تفسير سورة ص

التبيان في إعراب القرآن
تفسير سورة سورة ص من كتاب التبيان في إعراب القرآن .
لمؤلفه أبو البقاء العكبري . المتوفي سنة 616 هـ

سُورَةُ ص.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (٣)).
الْجُمْهُورُ عَلَى إِسْكَانِ الدَّالِّ؛ وَقَدْ ذُكِرَ وَجْهُهُ.
وَقُرِئَ بِكَسْرِهَا. وَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: هِيَ كَسْرَةُ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَالثَّانِي: هِيَ أَمْرٌ مِنْ صَادَى وَصَادَى الشَّيْءَ: قَابَلَهُ وَعَارَضَهُ؛ أَيْ عَارِضْ بِعَمَلِكَ الْقُرْآنَ.
وَيُقْرَأُ بِالْفَتْحِ؛ أَيِ اتْلُ صَادَ. وَقِيلَ: حُرِّكَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وَ (الْقُرْآنُ) : قَسَمٌ. وَقِيلَ: مَعْطُوفٌ عَلَى الْقَسَمِ، وَهُوَ صَادْ.
وَأَمَّا جَوَابُ الْقَسَمِ فَمَحْذُوفٌ؛ أَيْ لَقَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَقِيلَ: هُوَ مَعْنَى:
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) : أَيْ وَحَقِّ الْقُرْآنِ، لَقَدْ خَالَفَ الْكُفَّارُ وَتَكْبَّرُوا عَنِ الْإِيمَانِ.
وَقِيلَ: الْجَوَابُ: «كَمْ أَهْلَكْنَا» وَاللَّامُ مَحْذُوفَةٌ؛ أَيْ لَكَمْ أَهْلَكْنَا وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ كَمْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِأَهْلَكْنَا. وَقِيلَ: هُوَ مَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ؛ أَيْ لَقَدْ أَهْلَكْنَا كَثِيرًا مِنَ الْقُرُونِ.
وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُهُ [تَعَالَى] :(إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ) [ص: ١٤]. وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ) [ص: ٦٤] وَبَيْنَهُمَا كَلَامٌ طَوِيلٌ يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهِ جَوَابًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ) : الْأَصْلُ «لَا» زِيدَتْ عَلَيْهَا التَّاءُ، كَمَا زِيدَتْ عَلَى رُبَّ، وَثُمَّ: فَقِيلَ رُبَّتَ وَثُمَّتْ.
وَأَكْثَرُ الْعَرَبِ يُحَرِّكُ هَذِهِ التَّاءَ بِالْفَتْحِ؛ فَأَمَّا فِي الْوَقْفِ فَبَعْضُهُمْ يَقِفُ بِالتَّاءِ؛ لِأَنَّ الْحُرُوفَ لَيْسَتْ مَوْضِعَ تَغْيِيرٍ، وَبَعْضُهُمْ بِالْهَاءِ كَمَا يَقِفُ عَلَى قَائِمَةٍ.
فَأَمَّا «حِينَ» فَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ خَبَرُ لَاتَ، وَاسْمُهَا مَحْذُوفٌ؛ لِأَنَّهَا عَمِلَتْ عَمَلَ لَيْسَ؛ أَيْ لَيْسَ الْحِينُ حِينَ هَرَبٍ. وَلَا يُقَالُ: هُوَ مُضْمَرٌ؛ لِأَنَّ الْحُرُوفَ لَا يُضْمَرُ فِيهَا.
وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هِيَ الْعَامِلَةُ فِي بَابِ النَّفْيِ، فَحِينَ اسْمُهَا، وَخَبَرُهَا مَحْذُوفٌ؛ أَيْ لَا حِينَ مُنَاظِرٌ لَهُمْ، أَوْ حِينُهُمْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْفَعُ مَا بَعْدَهَا، وَيُقَدِّرُ الْخَبَرَ الْمَنْصُوبَ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
فَأَنَا ابْنُ قَيْسٍ لَا بَرَاحُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: التَّاءُ مَوْصُولَةٌ بِحِينَ لَا بِلَا، حَكَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: تَحِينُ وَتَلَانُ
وَأَجَازَ قَوْمٌ جَرَّ مَا بَعْدَ «لَاتَ» وَأَنْشَدُوا عَلَيْهِ أَبْيَاتًا، وَقَدِ اسْتَوْفَيْتُ ذَلِكَ فِي عِلَلِ الْإِعْرَابِ الْكَبِيرِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنِ امْشُوا) : أَيِ امْشُوا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: انْطَلَقُوا فِي الْقَوْلِ.
وَقِيلَ: هُوَ الِانْطِلَاقُ حَقِيقَةً، وَالتَّقْدِيرُ: وَانْطَلَقُوا قَائِلِينَ: امْشُوا.
قَالَ تَعَالَى: (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (١٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلْيَرْتَقُوا) : هَذَا كَلَامٌ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى؛ أَيْ إِنْ زَعَمُوا ذَلِكَ فَلْيَرْتَقُوا.
قَالَ تَعَالَى: (جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (١١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (جُنْدٌ) : مُبْتَدَأٌ، وَ «مَا» زَائِدَةٌ، وَ «هُنَالِكَ» : نَعْتٌ، وَ «مَهْزُومٌ» : الْخَبَرُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «هُنَالِكَ» ظَرْفًا لِمَهْزُومٍ.
وَ (مِنَ الْأَحْزَابِ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِجُنْدٍ، وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَهْزُومٍ، وَأَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَهْزُومٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (١٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَأَنْ يَكُونَ خَبَرًا وَالْمُبْتَدَأُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَعَادٌ) وَأَنْ يَكُونَ مِنْ «ثَمُودُ» وَأَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَقَوْمُ لُوطٍ».
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (١٥)).
وَالْفَوَاقُ - بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ لُغَتَانِ، قَدْ قُرِئَ بِهِمَا.
قَالَ تَعَالَى: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (١٨)).
وَ (دَاوُدَ) : بَدَلٌ.
وَ (سَخَّرْنَا) : قَدْ ذُكِرَ فِي الْأَنْبِيَاءِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (٢٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الْخَصْمُ) : هُوَ مَصْدَرٌ فِي الْأَصْلِ وُصِفَ بِهِ؛ فَلِذَلِكَ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ.
وَ (إِذْ) الْأُولَى: ظَرْفٌ لِنَبَأٍ وَالثَّانِيَةُ بَدَلٌ مِنْهَا، أَوْ ظَرْفٌ لِـ «تَسَوَّرُوا» وَجُمِعَ الضَّمِيرُ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لِاثْنَيْنِ تَجَوُّزًا؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ جَمْعٌ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: «خَصْمَانِ» وَالتَّقْدِيرُ: نَحْنُ خَصْمَانِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (٢٣) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (٢٤) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَعَزَّنِي) : بِالتَّشْدِيدِ؛ أَيْ غَلَبَنِي.
وَقُرِئَ شَاذًّا بِالتَّخْفِيفِ، وَالْمَعْنَى: وَاحِدٌ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ وَعِزَ بِكَذَا، إِذَا أَمَرَ بِهِ؛ وَهَذَا بِعِيدٌ؛ لِأَنَّ قَبْلَهُ فِعْلًا يَكُونُ هَذَا مَعْطُوفًا عَلَيْهِ؛ كَذَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَذْفُ الْقَوْلِ؛ أَيْ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا، وَقَالَ: وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ.
