بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة المرسلاتوهي مكية وعن ابن عباس وقتادة : قالا : هي مكية إلا قوله تعالى :( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون )١ وروى إبراهيم عن الأسود عن عبد الله بن مسعود قال : نزلت سورة والمرسلات على رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن معه على جبل حراء، فأخذتها رطبا من في رسول الله صلى الله عليه و سلم، فخرجت حية من جحرها فقصدناها فدخلت حجره، فقال النبي صلى الله عليه و سلم :" وقيت شركم كما وقيتم شرها " ٢. والله أعلم.
٢ - متفق عليه، رواه البخاري ( ٦ /٤٠٩ رقم ٣٣١٧ و طرفاه، ٤٩٣٠- ٤٩٣١)، و مسلم ( ١٤/ ٣٣٤ -٣٣٥ رقم ٢٢٣٤).
ﰡ
وَعَن ابْن مَسْعُود وَأبي هُرَيْرَة قَالَا: هِيَ الْمَلَائِكَة ترسل بِالْعرْفِ أَي: الْمَعْرُوف.
يُقَال: الرِّيَاح عاصفات لِأَنَّهَا تَأتي بالعصف أَي: بورق الزَّرْع.
وَقيل: إِنَّهَا الْمَلَائِكَة تعصف بأرواح الْكفَّار.
وَقيل: إِنَّهَا الْمَلَائِكَة تنشر الصُّحُف على الْعباد يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَالَ أَبُو صَالح: هِيَ الأمطار تنشر النَّبَات.
قَالَ الْأَعْشَى:
وَقَالَ قَتَادَة: هِيَ آي الْقُرْآن فرقت بَين الْحق وَالْبَاطِل والحلال وَالْحرَام.
وَقيل: إِنَّهُم الْأَنْبِيَاء، وَكَذَلِكَ فسرت الْآيَة الأولى، وَهِي مثل قَوْله: ﴿فالفارقات فرقا﴾ فِي بعض الْأَقْوَال: وَالْإِلْقَاء طرح الشَّيْء على الشَّيْء، وَهُوَ فِي هَذَا الْموضع للتبيين والإفهام؛ فالملائكة يلقون على الْأَنْبِيَاء، والأنبياء يلقون على الْأُمَم، وَالْعُلَمَاء يلقون على المتعلمين.
قَالَ الْفراء: إعذارا أَو إنذارا.
وَقيل: للإعذار والإنذار.
وَقَالَ الْحسن: ليقيم عذره [على خلقه] بِإِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِم، وَأَنه عذبهم حِين استحقوا الْعَذَاب بإنكارهم بعد إِقَامَة الْحجَج.
والعذر ظُهُور معنى يوضع اللوم عَن الْإِنْسَان، وَهَذَا الْحَد فِي حق الْخلق، فَأَما فِي حق الله فَلَا.
وَنصب " عذرا " على أَنه بدل من قَوْله: " ذكرا " وَكَأَنَّهُ قَالَ: فالملقيات عذرا أَو نذرا.
وَقَوله: ﴿إِنَّمَا توعدون لوَاقِع﴾ عَلَيْهِ وَقع الْقسم.
وَقيل: إِن الله تَعَالَى أقسم بِهَذِهِ
وَقيل: فِي الْآيَات إِضْمَار، وَمَعْنَاهُ:
(لَو (أسندت) مَيتا إِلَى صدرها | عَاشَ وَلم ينْقل إِلَى قابر) |
(حَتَّى يَقُول النَّاس (مِمَّا) رَأَوْا | يَا عجبا للْمَيت الناشر) |
وَقيل: التَّوْقِيت تَقْدِير الْوَقْت لوُقُوع الْفِعْل، فَلَمَّا كَانَت الرُّسُل - عَلَيْهِم السَّلَام - قد قدر إرسالهم لأوقات مَعْلُومَة بِحَسب صَلَاح الْعباد (بهَا)، كَانَت قد وقتت بِكُل الْأَوْقَات.
وَقُرِئَ: " وُقِّتَتْ " و " وُقِتَت " و " أوقتت " بِمَعْنى وَاحِد، وَالْوَاو إِذا ضمت وابتدأ بهَا الْكَلِمَة أبدلت بِالْهَمْز، تَقول الْعَرَب: ووجوه وأجوه، ووجدانا وأجدانا.
وَقيل: " وَإِذا الرُّسُل وقتت " أَي: أجلت.
وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَيْضا.
وَقيل: " ثمَّ نتبعهم الآخرين " هم كفار قُرَيْش.
