تفسير سورة طه

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة طه من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

وقوله: يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ [٩٠] ويَنْفَطِرْنَ. وَفِي قراءة عبد الله (إن تكاد السّماوات لتتصَدَّع منه) وقرأها حَمْزَةُ (يَنْفَطِرْنَ) عَلَى هَذَا المعنى.
وقوله: وُدًّا [٩٦] يقول: يجعل الله لَهم وُدّا فِي صدور المؤمنين.
وقوله: أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً [٩٨] الركز: الصوت.
من سورة طه
قوله طه [١١] حرف «١» هجاء. وقد جاء فِي التفسير طه: يا رجل، يا إنسان حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ حَدَّثَنِي عَاصِمٌ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ:
قَرَأَ رجل على ابن مسعود طه بِالْفَتْحِ «٢» قَالَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ طِهِ «٣» بِالْكَسْرِ قَالَ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ يَا با عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيْسَ أَنَّمَا أُمِرَ أَنْ يَطَأَ قَدَمُهُ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ طِهِ. هَكَذَا أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ بعضُ القراء يقطّعها طِ هِـ قرأها أَبُو عَمْرو بن العلاء طاهي «٤» هكذا.
وقوله: إِلَّا تَذْكِرَةً [٣] نصبها على قوله: وما أَنْزَلْنا إِلَّا تَذْكِرَةً.
وقوله: تَنْزِيلًا [٤] ولو كانت (تنزيلٌ) (عَلَى الاستئناف) «٥» كَانَ صوابًا.
وقوله: يَعْلَمُ السِّرَّ [٧] : ما أسررته (وَأَخْفى) : ما حَدَّثت بِهِ نفسك.
وقوله: إِنِّي آنَسْتُ ناراً [١٠] : وَجدْتُ نارًا. والعربُ تَقُولُ: اخْرُج فاستأنس هَل ترى شيئًا.
ومن أمثال العرب بعد اطّلاع إيناس «٦». وبعضهم يقول بعد طلوع إيناس.
(١) المراد الجنس فهما حرفان وفى الطبري: «حروف هجاء».
(٢) سقط فى ا. والمراد عدم الإمالة.
(٣) سقط فى ش. والمراد بالكسر الإمالة. [.....]
(٤) أي بفتح الطاء وإمالة الهاء للكسر.
(٥) ما بين القوسين مؤخر فى ش عن قوله: «كان صوابا».
(٦) الاطلاع هنا: النظر. والإيناس الوجود واليقين.
174
وقوله: (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ) الْقَبَس مثل النار فِي طَرَف العود أو فِي الْقَصَبة. وقوله:
(أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) يعني هاديًا. فأجزأ المصدر من الهادي. وَكَانَ موسى قد أخطأ الطريق.
وقوله «١» : يَا مُوسى [١١] إنى [١٢] إن جَعَلت النداء واقعًا عَلَى (موسى) كسرت «٢» (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) وإن شئت أوقعت النداء عَلَى (أنِّي) وَعَلَى (موسى) وقد قرىء «٣» بذلك.
وقوله: (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) ذُكِر أنهما كانتا من جلد حمارٍ ميّتٍ فأمر بخلعهما ١١١ الذلك. وقوله (طوى) قد تكسر طاؤه فيُجرَى. ووجه الكلام (الإجراء إذا كسرت «٤» الطَّاء) وإن جعلته اسمًا لِمَا حول الوادي جَازَ «٥» ألا يُصرف كما قيل «٦» (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ «٧» إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ) فأجرو حنينًا لأنه اسم للوادي. وقال الشاعر «٨» فِي ترك إجرائه:
نصروا نبِيَّهمُ وشَدّوا أَزْرَهُ بِحُنَيْنَ يوم تواكُلِ الأبطال
نوى أن يجعل (حنين) اسمًا للبلدة فلم يُجْرِه. وقال الآخر «٩» :
ألَسْنَا أكرم الثقلين رَحْلا وأعظمه ببَطن حِراء نارَا
فلم يُجر حراء وهو جبل لأنه جعله اسما للبلدة التي هو بها.
(١) فى ش مكان «وقوله» :«نودى» وسقط فيها «إنى».
(٢) الفتح قراءة ابن كثير وأبى عمرو وأبى جعفر وافقهم ابن محيصن واليزيدي، والكسر قراءة الباقين.
(٣) الكسر مع الإجراء أي التنوين عن الحسن والأعمش.
(٤) ا: «إذا كسر إجراؤه».
(٥) هى قراءة أبى زيد عن أبى عمرو كما فى البحر ٦/ ٢٣١.
(٦) ا: «قالوا».
(٧) الآية ٢٥ سورة التوبة.
(٨) هو حسان بن ثابت كما فى اللسان.
(٩) نسبه فى معجم البلدان (حراء) إلى جرير. وفيه: «وأعظمهم». وما هنا: وأعظمه» أي أعظم من ذكر وهو جائز فى كلامهم.
175
وأمَّا من ضمَّ «١» (طُوَى) فالغالبُ عَلَيْهِ الانصراف. وقد يَجوز ألا يُجرى يُجعل عَلَى جهة فُعل مثل زُفَر وعُمَر ومُضَر قَالَ الفراء «٢» : يقرأ (طوى) مجراة.
وقوله: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ [١٣] وتقرأ [وَأَنَّا اخترناكَ] مردودة عَلَى [نودي] نودي أنَّا اخترناكَ، «٣» وَإِنَّا اخترناكَ فإذا كسرها استأنفها «٤».
وقوله: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [١٤] ويقرأ: (لِذِكْرَا) بالألف فمن قَالَ (ذِكْرَا) فجعلها بالألف كَانَ عَلَى جهة «٥» الذكرى. وإن شئت جَعَلْتَها ياء إضافة حُوِّلَت ألفًا لرءوس الآيات كما قَالَ الشاعر:
أطوِّف ما أطوِّف ثُمَّ آوِي إِلَى أمَّا ويُرِويني النقيعِ «٦»
والعربُ تَقُولُ بأبا وَأُمَّا يريدون: بأبي وَأُمِّي. ومثله (يَا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ «٧» ) وإن شئت جعلتها ياء»
إضافة وإن شئت ياء»
نُدْبة و (يَا «١٠» حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) [قوله: أَكادُ أُخْفِيها [١٥] قرأت القراء (أَكادُ أُخْفِيها) بالضَمِّ. وَفِي قراءة أُبَيّ (إِنّ الساعة آتية أكاد أخفيها من نفسي فكيف أظهركم عليها) وقرأ سعيد بن جُبير (أَخْفِيها) بفتح الألف حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي الْكِسَائي عَن مُحَمَّد بن سهل عن وقاء عَن سعيد بن جُبَيْر أَنَّهُ قرأ (أَخْفِيها) بفتح الألف من خفيت. وخفيت: أظهرت وخفيت: سترت.
