تفسير سورة الزمر

الماوردي
تفسير سورة سورة الزمر من كتاب النكت والعيون المعروف بـالماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ

قوله تعالى :﴿ تنزيل الكتاب ﴾ والكتاب هو القرآن سمي بذلك لأنه مكتوب.
﴿ من الله العزيز الحكيم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : العزيز في ملكه الحكيم في أمره.
الثاني : العزيز في نقمته الحكيم في عدله. قوله تعالى :﴿ فاعبد الله مخلصاً له الدين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه الإخلاص بالتوحيد، قاله السدي.
الثاني : إخلاص النية لوجهه، وفي قوله ﴿ له الدين ﴾ وجهان :
أحدهما : له الطاعة، قاله ابن بحر.
الثاني : العبادة.
﴿ ألا لله الدين الخالص ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : شهادة أن لا إله إلا الله، قاله قتادة.
الثاني : الإسلام، قاله الحسن.
الثالث : ما لا رياء فيه من الطاعات.
﴿ والذين اتخذوا من دونه أولياء ﴾ يعني آلهة يعبدونها.
﴿ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ﴾ قال كفار قريش هذه لأوثانهم وقال من قبلهم ذلك لمن عبدوه من الملائكة وعزير وعيسى، أي عبادتنا لهم ليقربونا إلى الله زلفى، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الزلفى الشفاعة في هذا الموضع، قاله قتادة.
الثاني : أنها المنزلة، قاله السدي.
الثالث : أنها القرب، قاله ابن زيد.
قوله تعالى :﴿ يكوِّر الليل على النهار ويكور النهار على الليل ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يحمل الليل على النهار، ويحمل النهار على الليل، قاله ابن عباس.
الثاني : يغشى الليل على النهار فيذهب ضوءَه، ويغشى النهارعلى الليل فيذهب ظلمته، قاله قتادة.
الثالث : هو نقصان أحدهما عن الآخر، فيعود نقصان الليل في زيادة النهار ونقصان النهار في زيادة الليل، قاله الضحاك.
ويحتمل رابعاً : يجمع الليل حتى ينتشر النهار، ويجمع النهار حتى ينتشر الليل.
قوله تعالى :﴿ خلقكم من نفسٍ واحدة ﴾ يعني من آدم.
﴿ ثم جعل منها زوجها ﴾ يعني حواء. فيه وجهان :
أحدهما : أنه خلقها من ضلع الخَلْف من آدم وهو أسفل الأضلاع، قاله الضحاك.
الثاني : أنه خلقها من مثل ما خلق منه آدم، فيكون معنى قوله ﴿ جعل منها ﴾ أي من مثلها، قاله ابن بحر.
﴿ وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ﴾ قال قتادة : من الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، ومن الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، كل واحد زوج.
وفي قوله ﴿ أنزل ﴾ وجهان :
أحدهما : يعني جعل، قاله الحسن.
الثاني : أنزلها بعد أن خلقها في الجنة، حكاه ابن عيسى.
﴿ يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم لحماً، قاله قتادة والسدي.
الثاني : خلقاً في بطون أمهاتكم من بعد خلقكم في ظهرآدم، قاله السدي.
ويحتمل ثالثاً : خلقاً في ظهر الأب ثم خلقاً في بطن الأم ثم خلقاً بعد الوضع.
﴿ في ظلمات ثلاث ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة، قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة.
الثاني : ظلمة صلب الرجل وظلمة بطن المرأة وظلمة الرحم، حكاه ابن عيسى.
ويحتمل ثالثاً : أنها ظلمة عتمة الليل التي تحيط بظلمة المشيمة مظلمة الأحشاء وظلمة البطن.
قوله تعالى :﴿ وإذا مس الإنسان ضُرٌّ دعا ربَّهُ منيباً إليه ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : مخلصاً إليه، قاله الضحاك.
الثاني : مستغيثاً به، قاله السدي.
الثالث : مقبلاً عليه، قاله الكلبي وقطرب.
﴿ ثم إذا خوّله منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إذا أصابته نعمة ترك الدعاء، قاله الكلبي.
الثاني : إذا أصابته نعمة ترك الدعاء، قاله الكلبي.
الثاني : إذا أصابته عافية نَسي الضر. والتخويل العطية العظيمة من هبة أو منحة، قال أبو النجم :
قوله تعالى :﴿ أمَّن هو قانتٌ ﴾ في الألف التي في ﴿ أمّن ﴾ وجهان :
أحدهما : أنها ألف استفهام.
الثاني : ألف نداء.