وَقَوله: ﴿كَذَلِك نَفْعل بالمجرمين﴾ هم الَّذين يأْتونَ بعدهمْ من الْكفَّار إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: " ثمَّ سنتبعهم الآخرين " وَقَرَأَ الْأَعْرَج: " ثمَّ نتبعهم " بجزم الْعين.
قَالَ القتيبي: هما بِمَعْنى وَاحِد.
وَالْعرب تَقول: قَدَر وقَّدَّر.
وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " فَإِن غم عَلَيْكُم فاقدروا لَهُ " أَي: قدرُوا لَهُ.
(وَقد اعْترض على هَذَا القَوْل، فَقيل: لَو كَانَ قَدرنَا
فَنعم المقدرون.
وَالْجَوَاب: أَنه جمع بَين اللغتين، وَقَالَ الشَّاعِر فِي مثل هَذَا:
وَرب المرسلات عرفا، وَرب العاصفات | إِلَى آخِره، فَيكون قد أقسم بِنَفسِهِ. |
(وأنكرتني وَمَا كَانَ الَّذِي نكرت | من الْحَوَادِث إِلَّا الشيب والصلعا) |
وَقيل: قَدرنَا شقيا وسعيدا، وصغيرا وكبيرا، وأسود وأبيض وَغير ذَلِك.
وَقيل: مجمعا، فالكفت هُوَ الضَّم، وَمعنى الكفات هَاهُنَا: هُوَ أَن الأَرْض تضم الْخلق أَحيَاء وأمواتا، فالضم فِي حَال الْحَيَاة هُوَ باكتنانهم واستقرارهم على ظهرهَا، وَبعد الْمَمَات باكتنانهم فِي بَطنهَا وَهُوَ الْقُبُور، وَكَانَ بَقِيع الفرقد يُسمى الكفتة
وَعَن (ابْن) يحيى بن سعيد وَرَبِيعَة: أَن اللبَاس يقطع إِذا أخرج الْكَفَن وَمن الْحِرْز، وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿ألم لنجعل الأَرْض كفاتا أَحيَاء وأمواتا﴾ رَوَاهُ سُلَيْمَان بن (بلَيْل).
وَعَن الْخَلِيل بن أَحْمد: أَن الكفت هُوَ التقلب.
وَقَوله: ﴿كفاتا﴾ أَي: متقلبا.
وعن ( ابن )١ يحيى بن سعيد وربيعة : أن اللباس يقطع إذا أخرج الكفن ومن الحرز، وقرأ قوله تعالى :( ألم لنجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ) رواه سليمان بن ( بليل )٢. وعن الخليل بن أحمد : أن الكفت هو التقلب. وقوله :( كفاتا ) أي : متقلبا.
٢ - كذا و الصواب بحذفها وبلال، و هو سليمان بن بلال القرشي التيمى فهو بروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة الرأي كما في تراجهم من تهذيب الكمال، و الله أعلم..
(إِذا كَانَت الْأَحْرَار أُصَلِّي ومنصبي | وَقَامَ بأَمْري خازم وَابْن خازم) |
(عطست بأنف شامخ وتناولت | يداي الثريا قَاعِدا غير قَائِم) |
وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أصُول الْأَنْهَار العذبة أَرْبَعَة: جيحان وَهُوَ نهر بَلخ، ودجلة وفرات للكوفة، ونيل مصر.
وَذكر الْكَلْبِيّ أَن فِي الدُّنْيَا ثَلَاثَة فِي الْجنَّة [الدجلة]، والفرات، ونهر الْأُرْدُن، وَأنْشد الشَّاعِر:
وَهَذَا دُخان النَّار.
وَقَوله: ﴿وَلَا يُغني من اللهب﴾ أَي: لَا يدْفع عَنْهُم أَذَى اللهب، واللهب لَهب النَّار.
وَعَن قطرب قَالَ: اللهب هُوَ الْعَطش.
وَقَوله: ﴿كالقصر﴾ قَالَ أَبُو عَمْرو: كالبناء الْعَظِيم.
وَقيل: كالخيمة من خيام الْعَرَب، وَالْعرب تسمي ذَلِك قصرا.
وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس: " كالقَصَر " بتحريك الصَّاد.
وَقيل: إِنَّهَا أَعْنَاق النخيل.
وَقيل: أصُول النخيل.
وَعَن بَعضهم أَنه خَشَبَة كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يتنضدون بهَا نَحْو ثَلَاثَة أَذْرع يسمونها الْقصر.