وَ (سُؤَالِ نَعْجَتِكَ) : مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ بِهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) : اسْتِثْنَاءٌ مِنِ الْجِنْسِ، وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بَعْضُهُمْ؛ وَ «مَا» : زَائِدَةٌ، وَ «هُمْ» : مُبْتَدَأٌ، وَ «قَلِيلٌ» : خَبَرُهُ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: وَهُمْ قَلِيلٌ مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَتَنَّاهُ) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ عَلَى إِضَافَةِ الْفِعْلِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِالتَّخْفِيفِ عَلَى إِضَافَتِهِ إِلَى الْمَلِكَيْنِ.
(رَاكِعًا) : حَالٌ مُقَدَّرَةٌ...
وَ (ذَلِكَ) : مَفْعُولُ «غَفَرْنَا». وَقِيلَ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ؛ أَيِ الْأَمْرُ ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (٢٤)).
(فَيُضِلَّكَ) : مَنْصُوبٌ عَلَى الْجَوَابِ. وَقِيلَ: مَجْزُومٌ عَطْفًا عَلَى النَّهْيِ، وَفُتِحَتِ اللَّامُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧)).
وَ (بَاطِلًا) : قَدْ ذُكِرَ فِي آلِ عِمْرَانَ، وَ «أَمْ» فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُنْقَطِعَةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩)).
وَ (كِتَابٌ) أَيْ هَذَا كِتَابٌ، وَ «مُبَارَكٌ» صِفَةٌ أُخْرَى.
قَالَ تَعَالَى: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠)).
(نِعْمَ الْعَبْدُ) أَيْ سُلَيْمَانُ، وَقِيلَ: دَاوُدُ، فَحُذِفَ الْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ، وَكَذَا فِي قِصَّةِ أَيُّوبَ.
قَالَ تَعَالَى: (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (٣١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذْ عُرِضَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِأَوَّابٍ؛ وَأَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ «نِعْمَ» وَأَنَّهُ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: اذْكُرْ.
وَ (الْجِيَادُ) : جَمْعُ جَوَادٍ، وَقِيلَ: جَيِّدٌ.
قَالَ تَعَالَى: (فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (٣٢) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (٣٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (حُبَّ الْخَيْرِ) : هُوَ مَفْعُولُ أَحْبَبْتُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى أَحْبَبْتُ: آثَرْتُ؛ لِأَنَّ مَصْدَرَ أَحْبَبْتُ: الْإِحْبَابُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مَحْذُوفَ الزِّيَادَةِ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: أَحْبَبْتُ بِمَعْنَى جَلَسْتُ؛ مِنْ إِحْبَابِ الْبَعِيرِ، وَهُوَ بُرُوكُهُ.
وَ «حُبَّ الْخَيْرِ» : مَفْعُولٌ لَهُ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ.
وَ (ذِكْرِ رَبِّي) : مُضَافٌ إِلَيْهِ الْمَفْعُولُ أَيْضًا. وَقِيلَ: إِلَى الْفَاعِلِ؛ أَيْ عَنْ أَنْ يَذْكُرَنِي رَبِّي.
وَفَاعِلُ «تَوَارَتْ» : الشَّمْسُ، وَلَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ؛ وَلَكِنْ دَلَّتِ الْحَالُ عَلَيْهَا.
وَقِيلَ: دَلَّ عَلَيْهَا ذِكْرُ الْإِشْرَاقِ فِي قِصَّةِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَ (رُدُّوهَا) : الضَّمِيرُ لِلْجِيَادِ.
وَ (مَسْحًا) : مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: يَمْسَحُ مَسْحًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (٣٤) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (٣٦) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (جَسَدًا) : هُوَ مَفْعُولُ «أَلْقَيْنَا». وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ مِنْ مَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ أَلْقَيْنَاهُ؛ قِيلَ: سُلَيْمَانُ. وَقِيلَ: وَلَدُهُ، عَلَى مَا جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ.
وَ (تَجْرِي) : حَالٌ مِنَ الرِّيحِ.
وَ (رُخَاءً) : حَالٌ مِنْ ضَمِيرٍ فِي تَجْرِي؛ أَيْ لَيِّنَةً.