قَالَ الفراء قَالَ الْكِسَائي والفقهاء يقولون «١١». قال الشاعر «١٢» :
(١) الضم مع التنوين لابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف. وقرأ الباقون بالضم بلا تنوين. وهذا غير من سبق لهم الكسر.
(٢) ش: «وأبو زكريا» وهو الفراء. [.....]
(٣) هذه قراءة حمزة بفتح الهمزة.
(٤) ا: «إذا» والكسر قراءة السلمى وابن هرمز كما فى البحر ٦/ ٢٣١.
(٥) ا: «وجه».
(٦) النقيع: المحض من اللبن يبرد.
(٧) الآية ٣١ سورة المائدة.
(٨ و ٩) أي الياء فى الأصل قبل قلبها ألفا. وقبله «ياء ندبة» الأولى: ألف ندبة.
(١٠) الآية ٥٦ سورة الزمر.
(١١) ما بعده فى امطموس لم أتمكن من قراءته.
(١٢) هو امرؤ القيس بن عابس الكندي. كما فى اللسان.
176
فإن تدفنوا الداء لا نخفِه وإن تبعثوا الحرب لا نَقْعُدِ
يريد لا نُظهره.
وقوله: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها [١٦] يريدُ الإيمان ويُقال عَن الساعة: عَن إتيانها. وجازَ أن تَقُولَ:
عنها وأنت تريد الإيمان كما قَالَ (ثُمَّ «١» إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا) ثُمَّ قَالَ (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) يذهب إلى الْفَعْلةِ.
وقوله: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى [١٧] يعني عصاهُ. ومعنى (تِلْكَ) هَذِه.
وقوله: (بِيَمِينِكَ) فِي مذهب صلة لتلك لأن تِلْكَ وهذه توصلان كما توصل الذي قال الشاعر «٢».
عدش ما لعبادٍ عليكِ إمارة أمِنتِ وهذا تحملين طليقُ
وعَدَسْ «٣» زجر للبغل يريد الَّذِي تحملين طليق.
وقوله: وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي [١٨] أضرب بِهَا الشجر اليابس ليسقط ورقها فترعاهُ غنمه «٤» (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) يعني حوائج «٥» جعل أخرى نعتًا للمآرب وهي جمع. ولو قَالَ: أُخَر، جاز كما قَالَ الله (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ «٦» ) ومثله (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى «٧» ).
وقوله. سِيرَتَهَا الْأُولى [٢١] أي طريقتها الأولى. يقول: يردّها عصا كما كانت.
(١) الآية ١١٠ سورة النحل.
(٢) هو يزيد بن مفرغ الحميرى. وكان هجا عباد بن زياد والى سجستان فسجته فى العذاب فأمر الخليفة معاوية رضي الله عنه فأطلق، وقدمت إليه بغلة ليركبها فقال قصيدة فيها هذا البيت. وقوله «أمنت» كتب فوقها فى ا:
«نجوت» وهى رواية أخرى. وانظر اللسان (عدس).
(٣) والمراد هنا البغلة إذ هو يخاطبها ويناديها.
(٤) كذا. والأولى. غنمى.
(٥) سقط فى ا. [.....]
(٦) الآية ١٨٥ سورة البقرة.
(٧) الآية ١٨٠ سورة الأعراف.
وقوله: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ [٢٢] الْجَنَاح فِي هَذَا الموضع من أسفل الْعَضد إلى الإبط.
وقوله: (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي برص.
وقوله: آية أخرى، المعنى هي آية أخرى وهذه آية أخرى، فلمّا لَمْ يأت بهي ولا بِهذه قبل الآية اتّصلت بالفعل فنصبت.
وقوله: مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى [٢٣] ولو قيل: الكبر كان صوابا، هى بِمنزلة (الْأَسْماءُ الْحُسْنى) و (مَآرِبُ أُخْرى).
وقوله. وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي [٢٧] كانت فِي لسانه رُتَّة «١».
وقوله: هارُونَ أَخِي [٣٠] إِن شئت أوقعت (اجْعَلْ) عَلَى (هارُونَ أَخِي) وجعلت الوزير «٢» فعلًا لَهُ. وإن شئت جعلت (هارُونَ أَخِي) مترجمًا عَن «٣» الوزير، فيكون نصبًا بالتكرير. وقد يَجوز فِي (هارون) الرفع عَلَى الائتناف لأنه معرفة مفسر لنكرة كما قَالَ الشاعر:
فإن لَهَا جَارين لن يَغْدِرا بِهَا رَبيبُ النَّبِيّ وابن خير الخلائق
وقوله: اشْدُدْ بِهِ [٣١] دعاء: «٤» (اشْدُدْ بِهِ) يا ربّ (أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ) يا رب (فِي أَمْرِي).
دعاء من موسى وهي فِي إحدى القراءتين (أَشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأُشْرِكْهُ فِي أمري) بضم «٥» الألف. وذكر عَن الْحَسَن «٦» (اشْدُدْ بِهِ) جزاء للدعاء لقوله (اجْعَلْ لِي) (وأشركه) بضم الألف فى (أشركه) لأنها فعل لموسى.
(١) الرتة: حبسة فى اللسان.
(٢) يريد أن فيه وصف هارون والحديث المنسوب إليه. وهو فى اصطلاح البصريين هنا المفعول الثاني.
(٣) هو فى الاصطلاح البصري هنا: بدل.
(٤) ش، ب: «على».
(٥) سقط فى ش، ب.
(٦) هى قراءة ابن عامر سواء هى القراءة السابقة وكأنهما فى الأصل من نسختين جمعتا.
وقوله: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى [٣٧] قبل هَذِه. وهو ما لطف لَهُ إذ وقع إلى فرعون فحببّه إليهم حَتَّى غَذَوه. فتلك المنَّة الأخرى (مع هَذِه الآية).
وقد فسَّره إذ قَالَ: إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ مَا يُوحى [٣٨] أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فى اليمّ ثم قال: (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ) هُوَ جزاء أخرج «١» مُخرج الأمر كَانَ البحر أُمر. وهو مثل قوله:
(اتَّبِعُوا «٢» سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ) المعنى. والله أعلم: اتبعُوا سبيلنا نَحمل عنكم خطاياكم. وكذلك وعدها الله: ألقيه فِي البحر يُلْقِه اليمّ بالساحل. فذكر أن البحر ألقاهُ إلى مشرَعة «٣» آل فرعون، فاحتمله جواريه إلى امرأته.
وقوله: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) حُبِّبَ إِليّ (كلّ «٤» من رآه).
وقوله: (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي [٣٩] إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ) [٤٠] ذكر المشي وحده، ولم يذكر أنها مشت حَتَّى دخلت عَلَى آل فرعون فدلتهم عَلَى الظِّئر وهذا فِي التنزيل كَثِير مثله قوله:
(أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ) ولم يقل فأرسل فدَخَل فقال يوسف. وهو من كلام العرب: أن تجتزىء (بحذف «٥» كَثِير) من الكلام وبقليله إذا كَانَ المعنى معروفا.
