تفسير سورة الشورى

تفسير المراغي
تفسير سورة سورة الشورى من كتاب تفسير المراغي .
لمؤلفه المراغي . المتوفي سنة 1371 هـ
سورة الشورى
آيها ثلاث وخمسون
هي مكية إلا الآيات ٢٣، ٢٤، ٢٥، ٢٦، ٢٧ فمدنية.
نزلت بعد فصلت.
ومناسبتها لما قبلها : اشتمال كل منهما على ذكر القرآن، ودفع مطاعن الكفار فيه، وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ حم( ١ )عسق( ٢ )كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم( ٣ )له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم( ٤ )تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم( ٥ )والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل ﴾( الشورى : ١-٦ ).
تفسير المفردات :﴿ حم*عسق ﴾تقدم أن قلنا إن الحروف المقطعة التي جاءت في أوائل السور حروف تنبيه نحو ألا ويا ونحوهما، يؤتى بها لإيقاظ السامع وتنبيهه إلى ما سيلقى إليه من الأمور العظام المشتملة عليها هذه السورة، وينطق بأسمائها هكذا( حاميم. عين. سين. قاف )
المعنى الجملي : بين سبحانه أن ما جاء في هذه السورة موافق لما في تضاعيف الكتب المنزلة على سائر الرسل، من الدعوة إلى التوحيد، والإيمان باليوم الآخر، والتزهيد في جمع حطام الدنيا، والترغيب فيما عند الله، ثم ذكر أن ما في السماوات والأرض فهو مهلكه وتحت قبضته، وله التصرف فيه إيجادا وإعداما وتكوينا وإبطالا، وأن السماوات والأرض على عظمها تكاد تتشقق فرقا من هيبته وجلاله سبحانه، وأن الملائكة ينزهونه عما لا يليق به من صفات النقص، ويطلبون المغفرة لعباده المؤمنين، ثم أردف هذا تسلية رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه ليس بالرقيب على عبدة الأصنام والأوثان يستطيع أن يردهم إلى سواء السبيل، بل ليس عليه إلا البلاغ وعلينا حسابهم، فلا يبخع نفسه عليهم حسرات، إن الله عليم بما يصنعون.
المعنى الجملي : بين سبحانه أن ما جاء في هذه السورة موافق لما في تضاعيف الكتب المنزلة على سائر الرسل، من الدعوة إلى التوحيد، والإيمان باليوم الآخر، والتزهيد في جمع حطام الدنيا، والترغيب فيما عند الله، ثم ذكر أن ما في السماوات والأرض فهو مهلكه وتحت قبضته، وله التصرف فيه إيجادا وإعداما وتكوينا وإبطالا، وأن السماوات والأرض على عظمها تكاد تتشقق فرقا من هيبته وجلاله سبحانه، وأن الملائكة ينزهونه عما لا يليق به من صفات النقص، ويطلبون المغفرة لعباده المؤمنين، ثم أردف هذا تسلية رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه ليس بالرقيب على عبدة الأصنام والأوثان يستطيع أن يردهم إلى سواء السبيل، بل ليس عليه إلا البلاغ وعلينا حسابهم، فلا يبخع نفسه عليهم حسرات، إن الله عليم بما يصنعون.
الإيضاح :﴿ كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ﴾أي بمثل ما في هذه السورة، من الدعوة إلى التوحيد، والنبوة، والإيمان باليوم الآخر، وتجميل النفس بفاضل الأخلاق، وإبعادها عن رذائل الخلال، والعمل على سعادة المرء والمجتمع، يوحي إليك الله العزيز في ملكه، الغالب بقهره، الحكيم بصنعه، المصيب في قوله وفعله، كما أوحى إلى الأنبياء بمثله من قبلك.
وسيأتي تفصيل هذا في سورة﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾( الأعلى : ١ )فقد ذكر في أولها التوحيد، وفي وسطها النبوة وفي آخرها المعاد. ثم قال :﴿ إن هذا لفي الصحف الأولى( ١٨ )صحف إبراهيم وموسى ﴾( الأعلى : ١٨-١٩ )أي إن المقصود من إنزال جميع الكتب الإلهية ليس إلا هذه المطالب الثلاثة العالية التي لا تتم السعادة إلا بها، ولا الفوز بالنعيم في الدارين إلا بسلوكها.
المعنى الجملي : بين سبحانه أن ما جاء في هذه السورة موافق لما في تضاعيف الكتب المنزلة على سائر الرسل، من الدعوة إلى التوحيد، والإيمان باليوم الآخر، والتزهيد في جمع حطام الدنيا، والترغيب فيما عند الله، ثم ذكر أن ما في السماوات والأرض فهو مهلكه وتحت قبضته، وله التصرف فيه إيجادا وإعداما وتكوينا وإبطالا، وأن السماوات والأرض على عظمها تكاد تتشقق فرقا من هيبته وجلاله سبحانه، وأن الملائكة ينزهونه عما لا يليق به من صفات النقص، ويطلبون المغفرة لعباده المؤمنين، ثم أردف هذا تسلية رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه ليس بالرقيب على عبدة الأصنام والأوثان يستطيع أن يردهم إلى سواء السبيل، بل ليس عليه إلا البلاغ وعلينا حسابهم، فلا يبخع نفسه عليهم حسرات، إن الله عليم بما يصنعون.
الإيضاح : ثم بين سبحانه عظمته وكبرياءه وحكمته فقال :
﴿ له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم ﴾أي إن ما في السماوات والأرض تحت قبضته وفي ملكه وله التصرف فيه إيجادا وإعداما، وهو المتعالى فوقه، العظيم عن مماثلته، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
تفسير المفردات : يتفطرن : أي يتشققن، يسبحون : أي ينزهون الله عما لا يليق به.
المعنى الجملي : بين سبحانه أن ما جاء في هذه السورة موافق لما في تضاعيف الكتب المنزلة على سائر الرسل، من الدعوة إلى التوحيد، والإيمان باليوم الآخر، والتزهيد في جمع حطام الدنيا، والترغيب فيما عند الله، ثم ذكر أن ما في السماوات والأرض فهو مهلكه وتحت قبضته، وله التصرف فيه إيجادا وإعداما وتكوينا وإبطالا، وأن السماوات والأرض على عظمها تكاد تتشقق فرقا من هيبته وجلاله سبحانه، وأن الملائكة ينزهونه عما لا يليق به من صفات النقص، ويطلبون المغفرة لعباده المؤمنين، ثم أردف هذا تسلية رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه ليس بالرقيب على عبدة الأصنام والأوثان يستطيع أن يردهم إلى سواء السبيل، بل ليس عليه إلا البلاغ وعلينا حسابهم، فلا يبخع نفسه عليهم حسرات، إن الله عليم بما يصنعون.
الإيضاح :﴿ تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن ﴾أي تكاد السماوات يتشققن من هيبة من هو فوقهن بالألوهية والقهر، والعظمة والقدرة.
وبعد أن بين كمال عظمته باستيلاء هيبته على الجسمانيات، انتقل إلى ذكر الروحانيات فقال :
﴿ والملائكة يسبحون بحمد ربهم ﴾أي والملائكة ينزهون ربهم عن صفات النقص، ويسمونه بسمات الجلال والكمال، شاكرين له على ما أنعم به عليهم من طاعته، وسخرهم لعبادته.
ونحو الآية قوله :﴿ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ﴾( التحريم : ٦ )، ﴿ يسبحون الليل والنهار لا يفترون ﴾( الأنبياء : ٢٠ ).
﴿ ويستغفرون لمن في الأرض ﴾أي يسألون ربهم المغفرة لذنوب من في الأرض من أهل الإيمان به، ويلهمونهم سبل الخير الموصلة إلى السعادة، فمثلهم مثل الضوء يعطي الحياة بحرارته، ويعطي الهدى بنوره.
ونحو الآية قوله :﴿ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ﴾( غافر : ٧ ).
ثم بين سبحانه أن من شأنه المغفرة والرحمة لعباده فقال :
﴿ ألا إن الله هو الغفور الرحيم ﴾فما من مخلوق إلا له حظ من رحمته، وهو سبحانه ذو مغفرة للناس على ظلمهم.
وفي الآية إيماء إلى قبول استغفار الملائكة، وهو يزيد على ما طلبوه من المغفرة، الرحمة بهم، وتأخير عقوبة الكافرين والعصاة نوع من المغفرة والرحمة، لعلهم يرعوون عن غوايتهم، ويثوبون إلى رشدهم، وينيبون إلى ربهم.
تفسير المفردات : الأولياء : الشركاء والأنداد، حفيظ : أي رقيب على أحوالهم وأعمالهم، بوكيل : أي بموكول إليك أمورهم حتى تؤاخذهم بها ولا وكل إليك هدايتهم، وإنما عليك البلاغ فحسب.
المعنى الجملي : بين سبحانه أن ما جاء في هذه السورة موافق لما في تضاعيف الكتب المنزلة على سائر الرسل، من الدعوة إلى التوحيد، والإيمان باليوم الآخر، والتزهيد في جمع حطام الدنيا، والترغيب فيما عند الله، ثم ذكر أن ما في السماوات والأرض فهو مهلكه وتحت قبضته، وله التصرف فيه إيجادا وإعداما وتكوينا وإبطالا، وأن السماوات والأرض على عظمها تكاد تتشقق فرقا من هيبته وجلاله سبحانه، وأن الملائكة ينزهونه عما لا يليق به من صفات النقص، ويطلبون المغفرة لعباده المؤمنين، ثم أردف هذا تسلية رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه ليس بالرقيب على عبدة الأصنام والأوثان يستطيع أن يردهم إلى سواء السبيل، بل ليس عليه إلا البلاغ وعلينا حسابهم، فلا يبخع نفسه عليهم حسرات، إن الله عليم بما يصنعون.
الإيضاح : ثم أبان وظيفة الرسل فقال :
﴿ والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل ﴾أي والمشركون الذين اتخذوا آلهة من الأصنام والأوثان يعبدونها – الله هو المراقب لأعمالهم، المحصي لأفعالهم وأقوالهم، المجازي لهم يوم القيامة على ما كانوا يفعلون، ولست أنت أيها الرسول بالحفيظ عليهم، إنما أنت نذير تبلغهم ما أرسلت به إليهم، إن عليك إلا البلاغ وعلينا الحساب، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فإنك لست بمدرك ما تريد من هدايتهم إلا إذا شاء ربك.
﴿ وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير( ٧ )ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير ﴾( الشورى : ٧-٨ ).
تفسير المفردات : الإنذار : التخويف ؛ وأم القرى : مكة، ويوم الجمع : يوم القيامة سمي بذلك لاجتماع الخلائق فيه كما قال تعالى :﴿ يوم يجمعكم ليوم الجمع ﴾( التغابن : ٩ )والفريق : الجماعة، والسعير : النار المستعرة الموقدة.
المعنى الجملي : بعد أن أبان فيما سلف أنه هو الرقيب على عباده، المحصي لأعمالهم، وأنه عليه السلام نذير فحسب، وليس عليه إلا البلاغ-ذكر هنا أنه أنزل كتابه بلغة العرب ليفهمه قومه من أهل مكة وما حولها كما قال :﴿ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ﴾( إبراهيم : ٤ )وينذرهم بأن يوم القيامة آت لا شك فيه، وأن للناس إذ ذاك فريقان : فريق يدخل الجنة بما قدم من صالح الأعمال، وفريق يدخل النار بما دسى به نفسه من سيئ الفعال، ثم ذكر أن حكمته اقتضت أن يكون الإيمان بالتكليف اختيارا ولم يشأ أن يكون قسرا وجبرا، ولو شاء أن يكون كذلك لفعل، فمن أخبت الله وأناب وعمل صالحا أفلح وفاز بالسعادة، ومن عاث في الأرض فسادا، واتجهت همته إلى ارتكاب الشرور والآثام خسر وباء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المهاد، ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا.
الإيضاح :﴿ وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها ﴾أي ومثل ذلك الإيحاء البديع الواضح، أوحينا إليك قرآنا عربيا بلسان قومك، لا خفاء فيه عليك ولا عليهم، ليفهموا ما فيه من حجج الله وذكره ولننذر به أهل مكة وما حولها من البلاد، كما أرسلنا كل رسول بلسان قومه.
وقصارى ذلك : إنا كما أوحينا إليك أنت لست بالحفيظ عليهم ولا بالوكيل، أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أهل مكة وما حولها.
وخص هؤلاء بالذكر، لأنهم أول من أنذروا، ولأنهم أقرب الناس إليه، فلا دليل فيها على أنه أرسل إليهم خاصة، كيف وقد جاء في آية أخرى :﴿ وما أرسلناك إلا كافة للناس ﴾( سبأ : ٢٨ ).
وهذا الإنذار يعم شؤون الدنيا وشؤون الآخرة. ثم خص من بينها أمور الآخرة بيانا لعظيم أهوالها وشديد نكالها فقال :
﴿ وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه ﴾أي ولتنظر الخلائق كافة عقاب الله يوم جمعهم للعرض والحساب، وهو يوم لا شك فيه، لتظاهر الأدلة على تحققه عقلا ونقلا، فالحكمة قاضية بجزاء المحسن على إحسانه، ومعاقبة المسيء على إساءته، ولما فيه من نصوص قاطعة على وجوده لا تحتمل تأويلا ولا تفسيرا.
ثم ذكر عاقبة العرض والحساب فقال :
﴿ فريق في الجنة وفريق في السعير ﴾أي إنهم بعد جمعهم وعرضهم للحساب يفرقون، ففريق منهم يدخل الجنة لإيمانه بالله ورسوله وبما أحسن من عمل في دنياه استحق به الكرامة عند ربه، والنعيم المقيم في جنته، وفريق منهم في نار الله الموقدة المسعورة على أهلها، وهم الذين كفروا بالله وخالفوا ما جاءهم به رسوله، فدسوا أنفسهم بما أساؤوا إليها من شرور وآثام، وبما عبدوه من أوثان وأصنام.
ونحو الآية قوله :﴿ إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود( ١٠٣ )وما نؤخره إلا لأجل معدود( ١٠٤ )يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ﴾( هود : ١٠٣-١٠٥.
ثم سلى رسوله على ما كان يناله من الغم والهم بتولي قومه عنه، وعدم استجابة دعوته، وأعلمه أن أمور عباده بيده، وأنه الهادي إلى الحق من يشاء، والمضل من أراد فقال :
المعنى الجملي : بعد أن أبان فيما سلف أنه هو الرقيب على عباده، المحصي لأعمالهم، وأنه عليه السلام نذير فحسب، وليس عليه إلا البلاغ-ذكر هنا أنه أنزل كتابه بلغة العرب ليفهمه قومه من أهل مكة وما حولها كما قال :﴿ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ﴾( إبراهيم : ٤ )وينذرهم بأن يوم القيامة آت لا شك فيه، وأن للناس إذ ذاك فريقان : فريق يدخل الجنة بما قدم من صالح الأعمال، وفريق يدخل النار بما دسى به نفسه من سيئ الفعال، ثم ذكر أن حكمته اقتضت أن يكون الإيمان بالتكليف اختيارا ولم يشأ أن يكون قسرا وجبرا، ولو شاء أن يكون كذلك لفعل، فمن أخبت الله وأناب وعمل صالحا أفلح وفاز بالسعادة، ومن عاث في الأرض فسادا، واتجهت همته إلى ارتكاب الشرور والآثام خسر وباء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المهاد، ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا.
الإيضاح :﴿ ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير ﴾أي ولو شاء الله لجعل الجميع مؤمنين كما تريد وتحرص عليه، ولكن حكمته اقتضت أن يكون بعضهم مؤمنين كما تحب، وبعضهم كفارا وهم الذين اتخذوا من دون الله أولياء ؛ لأنه سبحانه شاء أن يكون الإيمان مبنيا على التكليف والاختيار، يدخل فيه المرء بمحض الرضا والتأمل في الأدلة الموصلة إلى الهدى، وبذلك يتم الفوز والسعادة في الدارين، وينفر منه من دنس نفسه بإدران الشرك، وركب رأسه وأطاع هواه فكان من الخاسرين.
