٥ الى ١٠٦]
أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦)
أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ بالقرآن أو بدلائله المنصوبة على التوحيد والنبوة. وَلِقائِهِ بالبعث على ما هو عليه أو لقاء عذابه. فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ بكفرهم فلا يثابون عليها. فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ
وَزْناً
فنزدري بهم ولا نجعل لهم مقداراً واعتباراً، أو لا نضع لهم ميزاناً يوزن به أعمالهم لانحباطها.
ذلِكَ أي الأمر ذلك وقوله: جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ جملة مبينة له ويجوز أن يكون ذلِكَ مبتدأ والجملة خبره والعائد محذوف أي جزاؤهم به، أو جزاؤهم بدله وجَهَنَّمُ خبره أو جَزاؤُهُمْ خبره وجَهَنَّمُ عطف بيان للخبر. بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً أي بسبب ذلك.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٠٧ الى ١٠٨]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لاَ يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (١٠٨)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا فيما سبق من حكم الله ووعده، والْفِرْدَوْسِ أعلى درجات الجنة، وأصله البستان الذي يجمع الكرم والنخل.
خالِدِينَ فِيها حال مقدرة. لاَ يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا تحولاً إذ لا يجدون أطيب منها حتى تنازعهم إليه أنفسهم، ويجوز أن يراد به تأكيد الخلود.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠٩]
قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩)
قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً ما يكتب به، وهو اسم ما يمد الشيء كالحبر للدواة والسليط للسراج.
لِكَلِماتِ رَبِّي لكلمات علمه وحكمته. لَنَفِدَ الْبَحْرُ لنفد جنس البحر بأمره لأن كل جسم متناه. قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي فإنها غير متناهية لا تنفد كعلمه، وقرأ حمزة والكسائي بالياء. وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ بمثل البحر الموجود. مَدَداً زيادة ومعونة، لأن مجموع المتناهين متناه بل مجموع ما يدخل في الوجود من الأجسام لا يكون إلا متناهياً للدلائل القاطعة على تناهي الأبعاد، والمتناهي ينفد قبل أن ينفد غير المتناهي لا محالة.
وقرئ «ينفد» بالياء و «مَدَداً» بكسر الميم جمع مدة وهي ما يستمده الكاتب ومداداً. وسبب نزولها أن اليهود قالوا في كتابكم وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وتقرؤون وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١١٠]
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠)
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ لا أدعي الإِحاطة على كلماته. يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ وإنما تميزت عنكم بذلك. فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ يؤمل حسن لقائه أو يخاف سوء لقائه. فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً يرتضيه الله. وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً بأن يرائيه أو يطلب منه أجراً.
روي أن جندب بن زهير قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إني لأعمل العمل لله فإذا أطلع عليه سرني فقال: «إن الله لا يقبل ما شورك فيه». فنزلت تصديقاً له وعنه عليه الصلاة والسلام «اتقوا الشرك الأصغر» قالوا وما الشرك الأصغر قال «الرياء».
والآية جامعة لخلاصتي العلم والعمل وهما التوحيد والإِخلاص في الطاعة.
وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم «من قرأها عند مضجعه كان له نوراً في مضجعه يتلألأ إلى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم، فإن كان مضجعه بمكة كان له نوراً يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يستيقظ».
وعنه عليه الصلاة والسلام «من قرأ سورة الكهف من آخرها كانت له نوراً من قرنه إلى قدمه، ومن قرأها كلها كانت له نوراً من الأرض إلى السماء».