وقوله: (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) ابتليناكَ بالغم: غمّ القتل ابتلاء.
وقوله (عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) يريدُ عَلَى ما أراد الله من تكليمه.
وقوله: وَلا تَنِيا [٤٢] يريد: ولا تَضعُفا ولا تفتُرا عَن ذكري وفى ذكرى سواء.
(١) ا: «خرج».
(٢) الآية ١٢ سورة العنكبوت.
(٣) المشرعة: الموضع من النهر يكون موردا للشاربة.
(٤) ش: «من كان يراه».
(٥) ش: «بالحذف».
وقوله: قَوْلًا لَيِّناً [٣٤ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن أبان القرشي قَالَ: كَنَّياه. قَالَ مُحَمَّد بن أبان قَالَ يكنى: أبا مُرّة، قَالَ الفراء. ويُقال: أبو الوليد.
وقوله: أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا ٤٥ و (يَفْرُطَ) يريد فِي العجلة إلى عقوبتنا. والعربُ تَقُولُ: فَرَطَ منه أمر. وأفرط: أسْرَف، وَفَرَّطَ: تَوانى ونسي.
وقوله: إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ ٤٧ ويجوز رَسُول ربك لأن الرسول قد يكون للجمع وللاثنين والواحد. قَالَ الشاعر «١» :
أَلِكْني إليها وخير الرسو ل أعلمهم بنواحي الخبَرْ
أراد: الرُّسْلَ.
وقوله: وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى [٤٧] يريد: والسلامة عَلَى من اتّبع الهدى، ولِمن اتبع الهدى سواء «٢» قَالَ أمر موسى أن يقول لفرعون (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى).
وقوله: إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [٤٨] دليلٌ «٣» عَلَى معنى قوله:
يَسْلم من اتبع الهدى.
وقوله: قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يَا مُوسى [٤٩] يكلم الاثنين ثُمَّ يجعل الخطاب لواحد لأن لكلام إنما يكون من الواحد لا من الجميع. ومثله مما جُعِل الفعل عَلَى اثنين وهو لواحد.
قوله: (نَسِيا «٤» حُوتَهُما) وإنّما نسيه واحد ألا ترى أَنَّهُ قَالَ لموسى (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) ومثله (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ «٥» ) وإنما يخرج من الملح.
(١) هو أبو ذؤيب. وانظر ديوان الهذليين ١/ ١٤٦. وألكنى إليها: كن رسولى إليها. [.....]
(٢) ا: «والمعنى واحد».
(٣) ا: «يدلك».
(٤) الآية ٦١ سورة الكهف.
(٥) الآية ٢٢ سورة الرحمن.
وقوله: (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) [يُقال: أعطى الذكر من الناس امرأة مثله من صنفه، والشاة شاة، والثور بقرة.
وقوله: (ثُمَّ هَدى) ألهم الذكر المأْتَى.
وقوله: فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي أي لا ينساه و (رَبِّي) فِي موضع رفع تضمر الْهَاء فِي يضله (وَلا يَنْسى) وتقول: أضللت الشيء إذا ضاع مثل الناقة والفرس وما انفلت منك. وإذا أخطأت الشيء الثابت موضعه مثل الدار والمكان قلت: ضلَلته وضللته لغتان ولا تقل «١» أضللت ولا أضللته.
وقوله: أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى [٥٣] مختلف الألوان الطعوم «٢».
وقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى [٥٤] يقول: فِي اختلاف ألوانه وَطَعِمه آيات لذوي العقول. وتقول للرجل. إنه لذو نُهْية إذا كان ذا عقل.
وقوله: تارَةً أُخْرى [٥٥] مردودة على قوله (مِنْها خَلَقْناكُمْ) لا مردودة على (نُعِيدُكُمْ) لأن الأخرى والآخر إنما يردّان «٣» عَلَى أمثالهما. تَقُولُ فِي الكلام: اشتريت ناقةً ودارًا وناقة أخرى فتكون (أُخْرى) مردودة عَلَى الناقة التي هي مثلها ولا يَجوز أن (تكون «٤» مردودة) على الدار. وكذلك قوله منها خلقناكم كقوله (منها أخرجناكم، ونخرجكم بعد الموت (مرة أخرى «٥» )
وقوله: فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً يَقول: اضرب بيننا أجلًا فضَربَ. وقوله (مَكاناً سُوىً) و (سوى) وأكثر كلام العرب سواء بالفتح وللدّ إذا كَانَ فِي معنى نِصْفٍ وَعدْلٍ فتحوه ومدّوه
(١) ا: «تقول».
(٢) ش: «الطعام».
(٣) ا: «هو يردان» وهو ضمير الحال والشأن.
(٤) ا: «ترد».
(٥) ا: «تارة أخرى والتارة هى المرة».
كقول الله (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) والكسر والضم بالقصر عربيّان ولا يكونان إلا مقصورين وقد قرىء «١» بهما:
وقوله: يَوْمُ الزِّينَةِ [٥٩] ذكر أَنَّهُ جعل موعدهم يوم عيد، ويُقال: يوم سوق كانت تكون لَهُم يتزينونَ فيها.
وقوله: (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) يقول: إذا رأيت الناس يُحشرونَ من كل ناحيةٍ ضَحًى فذلك الموعد. وموضع (أن) رفع تردّ عَلَى اليوم، وخفضٌ ترد عَلَى الزينة أي يوم يحشر الناس.
وقوله: (فَيُسْحِتَكُمْ) [٦١] «٢» وسحت «٣» أكثر وهو الاستئصَال «٤» : يستأصلكم بعذاب.
وقال الفرزدق:
وعض زمان يا ابن مروَانَ لَمْ يدع من المال إلا مُسْحَتًا أو مُجَلَّف «٥»
والعربُ تَقُولُ سَحَتَ وَأَسْحَت بِمعنى واحد «٦». قَالَ: قيل للفراء: إن بعض الرواة يقول:
ما بِهِ من المال إلا مسحت أو مجلف:
قَالَ لَيْسَ هَذَا بشيء حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي. أَبُو جَعْفَر الرؤاسيّ عَن أبي عَمْرو بن العلاء قَالَ: مرّ الفرزدق بعبد الله بن أبي إسحاق الحضرميّ النحوي فأنشده هَذِه القصيدة.
عَزَفتَ بأعشاش وما كدت تعزف... حتى انتهى إلى هذا البيت...
(١) الضم لابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب وخلف والكسر للباقين.
(٢) ا: «إلى».
(٣) فى اللسان: «يسحت» بضم الياء.
(٤) ش: «الاستئصال».