ولو شاء لجعل الإيمان بالقسر والإلجاء فكان الناس جميعا أمة واحدة، ولكن له الحجة البالغة، والمثل الأعلى، لم يشأ ذلك، فلا تأس على عدم إيمان قومك، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات كما قال :﴿ فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ﴾( الكهف : ٦ )وقد جاء هذا المعنى في غير آية سلف كثير منها كقوله :﴿ ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ﴾( الأنعام : ٣٥ )وقوله :﴿ ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ﴾( السجدة : ١٣ ).
﴿ أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحي الموتى وهو على كل شيء قدير( ٩ )وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب( ١٠ )فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير( ١١ ) له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم ﴾( الشورى : ٩-١٢ ).
تفسير المفردات : الولي : الناصر والمعين.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أنهم اتخذوا من دون الله أولياء، وأن الله وكيل عليهم، ولست أيها الرسول بالحفيظ عليهم – طلب إليه هنا أن يدع الاهتمام بأمرهم، ويقطع الطمع في إيمانهم، مبينا أنهم اتخذوا من دون الله أولياء، وهو سبحانه الولي حقا، القادر على كل شيء، فقد عدلوا عنه إلى ما لا نسبة بينه وبينهم بحال.
الإيضاح :﴿ أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ﴾أي إن هؤلاء المشركين من قومك، قد اتخذوا أولياء ينصرونهم من دون الله، وقد ضلوا ضلالا بعيدا، فهؤلاء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، فإن أرادوا وليا بحق يدفع عنهم الملمات، ويجلب لهم الخيرات، فالله هو القادر على ذلك، وهو المحيي الموتى، ويحشرهم يوم القيامة، فجدير بمثله أن يتخذ وليا، لا من يستطيع دفع الضر عن نفسه ولا جلب الخير لها.
ونحو الآية قوله :﴿ إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ﴾( الحج : ٧٣ ).
تفسير المفردات : أنيب : أي أرجع.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أنهم اتخذوا من دون الله أولياء، وأن الله وكيل عليهم، ولست أيها الرسول بالحفيظ عليهم – طلب إليه هنا أن يدع الاهتمام بأمرهم، ويقطع الطمع في إيمانهم، مبينا أنهم اتخذوا من دون الله أولياء، وهو سبحانه الولي حقا، القادر على كل شيء، فقد عدلوا عنه إلى ما لا نسبة بينه وبينهم بحال.
وبعد أن منع رسوله أن يحمل الكفار على الإيمان قسرا-منع المؤمنين أن يتنازعوا معهم في شأن من شؤون الدين فقال :
﴿ وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ﴾أي وما اختلف فيه العباد من أمر الدين فحكمه ومرجعه إلى الله، يحكم فيه يوم القيامة بحكمه، ويفصل بين المختصمين، وحينئذ يظهر المحق من المبطل، ويتميز أهل الجنة وأهل النار.
وقد يكون المعنى : إن حكمه مردود إلى كتاب الله، فقد اشتمل على الحكم بين عباده فيما فيه يختلفون، فلآية عامة في كل اختلاف يتعلق بأمر الدين وأنه مردود إلى كتاب الله.
ونحو الآية قوله :﴿ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ﴾( النساء : ٥٩ ).
وقد حكم سبحانه في كتابه، بأن الدين هو الإسلام، وأن القرآن حق، وأن المؤمنين في الجنة والكافرين في النار، ولكن لما كان الكفار لا يذعنون بأن ذلك حق إلا في الدار الآخرة وعدهم بذلك يوم القيامة.
ثم أمره أن يقول لهم :
﴿ ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب ﴾أي ذلكم الموصوف بهذه الصفات، من الإحياء والإماتة، والحكم بين المختلفين، هو ربي وحده، لا آلهتكم التي تدعون من دونه، عليه توكلت في دفع كيد الأعداء وفي جميع شؤوني، وإليه أرجع في كل المهمات، وإليه أتوب من الذنوب.
وفي هذا تعريض لهم بأن ما هم عليه من اتخاذ غير الله وليا لا يجديهم نفعا، ولا يدفع عنهم ضرا، فالأجدر بهم أن يقلعوا عنه، إذ من شأن العاقل ألا يفعل إلا ما يفيده في دين أو دنيا.
تفسير المفردات : فاطر السماوات والأرض : أي مبدعهما لا على مثال سابق، من أنفسكم : أي من جنسكم، يذرؤكم : أي يكثركم يقال : ذرأ الله الخلق : بثهم وكثرهم.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أنهم اتخذوا من دون الله أولياء، وأن الله وكيل عليهم، ولست أيها الرسول بالحفيظ عليهم – طلب إليه هنا أن يدع الاهتمام بأمرهم، ويقطع الطمع في إيمانهم، مبينا أنهم اتخذوا من دون الله أولياء، وهو سبحانه الولي حقا، القادر على كل شيء، فقد عدلوا عنه إلى ما لا نسبة بينه وبينهم بحال.
الإيضاح : ثم بين الأسباب التي تحمله على أن يلتجئ إليه وتجعله الحقيق بذلك فقال :
﴿ فاطر السماوات والأرض ﴾أي إنه الجدير بأن يعتمد عليه، ويستعان به، لأنه خالق العوالم جميعها، علويها وسفليها، على عظمتها التي ترونها، لا آلهتكم التي لا تستطيع أن تخلق شيئا.
ثم بين بعض ما خلقه وأنعم به فقال :
﴿ جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ﴾أي ومن حكمته لبقاء العمران في هذه الحياة إلى الأجل الذي حدده في علمه – أن خلق لكم من جنسكم زوجات، لتتوالدوا، ويكثر النسل، ويستمر بقاء هذا النوع، وجعل للأنعام مثل هذا، وبذا تنتظم شؤون الحياة لهذا الخليفة الذي جعله الله في الأرض، وتقضي مآبه الدنيوية من مأكول ومشروب، وتستمر تغذيته على أتم النظم، وأكمل الوجوه، فيشكر ربه على ما أولى، ويعبده على ما أنعم، فيفوز بالسعادة في الحياة الآخرة كما فاز بها في الدنيا.
وقوله :﴿ فيه ﴾أي في هذا التدبير وهو التزويج، فهو سبحانه جعل الناس والأنعام أزواجا ليكون بين ذكور هم وإناثهم التوالد والتناسل، فيكون هذا التدبير كالمنبع والمعدن لهذا التكثير في النسل.
وبعد أن ذكر بعض صنعه الدال على عظمته أرشد إلى بعض صفاته العظيمة فقال :
( ١ )﴿ ليس كمثله شيء ﴾أي ليس كخالق الأزواج شيء يزاوجه، لأنه الفرد الصمد، وقد يكون المعنى ليس مثله شيء في شؤونه التي يدبرها بمقتضى قدرته الشاملة، وعلمه الواسع، وحكمته الكاملة، ومن ثم جعل هذا التدبير المحكم لإحاطة علمه بكل شيء.
( ٢ )﴿ وهو السميع البصير ﴾أي وهو السميع لما ينطق به خلقه من قول، البصير بأعمالهم لا يخفى عليه شيء مما كسبت أيديهم من خير أو شر.
تفسير المفردات : مقاليد : واحدها مقلاد أو مقليد أو إقليد، وهو المفتاح، يبسط : أي يوسع، يقدر : أي يقتر ويضيق.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أنهم اتخذوا من دون الله أولياء، وأن الله وكيل عليهم، ولست أيها الرسول بالحفيظ عليهم – طلب إليه هنا أن يدع الاهتمام بأمرهم، ويقطع الطمع في إيمانهم، مبينا أنهم اتخذوا من دون الله أولياء، وهو سبحانه الولي حقا، القادر على كل شيء، فقد عدلوا عنه إلى ما لا نسبة بينه وبينهم بحال.
الإيضاح :( ٣ )﴿ له مقاليد السماوات والأرض ﴾أي له تعالى مفاتيح خزائن السماوات والأرض، فبيده مقاليد الخير والشر، فما يفتح من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك منها فلا مرسل له من بعده، وقد بين هذا بقوله :
﴿ يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ﴾أي يوسع رزقه وفضله على من يشاء من خلقه ويقتر على من يريد، بحسب السنن والنواميس التي وضعها بين عباده في هذه الحياة.
ثم ذكر سبب هذا البسط والتقتير فقال :
﴿ إنه بكل شيء عليم ﴾أي إنه تعالى عليم بكل ما يفعله من توسعة على من يوسع عليه، وتقتير على من يقتر عليه، ومن الذي يصلحه البسط في الرزق، ومن الذي يفسده، ومن الذي يصلحه التقتير، ومن الذي يفسده، لا يخفى عليه شيء من ذلك، فيفعل كل ذلك على مقتضى حكمته الكاملة، وقدرته الواسعة، وعلمه المحيط.
﴿ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب( ١٣ )وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب ﴾( الشورى : ١٣-١٤ ).
تفسير المفردات : أقيموا الدين : أي حافظوا عليه، ولا تخلوا بشيء من مقوماته، والمراد بالدين دين الإسلام، وهو توحيد الله وطاعته، والإيمان برسله، واليوم الآخر، وسائر ما يكون به العبد مؤمنا، ولا تتفرقوا فيه : أي ولا تختلفوا فيه، فتأتوا ببعض وتتركوا بعضا، كبر : أي عظم وشق عليهم، يجتبي : أي يصطفي، ينيب : أي يرجع.
المعنى الجملي : بعد أن عظم وحيه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وأبان ماله من كبير الخطر حين نسبه إليه تعالى، وأنه صادر من عزيز حكيم لا يوحي إلا بما فيه مصلحة البشر ومنفعتهم في دينهم ودنياهم – ذكر هنا تفصيل هذا الوحي، وأرشد إلى أنه هو الدين الذي وصى به أكابر الأنبياء وأصحاب الشرائع العظيمة والأتباع الكثيرة ؛ وأردف ذلك أن المشركين يشق عليهم دعوتهم إلى التوحيد وترك الأنداد والأوثان، وأن الله يهدي من يشاء من عباده لهدى دينه، وأنهم ما خالفوا الحق إلا بعد إبلاغه إليهم، وقيام الحجة عليهم، وأنه ما حملهم على ذلك إلا البغي والعدوان والحسد، وأنه لولا الكلمة السابقة من الله بإنظار المشركين بإقامة حسابهم إلى يوم المعاد لعجل لهم العقوبة في الدنيا، وأن من اعتنقوا الأديان من بعد الأجيال الأولى ليسوا على يقين من أمرهم وإيمانهم، وإنما هم مقلدون لآبائهم وأسلافهم بلا دليل ولا برهان، وهم في حيرة من أمرهم، وشك مريب وشقاق بعيد.
الإيضاح :﴿ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ﴾أي شرع لكم من الدين ما شرع لنوح ومن بعده من أرباب الشرائع وأولي العزم من الرسل، وأمرهم به أمرا مؤكدا ؛ وتخصيص هؤلاء الأنبياء بالذكر، لعلو شأنهم وعظيم شهرتهم، ولاستمالة قلوب الكفار إلى أتباعه، لاتفاق كلمة أكثرهم على نبوتهم، واختصاص اليهود بموسى عليه السلام، والنصارى بعيسى عليه السلام وإلا فكل نبي مأمور بما أمروا به من إقامة دين الإسلام وهو التوحيد، وأصول الشرائع والأحكام مما لا يختلف باختلاف الأعصار كالإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة واكتساب مكارم الأخلاق وفاضل الصفات.
وفي الآية إيماء إلى أن ما شرعه لهم صادر عن كامل العلم والحكمة، وأنه دين قديم أجمع عليه الرسل، وما أوحاه إليه هو إما ما ذكر في صدر السورة، وفي قوله :﴿ وكذلك أوحينا ﴾الآية.
وإما ما يعمهما وغيرهما مما وقع في سائر المواضع التي من جملتها قوله تعالى :﴿ ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ﴾( النحل : ١٢٣ )وقوله :﴿ إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ﴾( الكهف : ١١٠ ).
ثم فصل ما شرعه بقوله :
﴿ أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ﴾أي اجعلوا هذا الدين وهو دين التوحيد والإخلاص لله قائما دائما مستمرا، واحفظوه من أن يقع فيه زيغ أو اضطراب، ولا تتفرقوا فيه، بأن تأتوا ببعض وتتركوا بعضا، أو بأن يأتي بعض منكم بهذه الأصول التي شرعت لكم ويتركها بعض آخر.
والنهي إنما هو عن التفرق في أصول الشرائع، أما التفاصيل فلم يتحد فيها الأنبياء كما يشير إلى ذلك قوله تعالى :﴿ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ﴾( المائدة : ٤٨ ).
والخلاصة : إننا شرعنا لكم ما شرعنا للأنبياء قبلكم، دينا واحدا في الأصول وهي التوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج، والتقرب بصالح الأعمال، كالصدق والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحرمنا عليكم الزنى، وإيذاء الخلق، والاعتداء على الحيوان – فكل هذا قد اتحد فيه الرسل وإن اختلفوا في تفاصيله.
﴿ كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ﴾أي شق على المشركين دعوتهم إلى التوحيد، وترك عبادة الأصنام والأوثان، وتقريعهم على ذلك، لأنهم توارثوا ذلك كابرا عن كابر ونقلوه عن الآباء والأجداد كما حكى سبحانه عنهم بقوله :﴿ إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ﴾( الزخرف : ٢٣ ).
وبعد أن أرشد المؤمنين إلى التمسك بالدين – ذكر أنه إنما هداهم إلى ذلك، لأنه اصطفاهم من بين خلقه فقال :
﴿ الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ﴾أي الله يصطفي من يشاء من عباده ويقربهم إليه تقريب الكرامة، ويوفق للعمل بطاعته واتباع ما بعث به نبيه عليه من الحق – من راجع التوبة من معاصيه، وهذا كما روي في الخبر :( من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة )أي من أقبل إلي بطاعته أقبلت إليه بهدايتي وإرشادي، بأن أشرح له صدره، وأسهل له أمره.
تفسير المفردات : البغي : الظلم ومجاوزة الحد في كل شيء، لقضي بينهم : أي باستئصال المبطلين حين تفرقوا.
المعنى الجملي : بعد أن عظم وحيه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وأبان ماله من كبير الخطر حين نسبه إليه تعالى، وأنه صادر من عزيز حكيم لا يوحي إلا بما فيه مصلحة البشر ومنفعتهم في دينهم ودنياهم – ذكر هنا تفصيل هذا الوحي، وأرشد إلى أنه هو الدين الذي وصى به أكابر الأنبياء وأصحاب الشرائع العظيمة والأتباع الكثيرة ؛ وأردف ذلك أن المشركين يشق عليهم دعوتهم إلى التوحيد وترك الأنداد والأوثان، وأن الله يهدي من يشاء من عباده لهدى دينه، وأنهم ما خالفوا الحق إلا بعد إبلاغه إليهم، وقيام الحجة عليهم، وأنه ما حملهم على ذلك إلا البغي والعدوان والحسد، وأنه لولا الكلمة السابقة من الله بإنظار المشركين بإقامة حسابهم إلى يوم المعاد لعجل لهم العقوبة في الدنيا، وأن من اعتنقوا الأديان من بعد الأجيال الأولى ليسوا على يقين من أمرهم وإيمانهم، وإنما هم مقلدون لآبائهم وأسلافهم بلا دليل ولا برهان، وهم في حيرة من أمرهم، وشك مريب وشقاق بعيد.
الإيضاح : ثم أجاب عن سؤال قد يخطر بالبال، لماذا صار الناس متفرقين في الدين مع أنهم أمروا بالأخذ به وعدم التفرق فيه فقال :
﴿ وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ﴾أي وما تفرقت الأمم إلا من بعد ما علموا أن الفرقة ضلالة، وقد فعلوا ذلك بغيا وطلبا للرياسة، وللحمية حمية الجاهلية التي جعلت كل طائفة تذهب مذهبا وتدعو إليه وتقبح ما سواه، طلبا للأحدوثة بين الناس والسيطرة عليهم.
والخلاصة : إن الأمم قديمها وحديثها أمروا باتفاق الكلمة وإقامة الدين وبلغهم أنبياؤهم ذلك، وما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بذلك، بغيا وحسدا، وعنادا، وحبا للرياسة، فدعت كل طائفة إلى مذهب، وأنكرت ما عداه.
