تفسير سورة سورة الحج من كتاب فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير
المعروف بـفتح القدير
.
لمؤلفه
الشوكاني
.
المتوفي سنة 1250 هـ
سورة الحج
وهي ثمان وسبعون آية
اختلف أهل العلم، هل هي مكية أو مدينة ؟ فأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة الحج بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير مثله. وأخرج ابن المنذر عن قتادة قال : نزل بالمدينة من القرآن الحج غير أربع آيات مكيات ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ﴾ إلى ﴿ عذاب يوم عقيم ﴾ وحكى القرطبي عن ابن عباس أنها مكية سوى ثلاث آيات وقيل أربع آيات إلى قوله ﴿ عذاب الحريق ﴾. وحكي عن النقاش أنه نزل بالمدينة منها عشر آيات. قال القرطبي وقال الجمهور : إن السورة مختلطة، منها مكي، ومنها مدني. قال : وهذا هو الصحيح. قال العزيزي : وهي من أعاجيب السور نزلت ليلاً ونهاراً، سفراً وحضراً، مكياً ومدنياً، سلمياً وحربياً، ناسخاً ومنسوخاً، محكماً ومتشابهاً. وقد ورد في فضلها ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عقبة بن عامر قال ( قلت يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين ؟ قال : نعم، فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما ). قال الترمذي : هذا حديث ليس إسناده بالقوي. وأخرج أبو داود في المراسيل والبيهقي عن خالد بن معدان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين ). وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والإسماعيلي وابن مردويه والبيهقي عن عمر أنه كان يسجد سجدتين في الحج وقال : إن هذه السورة فضلت على سائر القرآن بسجدتين. وقد روي عن كثير من الصحابة أن فيها سجدتين، وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال بعضهم : إن فيها سجدة واحدة، وهو قول سفيان الثوري، وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عباس وإبراهيم النخعي.
وهي ثمان وسبعون آية
اختلف أهل العلم، هل هي مكية أو مدينة ؟ فأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة الحج بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير مثله. وأخرج ابن المنذر عن قتادة قال : نزل بالمدينة من القرآن الحج غير أربع آيات مكيات ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ﴾ إلى ﴿ عذاب يوم عقيم ﴾ وحكى القرطبي عن ابن عباس أنها مكية سوى ثلاث آيات وقيل أربع آيات إلى قوله ﴿ عذاب الحريق ﴾. وحكي عن النقاش أنه نزل بالمدينة منها عشر آيات. قال القرطبي وقال الجمهور : إن السورة مختلطة، منها مكي، ومنها مدني. قال : وهذا هو الصحيح. قال العزيزي : وهي من أعاجيب السور نزلت ليلاً ونهاراً، سفراً وحضراً، مكياً ومدنياً، سلمياً وحربياً، ناسخاً ومنسوخاً، محكماً ومتشابهاً. وقد ورد في فضلها ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عقبة بن عامر قال ( قلت يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين ؟ قال : نعم، فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما ). قال الترمذي : هذا حديث ليس إسناده بالقوي. وأخرج أبو داود في المراسيل والبيهقي عن خالد بن معدان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين ). وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والإسماعيلي وابن مردويه والبيهقي عن عمر أنه كان يسجد سجدتين في الحج وقال : إن هذه السورة فضلت على سائر القرآن بسجدتين. وقد روي عن كثير من الصحابة أن فيها سجدتين، وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال بعضهم : إن فيها سجدة واحدة، وهو قول سفيان الثوري، وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عباس وإبراهيم النخعي.
ﰡ
سورة الحجّ
اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ: هَلْ هِيَ مَكِّيَّةٌ أَوْ مَدَنِيَّةٌ؟ فَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ بِالْمَدِينَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْقُرْآنِ الْحَجُّ غَيْرَ أَرْبَعِ آيَاتٍ مَكِّيَّاتٍ: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ، إِلَى: عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ. وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ، وَقِيلَ: أَرْبَعُ آيَاتٍ إِلَى قَوْلِهِ: عَذابَ الْحَرِيقِ. وَحُكِيَ عَنِ النَّقَّاشِ أَنَّهُ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا عَشْرُ آيَاتٍ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّ السُّورَةَ مُخْتَلِطَةٌ، مِنْهَا مَكِّيٌّ، وَمِنْهَا مدني. قال: وهذا هو الصحيح. قال الغزنوي: وَهِيَ مِنْ أَعَاجِيبِ السُّورِ، نَزَلَتْ لَيْلًا وَنَهَارًا، سَفَرًا وَحَضَرًا، مَكِّيًّا وَمَدَنِيًّا، سِلْمِيًّا وَحَرْبِيًّا، نَاسِخًا وَمَنْسُوخًا، مُحْكَمًا وَمُتَشَابِهًا. وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِهَا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى سَائِرِ الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا». قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى الْقُرْآنِ بسجدتين». وأخرج سعيد ابن مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ فِي الْحَجِّ وَقَالَ:
إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فُضِّلَّتْ عَلَى سَائِرِ الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ، وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ فِيهَا سَجْدَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ مَا نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧)
اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ: هَلْ هِيَ مَكِّيَّةٌ أَوْ مَدَنِيَّةٌ؟ فَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ بِالْمَدِينَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْقُرْآنِ الْحَجُّ غَيْرَ أَرْبَعِ آيَاتٍ مَكِّيَّاتٍ: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ، إِلَى: عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ. وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ، وَقِيلَ: أَرْبَعُ آيَاتٍ إِلَى قَوْلِهِ: عَذابَ الْحَرِيقِ. وَحُكِيَ عَنِ النَّقَّاشِ أَنَّهُ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا عَشْرُ آيَاتٍ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّ السُّورَةَ مُخْتَلِطَةٌ، مِنْهَا مَكِّيٌّ، وَمِنْهَا مدني. قال: وهذا هو الصحيح. قال الغزنوي: وَهِيَ مِنْ أَعَاجِيبِ السُّورِ، نَزَلَتْ لَيْلًا وَنَهَارًا، سَفَرًا وَحَضَرًا، مَكِّيًّا وَمَدَنِيًّا، سِلْمِيًّا وَحَرْبِيًّا، نَاسِخًا وَمَنْسُوخًا، مُحْكَمًا وَمُتَشَابِهًا. وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِهَا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى سَائِرِ الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا». قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى الْقُرْآنِ بسجدتين». وأخرج سعيد ابن مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ فِي الْحَجِّ وَقَالَ:
إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فُضِّلَّتْ عَلَى سَائِرِ الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ، وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ فِيهَا سَجْدَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ١ الى ٧]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (٢) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٤)يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ مَا نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧)
513
لَمَّا انْجَرَّ الْكَلَامُ فِي خَاتِمَةِ السُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إِلَى ذِكْرِ الْإِعَادَةِ وَمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، بَدَأَ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِذِكْرِ الْقِيَامَةِ وَأَهْوَالِهَا، حَثًّا عَلَى التَّقْوَى الَّتِي هِيَ أَنْفَعُ زاد، فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ أَيِ:
احْذَرُوا عِقَابَهُ بِفِعْلِ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَلَفْظُ «النَّاسِ» يَشْمَلُ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْمَوْجُودِينَ وَمَنْ سَيُوجَدُ، عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا طَرَفًا مِنْ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَجُمْلَةُ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الْأَمْرِ بِالتَّقْوَى، وَالزَّلْزَلَةُ: شِدَّةُ الْحَرَكَةِ، وَأَصْلُهَا مِنْ زَلَّ عَنِ الْمَوْضِعِ، أَيْ: زَالَ عَنْهُ وَتَحَرَّكَ، وَزَلْزَلَ اللَّهُ قَدَمَهُ، أَيْ: حَرَّكَهَا، وَتَكْرِيرُ الْحَرْفِ يَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ الْمَعْنَى، وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى فَاعِلِهِ، وَهِيَ عَلَى هذه الزَّلْزَلَةُ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا تَكُونُ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَمِنْ بَعْدِهَا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَقِيلَ: إِنَّ الْمَصْدَرَ هُنَا مُضَافٌ إِلَى الظَّرْفِ، وَهُوَ السَّاعَةُ، إِجْرَاءً لَهُ مَجْرَى الْمَفْعُولِ، أَوْ بِتَقْدِيرِ فِي كَمَا فِي قَوْلِهِ: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ «١» وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها «٢» قِيلَ: وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْهَا بِالشَّيْءِ إِيذَانٌ بِأَنَّ الْعُقُولَ قَاصِرَةٌ عَنْ إِدْرَاكِ كُنْهِهَا. يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ
انْتِصَابُ الظَّرْفِ بِمَا بَعْدَهُ، وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى الزَّلْزَلَةِ، أَيْ: وَقْتَ رُؤْيَتِكُمْ لَهَا تَذْهَلُ كُلُّ ذَاتِ رَضَاعٍ عَنْ رَضِيعِهَا وَتَغْفُلُ عَنْهُ. قَالَ قُطْرُبٌ: تَذْهَلُ: تشتغل، وأنشد قول الشاعر «٣» :
وَقِيلَ: تَنْسَى، وَقِيلَ: تَلْهُو، وَقِيلَ: تَسْلُو، وَهَذِهِ مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: إِنَّ «مَا» فِيمَا أَرْضَعَتْ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: تَذْهَلُ عَنِ الْإِرْضَاعِ، قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الزَّلْزَلَةَ فِي الدُّنْيَا إِذْ لَيْسَ بَعْدَ الْقِيَامَةِ حَمْلٌ وَإِرْضَاعٌ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: مَنْ مَاتَتْ حَامِلًا فَتَضَعُ حَمْلَهَا لِلْهَوْلِ، وَمَنْ مَاتَتْ مُرْضِعَةً بُعِثَتْ كَذَلِكَ، وَيُقَالُ هَذَا مَثَلٌ كَمَا يُقَالُ: يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً «٤». وقيل: يكون مع النَّفْخَةِ الْأُولَى، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ عِبَارَةً عَنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا فِي قوله: مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا «٥». ومعنى وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها
أَنَّهَا تُلْقِي جَنِينَهَا لِغَيْرِ تَمَامٍ مِنْ شِدَّةِ الْهَوْلِ، كَمَا أَنَّ الْمُرْضِعَةَ تَتْرُكُ وَلَدَهَا بِغَيْرِ رَضَاعٍ لِذَلِكَ. وَتَرَى النَّاسَ سُكارى
قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالرَّاءِ خِطَابٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَيْ: يَرَاهُمُ الرَّائِي كَأَنَّهُمْ سُكَارَى وَما هُمْ بِسُكارى
حَقِيقَةً، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ سَكْرَى بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِثْبَاتِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ يُجْمَعُ بِهِمَا سَكْرَانُ، مِثْلُ كَسْلَى وَكُسَالَى. وَلَمَّا نَفَى سُبْحَانَهُ عَنْهُمُ السُّكْرَ أوضح السبب
احْذَرُوا عِقَابَهُ بِفِعْلِ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَلَفْظُ «النَّاسِ» يَشْمَلُ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْمَوْجُودِينَ وَمَنْ سَيُوجَدُ، عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا طَرَفًا مِنْ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَجُمْلَةُ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الْأَمْرِ بِالتَّقْوَى، وَالزَّلْزَلَةُ: شِدَّةُ الْحَرَكَةِ، وَأَصْلُهَا مِنْ زَلَّ عَنِ الْمَوْضِعِ، أَيْ: زَالَ عَنْهُ وَتَحَرَّكَ، وَزَلْزَلَ اللَّهُ قَدَمَهُ، أَيْ: حَرَّكَهَا، وَتَكْرِيرُ الْحَرْفِ يَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ الْمَعْنَى، وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى فَاعِلِهِ، وَهِيَ عَلَى هذه الزَّلْزَلَةُ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا تَكُونُ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَمِنْ بَعْدِهَا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَقِيلَ: إِنَّ الْمَصْدَرَ هُنَا مُضَافٌ إِلَى الظَّرْفِ، وَهُوَ السَّاعَةُ، إِجْرَاءً لَهُ مَجْرَى الْمَفْعُولِ، أَوْ بِتَقْدِيرِ فِي كَمَا فِي قَوْلِهِ: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ «١» وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها «٢» قِيلَ: وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْهَا بِالشَّيْءِ إِيذَانٌ بِأَنَّ الْعُقُولَ قَاصِرَةٌ عَنْ إِدْرَاكِ كُنْهِهَا. يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ
انْتِصَابُ الظَّرْفِ بِمَا بَعْدَهُ، وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى الزَّلْزَلَةِ، أَيْ: وَقْتَ رُؤْيَتِكُمْ لَهَا تَذْهَلُ كُلُّ ذَاتِ رَضَاعٍ عَنْ رَضِيعِهَا وَتَغْفُلُ عَنْهُ. قَالَ قُطْرُبٌ: تَذْهَلُ: تشتغل، وأنشد قول الشاعر «٣» :
ضربا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ | وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ |
أَنَّهَا تُلْقِي جَنِينَهَا لِغَيْرِ تَمَامٍ مِنْ شِدَّةِ الْهَوْلِ، كَمَا أَنَّ الْمُرْضِعَةَ تَتْرُكُ وَلَدَهَا بِغَيْرِ رَضَاعٍ لِذَلِكَ. وَتَرَى النَّاسَ سُكارى
قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالرَّاءِ خِطَابٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَيْ: يَرَاهُمُ الرَّائِي كَأَنَّهُمْ سُكَارَى وَما هُمْ بِسُكارى
حَقِيقَةً، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ سَكْرَى بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِثْبَاتِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ يُجْمَعُ بِهِمَا سَكْرَانُ، مِثْلُ كَسْلَى وَكُسَالَى. وَلَمَّا نَفَى سُبْحَانَهُ عَنْهُمُ السُّكْرَ أوضح السبب
(١). سبأ: ٣٣.
(٢). الزلزلة: ١.
(٣). هو عبد الله بن رواحة.
(٤). المزمل: ١٧.
(٥). البقرة: ٢١٤.
(٢). الزلزلة: ١.
(٣). هو عبد الله بن رواحة.
(٤). المزمل: ١٧.
(٥). البقرة: ٢١٤.
514
الَّذِي لِأَجْلِهِ شَابَهُوا السُّكَارَى فَقَالَ: وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
فَبِسَبَبِ هَذِهِ الشِّدَّةِ وَالْهَوْلِ الْعَظِيمِ طَاشَتْ عُقُولُهُمْ، وَاضْطَرَبَتْ أَفْهَامُهُمْ فَصَارُوا كَالسُّكَارَى، بِجَامِعِ سَلْبِ كَمَالِ التَّمْيِيزِ وَصِحَّةِ الْإِدْرَاكِ. وَقُرِئَ «وَتُرَى» بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مُسْنَدًا إِلَى الْمُخَاطَبِ مِنْ أَرَأَيْتُكَ، أَيْ: تَظُنُّهُمْ سُكَارَى. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَلِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَجْهٌ جَيِّدٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ. ثُمَّ لَمَّا أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى مُنْكِرِي الْبَعْثِ قَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ مُقَدِّمَةً تَشْمَلُ أَهْلَ الْجِدَالِ كُلَّهُمْ، فَقَالَ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ إِعْرَابُ مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي قَوْلِهِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ «١». وَمَعْنَى فِي اللَّهِ فِي شَأْنِ اللَّهِ وَقَدْرَتِهِ، وَمَحَلُّ بِغَيْرِ عِلْمٍ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُخَاصِمُ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ فَيَزْعُمُ أَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْبَعْثِ بِغَيْرِ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ، وَلَا حُجَّةٍ يُدْلِي بِهَا وَيَتَّبِعُ فِيمَا يَقُولُهُ وَيَتَعَاطَاهُ وَيَحْتَجُّ بِهِ وَيُجَادِلُ عَنْهُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ أَيْ: مُتَمَرِّدٍ عَلَى اللَّهِ، وَهُوَ الْعَاتِي، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِخُلُوِّهِ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمُرَادُ إِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ، أَوْ رُؤَسَاءُ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يَدْعُونَ أَشْيَاعَهُمْ إِلَى الْكُفْرِ. وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْجِدَالِ، وَكَانَ يُنْكِرُ أَنَّ اللَّهَ يَقْدِرُ عَلَى إِحْيَاءِ الْأَمْوَاتِ وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ. كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ أَيْ: كُتِبَ عَلَى الشَّيْطَانِ وَفَاعِلُ «كُتِبَ» «أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ»، وَالضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ، أَيْ: من اتخذه وَلِيًّا فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ أَيْ: فَشَأْنُ الشَّيْطَانِ أَنْ يُضِلَّهُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، فَقَوْلُهُ: «أَنَّهُ يُضِلُّهُ» جَوَابُ الشَّرْطِ إِنْ جُعِلَتْ مَنْ شَرْطِيَّةً، أَوْ خَبَرُ الْمَوْصُولِ إِنْ جُعِلَتْ مَوْصُولَةً، فَقَدْ وُصِفَ الشَّيْطَانُ بِوَصْفَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ مَرِيدٌ، وَالثَّانِي مَا أَفَادَهُ جُمْلَةُ كُتِبَ عَلَيْهِ إِلَخْ. وَجُمْلَةُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ يُضِلُّهُ أَيْ:
يَحْمِلُهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ مَا يَصِيرُ بِهِ فِي عَذَابِ السَّعِيرِ.
ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْكُفَّارِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ، فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ قَرَأَ الْحَسَنُ «الْبَعَثُ» بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهِيَ لُغَةٌ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالسُّكُونِ، وَشَكُّهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي وُقُوعِهِ أَوْ فِي إِمْكَانِهِ.. وَالْمَعْنَى: إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنَ الْإِعَادَةِ فَانْظُرُوا فِي مَبْدَأِ خَلْقِكُمْ، أَيْ: خَلْقِ أَبِيكُمْ آدَمَ، لِيَزُولَ عَنْكُمُ الرَّيْبُ وَيَرْتَفِعَ الشَّكُّ وَتُدْحَضُ الشُّبْهَةُ الْبَاطِلَةُ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ فِي ضِمْنِ خَلْقِ أَبِيكُمْ آدَمَ ثُمَّ خَلَقْنَاكُمْ مِنْ نُطْفَةٍ أَيْ: مِنْ مَنِيٍّ، سُمِّيَ نُطْفَةً لِقِلَّتِهِ، وَالنُّطْفَةُ: الْقَلِيلُ مِنَ الْمَاءِ. وَقَدْ يَقَعُ عَلَى الْكَثِيرِ مِنْهُ، وَالنُّطْفَةُ: الْقَطْرَةُ، يُقَالُ: نَطَفَ يَنْطِفُ، أَيْ: قَطَرَ، وليلة نطوفة، أَيْ: دَائِمَةُ الْقَطْرِ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ وَالْعَلَقَةُ: الدَّمُ الْجَامِدُ، وَالْعَلَقُ: الدَّمُ الْعَبِيطُ، أَيِ: الطَّرِيُّ أَوِ الْمُتَجَمِّدِ، وَقِيلَ: الشَّدِيدُ الْحُمْرَةِ، وَالْمُرَادُ: الدَّمُ الْجَامِدُ الْمُتَكَوِّنُ مِنَ الْمَنِيِّ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ، قَدْرُ مَا يَمْضُغُ الْمَاضِغُ تَتَكَوَّنُ مِنَ الْعَلَقَةِ مُخَلَّقَةٍ بِالْجَرِّ صِفَةً لِمُضْغَةٍ، أَيْ: مُسْتَبِينَةِ الْخَلْقِ، ظَاهِرَةِ التَّصْوِيرِ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ أَيْ: لَمْ يَسْتَبِنْ خَلْقُهَا وَلَا ظَهَرَ تَصْوِيرُهَا. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: «مُخَلَّقَةٍ» يُرِيدُ قَدْ بدا خلقه، و «غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ» لَمْ تُصَوَّرْ. قَالَ الْأَكْثَرُ: مَا أُكْمِلَ خَلْقُهُ بِنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ فَهُوَ الْمُخَلَّقَةُ وَهُوَ الذي
فَبِسَبَبِ هَذِهِ الشِّدَّةِ وَالْهَوْلِ الْعَظِيمِ طَاشَتْ عُقُولُهُمْ، وَاضْطَرَبَتْ أَفْهَامُهُمْ فَصَارُوا كَالسُّكَارَى، بِجَامِعِ سَلْبِ كَمَالِ التَّمْيِيزِ وَصِحَّةِ الْإِدْرَاكِ. وَقُرِئَ «وَتُرَى» بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مُسْنَدًا إِلَى الْمُخَاطَبِ مِنْ أَرَأَيْتُكَ، أَيْ: تَظُنُّهُمْ سُكَارَى. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَلِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَجْهٌ جَيِّدٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ. ثُمَّ لَمَّا أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى مُنْكِرِي الْبَعْثِ قَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ مُقَدِّمَةً تَشْمَلُ أَهْلَ الْجِدَالِ كُلَّهُمْ، فَقَالَ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ إِعْرَابُ مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي قَوْلِهِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ «١». وَمَعْنَى فِي اللَّهِ فِي شَأْنِ اللَّهِ وَقَدْرَتِهِ، وَمَحَلُّ بِغَيْرِ عِلْمٍ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُخَاصِمُ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ فَيَزْعُمُ أَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْبَعْثِ بِغَيْرِ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ، وَلَا حُجَّةٍ يُدْلِي بِهَا وَيَتَّبِعُ فِيمَا يَقُولُهُ وَيَتَعَاطَاهُ وَيَحْتَجُّ بِهِ وَيُجَادِلُ عَنْهُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ أَيْ: مُتَمَرِّدٍ عَلَى اللَّهِ، وَهُوَ الْعَاتِي، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِخُلُوِّهِ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمُرَادُ إِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ، أَوْ رُؤَسَاءُ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يَدْعُونَ أَشْيَاعَهُمْ إِلَى الْكُفْرِ. وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْجِدَالِ، وَكَانَ يُنْكِرُ أَنَّ اللَّهَ يَقْدِرُ عَلَى إِحْيَاءِ الْأَمْوَاتِ وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ. كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ أَيْ: كُتِبَ عَلَى الشَّيْطَانِ وَفَاعِلُ «كُتِبَ» «أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ»، وَالضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ، أَيْ: من اتخذه وَلِيًّا فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ أَيْ: فَشَأْنُ الشَّيْطَانِ أَنْ يُضِلَّهُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، فَقَوْلُهُ: «أَنَّهُ يُضِلُّهُ» جَوَابُ الشَّرْطِ إِنْ جُعِلَتْ مَنْ شَرْطِيَّةً، أَوْ خَبَرُ الْمَوْصُولِ إِنْ جُعِلَتْ مَوْصُولَةً، فَقَدْ وُصِفَ الشَّيْطَانُ بِوَصْفَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ مَرِيدٌ، وَالثَّانِي مَا أَفَادَهُ جُمْلَةُ كُتِبَ عَلَيْهِ إِلَخْ. وَجُمْلَةُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ يُضِلُّهُ أَيْ:
يَحْمِلُهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ مَا يَصِيرُ بِهِ فِي عَذَابِ السَّعِيرِ.
ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْكُفَّارِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ، فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ قَرَأَ الْحَسَنُ «الْبَعَثُ» بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهِيَ لُغَةٌ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالسُّكُونِ، وَشَكُّهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي وُقُوعِهِ أَوْ فِي إِمْكَانِهِ.. وَالْمَعْنَى: إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنَ الْإِعَادَةِ فَانْظُرُوا فِي مَبْدَأِ خَلْقِكُمْ، أَيْ: خَلْقِ أَبِيكُمْ آدَمَ، لِيَزُولَ عَنْكُمُ الرَّيْبُ وَيَرْتَفِعَ الشَّكُّ وَتُدْحَضُ الشُّبْهَةُ الْبَاطِلَةُ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ فِي ضِمْنِ خَلْقِ أَبِيكُمْ آدَمَ ثُمَّ خَلَقْنَاكُمْ مِنْ نُطْفَةٍ أَيْ: مِنْ مَنِيٍّ، سُمِّيَ نُطْفَةً لِقِلَّتِهِ، وَالنُّطْفَةُ: الْقَلِيلُ مِنَ الْمَاءِ. وَقَدْ يَقَعُ عَلَى الْكَثِيرِ مِنْهُ، وَالنُّطْفَةُ: الْقَطْرَةُ، يُقَالُ: نَطَفَ يَنْطِفُ، أَيْ: قَطَرَ، وليلة نطوفة، أَيْ: دَائِمَةُ الْقَطْرِ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ وَالْعَلَقَةُ: الدَّمُ الْجَامِدُ، وَالْعَلَقُ: الدَّمُ الْعَبِيطُ، أَيِ: الطَّرِيُّ أَوِ الْمُتَجَمِّدِ، وَقِيلَ: الشَّدِيدُ الْحُمْرَةِ، وَالْمُرَادُ: الدَّمُ الْجَامِدُ الْمُتَكَوِّنُ مِنَ الْمَنِيِّ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ، قَدْرُ مَا يَمْضُغُ الْمَاضِغُ تَتَكَوَّنُ مِنَ الْعَلَقَةِ مُخَلَّقَةٍ بِالْجَرِّ صِفَةً لِمُضْغَةٍ، أَيْ: مُسْتَبِينَةِ الْخَلْقِ، ظَاهِرَةِ التَّصْوِيرِ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ أَيْ: لَمْ يَسْتَبِنْ خَلْقُهَا وَلَا ظَهَرَ تَصْوِيرُهَا. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: «مُخَلَّقَةٍ» يُرِيدُ قَدْ بدا خلقه، و «غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ» لَمْ تُصَوَّرْ. قَالَ الْأَكْثَرُ: مَا أُكْمِلَ خَلْقُهُ بِنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ فَهُوَ الْمُخَلَّقَةُ وَهُوَ الذي
(١). البقرة: ٨.
515
وُلِدَ لِتَمَامٍ، وَمَا سَقَطَ كَانَ غَيْرَ مُخَلَّقَةٍ، أَيْ: غَيْرَ حَيٍّ بِإِكْمَالِ خِلْقَتِهِ بِالرُّوحِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: مُخَلَّقَةٌ تَامُّ الْخَلْقِ، وَغَيْرُ مُخَلَّقَةٍ: السَّقْطُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَاللَّامُ فِي لِنُبَيِّنَ لَكُمْ مُتَعَلِّقٌ بِخَلَقْنَا، أَيْ: خَلَقْنَاكُمْ عَلَى هَذَا النمط البديع لِنُبَيِّنَ لَكُمْ كَمَالَ قُدْرَتِنَا بِتَصْرِيفِنَا أَطْوَارَ خَلْقِكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ مَا نَشاءُ رَوَى أَبُو حاتم عن أبي يزيد عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ عَاصِمٍ أَنَّهُ قَرَأَ بِنَصْبِ «نُقِرَّ» عَطْفًا عَلَى نُبَيِّنَ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ نُقِرُّ بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، أَيْ: وَنَحْنُ نُقِرُّ. قَالَ الزَّجَّاجُ:
نُقِرُّ بِالرَّفْعِ لَا غَيْرُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَعْنَى فَعَلْنَا ذَلِكَ لِنُقِرَّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: وَنُثَبِّتُ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ فَلَا يَكُونُ سَقْطًا إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَهُوَ وَقْتُ الْوِلَادَةِ، وَقَالَ مَا نَشَاءُ وَلَمْ يَقُلْ مَنْ نَشَاءُ، لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْحَمْلِ وَهُوَ جَمَادٌ قَبْلَ أَنْ يَنْفَخَ فِيهِ الرُّوحَ، وَقُرِئَ لِيُبَيِّنَ وَيُقِرُّ وَ: يُخْرِجُكُمْ بِالتَّحْتِيَّةِ فِي الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ، وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي وَثَّابٍ «مَا نَشَاءُ» بِكَسْرِ النُّونِ. ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا أَيْ:
نُخْرِجُكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ طِفْلًا، أَيْ: أَطْفَالًا، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ إِرَادَةً لِلْجِنْسِ الشَّامِلِ لِلْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: طِفْلًا فِي مَعْنَى أَطْفَالًا، وَدَلَّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْجَمَاعَةِ يَعْنِي فِي نُخْرِجُكُمْ، وَالْعَرَبُ كَثِيرًا مَا تُطْلِقُ اسْمَ الْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هُوَ اسْمٌ يُسْتَعْمَلُ مَصْدَرًا كَالرِّضَا وَالْعَدْلِ، فَيَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:
أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا «١». قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ كَقَوْلِهِ: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً «٢» وَفِيهِ بُعْدٌ، وَالظَّاهِرُ انْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ بِالتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ، وَالطِّفْلُ يُطْلَقُ عَلَى الصَّغِيرِ مِنْ وَقْتِ انْفِصَالِهِ إِلَى الْبُلُوغِ. ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ قِيلَ: هُوَ عِلَّةٌ لِنُخْرِجَكُمْ، مَعْطُوفٌ عَلَى عِلَّةٍ أُخْرَى مُنَاسِبَةٍ لَهُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: نُخْرِجُكُمْ لِتَكْبُرُوا شَيْئًا فشيئا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا إِلَى الْأَشُدِّ وَقِيلَ: إِنَّ ثُمَّ زَائِدَةٌ وَالتَّقْدِيرُ لِتَبْلُغُوا وَقِيلَ: إِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى نُبَيِّنَ، وَالْأَشُدُّ هُوَ كَمَالُ الْعَقْلِ وَكَمَالُ الْقُوَّةِ وَالتَّمْيِيزِ، قِيلَ: وَهُوَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إِلَى الْأَرْبَعِينَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا مُسْتَوْفًى فِي الْأَنْعَامِ. وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى يَعْنِي قَبْلَ بُلُوغِ الْأَشُدِّ، وَقُرِئَ «يَتَوَفَّى» مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. وَقَرَأَ الجمهور يُتَوَفَّى مبنيا المفعول وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ أَيْ: أَخَسِّهِ وَأَدْوَنِهِ، وَهُوَ الْهَرَمُ وَالْخَرَفُ حَتَّى لَا يَعْقِلَ، وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ: لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً أَيْ: شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ، أَوْ شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ بَعْدِ أَنْ كَانَ ذَا عِلْمٍ بِالْأَشْيَاءِ وَفَهْمٍ لَهَا، لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا فَهْمَ، وَمِثْلهُ قَوْلُهُ: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ- ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ «٣» وقوله: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ «٤». وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً هَذِهِ حُجَّةٌ أُخْرَى عَلَى الْبَعْثِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ احْتَجَّ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ بِإِنْزَالِ الْمَاءِ عَلَى إِحْيَاءِ الْأَمْوَاتِ، وَالْهَامِدَةُ: الْيَابِسَةُ الَّتِي لا تنبت
أَفِي غَيْرِ الْمُخَلَّقَةِ الْبُكَاءُ | فَأَيْنَ الْحَزْمُ وَيْحَكَ وَالْحَيَاءُ؟ |
نُقِرُّ بِالرَّفْعِ لَا غَيْرُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَعْنَى فَعَلْنَا ذَلِكَ لِنُقِرَّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: وَنُثَبِّتُ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ فَلَا يَكُونُ سَقْطًا إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَهُوَ وَقْتُ الْوِلَادَةِ، وَقَالَ مَا نَشَاءُ وَلَمْ يَقُلْ مَنْ نَشَاءُ، لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْحَمْلِ وَهُوَ جَمَادٌ قَبْلَ أَنْ يَنْفَخَ فِيهِ الرُّوحَ، وَقُرِئَ لِيُبَيِّنَ وَيُقِرُّ وَ: يُخْرِجُكُمْ بِالتَّحْتِيَّةِ فِي الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ، وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي وَثَّابٍ «مَا نَشَاءُ» بِكَسْرِ النُّونِ. ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا أَيْ:
نُخْرِجُكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ طِفْلًا، أَيْ: أَطْفَالًا، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ إِرَادَةً لِلْجِنْسِ الشَّامِلِ لِلْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: طِفْلًا فِي مَعْنَى أَطْفَالًا، وَدَلَّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْجَمَاعَةِ يَعْنِي فِي نُخْرِجُكُمْ، وَالْعَرَبُ كَثِيرًا مَا تُطْلِقُ اسْمَ الْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
يَلْحَيْنَنِي مِنْ حُبِّهَا وَيَلُمْنَنِي | إِنَّ الْعَوَاذِلَ لَسْنَ لِي بِأَمِيرٍ |
أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا «١». قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ كَقَوْلِهِ: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً «٢» وَفِيهِ بُعْدٌ، وَالظَّاهِرُ انْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ بِالتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ، وَالطِّفْلُ يُطْلَقُ عَلَى الصَّغِيرِ مِنْ وَقْتِ انْفِصَالِهِ إِلَى الْبُلُوغِ. ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ قِيلَ: هُوَ عِلَّةٌ لِنُخْرِجَكُمْ، مَعْطُوفٌ عَلَى عِلَّةٍ أُخْرَى مُنَاسِبَةٍ لَهُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: نُخْرِجُكُمْ لِتَكْبُرُوا شَيْئًا فشيئا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا إِلَى الْأَشُدِّ وَقِيلَ: إِنَّ ثُمَّ زَائِدَةٌ وَالتَّقْدِيرُ لِتَبْلُغُوا وَقِيلَ: إِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى نُبَيِّنَ، وَالْأَشُدُّ هُوَ كَمَالُ الْعَقْلِ وَكَمَالُ الْقُوَّةِ وَالتَّمْيِيزِ، قِيلَ: وَهُوَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إِلَى الْأَرْبَعِينَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا مُسْتَوْفًى فِي الْأَنْعَامِ. وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى يَعْنِي قَبْلَ بُلُوغِ الْأَشُدِّ، وَقُرِئَ «يَتَوَفَّى» مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. وَقَرَأَ الجمهور يُتَوَفَّى مبنيا المفعول وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ أَيْ: أَخَسِّهِ وَأَدْوَنِهِ، وَهُوَ الْهَرَمُ وَالْخَرَفُ حَتَّى لَا يَعْقِلَ، وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ: لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً أَيْ: شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ، أَوْ شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ بَعْدِ أَنْ كَانَ ذَا عِلْمٍ بِالْأَشْيَاءِ وَفَهْمٍ لَهَا، لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا فَهْمَ، وَمِثْلهُ قَوْلُهُ: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ- ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ «٣» وقوله: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ «٤». وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً هَذِهِ حُجَّةٌ أُخْرَى عَلَى الْبَعْثِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ احْتَجَّ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ بِإِنْزَالِ الْمَاءِ عَلَى إِحْيَاءِ الْأَمْوَاتِ، وَالْهَامِدَةُ: الْيَابِسَةُ الَّتِي لا تنبت
(١). النور: ٣١.