وفي قانت أربعة أوجه :
أحدها : أنه المطيع، قاله ابن مسعود.
الثاني : أنه الخاشع في صلاته، قاله ابن شهاب.
الثالث : القائم في صلاته، قاله يحيى بن سلام.
الرابع : أنه الداعي لربه.
﴿ آناء الليل ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : طرف الليل، قاله ابن عباس.
الثاني : ساعات الليل، قاله الحسن.
الثالث : ما بين المغرب والعشاء، قاله منصور.
﴿ ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه ﴾ قال السدي : يحذر عذاب الآخرة ويرجوا نعيم الجنة.
وفيمن أريد به هذا الكلام خمسة أقاويل :
أحدها : أنه رسول الله ﷺ، حكاه يحيى بن سلام.
الثاني : أبو بكر، قاله ابن عباس في رواية الضحاك عنه.
الثالث : عثمان بن عفان، قاله ابن عمر.
الرابع : عمار بن ياسر وصهيب وأبو ذر وابن مسعود، قاله الكلبي.
الخامس : أنه مرسل فيمن كان على هذه الحال قانتاً آناء الليل.
فمن زعم أن الألف الأولى استفهام أضمر في الكلام جواباً محذوفاً تقديره : أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً كمن جعل لله أنداداً؟ قاله يحيى. وقال ابن عيسى : المحذوف من الجواب : كمن ليس كذلك.
ومن زعم أن الألف للنداء لم يضمر جواباً محذوفاً، وجعل تقدير الكلام : أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.
﴿ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : هل يستوي الذين يعلمون هذا فيعملون به والذين لا يعلمون هذا فلا يعملون به، قاله قتادة.
الثاني : أن الذين يعلمون هم المؤمنون يعلمون أنهم لاقو ربهم، والذين لا يعلمون هم المشركون الذين جعلوا لله أنداداً قاله يحيى.
الثالث : ما قاله أبو جعفر محمد بن علي قال : الذين يعلمون نحن، والذين لا يعلمون عدونا.
ويحتمل رابعاً : أن الذين يعلمون هم الموقنون، والذين لا يعلمون هم المرتابون.
قوله تعالى :﴿ للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنةٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : معناه، للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة في الآخرة، وهي الجنة.
الثاني : للذين أحسنوا في الدنيا حسنة في الدنيا فيكون ذلك زائداً على ثواب الآخرة.
وفيما أريد بالحسنة التي لهم في الدنيا أربعة أوجه :
أحدها : العافية والصحة، قاله السدي.
الثاني : ما رزقهم الله من خير الدنيا، قاله يحيى بن سلام.
الثالث : ما أعطاهم من طاعته في الدنيا وجنته في الآخرة، قاله الحسن.
الرابع : الظفر والغنائم، حكاه النقاش.
ويحتمل خامساً : إن الحسنة في الدنيا الثناء وفي الآخرة الجزاء.
﴿ وأرض الله واسعة ﴾ فيها قولان :
أحدهما : أرض الجنة رغبهم في سعتها، حكاه ابن عيسى.
الثاني : هي أرض الهجرة، قاله عطاء.
ويحتمل ثالثاً : أن يريد بسعة الأرض سعة الرزق لأنه يرزقهم من الأرض فيكون معناه. ورزق الله واسع، وهو أشبه لأنه أخرج سعتها مخرج الامتنان بها.
﴿ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : يعني بغير مَنٍّ عليهم ولا متابعة، قاله السدي.
الثاني : لا يحسب لهم ثواب عملهم فقط ولكن يزدادون على ذلك، قاله ابن جريج.
الثالث : لا يعطونه مقدراً لكن جزافاً.
الرابع : واسعاً بغير تضييق قال الراجز :
أعطى فلم يبخل ولم يبخلِ كوم الذّرى من خول المخوِّلِ
يا هند سقاك بلا حسابه سقيا مليك حسن الربابة
وحكي عن علي كرم الله وجهه قال : كل أجر يكال كيلاً ويوزن وزناً إلا أجر الصابرين فإنه يحثى حثواً.
قوله تعالى :﴿ قل إن الخاسرين الَّذِينَ خَسِروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : خسروا أنفسهم بإهلاكها في النار، وخسروا أهليهم بأن لا يجدوا في النار أهلاً، وقد كان لهم في الدنيا أهل، قاله مجاهد وابن زيد.
الثاني : خسروا أنفسهم بما حرموها من الجنة وأهليهم من الحور العين الذين أعدوا [ لهم ] في الجنة، قاله الحسن وقتادة.