وَعَن مُجَاهِد: أَن الْقصر بتسكين الصَّاد هُوَ الْجَبَل.
وَعَن قَتَادَة: أَعْنَاق الدَّوَابّ وَهُوَ بِنصب الصَّاد.
(وَعَن ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة هُوَ قلوس السفن).
وَقيل: [حبال السفن].
وَعَن (الْمبرد) قَالَ: هُوَ الجزل الْعَظِيم من الْخطب.
وَقيل: إِنَّهَا جمع الْجمع كَأَنَّهُمْ قَالُوا جمل وجمال وجمالات، وَهُوَ مثل قَوْلهم: رجال وَرِجَال ورجالات.
وَقُرِئَ بِضَم الْجِيم، وَهِي جُمال.
وَقُرِئَ: " جُمَالَة " على الوحدان مثل حجر وحجارة وَحمل وحمالة.
وَقَوله: ﴿صفر﴾ أَي: سود وَإِنَّمَا سَمَّاهَا صفرا لِأَنَّهُ يشوبها لون من السود وَإِن كَانَت صفرا.
وَمِنْه يُقَال: [الْبيض الظباء] أَدَم لِأَنَّهُ يشوبها شَيْء من الكدورة وَإِن كَانَت بَيْضَاء.
وَقَالَ الشَّاعِر:
(إِذا غَابَ عَنَّا غَابَ فراتنا | وَإِن شهد إِحْدَى نبله وفواضله) |
أَي: سود
وَقيل: إِن الظل هُوَ مَا يدْفع أَذَى الْحر عَن الْإِنْسَان.
وهواء الْجنَّة يُنَافِي كل أَذَى فَهُوَ ظلّ على هَذَا الْمَعْنى وَإِن لم يكن هُنَاكَ شمس.
وَمَعْنَاهُ: افعلوا مَا أَنْتُم فاعلون فسينالكم رعب ذَلِك وعاقبته.
وَقيل: إِنَّهَا نزلت فِي ثَقِيف استعفوا من الصَّلَاة.
وَقيل: كَانُوا استعفوا من الرُّكُوع وَالسُّجُود فَقَالَ النَّبِي: " لَا خير فِي دين لَيْسَ لَهُ رُكُوع وَلَا سُجُود ".
وَوجه ذَلِك أَنه لما كرر ذكر النعم فِي تِلْكَ السُّورَة كرر الزّجر عَن كفرانها وَالنَّهْي عَنْهَا بقوله: ﴿فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ وَلما كرر ذكر الْآيَات فِي هَذِه السُّورَة لإِقَامَة الحجيج عَلَيْهِم كرر ذكر الْعقُوبَة عَلَيْهِم بِذكر الويل ليَكُون أبلغ فِي الْإِنْذَار والإعذار وَهُوَ على عَادَة كَلَام الْعَرَب فَإِن الرجل يَقُول لغيره: ألم أحسن إِلَيْك بِأَن فعلت لَك كَذَا؟ ألم أحسن بِأَن خلصتك من المكاره؟ ألم أحسن بِأَن تشفعت لَك إِلَّا فلَان؟ وَغير ذَلِك فَيحسن مِنْهُ التكرير لاخْتِلَاف مَا يقرره بِهِ.
قَالَ مهلهل بن ربيعَة يرثي أَخَاهُ كليبا على هَذَا الْمَعْنى:
(تِلْكَ خيلي مِنْهَا وَتلك ركابي | هن صفر (ألوانها) كالزبيب) |
(عليّ أَن لَيْسَ عدلا من كُلَيْب | إِذا طرد (اللَّئِيم) عَن الْجَزُور) |
(عليّ أَن لَيْسَ عدلا من كُلَيْب | إِذا مَا ضيم جيران المجير) |
(عليّ أَن لَيْسَ عْدلاً من كُلَيْب | إِذا خرجت مخبأة الْخُدُور) |
(على أَن لَيْسَ عْدلاً من كُلَيْب | غَدَاة بلائك الْأَمر الْكَبِير) |
(عَليّ أَن لَيْسَ عْدلاً من كُلَيْب | إِذا مَا ضام جَار المستجير) |
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
﴿عَم يتساءلون (١) عَن النبأ الْعَظِيم (٢) الَّذِي هم فِيهِ مُخْتَلفُونَ (٣) كلا سيعلمون (٤) ثمَّ كلا سيعلمون (٥) ألم نجْعَل الأَرْض مهادا (٦) ﴾.تَفْسِير سُورَة النبأ
وَهِي مَكِّيَّة