وَ (حَيْثُ) : ظَرْفٌ لِتَجْرِي، وَقِيلَ: لِسَخَّرْنَا.
وَ (الشَّيَاطِينَ) : عَطْفٌ عَلَى الرِّيحِ. وَ «كُلَّ» : بَدَلٌ مِنْهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِغَيْرِ حِسَابٍ) : قِيلَ: هُوَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «امْنُنْ»، أَوْ فِي «أَمْسِكْ» وَالْمَعْنَى: غَيْرَ مُحَاسَبٍ.
وَقِيلَ: هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِعَطَاؤُنَا.
وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ مِنْهُ؛ أَيْ هَذَا عَطَاؤُنَا وَاسِعًا؛ لِأَنَّ الْحِسَابَ بِمَعْنَى الْكَافِي.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (٤٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى) : اسْمُ إِنَّ، وَالْخَبَرُ: «لَهُ» وَالْعَامِلُ فِي «عِنْدَ» : الْخَبَرُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (٤١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِنُصْبٍ) : فِيهِ قِرَاءَاتٌ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى.
قَالَ تَعَالَى: (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٤٣)).
وَ (رَحْمَةً) : مَفْعُولٌ لَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (٤٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عِبَادَنَا) : يُقْرَأُ عَلَى الْجَمْعِ، وَالْأَسْمَاءُ الَّتِي بَعْدَهُ بَدَلٌ مِنْهُ، وَعَلَى الْإِفْرَادِ، فَيَكُونُ «إِبْرَاهِيمَ» بَدَلًا مِنْهُ، وَمَا بَعْدَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى عَبْدِنَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا فِي مَعْنَى الْجَمْعِ؛ فَيَكُونَ كَالْقِرَاءَةِ الْأُولَى.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِخَالِصَةٍ) : يُقْرَأُ بِالْإِضَافَةِ، وَهِيَ هَاهُنَا مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى مَا يُبَيِّنُهُ؛ لِأَنَّ الْخَالِصَةَ قَدْ تَكُونُ ذِكْرَى وَغَيْرَ ذِكْرَى.
وَ (ذِكْرَى) : مَصْدَرٌ، وَ «خَالِصَةٍ» : مَصْدَرٌ أَيْضًا، مَعْنَى الْإِخْلَاصِ كَالْعَافِيَةِ.
وَقِيلَ: «خَالِصَةٍ» مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ؛ أَيْ بِإِخْلَاصِهِمْ ذِكْرَى الدَّارِ. وَقِيلَ: «خَالِصَةٍ» بِمَعْنَى خُلُوصٍ؛ فَيَكُونُ مُضَافًا إِلَى الْفَاعِلِ؛ أَيْ بِأَنْ خَلَصَتْ لَهُمْ ذِكْرَى الدَّارِ.
وَقِيلَ: «خَالِصَةٍ» اسْمُ فَاعِلٍ، تَقْدِيرُهُ: بِخَالِصٍ ذِكْرَى الدَّارِ؛ أَيْ خَالِصٍ مِنْ أَنْ يُشَابَ بِغَيْرِهِ.
وَقُرِئَ بِتَنْوِينِ «خَالِصَةٍ» فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «ذِكْرَى» بَدَلًا مِنْهَا. وَأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ مَفْعُولِ خَالِصَةٍ، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي. وَأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعِ فَاعِلِ «خَالِصَةٍ» أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ: هِيَ ذِكْرَى.
وَأَمَّا إِضَافَةُ «ذِكْرَى» إِلَى «الدَّارِ» فَمِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ؛ أَيْ بِذِكْرِهِمُ الدَّارَ الْآخِرَةَ.