(٥) المجف: الذي بقيت منه بقية. [.....]
(٦) أي المستملي. وهو محمد بن الجهم يريد أن بعض الرواة استنكر الرواية التي أوردها الفراء وفيها عطف المرفوع (مجلف) على المنصوب (مسحتا) فذكر قولا ليس فيه هذا الخلاف فقال الفراء إن هذا ليس الرواية ولرفع (مجلف) وجه إذ المراد: أو هو مجلف.
182
وعضّ زمان يا ابن مروان لَمْ يَدَع من المال إلا مُسْحَت أو مجلّف «١»
فقال عبد الله للفزدق: علام رفعت؟ فقال لَهُ الفرزدق: عَلَى ما يسوءك.
وقوله: فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ [٦٢] يعني السَّحَرة قَالَ بَعضهم لبعض: إن غَلَبَنَا موسى اتَّبعناهُ وأسرُّوها من فرعون وأصحابه.
وقوله: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [٨٣] قد اختلف فِيهِ القراء فقال بعضهم: هُوَ لحن ولكنا نمضي عَلَيْهِ لئلا نُخالف الكتاب. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ «٢» عَنْ هَاشِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قوله فِي النِّسَاءِ (لكِنِ «٣» الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ.... وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) وَعَنْ قوله فِي الْمَائِدَةِ (إِنَّ الَّذِينَ «٤» آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) وعن قوله ( «٥» إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) فقالت: يا ابن أَخِي هَذَا كَانَ «٦» خَطَأً مِنَ الْكَاتِبِ. وقرأ أَبُو عمرو (إِنَّ هَذَيْنِ لساحران) واحتج أَنَّهُ بلغه عَن «٧» بعض أصحاب مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إن فِي المصحف لحنًا وستقيمه العرب.
قَالَ الفراء: ولست أشتهي عَلَى (أن أخالف «٨» الكتاب وقرأ بعضهم «٩» (إِنْ هذان لساحران)
(١، ٢) هذه رواية أخرى فى البيت فيها رفع (مسحت) وقد خرج على أن (لم يدع) فيها معنى لم يتقار ولم يبق فجاء الرفع لهذا. وانظر اللسان فى سحت والخزانة ٢/ ٣٤٧. ويريد الفراء إدحاض ما روى له فى البيت وأنه خلاف الرواية.
(٣) سقط فى ا.
(٤) الآية ١٦٢
(٥) الآية ٦٩ سورة طه
(٦) ليس هنا خطأ فلكل ما ورد فى هذه الآيات وجه عربى صحيح. وسيذكر المؤلف توجيها لما هنا.
(٧) فى هامش ا: هو عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(٨) ا: «خلاف».
(٩) هو حفص، وابن كثير غير أنه يشدد نون (هذان).
183
خفيفة «١» وَفِي قراءة عبد الله: (وأسروا النجوى أن هذان ساحران) وَفِي قراءة أُبَيّ (إنْ ذان إلا ساحران) فقراءتنا «٢» بتشديد (إنّ) وبالألف عَلَى جهتين.
إحداهما عَلَى لغة بني الحارث بن كعب: يجعلونَ الاثنين فِي رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
وأنشدني رجلٌ من الأسد عنهم. يريد بني الحارث:
فأَطرق إطراق الشجاع ولو يرى مسَاغًا لِناباه الشجاعُ لصَمّما «٣»
قَالَ: وما رأيت أفصح من هَذَا الأسدي وحكى هَذَا الرجل عنهم: هَذَا خطُّ يَدَا أخي بعينه.
وَذَلِكَ- وإن كَانَ قليلًا- أقيس لأن العرب قالوا: مسلمون فجعلوا الواو تابعة للضمة (لأن الواو «٤» لا تُعرب) ثُمَّ قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم. فلمّا رأوا أن «٥» الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحًا: تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلانِ فِي كل حَالٍ.
وقد اجتمعت العرب عَلَى إثبات الألف فِي كِلا الرجلين فِي الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلا بنى كنانة فإنهم يقولون: رأيت كلى الرجلين ومررت بكلَيِ الرجلين. وهي قبيحة قليلة، مَضَوْا عَلَى القياس.
والوجهُ الآخر أن تَقُولُ: وجدت الألف (من «٦» هَذَا دِعامة وليست بلام فعل، فلمّا ثنّيت زدتُ عليها نونًا ثُمَّ تركت الألف) ثابتة عَلَى حالِها لا تزول عَلَى «٧» كل حال كما قالت العرب (الَّذِي) ثُمَّ زادوا نونًا تدل عَلَى الجماع، فقالوا: الَّذِينَ فِي رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) فِي رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللّذون).
(١) سقط فى ا.
(٢) هى قراءة نافع وابن عامر وأبى بكر وحمزة والكسائي وأبى جعفر ويعقوب وخلف.
(٣) هو للمتلمس كما فى اللسان (صمم) والشجاع: الذكر من الحيات. وصمم: عض فى العظم.
(٤) هى قراءة نافع وابن عامر وأبى بكر وحمزة والكسائي وأبى جعفر ويعقوب وخلف.
(٥) سقط فى ا. [.....]
(٦) سقط ما بين القوسين فى ا.
(٧) ا: «فى».
184
وقوله: وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى [٦٣] الطريقة: الرجال الأشراف وقوله (المثلى) يريد الأمثل «١» يذهبون بأشرافكم فقال المثلى ولم يقل المثل مثل (الْأَسْماءُ الْحُسْنى) وإن شئت جعلت (المثلى) مؤنثة لتأنيث الطريقة. والعرب تقول للقوم: هَؤُلَاءِ طريقة قومهم وطرائق قومهم: أشرافهم، وقوله (كُنَّا طَرائِقَ «٢» قِدَداً) من ذَلِكَ. ويقولون للواحد أيضًا: هَذَا طريقة قومه ونَظُورة قومه وبعضهم: ونظيرة قومه، ويقولون للجمع بالتوحيد والجمع: هَؤُلَاءِ نَظُورة قومهم ونظائر قومهم.
وقوله: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ [٦٤] الإجماع: الإحكام والعزيمة على ١١٣ االشيء. تَقُولُ أجمعت الخروج وَعَلَى الخروج مثل أزمعت قَالَ الشاعر:
يا ليت شِعْرِي والمنى لا تنفع هَلْ أَغْدُوَنَّ يومًا وأمري مُجْمَعُ
يريد قد أُحكم وعُزِم عَلَيْهِ. ومن «٣» قرأ (فاجْمَعوا) يقول: لا تتركوا من كيدكم شيئًا إِلَّا جئتم به.
وقوله (مَنِ اسْتَعْلى) من غلب.
وقوله: إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى [٦٥] و (أن) فِي موضع نصب.