295
محتوى الجزء الثالث من تفسير البيضاوي
تفسير سورة الأعراف ٥
بيان أن الوزن في الآخرة هل هو لصحائف الأعمال أم للأشخاص؟ ٦
بيان غلط إبليس في دعواه الأفضلية على آدم ٧
بيان ما استدلّ به على أن الملائكة أفضل من الأنبياء والجواب عنه ٨
بيان معنى السرف المذموم ١١
بيان معنى إخراج الغل من صدور أهل الجنة ١٣
بيان الأعراف وأهلها ١٤
بيان الإبداع الذي تفرّد به الباري في مخلوقاته ١٥
بيان نسب نوح عليه السلام ١٧
بيان نسب هود عليه السلام ١٨
بيان ما فعل الله بعاد وما فعلوا ١٩
بيان نسب صالح عليه السلام ٢٠
بيان ما فعلت ثمود وما فعل بهم ٢١
قوم لوط وعملهم ٢٢
بيان نسب مدين وشعيب عليه السلام ٢٢
بيان حال عصا موسى حين ألقاها عند فرعون ٢٧
بيان ما أرسل على قوم فرعون من الآيات ٣٠
بيان الدليل على جواز رؤية الله تعالى ٣٣
بيان ما فعله السامري من صوغ العجل ٣٤
بيان أن بعثته صلّى الله عليه وسلّم إلى كافة الثقلين ٣٧
بيان القرية التي أهلكت بسبب الصيد في السبت ٣٩
بيان ما عذب به أهل القرية من المسخ ٤٠
بيان أخذ الله الميثاق على بني آدم وما قيل في ذلك ٤١
بيان الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها وكيفية ضلاله ٤٢
بيان ما فعله إبليس مع حواء حين حملت والطعن في ذلك ٤٥
تفسير سورة الأنفال ٤٩
بيان السبب في غزوة بدر ٥١
بيان محاصرة بني قريظة ٥٦
297
بيان قسمة المغانم وما فيها من الخلاف ٦٠
بيان ما فعله إبليس مع قريش حين أرادوا غزوة بدر ٦٢
بيان ما فعله النبي مع عمه العباس حين دفعه الفداء في غزوة بدر ٦٧
تفسير سورة براءة ٧٠
بيان غزوة حنين وما أصاب المؤمنين فيها ٧٦
بيان الجزية ومن تؤخذ منه ٧٧
بيان التشديد على منع الزكاة ٧٩
بيان الغار الذي ذهب إليه صلّى الله عليه وسلّم وما فعله المشركون ٨١
بيان الأصناف الذين تصرف إليهم الزكاة وذكر الخلاف في تعميمهم ٨٥
بيان الصدقات التي تصدق بها المؤمنون وعابهم عليها المنافقون ٩٠
بيان مسجد الضرار وما بني لأجله ٩٧
بيان الدليل على أن أخبار الآحاد حجة ١٠٢
تفسير سورة يونس ١٠٤
بيان جملة ما احتوى عليه القرآن ١٠٧
بيان الدليل على أن للعبد كسباً ١١٣
بيان أن الإنسان وإن عظم شأنه بعيد عن مظان الربوبية ١٢٢
بيان بعث يونس عليه السلام إلى أهل نينوى وما فعلوه ١٢٤
تفسير سورة هود ١٢٧
بيان حكم التعليق بشرطين ١٣٣
بيان ما أبداه هود عليه السلام من المعجزة ١٣٨
بيان أن حال أهل الموقف لا يخلو عن السعادة والشقاوة وربما اجتمع الأمران لواحد ١٤٨
تفسير سورة يوسف عليه السلام ١٥٤
بيان جهة البئر الذي رمي به يوسف عليه السلام ١٥٦
بيان ما كان عليه يوسف عليه السلام من الحسن ١٦٢
بيان ما كان عليه يوسف عليه السلام من معرفة اللغات ١٦٧
بيان ما كان عليه يوسف عليه السلام من كرم الأخلاق ١٧٥
تفسير سورة الرعد ١٨٠
بيان ما فعله أربد وعامر بن الطفيل مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما فعل بهما ١٨٣
بيان ما اقترحته قريش على النبي صلّى الله عليه وسلّم من الآيات ١٨٨
تفسير سورة إبراهيم عليه السلام ١٩٢
بيان حال هاجر أمّ إسماعيل عليه السلام ٢٠١
تفسير سورة الحجر ٢٠٦
298
بيان قبول المواد للجمع والإحياء ٢٠٩
بيان ما ورد في فضل من أوتي القرآن ٢١٧
تفسير سورة النحل ٢١٩
بيان ما يعتري الحبة عند بذرها مما يدل على عجيب صنع الحكيم جل شأنه ٢٢١
بيان حال الغذاء بعد استقراره في الجوف إلى أن يكون دما ولبنا ٢٣١
بيان ما فعلته قريش من التعذيب لعمار وأبويه ٢٤١
بيان حصر المحرمات في أجناس أربعة وما ضم إليها ٢٤٣
تفسير سورة بني إسرائيل (الإسراء) ٢٤٧
بيان ما فعله بختنصر ببني إسرائيل ٢٤٧
بيان حجة من منع التقليد والرد عليه ٢٥٥
بيان حجة من قال: إن الإسراء كان مناما والردّ عليه ٢٥٨
بيان ما قالته ثقيف للنبي صلّى الله عليه وسلّم وأباه ٢٦٢
بيان أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة ٢٦٤
تفسير سورة الكهف ٢٧٢
بيان من دخلوا غارا فسد عليهم وخلصوا بتوسلهم بأعمالهم الصالحة ٢٧٣
بيان ما طلبته صناديد قريش من إبعاد فقراء المهاجرين عن مجلس النبي صلّى الله عليه وسلّم ٢٧٩
بيان حال الأخوين اللذين مات والدهما وافترق حالهما في اليسار والفقر ٢٨٠
بيان الذي دعا موسى عليه السلام إلى سؤاله الاجتماع بالخضر ٢٨٦
تم بحمد الله وحسن توفيقه طبع الجزء الثالث من تفسير البيضاوي في مطابع دار إحياء التراث العربي- بيروت الزاهرة أدامها الله لطبع المزيد من الكتب النافعة ويليه الجزء الرابع وأوله سورة مريم ولله الحمد والمنة
299
Icon