الثالث : خسروا أنفسهم وأهليهم بأن صاروا هم بالكفر إلى النار، وصار أهلوهم بالإيمان إلى الجنة وهو محتمل.
قوله تعالى :﴿ والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن الطاغوت الشيطان، قاله مجاهد وابن زيد.
الثاني : الأوثان، قاله الضحاك والسدي.
وفيه وجهان :
أحدهما : أنه اسم أعجمي مثل هاروت وماروت.
الثاني : عربي مشتق من الطغيان.
﴿ وأنابوا إلى الله ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أقبلوا الى الله، قاله قتادة.
الثاني : استقاموا إلى الله، قاله الضحاك.
ويحتمل ثالثاً : وأنابوا الى الله من ذنوبهم.
﴿ لهم البشرى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنها الجنة، قاله مقاتل ويحيى بن سلام.
الثاني : بشرى الملائكة للمؤمنين، قاله الكلبي.
ويحتمل ثالثاً : أنها البشرى عند المعاينة بما يشاهده من ثواب عمله.
قوله تعالى :﴿ فبشر عبادِ الذين يستمعون القول ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن القول كتاب الله، قاله مقاتل ويحيى بن سلام.
الثاني : أنهم لم يأتهم كتاب من الله ولكن يستمعون أقاويل الأمم، قاله ابن زيد.
﴿ فيتبعون أحسنَه ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : طاعة الله، قاله قتادة.
الثاني : لا إله إلا الله، قاله ابن زيد.
الثالث : أحسن ما أمروا به، قاله السدي.
الرابع : أنهم إذا سمعوا قول المسلمين وقول المشركين اتبعوا أحسنه وهو الإسلام، حكاه النقاش.
الخامس : هو الرجل يسمع الحديث من الرجل فيحدث بأحسن ما يسمع منه، ويمسك عن أسوإه فلا يتحدث به، قاله ابن عباس.
ويحتمل سادساً : أنهم يستمعون عزماً وترخيصاً فيأخذون بالعزم دون الرخص.
﴿ أولئك الذين هداهم الله ﴾ الآية. قال عبد الرحمن بن زيد : نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها في جاهليتهم، واتبعوا أحسن ما صار من العقول إليهم.
قوله تعالى :﴿ أفمن شرح الله صدره للإسلام ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وسع صدره للإسلام حتى يثبت فيه، قاله ابن عباس والسدي.
الثاني : وسع صدره بالإسلام بالفرح به والطمأنينة إليه، فعلى هذا لا يجوز أن يكون الشرح قبل الإسلام، وعلى الوجه الأول يجوز أن يكون الشرح قبل الإسلام.
﴿ فهو على نور من ربه ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : على هدى من ربه، قاله السدي.
الثاني : أنه كتاب الله الذي به يأخذ وإليه ينتهي، قاله قتادة.
وروى عمرو بن مرّة عن عبد الله بن سدر قال : تلا رسول الله ﷺ هذه الآية، فقالوا : يا رسول الله ما هذا الشرح؟ فقال :« نور يقذف به في القلب » قالوا : يا رسول الله هل لذلك من أمارة؟ قال :« نعم » قالوا : ما هي؟ قال :« الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت.
»
وفي من نزلت فيه هذه الآية ثلاثة أقاويل :
أحدها : في رسول الله ﷺ، قاله الكلبي.
الثاني : في عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حكاه النقاش.
الثالث : في عمار بن ياسر، قاله مقاتل.
﴿ فويل للقاسية قلوبُهم من ذِكر الله ﴾ قيل أنه عنى أبا جهل وأتباعهُ من كفار قريش، وفي الكلام مضمر محذوف تقديره، فهو على نور من ربه كمن طبع الله على قلبه فويل للقاسية قلوبهم.
قوله تعالى :﴿ الله نزّل أحسن الحديث ﴾ يعني القرآن، ويحتمل تسميته حديثاً وجهين :
أحدهما : لأنه كلام الله، والكلام يسمى حديثاً كما سمي كلام رسول الله ﷺ حديثاً.
الثاني : لأنه حديث التنزيل بعدما تقدمه من الكتب المنزلة على من تقدم من الأنبياء.
ويحتمل وصفه بأحسن الحديث وجهين :
أحدهما : لفصاحته وإعجازه.
الثاني : لأنه أكمل الكتب وأكثرها إحكاماً.
﴿ كِتاباً متشابها ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يشبه بعضه بعضاً من الآي والحروف، قاله قتادة.
الثاني : يشبه بعضه بعضاً في نوره وصدقه وعدله، قاله يحيى بن سلام.