ثم ذكر أن هؤلاء كانوا يستحقون العذاب المعجل على سوء أفعالهم، ولكن حكمته تعالى اقتضت تأخيره ليوم معلوم فقال :
﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم ﴾أي ولولا الكلمة السابقة من ربك بإنظار حسابهم وتأخيره إلى يوم المعاد لعجل لهم العقوبة في الدنيا سريعا بما دسوا به أنفسهم من كبير الآثام وقبيح المعاصي.
ثم ذكر أن تفرقهم في الدين باق في أعقابهم مضافا إليه الشك في كتابهم مع انتسابهم إليه فقال :
﴿ وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب ﴾ أي وإن أهل الكتاب الذين كانوا في عهده صلى الله عليه وسلم وورثوا التوراة والإنجيل عن السابقين لهم في شك من كتابهم، إذ لم يؤمنوا به حق الإيمان، فهم مقلدون أسلافهم بلا حجة ولا برهان، وهم في حيرة من أمرهم، وشك أقض مضاجعهم، وأوقعهم في اضطراب وقلق.
وقصارى ذلك : إنهم تفرقوا بعد العلم الذي حصل من النبي المبعوث إليهم المصدق لكتابهم، لأنهم شكوا في كتابكم فلم يؤمنوا به ولم يعملوا بما فيه من أمر ونهي.
﴿ فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير ﴾( الشورى : ١٥ ).
تفسير المفردات : ادع : أي إلى الائتلاف والاتفاق، واستقم : أي اثبت على الدعاء كما أوحي إليك، آمنت بما أنزل الله من كتاب : أي صدقت بجميع الكتب المنزلة، لا حجة : أي لا احتجاج ولا خصومة.
المعنى الجملي : بعد أن أمرهم سبحانه فيما سلف بالوحدة في الدين وعدم التفرق فيه، وذكر أنهم قد تفرقوا فيه من بعد ما جاءهم العلم، بغيا وحسدا، وعنادا واستكبارا – أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الاتفاق على الملة الحنيفية والثبات عليها والدعوة إليها وألا يتبع أهواءهم الباطلة، ثم أمره بالإيمان بجميع الكتب السماوية، وبالعدل بين الناس والمساواة بينهم وبين نفسه، فلا يأمرهم بما لا يعلمه، أو يخالفهم فيما نهاهم عنه.
ثم أردف ذلك ببيان أن إلههم جميعا واحد، وأن كل امرئ مسؤول عن عمله، وأن الله يجمع الناس يوم القيامة ويجازيهم بأعمالهم.
وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على عشرة أوامر ونواه، كل منها مستقل بذاته ودال على حكم برأسه، ولا نظير لها في ذلك سوى آية الكرسي فهي عشرة فصول أيضا.
الإيضاح :﴿ فلذلك فادع ﴾أي فلأجل ذلك التفرق، ولما حدث بسببه من تشعب الكفر في الأمم السالفة شعبا – ادع إلى الاتفاق والائتلاف على الملة الحنيفية ملة إبراهيم.
﴿ واستقم كما أمرت ﴾أي واثبت أنت ومن اتبعك على عبادة الله كما أمركم.
﴿ ولا تتبع أهواءهم ﴾أي ولا تتبع أيها الرسول أهواء الذين شكوا في الحق الذي شرعه الله لكم، من الذين أورثوا الكتاب من قبلكم فتشكوا فيه كما شكوا.
﴿ وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب ﴾أي وقل : صدقت بجميع الكتب المنزلة على الأنبياء من التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم، لا أكذب بشيء منها.
وفي هذا تعريض بأهل الكتاب، إذ صدقوا ببعض وكفروا ببعض، وتأليف لقلوبهم، إذ آمن بما آمنوا به.
﴿ وأمرت لأعدل بينكم ﴾أي وأمرني الله بما أمرني به، لأعدل بينكم في الأحكام إذا ترافعتم إلي، ولا أحيف عليكم بزيادة على ما شرعه أو نقصان منه، ولأبلغ ما أمرني بتبليغه إليكم كما هو.
﴿ الله ربنا وربكم ﴾أي الله هو المعبود بحق لا إله غيره، فنحن نقر بذلك اختيارا، وأنتم وإن لم تفعلوه فله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وجبرا.
﴿ لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ﴾أي لنا أعمالنا لا يتخطانا جزاؤها، ثوابا كان أو عقابا، ولكم أعمالكم لا ننتفع بحسناتكم ولا تضرنا سيئاتكم.
ونحو الآية قوله :﴿ وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ﴾( يونس : ٤١ ).
﴿ لا حجة بيننا وبينكم ﴾أي لا خصومة بيننا ولا احتجاج، فإن الحق قد وضح، وليس للمحاجة مجال، فما المخالف إلا معاند أو مكابر، وسيأتي الوقت الذي يستبين فيه الحق، ويتضح سبيل الرشاد، وإلى ذلك أشار بقوله :
﴿ الله يجمع بيننا ﴾أي الله يجمع بيننا يوم القيامة، فيقضي بيننا بالحق فيما اختلفنا فيه.
ونحو الآية قوله :﴿ قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم ﴾( سبأ : ٢٦ ).
﴿ وإليه المصير ﴾أي وإليه المرجع والمعاد بعد مماتنا يوم الحساب، فيجازي كل نفس بما كسبت﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره( ٧ )ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾( الزلزلة : ٧-٨ ).
وهذه الأوامر والنواهي وإن وجهت في الظاهر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فهي له ولأمته كما هي القاعدة : أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمر لأمته إلا إذا ورد دليل على التخصيص.
﴿ والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد( ١٦ )الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب( ١٧ )يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد ﴾( الشورى : ١٦-١٨ )
تفسير المفردات : يحاجون في الله : يخاصمون في دينه، استجيب له : أي استجاب الناس لدينه ودخلوا فيه لوضوح حجته، داحضة : أي زائفة باطلة.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه فيما سلف أن لا محاجة بين المشركين والمؤمنين لوضوح الحجة، بين هنا أن الذين يخاصمون في دين الله من بعد ما استجاب الناس له ودخلوا فيه أفواجا، حجتهم في الصرف عنه زائفة لا ينبغي النظر إليها، وعليهم غضب من ربهم لمكابرتهم للحق بعد ظهوره، ولهم عذاب شديد يوم القيامة.
روي أن اليهود قالوا للمؤمنين : إنكم تقولون إن الأخذ بالمتفق عليه أولى من الأخذ بالمختلف فيه، ونبوة موسى وتوراته مسلمة بيننا وبينكم، ونبوة محمد ليست كذلك، وإذا فالأخذ باليهودية أولى، فدحض سبحانه هذه الحجة بأن الإيمان بموسى إنما وجب لظهور المعجزات على يديه دالة على صدقه، وقد ظهرت المعجزات على يدي محمد واليهود قد شاهدوها فوجب الاعتراف بنبوته.
ثم أردف ذلك تخويفهم بيوم القيامة حتى يستعدوا له ويتركوا المماراة بالباطل، ثم ذكر أن المشركين يستعجلون به استهزاء وإنكارا لوجوده، والمؤمنون خائفون منه، لعلمهم بالجزاء حينئذ، ثم أعقب ذلك بذكر أن المماراة في الساعة ضلال بين : لتظاهر الأدلة على حصولها لا محالة.
الإيضاح :﴿ والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد ﴾أي والذين يجادلون المؤمنين المستجيبين لله ورسوله، ليصدوهم عما سلكوه من طريق الهدى – حجتهم زائفة لا تقبل عند ربهم، وعليهم غضب منه، لأنهما ما روا في الحق بعدما تبين، ولهم عذاب شديد يوم القيامة، لتركهم الحق بعد أن وضحت محجته عنادا واستكبارا.
وقد سمى أباطيلهم التي لا ينبغي التعويل عليها – أدلة مجاراة لهم على زعمهم حتى يعاودوا النظر فيها، لعلهم يرعوون عن غيهم ويتوبون إلى رشدهم.
تفسير المفردات : الميزان : العدل بين الناس، يدريك : يعلمك، الساعة : القيامة.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه فيما سلف أن لا محاجة بين المشركين والمؤمنين لوضوح الحجة، بين هنا أن الذين يخاصمون في دين الله من بعد ما استجاب الناس له ودخلوا فيه أفواجا، حجتهم في الصرف عنه زائفة لا ينبغي النظر إليها، وعليهم غضب من ربهم لمكابرتهم للحق بعد ظهوره، ولهم عذاب شديد يوم القيامة.
روي أن اليهود قالوا للمؤمنين : إنكم تقولون إن الأخذ بالمتفق عليه أولى من الأخذ بالمختلف فيه، ونبوة موسى وتوراته مسلمة بيننا وبينكم، ونبوة محمد ليست كذلك، وإذا فالأخذ باليهودية أولى، فدحض سبحانه هذه الحجة بأن الإيمان بموسى إنما وجب لظهور المعجزات على يديه دالة على صدقه، وقد ظهرت المعجزات على يدي محمد واليهود قد شاهدوها فوجب الاعتراف بنبوته.
ثم أردف ذلك تخويفهم بيوم القيامة حتى يستعدوا له ويتركوا المماراة بالباطل، ثم ذكر أن المشركين يستعجلون به استهزاء وإنكارا لوجوده، والمؤمنون خائفون منه، لعلمهم بالجزاء حينئذ، ثم أعقب ذلك بذكر أن المماراة في الساعة ضلال بين : لتظاهر الأدلة على حصولها لا محالة.
﴿ الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان ﴾أي الله أنزل كتبه على أنبيائه حاوية للحق الذي لا شبهة فيه، بعيدة من الباطل الذي لا خير فيه، وأنزل العدل ليقضى بين الناس بالإنصاف، ويحكم بينهم بحكمه الذي أمر به في كتابه.
ونحو الآية قوله :﴿ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ﴾( الحديد : ٢٥ ).
ثم رغب سبحانه في الآخرة وزهد في الدنيا فقال :
﴿ وما يدريك لعل الساعة قريب ﴾أي وأي شيء يعلمك لعل الساعة التي تقوم فيها القيامة تكون قد أزفت ؟ فعليك أن تتبع الكتاب وتواظب على العدل بين الناس، واعمل بما أمرت به قبل أن يفجأك اليوم الذي توزن فيه الأعمال ويوفى كل عامل جزاء عمله.
والمراد بذلك حث المؤمنين على اتباع نهج الشرع وترك مخالفته.
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الساعة وعنده قوم من المشركين فقالوا : متى الساعة ؟ استهزاء بها، وتكذيبا لمجيئها، فأنزل الله الآية، ويدل على ذلك قوله :
تفسير المفردات : مشفقون : خائفون منها حذرون من مجيئها، الحق : أي الأمر المحقق الكائن لا محالة، يمارون : أي يجادلون ؛ وأصله من مريت الناقة : أي مسحت ضرعها للحلب، إذ كل من المتجادلين يستخرج ما عند صاحبه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه فيما سلف أن لا محاجة بين المشركين والمؤمنين لوضوح الحجة، بين هنا أن الذين يخاصمون في دين الله من بعد ما استجاب الناس له ودخلوا فيه أفواجا، حجتهم في الصرف عنه زائفة لا ينبغي النظر إليها، وعليهم غضب من ربهم لمكابرتهم للحق بعد ظهوره، ولهم عذاب شديد يوم القيامة.
روي أن اليهود قالوا للمؤمنين : إنكم تقولون إن الأخذ بالمتفق عليه أولى من الأخذ بالمختلف فيه، ونبوة موسى وتوراته مسلمة بيننا وبينكم، ونبوة محمد ليست كذلك، وإذا فالأخذ باليهودية أولى، فدحض سبحانه هذه الحجة بأن الإيمان بموسى إنما وجب لظهور المعجزات على يديه دالة على صدقه، وقد ظهرت المعجزات على يدي محمد واليهود قد شاهدوها فوجب الاعتراف بنبوته.
ثم أردف ذلك تخويفهم بيوم القيامة حتى يستعدوا له ويتركوا المماراة بالباطل، ثم ذكر أن المشركين يستعجلون به استهزاء وإنكارا لوجوده، والمؤمنون خائفون منه، لعلمهم بالجزاء حينئذ، ثم أعقب ذلك بذكر أن المماراة في الساعة ضلال بين : لتظاهر الأدلة على حصولها لا محالة.
﴿ يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها ﴾استعجال استهزاء وإنكار، وكانوا يقولون متى هي ؟ ليتها قامت حتى يظهر لنا، أنحن على الحق فنفوز بالنجاة، أم محمد وأصحابه فنكون من الخاسرين ؟
وبعد أن بين حال المشركين في شأنها ذكر حال المؤمنين بها فقال :
﴿ والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ﴾أي والذين آمنوا خائفون منها وجلون من مجيئها، لأنهم لا يدرون ما الله فاعل بهم، وهم موقنون أنهم محاسبون ومجزيون على أعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر، كما أنهم يعلمون علم اليقين أن مجيئها حق لا ريب فيه، فهم يستعدون له ويعملون من أجله.
ونحو الآية قوله :﴿ والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ﴾( المؤمنون : ٦٠ ).
روي : أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوت جهوري وهو في بعض أسفاره فقال : يا محمد : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو من صوته( هاؤم )فقال له : متى الساعة ؟ فقال له :( إنها كائنة فما أعددت لها ؟ )فقال : حب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم :( أنت مع من أحببت ).
ثم بين ضلال الممارين فيها فقال :
﴿ ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد ﴾أي ألا إن الذين يجادلون في وجودها، ويدفعون وقوعها، لفي جور عن طريق الهدى، وزيغ عن سبيل الرشاد، وبعد من الصواب، لأن الذي خلق السماوات والأرض قادر على إحياء الموتى كما قال :﴿ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ﴾( الروم : ٢٧ ).
﴿ الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز( ١٩ )من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب( ٢٠ )أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم( ٢١ )ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير ﴾( الشورى : ١٩-٢٢ ).
تفسير المفردات : لطيف بعباده : أي هو بر بهم يفيض عليهم عن جوده وإحسانه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه فيما سبق أنه أنزل عليهم الكتاب المشتمل على الدلائل الموصلة إلى السعادة، وأن المتفرقين في الدين استوجبوا شديد العذاب، لكنه أخره إلى يوم معلوم – أرشد هنا إلى أن ذلك من لطف الله بعباده، ولو شاء لجعلهم في عماية من أمرهم، وتركهم في ضلالهم يعمهون، ولو شاء لعجل لهم العذاب. ثم بين أن من يعمل للآخرة يرجو ثوابها يضاعف له فيها الجزاء إلى سبعمائة ضعف، ومن يعمل للدنيا وجلب لذاتها يؤته ما يريد، وليس له في الآخرة نصيب من نعيمها، ثم أعقب هذا بذكر ما وسوست به الشياطين للمشركين، وزينت لهم به من الشرك بالله وإنكار البعث إلى نحو ذلك، ثم بين أنهم كانوا يستحقون العذاب العاجل على ذلك، لكنه أجله لما سبق في علمه من إنظارهم إلى يوم معلوم، ثم ذكر مآل كل من الكافرين والمؤمنين يوم القيامة، فالأولون خائفون وجلون من جزاء ما عملوا، والآخرون مترفون منعمون.
الإيضاح :﴿ الله لطيف بعباده يرزق من يشاء ﴾أي إنه تعالى بر بعباده يرسل إليهم أعظم المنافع، ويدفع عنهم أكبر البلاء، فيرزق البر والفاجر، لا ينسى أحدا منهم، ويوسع الرزق على من يشاء منهم، ويقتره على من يشاء، ليمتحن الغني بالفقير والفقير بالغني، وليحتاج بعض إلى بعض كما قال :﴿ ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ﴾( الزخرف : ٣٢ ).
ونحو الآية قوله :﴿ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ﴾( هود : ٦ ).
ثم ذكر ما هو كالعلة لذلك فقال :
﴿ وهو القوي العزيز ﴾أي وهو القادر على ما يشاء، العزيز الذي لا يقدر أحد أن يمنعه عن شيء مما يريده.