وَقِيلَ: هِيَ فِي الْمَعْنَى ظَرْفٌ؛ أَيْ ذِكْرُهُمْ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا؛ فَهُوَ إِمَّا مَفْعُولٌ بِهِ عَلَى السَّعَةِ، مِثْلُ يَا سَارِقَ اللَّيْلَةِ، أَوْ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ، مِثْلَ: ذَهَبْتُ الشَّامَ.
قَالَ تَعَالَى: (هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (٤٩) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (٥٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (جَنَّاتِ عَدْنٍ) : هِيَ بَدَلٌ مِنْ «حُسْنَ مَآبٍ».
وَ (مُفَتَّحَةً) حَالٌ مِنْ جَنَّاتٍ، فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَهَا مَعْرِفَةً لِإِضَافَتِهَا إِلَى عَدْنٍ، وَهُوَ عَلَمٌ؛ كَمَا قَالُوا: جَنَّةُ الْخُلْدِ، وَجَنَّةُ الْمَأْوَى.
وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ نَكِرَةٌ، وَالْمَعْنَى: جَنَّاتُ إِقَامَةٍ، فَتَكُونُ «مُفَتَّحَةً» وَصْفًا.
وَأَمَّا ارْتِفَاعُ (الْأَبْوَابُ) فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا: هُوَ فَاعِلُ «مُفَتَّحَةً» وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ مِنْهَا، فَحُذِفَ كَمَا حُذِفَ فِي قَوْلِهِ: (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النَّازِعَاتِ: ٤١] أَيْ لَهُمْ وَالثَّانِي: هِيَ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ (مُفَتَّحَةً) وَهُوَ ضَمِيرُ الْجَنَّاتِ وَ «الْأَبْوَابُ» غَيْرُ أَجْنَبِيٍّ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا مِنَ الْجَنَّةِ تَقُولُ: فُتِحَتِ الْجَنَّةُ، وَأَنْتَ تُرِيدُ
أَبْوَابَهَا وَمِنْهُ: (وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا) [النَّبَأِ: ١٩].
وَالثَّالِثُ: كَالْأَوَّلِ، إِلَّا أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ عِوَضٌ مِنَ الْهَاءِ الْعَائِدَةِ؛ وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ؛ وَفِيهِ بُعْدٌ.
قَالَ تَعَالَى: (مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (٥١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُتَّكِئِينَ) : هُوَ حَالٌ مِنَ الْمَجْرُورِ فِي «لَهُمْ» وَالْعَامِلُ: «مُفَتَّحَةً».
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ «الْمُتَّقِينَ» لِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ قَبْلَ الْحَالِ.
وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «يَدْعُونَ» وَقَدْ تَقَدَّمَ عَلَى الْعَامِلِ فِيهِ.
قَالَ تَعَالَى: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (٥٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا تُوعَدُونَ) : بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ، وَالضَّمِيرُ لِلْمُتَّقِينَ، وَبِالتَّاءِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَقِيلَ لَهُمْ هَذَا مَا تُوعَدُونَ، وَالْمَعْنَى: هَذَا مَا وَعَدْتُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (٥٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَالَهُ مِنْ نَفَادٍ) : الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الرِّزْقِ، وَالْعَامِلُ الْإِشَارَةُ؛ أَيْ إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا بَاقِيًا.
قَالَ تَعَالَى: (هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (٥٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هَذَا) أَيِ الْأَمْرُ هَذَا. ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: «وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ».
وَ (جَهَنَّمَ) : بَدَلٌ مِنْ «شَرَّ».
وَ (يَصْلَوْنَهَا) : حَالٌ الْعَامِلُ فِيهِ الِاسْتِقْرَارُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «لِلطَّاغِينَ».
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: يَصْلَوْنَ جَهَنَّمَ، فَحُذِفَ الْفِعْلُ لِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ.
قَالَ تَعَالَى: (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هَذَا) : هُوَ مُبْتَدَأٌ، وَفِي الْخَبَرِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: (فَلْيَذُوقُوهُ) مِثْلُ قَوْلِكَ: زَيْدٌ اضْرِبْهُ.