ويحتمل ثالثاً : يشبه كتب الله المنزلة على أنبيائه لما يتضمنه من أمر ونهي وترغيب وترهيب، وإن كان أعم وأعجز. ثم وصفه فقال :
﴿ مثاني ﴾ وفيه سبعة تأويلات :
أحدها : ثنى الله فيه القضاء، قاله الحسن وعكرمة.
الثاني : ثنى الله فيه قصص الأنبياء، قاله ابن زيد.
الثالث : ثنى الله فيه ذكر الجنة والنار، قاله سفيان.
الرابع : لأن الآية تثنى بعد الآية، والسورة بعد السورة، قاله الكلبي.
الخامس : يثنى في التلاوة فلا يمل لحسن مسموعه، قاله ابن عيسى.
السادس : معناه يفسر بعضه بعضاً، قاله ابن عباس.
السابع : أن المثاني اسم لأواخر الآي، فالقرآن اسم لجميعه، والسورة اسم لكل قطعة منه، والآية اسم لكل فصل من السورة، والمثاني اسم لآخر كل آية منه، قاله ابن بحر.
﴿ تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها تقشعر من وعيده وتلين من وعده، قال السدي.
الثاني : أنها تقشعر من الخوف وتلين من الرجاء، قاله ابن عيسى.
الثالث : تقشعر الجلود لإعظامه، وتلين عند تلاوته.
﴿ أفمن يتقي بوجهه سوءَ العذَاب يومَ القيامة ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن الكافر يسحب على وجهه إلى النار يوم القيامة.
الثاني : لأن النار تبدأ بوجهه إذا دخلها.
قوله تعالى :﴿ فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من مأمنهم، قاله السدي.
الثاني : فجأة، قاله يحيى.
قوله تعالى :﴿ قرآناً عربياً غير ذي عوج ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : غير ذي لبس، قاله مجاهد.
الثاني : غير مختلف، قاله الضحاك.
الثالث : غير ذي شك، قاله السدي.
قوله تعالى :﴿ ضرب الله مثلاً رجلاً ﴾ يعني الكافر.
﴿ فيه شركاء ﴾ أي يعبد أوثاناً شتى.
﴿ متشاكسون ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : متنازعون، قاله قتادة.
الثاني : مختلفون، قاله ابن زياد.
الثالث : متعاسرون.
الرابع : متظالمون مأخوذ من قولهم : شكسني مالي أي ظلمني.
﴿ ورَجُلاً سَلَماً لرجُلٍ ﴾ يعني المؤمن سلماً لرجل أي مخلصاً لرجل، يعني أنه بإيمانه يعبد إلهاً واحداً.
﴿ هل يستويان مثلاً ﴾ أي هل يستوي حال العابد لله وحده وحال من يعبد آلهة غيره؟ فضرب لهما مثلاً بالعبدين اللذين يكون أحدهما لشركاء متشاكسين، لا يقدر أن يوفي كل واحد منهم حق خدمته، ويكون الآخر لسيد واحد يقدر أن يوفيه حق خدمته.
﴿ الحمد لله ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : على احتجاجه بالمثل الذي خَصم به المشركين.
الثاني : على هدايته التي أعان بها المؤمنين.
﴿ بل أكثرهم لا يعلمون ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لا يعلمون المثل المضروب.
الثاني : لا يعلمون بأن الله هو الإله المعبود.
قوله تعالى :﴿ إنك ميت وإنهم ميتون ﴾ هذا خطاب للنبي ﷺ أخبر بموته وموتهم، فاحتمل خسمة أوجه : أحدها : أن يذكر ذلك تحذيراً من الآخرة.
الثاني : أن يذكره حثاً على العمل.
الثالث : أن يذكره توطئة للموت.
الرابع : لئلا يختلفوا في موته كما اختلفت الأمم في غيره حتى إن عمر لما أنكر موته احتج أبو بكر بهذه الآية فأمسك.
الخامس : ليعلمه أن الله تعالى قد سوى فيه بين خلقه مع تفاضلهم في غيره لتكثر فيه السلوى وتقل الحسرة. ومعنى إنك ميت أي ستموت، يقال ميت بالتشديد للذي سيموت، وميت بالتخفيف لمن قد مات.
قوله تعالى :﴿ ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : في الدماء، قاله عكرمة.
الثاني : في المداينة، قاله الربيع بن أنس.
الثالث : في الإيمان والكفر، قاله ابن زيد، فمخاصمة المؤمنين تقريع، ومخاصمة الكافرين ندم.
