تفسير سورة المزّمّل

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة المزمل من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه تعيلب . المتوفي سنة 2004 هـ
( ٧٣ ) سورة المزمل مكية
وآياتها عشرون
كلماتها : ٢٥٧ ؛ حروفها : ٨٨٨

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ يا أيها المزمل ( ١ ) ﴾
﴿ المزمل ﴾ : أصله المتزمل، وهو المتحمل أو المتلفف.. أي : المتحمل بالنبوة والرسالة ؛ أو : المتلفف في ثيابه أو بردته، وذلك لما اعترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة ورعدة إذ فاجأه الوحي أول ما جاء، وهو بغار حراء.
وإن كان الخطاب فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه يشترك فيه معه سائر المؤمنين.
﴿ قم الليل ﴾
صل معظم الليل، أو : صل خلال الليل، وحد الليل : غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
أوردت عائشة رضي الله عنها- كما جاء في صحيح مسلم- قال : فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه الصورة فقام النبي وأصحابه حولا.. حتى أنزل الله عز وجل في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة..
وقال سعيد بن جبير : مكث النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عشر سنين يقومون الليل فنزل بعد عشر سنين :﴿ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل... ﴾ فخفف الله عنهم.
﴿ إلا قليلا ( ٢ ) ﴾
استثناء من الليل، أي صل الليل كله إلا يسيرا فيه لأن قيام جميعه على الدوام غير ممكن. نقل هذا عن علماء أحكام القرآن فاستثنى منه القليل لراحة الجسد، والقليل من الشيء ما دون النصف.
﴿ نصفه ﴾
بدل من الليل، أي : قم الليل نصفه. بمعنى قم نصف الليل.
﴿ أو انقص منه قليلا ( ٣ ) ﴾
المعنى : ثم قم نصف الليل أو انقص من النصف قليلا إلى الثلث.
﴿ أو زد عليه ﴾
كأن المعنى : أو زد على النصف حتى يصير إلى الثلثين. فكأنه قال : ثم ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه، وكان مخيرا بين قيام النصف بتمامه، وبين الناقص منه، وبين قيام الزائد عليه.
﴿ ورتل القرآن ترتيلا ( ٤ ) ﴾
تمهل في قراءة الكتاب العزيز، وتدبر ما تقرأ وطالب نفسك بالقيام بأحكامه، وقلبك بفهم معانيه، وسرك بالإقبال عليه.
﴿ إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ( ٥ ) ﴾
إنا سنوحي إليك القرآن، وهو قول ثقيل يثقل العمل بشرائعه. قال قتادة : ثقيل والله فرائضه وحدوده وهذا لا يتنافى مع قول المولى سبحانه :﴿ .. وما جعل عليكم في الدين من حرج.. ﴾١، وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :( بعثت بالحنيفية السمحة )، وقال محمد بن كعب : وقيل :... ثقيلا على الكفار لما فيه من الاحتجاج عليهم، والبيان لضلالتهم، وسب آلهتهم. وقيل : ثقيلا ثابتا كثبوت الثقيل في محله، ويكون معناه : أي ثابت الإعجاز لا يزول إعجازه أبدا.
وقيل : القول في هذه السورة : هو قول لا إله إلا الله، إذ في الخبر : خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان.
١ - سورة الحج. من الآية ٧٨..
﴿ إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا ( ٦ ) ﴾
﴿ ناشئة الليل ﴾ أوقاته وساعاته، لأن أوقاته تنشأ أولا فأولا، كما يقال نشأت السحابة : إذا بدأت وأنشأها الله. وقيل : الناشئة مصدر بمعنى قيام الليل قالت عائشة وابن عباس ومجاهد :.. الناشئة القيام بالليل بعد النوم.
﴿ هي أشد وطأ ﴾ أثقل على المصلى من ساعات النهار، لأن الليل وقت منام وإجمام، فمن شغله بالعبادة فقد تحمل المشقة العظيمة. ومن قرأ :[ وطاء أي أشد موافقة بين القلب والسمع والبصر واللسان لانقطاع الأصوات والحركات ].
﴿ وأقوم قيلا ﴾ أي أشد استقامة واستمرارا على الصواب لأن الأصوات هادئة، والدنيا ساكنة، فلا يضطرب على المصلى ما يقرؤه.
﴿ إن لك في النهار سبحا طويلا ( ٧ ) ﴾
أي تصرفا في حوائجك، وإقبالا وإدبارا، وذهابا ومجيئا.
﴿ واذكر اسم ربك ﴾
وادع الله مولاك بأسمائه الحسنى، وقال الكلبي : صل لربك بالنهار. وحسنه بعض علماء القرآن، فإنه لما ذكر صلاة الليل ذكر صلاة النهار، إذ هو قسيمه، وقد قال الله تعالى :﴿ وهو الذي جعل الليل والنهار خلفه لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ﴾١.