(٢). النساء: ٤.
(٣). التين: ٤ و ٥. [.....]
(٤). يس: ٦٨.
(٢). النساء: ٤.
(٣). التين: ٤ و ٥. [.....]
(٤). يس: ٦٨.
516
شَيْئًا. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَيْ: مَيْتَةٌ يَابِسَةٌ كَالنَّارِ إِذَا طُفِئَتْ، وَقِيلَ: دَارِسَةٌ، وَالْهُمُودُ: الدُّرُوسُ، وَمِنْهُ قَوْلِ الْأَعْشَى:
وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي ذَهَبَ عَنْهَا النَّدَى، وَقِيلَ: هالكة، ومعاني هَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَةٌ. فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ الْمُرَادُ بِالْمَاءِ هُنَا الْمَطَرُ، وَمَعْنَى اهْتَزَّتْ تَحَرَّكَتْ، وَالِاهْتِزَازُ: شِدَّةُ الْحَرَكَةِ، يُقَالُ:
هَزَزْتُ الشَّيْءَ فَاهْتَزَّ، أَيْ: حَرَّكْتُهُ فَتَحَرَّكَ. وَالْمَعْنَى: تَحَرَّكَتْ بِالنَّبَاتِ لِأَنَّ النَّبَاتَ لَا يُخْرَجُ مِنْهَا حَتَّى يُزِيلَ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ إِزَالَةً حَقِيقَةً، فَسَمَّاهُ اهْتِزَازًا مَجَازًا. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: الْمَعْنَى اهْتَزَّ نَبَاتُهَا، فَحَذَفَ الْمُضَافَ، وَاهْتِزَازُهُ: شِدَّةُ حَرَكَتِهِ، وَالِاهْتِزَازُ فِي النَّبَاتِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الْأَرْضِ، وَمَعْنَى رَبَتِ: ارْتَفَعَتْ، وَقِيلَ:
انْتَفَخَتْ. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَأَصْلُهُ الزِّيَادَةُ، يُقَالُ: رَبَا الشَّيْءُ يَرْبُو رَبْوًا إِذَا زَادَ، وَمِنْهُ الرِّبَا وَالرَّبْوَةُ. وَقَرَأَ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَخَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ «وَرَبَأَتْ» أَيِ: ارْتَفَعَتْ حَتَّى صارت بمنزلة الربيئة، وَهُوَ الَّذِي يَحْفَظُ الْقَوْمَ عَلَى مَكَانٍ مُشْرِفٍ، يُقَالُ لَهُ رَابِئٌ وَرَابِئَةٌ وَرَبِيئَةٌ. وَأَنْبَتَتْ أَيْ: أَخْرَجَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ أَيْ: مِنْ كُلِّ صِنْفٍ حَسَنٍ وَلَوْنٍ مُسْتَحْسَنٍ، وَالْبَهْجَةُ: الْحُسْنُ، وَجُمْلَةُ ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ مُسْتَأْنَفَةٌ. لَمَّا ذَكَرَ افْتِقَارَ الْمَوْجُودَاتِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَسْخِيرِهَا عَلَى وَفْقِ إِرَادَتِهِ وَاقْتِدَارِهِ، قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ، وَهِيَ إِثْبَاتُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ الْحَقُّ، وَأَنَّهُ الْمُتَفَرِّدُ بِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ الْمُتَفَرِّدُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ، وَأَنَّهَا مِنْ شَأْنِهِ، لَا يَدَّعِي غَيْرَهُ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، فَدَلَّ سُبْحَانَهُ بِهَذَا عَلَى أَنَّهُ الْحَقُّ الْحَقِيقِيُّ الْغَنِيُّ الْمُطْلَقُ وَأَنَّ وُجُودَ كُلِّ مَوْجُودٍ مُسْتَفَادٌ مِنْهُ، وَالْحَقُّ: هُوَ الْمَوْجُودُ الَّذِي لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَزُولُ وَقِيلَ: ذُو الْحَقِّ عَلَى عِبَادِهِ، وَقِيلَ: الْحَقُّ فِي أَفْعَالِهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، أَيِ:
الْأَمْرُ مَا وَصَفَهُ لَكُمْ وَبَيَّنَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَصْبًا، ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَيْ: فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ، قِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ فِعْلٍ، أَيْ: وَلِتَعْلَمُوا أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيها أَيْ: لَا شَكَّ فِيهَا وَلَا تَرَدُّدَ، وَجُمْلَةُ لَا رَيْبَ فِيها خَبَرٌ ثَانٍ لِلسَّاعَةِ، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنِ الْبَعْثِ فَقَالَ: وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ فَيُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ:
«لما نزلت يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ إِلَى قَوْلِهِ وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: أَتُدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ ذَلِكَ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذَلِكَ يَوْمَ يَقُولُ اللَّهُ لِآدَمَ ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: يَا رَبِّ وَمَا بَعَثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ إِلَى النار، وواحد إِلَى الْجَنَّةِ. فَأَنْشَأَ الْمُسْلِمُونَ يَبْكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَارِبُوا وَسَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ قَطُّ إِلَّا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهَا جَاهِلِيَّةٌ، فيؤخذ العدد مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنْ تَمَّتْ وَإِلَّا كَمُلَتْ
قَالَتْ قُتَيْلَةُ مَا لِجِسْمِكَ شاحبا | وأرى ثيابك باليات همّدا |
هَزَزْتُ الشَّيْءَ فَاهْتَزَّ، أَيْ: حَرَّكْتُهُ فَتَحَرَّكَ. وَالْمَعْنَى: تَحَرَّكَتْ بِالنَّبَاتِ لِأَنَّ النَّبَاتَ لَا يُخْرَجُ مِنْهَا حَتَّى يُزِيلَ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ إِزَالَةً حَقِيقَةً، فَسَمَّاهُ اهْتِزَازًا مَجَازًا. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: الْمَعْنَى اهْتَزَّ نَبَاتُهَا، فَحَذَفَ الْمُضَافَ، وَاهْتِزَازُهُ: شِدَّةُ حَرَكَتِهِ، وَالِاهْتِزَازُ فِي النَّبَاتِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الْأَرْضِ، وَمَعْنَى رَبَتِ: ارْتَفَعَتْ، وَقِيلَ:
انْتَفَخَتْ. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَأَصْلُهُ الزِّيَادَةُ، يُقَالُ: رَبَا الشَّيْءُ يَرْبُو رَبْوًا إِذَا زَادَ، وَمِنْهُ الرِّبَا وَالرَّبْوَةُ. وَقَرَأَ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَخَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ «وَرَبَأَتْ» أَيِ: ارْتَفَعَتْ حَتَّى صارت بمنزلة الربيئة، وَهُوَ الَّذِي يَحْفَظُ الْقَوْمَ عَلَى مَكَانٍ مُشْرِفٍ، يُقَالُ لَهُ رَابِئٌ وَرَابِئَةٌ وَرَبِيئَةٌ. وَأَنْبَتَتْ أَيْ: أَخْرَجَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ أَيْ: مِنْ كُلِّ صِنْفٍ حَسَنٍ وَلَوْنٍ مُسْتَحْسَنٍ، وَالْبَهْجَةُ: الْحُسْنُ، وَجُمْلَةُ ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ مُسْتَأْنَفَةٌ. لَمَّا ذَكَرَ افْتِقَارَ الْمَوْجُودَاتِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَسْخِيرِهَا عَلَى وَفْقِ إِرَادَتِهِ وَاقْتِدَارِهِ، قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ، وَهِيَ إِثْبَاتُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ الْحَقُّ، وَأَنَّهُ الْمُتَفَرِّدُ بِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ الْمُتَفَرِّدُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ، وَأَنَّهَا مِنْ شَأْنِهِ، لَا يَدَّعِي غَيْرَهُ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، فَدَلَّ سُبْحَانَهُ بِهَذَا عَلَى أَنَّهُ الْحَقُّ الْحَقِيقِيُّ الْغَنِيُّ الْمُطْلَقُ وَأَنَّ وُجُودَ كُلِّ مَوْجُودٍ مُسْتَفَادٌ مِنْهُ، وَالْحَقُّ: هُوَ الْمَوْجُودُ الَّذِي لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَزُولُ وَقِيلَ: ذُو الْحَقِّ عَلَى عِبَادِهِ، وَقِيلَ: الْحَقُّ فِي أَفْعَالِهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، أَيِ:
الْأَمْرُ مَا وَصَفَهُ لَكُمْ وَبَيَّنَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَصْبًا، ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَيْ: فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ، قِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ فِعْلٍ، أَيْ: وَلِتَعْلَمُوا أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيها أَيْ: لَا شَكَّ فِيهَا وَلَا تَرَدُّدَ، وَجُمْلَةُ لَا رَيْبَ فِيها خَبَرٌ ثَانٍ لِلسَّاعَةِ، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنِ الْبَعْثِ فَقَالَ: وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ فَيُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ:
«لما نزلت يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ إِلَى قَوْلِهِ وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: أَتُدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ ذَلِكَ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذَلِكَ يَوْمَ يَقُولُ اللَّهُ لِآدَمَ ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: يَا رَبِّ وَمَا بَعَثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ إِلَى النار، وواحد إِلَى الْجَنَّةِ. فَأَنْشَأَ الْمُسْلِمُونَ يَبْكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَارِبُوا وَسَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ قَطُّ إِلَّا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهَا جَاهِلِيَّةٌ، فيؤخذ العدد مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنْ تَمَّتْ وَإِلَّا كَمُلَتْ
517
مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَمَا مَثَلُكُمْ وَالْأُمَمِ إِلَّا كَمَثَلِ الرَّقْمَةِ «١» فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ، أَوْ كَالشَّامَةِ «٢» فِي جَنْبِ الْبَعِيرِ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرُوا، ثُمَّ قَالَ: إني لأرجو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرُوا، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرُوا، قَالَ: وَلَا أَدْرِي قَالَ الثُّلُثَيْنِ أَمْ لَا».
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مَرْفُوعًا نحوه، وقال في آخره:
«اعملوا وأبشروا، فو الذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَمَعَ خَلِيقَتَيْنِ مَا كانتا مَعَ شَيْءٍ إِلَّا كَثَّرَتَاهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ بَنِي آدَمَ وَمِنْ بَنِي إِبْلِيسَ، فَسُرِّيَ عَنِ الْقَوْمِ بَعْضُ الَّذِي يَجِدُونَ، قَالَ: اعملوا وأبشروا، فو الذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلَّا كَالشَّامَةِ فِي جَنْبِ الْبَعِيرِ، أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ». وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ أَيْضًا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ: «مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفٌ وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ، وَهَلْ أَنْتُمْ فِي الْأُمَمِ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَبْيَضِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ».
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: كُتِبَ عَلَيْهِ قَالَ: كُتِبَ عَلَى الشَّيْطَانِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ: أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ قَالَ: اتَّبَعَهُ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ إِلَيْهِ الْمَلَكَ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فو الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلَهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلَهَا» وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ قَالَ: الْمُخَلَّقَةُ مَا كَانَ حَيًّا، وَغَيْرُ الْمُخَلَّقَةِ مَا كَانَ سَقْطًا. وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ قَالَ: حَسَنٌ. وَأَخْرَجَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: مَنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، دَخَلَ الجنة.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مَرْفُوعًا نحوه، وقال في آخره:
«اعملوا وأبشروا، فو الذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَمَعَ خَلِيقَتَيْنِ مَا كانتا مَعَ شَيْءٍ إِلَّا كَثَّرَتَاهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ بَنِي آدَمَ وَمِنْ بَنِي إِبْلِيسَ، فَسُرِّيَ عَنِ الْقَوْمِ بَعْضُ الَّذِي يَجِدُونَ، قَالَ: اعملوا وأبشروا، فو الذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلَّا كَالشَّامَةِ فِي جَنْبِ الْبَعِيرِ، أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ». وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ أَيْضًا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ: «مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفٌ وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ، وَهَلْ أَنْتُمْ فِي الْأُمَمِ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَبْيَضِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ».
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: كُتِبَ عَلَيْهِ قَالَ: كُتِبَ عَلَى الشَّيْطَانِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ: أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ قَالَ: اتَّبَعَهُ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ إِلَيْهِ الْمَلَكَ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فو الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلَهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلَهَا» وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ قَالَ: الْمُخَلَّقَةُ مَا كَانَ حَيًّا، وَغَيْرُ الْمُخَلَّقَةِ مَا كَانَ سَقْطًا. وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ قَالَ: حَسَنٌ. وَأَخْرَجَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: مَنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، دَخَلَ الجنة.