الرابع : ما قاله ابن عباس يخاصم الصادق الكاذب، والمظلوم الظالم، والمهتدي الضال، والضعيف المستكبر. قال إبراهيم النخعي : لما نزلت هذه الآية جعل أصحاب النبي ﷺ يقولون ما خصومتنا بيننا.
ويحتمل خامساً : أن تخاصمهم هو تحاكمهم إلى الله تعالى فيما تغالبوا عليه في الدنيا من حقوقهم خاصة دون حقوق الله ليستوفيها من حسنات من وجبت عليه في حسنات من وجبت له.
قوله تعالى :﴿ والذي جاء بالصدق ﴾ الآية. وفي الذي جاء بالصدق أربعة أقاويل :
أحدها : أنه جبريل، قاله السدي.
الثاني : محمد ﷺ، قاله قتادة ومجاهد.
الثالث : أنهم المؤمنون جاءوا بالصدق يوم القيامة، حكاه النقاش.
الرابع : أنهم الأنبياء، قاله الربيع وكان يقرأ : والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به.
وفي ( الصدق ) قولان :
أحدهما : أنه لا إله إلا الله، قاله ابن عباس.
الثاني : القرآن، قاله مجاهد وقتادة.
ويحتمل ثالثاً : أنه البعث والجزاء.
وفي الذي صدق به خمسة أقاويل :
أحدها : أنه رسول الله ﷺ، قاله ابن عباس.
الثاني : المؤمنون من هذه الأمة، قاله الضحاك.
الثالث : أتباع الأنبياء كلهم، قاله الربيع.
الرابع : أنه أبو بكر، رضي الله عنه حكاه الطبري عن علي رضي الله عنه، وذكره النقاش عن عون بن عبد الله.
الخامس : أنه علي كرم الله وجهه، حكاه ليث عن مجاهد.
ويحتمل سادساً : أنهم المؤمنون قبل فرض الجهاد من غير رغبة في غنم ولا رهبة من سيف.
﴿ أولئك هم المتقون ﴾ إنما جاز الجمع في ﴿ هم المتقون ﴾ و ﴿ الذي ﴾ واحد في مخرج لفظه وجمع في معناه على طريق الجنس كقوله تعالى ﴿ إن الإنسان لفي خسر ﴾ قوله تعالى :﴿ ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عَمِلوا ﴾ قبل الإيمان والتوبة، ووجه آخر : أسوأ الذي عملوا من الصغائر لأنهم يتقون الكبائر.
﴿ ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون ﴾ أي يجزيهم بأجر أحسن الأعمال وهي الجنة.
قوله تعالى :﴿ أليس الله بكافٍ عبده ﴾ في قراءة بعضهم، يعني محمداً ﷺ يكفيه الله المشركين، وقرأ الباقون ﴿ عباده ﴾ وهم الأنبياء.
﴿ ويخوفونك بالذين من دونه ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنهم كانوا يخوفونه بأوثانهم يقولون تفعل بك وتفعل، قاله الكلبي، والسدي.
الثاني : يخوفونه من أنفسهم بالوعيد والتهديد.
قوله تعالى :﴿ قل يا قوم اعملوا على مكانتكم ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : على ناحيتكم، قاله الضحاك ومجاهد.
الثاني : على تمكنكم، قاله ابن عيسى.
الثالث : على شرككم، قاله يحيى.
﴿ إني عامل ﴾ على ما أنا عليه من الهدى.
﴿ فسوف تعلمون ﴾ وهذا وعيد.
قوله تعالى :﴿ الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الله عند توفي الأنفس يقبض أرواحها من أجسادها والتي لم تمت وهي في منامها يقبضها عن التصرف مع بقاء أرواحها في أجسادها.
﴿ فيمسك التي قضى عليها الموت ﴾ أنى تعود الأرواح إلى أجسادها.
﴿ ويرسلُ الأخرى ﴾ وهي النائمة فيطلقها باليقظة للتصرف إلى أجل موتها، قاله ابن عيسى.
الثاني : ما حكاه ابن جريج عن ابن عباس أن لكل جسد نفساً وروحاً فيتوفى الله الأنفس في منامها بقبض أنفسها دون أرواحها حتى تتقلب بها وتتنفس، فيمسك التي قضى عليها الموت أن تعود النفس إلى جسدها ويقبض الموت روحها، ويرسل الأخرى وهي نفس النائم إلى جسدها حتىتجتمع مع روحها إلى أجل موتها.