وبعد أن أبان أن الرزق ليس إلا في يده أتبعه بما يزهد في التكالب على طلب رزق البدن، ويرغب في الجد في طلب رزق الروح والسعي في رفع منزلتها عند ربها ليرضى عنها فقال :
تفسير المفردات : حرث الآخرة : ثمرات أعمالها تشبيها لها بالغلة الحاصلة من البذور، حرث الدنيا : لذاتها وطيباتها.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه فيما سبق أنه أنزل عليهم الكتاب المشتمل على الدلائل الموصلة إلى السعادة، وأن المتفرقين في الدين استوجبوا شديد العذاب، لكنه أخره إلى يوم معلوم – أرشد هنا إلى أن ذلك من لطف الله بعباده، ولو شاء لجعلهم في عماية من أمرهم، وتركهم في ضلالهم يعمهون، ولو شاء لعجل لهم العذاب. ثم بين أن من يعمل للآخرة يرجو ثوابها يضاعف له فيها الجزاء إلى سبعمائة ضعف، ومن يعمل للدنيا وجلب لذاتها يؤته ما يريد، وليس له في الآخرة نصيب من نعيمها، ثم أعقب هذا بذكر ما وسوست به الشياطين للمشركين، وزينت لهم به من الشرك بالله وإنكار البعث إلى نحو ذلك، ثم بين أنهم كانوا يستحقون العذاب العاجل على ذلك، لكنه أجله لما سبق في علمه من إنظارهم إلى يوم معلوم، ثم ذكر مآل كل من الكافرين والمؤمنين يوم القيامة، فالأولون خائفون وجلون من جزاء ما عملوا، والآخرون مترفون منعمون.
﴿ من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ﴾أي من كان يريد بأعماله وكسبه ثواب الآخرة نوفقه لصالح الأعمال ونجزه بالحسنة عشر أمثالها إلى ما شاء الله.
﴿ ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب ﴾أي ومن كان سعيه موجها إلى شؤون الدنيا، وطلب طيباتها واكتساب لذاتها، وليس له هم في أعمال الآخرة – نؤته منها ما قسمناه له، وليس له في ثواب الآخرة حظ، فالأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، قال قتادة : إن الله يعطي على نية الآخرة ما شاء من أمر الدنيا، ولا يعطي على نية الدنيا إلا الدنيا.
ونحو الآية قوله :﴿ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا( ١٨ )ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ﴾( الإسراء : ١٨-١٩ ).
وقال ابن عباس : من يؤثر دنياه على آخرته لم يجعل الله له نصيبا في الآخرة إلا النار، ولم يزد بذلك من الدنيا شيئا إلا رزقا فرغ منه وقسم له.
وأخرج أحمد والحاكم وصححه وابن مردويه وابن حبان عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض ما لم يطلبوا الدنيا بعمل الآخرة، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب ).
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم :﴿ من كان يريد حرث الآخرة ﴾ الآية ثم قال :( يقول الله : ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك ). وعن علي كرم الله وجهه قال : الحرث حرثان : فحرث الدنيا المال والبنون، وحرث الآخرة الباقيات الصالحات.
تفسير المفردات : شركاء : أي في الكفر وهم الشياطين، شرعوا لهم : أي زينوا لهم، ما لم يأذن به الله : أي كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا فحسب، كلمة الفصل : هي القضاء والحكم السابق منه بالنظرة إلى يوم القيامة.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه فيما سبق أنه أنزل عليهم الكتاب المشتمل على الدلائل الموصلة إلى السعادة، وأن المتفرقين في الدين استوجبوا شديد العذاب، لكنه أخره إلى يوم معلوم – أرشد هنا إلى أن ذلك من لطف الله بعباده، ولو شاء لجعلهم في عماية من أمرهم، وتركهم في ضلالهم يعمهون، ولو شاء لعجل لهم العذاب. ثم بين أن من يعمل للآخرة يرجو ثوابها يضاعف له فيها الجزاء إلى سبعمائة ضعف، ومن يعمل للدنيا وجلب لذاتها يؤته ما يريد، وليس له في الآخرة نصيب من نعيمها، ثم أعقب هذا بذكر ما وسوست به الشياطين للمشركين، وزينت لهم به من الشرك بالله وإنكار البعث إلى نحو ذلك، ثم بين أنهم كانوا يستحقون العذاب العاجل على ذلك، لكنه أجله لما سبق في علمه من إنظارهم إلى يوم معلوم، ثم ذكر مآل كل من الكافرين والمؤمنين يوم القيامة، فالأولون خائفون وجلون من جزاء ما عملوا، والآخرون مترفون منعمون.
ولما بين القسطاس الأقوم في أعمال الآخرة وأعمال الدنيا أردفه التنبيه إلى ما هو الأصل في باب الضلالة والشقاوة فقال :
﴿ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ﴾أي هم ما اتبعوا ما شرع الله من الدين القويم، بل اتبعوا ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس، فحرموا عليهم ما حرموا من البحيرة والسائبة والوصيلة، وحللوا لهم أكل الميتة والدم والقمار إلى نحو أولئك من الضلالات والجهالات التي كانوا قد اخترعوها في الجاهلية.
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( رأيت عمرو بن لحي بن قمعة يجر قصبه – أمعاءه – في النار )لأنه أول من سيّب السوائب وحمل قريشا على عبادة الأصنام، وكان أحد ملوك خزاعة.
وقصارى ذلك : إن الشيطان زين لهم الشرك والمعاصي والشرائع المضلة وإنكار البعث والعمل للدنيا.
ثم بين أنه رحمة بعباده أخر عذاب المشركين ليوم معلوم ولم يعجله لهم فقال :
﴿ ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم ﴾أي ولولا القضاء السابق منه تعالى بتأخير العذاب إلى يوم القيامة لعوجلوا بالعذاب كما قال سبحانه :﴿ بل الساعة موعدهم ﴾( القمر : ٤٦ ).
﴿ وإن الظالمين لهم عذاب أليم ﴾أي وإن الظالمين أنفسهم بشرع ما لم يأذن به الله مما ابتدعوه من التحليل والتحريم- لهم عذاب شديد الإيلام في جهنم وبئس المصير.
تفسير المفردات : الروضة : مستنقع الماء والخضرة، وروضات الجنات : أطيب بقاعها وأنزهها.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه فيما سبق أنه أنزل عليهم الكتاب المشتمل على الدلائل الموصلة إلى السعادة، وأن المتفرقين في الدين استوجبوا شديد العذاب، لكنه أخره إلى يوم معلوم – أرشد هنا إلى أن ذلك من لطف الله بعباده، ولو شاء لجعلهم في عماية من أمرهم، وتركهم في ضلالهم يعمهون، ولو شاء لعجل لهم العذاب. ثم بين أن من يعمل للآخرة يرجو ثوابها يضاعف له فيها الجزاء إلى سبعمائة ضعف، ومن يعمل للدنيا وجلب لذاتها يؤته ما يريد، وليس له في الآخرة نصيب من نعيمها، ثم أعقب هذا بذكر ما وسوست به الشياطين للمشركين، وزينت لهم به من الشرك بالله وإنكار البعث إلى نحو ذلك، ثم بين أنهم كانوا يستحقون العذاب العاجل على ذلك، لكنه أجله لما سبق في علمه من إنظارهم إلى يوم معلوم، ثم ذكر مآل كل من الكافرين والمؤمنين يوم القيامة، فالأولون خائفون وجلون من جزاء ما عملوا، والآخرون مترفون منعمون.
ثم ذكر أحوال أهل العقاب وأهل الثواب يوم القيامة مبتدئا بالأولين فقال :
﴿ ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم ﴾أي ترى الظالمين خائفين أشد الخوف مما كسبوا من السيئات وهو واقع بهم لا محالة أشفقوا أو لم يشفقوا.
وذكر الآخرين بقوله :
﴿ والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات ﴾أي والذين آمنوا بالله وأطاعوه فيما أمر به ونهى عنه – لهم في الآخرة روضات الجنات متمتعين بمحاسنها ولذاتها.
ثم بين ما يكون من النعيم في تلك الروضات فقال :
﴿ لهم ما يشاؤون عند ربهم ﴾أي لهم ما يشاؤون من فنون اللذات من مآكل ومشارب ومناظر مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وبعدئذ بين خطر ذلك الفوز الذي ينالونه تفضلا من ربهم ورحمة فقال :
﴿ ذلك هو الفضل الكبير ﴾أي ذلك الذي أعطاهم ربهم من هذا النعيم وتلك الكرامة – هو الفضل الذي من به عليهم، وهو الذي يفوق كل كرامة في الدنيا من بعض أهلها على بعض.
﴿ ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور( ٢٣ )أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشإ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور( ٢٤ ) وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون( ٢٥ ) ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد ﴾( الشورى : ٢٣-٢٦ ).
تفسير المفردات : البشارة : الإخبار بحصول ما يسر في المستقبل، والقربى : التقرب، يقترف : أي يكتسب.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في الآيات السالفة أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يتمتعون بالنعيم في روضات الجنات، وأنه يعطيهم من فضله ما فيه قرة أعينهم رحمة من لدنه – ذكر هنا أن ذلك كائن لهم لا محالة ببشارة منه لهم، ثم أعقب هذا بأن أمر رسوله أن يقول لهم : إنه لا يسألهم على هذا البلاغ والنصح أجرا، وإنما يطلب منهم التقرب إلى الله وحسن طاعته، ثم رد عليهم قولهم : إن القرآن مفترى بأنه لا يفتري الكذب على الله إلا من كان مختوما على قلبه، ومن سنن الله إبطال الباطل ونصرة الحق، فلو كان محمد كذابا مفتريا لفضحه وكشف باطله، ولكن أيده بالنصر والقوة، ثم ندبهم إلى التوبة مما نسبوه إلى رسوله من افترائه للقرآن، ثم وعد المؤمنين بأنه يجيب دعاءهم إذا هم دعوه، ويزيدهم من نعمه، وأوعد الكافرين بشديد العقاب كفاء ما اجترحوا من الشرور والآثام.
الإيضاح :﴿ ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾أي هذا الذي أخبرتكم بأني أعددته في الآخرة من النعيم والكرامة لمن آمن بالله ورسوله وعمل صالح الأعمال – البشرى التي أبشركم بها في الدنيا، ليتبين لكم أنها حق وأنها كائنة لا محالة.
والخلاصة : إن هؤلاء الجامعين بين الإيمان و العمل بما أمر الله به وترك ما نهى عنه – هم المبشرون بتلك البشارة.
وبعد أن ذكر سبحانه ما أخبر به نبيه صلى الله عليه وسلم من هذه الأحكام التي اشتمل عليها كتابة – أمره أن يخبرهم بأنه لا يطلب منهم بسبب هذا التبليغ أجرا فقال :
﴿ قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ﴾أي قل لهم : لا أسألكم على تبليغ ما أبلغكم به من هذا الدين القويم نفعا منكم في دنياي، لكن أسألكم أن تودوا الله ورسوله في تقربكم إليه بالطاعة والعمل الصالح، قاله الحسن البصري، ويدخل في ذلك مودة النبي صلى الله عليه وسلم ومودة قرابته ومودة ذوي القربى من المسلمين، فإن من تقرب إلى الله أحب رسوله وأكرم قرابة الرسول وأكرم قرابته هو من المسلمين.
وقال ابن عباس : إلا أن تودوني في نفسي لقرابتي منكم، وتحفظوا القرابة التي بيني وبينكم. وعن الشعبي قال : أكثر الناس علينا في هذه الآية :﴿ قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ﴾فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عن ذلك فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان واسط النسب في قريش، ليس بطن من بطونهم إلا وله فيه قرابة فقال الله :﴿ قل لا أسألكم ﴾الآية، أي أن تودوني لقرابتي منكم وتحفظوني بها.
وروي عن ابن عباس قال : قالت الأنصار فعلنا وفعلنا وكأنهم فخروا، فقال العباس لنا الفضل عليكم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم في مجالسهم فقال :( يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله ؟ )قالوا : بلى يا رسول الله، قال :( أفلا تجيبون ؟ )قالوا : ما نقول يا رسول الله ؟ قال :( ألا تقولون : ألم يخرجك قومك فآويناك ؟ ألم يكذبوك فصدقناك ؟ ألم يخذلوك فنصرناك ؟ )فما زال يقول حتى جثوا على الركب، وقالوا : أموالنا وما في أيدينا لله ورسوله فنزلت هذه الآية )، وعلى هذه الرواية فالآية مدنية، والأصح أنها مكية.
﴿ ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ﴾أي ومن يعمل عملا فيه طاعة لله ورسوله نزد له فيه أجرا وثوابا، فنجعل له مكان الحسنة عشرة أضعافها إلى سبعمائة ضعف إلى ما فوق ذلك فضلا منا ورحمة.
ونحو الآية قوله :﴿ إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ﴾( النساء : ٤٠ ).
﴿ إن الله غفور شكور ﴾أي إنه تعالى يغفر الكثير من السيئات، ويكثر القليل من الحسنات، فيستر ويغفر ويضاعف فيشكر، قال قتادة : غفور للذنوب، شكور للحسنات.
تفسير المفردات : يختم على قلبك : أي يجعل قلبك من المختوم عليهم حتى تجترئ على الافتراء، يمحو : أي يزيل، يحق : أي يثبت، وكلماته : هي حججه وأدلته.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في الآيات السالفة أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يتمتعون بالنعيم في روضات الجنات، وأنه يعطيهم من فضله ما فيه قرة أعينهم رحمة من لدنه – ذكر هنا أن ذلك كائن لهم لا محالة ببشارة منه لهم، ثم أعقب هذا بأن أمر رسوله أن يقول لهم : إنه لا يسألهم على هذا البلاغ والنصح أجرا، وإنما يطلب منهم التقرب إلى الله وحسن طاعته، ثم رد عليهم قولهم : إن القرآن مفترى بأنه لا يفتري الكذب على الله إلا من كان مختوما على قلبه، ومن سنن الله إبطال الباطل ونصرة الحق، فلو كان محمد كذابا مفتريا لفضحه وكشف باطله، ولكن أيده بالنصر والقوة، ثم ندبهم إلى التوبة مما نسبوه إلى رسوله من افترائه للقرآن، ثم وعد المؤمنين بأنه يجيب دعاءهم إذا هم دعوه، ويزيدهم من نعمه، وأوعد الكافرين بشديد العقاب كفاء ما اجترحوا من الشرور والآثام.
الإيضاح : ثم أنكر عليهم نسبة افتراء القرآن إلى الرسول ووبخهم على مقالهم فقال :
﴿ أم يقولون افترى على الله كذبا ﴾أي أيقع في قلوبهم ويجري على ألسنتهم أن ينسبوا مثله إلى الافتراء على الله وهو أقبح أنواع الفرية وأفحشها ؟
وهذا المقال منهم أفظع من الشرك الذي جعلوه شرعا لهم، فإنهم قد جعلوا الحق الأبلج الذي يعاضده الدليل ويؤيده البرهان – افتراء على الله واختلاقا للكذب عليه – وفي ذلك أتم دلالة على بعده صلى الله عليه وسلم من الافتراء.
وخلاصة ذلك : إنهم قالوا إن هذا الذي يتلوه علينا من القرآن ما هو إلا اختلاق من قبل نفسه وليس بوحي من عند ربه كما يدعي.
ثم زاد في استبعاد الافتراء من مثله عليه السلام والإنكار له على أتم وجه فقال :
﴿ فإن يشأ الله يختم على قلبك ﴾أي فإن يشأ الله خذلانك يختم على قلبك لتجترئ بالافتراء عليه، فإنه لا يفعل مثل هذا إلا من كان في مثل حالهم قد ختم الله على قلبه وأعمى بصيرته.
والخلاصة : إنه إن يشأ يجعلك منهم، لأنهم هم المفترون الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله.
وما أجمل هذا التعريض بأنهم مفترون، وأنهم في نسبة الافتراء إليه مفترون أيضا، وشبيه بالآية قول أمين نسب إلى الخيانة : لعل الله خذلني، لعل الله أعمى بصيرتي – لا يريد بمقاله إثبات الخذلان وعمي القلب، بل يريد استبعاد الخيانة من مثله، وأن من نسبه إلى ذلك فقد ركب شططا، وأتى أمرا إدّا، وقال قولا نكرا.