والمعنى اختر إحدى هاتين. ولو رفع إذ لَمْ يظهر الفعل كَانَ صوابا، كأنه خبر، كقول الشاعر:
فسيرا فإما حاجة تقضيانها وإما مقيل صالح وصديق
ولو رفع قوله (فإمّا مَنٌّ «٤» بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءٌ) كانَ أيضًا صَوَابًا. ومذهبه كمذهب قوله (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ «٥» أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) والنصب فى قوله (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) وَفِي قوله (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً)
(١) فى الطبري: «تأنيث الأمثل».
(٢) الآية ١١ سورة الجن.
(٣) ا: «تدعوا».
(٤) التلاوة «فإما منا بعد وإما فداء» فى الآية ٤ سورة محمد.
(٥) الآية ٢٢٩ سورة البقرة.
185
أجود من الرفع لأنه شيء لَيْسَ بعام مثل ما ترى من معنى قوله (فَإِمْساكٌ) و (فَصِيامُ «١» ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) لَمّا كَانَ المعنى يعم الناس فِي الإمساك بالمعروف وَفِي صيام الثلاثة الأيام فِي كفارة اليمين كان كالجزاء فرفع لذلك. والاختيار إنما هي فعلة واحدة، ومعنى (أفلح) عاش ونَجا.
وقوله: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى [٦٦] (أنّها) فِي موضع رفع. ومن قرأ (تُخَيَّلُ) أو (تَخَيَّل) فإنها فِي موضع نصب لأن المعنى تتخيل بالسعي لَهُم وتُخَيِّل كذلك، فإذا ألقيت الباء نصبت كما تَقُولُ: أردت بأن أقوم ومعناهُ: أردت القيام، فإذا ألقيت الباء نصبت. قَالَ الله (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ «٢» ) ولو ألقيت الباء نصبت فقلت: ومن يُرد فِيهِ إلحادًا بظلمٍ.
وقوله: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى [٦٧] أحسّ ووجد.
وقوله: إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ سِحْرٍ [٦٩] جعلت (ما) فِي مذهب الَّذِي: إن الَّذِي صنعوا كيد سحر، وقد قرأه «٣» بعضهم (كَيْدُ ساحِرٍ) وكل صواب، ولو نصبت (كَيْدَ سحر) كَانَ صوابًا، وجعلت (إنَّما) حرفًا واحدًا كقوله (إِنَّما تَعْبُدُونَ «٤» مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً).
وقوله: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) جاء فِي التفسير أَنَّهُ يُقتل حيثما وُجِد.
وقوله: فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ [٧١] ويصلح فِي مثله من الكلام عَن وَعَلَى والباء.
وقوله (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) يصلح (عَلَى) فِي موضع (فِي) وإِنَّما صَلحت (فِي) لأنه يرفع فِي الخشبة فِي طولها فصلحت (فِي) وصلحت (عَلَى) لأنه يرفع فيها فيصير عليها، وقد
(١) الآية ١٩٦ سورة البقرة والآية ٨٩ سورة المائدة.
(٢) الآية ٢٥ سورة الحج.
(٣) القراءة الأولى لحمزة والكسائي وخلف. والأخيرة للباقين.
(٤) الآية ١٧ سورة العنكبوت.
قال الله (وَاتَّبَعُوا «١» ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) ومعناهُ فِي ملك سُلَيْمَان. وقوله (أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) يقول: وأدْوَم.
وقوله: لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى مَا جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا [٧٢] فالذي «٢» فِي موضع خفض:
وَعَلَى الَّذِي. ولو أرادوا بقولهم (وَالَّذِي فَطَرَنا) القسم بها كانت خفضًا وَكَانَ صوابًا، كأنَّهم قالوا:
لن نؤثرك والله.
وقوله (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قاضٍ) : افعل ما شئت. وقوله (إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) إنما حرف واحد، لذلك نصبت (الحياة) ولو قرأ قارئ برفع (الحياة) لَجازَ، يجعل (ما) فِي مذهب الَّذِي كأنه قَالَ: إن الَّذِي تقضيه هَذِه الدُّنْيَا.
وقوله: وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ [٧٣] مَا فِي موضع نصب مردودة «٣» عَلَى معنى الخطايا. وذُكِرَ فِي التفسير أن فرعون كَانَ أكره السّحرة ١١٣ ب عَلَى تَعلّم السحر «٤».
وقوله: لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى [٧٧] رفع عَلَى الاستئناف بلا كما قَالَ (وَأْمُرْ أَهْلَكَ «٥» بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) وأكثر ما جاء فِي جواب الأمر بالرفع مع لا.
وقد قرأ حَمْزَةُ (لا تَخَفْ دَرَكًا) فجزمَ عَلَى الجزاء ورفع (ولا تخشى) عَلَى الاستئناف، كما قَالَ (يُوَلُّوكُمُ «٦» الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) فاستأنفَ «٧» بثم، فهذا مثله. ولو نوى حَمْزَةُ بقوله (وَلا تَخْشى) الجزم وإن كانت فِيهِ الياء كَانَ صَوَابًا كما قَالَ الشاعر:
هُزِّي إليك الجذع يجنيك الجنى «٨»
(١) الآية ١٠٢ سورة البقرة.
(٢) ا: «والذي».
(٣) ا: «مردود» :[.....]
(٤) ا: «تعليم».
(٥) الآية ١٣٢ سورة طه.
(٦) الآية ١١١ سورة آل عمران.
(٧) ا: «استأنف».
(٨) انظر ص ١٦١ من الجزء الأول.
ولم يَقل: يَجنك الجنى. وقال الآخر «١» :
هَجَوْتَ زَبَّان ثُمَّ جئتَ معتذِرًا من سبّ زَبَّان لَمْ تهجو ولم تَدَعِ «٢»
وقال الآخر «٣» :
أَلَمْ يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبون بني زيادِ «٤»
فأثبت فِي (يأتيك) الياء وهي فِي موضع جزم لسكونِها فجازَ «٥» ذَلِكَ.
وقوله: فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي [٨١] الكسرُ فِيهِ أحبّ إليّ «٦» من الضم لأن الحلول ما وقع من يَحُلّ، ويَحِلُ: يجب، وجاء التفسير بالوجوب لا بالوقوع. وكل صواب إن شاء الله. وَالْكِسَائي جعله عَلَى الوقوع وهي فِي قراءة الفراء بالضم مثل الْكِسَائي سُئِلَ عَنْهُ فقاله، وَفِي قراءة «٧» عبد الله أو أبي (إن شاء الله) (ولا يَحُلَّنَّ عليكم غضبي ومن يحلل عَلَيْهِ) مضمومة. وأما قوله (أَمْ أَرَدْتُمْ «٨» أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ) فهى مكسورة. وهي مثل الماضيتين، ولو ضُمَّت كَانَ صَوَابًا فإذا قلت حَل بِهم العذاب كانت يحل بالضم لا غير، فإذا قلت: عَلَى أو قلت يحل لك كذا وكذا فهو بالكسر.