الثالث : قاله سعيد بن جبير إن الله تعالى يقبض أرواح الموتى إذا ماتوا وأرواح الأحياء إذا ناموا فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف فيمسك التي قضى عليها الموت فلا يعيدها ويرسل الأخرى فيعيدها. قال علي رضي الله عنه : فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها فهي الرؤيا الصادقة، وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها تلقيها الشياطين وتخيل إليها الأباطيل فهي الرؤيا الكاذبة.
قوله تعالى :﴿ وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوبُ... ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : انقبضت، قاله المبرد.
الثاني : نفرت.
الثالث : استكبرت.
قوله تعالى :﴿ قل اللهم فاطر السموات والأرض ﴾ أي خالقهما.
﴿ عالمَ الغيب والشهادة ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : السر والعلانية.
الثاني : الدنيا والآخرة.
﴿ أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ﴾ من الهدى والضلالة.
ويحتمل ثانياً : من التحاكم إليه في الحقوق والمظالم.
قال ابن جبير، اني لأعرف موضع آية ما قرأها أحدٌ فسأل الله شيئاً إلا أعطاه، قوله ﴿ قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ﴾.
قوله تعالى :﴿ فإذا مسّ الإنسان ضرٌّ دعانا ﴾ قيل إنها نزلت في أبي حذيفة. ابن المعيرة.
﴿ ثم إذا خوّلناه نعمة منا قال إنما أوتيتُه على عِلمٍ ﴾ فيه خسمة أوجه :
أحدها : على علم برضاه عني، قاله ابن عيسى.
الثاني : بعلمي، قاله مجاهد.
الثالث : بعلم علمني الله إياه، قاله الحسن.
الرابع : علمت أني سوف أصيبه : حكاه النقاش.
الخامس : على خبر عندي، قاله قتادة.
﴿ بل هي فتنة ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : النعمة لأنه يمتحن بها.
الثاني : المقالة التي اعتقدها لأنه يعاقب عليها.
﴿ ولكن أكثرهم لا يعلمون ﴾ البلوى من النعمى.
قوله تعالى :﴿ قُلْ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ﴾ أي أسرفوا على أنفسهم في الشرك.
ويحتمل ثانياً : أسرفوا على أنفسهم في ارتكاب الذنوب مع ثبوت الإيمان والتزامه ﴿ لا تقنطوا من رحمة الله ﴾ أي لا تيأسوا من رحمته.
﴿ إن الله يغفر الذنوب جميعاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يغفرها بالتوبة منها، قاله الحسن.
الثاني : يغفرها بالعفو عنها إلا الشرك.
الثالث : يغفر الصغائر باجتناب الكبائر.
﴿ إنه هو الغفور الرحيم ﴾ قيل نزلت هذه الآية والتي بعدها في وحشي قاتل حمزة، قاله الحسن والكلبي، وقال علي عليه السلام : ما في القرآن آية أوسع منها. وروى ثوبان قال : سمعت النبي ﷺ يقول :« ما أحب أن لي الدنيا وما عليها بهذه الآية
»
. قوله تعالى :﴿ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : هو ما أمرهم الله به في الكتاب، قاله السدي.
الثاني : أن يأخذوا ما أمر وينتهوا عما نهوا عنه، قاله الحسن.
الثالث : هو الناسخ دون المنسوخ، حكاه ابن عيسى.
الرابع : هو طاعة الله تعالى في الحرام والحلال قاله ابن زياد.
الخامس : تأدية الفرائض، قاله زيد بن علي، ومعاني أكثرها متقاربة.
ويحتمل سادساً : أنه الأخذ بالعزيمة دون الرخصة. وجعله منزلاً عليهم لأنه منزل إليهم على نبيهم ﷺ.
قوله تعالى :﴿ أن تقول نفس يا حَسْرتَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : معناه لئلا تقول نفس.
الثاني : أن لا تقول نفس، والألف التي في يا حسرتا بدل من ياء الإضافة ففعل ذلك في الاستغاثة لمدة الصوت بها.
﴿ على ما فرطت في جنب الله ﴾ فيه ستة تأويلات :
أحدها : في مجانبة أمر الله، قاله مجاهد والسدي.
الثاني : في ذات الله، قاله الحسن.
الثالث : في ذكر الله، قاله السدي، وذكر الله هنا القرآن.
الرابع : في ثواب الله من الجنة حكاه النقاش.
الخامس : في الجانب المؤدي إلى رضا الله، والجنب والجانب سواء.
السادس : في طلب القرب من الله ومنه قوله تعالى ﴿ والصاحب بالجنب ﴾ أي بالقرب.
﴿ وإن كنت لمن الساخرين ﴾ فيه وجهان : أحدهما : من المستهزئين في الدنيا بالقرآن، قاله النقاش.