ثم أكد استبعاد الافتراء منه وزاده إيضاحا فقال :
﴿ ويمحو الله الباطل ويحق الحق بكلماته ﴾أي كيف يكون منه الافتراء على الله، وقد جرت سنته تعالى أن يمحو الباطل ويمحقه ويثبت الحق وينشره بين الناس، وها هو ذا يزداد ما أوتيه محمد كل يوم قوة وانتشارا، فلو كان مفتريا كما تدّعون لكشف افتراءه ومحقه، وقذف بالحق على باطله فدمغه.
وقد يكون المعنى : إن هذه عدة من الله لرسوله بالنصر ويكون المراد- يمحو الله باطلهم وما بهتوك به، ويثبت الحق الذي أنت عليه بقضائه الذي لا مرد له، فيكون هذا كلاما معترضا بين ما قبله وما بعده مؤكدا لما سبق من الكلام من كونهم مبطلين في نسبة الافتراء إلى من هو أصدق الناس حديثا.
﴿ إنه عليم بذات الصدور ﴾فيعلم ما تكنه الضمائر، وتنطوي عليه السرائر، وتجري الأمور بحسب علمه الواسع المحيط بكل شيء.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في الآيات السالفة أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يتمتعون بالنعيم في روضات الجنات، وأنه يعطيهم من فضله ما فيه قرة أعينهم رحمة من لدنه – ذكر هنا أن ذلك كائن لهم لا محالة ببشارة منه لهم، ثم أعقب هذا بأن أمر رسوله أن يقول لهم : إنه لا يسألهم على هذا البلاغ والنصح أجرا، وإنما يطلب منهم التقرب إلى الله وحسن طاعته، ثم رد عليهم قولهم : إن القرآن مفترى بأنه لا يفتري الكذب على الله إلا من كان مختوما على قلبه، ومن سنن الله إبطال الباطل ونصرة الحق، فلو كان محمد كذابا مفتريا لفضحه وكشف باطله، ولكن أيده بالنصر والقوة، ثم ندبهم إلى التوبة مما نسبوه إلى رسوله من افترائه للقرآن، ثم وعد المؤمنين بأنه يجيب دعاءهم إذا هم دعوه، ويزيدهم من نعمه، وأوعد الكافرين بشديد العقاب كفاء ما اجترحوا من الشرور والآثام.
ثم امتن على عباده بقبول توبتهم إذا هم تابوا ورجعوا إليه فقال :
﴿ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ﴾بالتجاوز عما فرط منهم من الذنوب، واقترفوا من السيئات.
والتوبة الندم على المعصية، والإقلاع عنها، والعزم على عدم العودة إليها، وهذه شروط ثلاثة فيما بين العبد وربه، فإذا كملت صحت التوبة، وإن فقد واحد منها لم تكن توبة صحيحة، أما فيما يتعلق بحقوق العباد فيزاد على ذلك أن يبرأ من حق صاحبها.
ومن علامات التوبة النصوح : صدق العزيمة على ترك الذنب، وألا يجد له حلاوة في قلبه عند ذكره.
وقد ورد في الحض على التوبة كثير من الأحاديث في الصحيحين وغيرهما، فمن ذلك :
( ١ )ما رواه أبو هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم :( لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته في المكان الذي يخاف أن يقتله فيه العطش ).
( ٢ )ما رواه جابر أن أعرابيا دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك وكبر، فلما فرغ من صلاته قال له علي كرم الله وجهه : إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين، وتوبتك تحتاج إلى التوبة، يا أمير المؤمنين ما التوبة ؟ قال : التوبة اسم يقع على ستة معان : على الماضي من الذنوب الندامة، ولتضييع الفرائض الإعادة، ورد المظالم، وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية، وإذابتها في الطاعة كما ربيتها في المعصية، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته.
﴿ ويعفو عن السيئات ﴾أي يقبل التوبة في المستقبل ويعفو عن السيئات في الماضي.
﴿ ويعلم ما تفعلون ﴾أي ويعلم الذي تفعلونه كائنا ما كان خيرا أو شرا، فيجازي بالثواب والعقاب، أو يتجاوز بالعفو بحسب ما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح.
وفي هذا حث على لزوم الحذر منه تعالى والإخلاص له وإمحاض التوبة.
تفسير المفردات : يستجيب الذين آمنوا : أي يجيب دعاءهم.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في الآيات السالفة أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يتمتعون بالنعيم في روضات الجنات، وأنه يعطيهم من فضله ما فيه قرة أعينهم رحمة من لدنه – ذكر هنا أن ذلك كائن لهم لا محالة ببشارة منه لهم، ثم أعقب هذا بأن أمر رسوله أن يقول لهم : إنه لا يسألهم على هذا البلاغ والنصح أجرا، وإنما يطلب منهم التقرب إلى الله وحسن طاعته، ثم رد عليهم قولهم : إن القرآن مفترى بأنه لا يفتري الكذب على الله إلا من كان مختوما على قلبه، ومن سنن الله إبطال الباطل ونصرة الحق، فلو كان محمد كذابا مفتريا لفضحه وكشف باطله، ولكن أيده بالنصر والقوة، ثم ندبهم إلى التوبة مما نسبوه إلى رسوله من افترائه للقرآن، ثم وعد المؤمنين بأنه يجيب دعاءهم إذا هم دعوه، ويزيدهم من نعمه، وأوعد الكافرين بشديد العقاب كفاء ما اجترحوا من الشرور والآثام.
الإيضاح :﴿ ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله ﴾أي ويجيب الذين آمنوا إذا دعوه، ويزيدهم من فضله على ما طلبوه بالدعاء.
وبعد أن ذكر ما أعده للمؤمنين من الثواب أردف ذلك ما أعده للكافرين من العذاب فقال :
﴿ والكافرون لهم عذاب شديد ﴾أي والكافرون يوم القيامة لهم عذاب مؤلم موجع، فالمؤمنون قد تقبل دعاءهم وزادهم من فضله، وهؤلاء لا يستجيب لهم دعاء :﴿ وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ﴾( الرعد : ١٤ ).
﴿ ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير( ٢٧ )وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد( ٢٨ )ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير( ٢٩ )وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير( ٣٠ )وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ( ٣١ )ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام( ٣٢ )إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور( ٣٣ )أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير( ٣٤ )ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص ﴾( الشورى : ٢٧-٣٥ ).
تفسير المفردات : البسط : السعة، والبغي : الظلم ومجاوزة الحد، بقدر : أي بتقدير ؛ يقال : قدره قدرا وقدرا إذا قدره.
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه فيما سلف أنه يجيب دعاء المؤمنين إذا هم أنابوا إليه وأخبتوا ذكر هنا أنه لا يعطيهم كل ما يطلبون من الأرزاق، بل ينزلها بقدر بحسب ما يعلم من مصلحتهم، فإن كثرة الرزق تجعل الناس يتجبرون ويتكبرون، والله هو الخبير بما يصلح حالهم من فقر وغنى.
قال خباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية، نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها.
ثم أعقب هذا بأنهم إذا احتاجوا إلى الرزق لا يمنعه منهم وهو المتولي أمورهم بإحسانه، المحمود على ما يوصل للخلق من صنوف الرحمة، ثم أقام الأدلة على ألوهيته بخلقه للسماوات والأرض وما فيهما من الحيوان، ثم جمعهم للحساب يوم القيامة، ثم ذكر أن ما يصيب الإنسان من نكبات الدنيا من الأمراض والأسقام والفقر والغنى فبكسب الإنسان واختياره كما دلت على صدق ذلك التجارب، ثم أعقب ذلك بآية أخرى على ألوهيته وهو جريان السفن في البحار، فتارة يجعل الريح ساكنة فتظل السفن على سطحها، وأخرى تعصف الرياح فتفرقها أو تنجو بحسب تقديره تعالى.
الإيضاح :﴿ ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير ﴾أي ولو أعطى عباده من الرزق فوق حاجتهم لحملهم ذلك على البغي والطغيان وطلب ما ليس لهم طلبه، لأن الغنى مبطرة مأشرة، وكفى بحال قارون وفرعون عبرة لمن اعتبر، ولكن يرزقهم ما فيه صلاحهم وهو أعلم بحالهم، فيغني من يستحق الغنى ويفقر من يستحق الفقر بحسب ما يعلم من المصلحة في ذلك كما ورد في الأثر :( إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه ).
والخلاصة : إنه تعالى خبير بما يصلح عباده من توسيع الرزق وتضييقه، فيقدر لكل منهم ما يصلحه، فيبسط ويقبض، ويعطي ويمنع، ولو أغناهم جميعا لبغوا، ولو أفقرهم جميعا لهلكوا.
فنظام العالم لا يستقر إلا على هذا الوضع القائم الجامع بين الأمرين، فخوف الأغنياء يزعهم عن الظلم، وخوف الفقراء من الأغنياء يدعوهم إلى التعاون معهم، ليفوزوا بمبتغاهم ويزعهم عن البغي.
عن أبي هانئ الخولاني قال : سمعت عمرو بن خريت وغيره يقولون :( إنما نزلت هذه الآية في أهل الصّفة، فإنهم قالوا لو أن لنا فتمنوا الدنيا ). رواه السيوطي بسند صحيح.
قال قتادة : كان يقال : خير الرزق ما لا يطغيك ولا يلهيك.
تفسير المفردات : والغيث : المطر، وقنط : يئس، ورحمته : هي منافع الغيث وآثاره التي تعم الحيوان والنبات والسهل والجبل، والولي : هو الذي يتولى عباده بالإحسان، الحميد : أي المستحق للحمد على نعمه.
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه فيما سلف أنه يجيب دعاء المؤمنين إذا هم أنابوا إليه وأخبتوا ذكر هنا أنه لا يعطيهم كل ما يطلبون من الأرزاق، بل ينزلها بقدر بحسب ما يعلم من مصلحتهم، فإن كثرة الرزق تجعل الناس يتجبرون ويتكبرون، والله هو الخبير بما يصلح حالهم من فقر وغنى.
قال خباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية، نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها.
ثم أعقب هذا بأنهم إذا احتاجوا إلى الرزق لا يمنعه منهم وهو المتولي أمورهم بإحسانه، المحمود على ما يوصل للخلق من صنوف الرحمة، ثم أقام الأدلة على ألوهيته بخلقه للسماوات والأرض وما فيهما من الحيوان، ثم جمعهم للحساب يوم القيامة، ثم ذكر أن ما يصيب الإنسان من نكبات الدنيا من الأمراض والأسقام والفقر والغنى فبكسب الإنسان واختياره كما دلت على صدق ذلك التجارب، ثم أعقب ذلك بآية أخرى على ألوهيته وهو جريان السفن في البحار، فتارة يجعل الريح ساكنة فتظل السفن على سطحها، وأخرى تعصف الرياح فتفرقها أو تنجو بحسب تقديره تعالى.
الإيضاح : وبعد أن بين أنه لا يعطي عباده ما زاد على حاجتهم، لأنه يعلم أن الزيادة تضرهم في دينهم – ذكر أنهم لو احتاجوا إلى الغيث فهو لا يمنعه عنهم فقال :
﴿ وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ﴾أي وهو الذي ينزل المطر من السماء فيغيثهم به من بعد يأسهم من نزوله حين حاجتهم إليه، وينشر بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب، وهو الذي يتولى عباده بإحسانه ويحمد على ما يوصله إليهم من رحمته.
قال قتادة : ذكر لنا أن رجلا قال لعمرو بن الخطاب رضي الله عنه : قحط المطر وقنط الناس يا أمير المؤمنين، فقال عمر : مطرتم ثم قرأ الآية.
تفسير المفردات : بث : نشر وفرق، والدابة : كل ما له دبيب وحركة، على جمعهم : أي حين الحشر والحساب.
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه فيما سلف أنه يجيب دعاء المؤمنين إذا هم أنابوا إليه وأخبتوا ذكر هنا أنه لا يعطيهم كل ما يطلبون من الأرزاق، بل ينزلها بقدر بحسب ما يعلم من مصلحتهم، فإن كثرة الرزق تجعل الناس يتجبرون ويتكبرون، والله هو الخبير بما يصلح حالهم من فقر وغنى.
قال خباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية، نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها.
ثم أعقب هذا بأنهم إذا احتاجوا إلى الرزق لا يمنعه منهم وهو المتولي أمورهم بإحسانه، المحمود على ما يوصل للخلق من صنوف الرحمة، ثم أقام الأدلة على ألوهيته بخلقه للسماوات والأرض وما فيهما من الحيوان، ثم جمعهم للحساب يوم القيامة، ثم ذكر أن ما يصيب الإنسان من نكبات الدنيا من الأمراض والأسقام والفقر والغنى فبكسب الإنسان واختياره كما دلت على صدق ذلك التجارب، ثم أعقب ذلك بآية أخرى على ألوهيته وهو جريان السفن في البحار، فتارة يجعل الريح ساكنة فتظل السفن على سطحها، وأخرى تعصف الرياح فتفرقها أو تنجو بحسب تقديره تعالى.
ثم أقال الأدلة على ألوهيته فقال :
﴿ ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة ﴾أي ومن دلائل عظمته وقدرته وسلطانه القاهر – خلق السماوات والأرض وما نشر فيهما من دابة تدب وتتحرك، وهذا يشمل الملائكة والإنس والجن وسائر الحيوان على اختلاف أشكالهم وألوانهم.
﴿ وهو على جمعهم إذا يشاء قدير ﴾أي وهو يجمعهم يوم القيامة، فيجمع الأولين والآخرين وسائر الخلائق في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، ثم يحكم بينهم بحكمه العدل وهو اللطيف الخبير.
وقصارى ذلك : إنه قدير على جمع ما بث فيهما من دابة إذا شاء جمعه، كما لم يتعذر عليه خلقه وتفريقه.
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه فيما سلف أنه يجيب دعاء المؤمنين إذا هم أنابوا إليه وأخبتوا ذكر هنا أنه لا يعطيهم كل ما يطلبون من الأرزاق، بل ينزلها بقدر بحسب ما يعلم من مصلحتهم، فإن كثرة الرزق تجعل الناس يتجبرون ويتكبرون، والله هو الخبير بما يصلح حالهم من فقر وغنى.
قال خباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية، نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها.
ثم أعقب هذا بأنهم إذا احتاجوا إلى الرزق لا يمنعه منهم وهو المتولي أمورهم بإحسانه، المحمود على ما يوصل للخلق من صنوف الرحمة، ثم أقام الأدلة على ألوهيته بخلقه للسماوات والأرض وما فيهما من الحيوان، ثم جمعهم للحساب يوم القيامة، ثم ذكر أن ما يصيب الإنسان من نكبات الدنيا من الأمراض والأسقام والفقر والغنى فبكسب الإنسان واختياره كما دلت على صدق ذلك التجارب، ثم أعقب ذلك بآية أخرى على ألوهيته وهو جريان السفن في البحار، فتارة يجعل الريح ساكنة فتظل السفن على سطحها، وأخرى تعصف الرياح فتفرقها أو تنجو بحسب تقديره تعالى.
الإيضاح : ثم ذكر دستورا للناس في أعمالهم إذا تأملوه أقلعوا عما يرتكبونه من الآثام فقال :
﴿ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ﴾أي وما يحل بكم أيها الناس من المصايب في الدنيا، فإنما تصابون به عقوبة لكم على ما اجترحتم من الآثام، واقترفتم من الشرور والمعاصي، ويعفو لكم عن كثير من جرائمكم فلا يعاقبكم بها.
فالله سبحانه جعل الذنوب أسبابا لها نتائجها ومسبباتها : فشارب الخمر يصاب بكثير من الأمراض الجسيمة والعقلية في الدنيا وهي أثر من آثار ما اجترح من الذنب. والتاجر غير الأمين أو الكذاب تصاب تجارته بالكساد ويشهر بين الناس بالخيانة فيحجمون عن معاملته. والحكام المرتشون الظلمة الذين يجمعون أموالهم بالسحت يصابون بالفقر والعدم ويصبحون مثلا بين الناس، وإن لم يصبهم الفقر يصب أولادهم فيصبحوا بحال يرثى لها ويصيروا أحاديث الخاصة والعامة. والأمم الظالمة التي لا تناصر بين أفرادها، بل بينها التقاطع، ويبتز بعض أفرادها أموال بعض آخر، تصاب بالمهانة بعد العظمة والذلة بعد العزة، وما الأمثال في ذلك بعزيزة، فها هي ذي الأمم الشرقية إنما أصابها ما أصابها من الضعف والخمول والاضمحلال ثم الزوال من صفحة الوجود بما اجترحت من ظلم وإفساد في الأرض، وأكل بعضها أموال بعض واحتجان عظمائها الأموال في خزائنهم، وابتزازها من أيدي الضعفاء ؛ وقد اقتص الله لهم منهم، فأضاع ملكهم، وأذهب ريحهم، وجعلهم لقمة سائغة للمستعمرين الذين تحكموا فيهم وجعلوهم كالعبيد، يتصرفون فيهم بحسب أهوائهم، وما تمليه عليهم مصالحهم، وما يدر عليهم الخير لبلادهم وشعوبهم.