وقوله: ثُمَّ اهْتَدى [٨٢] : علم أن لذلك ثوابا وعقابا.
وقوله: قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي [٨٤] وقد قرأ بعضُ القراء (أُولايَ عَلَى أَثَرِي) بترك
(١) ا: «آخر».
(٢) الشعر لأبى عمرو بن العلاء وهو زبان. يخاطب الفرزدق وكان هجاه ثم اعتذر إليه. وانظر معجم الأدباء ١١/ ١٥٨. وانظر ص ١٦٢ من الجزء الأول.
(٣) ا: «آخر».
(٤) هو لقيس بن زهير العبسي. وانظر ص ١٦١ من الجزء الأول.
(٥) ا: «جاز».
(٦) سقط فى ا.
(٧) ا: «حرف».
(٨) الآية ٨٦ سورة طه.
الْهَمْز، وشبِّهت بالإضافة إذا تُرك الْهَمْز، كما قرأ يَحْيَى بن وثاب (مِلّة آبايَ «١» إِبْرَاهِيم) (وَتَقَبَّل «٢» دُعَايَ رَبَّنَا).
وقوله: مَا أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا [٨٧] برفع الميم. (هَذَا قراءة القراء) ولو قرئت بِمَلْكِنا (وملكنا «٣» ) كَانَ صوابًا. ومعنى (مُلكنا) فِي التفسير أنا لَمْ نملك الصواب إِنَّما أخطأنا.
وقوله (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) يعني ما أخذوا من قوم فرعون حين قَذَفَهم البحرُ من الذهب والفضة والحديد، فألقيناه فِي النار. فكذلك فعل السامري فاتَّبَعناهُ. فلما خلصت فضّة ما ألقوا وذهبه صوره السامري عجلًا وَكَانَ قد أخذ قبضة من أثر فرس كانت تحت جبريل (قَالَ «٤» السامري لموسى «٥» : قُذِفَ فِي نفسي أني إن ألقيت تِلْكَ القبضة عَلَى ميت حيي، فألقى تِلْكَ القبضة فِي أنف الثور وَفِي دبره فحيي وخار) قَالَ الفراء: وَفِي تفسير الكلبي أن الفرس كانت الحياة فذاك قوله (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) يقول زيَّنته لي نفسي.
ومن قرأ بملكنا بكسر الميم فهو الملك يملكه الرجل تَقُولُ لكل شيء ملكته: هَذَا ملك يميني للمملوك وغيره مما مُلك والملك مصدر ملكته مَلْكًا ومَلَكة: مثل غلبته غَلْبًا وغَلَبَةً. والملك السلطان وبعض بني أسد يقول مالي مُلْك، يقول: مالي شيء أملكه وملك الطريق ومَلْكه: وجهه «٦».
قَالَ الشاعر:
أقامت عَلَى ملك الطريق فَمَلكه لها ولمنكوب المطايا جوانبه «٧»
(١) الآية ٣٨ سورة يوسف. [.....]
(٢) الآية ٤٠ سورة ابراهيم.
(٣) ا: «بكسر الميم وفتح الميم».
(٤) ما بين القوسين جاء فى ابعد قوله. «كانت الحياة».
(٥) سقط فى ا.
(٦) فى اللسان: «وسطه».
(٧) يصف ناقة أنها تمشى فى وسط الطريق، وأن غيرها من المطايا يمشى فى جانبه لما أصابها من الحجارة والحصى فى أخفافها. والمنكوب ما أصاب الحجر رجله وظفره.
١١٤ اويقال «١» مع ملك الطريق: فَمِلكه. أقامت عَلَى عُظم الطريق وَعَلَى سجح الطريق وَعَلَى سننه وسنُنَه:
وقوله: فَنَسِيَ [٨٨] يعني أن موسى نسي: أخطأ الطريق فأبطأ عنهم فاتخذوا العجل فعَيَّرهم الله فقال. أفلا يرونَ أن العجل لا يتكلم ولا يملك لَهم ضرًّا ولا نفعًا.
وقوله: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً [٩٦] القبضة بالكف «٢» كلّها. والقبضة بأطراف الأصابع. وقرأ الْحَسَن قبصة بالصاد والقُبْصَة والقبضة جميعًا «٣» : اسم التراب بعينه فلو قرئتا كَانَ وجهًا: ومثله مما قد قرئ بِهِ (إِلا من «٤» اغترف غرفة بيده) و (غُرْفَةً). والغُرْفة: المغروف، والغَرفة: الْفَعلة. وكذلك الْحُسْوة والحَسْوة والخُطْوة والخَطْوة والأُكلة والأَكلة. والأُكلة المأكول «٥» والأكلة المرة. والخُطوة ما بين القدمين فِي المشي، والخَطْوة: المرَّة. وما كَانَ مَكسورًا فهو مصدر مثل إنه لحسن المشية والجلسة والقِعدة.
وقوله: فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ [٩٧] أي لا أُمَسّ ولا أَمَسُ، أُوِّلَ ذَلِكَ أن موسى أمرهم ألا يؤاكلوهُ ولا يخالطوهُ ولا يبايعوه. وتقرأ (لا مَسَاسِ) وهي لغة فاشية: لا مَسَاسِ لا مَسَاسِ مثل نزال ونظار من الانتظار. وقوله (الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) و (ظَلْتَ) «٦» و (فَظَلْتُمْ «٧» تَفَكَّهُونَ) و (فَظَلْتُمْ) إنما جاز الفتح والكسر لأن معناهما ظللتم، فحذفت اللام الأولى: فمن كسر الظاء جعل كسرة اللام الساقطة فِي الظاء. ومن فتح الظاء قَالَ: كانت مفتوحة فتركتُها على فتحها.
(١) الظاهر أنه يريد أن فى البيت رواية أخرى بكسر الميم. وفى ش: وملكه».
(٢) ش: «فى الكف».
(٣) سقط فى: ا
(٤) الآية ٢٤٩ سورة البقرة. وقراءة فتح (غرفة) لنافع وابن كثير وأبى عمرو وأبى جعفر. والضم للباقين.
(٥) ا: «الطعام».
(٦) الكسر رواية المطوعى عن الأعمش.
(٧) الآية ٦٥ سورة الوقعة. وقد قرأ، بالكسر أبو حيوة، وجاء فى رواية عن أبى بكر كما فى البحر ٨/ ٢١١
ومثله مسَسْت ومسِست تَقُولُ العرب قد مَسْتُ ذَلِكَ ومِسْته، وهممت بذلك وهَمْت، وَوَدِدْتُ وَوَدَدْتُ «١» كذا فى ب أنك فعلت ذاكَ، وهل أحسست صاحبك وهل أحسْت.