الثاني : بالنبي ﷺ وبالمؤمنين، قاله يحيى بن سلام.
قوله تعالى :﴿ وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بنجاتهم من النار.
الثاني : بما فازوا به من الطاعة.
الثالث : بما ظفروا من الإدارة.
ويحتمل رابعاً : بما سلكوا فيه مفاز، الطاعات الشاقة، مأخوذ من مفازة السفر.
﴿ لا يمسهم السُّوءُ ﴾ لبراءتهم منه. ﴿ ولا هم يحزنون ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لا يحزنون، بألا يخافوا سوء العذاب.
الثاني : لا يحزنون على ما فاتهم من ثواب الدنيا.
﴿ وما قدروا الله حق قدرِه ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : وما عظموه حق عظمته إذ عبدوا الأوثان من دونه، قاله الحسن.
الثاني : وما عظموه حق عظمته إذ دعوا إلى عبادة غيره، قاله السدي.
الثالث : ما وصفوه حق صفته، قاله قطرب.
﴿ والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن قبضه استبدالها بغيرها لقوله ﴿ يوم تبدل الأرض ﴾ [ إبراهيم : ٤٨ ] وهو محتمل.
الثاني : أي هي في مقدوره كالذي يقبض عليه القابض في قبضته.
﴿ والسموات مطويات بيمينه ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بقوته لأن اليمين القوة.
الثاني : في ملكه كقوله ﴿ وماملكت أيمانكم ﴾ [ النساء : ٣٦ ].
ويحتمل طيها بيمينه وجهين :
أحدهما : طيها يوم القيامة. لقوله يوم نطوي السماء.
الثاني : أنها في قبضته مع بقاء الدنيا كالشيء المطوي لاستيلائه عليها.
﴿ سبحانه وتعالى عما يشركون ﴾ روى صفوان بن سليم أن يهودياً جاء إلى النبي ﷺ فقال يا أبا القاسم إن الله أنزل عليك ﴿ والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ﴾ فأين يكون الخلق؟ قال « يكونون في الظلمة عند الجسر حتى ينجي الله من يشاء. » قال : والذي أنزل التوراة على موسى ما على الأرض أحد يعلم هذا غيرى وغيرك.
قوله تعالى :﴿ ونفخ في الصُّور فصعق مَنْ في السموات ومن في الأرض ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن الصعق الغَشي، حكاه ابن عيسى.
الثاني : وهو قول الجمهور أنه الموت وهذا عند النفخة الأولى.
﴿ إلا من شاء الله ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام. وملك الموت يقبض أرواحهم بعد ذلك، قاله السدي ورواه أنس عن النبي ﷺ.
الثاني : الشهداء، قاله سعيد بن جبير.
الثالث : هو الله الواحد القهار، قاله الحسن.
﴿ ثم نفخ فيه أخرى ﴾ وهي النفخة الثانية للبعث.
﴿ فإذا هم قيام ينظرون ﴾ قيل قيام على أرجلهم ينظرون إلى البعث الذي وعدوا به.
ويحتمل وجهاً آخر ينظرون ما يؤمرون به.
قوله تعالى :﴿ وأشرقتِ الأرض ﴾ إشراقها إضاءتها، يقال أشرقت الشمس إذا أضاءت، وشَرَقت إذا طلعت.
وفي قوله ﴿ بِنُورِ رَبِّها ﴾ وجهان :
أحدهما : بعدله، قاله الحسن.
الثاني : بنوره وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه نور قدرته.
الثاني : نور خلقه لإشراق أرضه.
الثالث : أنه اليوم الذي يقضي فيه بين خلقه لأنه نهار لا ليل معه.
﴿ ووضع الكتاب ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : الحساب، قاله السدي.
الثاني : كتاب أعمالهم، قاله قتادة.
﴿ وجيء بالنبين الشهداء ﴾ فيهم قولان :
أحدهما : أنهم الشهداء الذين يشهدون على الأمم للأنبياء أنهم قد بلغوا، وأن الأمم قد كذبوا، قاله ابن عباس.
الثاني : أنهم الذين استشهدوا في طاعة الله، قاله السدي.
﴿ وقضي بينهم بالحق ﴾ قال السدي بالعدل ﴿ وهم لا يظلمون ﴾ قال سعيد بن جبير لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم.
قوله تعالى :﴿ وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أفواجاً، قاله الحسن.
الثاني : أمماً، قاله الكلبي.