وَقَالَ قَوْمٌ: هَذَا ضَعِيفٌ مِنْ أَجْلِ الْفَاءِ؛ وَلَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْجَوَابِ، كَالَّتِي فِي قَوْلِهِ: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا). فَأَمَّا (حَمِيمٌ) عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَيَجُوزُ أَنَّ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ هَذَا، وَأَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ هُوَ حَمِيمٌ، وَأَنْ يَكُونَ خَبَرًا ثَانِيًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ يَكُونَ (حَمِيمٌ) خَبَرَ (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ) معترض بَينهمَا
وَقيل هَذَا فِي مَوضِع نصب أَي فليذوقوا هَذَا، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ (حَمِيمٌ) أَيْ هُوَ حَمِيمٌ.
وَأَمَّا (غَسَّاقٌ) فَيُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ، مِثْلَ كَفَّارٍ وَصَبَّارٍ؛ وَبِالتَّخْفِيفِ اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ؛ أَيْ ذُو غَسَقٍ، أَوْ يَكُونُ فَعَّالٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (٥٨) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (٥٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَآخَرُ) : يُقْرَأُ عَلَى الْجَمْعِ؛ وَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: هُوَ مُبْتَدَأٌ.
وَ «مِنْ شَكْلِهِ» : نَعْتٌ لَهُ؛ أَيْ مِنْ شَكْلِ الْحَمِيمِ، وَ «أَزْوَاجٌ» : خَبَرُهُ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا؛ أَيْ وَلَهُمْ أُخَرُ؛ وَ «مِنْ شَكْلِهِ» وَ «أَزْوَاجٌ» صِفَتَانِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «مِنْ شَكْلِهِ» صِفَةً، وَ «أَزْوَاجٌ» يَرْتَفِعُ بِالْجَارِّ.
وَذُكِرَ الضَّمِيرُ، لِأَنَّ الْمَعْنَى مِنْ شَكْلِ مَا ذَكَرْنَا.
وَيُقْرَأُ عَلَى الْإِفْرَادِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى حَمِيمٍ، وَ «مِنْ شَكْلِهِ» نَعْتٌ لَهُ، وَ «أَزْوَاجٌ» يَرْتَفِعُ بِالْجَارِّ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَ عَلَى تَقْدِيرِ هِيَ؛ أَيِ الْحَمِيمُ.
وَالنَّوْعُ الْآخَرُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُقْتَحِمٌ) أَيِ النَّارَ.
وَ (مَعَكُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي مُقْتَحِمٌ، أَوْ مِنْ (فَوْجٌ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُصِفَ؛ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا، لِفَسَادِ الْمَعْنَى. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا ثَانِيًا.
وَ (لَا مَرْحَبًا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا؛ أَيْ هَذَا فَوْجٌ مَقُولًا لَهُ: لَا مَرْحَبًا.
وَمَرْحَبًا: مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَوْ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ؛ أَيْ لَا يَسْمَعُونَ مَرْحَبًا.
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (٦١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ قَدَّمَ) : هِيَ بِمَعْنَى الَّذِي. وَ «فَزِدْهُ» : الْخَبَرُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «مَنْ» نَصْبًا؛ أَيْ فَزِدْ مَنْ قَدَّمَ.
وَقِيلَ: هِيَ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى التَّعْظِيمِ؛ فَيَكُونُ مُبْتَدَأً، وَقَدَّمَ الْخَبَرَ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ. وَفِيهِ ضَعْفٌ.
وَ (ضِعْفًا) : نَعْتٌ لِعَذَابٍ؛ أَيْ مُضَاعَفًا.
وَ (فِي النَّارِ) : ظَرْفٌ لِزِدْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْهَاءِ؛ أَيْ زِدْهُ كَائِنًا فِي النَّارِ؛ وَأَنْ يَكُونَ نَعْتًا ثَانِيًا لِعَذَابٍ، أَوْ حَالًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُصِفَ.