﴿ وتبتل إليه تبتيلا ( ٨ ) ﴾
أي انقطع بعبادتك إليه، ولا تشرك به غيره، ومنه : مريم البتول لانقطاعها إلى الله تعالى.
ولا يراد بالتبتل الانقطاع عن الناس، بدليل قوله تبارك اسمه :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم.. ﴾٢ قال ابن العربي : وأما اليوم قد حرجت عهود الناس، وخفت أماناتهم ؛ واستولى الحرام على الحطام، فالعزلة خير من الخلطة، والغربة أفضل من التأهل. ولكن معنى الآية –هنا- : انقطع عن الأوثان والأصنام، وعن عبادة غير الله.
١ - سورة الفرقان. الآية ٦٢..
٢ - سورة المائدة. من الآية ٨٧..
﴿ رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه كيلا ( ٩ ) ﴾
ليس من يستحق العبادة إلا المالك الخالق المصلح للمشارق والمغارب. ومن علم أنه سيد المشرق والمغرب ووليهما فسيخلص له الطاعة ولا يشرك به أحدا ؛ بل سينقطع بعمله وأمله إليه.
﴿ فاتخذه وكيلا ﴾ ارض به قائما بأمورك، واستيقن بأنه كفيل بما وعدك.
﴿ واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا ( ١٠ ) ﴾
لا تضجر من سبهم وإيذائهم لك ولمن معك واستهزائهم، ولا تنقطع عن هدايتهم وإنذارهم
﴿ واهجرهم هجرا جميلا ﴾ لا تشتغل بمكافأتهم على سوء صنيعهم- وكان هذا قبل الأمر بالقتال، ثم أمر بعد بقتالهم وقتلهم، فنسخت آية القتال ما كان قبلها من الترك- وقال أبو الدرداء : إنا لنكشر في وجوه ونضحك إليهم وإن قلوبنا لتقليهم أو لتلعنهم.
﴿ وذرني والمكذبين أولي النعمة ﴾
ارض بي لعقابهم، خل بيني وبينهم، وكل أمرهم إلي، فإني على البطش بهم لقدير، وفي ذلك ما يفرغ بالك ويكشف همك.
﴿ أولي النعمة ﴾ أصحاب التنعم والترف وكثرة المال والولد، فالنعمة : بفتح النون : التنعيم، وأما بالكسر فتعني الإنعام وما ينعم به، وأما بالضم فهي المسرة، وقد تقصر فيقال : النعمى.
﴿ ومهلهم قليلا ( ١١ ) ﴾
مهل : أي اترك لهم مدة وزمنا، وهي تفيد تكثير المفعول فوق ما تفيده أمهل قيل نزلت في صناديد مكة وكبار المشركين المستهزئين.
﴿ قليلا ﴾ أي مدة وزمانا يسيرا- إما إلى أن تحين آجالهم، وإما إلى يوم تحين هزيمتهم وخزيهم-.
وهي إما منصوبة لأنها ظرف زمان، أو لأنها نعت لمصدر منصوب والتقدير : ومهلهم إمهالا قليلا.
﴿ إن لدينا أنكالا وجحيما ( ١٢ ) وطعاما ذا غصة وعذابا أليما ( ١٣ ) ﴾
﴿ إن لدينا أنكالا ﴾ إن عندنا قيودا، واحدها نكل، وهو ما منع الإنسان من الحركة، أو ما ينكل به من العذاب الشديد.
﴿ وجحيما ﴾ نارا مؤججة.
﴿ وطعاما ذا غصة ﴾ ينشب في الحلوق ولا يكاد يساغ، كالضريع والزقوم والغسلين، وهو شوك كالعوسج يدخل حلق الإنسان فلا ينزل ولا يخرج.
﴿ وعذابا أليما ﴾ ويعذبهم الله بصنوف أخر موجعة للحس والنفس.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:﴿ إن لدينا أنكالا وجحيما ( ١٢ ) وطعاما ذا غصة وعذابا أليما ( ١٣ ) ﴾
﴿ إن لدينا أنكالا ﴾ إن عندنا قيودا، واحدها نكل، وهو ما منع الإنسان من الحركة، أو ما ينكل به من العذاب الشديد.
﴿ وجحيما ﴾ نارا مؤججة.
﴿ وطعاما ذا غصة ﴾ ينشب في الحلوق ولا يكاد يساغ، كالضريع والزقوم والغسلين، وهو شوك كالعوسج يدخل حلق الإنسان فلا ينزل ولا يخرج.
﴿ وعذابا أليما ﴾ ويعذبهم الله بصنوف أخر موجعة للحس والنفس.