(١). «الرقمة» : الرقمتان: هما الأثران في باطن عضد الحمار، وقيل: هي الدائرة في ذراعيه، وقيل: هي الرمّة الناتئة في ذراع الدابة من داخل.
(٢). «الشامة» : الخال والعلامة في الجسد.
(٢). «الشامة» : الخال والعلامة في الجسد.
518
﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ﴾ انتصاب الظرف بما بعده، والضمير يرجع إلى الزلزلة، أي وقت رؤيتكم لها، تذهل : كل ذات رضاع عن رضيعها وتغفل عنه. قال قطرب : تذهل تشتغل، وأنشد قول الشاعر :
وقيل : تنسى، وقيل : تلهو. وقيل : تسلو، وهذه معانيها متقاربة. قال المبرّد : إن «ما » فيما أرضعت بمعنى المصدر أي تذهل عن الإرضاع، قال : وهذا يدل على أن هذه الزلزلة في الدنيا، إذ ليس بعد القيامة حمل وإرضاع، إلا أن يقال : من ماتت حاملاً فتضع حملها للهول، ومن ماتت مرضعة بعثت كذلك، ويقال : هذا مثل كما يقال :﴿ يَوْماً يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ [ المزمل : ١٧ ]. وقيل : يكون مع النفخة الأولى، قال : ويحتمل أن تكون الساعة عبارة عن أهوال يوم القيامة، كما في قوله :﴿ مَسَّتْهُمُ البأساء والضراء وَزُلْزِلُوا ﴾ [ البقرة : ٢١٤ ]. ومعنى ﴿ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ﴾ : أنها تلقي جنينها لغير تمام من شدّة الهول، كما أن المرضعة تترك ولدها بغير رضاع لذلك ﴿ وَتَرَى الناس سكارى ﴾ قرأ الجمهور بفتح التاء والراء خطاب لكل واحد، أي يراهم الرائي كأنهم سكارى ﴿ وَمَا هُم بسكارى ﴾ حقيقة، قرأ حمزة والكسائي :" سكرى " بغير ألف، وقرأ الباقون بإثباتها وهما لغتان يجمع بهما سكران، مثل كسلى وكسالى، ولما نفى سبحانه عنهم السكر أوضح السبب الذي لأجله شابهوا السكارى فقال :﴿ ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ ﴾ فبسبب هذه الشدة والهول العظيم طاشت عقولهم، واضطربت أفهامهم فصاروا كالسكارى، بجامع سلب كمال التمييز وصحة الإدراك.
وقرئ :«وترى » بضم التاء وفتح الراء مسنداً إلى المخاطب من أرأيتك أي : تظنهم سكارى. قال الفراء : ولهذه القراءة وجه جيد في العربية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن الحسن وغيره عن عمران بن حصين قال :( لما نزلت ﴿ يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْء عَظِيمٌ ﴾ إلى قوله :﴿ ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ ﴾ أنزلت عليه هذه وهو في سفر، فقال :«أتدرون أيّ يوم ذلك ؟» قالوا : الله ورسوله أعلم، قال :«ذلك يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار، قال : يا ربّ وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحداً إلى الجنة )، فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قاربوا وسدّدوا وأبشروا، فإنها لم تكن نبوّة قط إلا كان بين يديها جاهلية فتؤخذ العدّة من الجاهلية، فإن تمت وإلا كملت من المنافقين، وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة، أو كالشامة في جنب البعير )، ثم قال :( إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ) فكبّروا، ثم قال :( إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة ) فكبّروا، ثم قال :( إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ) فكبّروا، قال :( ولا أدري قال الثلثين أم لا ). وأخرج الترمذي وصححه، وابن جرير وابن المنذر عن عمران بن حصين مرفوعاً نحوه، وقال في آخره :( اعملوا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه : يأجوج ومأجوج، ومن مات من بني آدم ومن بني إبليس )، فسري عن القوم بعض الذي يجدون، قال :( اعملوا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة ). وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس مرفوعاً نحوه. وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس مرفوعاً نحوه أيضاً، وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، وفي آخره فقال :( من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم واحد، وهل أنتم في الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود ). وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ كُتِبَ عَلَيْهِ ﴾ قال : كتب على الشيطان. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله :﴿ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ ﴾ قال : اتبعه. وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود قال : حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق والمصدوق :( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً. وأخرج ابن أبي حاتم وصححه عن ابن عباس في قوله :﴿ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ﴾ قال : المخلقة ما كان حياً، وغير المخلقة ما كان سقطاً. وروي نحو هذا عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ قال : حسن. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن معاذ بن جبل قال : من علم أن الله عزّ وجلّ حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور ؛ دخل الجنة.
ضرب يزيل الهام عن مقيله | ويذهل الخليل عن خليله |
وقرئ :«وترى » بضم التاء وفتح الراء مسنداً إلى المخاطب من أرأيتك أي : تظنهم سكارى. قال الفراء : ولهذه القراءة وجه جيد في العربية.
ثم لما أراد سبحانه أن يحتجّ على منكري البعث قدّم قبل ذلك مقدّمة تشمل أهل الجدال كلهم فقال :﴿ وَمِنَ الناس مَن يجادل فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ وقد تقدّم إعراب مثل هذا التركيب في قوله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ ﴾ [ البقرة : ٨ ]. ومعنى ﴿ فِي الله ﴾ : في شأن الله وقدرته، ومحل ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ النصب على الحال. والمعنى : أنه يخاصم في قدرة الله، فيزعم أنه غير قادر على البعث بغير علم يعلمه، ولا حجة يدلي بها ﴿ وَيَتَّبِعْ ﴾ فيما يقوله ويتعاطاه ويحتجّ به ويجادل عنه ﴿ كُلَّ شيطان مَرِيدٍ ﴾ أي متمرّد على الله وهو العاتي، سمي بذلك لخلّوه عن كل خير، والمراد : إبليس وجنوده، أو رؤساء الكفار الذين يدعون أشياعهم إلى الكفر. وقال الواحدي : قال المفسرون : نزلت في النضر بن الحارث وكان كثير الجدال، وكان ينكر أن الله يقدر على إحياء الأموات. وقيل : نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن الحسن وغيره عن عمران بن حصين قال :( لما نزلت ﴿ يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْء عَظِيمٌ ﴾ إلى قوله :﴿ ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ ﴾ أنزلت عليه هذه وهو في سفر، فقال :«أتدرون أيّ يوم ذلك ؟» قالوا : الله ورسوله أعلم، قال :«ذلك يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار، قال : يا ربّ وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحداً إلى الجنة )، فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قاربوا وسدّدوا وأبشروا، فإنها لم تكن نبوّة قط إلا كان بين يديها جاهلية فتؤخذ العدّة من الجاهلية، فإن تمت وإلا كملت من المنافقين، وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة، أو كالشامة في جنب البعير )، ثم قال :( إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ) فكبّروا، ثم قال :( إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة ) فكبّروا، ثم قال :( إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ) فكبّروا، قال :( ولا أدري قال الثلثين أم لا ). وأخرج الترمذي وصححه، وابن جرير وابن المنذر عن عمران بن حصين مرفوعاً نحوه، وقال في آخره :( اعملوا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه : يأجوج ومأجوج، ومن مات من بني آدم ومن بني إبليس )، فسري عن القوم بعض الذي يجدون، قال :( اعملوا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة ). وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس مرفوعاً نحوه. وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس مرفوعاً نحوه أيضاً، وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، وفي آخره فقال :( من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم واحد، وهل أنتم في الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود ). وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ كُتِبَ عَلَيْهِ ﴾ قال : كتب على الشيطان. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله :﴿ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ ﴾ قال : اتبعه. وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود قال : حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق والمصدوق :( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً. وأخرج ابن أبي حاتم وصححه عن ابن عباس في قوله :﴿ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ﴾ قال : المخلقة ما كان حياً، وغير المخلقة ما كان سقطاً. وروي نحو هذا عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ قال : حسن. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن معاذ بن جبل قال : من علم أن الله عزّ وجلّ حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور ؛ دخل الجنة.
﴿ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ ﴾ أي كتب على الشيطان ؛ وفاعل كتب : أنه من تولاه، والضمير للشأن، أي من اتخذه ولياً ﴿ فَإنَّهُ يُضِلُّهُ ﴾ أي : فشأن الشيطان أن يضله عن طريق الحقّ، فقوله " أنه يضله " جواب الشرط إن جعلت " من " شرطية أو خبر الموصول إن جعلت موصولة، فقد وصف الشيطان بوصفين : الأوّل أنه مريد، والثاني ما أفاده جملة " كتب عليه " إلخ، وجملة ﴿ وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السعير ﴾ معطوفة على جملة يضله أي : يحمله على مباشرة ما يصير به في عذاب السعير.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن الحسن وغيره عن عمران بن حصين قال :( لما نزلت ﴿ يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْء عَظِيمٌ ﴾ إلى قوله :﴿ ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ ﴾ أنزلت عليه هذه وهو في سفر، فقال :«أتدرون أيّ يوم ذلك ؟» قالوا : الله ورسوله أعلم، قال :«ذلك يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار، قال : يا ربّ وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحداً إلى الجنة )، فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قاربوا وسدّدوا وأبشروا، فإنها لم تكن نبوّة قط إلا كان بين يديها جاهلية فتؤخذ العدّة من الجاهلية، فإن تمت وإلا كملت من المنافقين، وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة، أو كالشامة في جنب البعير )، ثم قال :( إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ) فكبّروا، ثم قال :( إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة ) فكبّروا، ثم قال :( إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ) فكبّروا، قال :( ولا أدري قال الثلثين أم لا ). وأخرج الترمذي وصححه، وابن جرير وابن المنذر عن عمران بن حصين مرفوعاً نحوه، وقال في آخره :( اعملوا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه : يأجوج ومأجوج، ومن مات من بني آدم ومن بني إبليس )، فسري عن القوم بعض الذي يجدون، قال :( اعملوا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة ). وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس مرفوعاً نحوه. وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس مرفوعاً نحوه أيضاً، وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، وفي آخره فقال :( من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم واحد، وهل أنتم في الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود ). وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ كُتِبَ عَلَيْهِ ﴾ قال : كتب على الشيطان. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله :﴿ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ ﴾ قال : اتبعه. وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود قال : حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق والمصدوق :( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً. وأخرج ابن أبي حاتم وصححه عن ابن عباس في قوله :﴿ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ﴾ قال : المخلقة ما كان حياً، وغير المخلقة ما كان سقطاً. وروي نحو هذا عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ قال : حسن. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن معاذ بن جبل قال : من علم أن الله عزّ وجلّ حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور ؛ دخل الجنة.
ثم ذكر سبحانه ما هو المقصود من الاحتجاج على الكفار بعد فراغه من تلك المقدّمة، فقال :﴿ يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ منَ البعث ﴾ قرأ الحسن :«البعث » بفتح العين وهي لغة، وقرأ الجمهور بالسكون، وشكهم يحتمل أن يكون في وقوعه أو في إمكانه. والمعنى : إن كنتم في شكّ من الإعادة فانظروا في مبدأ خلقكم، أي خلق أبيكم آدم، ليزول عنكم الريب، ويرتفع الشكّ وتدحض الشبهة الباطلة ﴿ فَإِنَّا خلقناكم من تُرَابٍ ﴾ في ضمن خلق أبيكم آدم «ثُمَّ » خلقناكم ﴿ مِن نُطْفَةٍ ﴾ أي من منيّ، سمي نطفة لقلته، والنطفة : القليل من الماء. وقد يقع على الكثير منه، والنطفة : القطرة، يقال : نطف ينطف، أي قطر. وليلة نطوف، أي دائمة القطر ﴿ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ﴾ والعلقة : الدم الجامد، والعلق : الدم العبيط، أي الطريّ أو المتجمد، وقيل : الشديد الحمرة والمراد : الدم الجامد المتكوّن من المنيّ ﴿ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ ﴾ وهي القطعة من اللحم، قدر ما يمضغ الماضغ تتكوّن من العلقة ﴿ مُّخَلَّقَةٍ ﴾ بالجرّ صفة لمضغة، أي مستبينة الخلق ظاهرة التصوير ﴿ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ﴾ أي : لم يستبن خلقها ولا ظهر تصويرها. قال ابن الأعرابي : مخلقة يريد قد بدأ خلقه، وغير مخلقة : لم تصوّر. قال الأكثر : ما أكمل خلقه بنفخ الروح فيه فهو المخلقة وهو الذي ولد لتمام، وما سقط كان غير مخلقة أي غير حيّ بإكمال خلقته بالروح. قال الفراء : مخلقة : تامّ الخلق، وغير مخلقة : السقط، ومنه قول الشاعر :
واللام في ﴿ لنُبَيّنَ لَكُمْ ﴾ متعلق بخلقنا، أي خلقناكم على هذا النمط البديع لنبين لكم كمال قدرتنا بتصريفنا أطوار خلقكم ﴿ وَنُقِرُّ فِي الأرحام مَا نَشَاء ﴾ روى أبو حاتم عن أبي زيد عن المفضل عن عاصم أنه قرأ بنصب " نقرّ " عطفاً على " نبين "، وقرأ الجمهور :«نقر » بالرفع على الاستئناف، أي ونحن نقرّ. قال الزجاج : نقرّ بالرفع لا غير، لأنه ليس المعنى فعلنا ذلك لنقرّ في الأرحام ما نشاء، ومعنى الآية : ونثبت في الأرحام ما نشاء فلا يكون سقطاً ﴿ إلى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ وهو وقت الولادة، وقال ما نشاء، ولم يقل : من نشاء، لأنه يرجع إلى الحمل وهو جماد قبل أن ينفخ فيه الروح، وقرئ «ليبين » «ويقرّ » و«يخرجكم » بالتحتية في الأفعال الثلاثة، وقرأ ابن أبي وثاب :«ما نشاء » بكسر النون ﴿ ثُمَّ نُخْرِجكُمْ طِفْلاً ﴾ أي نخرجكم من بطون أمهاتكم طفلاً، أي أطفالاً، وإنما أفرده إرادة للجنس الشامل للواحد والمتعدد. قال الزجاج : طفلاً في معنى أطفالاً، ودلّ عليه ذكر الجماعة : يعني في : نخرجكم، والعرب كثيراً ما تطلق اسم الواحد على الجماعة، ومنه قول الشاعر :
وقال المبرد : هو اسم يستعمل مصدراً كالرضا والعدل، فيقع على الواحد والجمع، قال الله سبحانه :﴿ أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُوا ﴾ [ النور : ٣١ ]. قال ابن جرير : هو منصوب على التمييز كقوله :﴿ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْء منْهُ نَفْساً ﴾ [ النساء : ٤ ]. وفيه بعد، والظاهر انتصابه على الحال بالتأويل المذكور، والطفل يطلق على الصغير من وقت انفصاله إلى البلوغ ﴿ ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ﴾ قيل : هو علة لنخرجكم معطوف على علة أخرى مناسبة له، كأنه قيل : نخرجكم لتكبروا شيئاً فشيئاً ثم لتبلغوا إلى الأشدّ ؛ وقيل : إن " ثم " زائدة والتقدير : لتبلغوا ؛ وقيل : إنه معطوف على " نبين ". والأشدّ هو : كمال العقل وكمال القوّة والتمييز. قيل : وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين. وقد تقدم الكلام في هذا مستوفى في الأنعام ﴿ وَمِنكُمْ مَن يتوفى ﴾ يعني : قبل بلوغ الأشدّ، وقرئ «يتوفّى » مبنياً للفاعل. وقرأ الجمهور :«يتوفى » مبنياً للمفعول ﴿ وَمِنكُم مَن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر ﴾ أي أخسه وأدونه، وهو الهرم والخرف حتى لا يعقل، ولهذا قال سبحانه :﴿ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ﴾ أي شيئاً من الأشياء، أو شيئاً من العلم، والمعنى : أنه يصير من بعد أن كان ذا علم بالأشياء وفهم لها، لا علم له ولا فهم، ومثله قوله :﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رددناه أَسْفَلَ سافلين ﴾ [ التين : ٤، ٥ ]، وقوله :﴿ وَمَن نّعَمّرْهُ نُنَكّسْهُ فِي الخلق ﴾ [ يس : ٦٨ ]. ﴿ وَتَرَى الأرض هَامِدَةً ﴾ هذه حجة أخرى على البعث، فإنه سبحانه احتج بإحياء الأرض بإنزال الماء على إحياء الأموات، والهامدة : اليابسة التي لا تنبت شيئاً، قال ابن قتيبة : أي ميتة يابسة كالنار إذا طفئت. وقيل : دارسة، والهمود : الدروس، ومنه قول الأعشى :
وقيل : هي التي ذهب عنها الندى ؛ وقيل : هالكة، ومعاني هذه الأقوال متقاربة ﴿ فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء اهتزت وَرَبَتْ ﴾ المراد بالماء هنا : المطر، ومعنى : اهتزّت : تحركت. والاهتزاز : شدّة الحركة، يقال : هززت الشيء فاهتزّ، أي حركته فتحرك، والمعنى : تحركت بالنبات ؛ لأن النبات لا يخرج منها حتى يزيل بعضها من بعض إزالة حقيقة، فسماه اهتزازاً مجازاً. وقال المبرد : المعنى : اهتزّ نباتها فحذف المضاف. واهتزازه شدة حركته، والاهتزاز في النبات أظهر منه في الأرض. ومعنى ربت : ارتفعت، وقيل : انتفخت. والمعنى واحد، وأصله : الزيادة، يقال : ربا الشيء يربو ربواً : إذا زاد، ومنه الربا والربوة. وقرأ يزيد بن القعقاع وخالد بن إلياس :«وربأت » أي ارتفعت حتى صارت بمنزلة الرابية، وهو الذي يحفظ القوم على مكان مشرف يقال له : رابىء ورابئة وربيئة ﴿ وَأَنبَتَتْ ﴾ أي أخرجت ﴿ مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ أي من كلّ صنف حسن ولون مستحسن، والبهجة : الحسن.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن الحسن وغيره عن عمران بن حصين قال :( لما نزلت ﴿ يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْء عَظِيمٌ ﴾ إلى قوله :﴿ ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ ﴾ أنزلت عليه هذه وهو في سفر، فقال :«أتدرون أيّ يوم ذلك ؟» قالوا : الله ورسوله أعلم، قال :«ذلك يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار، قال : يا ربّ وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحداً إلى الجنة )، فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قاربوا وسدّدوا وأبشروا، فإنها لم تكن نبوّة قط إلا كان بين يديها جاهلية فتؤخذ العدّة من الجاهلية، فإن تمت وإلا كملت من المنافقين، وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة، أو كالشامة في جنب البعير )، ثم قال :( إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ) فكبّروا، ثم قال :( إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة ) فكبّروا، ثم قال :( إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ) فكبّروا، قال :( ولا أدري قال الثلثين أم لا ). وأخرج الترمذي وصححه، وابن جرير وابن المنذر عن عمران بن حصين مرفوعاً نحوه، وقال في آخره :( اعملوا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه : يأجوج ومأجوج، ومن مات من بني آدم ومن بني إبليس )، فسري عن القوم بعض الذي يجدون، قال :( اعملوا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة ). وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس مرفوعاً نحوه. وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس مرفوعاً نحوه أيضاً، وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، وفي آخره فقال :( من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم واحد، وهل أنتم في الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود ). وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ كُتِبَ عَلَيْهِ ﴾ قال : كتب على الشيطان. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله :﴿ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ ﴾ قال : اتبعه. وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود قال : حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق والمصدوق :( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً. وأخرج ابن أبي حاتم وصححه عن ابن عباس في قوله :﴿ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ﴾ قال : المخلقة ما كان حياً، وغير المخلقة ما كان سقطاً. وروي نحو هذا عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ قال : حسن. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن معاذ بن جبل قال : من علم أن الله عزّ وجلّ حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور ؛ دخل الجنة.