قَالَ تَعَالَى: (أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (٦٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَتَّخَذْنَاهُمْ) : يُقْرَأُ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ؛ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِفْهَامِ؛ وَبِالْوَصْلِ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ لِدَلَالَةِ أَمْ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: الْأَوَّلُ خَبَرٌ، وَهُوَ وَصْفٌ فِي الْمَعْنَى لِرِجَالٍ. وَ «أَمْ» اسْتِفْهَامٌ؛ أَيْ أَهُمْ مَفْقُودُونَ أَمْ زَاغَتْ.
وَ (سِخْرِيًّا) : قَدْ ذُكِرَ فِي «الْمُؤْمِنُونَ».
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) : هُوَ بَدَلٌ مِنَ «حَقٌّ» أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ هُوَ تَخَاصُمٌ.
وَلَوْ قِيلَ: هُوَ مَرْفُوعٌ لِحَقٍّ لَكَانَ بَعِيدًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جُمْلَةً، وَلَا ضَمِيرَ فِيهَا يَعُودُ عَلَى اسْمِ «إِنَّ».
قَالَ تَعَالَى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٦٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَأَنْ يَكُونَ
صِفَةً، وَأَنْ يَكُونَ بَدَلًا، وَأَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، وَالْخَبَرُ «الْعَزِيزُ».
قَالَ تَعَالَى: (مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٦٩) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٧٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) : هُوَ ظَرْفٌ لِعِلْمٍ.
وَ (أَنَّمَا) : مَرْفُوعٌ بِيُوحَى إِلَيَّ.
وَقِيلَ: «إِلَيَّ» قَائِمٌ مَقَامَ الْفَاعِلِ؛ وَإِنَّمَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ؛ أَيْ أُوحِيَ إِلَيَّ الْإِنْذَارُ، أَوْ بِأَنِّي نَذِيرٌ.
قَالَ تَعَالَى: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (٧١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذْ قَالَ) : أَيِ اذْكُرْ إِذْ قَالَ.
(مِنْ طِينٍ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِبَشَرٍ، وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِخَالِقٍ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَالْحَقُّ) فِي نَصْبِهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ فَأَحِقَّ الْحَقَّ، أَوْ فَاذْكُرِ الْحَقَّ. وَالثَّانِي: عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْقَسَمِ؛ أَيْ فَبِالْحَقِّ لَأَمْلَأَنَّ.
(وَالْحَقَّ أَقُولُ) : مُعْتَرِضٌ بَيْنَهُمَا. وَسِيبَوَيْهِ يَدْفَعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَذْفُهُ إِلَّا مَعَ اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَيُقْرَأُ بِالرَّفْعِ؛ أَيْ فَأَنَا الْحَقُّ، أَوْ فَالْحَقُّ مِنِّي.
وَأَمَّا «الْحَقُّ» الثَّانِي فَنَصْبُهُ بِأَقُولُ؛ وَيُقْرَأُ عَلَى تَقْدِيرِ تَكْرِيرِ الْمَرْفُوعِ قَبْلَهُ، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ؛ أَيْ قَوْلِي الْحَقُّ؛ وَيَكُونُ «أَقُولُ» عَلَى هَذَا مُسْتَأْنَفًا مَوْصُولًا بِمَا بَعْدَهُ؛ أَيْ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ.
وَقِيلَ: يَكُونُ «أَقُولُ» خَبَرًا عَنْهُ وَالْهَاءُ مَحْذُوفَةٌ؛ أَيْ أَقُولُهُ. وَفِيهِ بُعْدٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَتَعْلَمُنَّ) أَيْ لَتَعْرِفُنَّ، وَلَهُ مَفْعُولٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ «نَبَأَهُ» وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا إِلَى اثْنَيْنِ، وَالثَّانِي: «بَعْدَ حِينٍ».
Icon