﴿ يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا ( ١٤ ) ﴾
﴿ يوم ترجف الأرض والجبال ﴾ ينكل بالمجرمين ويعذبون يوم تضطرب الأرض وتتحرك الحبال. وإن يكن هذا الذي أعد لهم مستقر عند خير الحاكمين، فإنه يظهر يوم تقوم الساعة وتتبدل الأرض غير الأرض ويبرزون لله الواحد القهار فيصيّر المذنبين إلى النار.
﴿ وكانت الجبال كثيبا مهيلا ﴾ وتكون الجبال أكواما وكثبانا بعد أن كانت صخرا عنيدا عاتيا صلدا، ثم تنهال وتنثر، كما يشير إليه قول الله تبارك اسمه :﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ﴾١.
١ - سورة طه. الآية ١٠٥..
﴿ إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم ﴾
إن الله بعث خاتم أنبيائه محمدا صلى الله عليه وسلم- وأرسله ليقتدي بهديه ؛ وسيشهد يوم القيامة بما كان من شأن من دعاهم.
وكأن في الكلام حذفا تقديره : يشهد لمن آمن به واتبع النور الذي أنزل معه، ويشهد على من كذبه وخالف عن أمره.
وربما تتضمن الآية تحذيرا من العذاب العاجل لمن طغى واستكبر، حيث قد أشير في الآيات السابقة من هذه السورة، إلى أن المكذبين وعيدهم الجحيم جزاء ومصيرا :﴿ .. وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما. يوم ترجف الأرض والجبال.. ﴾.
﴿ كما أرسلنا إلى فرعون رسولا ( ١٥ ) ﴾
وذكرت هذه الآية الكريمة ما بعث به موسى إلى فرعون وقد حددته آيات أخر بأمر لا محيص عنه :﴿ فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين. أن أرسل معنا بني إسرائيل ﴾١، ﴿ فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم.. ﴾٢ كإرسال نبينا موسى – عليه السلام- إلى فرعون وملإه.
١ - سورة الشعراء. الآيتان ١٦، ١٧..
٢ - سورة طه. من الآية ٤٧..
﴿ فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا ( ١٦ ) ﴾
﴿ فعصى فرعون الرسول ﴾ فخالف فرعون ما جاءه به الرسول موسى صلى الله عليه وسلم.
وكأن هذا القول الرباني الكريم يشير إلى محذوف مما سبق، والتقدير : إنا أرسلنا إليكم النبي الشاهد الخاتم فعصيتموه، كما بعثنا إلى فرعون نبينا وكليمنا موسى فعصى فرعون ما وصاه به موسى ودعاه إليه.
﴿ فأخذناه أخذا وبيلا ﴾ فبطشنا به بشطة ساءت عقباها، ودهمته داهية عظيمة، إذ أغرقنا وجنوده ﴿ وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ﴾١.
١ - سورة الأعراف. الآية ١٣٧..
﴿ فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا ( ١٧ ) ﴾
﴿ فكيف تتقون إن كفرتم يوما ﴾ كيف تتقون عذاب الآخرة وأهوالها إن كفرتم ؟ فهو استفهام يراد به التسفيه. قال قتادة : والله ما يتقي من كفر بالله ذلك اليوم بشيء، نقل صاحب روح المعاني :.. فكأنه قيل : هبوا أنكم لا تؤخذون في الدنيا أخذة فرعون [ وملائه ] فكيف تقون أنفسكم هول القيامة وما أعد لكم من الأنكال إن دمتم على ما أنتم عليه، ومتم في الكفر ؟
﴿ يجعل الولدان شيبا ﴾ يشيب فيه الصغير من غير كبر، وذلك أن الهموم إذا عظمت على الإنسان أضعفت قواه وأسرعت فيه الشيب.
وقد يكون المراد المعنى الحقيقي لهذا القول الكريم أي تبيض شعور الصبيان من هول يوم القيامة. أو يراد المعنى المجازي فهو مثل لشدة الهول من غير أن يكون هناك شيب بالفعل.
﴿ السماء منفطر به كان وعده مفعولا ( ١٨ ) ﴾
﴿ السماء منفطر به ﴾ السماء منشقة بهول هذا اليوم، أو ترونها متشققة في ذلك اليوم العصيب، كما أشار قول المولى تبارك اسمه :﴿ إذا السماء انشقت. وأدنت لربها وحقت. وإذا الأرض مدت. وألقت ما فيها وتخلت. وأذنت لربها وحقت. يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ﴾١.
قال الفراء : السماء يذكر ويؤنث.
﴿ كان وعده مفعولا ﴾ أي : وعد الله بالقيامة والحساب والجزاء واقع وآت لا شك فيه ولا خلف، وأعيد الضمير على المولى تبارك اسمه- وإن لم يرد في هذه الآية، لأنه معلوم من السياق. أو يكون الضمير لليوم، أي الوعد بهذا اليوم كائن. وقد أضيف المصدر إلى مفعوله.