أفي غير المخلقة البكاء | فأين الحزم ويحك والحياء |
يليحنني من حبها ويلمنني | إن العواذل لسن لي بأمير |
قالت قتيلة ما لجسمك شاحباً | وأرى ثيابك باليات همودا |
وجملة :﴿ ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق ﴾ مستأنفة، لما ذكر افتقار الموجودات إليه سبحانه وتسخيرها على وفق إرادته واقتداره. قال بعد ذلك هذه المقالات، وهي إثبات أنه سبحانه الحق، وأنه المتفرد بإحياء الموتى، وأنه قادر على كل شيء من الأشياء، والمعنى : أنه المتفرد بهذه الأمور، وأنها من شأنه لا يدّعي غيره أنه يقدر على شيء منها، فدلّ سبحانه بهذا على أنه الحق الحقيقي الغني المطلق ؛ وأن وجود كل موجود مستفاد منه، والحق هو الموجود الذي لا يتغير ولا يزول. وقيل : ذو الحقّ على عباده. وقيل : الحقّ في أفعاله. قال الزجاج :﴿ ذلك ﴾ في موضع رفع، أي الأمر ما وصفه لكم وبيّن بأن الله هو الحق. قال : ويجوز أن يكون ﴿ ذلك ﴾ نصباً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن الحسن وغيره عن عمران بن حصين قال :( لما نزلت ﴿ يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْء عَظِيمٌ ﴾ إلى قوله :﴿ ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ ﴾ أنزلت عليه هذه وهو في سفر، فقال :«أتدرون أيّ يوم ذلك ؟» قالوا : الله ورسوله أعلم، قال :«ذلك يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار، قال : يا ربّ وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحداً إلى الجنة )، فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قاربوا وسدّدوا وأبشروا، فإنها لم تكن نبوّة قط إلا كان بين يديها جاهلية فتؤخذ العدّة من الجاهلية، فإن تمت وإلا كملت من المنافقين، وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة، أو كالشامة في جنب البعير )، ثم قال :( إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ) فكبّروا، ثم قال :( إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة ) فكبّروا، ثم قال :( إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ) فكبّروا، قال :( ولا أدري قال الثلثين أم لا ). وأخرج الترمذي وصححه، وابن جرير وابن المنذر عن عمران بن حصين مرفوعاً نحوه، وقال في آخره :( اعملوا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه : يأجوج ومأجوج، ومن مات من بني آدم ومن بني إبليس )، فسري عن القوم بعض الذي يجدون، قال :( اعملوا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة ). وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس مرفوعاً نحوه. وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس مرفوعاً نحوه أيضاً، وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، وفي آخره فقال :( من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم واحد، وهل أنتم في الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود ). وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ كُتِبَ عَلَيْهِ ﴾ قال : كتب على الشيطان. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله :﴿ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ ﴾ قال : اتبعه. وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود قال : حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق والمصدوق :( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً. وأخرج ابن أبي حاتم وصححه عن ابن عباس في قوله :﴿ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ﴾ قال : المخلقة ما كان حياً، وغير المخلقة ما كان سقطاً. وروي نحو هذا عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ قال : حسن. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن معاذ بن جبل قال : من علم أن الله عزّ وجلّ حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور ؛ دخل الجنة.
ثم أخبر سبحانه بأن ﴿ الساعة آتِيَةٌ ﴾ أي في مستقبل الزمان، قيل : لا بدّ من إضمار فعل، أي ولتعلموا أن الساعة آتية ﴿ لاَ رَيْبَ فِيهَا ﴾ أي لا شك فيها ولا تردّد، وجملة :﴿ لاَ رَيْبَ فِيهَا ﴾ خبر ثانٍ للساعة، أو في محل نصب على الحال. ثم أخبر سبحانه عن البعث فقال :﴿ وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن فِي القبور ﴾ فيجازيهم بأعمالهم، إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرّ، وأن ذلك كائن لا محالة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن الحسن وغيره عن عمران بن حصين قال :( لما نزلت ﴿ يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْء عَظِيمٌ ﴾ إلى قوله :﴿ ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ ﴾ أنزلت عليه هذه وهو في سفر، فقال :«أتدرون أيّ يوم ذلك ؟» قالوا : الله ورسوله أعلم، قال :«ذلك يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار، قال : يا ربّ وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحداً إلى الجنة )، فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قاربوا وسدّدوا وأبشروا، فإنها لم تكن نبوّة قط إلا كان بين يديها جاهلية فتؤخذ العدّة من الجاهلية، فإن تمت وإلا كملت من المنافقين، وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة، أو كالشامة في جنب البعير )، ثم قال :( إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ) فكبّروا، ثم قال :( إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة ) فكبّروا، ثم قال :( إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ) فكبّروا، قال :( ولا أدري قال الثلثين أم لا ). وأخرج الترمذي وصححه، وابن جرير وابن المنذر عن عمران بن حصين مرفوعاً نحوه، وقال في آخره :( اعملوا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه : يأجوج ومأجوج، ومن مات من بني آدم ومن بني إبليس )، فسري عن القوم بعض الذي يجدون، قال :( اعملوا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة ). وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس مرفوعاً نحوه. وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس مرفوعاً نحوه أيضاً، وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، وفي آخره فقال :( من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم واحد، وهل أنتم في الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود ). وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ كُتِبَ عَلَيْهِ ﴾ قال : كتب على الشيطان. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله :﴿ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ ﴾ قال : اتبعه. وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود قال : حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق والمصدوق :( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً. وأخرج ابن أبي حاتم وصححه عن ابن عباس في قوله :﴿ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ﴾ قال : المخلقة ما كان حياً، وغير المخلقة ما كان سقطاً. وروي نحو هذا عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ قال : حسن. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن معاذ بن جبل قال : من علم أن الله عزّ وجلّ حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور ؛ دخل الجنة.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٨ الى ١٦]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٠) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١١) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٢)يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (١٤) مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (١٥) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦)
قَوْلُهُ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ أَيْ: فِي شَأْنِ اللَّهِ، كَقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَالْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَعُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ. قِيلَ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَقِيلَ: فِي أَبِي جَهْلٍ، وَقِيلَ: هِيَ عَامَّةٌ لِكُلِّ مَنْ يَتَصَدَّى لِإِضْلَالِ النَّاسِ وَإِغْوَائِهِمْ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالِاعْتِبَارُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ خَاصًّا. وَمَعْنَى اللَّفْظِ: وَمِنَ النَّاسِ فَرِيقٌ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ كُلُّ مُجَادِلٍ فِي ذَاتِ اللَّهِ، أَوْ صِفَاتِهِ أَوْ شَرَائِعِهِ الْوَاضِحَةِ، وبِغَيْرِ عِلْمٍ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: كَائِنًا بِغَيْرِ عِلْمٍ. قِيلَ: وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُوَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ، وَبِالْهُدَى هُوَ الْعِلْمُ النَّظَرِيُّ الِاسْتِدْلَالِيُّ. والأولى حمل العلم عَلَى الْعُمُومِ، وَحَمْلُ الْهُدَى عَلَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ الْإِرْشَادُ. وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ هُوَ الْقُرْآنُ، وَالْمُنِيرُ: النَّيِّرُ الْبَيِّنُ الْحُجَّةِ الْوَاضِحُ الْبُرْهَانِ، وَهُوَ وَإِنْ دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ: بِغَيْرِ عِلْمٍ فَإِفْرَادُهُ بالذكر كإفراد جبريل بالذكر عند ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ، وَذَلِكَ لِكَوْنِهِ الْفَرْدَ الْكَامِلَ الْفَائِقَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَفْرَادِ الْعِلْمِ. وَأَمَّا مَنْ حَمَلَ الْعِلْمَ عَلَى الضَّرُورِيِّ وَالْهُدَى عَلَى الِاسْتِدْلَالِيِّ، فَقَدْ حَمَلَ الْكِتَابَ هُنَا عَلَى الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ، فَتَكُونُ الْآيَةُ مُتَضَمِّنَةً لِنَفْيِ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ ضَرُورِيًّا كَانَ أَوِ اسْتِدْلَالِيًّا، وَمُتَضَمِّنَةً لِنَفْيِ الدَّلِيلِ النَّقْلِيِّ بِأَقْسَامِهِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى. قِيلَ: وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْمُجَادِلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ الْمُجَادِلُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى، أَعْنِي قَوْلَهُ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ، وَبِذَلِكَ قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَالتَّكْرِيرُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الذَّمِّ، كَمَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ تَذُمُّهُ وَتُوَبِّخُهُ: أَنْتَ فَعَلَتْ هَذَا، أَنْتَ فَعَلَتْ هَذَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّكْرِيرُ لِكَوْنِهِ وَصَفَهُ فِي كُلِّ آيَةٍ بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا وَصَفَهُ بِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اه. وَقِيلَ: الْآيَةُ الْأُولَى فِي الْمُقَلِّدِينَ اسْمُ فَاعِلٍ. وَالثَّانِيَةُ فِي المقلدين اسم مفعول. ولا وجه لهذا، كما أنه لا وجه لقول من قال: إن الآية الأولى خاصة بإضلال المتبوعين لتابعيهم، وَالثَّانِيَةُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ إِضْلَالٍ وَجِدَالٍ. وَانْتِصَابُ ثانِيَ عِطْفِهِ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ يُجَادِلُ، وَالْعِطْفُ: الْجَانِبُ، وَعِطْفَا الرَّجُلِ:
جَانِبَاهُ مِنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ، وَفِي تَفْسِيرِهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ يَلْوِي عُنُقَهُ مَرَحًا وَتَكَبُّرًا، ذَكَرَ معناه الزجّاج، وقال: وَهَذَا يُوصَفُ بِهِ الْمُتَكَبِّرُ. وَالْمَعْنَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ مُتَكَبِّرًا. قَالَ الْمُبَرِّدُ: العطف ما
519
انْثَنَى مِنَ الْعُنُقِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: ثانِيَ عِطْفِهِ الْإِعْرَاضُ، أَيْ: مُعْرِضًا عَنِ الذَّكَرِ، كَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ وَالْمُفَضَّلُ وَغَيْرُهُمَا، كَقَوْلِهِ تعالى: وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها «١» وقوله: لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ «٢»، وقوله: أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ «٣»، وَاللَّامُ فِي لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِيُجَادِلُ، أَيْ: إِنَّ غَرَضَهُ هُوَ الْإِضْلَالُ عَنِ السَّبِيلِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِذَلِكَ. وَقُرِئَ «لِيَضِلَّ» بِفَتْحِ الْيَاءِ عَلَى أَنْ تَكُونَ اللَّامُ هِيَ لَامَ الْعَاقِبَةِ، كَأَنَّهُ جَعَلَ ضَلَالَهُ غَايَةً لِجِدَالِهِ، وَجُمْلَةُ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِمَا يَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِ جِدَالِهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ. وَالْخِزْيُ: الذُّلُّ، وَذَلِكَ بِمَا يَنَالُهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْعَذَابِ الْمُعَجَّلِ وَسُوءِ الذِّكْرِ عَلَى أَلْسُنِ النَّاسَ. وَقِيلَ: الْخِزْيُ الدُّنْيَوِيُّ هُوَ الْقَتْلُ كَمَا وَقَعَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ أَيْ: عَذَابَ النَّارِ الْمُحْرِقَةِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعَذَابِ الدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ. وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ: ذَلِكَ الْعَذَابُ النَّازِلُ بِكَ بِسَبَبِ مَا قَدَّمَتْهُ يَدَاكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَعَبَّرَ بِالْيَدِ عَنْ جُمْلَةِ الْبَدَنِ لِكَوْنِ مُبَاشَرَةِ الْمَعَاصِي تَكُونُ بِهَا فِي الْغَالِبِ، وَمَحَلُّ أَنَّ وَمَا بَعْدَهَا فِي قَوْلِهِ: وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: وَالْأَمْرُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُعَذِّبُ عِبَادَهُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ. وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي آخِرِ آلِ عِمْرَانَ فَلَا نُعِيدُهُ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ هَذَا بَيَانٌ لِشِقَاقِ أَهْلِ الشِّقَاقِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: الْحَرْفُ:
الشَّكُّ، وَأَصْلُهُ مِنْ حَرْفِ الشَّيْءِ وَهُوَ طَرَفُهُ، مِثْلُ حَرْفِ الْجَبَلِ وَالْحَائِطِ، فَإِنَّ الْقَائِمَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٌّ، وَالَّذِي يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ قَلِقٌ فِي دِينِهِ، عَلَى غَيْرِ ثَبَاتٍ وَطُمَأْنِينَةٍ، كَالَّذِي هُوَ عَلَى حَرْفِ الْجَبَلِ وَنَحْوِهِ يَضْطَرِبُ اضْطِرَابًا وَيَضْعُفُ قِيَامُهُ، فَقِيلَ لِلشَّاكِّ فِي دِينِهِ إِنَّهُ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ لِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ مِنْ وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، بِخِلَافِ الْمُؤْمِنِ لِأَنَّهُ يَعْبُدُهُ عَلَى يَقِينٍ وَبَصِيرَةٍ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى حَرْفٍ. وَقِيلَ: الْحَرْفُ: الشَّرْطُ، أَيْ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى شَرْطٍ، وَالشَّرْطُ هُوَ قَوْلُهُ: فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ أَيْ: خَيْرٌ دُنْيَوِيٌّ مِنْ رَخَاءٍ وَعَافِيَةٍ وَخِصْبٍ وَكَثْرَةِ مَالٍ، وَمَعْنَى اطْمَأَنَّ بِهِ ثَبَتَ عَلَى دِينِهِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى عِبَادَتِهِ، أَوِ اطْمَأَنَّ قَلْبُهُ بِذَلِكَ الْخَيْرِ الَّذِي أَصَابَهُ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ أَيْ: شَيْءٌ يَفْتَتَنُ بِهِ مِنْ مَكْرُوهٍ يُصِيبُهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ أَيِ: ارْتَدَّ وَرَجَعَ إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ، ثُمَّ بَيَّنَ حَالَهُ بَعْدَ انْقِلَابِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ:
خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ أي: ذهبا منه وفقد هما، فَلَا حَظَّ لَهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالثَّنَاءِ الْحَسَنِ، وَلَا فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْأَجْرِ وَمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لِلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِهِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَحُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ وَالْأَعْرَجُ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ خَاسِرًا الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ. وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى خُسْرَانِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وخبره هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ أَيِ: الْوَاضِحُ الظَّاهِرُ الَّذِي لا خسران مثله. يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَما لَا يَنْفَعُهُ أَيْ: هَذَا الَّذِي انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ وَرَجَعَ إِلَى الْكُفْرِ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَيْ: يَعْبُدُ مُتَجَاوِزًا عِبَادَةَ اللَّهِ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ مَا لَا يَضُرُّهُ إِنْ تَرَكَ عِبَادَتَهُ، وَلَا يَنْفَعُهُ إِنْ عَبَدَهُ لِكَوْنِ ذَلِكَ الْمَعْبُودُ جَمَادًا لَا يَقْدِرُ عَلَى ضُرٍّ وَلَا نفع،
الشَّكُّ، وَأَصْلُهُ مِنْ حَرْفِ الشَّيْءِ وَهُوَ طَرَفُهُ، مِثْلُ حَرْفِ الْجَبَلِ وَالْحَائِطِ، فَإِنَّ الْقَائِمَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٌّ، وَالَّذِي يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ قَلِقٌ فِي دِينِهِ، عَلَى غَيْرِ ثَبَاتٍ وَطُمَأْنِينَةٍ، كَالَّذِي هُوَ عَلَى حَرْفِ الْجَبَلِ وَنَحْوِهِ يَضْطَرِبُ اضْطِرَابًا وَيَضْعُفُ قِيَامُهُ، فَقِيلَ لِلشَّاكِّ فِي دِينِهِ إِنَّهُ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ لِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ مِنْ وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، بِخِلَافِ الْمُؤْمِنِ لِأَنَّهُ يَعْبُدُهُ عَلَى يَقِينٍ وَبَصِيرَةٍ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى حَرْفٍ. وَقِيلَ: الْحَرْفُ: الشَّرْطُ، أَيْ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى شَرْطٍ، وَالشَّرْطُ هُوَ قَوْلُهُ: فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ أَيْ: خَيْرٌ دُنْيَوِيٌّ مِنْ رَخَاءٍ وَعَافِيَةٍ وَخِصْبٍ وَكَثْرَةِ مَالٍ، وَمَعْنَى اطْمَأَنَّ بِهِ ثَبَتَ عَلَى دِينِهِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى عِبَادَتِهِ، أَوِ اطْمَأَنَّ قَلْبُهُ بِذَلِكَ الْخَيْرِ الَّذِي أَصَابَهُ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ أَيْ: شَيْءٌ يَفْتَتَنُ بِهِ مِنْ مَكْرُوهٍ يُصِيبُهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ أَيِ: ارْتَدَّ وَرَجَعَ إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ، ثُمَّ بَيَّنَ حَالَهُ بَعْدَ انْقِلَابِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ:
خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ أي: ذهبا منه وفقد هما، فَلَا حَظَّ لَهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالثَّنَاءِ الْحَسَنِ، وَلَا فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْأَجْرِ وَمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لِلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِهِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَحُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ وَالْأَعْرَجُ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ خَاسِرًا الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ. وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى خُسْرَانِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وخبره هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ أَيِ: الْوَاضِحُ الظَّاهِرُ الَّذِي لا خسران مثله. يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَما لَا يَنْفَعُهُ أَيْ: هَذَا الَّذِي انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ وَرَجَعَ إِلَى الْكُفْرِ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَيْ: يَعْبُدُ مُتَجَاوِزًا عِبَادَةَ اللَّهِ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ مَا لَا يَضُرُّهُ إِنْ تَرَكَ عِبَادَتَهُ، وَلَا يَنْفَعُهُ إِنْ عَبَدَهُ لِكَوْنِ ذَلِكَ الْمَعْبُودُ جَمَادًا لَا يَقْدِرُ عَلَى ضُرٍّ وَلَا نفع،
(١). الإسراء: ٨٣.
(٢). سبأ: ٢٤.
(٣). لقمان: ٧.
(٢). سبأ: ٢٤.
(٣). لقمان: ٧.
520
وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى الدُّعَاءِ الْمَفْهُومِ مِنِ الْفِعْلِ وَهُوَ يَدْعُو، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ أَيْ: عَنِ الْحَقِّ وَالرُّشْدِ، مُسْتَعَارٌ مِنْ ضَلَالِ مَنْ سَلَكَ غَيْرَ الطَّرِيقِ، فَصَارَ بِضَلَالِهِ بَعِيدًا عَنْهَا. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْبَعِيدُ: الطويل. يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ يَدْعُو بِمَعْنَى يَقُولُ، وَالْجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا مَنْ كَوْنِ ذَلِكَ الدُّعَاءَ ضَلَالًا بَعِيدًا. وَالْأَصْنَامُ لَا نَفْعَ فِيهَا بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، بَلْ هِيَ ضَرَرٌ بَحْتٌ لِمَنْ يَعْبُدُهَا، لِأَنَّهُ دَخَلَ النَّارَ بِسَبَبِ عِبَادَتِهَا، وَإِيرَادُ صِيغَةُ التَّفْضِيلِ مَعَ عَدَمِ النَّفْعِ بِالْمَرَّةِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَقْبِيحِ حَالِ ذَلِكَ الدَّاعِي، أَوْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ «١» اللام هِيَ الْمُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ، وَمَنْ: مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ، وَضَرُّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ أَقْرَبُ، وَالْجُمْلَةُ صِلَةُ الْمَوْصُولِ. وَجُمْلَةُ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ جَوَابُ الْقَسَمِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ الْكَافِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَعْبُودِهِ الَّذِي ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ:
لَبِئْسَ الْمَوْلَى أَنْتَ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ. وَالْمَوْلَى: النَّاصِرُ، وَالْعَشِيرُ: الصَّاحِبُ، وَمِثْلَ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «يَدْعُو» فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَفِيهِ هَاءٌ مَحْذُوفَةٌ أَيْ: ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ يَدَّعُوهُ، وَعَلَى هَذَا يُوقَفُ عَلَى يَدْعُو، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا مَرْفُوعًا بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ «لَبِئْسَ الْمَوْلى». قَالَ: وَهَذَا لِأَنَّ اللَّامَ لِلْيَمِينِ وَالتَّوْكِيدِ فَجَعَلَهَا أَوَّلَ الْكَلَامِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَالْفَرَّاءُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «يَدْعُو» مُكَرَّرَةً عَلَى مَا قَبْلَهَا عَلَى جِهَةِ تَكْثِيرِ هَذَا الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الدُّعَاءُ أَيْ: يَدْعُو مَا لَا يَضُرُّهُ وَلَا يَنْفَعُهُ يَدْعُو، مِثْلَ: ضَرَبْتُ زَيْدًا ضَرَبْتُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالْكِسَائِيُّ وَالزَّجَّاجُ: مَعْنَى الْكَلَامِ الْقَسَمُ، وَاللَّامُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَوْضِعِهَا، وَالتَّقْدِيرُ: يَدْعُو مَنْ لَضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ، فَمَنْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بَيَدْعُو، وَاللَّامُ جَوَابُ القسم وضرّه مبتدأ، و «أقرب» خَبَرُهُ، وَمِنَ التَّصَرُّفِ فِي اللَّامِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَيْ لَخَالِي أَنْتَ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَحَكَى لَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالْمَعْنَى: يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ إِلَهًا. قَالَ النَّحَّاسُ: وَأَحْسَبُ هَذَا الْقَوْلَ غلطا على مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ مَا قبل اللام هذه لا يعمل فيهما بَعْدَهَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ أَيْضًا وَالْقَفَّالُ: اللَّامُ صِلَةٌ، أَيْ: زَائِدَةٌ، وَالْمَعْنَى: يَدْعُو مَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ، أَيْ: يَعْبُدُهُ، وَهَكَذَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِحَذْفِ اللَّامِ، وَتَكُونُ اللَّامُ فِي لَبِئْسَ الْمَوْلى وَفِي لَبِئْسَ الْعَشِيرُ عَلَى هَذَا مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ. إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
لَمَّا فَرَغَ مَنْ ذِكْرِ حَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَمَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حِرَفٍ ذَكَرَ حَالَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُدْخِلُهُمْ هَذِهِ الْجَنَّاتِ الْمُتَّصِفَةَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ
لَبِئْسَ الْمَوْلَى أَنْتَ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ. وَالْمَوْلَى: النَّاصِرُ، وَالْعَشِيرُ: الصَّاحِبُ، وَمِثْلَ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
يَدْعُونَ عَنْتَرَ وَالرِّمَاحُ كَأَنَّهَا | أَشْطَانُ بِئْرٍ فِي لِبَانِ الْأَدْهَمِ «٢» |
خَالِيَ لَأَنْتَ وَمَنْ جَرِيرٌ خَالُهُ | يَنَلِ الْعَلَاءَ وَيُكْرِمِ الْأَخْوَالَا |
لَمَّا فَرَغَ مَنْ ذِكْرِ حَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَمَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حِرَفٍ ذَكَرَ حَالَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُدْخِلُهُمْ هَذِهِ الْجَنَّاتِ الْمُتَّصِفَةَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ
(١). المنافقون: ٥.
(٢). «أشطان» : جمع شطن وهو الحبل الذي يستقى به. «اللبان» : الصدر. «الأدهم» : الفرس.
(٢). «أشطان» : جمع شطن وهو الحبل الذي يستقى به. «اللبان» : الصدر. «الأدهم» : الفرس.
521
الكلام في جرى الأنهار من تحت الجنات، وبيّنّا أنه إن أريد بها الأشجار المتكاثفة الساترة لما تحتها، فَجَرَيَانُ الْأَنْهَارِ مِنْ تَحْتِهَا ظَاهِرٌ وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْأَرْضُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ: مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهَا إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا، أَيْ: يفعل ما يريده من الأفعال لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ فَيُثِيبُ مَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ قَالَ النَّحَّاسُ: مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْمَعْنَى: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ النَّصْرَ الَّذِي أُوتِيَهُ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ أَيْ: فَلْيَطْلُبْ حِيلَةً يَصِلُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ أَيْ: ثُمَّ لِيَقْطَعَ النَّصْرَ إِنْ تَهَيَّأَ لَهُ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ وَحِيلَتُهُ مَا يَغِيظُ مِنْ نَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى:
مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا حَتَّى يُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ فَلْيَمُتْ غَيْظًا، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ أَيْ: فَلْيَشْدُدْ حَبْلًا فِي سَقْفِ بَيْتِهِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ أَيْ: ثُمَّ لِيَمُدَّ الْحَبْلَ حَتَّى يَنْقَطِعَ فَيَمُوتَ مُخْتَنِقًا، وَالْمَعْنَى: فَلْيَخْتَنِقْ غَيْظًا حَتَّى يَمُوتَ، فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُهُ وَمُظْهِرُهُ، وَلَا يَنْفَعَهُ غَيْظُهُ وَمَعْنَى «فَلْيَنْظُرْ هَلْ يذهبن كيده» : أي صنيعه وحيله، «ما يغيظ» : أي غيظه، و «ما» مَصْدَرِيَّةٌ. وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمِيرَ فِي «يَنْصُرُهُ» يَعُودُ إِلَى «مَنْ»، وَالْمَعْنَى: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ لَا يَرْزُقُهُ فَلْيَقْتُلْ نَفْسَهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ.
وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إِلَى الدِّينِ، أَيْ: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَ اللَّهُ دِينَهُ. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ فِي: «ثُمَّ لِيَقْطَعْ» قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ بَعِيدَةٌ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ «١». وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ أَيْ: مِثْلَ ذَلِكَ الْإِنْزَالِ الْبَدِيعِ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ وَاضِحَاتٍ ظَاهِرَةَ الدَّلَالَةِ عَلَى مَدْلُولَاتِهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ هِدَايَتُهُ ابْتِدَاءً أَوْ زِيَادَةً فِيهَا لِمَنْ كَانَ مَهْدِيًّا مِنْ قَبْلُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ثانِيَ عِطْفِهِ قَالَ: لَاوِيَ عُنُقِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وابن يزيد وَابْنِ جُرَيْجٍ: أَنَّهُ الْمُعْرِضُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي قَوْلِهِ: ثانِيَ عِطْفِهِ قَالَ: أُنْزِلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ ثانِيَ عِطْفِهِ قال: مستكبرا في نفسه. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْمَدِينَةَ، فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلَامًا وَأَنْتَجَتْ خَيْلُهُ قَالَ: هَذَا دِينٌ صَالِحٌ، وَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتَهُ وَلَمْ تُنْتِجْ خَيْلُهُ قَالَ: هَذَا دِينُ سُوءٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الأعراب يأتون النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ يُسْلِمُونَ، فَإِذَا رَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، فَإِنْ وَجَدُوا عَامَ غَيْثٍ وَعَامَ خِصْبٍ وَعَامَ وِلَادٍ حَسَنٍ قَالُوا: إِنَّ دِينَنَا هَذَا لِصَالِحٌ فَتَمَسَّكُوا بِهِ، وَإِنْ وَجَدُوا عَامَ جَدْبٍ وَعَامَ وِلَادِ سُوءٍ وَعَامَ قَحْطٍ قَالُوا: مَا فِي دِينِنَا هَذَا خَيْرٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ.
مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا حَتَّى يُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ فَلْيَمُتْ غَيْظًا، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ أَيْ: فَلْيَشْدُدْ حَبْلًا فِي سَقْفِ بَيْتِهِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ أَيْ: ثُمَّ لِيَمُدَّ الْحَبْلَ حَتَّى يَنْقَطِعَ فَيَمُوتَ مُخْتَنِقًا، وَالْمَعْنَى: فَلْيَخْتَنِقْ غَيْظًا حَتَّى يَمُوتَ، فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُهُ وَمُظْهِرُهُ، وَلَا يَنْفَعَهُ غَيْظُهُ وَمَعْنَى «فَلْيَنْظُرْ هَلْ يذهبن كيده» : أي صنيعه وحيله، «ما يغيظ» : أي غيظه، و «ما» مَصْدَرِيَّةٌ. وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمِيرَ فِي «يَنْصُرُهُ» يَعُودُ إِلَى «مَنْ»، وَالْمَعْنَى: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ لَا يَرْزُقُهُ فَلْيَقْتُلْ نَفْسَهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ.
وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إِلَى الدِّينِ، أَيْ: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَ اللَّهُ دِينَهُ. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ فِي: «ثُمَّ لِيَقْطَعْ» قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ بَعِيدَةٌ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ «١». وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ أَيْ: مِثْلَ ذَلِكَ الْإِنْزَالِ الْبَدِيعِ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ وَاضِحَاتٍ ظَاهِرَةَ الدَّلَالَةِ عَلَى مَدْلُولَاتِهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ هِدَايَتُهُ ابْتِدَاءً أَوْ زِيَادَةً فِيهَا لِمَنْ كَانَ مَهْدِيًّا مِنْ قَبْلُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ثانِيَ عِطْفِهِ قَالَ: لَاوِيَ عُنُقِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وابن يزيد وَابْنِ جُرَيْجٍ: أَنَّهُ الْمُعْرِضُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي قَوْلِهِ: ثانِيَ عِطْفِهِ قَالَ: أُنْزِلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ ثانِيَ عِطْفِهِ قال: مستكبرا في نفسه. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْمَدِينَةَ، فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلَامًا وَأَنْتَجَتْ خَيْلُهُ قَالَ: هَذَا دِينٌ صَالِحٌ، وَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتَهُ وَلَمْ تُنْتِجْ خَيْلُهُ قَالَ: هَذَا دِينُ سُوءٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الأعراب يأتون النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ يُسْلِمُونَ، فَإِذَا رَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، فَإِنْ وَجَدُوا عَامَ غَيْثٍ وَعَامَ خِصْبٍ وَعَامَ وِلَادٍ حَسَنٍ قَالُوا: إِنَّ دِينَنَا هَذَا لِصَالِحٌ فَتَمَسَّكُوا بِهِ، وَإِنْ وَجَدُوا عَامَ جَدْبٍ وَعَامَ وِلَادِ سُوءٍ وَعَامَ قَحْطٍ قَالُوا: مَا فِي دِينِنَا هَذَا خَيْرٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ.
(١). وذلك لأن «لمّ» ليست مثل الواو والفاء لأنها يوقف عليها وتنفرد.
522
وانتصاب ﴿ ثَانِيَ عِطْفِهِ ﴾ على الحال من فاعل يجادل، والعطف : الجانب، وعطفا الرجل : جانباه من يمين وشمال، وفي تفسيره وجهان : الأوّل : أن المراد به من يلوي عنقه مرحاً وتكبراً، ذكر معناه الزجاج. قال : وهذا يوصف به المتكبر. والمعنى : ومن الناس من يجادل في الله متكبراً. قال المبرد : العطف ما انثنى من العنق. والوجه الثاني : أن المراد بقوله :﴿ ثَانِيَ عِطْفِهِ ﴾ : الإعراض، أي معرضاً عن الذكر، كذا قال الفراء والمفضل وغيرهما كقوله تعالى :﴿ ولى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ﴾ [ لقمان : ٧ ]، وقوله :﴿ لَوَّوا رُؤُوسَهُمْ ﴾ [ المنافقون : ٥ ]، وقوله :﴿ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾ [ الإسراء : ٨٣ ]، واللام في ﴿ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله ﴾ متعلق ب[ يجادل ] أي إن غرضه هو الإضلال عن السبيل وإن لم يعترف بذلك. وقرئ :«ليضلّ » بفتح الياء على أن تكون اللام هي لام العاقبة كأنه جعل ضلاله غاية لجداله، وجملة :﴿ لَهُ فِي الدنيا خِزْيٌ ﴾ مستأنفة مبينة لما يحصل له بسبب جداله من العقوبة. والخزي : الذل، وذلك بما يناله من العقوبة في الدنيا من العذاب المعجل وسوء الذكر على ألسن الناس. وقيل : الخزي الدنيوي هو : القتل، كما وقع في يوم بدر ﴿ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القيامة عَذَابَ الحريق ﴾ أي عذاب النار المحرقة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس والسديّ وابن يزيد وابن جريج أنه المعرض. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله :﴿ ثَانِي عِطْفِهِ ﴾ قال : أنزلت في النضر بن الحارث. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : هو رجل من بني عبد الدار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ﴿ ثَانِي عطْفِهِ ﴾ قال : مستكبراً في نفسه. وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾ قال : كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاماً وأنتجت خيله قال : هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه بسند صحيح قال : كان ناس من الأعراب يأتون النبيّ صلى الله عليه وسلم يسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم، فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قالوا : إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به، وإن وجدوا عام جدب وعام ولاد سوء وعام قحط، قالوا : ما في ديننا هذا خير، فأنزل الله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضاً نحوه، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن مردويه أيضاً من طريقه أيضاً عن أبي سعيد قال : أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالإسلام، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : أقلني أقلني، قال :«إن الإسلام لا يقال»، فقال : لم أصب من ديني هذا خيراً، ذهب بصري ومالي ومات ولدي، فقال :( يا يهوديّ، الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة )، فنزلت ﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾ ). وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله ﴾ قال : من كان يظنّ أن لن ينصر الله محمداً في الدنيا والآخرة ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ ﴾ قال : فليربط بحبل ﴿ إِلَى السماء ﴾ قال : إلى سماء بيته السقف ﴿ ثُمَّ ليَقْطَعْ ﴾ قال : ثم يختنق به حتى يموت. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه قال :﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لن يَنصُرَهُ الله ﴾ يقول : أن لن يرزقه الله ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء ﴾ فليأخذ حبلاً فليربطه في سماء بيته فليختنق به ﴿ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾ قال : فلينظر هل ينفعه ذلك أو يأتيه برزق.
والإشارة بقوله :﴿ ذلك ﴾ إلى ما تقدّم من العذاب الدنيوي والأخروي، وهو مبتدأ خبره :﴿ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ﴾، والباء للسببية، أي ذلك العذاب النازل بك بسبب ما قدّمته يداك من الكفر والمعاصي، وعبر باليد عن جملة البدن لكون مباشرة المعاصي تكون بها في الغالب، ومحل " أن " وما بعدها في قوله :﴿ وَأَنَّ الله لَيْسَ بظلام للْعَبِيدِ ﴾ الرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف، أي والأمر أنه سبحانه لا يعذب عباده بغير ذنب. وقد مرّ الكلام على هذه الآية في آخر آل عمران فلا نعيده.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس والسديّ وابن يزيد وابن جريج أنه المعرض. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله :﴿ ثَانِي عِطْفِهِ ﴾ قال : أنزلت في النضر بن الحارث. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : هو رجل من بني عبد الدار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ﴿ ثَانِي عطْفِهِ ﴾ قال : مستكبراً في نفسه. وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾ قال : كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاماً وأنتجت خيله قال : هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه بسند صحيح قال : كان ناس من الأعراب يأتون النبيّ صلى الله عليه وسلم يسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم، فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قالوا : إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به، وإن وجدوا عام جدب وعام ولاد سوء وعام قحط، قالوا : ما في ديننا هذا خير، فأنزل الله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضاً نحوه، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن مردويه أيضاً من طريقه أيضاً عن أبي سعيد قال : أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالإسلام، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : أقلني أقلني، قال :«إن الإسلام لا يقال»، فقال : لم أصب من ديني هذا خيراً، ذهب بصري ومالي ومات ولدي، فقال :( يا يهوديّ، الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة )، فنزلت ﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾ ). وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله ﴾ قال : من كان يظنّ أن لن ينصر الله محمداً في الدنيا والآخرة ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ ﴾ قال : فليربط بحبل ﴿ إِلَى السماء ﴾ قال : إلى سماء بيته السقف ﴿ ثُمَّ ليَقْطَعْ ﴾ قال : ثم يختنق به حتى يموت. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه قال :﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لن يَنصُرَهُ الله ﴾ يقول : أن لن يرزقه الله ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء ﴾ فليأخذ حبلاً فليربطه في سماء بيته فليختنق به ﴿ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾ قال : فلينظر هل ينفعه ذلك أو يأتيه برزق.
﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾ هذا بيان لشقاق أهل الشقاق. قال الواحدي : قال أكثر المفسرين : الحرف : الشك، وأصله من حرف الشيء وهو طرفه، مثل حرف الجبل والحائط، فإن القائم عليه غير مستقرّ، والذي يعبد الله على حرف قلق في دينه على غير ثبات وطمأنينة كالذي هو على حرف الجبل ونحوه يضطرب اضطراباً ويضعف قيامه فقيل للشاكّ في دينه : إنه يعبد الله على حرف، لأنه على غير يقين من وعده ووعيده، بخلاف المؤمن ؛ لأنه يعبده على يقين وبصيرة فلم يكن على حرف. وقيل : الحرف : الشرط، أي ومن الناس من يعبد الله على شرط، والشرط هو قوله :﴿ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطمأن بِهِ ﴾ أي خير دنيوي من رخاء وعافية وخصب وكثرة مال، ومعنى ﴿ اطمأنّ به ﴾ : ثبت على دينه واستمرّ على عبادته، أو اطمأن قلبه بذلك الخير الذي أصابه ﴿ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ﴾ أي شيء يفتتن به من مكروه يصيبه في أهله أو ماله أو نفسه ﴿ انقلب على وَجْهِهِ ﴾ أي ارتدّ ورجع إلى الوجه الذي كان عليه من الكفر، ثم بيّن حاله بعد انقلابه على وجهه فقال :﴿ خَسِرَ الدنيا والآخرة ﴾ أي ذهبا منه وفقدهما، فلاحظ له في الدنيا من الغنيمة والثناء الحسن، ولا في الآخرة من الأجر وما أعدّه الله للصالحين من عباده. وقرأ مجاهد، وحميد بن قيس، والأعرج، والزهري، وابن أبي إسحاق :«خاسرا الدنيا والآخرة » على صيغة اسم الفاعل منصوباً على الحال. وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف. والإشارة بقوله :﴿ ذلك ﴾ إلى خسران الدنيا والآخرة وهو مبتدأ وخبره ﴿ هُوَ الخسران المبين ﴾ أي الواضح الظاهر الذي لا خسران مثله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس والسديّ وابن يزيد وابن جريج أنه المعرض. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله :﴿ ثَانِي عِطْفِهِ ﴾ قال : أنزلت في النضر بن الحارث. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : هو رجل من بني عبد الدار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ﴿ ثَانِي عطْفِهِ ﴾ قال : مستكبراً في نفسه. وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾ قال : كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاماً وأنتجت خيله قال : هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه بسند صحيح قال : كان ناس من الأعراب يأتون النبيّ صلى الله عليه وسلم يسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم، فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قالوا : إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به، وإن وجدوا عام جدب وعام ولاد سوء وعام قحط، قالوا : ما في ديننا هذا خير، فأنزل الله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضاً نحوه، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن مردويه أيضاً من طريقه أيضاً عن أبي سعيد قال : أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالإسلام، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : أقلني أقلني، قال :«إن الإسلام لا يقال»، فقال : لم أصب من ديني هذا خيراً، ذهب بصري ومالي ومات ولدي، فقال :( يا يهوديّ، الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة )، فنزلت ﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾ ). وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله ﴾ قال : من كان يظنّ أن لن ينصر الله محمداً في الدنيا والآخرة ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ ﴾ قال : فليربط بحبل ﴿ إِلَى السماء ﴾ قال : إلى سماء بيته السقف ﴿ ثُمَّ ليَقْطَعْ ﴾ قال : ثم يختنق به حتى يموت. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه قال :﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لن يَنصُرَهُ الله ﴾ يقول : أن لن يرزقه الله ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء ﴾ فليأخذ حبلاً فليربطه في سماء بيته فليختنق به ﴿ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾ قال : فلينظر هل ينفعه ذلك أو يأتيه برزق.
﴿ يَدْعُو مِن دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ﴾ أي هذا الذي انقلب على وجهه ورجع إلى الكفر ﴿ يدعو من دون الله ﴾ أي يعبد متجاوزاً عبادة الله إلى عبادة الأصنام ﴿ ما لا يضرّه ﴾ إن ترك عبادته، ﴿ ولا ينفعه ﴾ إن عبده لكون ذلك المعبود جماداً لا يقدر على ضرّ ولا نفع، والإشارة بقوله :﴿ ذلك ﴾ إلى الدعاء المفهوم من الفعل وهو يدعو، واسم الإشارة مبتدأ وخبره :﴿ هُوَ الضلال البعيد ﴾ أي عن الحق والرشد، مستعار من ضلال من سلك غير الطريق فصار بضلاله بعيداً عنها. قال الفراء : البعيد : الطويل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس والسديّ وابن يزيد وابن جريج أنه المعرض. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله :﴿ ثَانِي عِطْفِهِ ﴾ قال : أنزلت في النضر بن الحارث. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : هو رجل من بني عبد الدار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ﴿ ثَانِي عطْفِهِ ﴾ قال : مستكبراً في نفسه. وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾ قال : كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاماً وأنتجت خيله قال : هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه بسند صحيح قال : كان ناس من الأعراب يأتون النبيّ صلى الله عليه وسلم يسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم، فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قالوا : إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به، وإن وجدوا عام جدب وعام ولاد سوء وعام قحط، قالوا : ما في ديننا هذا خير، فأنزل الله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضاً نحوه، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن مردويه أيضاً من طريقه أيضاً عن أبي سعيد قال : أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالإسلام، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : أقلني أقلني، قال :«إن الإسلام لا يقال»، فقال : لم أصب من ديني هذا خيراً، ذهب بصري ومالي ومات ولدي، فقال :( يا يهوديّ، الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة )، فنزلت ﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾ ). وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله ﴾ قال : من كان يظنّ أن لن ينصر الله محمداً في الدنيا والآخرة ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ ﴾ قال : فليربط بحبل ﴿ إِلَى السماء ﴾ قال : إلى سماء بيته السقف ﴿ ثُمَّ ليَقْطَعْ ﴾ قال : ثم يختنق به حتى يموت. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه قال :﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لن يَنصُرَهُ الله ﴾ يقول : أن لن يرزقه الله ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء ﴾ فليأخذ حبلاً فليربطه في سماء بيته فليختنق به ﴿ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾ قال : فلينظر هل ينفعه ذلك أو يأتيه برزق.