وقوله (لَنُحَرِّقَنَّهُ) بالنار و (لَنُحَرِّقَنَّهُ) «٢» لنَبْرُدَنَّه بالحديد بَرْدًا من حرقت أحرُقه وأَحرِقه لغتان. وأنشدني المفضل:
بذي فَرِقَيْنِ يوم بَنُو حَبيبٍ نيُوبَهَمُ علينا يَحْرِقُونا «٣»
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ (لَنُحَرِّقَنَّهُ) لنبردنّه.
وقوله: يَوْمَئِذٍ زُرْقاً [١٠٢] يُقال نحشرهم عِطَاشًا ويُقال نحشرهم عُميًا.
وقوله: يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ [١٠٢] التخافت: الكلام المخفي.
وقوله أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً [١٠٤] أجودهم قولًا فِي نفسه وعندهم (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) وكذب.
وقوله: يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً [١٠٥] يقلعها.
وقوله: قاعاً صَفْصَفاً [١٠٦] القاع مستنقع الماء والصفصف الأملس الَّذِي لا نبات فيه.
وقوله: وَلا أَمْتاً [١٠٧] الأمتُ: موضع النبك من الأرض: ما ارتفعَ «٤» منها ويُقال: مسايل الأودية (غير «٥» مهموز) ما نسفّل وقد سمعت العرب يقولون: ملأ الْقِرْبَةَ مَلأ لا أمْتَ فيها إذا لَمْ يكن فيها استرخاء. ويُقال سِرْنَا سيرًا لا أَمْت فيه ولا وهن «٦» فيه ولا ضعف.
(١) لم يذكر الصيغة بعد الحذف. وهى: ودت، ودت. [.....]
(٢) هى رواية عن أبى جعفر وقراءة الأعمش.
(٣) هو لعامر بن شقيق الضبي كما فى اللسان (حرق). فى ا: «بنى حبيب». وذو فرقين: موضع. وفى ياقوت أنه علم بشمالى قطر.
(٤) هذا تفسير للنبك.
(٥) سقط فى ا. وهو يريد أن مسايل غير مهموز وليس مسائل.
(٦) ب. «ونى».
191
وقوله: يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ [١٠٨] يتَّبِعونَ صوت الداعي للحشر (لا عِوَجَ لَهُ) يقول لا عوج لَهُم عَن الداعي فجازَ أن يقول (لَهُ) لأن المذهب إلى الداعي وصوته. وهو كما تَقُولُ فِي الكلام:
دَعَوْتني دعوةً لا عِوَج لك عنها أي إني لا أعوج لك ولا عنك.
وقوله: (إِلَّا هَمْساً) يُقال: نقل الأقدام إلى المحشر. ويُقال: إنه الصّوت الخفىّ. وذكر عن ١١٤ ب ابن عباس أَنَّهُ تَمثَّل:
وَهُنَّ يمشينَ بنا هميسًا إن تصدق الطير ننِك لَميسا
فهذا «١» صوت أخفاف الإبل فِي سيرها.
وقوله: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ [١٠٩] (من) فِي موضع نصب لا تنفع إلا من أذن لَهُ أن يشفع فِيهِ.
وقوله: (وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا) كقولك «٢» : ورضي منه عمله وقد يقول الرجل. قد رضيت لك عملك ورضيته منك.
وقوله: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ [١١٠] يعني ملائكته الَّذِين عَبَدهم من عبدهم. فقال:
هم «٣» لا يعلمون ما بين أيديهم وما خلفهم، هُوَ الَّذِي يعلمه. فذلك قوله: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً).
وقوله: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ [١١١].
يُقال نصبت لَهُ وعملت لَهُ وذُكر أيضًا أَنَّهُ وضع المسلم يديه وجبهته وركبتيه إذا سجد وركع وهو فِي معنى العربية أن يقول الرجل عنوت لك: خضعت لك وأطعتك. ويُقال الأرض لَمْ تَعْنُ بشيء أي لَمْ تُنبت شيئًا، ويُقال: لَمْ تَعْنِ بشيء والمعنى واحد كما قيل: حَثوت عَلَيْهِ «٤» التراب وحثيت
(١) ا: «وهو».
(٢) ا: «كذلك».
(٣) ا: «فهم».
(٤) ا: «عليك».
192
التراب. والعَنْوة فِي قول العرب: أخذت هَذَا الشيء عَنْوة يكون غلبة ويكون عَن تسليم وطاعة ممن يؤخذ منه الشيء قَالَ الشاعر «١».
فما أخذوها عَنْوة عَن موَّدةٍ ولكن بضرب المشرفي استقالَها
فهذا عَلَى معنى الطاعة والتسليم بلا قتال.
وقوله: فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً [١١٢] تَقُولُ العرب: هضمت لك من حَقّي أي حططته، وجاء عَن عَليّ بن أبي طالب فِي يوم الْجَمَل أَنَّهُ قيل لَهُ «٢» أهضم أم قصاصٌ قَالَ: ما عُمِل بِهِ فهو تَحت قديَّ هاتين فجَعَله هَدرًا وهو النقص.
وقوله: أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً [١١٣]. شرفًا وهو مثل قول الله (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) أي شرفٌ ويُقال (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) عذابًا أي يتذكرون حلول العذاب الَّذِي وُعِدُوه.
وقوله: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [١١٤] كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتاهُ جبريل بالوحي عَجِلَ بقراءته قبل أن يستتم جبريل تلاوته، فأُمِرَ ألَّا يعجل حَتَّى يستتمّ جبريل تلاوته، وقوله (فَنَسِيَ) ترك ما أُمِرَ بِهِ.
وقوله: وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [١١٥] صَريمةً ولا حَزْمًا فيما فَعَل.
وقوله: فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى [٨٧] ولم يقل: فتشقيا لأنّ آدم هُوَ المخاطب، وَفِي فعله اكتفاء من فعل المرأة. ومثله قوله فِي ق (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ «٣» ) اكتفى «٤» بالقَعِيد من صَاحِبه لأن المعنى معروف. ومعنى (فَتَشْقى) تأكل من كدّ يدك وعملك.
(١) هو كثير كما فى اللسان. وفيه: «ولكن ضرب المشرفي».
(٢) سقط فى ا.
(٣) الآية ١٧ سورة ق.
(٤) والأصل: عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، فحذف أحدهما. والمنقول عن الفراء فى البحر ٨/ ١٢٣ أن لفظ (قعيد) يدل على الاثنين والجمع. فلا حذف.
193
وقوله: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها [١١٨] أن فيها فِي موضع نَصْبٍ لأن إنّ وليت ولعل إذا ولين صفةً نَصبت «١» ما بعدها فأنّ من ذَلِكَ.