الثالث : جماعات، قاله السدي. قال الأخفش جماعات متفرقة، بعضها إثر بعض واحدها زمرة. قال خفاف بن ندبة :
كأن إخراجها في الصبح غادية من كل شائبةٍ في أنها زُمَر
الرابع : دفعاً وزجراً بصوت كصوت المزمار، ومن قولهم مزامير داود.
قوله تعالى :﴿ سلام عليكم طبتم ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : طبتم بطاعة الله قاله مجاهد.
الثاني : طبتم بالعمل الصالح، قاله النقاش.
الثالث : ما حكاه مقاتل أن على باب الجنة شجرة ينبع من ساقها عينان يشرب المؤمنون من إحداهما فتطهر أجوافهم فذلك قوله ﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ﴾ [ الإنسان : ٢١ ] ثم يغتسلون من الأخرى فتطيب أبشارهم، فعندها يقول لهم خزنتها :
﴿ سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ﴾ فإذا دخلوها قالوا ﴿ الحمد لله الذي صدقنا وعده ﴾.
وفي معنى طبتم ثلاثة أوجه :
أحدها : نعمتم، قاله الضحاك.
الثاني : كرمتم، قاله ثعلب.
الثالث : زكوتم، قاله الفراء وابن عيسى.
﴿ وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده ﴾ وعده في الدنيا بما نزل به القرآن، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه وعده بالجنة في الآخرة ثواباً على الإيمان.
الثاني : أنه وعده في الدنيا بظهور دينه على الأديان، وفي الآخرة بالجزاء على الإيمان. ﴿ وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاءُ ﴾ وفي هذه الأرض قولان :
أحدهما : أرض الجنة، قاله أبو العالية وأبو صالح وقتادة والسدي وأكثر المفسرين.
الثاني : أرض الدنيا. فإن قيل إنها أرض الجنة ففي تسميتها ميراثاً وجهان :
أحدهما : لأنها صارت إليهم في آخر الأمر كالميراث.
الثاني : لأنهم ورثوها من أهل النار، وتكون هذه الأرض من جملة الجزاء والثواب، والجنة في أرضها كالبلاد في أرض الدنيا لوقوع التشابه بينهما قضاء بالشاهد على الغائب.
﴿ نتبوأ من الجنة حيث نشآء ﴾ يعني منازلهم التي جوزوا بها، لأنهم مصروفون عن إرادة غيرها.
وفي تأويل قوله ﴿ حيث نشاء ﴾ وجهان :
أحدهما : حيث نشاء من منزلة وعلو.
الثاني : حيث نشاء من منازل ومنازه، فإن قيل إنها أرض الدنيا فهي من النعم دون الجزاء.
ويحتمل تأويله وجهين :
أحدهما : أورثنا الأرض بجهادنا نتبوأ من الجنة حيث نشاء بثوابنا.
الثاني : وأورثنا الأرض بطاعة أهلها لنا نتبوأ من الجنة حيث نشاء بطاعتنا له لأنهم أطاعوا فأطيعوا.
﴿ فنعم أجر العاملين ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : فنعم أجر العاملين في الدنيا الجنة في الآخرة.
الثاني : فنعم أجر من أطاع أن يطاع.
قوله تعالى :﴿ وترى الملائكة حافين من حول العرش ﴾ قال قتادة : محدقين.
﴿ يسبحون بحمد ربهم ﴾ وتسبيحهم تلذذ لا تعبد. وفي قوله.
﴿ بحمد ربهم ﴾ وجهان :
أحدهما : بمعرفة ربهم، قاله الحسن.
الثاني : يذكرون بأمر ربهم، قاله مقاتل.
﴿ وقضي بينهم بالحق ﴾ أي بالعدل وفيه قولان :
أحدهما : وقضي بينهم بعضهم لبعض.
الثاني : بين الرسل والأمم، قاله الكلبي.
﴿ وقيل الحمد لله رب العالمين ﴾ وفي قائله قولان :
أحدهما : أنه من قول الملائكة، فعلى هذا يكون حمدهم لله على عدله في قضائه.
الثاني : أنه من قول المؤمنين.
فعلى هذا يحتمل حمدهم وجهين :
أحدهما : على أن نجاهم مما صار إليه أهل النار.
الثاني : على ما صاروا إليه من نعيم الجنة، فختم قضاؤه في الآخرة بالحمد كما افتتح خلق السموات والأرض بالحمد في قوله ﴿ الحمد لله الذي خلق السموات وَالأَرضَ ﴾ [ الأنعام : ١ ] فتلزم الاقتداء به والأخذ بهديه في ابتداء كل أمر بحمده وخاتمه بحمده وبالله التوفيق.
Icon