وفي ذا عبرة لمن ادّكر، وقد تقدم أن قلنا في غير موضع إن عقاب الأفراد في الدنيا ليس بالمطرد، إذ كثيرا ما نرى سكيرا عربيدا لا يصاب بأذى مما يفعل، ونرى تاجرا يخون الأمانة ولا يصاب بكساد في تجارته، وحينئذ يكون عقاب كل منهما مؤجلا ليوم الحساب إن شاء ربك عاقب، وإن شاء عفا بعد التوبة عما فرط منهما من الذنوب والآثام.
أما عقاب الأمم على ما تجترح من السيئات فهو محقق في الدنيا، ولدينا عظة التاريخ في القديم والحديث، فما من أمة تركت أوامر دينها وخالفت نواميس العمران، إلا زالت وصارت كأسس الدابر، وأصبحت عبرة للباقين، ومثلا للآخرين، فالرومان والفرس والعرب في الشرق وفي الأندلس والترك – مثل ماثلة أمامنا تجلي لنا تلك القضية﴿ فبما كسبت أيديكم ﴾.
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ﴾( فاطر : ٤٥ )وفي الحديث الصحيح :( والذي نفسي بيده ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن إلا كفر الله عنه بها من خطاياه حتى الشوكة يشاكها ).
ولما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( والذي نفس محمد بيده ما من خدش عود ولا اختلاج عرق ولا عثرة قدم إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر ).
وروى الترميذي وجماعة عن علي كرم الله وجهه قال : ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم﴿ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ﴾قال :( وسأفسرها لك يا علي : ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم، والله أكرم من أن يثني عليكم العقوبة في الآخرة، وما عفا الله تعالى عنه في الدنيا فالله أكرم من أن يعود بعد عفوه ) والآثار في هذا الباب كثيرة.
والخلاصة : إنه يكفر عن العبد بما يصيبه من المصايب، ويعفو عن كثير من الذنوب ؛ وقد ثبت بالأدلة الصحيحة أن جميع ما يصاب به الإنسان في الدنيا يؤجر عليه أو يكفر عنه من ذنوبه.
تفسير المفردات : بمعجزين : أي بجاعلين الله تعالى عاجزا بالهرب منه.
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه فيما سلف أنه يجيب دعاء المؤمنين إذا هم أنابوا إليه وأخبتوا ذكر هنا أنه لا يعطيهم كل ما يطلبون من الأرزاق، بل ينزلها بقدر بحسب ما يعلم من مصلحتهم، فإن كثرة الرزق تجعل الناس يتجبرون ويتكبرون، والله هو الخبير بما يصلح حالهم من فقر وغنى.
قال خباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية، نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها.
ثم أعقب هذا بأنهم إذا احتاجوا إلى الرزق لا يمنعه منهم وهو المتولي أمورهم بإحسانه، المحمود على ما يوصل للخلق من صنوف الرحمة، ثم أقام الأدلة على ألوهيته بخلقه للسماوات والأرض وما فيهما من الحيوان، ثم جمعهم للحساب يوم القيامة، ثم ذكر أن ما يصيب الإنسان من نكبات الدنيا من الأمراض والأسقام والفقر والغنى فبكسب الإنسان واختياره كما دلت على صدق ذلك التجارب، ثم أعقب ذلك بآية أخرى على ألوهيته وهو جريان السفن في البحار، فتارة يجعل الريح ساكنة فتظل السفن على سطحها، وأخرى تعصف الرياح فتفرقها أو تنجو بحسب تقديره تعالى.
الإيضاح :﴿ وما أنتم بمعجزين في الأرض ﴾أي وإنكم لا تعجزون الله حيثما كنتم، فلا تسبقونه بهربكم منه في الأرض حتى لا تنالكم المصايب، بل هي لاحقة بكم أينما تكونوا.
والخلاصة : إن ما قضاه الله عليكم واقع بكم لا محالة ولا مفر منه.
وبعد أن نفى المهرب مما قدر نفي النصير والمعين الذي يمنع حلول المقدور فقال :
﴿ وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ﴾أي وما لكم من دون الله ولي يليكم بالدفاع عنكم إذا أراد عقوبتكم على معصيتكم، ولا لكم نصير ينصركم إذا هو عاقبكم، فينتصر لكم، فاحذروا معاصيه واتقوا مخالفة أوامره، فإنه لا دافع لعقوبته إذا أحلها بعبد من عباده.
تفسير المفردات : والجواري : أي السفن الجارية، والأعلام : واحدها علم : وهو الجبل، قالت الخنساء في رثاء أخيها صخر.
وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه فيما سلف أنه يجيب دعاء المؤمنين إذا هم أنابوا إليه وأخبتوا ذكر هنا أنه لا يعطيهم كل ما يطلبون من الأرزاق، بل ينزلها بقدر بحسب ما يعلم من مصلحتهم، فإن كثرة الرزق تجعل الناس يتجبرون ويتكبرون، والله هو الخبير بما يصلح حالهم من فقر وغنى.
قال خباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية، نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها.
ثم أعقب هذا بأنهم إذا احتاجوا إلى الرزق لا يمنعه منهم وهو المتولي أمورهم بإحسانه، المحمود على ما يوصل للخلق من صنوف الرحمة، ثم أقام الأدلة على ألوهيته بخلقه للسماوات والأرض وما فيهما من الحيوان، ثم جمعهم للحساب يوم القيامة، ثم ذكر أن ما يصيب الإنسان من نكبات الدنيا من الأمراض والأسقام والفقر والغنى فبكسب الإنسان واختياره كما دلت على صدق ذلك التجارب، ثم أعقب ذلك بآية أخرى على ألوهيته وهو جريان السفن في البحار، فتارة يجعل الريح ساكنة فتظل السفن على سطحها، وأخرى تعصف الرياح فتفرقها أو تنجو بحسب تقديره تعالى.
الإيضاح : ثم ذكر سبحانه آية أخرى من آيات عظمته الدالة على توحيده وصدق ما وعد به فقال :
﴿ ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام ﴾أي ومن دلائل قدرته، وباهر حكمته، وعظيم سلطانه – تسخيره البحر لتجري فيه الفلك بأمره كالجبال الشاهقة، والمدن العالية.
تفسير المفردات : يسكن الريح : أي يجعلها ساكنة لا تموج، رواكد : أي ثوابت، والصبار : كثير الصبر وهو حبس النفس حين الشدائد عن الجزع وعن التوجه إلى من لا ينبغي التوجه إليه، وشكور : أي كثير الشكر للنعم.
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه فيما سلف أنه يجيب دعاء المؤمنين إذا هم أنابوا إليه وأخبتوا ذكر هنا أنه لا يعطيهم كل ما يطلبون من الأرزاق، بل ينزلها بقدر بحسب ما يعلم من مصلحتهم، فإن كثرة الرزق تجعل الناس يتجبرون ويتكبرون، والله هو الخبير بما يصلح حالهم من فقر وغنى.
قال خباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية، نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها.
ثم أعقب هذا بأنهم إذا احتاجوا إلى الرزق لا يمنعه منهم وهو المتولي أمورهم بإحسانه، المحمود على ما يوصل للخلق من صنوف الرحمة، ثم أقام الأدلة على ألوهيته بخلقه للسماوات والأرض وما فيهما من الحيوان، ثم جمعهم للحساب يوم القيامة، ثم ذكر أن ما يصيب الإنسان من نكبات الدنيا من الأمراض والأسقام والفقر والغنى فبكسب الإنسان واختياره كما دلت على صدق ذلك التجارب، ثم أعقب ذلك بآية أخرى على ألوهيته وهو جريان السفن في البحار، فتارة يجعل الريح ساكنة فتظل السفن على سطحها، وأخرى تعصف الرياح فتفرقها أو تنجو بحسب تقديره تعالى.
الإيضاح :﴿ إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره ﴾أي إن يشأ الله الذي قد أجرى هذه السفن في البحر ألا تجري فيه. أسكن الريح التي تجري بها، فتثبت في موضع واحد وتقف على ظهر الماء لا تتقدم ولا تتأخر.
ثم أتى بجملة معترضة بين ما مضى وما سيأتي فقال :
﴿ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ﴾أي إن في جري هذه الجواري في البحر بقدرته تعالى – لحجة بينة على قدرته على ما يشاء، لكل ذي صبر على طاعته، شكور لنعمه وأياديه عنده.
والمؤمن إذا كان في ضراء كان من الصابرين، وإذا كان في سراء كان من الشاكرين، وقال عون بن عبد الله : فكم من منعم عليه غير شاكر، وكم من مبتلي غير صابر، وقال قطرب : نعم العبد الصبار الشكور الذي إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر. وقد قيل : الإيمان نصفه صبر ونصفه شكر.
تفسير المفردات : يوبقهن : أي يهلكهن ؛ يقال للمجرم أوبقته ذنوبه : أي أهلكته.
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه فيما سلف أنه يجيب دعاء المؤمنين إذا هم أنابوا إليه وأخبتوا ذكر هنا أنه لا يعطيهم كل ما يطلبون من الأرزاق، بل ينزلها بقدر بحسب ما يعلم من مصلحتهم، فإن كثرة الرزق تجعل الناس يتجبرون ويتكبرون، والله هو الخبير بما يصلح حالهم من فقر وغنى.
قال خباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية، نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها.
ثم أعقب هذا بأنهم إذا احتاجوا إلى الرزق لا يمنعه منهم وهو المتولي أمورهم بإحسانه، المحمود على ما يوصل للخلق من صنوف الرحمة، ثم أقام الأدلة على ألوهيته بخلقه للسماوات والأرض وما فيهما من الحيوان، ثم جمعهم للحساب يوم القيامة، ثم ذكر أن ما يصيب الإنسان من نكبات الدنيا من الأمراض والأسقام والفقر والغنى فبكسب الإنسان واختياره كما دلت على صدق ذلك التجارب، ثم أعقب ذلك بآية أخرى على ألوهيته وهو جريان السفن في البحار، فتارة يجعل الريح ساكنة فتظل السفن على سطحها، وأخرى تعصف الرياح فتفرقها أو تنجو بحسب تقديره تعالى.
﴿ أو يوبقهن بما كسبوا ويعفو عن كثير ﴾أي وإن يشأ يجعل الرياح عواصف فيغرق السفن بذنوب راكبيها، ولكنه يعفو عن كثير من ذنوبهم، ولو آخذهم بجميع ما يجترحون منها لأهلك كل من ركب البحر.
والخلاصة : إنه لو شاء أسكن الريح فوقفت السفن رواكد على ظهر البحر، ولو شاء لأرسلها عاتية قوية فأخرتها عن سيرها، وصرفتها ذات اليمين وذات الشمال آبقة لا تسير على طريق ولا تصل إلى مقصد حتى تغرق، ولكن من رحمته ولطفه يرسلها بقدر الحاجة لينتفع بها الملاحون لقضاء أوطارهم.
تفسير المفردات : محيص : أي مهرب ومخلص.
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه فيما سلف أنه يجيب دعاء المؤمنين إذا هم أنابوا إليه وأخبتوا ذكر هنا أنه لا يعطيهم كل ما يطلبون من الأرزاق، بل ينزلها بقدر بحسب ما يعلم من مصلحتهم، فإن كثرة الرزق تجعل الناس يتجبرون ويتكبرون، والله هو الخبير بما يصلح حالهم من فقر وغنى.
قال خباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية، نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها.
ثم أعقب هذا بأنهم إذا احتاجوا إلى الرزق لا يمنعه منهم وهو المتولي أمورهم بإحسانه، المحمود على ما يوصل للخلق من صنوف الرحمة، ثم أقام الأدلة على ألوهيته بخلقه للسماوات والأرض وما فيهما من الحيوان، ثم جمعهم للحساب يوم القيامة، ثم ذكر أن ما يصيب الإنسان من نكبات الدنيا من الأمراض والأسقام والفقر والغنى فبكسب الإنسان واختياره كما دلت على صدق ذلك التجارب، ثم أعقب ذلك بآية أخرى على ألوهيته وهو جريان السفن في البحار، فتارة يجعل الريح ساكنة فتظل السفن على سطحها، وأخرى تعصف الرياح فتفرقها أو تنجو بحسب تقديره تعالى.
﴿ ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص ﴾أي وليعلم الذين ينازعون في آياتنا على جهة التكذيب لها أنه لا مخلص لهم إذا وقفت السفن أو إذا عصفت الريح، فيصير ذلك سببا لاعترافهم بأن النافع الضار ليس إلا الله تعالى.
﴿ فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ( ٣٦ ) والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون( ٣٧ )والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون( ٣٨ )والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ﴾( الشورى : ٣٦-٣٩ ).
تفسير المفردات : آتاه الشيء : أعطاه إياه، والمتاع : ما ينتفع ويتمتع به من رياش وأثاث ونحوهما، يتوكلون : يفوضون إليه أمورهم.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر دلائل توحيده وعظيم قدرته وسلطانه بخلق السماوات والأرض وجري السفن ماخرات في البحار – أردف ذلك التنفير من الدنيا وزخرفها، لأن المانع من النظر في الأدلة إنما هو الرغبة فيها طلبا للرياسة والجاه، فإذا صغرت الدنيا في عين المرء لم يلتفت إليها، وانتفع بالأدلة ووجه النظر إلى ملكوت السماوات والأرض، ثم أبان أن ما عند الله خير لمن آمن به، وتوكل عليه، واجتنب كبائر الذنوب والفواحش، وكان منقادا له مطيعا لأوامره، تاركا لنواهيه، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، ولم يبرم أمرا إلا بعد مشورة، وانتصر لنفسه ممن ظلمه.
الإيضاح :﴿ فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا ﴾أي وكل ما تعطونه أيها الناس من الغنى والسعة في الرزق والمال والبنين، فهو متاع قليل، تتمتعون به في مدى قصير، يذهب وينقضي، ولله در القائل :
إنما الدنيا فناء ليس للدنيا ثبوت
إنما الدنيا كبيت نسجته العنكبوت
وفي هذا تحقير لشأن هذه الحياة وزينتها وما فيها من النعيم الزائل.
ثم رغبهم في ثواب الآخرة وما عند الله من النعيم المقيم فقال :
﴿ وما عند الله خير وأبقى ﴾أي وما عند الله من الثواب والنعيم خير من زهرة الدنيا، لأنه باق سرمدي، وما فيها زائل فان، والعقل قاض بترجيح الباقي على الفاني.
ثم بين أنه لا يكون خيرا إلا لمن اتصف بصفات :
( ١ )﴿ للذين آمنوا ﴾أي للذين صدقوا الله وآمنوا برسوله.
( ٢ )﴿ وعلى ربهم يتوكلون ﴾أي وعلى من رباهم على إحسانه يعتمدون، ويقوضون إليه أمورهم، ولا يلتفتون إلى غيره في مهام أمورهم. روي أن الآية نزلت في أبي بكر رضي الله عنه حين تصدق بماله فلامه المسلمون وخطأه الكافرون.
تفسير المفردات : كبائر الإثم : هي كل ما يوجب حدا، والفواحش : هي ما فحش وعظم قبحه كالزنى والقتل ونحوهما.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر دلائل توحيده وعظيم قدرته وسلطانه بخلق السماوات والأرض وجري السفن ماخرات في البحار – أردف ذلك التنفير من الدنيا وزخرفها، لأن المانع من النظر في الأدلة إنما هو الرغبة فيها طلبا للرياسة والجاه، فإذا صغرت الدنيا في عين المرء لم يلتفت إليها، وانتفع بالأدلة ووجه النظر إلى ملكوت السماوات والأرض، ثم أبان أن ما عند الله خير لمن آمن به، وتوكل عليه، واجتنب كبائر الذنوب والفواحش، وكان منقادا له مطيعا لأوامره، تاركا لنواهيه، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، ولم يبرم أمرا إلا بعد مشورة، وانتصر لنفسه ممن ظلمه.