قال بعض علماء القرآن : كان وعد الله بأن يظهر دينه على الدين كله واقعا وحقا لا مرية فيه.
١ - سورة الانشقاق. الآيات من ١- ٦..
﴿ إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ( ١٩ ) ﴾
﴿ إن هذه تذكرة ﴾ هذه السورة أو الآيات المقروءة والمنظورة عظة.
﴿ فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ﴾ فمن أراد أن يؤمن ويتقرب إلى مرضاة ربه فليتخذ طريقا إلى حبه ورحمته، وقد أوضح له الطريق، وأظهر الحجج والبرهان.
ومفعول ﴿ شاء ﴾ محذوف، وتقديره : فمن شاء اتخاذ سبيل إلى ربه تعالى اتخذ الإيمان والطاعة منهاجا.
﴿ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك ﴾.
إن مولاكم- تبارك اسمه- يعلم أنكم تصلون أقل من ثلثي الليل ومن نصفه ومن ثلثه- هكذا شهد الله للنبي والمؤمنين الأولين أنهم يتلون كتاب الله في نهارهم وساعات من ليلهم قد تصل إلى ما يقارب الثلثين منه، أو النصف أو الثلث..
وربما يكون المعنى الأرجح : إنك تصلي زمانا أقل من ثلثي الليل وتصلي نصفه وثلثه، فيكون ( نصفه وثلثه ) قد عطفا على ( أدنى ).
﴿ والله يقدر الليل والنهار ﴾
والله يعلم مقادير الليل والنهار بل هو-تعالى شأنه- يعلم مقادير كل شيء.
﴿ علم ألن تحصوه فتاب عليكم ﴾
علم أن الشأن لن تقدروا على إحصاء المطلوب- وكان الرجل لا يدري متى نصف الليل من ثلثه فربما يقوم حتى يصبح مخافة أن يخطئ – فانتفخت أقدامهم، وامتقعت ألوانهم، فرحمهم الله وخفف عنهم ﴿ فتاب عليكم ﴾ لأنكم إن زدتم ثقل عليكم، وإن نقصتم أحزنكم ذلك، فعاد عليكم بالعفو، فرجع لكم من تثقيل إلى تخفيف ومن عسر إلى يسر.
﴿ فاقرءوا ما تيسر من القرآن ﴾
فاقرءوا فيما تصلونه بالليل ما خف عليكم. مما روى أبو داود الطيالسي عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ).
﴿ علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله ﴾
من حكم تيسير الله على المؤمنين في أمر صلاة الليل أنه سبحانه يعلم أن منا من يكون مريضا فيشق عليه القيام والتهجد، ومنا من يرتحل في طلب الرزق والتجارة، ومنا من يغدو إلى الجهاد، فخفف ورفع الحرج.
﴿ فاقرءوا ما تيسر منه ﴾
إن كان الأمر للوجوب فقد أذهب به سبحانه ما كان عسيرا عليهم من قيام ثلثي الليل، ولم يعودوا مكلفين من صلاة الليل إلا بما تيسر، ثم نسخ ذلك بإيجاب الصلوات الخمس. وإن كان الأمر للندب- وهو الأرجح- فلا نسخ فيه، ويشهد لذلك الكتاب والسنة.
﴿ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ﴾
صلوا الصلاة المفروضة، وأدوها لوقتها، مستكملة لشروطها، وأعطوا المستحقين ما أوجب الله في أموالكم.
﴿ وأقرضوا الله قرضا حسنا ﴾
بالنفقة في سبيل الله، أو كل ما قصد به وجه الله تعالى- دون رياء- من المال الطيب، أو النفقة على النفس والأهل.
﴿ وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا ﴾
أي مما تركتم وخلفتم، ومن الشح والتقتير
﴿ وأعظم أجرا ﴾
لأن الله يعطينا بالحسنة عشرا، أو بالحسنة سبعمائة أو يضاعف لمن يشاء أضعافا لا يعلمها إلا هو-تبارك اسمه- أو المراد به منازل الجنة.
و﴿ خيرا ﴾ و﴿ أعظم ﴾ نصبا على المفعول الثاني ﴿ تجدوه ﴾ و﴿ أجرا ﴾ تمييز.
﴿ واستغفروا الله ﴾
سلوه المغفرة لذنوبكم، في كافة أحوالكم.
﴿ إن الله غفور ﴾
عظيم ستره وغفرانه لمن استغفره
﴿ رحيم ( ٢٠ ) ﴾
واسع الرحمة يكتبها للذين يتقون، ويؤتون الزكاة، ويؤمنون بالله ويتبعون الرسول النبي الأمين، صلى عليه ربنا وسلم وبارك، وعلى آل وصحبه أجمعين.
Icon