وقوله: وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها [١١٩]. نصب أيضًا. ومن «٢» قرأ (وَإِنَّكَ لا تَظْمَأُ) جعله مردودًا عَلَى قوله (إنَّ) التي قبل (لك) ويَجوز أن تستأنفها فتكسرها بغير عَطف عَلَى شيء ولو جعلت (وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ) بالفتح مستأنفة تنوي بِهَا الرفع عَلَى قولك ولك أنك لا تظمأ فيها ولا تضحَى كان صوابا.
وقوله: (وَلا تَضْحى) : لا تُصيبك شمس مؤذية وذكر فِي بعض التفسير (وَلا تَضْحى) :
لا تَعْرق والأول أشبه بالصواب «٣» قَالَ الشاعر:
رأت رجلًا أمَّا إذا الشمس أعرضت فيَضْحَى وأمّا بالعشي فيخصر
فقد بيّن. ويُقال: ضحِيت.
وقوله: وَطَفِقا يَخْصِفانِ [١٢١] هُوَ فِي العربية: أقبلَا يخصفانِ وجعلا يَخْصِفَانِ. وكذلك قوله (فَطَفِقَ «٤» مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) (وقيل «٥» ههنا) : جعلَا يُلصقان عليهما ورق التين وهو يتهافت عنهما.
وقوله: ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ «٦» [١٢٢]، اختاره (فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) أي هداه للتوبة.
وقوله: (مَعِيشَةً ضَنْكاً) [١٢٤] والضَّنْكُ: الضّيِّقَة الشديدة.
وقوله: (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) أعمى عَن الحجة، ويُقال: إنه يخرج من قبره بصيرا فيعمى فى حشره.
(١) ا: «نصب». [.....]
(٢) هما نافع وأبو بكر.
(٣) هو عمر بن أبى ربيعة. وانظر ديوانه (شرح الشيخ محيى الدين) ٩٤.
(٤) الآية ٣٣ سورة ص.
(٥) سقط فى ا.
(٦) الآية ١٩٣ سورة الأعراف.
وقوله: (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ [١٢٨] يبيّن لهم إذا نظروا (كَمْ أَهْلَكْنا) و (كم) فِي موضع نصب لا يكون غيره. ومثله فى الكلام: أو لم يبين لك من يعمل خيرًا يُجزَ بِهِ، فجملة الكلام فيها معنى رفع. ومثله أن تَقُولُ: قد تبيّن لي أقام عبد الله أم زيد، فِي الاستفهام معنى رفع. وكذلك قوله:
(سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) فيه شىء برفع (سَواءٌ عَلَيْكُمْ)، لا يظهر مع الاستفهام.
ولو قلت: سواء عليكم صمتكم ودعاؤكم تبيّن الرفع الَّذِي في الجملة.
وقوله: يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) يعنى أهل مكّة. وكانوا يتّجرون ويسيرن فِي مساكن عادٍ وثَمود، فيمرونَ فيها. فالمشيُ لكفار أهل مكة (والمساكن «١» ) للمهلكين. فقال: أفلم يخافوا أن يقع بهم ما وقع بالذين رأوا مساكنهم وآثار عذابهم.
وقوله: (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى [١٢٩] يريد: ولولا كلمة وأجل مُسمى لكان لِزامًا (مقدم «٢» ومؤخر) وهو- فيما ذكروا- ما نزل «٣» بهم فِي وقعة بدر من القتل.
وقوله: وَأَطْرافَ النَّهارِ [١٣٠] وإنَّما للنهار طرفان فقال المفسرون: (وَأَطْرافَ النَّهارِ) صلاة الفجر والظهر والعصر (وهو) «٤» وجه: أن تَجعل الظهر والعصر من طرف النهار الآخر، ثُمَّ يضم إليهما الفجر فتكون أطرافًا. ويكون لصلاتين فيجوز «٥» ذَلِكَ: أن يكونا طرفين فيخرجا مخرج الجماع، كما قَالَ (إِنْ تَتُوبا «٦» إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) وهو أحب الوجهين إليّ، لأنه قَالَ (وَأَقِمِ الصَّلاةَ «٧» طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) وتنصب لأطراف بالردّ على قبل طلوع الشمس وقبل
(١) ا: «لا».
(٢) سقط فى ا.
(٣) ش: «وقعة بدر ما نزل بهم فى وقعة بدر» وهو جمع بين نسخين.
(٤) ا: «فهو».
(٥) ا: «ويجوز».
(٦) الآية ٥ سورة التحريم.
(٧) الآية ١١٤ سورة هود.
195
الغروب. وإن شئت خفضت أطراف تريد وسبّحه من الليل ومن أطراف النهار، ولم أسمعها «١» فِي القراءة، ولكنها مثل قوله (وَمِنَ اللَّيْلِ «٢» فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) (وإدبارَ السجودِ) وقرأ حَمْزَةُ «٣» وإدبارَ السجود. ويَجوز فِي الألف الفتح والكسر ولا يحسن كسر الألف إلا فِي القراءة.
وقوله (لَعَلَّكَ تَرْضى) و (ترضى) ومعناهما واحد لأنك إذا رضيت فقد أرضيت. وَكَانَ حَمْزَةُ وأصحاب عبد الله يقرءونها ترضَى. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بكر وأخوه الْحَسَن بن عياش عَن عَاصِم عَن أبي عبد الرحمن أَنَّهُ قرأ لعلك (تُرضَى بضم التاء).
وقوله: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ [١٣١] يريد: رجالًا منهم.
وقوله (زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) نصبت الزهرة عَلَى الفعل «٤» متعناهم بِهِ زهرةً فى/ ١١٥ ب الحياة وزينة فيها. و (زهرة) وإن كَانَ معرفة فإن العرب تَقُولُ: مررتُ بِهِ الشريف الكريم. وأنشدني بعض بني فَقْعس:
أبعد الَّذِي بالسَّفح سفح كُواكبٍ رهينةَ رَمْس من تراب وجندل «٥»
فنصب الرهينة بالفعل، وإنما وقع عَلَى الاسم الَّذِي هُوَ الرهينة خافض فهذا أضعف من (متَّعنا) وأشباهه.
وقوله: لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً [١٣٢]. أجرًا عَلَى ذَلِكَ. وكذلك قوله (وَرِزْقُ «٦» رَبِّكَ) يريد:
وثواب ربك.
(١) رويت عن الحسن كما فى الإتحاف.
(٢) الآية ٤٠ سورة ق. قرأ نافع وابن كثير وحمزة وأبو جعفر وخلف بكسر الهمزة وافقهم ابن محيصن والأعمش. وقرأ الباقون بفتح الهمزة. وظاهر كلام المؤلف أن بعضهم قرأ بخفض الراء عطفا على (الليل) ولم أقف عليه. [.....]
(٣) سقط ما بين القوسين فى ا.
(٤) يريد أنها نصبت على الحال.
(٥) كواكب: جبل. والرمس: القبر.
(٦) فى الآية ١٣١ سورة طه.
196
Icon