( ٣ )﴿ والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ﴾أي والذين يتباعدون عن ارتكاب كبائر الآثام كالقتل والزنى والسرقة، وعن الفواحش التي ينكرها الشرع والعقل والطبع السليم، من قول أو فعل.
( ٤ )﴿ وإذا ما غضبوا هم يغفرون ﴾أي وإذا ما غضبوا كظموا غيظهم، إذ من سجاياهم الصفح والعفو، وليس من طباعهم الانتقام ؛ وقد ثبت في الصحيح ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله ).
تفسير المفردات : واستجابوا : أي أجابوا داعي الله، فأدوا فرائضه، وتركوا نواهيه، والشورى والمشاورة : المراجعة في الآراء، ليتبين الصواب منها.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر دلائل توحيده وعظيم قدرته وسلطانه بخلق السماوات والأرض وجري السفن ماخرات في البحار – أردف ذلك التنفير من الدنيا وزخرفها، لأن المانع من النظر في الأدلة إنما هو الرغبة فيها طلبا للرياسة والجاه، فإذا صغرت الدنيا في عين المرء لم يلتفت إليها، وانتفع بالأدلة ووجه النظر إلى ملكوت السماوات والأرض، ثم أبان أن ما عند الله خير لمن آمن به، وتوكل عليه، واجتنب كبائر الذنوب والفواحش، وكان منقادا له مطيعا لأوامره، تاركا لنواهيه، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، ولم يبرم أمرا إلا بعد مشورة، وانتصر لنفسه ممن ظلمه.
الإيضاح :( ٥ )﴿ والذين استجابوا لربهم ﴾أي والذين أجابوا ربهم إلى ما دعاهم إليه، من توحيده والبراءة من عبادة كل ما يعبد من دونه.
( ٦ )﴿ وأقاموا الصلاة ﴾المفروضة في أوقاتها على أكمل وجوهها، وخص الصلاة من بين أركان الدين، لما لها من الخطر في صفاء النفوس، وتزكية القلوب، وترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
( ٧ )﴿ وأمرهم شورى بينهم ﴾أي وإذا حزبهم أمر تشاوروا فيما بينهم، ليقتلوه بحثا وتمحيصا، ولا سيما الحروب ونحوها.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الكثير من الأمور، ولم يكن يشاورهم في الأحكام، لأنها منزلة من عند الله، أما الصحابة فكانوا يتشاورون فيها، ويستنبطونها من الكتاب والسنة. وأول ما تشاور فيه الصحابة الخلافة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص عليها حتى انتهى أمرهم إلى تولية أبي بكر، وتشاوروا في قتال من ارتدوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فاستقر رأي أبي بكر على القتال، وقد كان فيه الخيرة للإسلام والمسمين، وشاور عمر رضي الله عنه الهرمزان حين وفد عليه مسلما.
ونحو الآية قوله :﴿ وشاورهم في الأمر ﴾( آل عمران : ١٥٩ ) وعن الحسن : ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم. وقال ابن العربي : الشورى ألفة للجماعة، وصقال للعقول، وسبب إلى الصواب، وما تشاور قوم قط إلا هدوا. ولأمر ما أصبحت الحكومات في العصر الحاضر لا تبت في مهام الأمور إلا إذا عرضت على مجالس الشورى( البرلمان – مجلس الشيوخ والنواب ) وكأني بك قد سمعت قول بشار بن برد في فوائد الشورى :
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن برأي لبيب أو مشورة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة فريش الخوافي قوة للقوادم
وما خير كف أمسك الغل أختها وما خير كف لم تؤيد بقائم
( ٨ )﴿ ومما رزقناهم ينفقون ﴾أي وينفقون مما آتاهم ربهم في سبل الخير، والبذل فيما فيه منفعة للفرد والمجتمع، ورفعة الأمة وعلو شأنها وعزها.
تفسير المفردات : البغي : الظلم، ينتصرون : أي ينتقمون.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر دلائل توحيده وعظيم قدرته وسلطانه بخلق السماوات والأرض وجري السفن ماخرات في البحار – أردف ذلك التنفير من الدنيا وزخرفها، لأن المانع من النظر في الأدلة إنما هو الرغبة فيها طلبا للرياسة والجاه، فإذا صغرت الدنيا في عين المرء لم يلتفت إليها، وانتفع بالأدلة ووجه النظر إلى ملكوت السماوات والأرض، ثم أبان أن ما عند الله خير لمن آمن به، وتوكل عليه، واجتنب كبائر الذنوب والفواحش، وكان منقادا له مطيعا لأوامره، تاركا لنواهيه، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، ولم يبرم أمرا إلا بعد مشورة، وانتصر لنفسه ممن ظلمه.
الإيضاح :( ٩ )﴿ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ﴾أي والذين إذا بغى عليهم باغ ينتصرون ممن ظلمهم من غير تعد عليه.
والمؤمنون فريقان :
( أ )فريق يعفو اتباعا لقوله تعالى :﴿ وأن تعفوا أقرب للتقوى ﴾( البقرة : ٢٣٧ )وقوله :﴿ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ﴾( الأعراف : ١٩٩ }وقوله :﴿ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ﴾( النحل : ١٢٦ ).
( ب )فريق ينتصر ممن ظلمه وهو المذكور في هذه الآية.
والخلاصة : إن العفو ضربان :
( ١ )ضرب يكون فيه العفو سببا لتسكين الفتنة، وتهدئة النفوس، ومنع استفحال الشر، وهذا محمود وحثت عليه الآيات الكريمة التي ذكرت آنفا.
( ٢ )ضرب يكون فيه العفو سببا لجراءة الظلم وتماديه في غيه، وهذا مذموم وعليه تحمل الآية التي نحن بصدد تفسيرها.
فالعفو عن العاجز المعترف بجرمه محمود، والانتصار من المخاصم المصر على جرمه والمتمادي في غيه محمود، وإلى هذا أشار المتنبي بقوله :
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
فوضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى
﴿ وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين( ٤٠ )ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل( ٤١ )إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم( ٤٢ )ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ﴾( الشورى : ٤٠-٤٣ ).
تفسير المفردات : السيئة : مأخوذة من السوء، وهو القبيح.
المعنى الجملي : بعد أن مدح فيما سلف الذين ينتصرون لأنفسهم ممن بغى عليهم – أردف ذلك ما يدل على أن ذلك الانتصار مقيد بالمثل، لأن النقصان حيف، والزيادة ظلم، والتساوي هو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، ثم ندب إلى العفو والإغضاء عن الزلات، ثم ذكر أنه لا مؤاخذة على من ينتصر لنفسه، وإنما المؤاخذة على من يظلم الناس، ويبغي في الأرض بغير الحق، وأن الصبر وغفران السيئة مما حث عليه الدين، وأجزل ثواب فاعله.
الإيضاح :﴿ وجزاء سيئة سيئة مثلها ﴾أي وجزاء سيئة المسيء عقوبته بما شرعه الله من عقوبة مماثلة لجرمه، وسمي هذا الجزاء سيئة مع أنه عقوبة مشروعة من الله مأذون بها، لأنها تسوء من تنزل به كما قال تعالى في آية أخرى :﴿ وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك ﴾( النساء : ٧٨ )يريد ما يسوءهم من المصايب والبلايا.
وفي الآية حث على العفو، لأن الانتصار إنما يحمد إذا حصلت المماثلة في الجزاء، وتقديرها عسر شاق، وربما صار المظلوم حين استيفاء القصاص ظالما.
ونحو الآية قوله :﴿ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ﴾( البقر : ١٩٤ )وقوله :﴿ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ﴾( النحل : ١٢٦ )وقوله :﴿ ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ﴾( الأنعام : ١٦٠ ).
وقد أمر صلى الله عليه وسلم برد الشتم على الشاتم. أخرج النسائي وابن ماجه وابن مردويه عن عائشة قالت :( دخلت علي زينب وعندي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلت علي تسبني فردعها النبي صلى الله عليه وسلم فلم تنته، فقال لي : سبيها، فسببتها حتى جف ريقها في فمها، ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل سرورا )وكان هذا بمنزلة التعزيز منه لزينب بلسان عائشة، لما أن لها حقا في الرد وقد رأى فيه المصلحة. وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( المستبان ما قالا من شيء فعلى لبادي حتى يعتدي المظلوم )ثم قرأ :﴿ وجزاء سيئة سيئة مثلها ﴾.
وقصارى ذلك : إن كل جناية على النفس أو المال تقابل بمثلها قصاصا، لأن إهدارها يوجب فتح باب الشرور والمفاسد، إذ في طبع الإنسان الظلم والبغي والعدوان، فإذا لم يزدجر عنه تمادى فيه ولم يتركه، والزيادة على قدر الذنب ظلم، والشرائع تتنزه عن ذلك، ومن ثم شرع الله القصاص، وندب إلى الفضل وهو العفو فقال :﴿ والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ﴾( المائدة : ٤٥ )وجاء تتمة لهذه الآية.
﴿ فمن عفا وأصلح فأجره على الله ﴾أي فمن عفا عن المسيء وأصلح ما بينه وبين من يعاديه بالعفو والإغضاء عما صدر منه، فأجره على الله، فيجزيه أعظم الجزاء.
وفي إبهام الأجر وجعله حقا على العظيم الكريم جل شأنه زيادة في الترغيب في العفو والحث عليه.
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديا ينادي : ألا ليقم من كان له على الله أجر فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا )وذلك قوله :﴿ فمن عفا ﴾الآية.
ثم ذكر سبحانه خروج الظلمة عن محبته التي هي سبب الفوز والنجاة فقال :
﴿ إنه لا يحب الظالمين ﴾أي إنه تعالى لا يحب المتجاوزين الحد في الانتقام، وفي هذا تصريح بما تضمنه سالف الكلام من حسن رعاية طريق المماثلة وأنها قلما تخلو من الاعتداء والتجاوز عن الواجب، ولا سيما حال الحرد والتهاب الحمية، وحينئذ يدخل المنتقمون في زمرة من لا يحبهم الله.
تفسير المفردات : انتصر : أي سعى في نصر نفسه بجهده، من سبيل : أي من عقاب ولا عتاب.
المعنى الجملي : بعد أن مدح فيما سلف الذين ينتصرون لأنفسهم ممن بغى عليهم – أردف ذلك ما يدل على أن ذلك الانتصار مقيد بالمثل، لأن النقصان حيف، والزيادة ظلم، والتساوي هو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، ثم ندب إلى العفو والإغضاء عن الزلات، ثم ذكر أنه لا مؤاخذة على من ينتصر لنفسه، وإنما المؤاخذة على من يظلم الناس، ويبغي في الأرض بغير الحق، وأن الصبر وغفران السيئة مما حث عليه الدين، وأجزل ثواب فاعله.
الإيضاح :﴿ ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ﴾أي والله لمن انتصر ممن ظلمه بعد ظلمه إياه، فأولئك المنتصرون لا سبيل للمنتصر منهم أن يوجهوا إليهم عقوبة ولا أذى لأنهم انتصروا منهم بحق، ومن أخذ حقه ممن وجب له عليه ولم يتعد – لم يظلم فلا سبيل لأحد عليه.
المعنى الجملي : بعد أن مدح فيما سلف الذين ينتصرون لأنفسهم ممن بغى عليهم – أردف ذلك ما يدل على أن ذلك الانتصار مقيد بالمثل، لأن النقصان حيف، والزيادة ظلم، والتساوي هو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، ثم ندب إلى العفو والإغضاء عن الزلات، ثم ذكر أنه لا مؤاخذة على من ينتصر لنفسه، وإنما المؤاخذة على من يظلم الناس، ويبغي في الأرض بغير الحق، وأن الصبر وغفران السيئة مما حث عليه الدين، وأجزل ثواب فاعله.
ولما نفى السبيل على من انتصر بعد ظلمه بين من عليه السبيل فقال :
﴿ إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق ﴾أي إنما الحرج والإثم على الذين يبدؤون الناس بالظلم، أو يزيدون في الانتقام ويتجاوزون ما حد لهم، أو يتكبرون في الأرض تجبرا وفسادا.
﴿ أولئك لهم عذاب أليم ﴾أي هؤلاء لهم عذاب مؤلم بسبب بغيهم وظلمهم.
تفسير المفردات : لمن عزم الأمور : أي لمن الأمور المشكورة والأفعال التي ندب إليها عباده، ولم يرخص بالتهاون فيها.
المعنى الجملي : بعد أن مدح فيما سلف الذين ينتصرون لأنفسهم ممن بغى عليهم – أردف ذلك ما يدل على أن ذلك الانتصار مقيد بالمثل، لأن النقصان حيف، والزيادة ظلم، والتساوي هو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، ثم ندب إلى العفو والإغضاء عن الزلات، ثم ذكر أنه لا مؤاخذة على من ينتصر لنفسه، وإنما المؤاخذة على من يظلم الناس، ويبغي في الأرض بغير الحق، وأن الصبر وغفران السيئة مما حث عليه الدين، وأجزل ثواب فاعله.
الإيضاح : ثم رغب سبحانه في الصبر والعفو فقال :
﴿ ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ﴾أي ولمن صبر عن الانتصار من غير انتقام ولا شكوى، وستر السيئة، فقد فعل ما يشكر عليه، ويستحق به الأجر وجزيل الثواب.
روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر :( يا أبا بكر ثلاث كلهن حق : ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها إلا أعزه الله تعالى بها ونصره، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة. وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله عز وجل بها قلة ).
﴿ ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل( ٤٤ )وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم( ٤٥ )وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل ﴾( الشورى : ٤٤-٤٦ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أن الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق لهم عذاب أليم على ما اجترحوا من البغي والعدوان بغير الحق- أردف ذلك بيان أن من أضله الله فلا هادي له، وأن الكافرين حين يرون العذاب يوم القيامة يطلبون الرجوع إلى الدنيا، وأنهم يعرضون على النار وهم خاشعون أذلاء ينظرون من طرف خفي، وأن الذين آمنوا يقولون إن الكافرين لفي خسران فقد أضاعوا النفس والأهل، ولا يجدون لهم ناصرا يخلصهم مما هم فيه من العذاب.
الإيضاح :﴿ ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده ﴾أي إنه ما شاء الله كان ولا راد له، وما لم يشأ لم يكن، فمن هداه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
والخلاصة : إن من خذله الله لسوء استعداده وتدسيته نفسه باجتراح الآثام والمعاصي، فليس له من ولي يهديه إلى سبيل الرشاد، ويوصله إلى طريق الفوز والفلاح.
ونحو الآية قوله :﴿ ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ﴾( الكهف : ١٧ ).
ثم ذكر تمني الكافرين الرجوع إلى الدنيا فقال :
﴿ وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل ﴾أي وترى الكافرين بالله حين يعاينون العذاب يوم القيامة يتمنون الرجعة إلى الدنيا ويقولون : هل من رجعة لنا إليها ؟
ونحو الآية قوله :﴿ ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين( ٢٧ )بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ﴾( الأنعام : ٢٧-٢٨ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أن الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق لهم عذاب أليم على ما اجترحوا من البغي والعدوان بغير الحق- أردف ذلك بيان أن من أضله الله فلا هادي له، وأن الكافرين حين يرون العذاب يوم القيامة يطلبون الرجوع إلى الدنيا، وأنهم يعرضون على النار وهم خاشعون أذلاء ينظرون من طرف خفي، وأن الذين آمنوا يقولون إن الكافرين لفي خسران فقد أضاعوا النفس والأهل، ولا يجدون لهم ناصرا يخلصهم مما هم فيه من العذاب.
الإيضاح : ثم ذكر حالهم حين يعرضون على النار فقال :
﴿ وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي ﴾أي وتراهم أيضا في ذلك اليوم يعرضون على النار وهم خاشعون أذلاء لأنهم عرفوا ذنوبهم وتكشفت لهم عظمة من عصوه يسارقون النظر إليها خوفا منها، وحذرا من الوقوع فيها، كما ينظر من قدم للقتل إلى السيف، فلا يقدر أن يملأ عينيه منه، وإنما ينظر ببعضها.
