ﰡ
كرّر " ما " هنا وفي قوله بعد ﴿ ويعلم ما تسرّون وما تعلنون ﴾ [ التغابن : ٤ ] تأكيدا وتعميما للاختلاف، فناسب ذكر " ما " فيهما، لأن تسبيح ما في السموات، مخالف لتسبيح ما في الأرض، كثرة وقلّة، ووقوعا، من حيوان وجماد، وأسرارنا مخالفة لعلانيتنا، فناسب ذكر " ما " فيهما، ولم يكرّرها في قوله :﴿ يعلم ما في السموات والأرض ﴾ [ التغابن : ٤ ] لعدم اختلاف علمه تعالى، إذْ علمه بما تحت الأرض، كعلمه بما فوقها، وعلمُه بما يكون كعلمِه بما كان، فناسب حذفها فيه.
قوله ﴿ فكفروا وتولّوا واستغنى الله ﴾ مرتّب على قوله :﴿ ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبيّنات ﴾.
فإن قلتَ : ظاهره أن استغناءه بعد إتيان الرسل بالبيّنات، مع أنه مستغن دائما ؟ !
قلتُ : معناه ظهر استغناؤه عن إيمانهم، حيث لم يُلجئهم إليه مع قدرته على ذلك.
ذكر مثله في الطلاق( ١ )، لكن زاد هنا ﴿ يكفّر عنه سيئاته ﴾ [ التغابن : ٩ ] لأن ما هنا تقدّمه ﴿ أبشر يهدوننا ﴾ الآيات، وأخبر فيها عن الكفار بسيئات تحتاج إلى تكفير، فناسب ذكر ﴿ يكفّر عنه سيئاته ﴾ بخلاف ما في الطلاق لم يتقدّمه شيء من ذلك.
إن قلتَ : كيف قال ذلك، مع أن الهداية سابقة على الإيمان ؟
قلتُ : ليس المراد يهد قلبه للإيمان، بل المراد يهده لليقين عند نزول المصائب، فيعلم أن ما أخطأه لم يكن لصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، أو يهده للرضى والتسليم عند وجود المصائب، أو للاسترجاع عند نزولها بأن يقول :﴿ إنا لله وإنا إليه راجعون ﴾ [ البقرة : ١٥٦ ].