ولما وصف حال الكفار حكى ما يقوله المؤمنون فيهم فقال :
﴿ وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ﴾أي ويقول المؤمنون يوم القيامة : إن المغبونين غبنا لا غبن بعده – هم الذين خسروا أنفسهم، فأدخلوا في النار، وحرموا نعيم الأبد، وفرق بينهم وبين أحبابهم وأصحابهم وذوي قراباتهم.
ثم صدقهم ربهم فيما قالوا فقال :
﴿ ألا إن الظالمين في عذاب مقيم ﴾أي ألا إن الكافرين لفي عذاب سرمدي، لا مهرب لهم منه ولا خلاص، ثم أيأسهم من الفكاك منه بأي سبيل فقال :
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أن الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق لهم عذاب أليم على ما اجترحوا من البغي والعدوان بغير الحق- أردف ذلك بيان أن من أضله الله فلا هادي له، وأن الكافرين حين يرون العذاب يوم القيامة يطلبون الرجوع إلى الدنيا، وأنهم يعرضون على النار وهم خاشعون أذلاء ينظرون من طرف خفي، وأن الذين آمنوا يقولون إن الكافرين لفي خسران فقد أضاعوا النفس والأهل، ولا يجدون لهم ناصرا يخلصهم مما هم فيه من العذاب.
الإيضاح :﴿ وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ﴾أي ولا يجدون لهم أعوانا وأنصارا ينقذونهم مما حل بهم من العذاب، فأصنامهم التي كانوا يعبدونها لتشفع لهم لا تستطيع أن تتقدم إليهم بشفاعة.
﴿ ومن يضلل الله فما له من سبيل ﴾أي ومن يضلله الله لما علم من استعداده للشر والفساد وارتكاب الشرور والآثام فلا سبيل له إلى الوصول إلى الحق في الدنيا ولا إلى الجنة في الآخرة.
﴿ استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله مالكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير( ٤٧ )فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور( ٤٨ )لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور( ٤٩ )أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير ﴾( الشورى : ٤٧-٥٠ ).
تفسير المفردات : استجيبوا لربكم : أي أجيبوه لما دعاكم إلى ما فيه نجاتكم، لا مرد له : أي لا يرده أحد بعدما حكم به، ملجأ : أي ملاذ تلجؤون إليه، نكير : أي إنكار وجحود لما اقترفتم.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر ما سيكون يوم القيامة من الأهوال وعظائم الأمور – حذر من هذا اليوم فبين أن الكافرين لا يجدون حينئذ ملجأ يقيهم من عذاب الله، ولا ينكرون ما اقترفوه، لأنه مكتوب في صحائف أعمالهم، ثم أرشد رسوله إلى أنهم إن أعرضوا عن دعوتك، فلا تأبه بهم، ولا تهتم بشأنهم، ثم أعقب هذا بذكر طبيعة الإنسان، وأنه يفرح حين النعمة، ويجحد نعم ربه حين الشدة، ثم قسم هبته لعباده في النسل أربعة أقسام، فمنهم من وهب الإناث، ومنهم من وهب الذكران، ومنهم من أعطي الصنفين، ومنهم العقيم الذي لا نسل له.
الإيضاح :﴿ استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ﴾أي أجيبوا داعي الله وهو رسوله صلى الله عليه وسلم، وآمنوا به، واتبعوه فيما جاءكم به من عند الله، من قبل أن يأتي يوم لا يستطيع أحد أن يرده إذا جاء به الله.
﴿ ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير ﴾أي ليس لكم حصن تتحصنون فيه، ولا تستطيعون إنكار ما اجترحتموه من السيئات، لأنه قد كتب في صحفكم، وتشهد به ألسنتكم وجوارحكم.
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ يقول الإنسان يومئذ أين المفر( ١٠ ) كلا لا وزر( ١١ ) إلى ربك يومئذ المستقر ﴾( القيامة : ١٠-١٢ ).
تفسير المفردات : حفيظا : أي محاسبا لأعمالهم رقيبا عليها، رحمة : أي نعمة من صحة وغنى، سيئة : أي بلاء من فقر ومرض وخوف، كفور : نساء للنعمة ذكار للبلية، يزوجهم أي يجعلهم جامعين بين البنين والبنات.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر ما سيكون يوم القيامة من الأهوال وعظائم الأمور – حذر من هذا اليوم فبين أن الكافرين لا يجدون حينئذ ملجأ يقيهم من عذاب الله، ولا ينكرون ما اقترفوه، لأنه مكتوب في صحائف أعمالهم، ثم أرشد رسوله إلى أنهم إن أعرضوا عن دعوتك، فلا تأبه بهم، ولا تهتم بشأنهم، ثم أعقب هذا بذكر طبيعة الإنسان، وأنه يفرح حين النعمة، ويجحد نعم ربه حين الشدة، ثم قسم هبته لعباده في النسل أربعة أقسام، فمنهم من وهب الإناث، ومنهم من وهب الذكران، ومنهم من أعطي الصنفين، ومنهم العقيم الذي لا نسل له.
الإيضاح :﴿ فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ ﴾أي فإن أعرض هؤلاء المشركون عما أتيتهم به من الحق، ودعوتهم إليه من الرشد، ولم يستجيبوا لك، وأبوا قبوله منك، فدعهم وشأنهم، فإنا لم نرسلك رقيبا عليهم تحفظ أعمالهم وتحصيها، فما عليك إلا أن تبلغهم ما أرسلناك به إليهم، فإذا أنت بلغته فقد أديت ما كلفت به.
ونحو الآية قوله :﴿ لست عليهم بمسيطر ﴾( الغاشية : ٢٢ )وقوله :﴿ ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ﴾( البقرة : ٢٧٢ )وقوله :﴿ فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ﴾( الرعد : ٤٠ ).
وبعدئذ ذكر طبيعة الإنسان وغريزته في هذه الحياة فقال :
﴿ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور ﴾أي وإنا إذا أغنينا ابن آدم فأعطيناه من لدنا سعة في الرزق أو في الصحة أو في الأمن سر بما آتيناه، وإن أصابته فاقة أو مرض بما أسلف من معصية ربه جحد نعمتنا وأيس من الخير، والإنسان من طبعه الجحد والكفران بالنعم حين الشدة.
والخلاصة : إن الإنسان إن أصابته نعمة أشر وبطر، وإن ابتلي بمحنة يئس وقنط.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر ما سيكون يوم القيامة من الأهوال وعظائم الأمور – حذر من هذا اليوم فبين أن الكافرين لا يجدون حينئذ ملجأ يقيهم من عذاب الله، ولا ينكرون ما اقترفوه، لأنه مكتوب في صحائف أعمالهم، ثم أرشد رسوله إلى أنهم إن أعرضوا عن دعوتك، فلا تأبه بهم، ولا تهتم بشأنهم، ثم أعقب هذا بذكر طبيعة الإنسان، وأنه يفرح حين النعمة، ويجحد نعم ربه حين الشدة، ثم قسم هبته لعباده في النسل أربعة أقسام، فمنهم من وهب الإناث، ومنهم من وهب الذكران، ومنهم من أعطي الصنفين، ومنهم العقيم الذي لا نسل له.
الإيضاح :﴿ لله ملك السماوات والأرض ﴾أي إنه خالق السماوات والأرض ومالكهما والمتصرف فيهما، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.
﴿ يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور*أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما ﴾أي يخلق ما يشاء فيرزق من يشاء البنات فحسب، ويرزق من يشاء البنين فحسب، ويعطي من يشاء الزوجين الذكر والأنثى، ويجعل من يشاء لا نسل له.
وفي هذا إيماء إلى أن الملك ملكه من غير منازع ولا مشارك، يتصرف فيه كيف يشاء، ويخلق ما يشاء، فليس لأحد أن يعترض أو يدبر بحسب هواه، وتصرفه لا يكون إلا على أكمل وجه وأتم نظام، وقد قيل : ليس في الإمكان أبدع مما كان.
﴿ إنه عليم قدير ﴾أي إنه عليم بمن يستحق كل نوع من هذه الأنواع، قدير على ما يريد أن يخلق، فيفعل ما يفعل بحكمة وعلم.
تفسير المفردات : عقيما : أي لا يولد له.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٩:المعنى الجملي : بعد أن ذكر ما سيكون يوم القيامة من الأهوال وعظائم الأمور – حذر من هذا اليوم فبين أن الكافرين لا يجدون حينئذ ملجأ يقيهم من عذاب الله، ولا ينكرون ما اقترفوه، لأنه مكتوب في صحائف أعمالهم، ثم أرشد رسوله إلى أنهم إن أعرضوا عن دعوتك، فلا تأبه بهم، ولا تهتم بشأنهم، ثم أعقب هذا بذكر طبيعة الإنسان، وأنه يفرح حين النعمة، ويجحد نعم ربه حين الشدة، ثم قسم هبته لعباده في النسل أربعة أقسام، فمنهم من وهب الإناث، ومنهم من وهب الذكران، ومنهم من أعطي الصنفين، ومنهم العقيم الذي لا نسل له.
الإيضاح :﴿ لله ملك السماوات والأرض ﴾أي إنه خالق السماوات والأرض ومالكهما والمتصرف فيهما، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.
﴿ يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور*أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما ﴾أي يخلق ما يشاء فيرزق من يشاء البنات فحسب، ويرزق من يشاء البنين فحسب، ويعطي من يشاء الزوجين الذكر والأنثى، ويجعل من يشاء لا نسل له.
وفي هذا إيماء إلى أن الملك ملكه من غير منازع ولا مشارك، يتصرف فيه كيف يشاء، ويخلق ما يشاء، فليس لأحد أن يعترض أو يدبر بحسب هواه، وتصرفه لا يكون إلا على أكمل وجه وأتم نظام، وقد قيل : ليس في الإمكان أبدع مما كان.
﴿ إنه عليم قدير ﴾أي إنه عليم بمن يستحق كل نوع من هذه الأنواع، قدير على ما يريد أن يخلق، فيفعل ما يفعل بحكمة وعلم.

﴿ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم( ٥١ ) وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم( ٥٢ )صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور ﴾ ( الشورى : ٥١-٥٣ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه تقسيم النعم الجسمانية التي يهبها لعباده – أردفها تقسيم النعم الروحية، وأبان أن الناس محجوبون عن ربهم، لأنهم في عالم المادة وهو منزه عنها، ولكن من رق حجابه، وخلصت نفسه، وأصبح في مقدوره أن يتصل بالملإ الأعلى يستطيع أن يكلم ربه على أحد أوجه ثلاثة :
( ١ )أن يحس بمعان تلقى في قلبه، أو يرى رؤيا منامية كرؤيا الخليل إبراهيم عليه السلام ذبح ولده.
( ٢ )أن يسمع كلاما من وراء حجاب كما سمع موسى عليه السلام من غير أن يبصر من يكلمه، فهو قد سمع كلاما ولم ير المتكلم.
( ٣ )أن يرسل إليه ملكا فيوحي ذلك الملك ما يشاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر أنه كما أوحي إلى الأنبياء قبله أوحي إليه القرآن وما كان قبله يعلم ما القرآن وما الشرائع التي بها هداية البشر وصلاحهم في الدارين.
الإيضاح :﴿ وما كان لبشر أن يكلمه الله ﴾أي وما ينبغي لبشر من بني آدم أن يكلمه ربه إلا بإحدى طرق ثلاث :
( ١ )﴿ إلا وحيا ﴾أي إلا أن يوحى إليه وحيا أي يكلمه كلاما خفيا بغير واسطة بأن يقذف في روع النبي شيئا لا يتمارى فيه أنه من الله عز وجل كما روى ابن حبان في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{ إن روح القدس نفث في روعي : إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ).
( ٢ )﴿ أو من وراء حجاب ﴾أي أو إلا من طريق لا يرى السامع المتكلم جهرة مع سماعه للكلام كما كلم موسى عليه السلام ربه.
( ٣ )﴿ أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ﴾أي أو يرسل الله من ملائكته رسولا إما جبريل أو غيره فيوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه ما يشاء ربه أن يوحيه إليه من أمر ونهي كما كان جبريل عليه السلام ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى غيره من الأنبياء.
روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشد علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول )قالت عائشة : ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد( يسيل )عرقا.
﴿ إنه علي حكيم ﴾أي إنه علي عن صفات المخلوقين يفعل ما تقتضيه حكمته، فيكلمه تارة بواسطة، وتارة بغير واسطة إما إلهاما وإما خطابا من وراء حجاب.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه تقسيم النعم الجسمانية التي يهبها لعباده – أردفها تقسيم النعم الروحية، وأبان أن الناس محجوبون عن ربهم، لأنهم في عالم المادة وهو منزه عنها، ولكن من رق حجابه، وخلصت نفسه، وأصبح في مقدوره أن يتصل بالملإ الأعلى يستطيع أن يكلم ربه على أحد أوجه ثلاثة :
( ١ )أن يحس بمعان تلقى في قلبه، أو يرى رؤيا منامية كرؤيا الخليل إبراهيم عليه السلام ذبح ولده.
( ٢ )أن يسمع كلاما من وراء حجاب كما سمع موسى عليه السلام من غير أن يبصر من يكلمه، فهو قد سمع كلاما ولم ير المتكلم.
( ٣ )أن يرسل إليه ملكا فيوحي ذلك الملك ما يشاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر أنه كما أوحي إلى الأنبياء قبله أوحي إليه القرآن وما كان قبله يعلم ما القرآن وما الشرائع التي بها هداية البشر وصلاحهم في الدارين.
الإيضاح : وبعد أن بين أقسام الوحي ذكر أنه أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم كما أوحى إلى الأنبياء قبله فقال :
﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ﴾ أي وكما أوحينا إلى سائر رسلنا أوحينا إليك هذا القرآن رحمة من عندنا.
ثم بين حال نبيه قبل نزول الوحي بقوله :
﴿ ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ﴾أي ما كنت قبل الأربعين وأنت بين ظهراني قومك تعرف ما القرآن ولا تفاصيل الشرائع ومعالمها على النهج الذي أوحينا به إليك.
﴿ ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ﴾أي ولكن جعلنا هذا القرآن نورا عظيما نهدي به من نشاء هدايته من عبادنا، ونرشده إلى الدين الحق.
ونحو الآية قوله :﴿ قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ﴾الآية ( فصلت : ٤٤ ).
﴿ وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ﴾أي وإنك لتهدي بذلك النور من تشاء هدايته إلى الحق القويم.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه تقسيم النعم الجسمانية التي يهبها لعباده – أردفها تقسيم النعم الروحية، وأبان أن الناس محجوبون عن ربهم، لأنهم في عالم المادة وهو منزه عنها، ولكن من رق حجابه، وخلصت نفسه، وأصبح في مقدوره أن يتصل بالملإ الأعلى يستطيع أن يكلم ربه على أحد أوجه ثلاثة :
( ١ )أن يحس بمعان تلقى في قلبه، أو يرى رؤيا منامية كرؤيا الخليل إبراهيم عليه السلام ذبح ولده.
( ٢ )أن يسمع كلاما من وراء حجاب كما سمع موسى عليه السلام من غير أن يبصر من يكلمه، فهو قد سمع كلاما ولم ير المتكلم.
( ٣ )أن يرسل إليه ملكا فيوحي ذلك الملك ما يشاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر أنه كما أوحي إلى الأنبياء قبله أوحي إليه القرآن وما كان قبله يعلم ما القرآن وما الشرائع التي بها هداية البشر وصلاحهم في الدارين.
ثم فسر هذا الصراط بقوله :
﴿ صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ﴾أي هذا الطريق هو الطريق الذي شرعه الله مالك السماوات والأرض والمتصرف فيهما، والحاكم الذي لا معقب لحكمه.
﴿ ألا إلى الله تصير الأمور ﴾أي ألا إن أمور الخلائق يوم القيامة تصير إلى الله لا إلى غيره، فيضع كلا منهم في موضعه الذي يستحقه من نعيم أو جحيم.
وفي هذا وعد للمهتدين إلى الصراط المستقيم، ووعيد للظالمين.
Icon