﴿ يَدْعُو لمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَفْعِهِ ﴾ يدعو بمعنى : يقول، والجملة مقرّرة لما قبلها من كون ذلك الدعاء ضلالاً بعيداً. والأصنام لا نفع فيها بحال من الأحوال، بل هي ضرر بحت لمن يعبدها، لأنه دخل النار بسبب عبادتها. وإيراد صيغة التفضيل مع عدم النفع بالمرّة للمبالغة في تقبيح حال ذلك الداعي، أو ذلك من باب ﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضلال مُّبِينٍ ﴾ [ سبأ : ٢٤ ] واللام هي : الموطئة للقسم، ( ومن ) موصولة أو موصوفة، و﴿ ضرّه ﴾ مبتدأ خبره ( أقرب )، والجملة صلة الموصول. وجملة :﴿ لَبِئْسَ المولى وَلَبِئْسَ العشير ﴾ جواب القسم. والمعنى : أنه يقول ذلك الكافر يوم القيامة لمعبوده الذي ضرّه أقرب من نفعه : لبئس المولى ولبئس العشير. والمولى الناصر، والعشير : الصاحب، ومثل ما في هذه الآية قول عنترة :
وقال الزجاج : يجوز أن يكون ﴿ يدعو ﴾ في موضع الحال، وفيه هاء محذوفة، أي ذلك هو الضلال البعيد يدعوه، وعلى هذا يوقف على ﴿ يدعو ﴾، ويكون قوله :﴿ لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَفْعِهِ ﴾ كلاماً مستأنفاً مرفوعاً بالابتداء، وخبره ﴿ لبئس المولى ﴾. قال : وهذا لأن اللام لليمين والتوكيد فجعلها أوّل الكلام. وقال الزجاج والفراء : يجوز أن يكون ﴿ يدعو ﴾ مكررة على ما قبلها على جهة تكثير هذا الفعل الذي هو الدعاء، أي يدعو ما لا يضرّه ولا ينفعه يدعو، مثل ضربت زيداً ضربت. وقال الفراء والكسائي والزجاج : معنى الكلام القسم، واللام مقدّمة على موضعها، والتقدير : يدعو من لضرّه أقرب من نفعه، فمن في موضع نصب ب﴿ يدعو ﴾، واللام جواب القسم و﴿ ضرّه ﴾ مبتدأ، و﴿ أقرب ﴾ خبره، ومن التصرف في اللام بالتقديم والتأخير قول الشاعر :
أي لخالي أنت. قال النحاس : وحكى لنا علي بن سليمان عن محمد بن يزيد قال : في الكلام حذف، والمعنى : يدعو لمن ضرّه أقرب من نفعه إلها. قال النحاس : وأحسب هذا القول غلطاً عن محمد بن يزيد، ولعل وجهه أن ما قبل اللام هذه لا يعمل فيما بعدها. وقال الفراء أيضاً والقفال اللام صلة، أي زائدة، والمعنى : يدعو من ضرّه أقرب من نفعه، أي يعبده، وهكذا في قراءة عبد الله بن مسعود بحذف اللام، وتكون اللام في :﴿ لبئس المولى ﴾ وفي :﴿ لبئس العشير ﴾ على هذا موطئة للقسم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس والسديّ وابن يزيد وابن جريج أنه المعرض. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله :﴿ ثَانِي عِطْفِهِ ﴾ قال : أنزلت في النضر بن الحارث. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : هو رجل من بني عبد الدار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ﴿ ثَانِي عطْفِهِ ﴾ قال : مستكبراً في نفسه. وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾ قال : كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاماً وأنتجت خيله قال : هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه بسند صحيح قال : كان ناس من الأعراب يأتون النبيّ صلى الله عليه وسلم يسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم، فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قالوا : إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به، وإن وجدوا عام جدب وعام ولاد سوء وعام قحط، قالوا : ما في ديننا هذا خير، فأنزل الله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضاً نحوه، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن مردويه أيضاً من طريقه أيضاً عن أبي سعيد قال : أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالإسلام، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : أقلني أقلني، قال :«إن الإسلام لا يقال»، فقال : لم أصب من ديني هذا خيراً، ذهب بصري ومالي ومات ولدي، فقال :( يا يهوديّ، الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة )، فنزلت ﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾ ). وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله ﴾ قال : من كان يظنّ أن لن ينصر الله محمداً في الدنيا والآخرة ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ ﴾ قال : فليربط بحبل ﴿ إِلَى السماء ﴾ قال : إلى سماء بيته السقف ﴿ ثُمَّ ليَقْطَعْ ﴾ قال : ثم يختنق به حتى يموت. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه قال :﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لن يَنصُرَهُ الله ﴾ يقول : أن لن يرزقه الله ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء ﴾ فليأخذ حبلاً فليربطه في سماء بيته فليختنق به ﴿ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾ قال : فلينظر هل ينفعه ذلك أو يأتيه برزق.
يدعون عنتر والرماح كأنها | أشطان بئر في لبان الأدهم |
خالي لأنت ومن جرير خاله | ينل العلاء ويكرم الأخوالا |
﴿ إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُوا الصالحات جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ لما فرغ من ذكر حال المشركين، ومن يعبد الله على حرف ذكر حال المؤمنين في الآخرة، وأخبر أنه يدخلهم هذه الجنات المتصفة بهذه الصفة، وقد تقدّم الكلام في جري أنهار من تحت الجنات، وبيّنا أنه إن أريد بها الأشجار المتكاثفة الساترة لما تحتها، فجريان الأنهار من تحتها ظاهر ؛ وإن أريد بها الأرض فلا بدّ من تقدير مضاف، أي من تحت أشجارها ﴿ إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾ هذه الجملة تعليل لما قبلها، أي يفعل ما يريده من الأفعال ﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾. فيثيب من يشاء ويعذب من يشاء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس والسديّ وابن يزيد وابن جريج أنه المعرض. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله :﴿ ثَانِي عِطْفِهِ ﴾ قال : أنزلت في النضر بن الحارث. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : هو رجل من بني عبد الدار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ﴿ ثَانِي عطْفِهِ ﴾ قال : مستكبراً في نفسه. وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾ قال : كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاماً وأنتجت خيله قال : هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه بسند صحيح قال : كان ناس من الأعراب يأتون النبيّ صلى الله عليه وسلم يسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم، فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قالوا : إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به، وإن وجدوا عام جدب وعام ولاد سوء وعام قحط، قالوا : ما في ديننا هذا خير، فأنزل الله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضاً نحوه، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن مردويه أيضاً من طريقه أيضاً عن أبي سعيد قال : أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالإسلام، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : أقلني أقلني، قال :«إن الإسلام لا يقال»، فقال : لم أصب من ديني هذا خيراً، ذهب بصري ومالي ومات ولدي، فقال :( يا يهوديّ، الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة )، فنزلت ﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾ ). وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله ﴾ قال : من كان يظنّ أن لن ينصر الله محمداً في الدنيا والآخرة ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ ﴾ قال : فليربط بحبل ﴿ إِلَى السماء ﴾ قال : إلى سماء بيته السقف ﴿ ثُمَّ ليَقْطَعْ ﴾ قال : ثم يختنق به حتى يموت. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه قال :﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لن يَنصُرَهُ الله ﴾ يقول : أن لن يرزقه الله ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء ﴾ فليأخذ حبلاً فليربطه في سماء بيته فليختنق به ﴿ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾ قال : فلينظر هل ينفعه ذلك أو يأتيه برزق.
﴿ مَن كَانَ يَظُنّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله فِي الدنيا والآخرة ﴾ قال النحاس : من أحسن ما قيل في هذه الآية أن المعنى : من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأنه يتهيأ له أن يقطع النصر الذي أوتيه ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء ﴾ أي فليطلب حيلة يصل بها إلى السماء ﴿ ثُمَّ لْيَقْطَعْ ﴾ أي ثم ليقطع النصر إن تهيأ له ﴿ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ﴾ وحيلته ﴿ مَا يَغِيظُ ﴾ من نصر النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقيل : المعنى : من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً صلى الله عليه وسلم حتى يظهره على الدين كله فليمت غيظاً، ثم فسره بقوله :﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء ﴾ أي فليشدد حبلاً في سقف بيته ﴿ ثُمَّ لْيَقْطَعْ ﴾ أي ثم ليمد الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقاً، والمعنى : فليختنق غيظاً حتى يموت، فإن الله ناصره ومظهره، ولا ينفعه غيظه، ومعنى ﴿ فلينظر هل يذهبن كيده ﴾ أي صنيعه وحيلته ما يغيظ، أي غيظه، و«ما » مصدرية. وقيل : إن الضمير في :﴿ ينصره ﴾ يعود إلى " من "، والمعنى : من كان يظنّ أن الله لا يرزقه فليقتل نفسه، وبه قال أبو عبيدة. وقيل : إن الضمير يعود إلى الدين، أي من كان يظنّ أن لن ينصر الله دينه. وقرأ الكوفيون بإسكان اللام في «ثم ليقطع ». قال النحاس : وهذه القراءة بعيدة من العربية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس والسديّ وابن يزيد وابن جريج أنه المعرض. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله :﴿ ثَانِي عِطْفِهِ ﴾ قال : أنزلت في النضر بن الحارث. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : هو رجل من بني عبد الدار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ﴿ ثَانِي عطْفِهِ ﴾ قال : مستكبراً في نفسه. وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾ قال : كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاماً وأنتجت خيله قال : هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه بسند صحيح قال : كان ناس من الأعراب يأتون النبيّ صلى الله عليه وسلم يسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم، فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قالوا : إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به، وإن وجدوا عام جدب وعام ولاد سوء وعام قحط، قالوا : ما في ديننا هذا خير، فأنزل الله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضاً نحوه، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن مردويه أيضاً من طريقه أيضاً عن أبي سعيد قال : أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالإسلام، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : أقلني أقلني، قال :«إن الإسلام لا يقال»، فقال : لم أصب من ديني هذا خيراً، ذهب بصري ومالي ومات ولدي، فقال :( يا يهوديّ، الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة )، فنزلت ﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾ ). وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله ﴾ قال : من كان يظنّ أن لن ينصر الله محمداً في الدنيا والآخرة ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ ﴾ قال : فليربط بحبل ﴿ إِلَى السماء ﴾ قال : إلى سماء بيته السقف ﴿ ثُمَّ ليَقْطَعْ ﴾ قال : ثم يختنق به حتى يموت. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه قال :﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لن يَنصُرَهُ الله ﴾ يقول : أن لن يرزقه الله ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء ﴾ فليأخذ حبلاً فليربطه في سماء بيته فليختنق به ﴿ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾ قال : فلينظر هل ينفعه ذلك أو يأتيه برزق.
﴿ وكذلك أنزلناه آيات بينات ﴾ أي : مثل ذلك الإنزال البديع أنزلناه آيات واضحات ظاهرة الدلالة على مدلولاتها ﴿ وَأَنَّ الله يَهْدِي مَن يُرِيدُ ﴾ هدايته ابتداء أو زيادة فيها لمن كان مهدياً من قبل.
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ ثَانِي عِطْفِهِ ﴾ قال : لاوي عنقه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس والسديّ وابن يزيد وابن جريج أنه المعرض. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله :﴿ ثَانِي عِطْفِهِ ﴾ قال : أنزلت في النضر بن الحارث. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : هو رجل من بني عبد الدار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ﴿ ثَانِي عطْفِهِ ﴾ قال : مستكبراً في نفسه. وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾ قال : كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاماً وأنتجت خيله قال : هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه بسند صحيح قال : كان ناس من الأعراب يأتون النبيّ صلى الله عليه وسلم يسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم، فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قالوا : إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به، وإن وجدوا عام جدب وعام ولاد سوء وعام قحط، قالوا : ما في ديننا هذا خير، فأنزل الله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضاً نحوه، وفي إسناده العوفي. وأخرج ابن مردويه أيضاً من طريقه أيضاً عن أبي سعيد قال : أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالإسلام، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : أقلني أقلني، قال :«إن الإسلام لا يقال»، فقال : لم أصب من ديني هذا خيراً، ذهب بصري ومالي ومات ولدي، فقال :( يا يهوديّ، الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة )، فنزلت ﴿ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ ﴾ ). وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله ﴾ قال : من كان يظنّ أن لن ينصر الله محمداً في الدنيا والآخرة ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ ﴾ قال : فليربط بحبل ﴿ إِلَى السماء ﴾ قال : إلى سماء بيته السقف ﴿ ثُمَّ ليَقْطَعْ ﴾ قال : ثم يختنق به حتى يموت. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه قال :﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لن يَنصُرَهُ الله ﴾ يقول : أن لن يرزقه الله ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء ﴾ فليأخذ حبلاً فليربطه في سماء بيته فليختنق به ﴿ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾ قال : فلينظر هل ينفعه ذلك أو يأتيه برزق.
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ ثَانِي عِطْفِهِ ﴾ قال : لاوي عنقه.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا نَحْوَهُ. وَفِي إِسْنَادِهِ الْعَوْفِيُّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أَسْلَمَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَذَهَبَ بَصَرُهُ وَمَالُهُ وَوَلَدُهُ فَتَشَاءَمَ بِالْإِسْلَامِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَقِلْنِي أَقِلْنِي، قَالَ: إِنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُقَالُ، فَقَالَ: لَمْ أُصِبْ مِنْ دِينِي هَذَا خَيْرًا ذَهَبَ بَصَرِي وَمَالِي وَمَاتَ وَلَدِي، فَقَالَ: يَا يَهُودِيُّ الْإِسْلَامُ يَسْبِكُ الرِّجَالَ كَمَا تَسْبِكُ النَّارَ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَنَزَلَتْ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ قَالَ: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ قَالَ:
فَلْيُرْبَطْ بِحَبْلٍ إِلَى السَّماءِ قَالَ: إِلَى سَمَاءِ بَيْتِهِ السقف ثُمَّ لْيَقْطَعْ قال: ثم يختنق بِهِ حَتَّى يَمُوتَ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ يَقُولُ: أَنْ لَنْ يَرْزُقَهُ اللَّهُ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ فَلْيَأْخُذْ حَبْلًا فَلْيَرْبُطْهُ فِي سَمَاءِ بَيْتِهِ فَلْيَخْتَنِقْ بِهِ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ قَالَ: فَلْيَنْظُرْ هَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ أَوْ يَأْتِيهِ برزق.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ١٧ الى ٢٤]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ (١٨) هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١)
كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٢٢) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٢٣) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (٢٤)
قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا أي: بالله وبرسوله، أَوْ بِمَا ذُكِرَ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِينَ هادُوا هُمُ الْيَهُودُ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى مِلَّةِ مُوسَى وَالصَّابِئِينَ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ النُّجُومَ، وَقِيلَ: هُمْ مِنْ جِنْسِ النَّصَارَى وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ، بَلْ هُمْ فِرْقَةٌ مَعْرُوفَةٌ لَا تَرْجِعُ إِلَى مِلَّةٍ مِنِ الْمِلَلِ الْمُنْتَسِبَةِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالنَّصارى هُمُ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى مِلَّةِ عِيسَى وَالْمَجُوسَ هُمُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ النار، ويقولون: إن للعالم أصلين النور والظلمة. وقيل:
هم قوم يعبدون الشمس والقمر، وقيل: هم قوم يَسْتَعْمِلُونَ النَّجَاسَاتِ، وَقِيلَ: هُمْ قَوْمٌ مِنَ النَّصَارَى اعْتَزَلُوهُمْ وَلَبِسُوا الْمُسُوحَ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ أَخَذُوا بَعْضَ دِينِ الْيَهُودِ وَبَعْضَ دِينِ النَّصَارَى وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، وَقَدْ مَضَى تَحْقِيقُ هَذَا فِي الْبَقَرَةِ، وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدَّمَ هُنَالِكَ النَّصَارَى عَلَى الصَّابِئِينَ، وَأَخَّرَهُمْ عَنْهُمْ هُنَا. فَقِيلَ: وَجْهُ تَقْدِيمِ النَّصَارَى هُنَالِكَ أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ دُونَ الصَّابِئِينَ، وَوَجْهُ تَقْدِيمِ الصَّابِئِينَ
فَلْيُرْبَطْ بِحَبْلٍ إِلَى السَّماءِ قَالَ: إِلَى سَمَاءِ بَيْتِهِ السقف ثُمَّ لْيَقْطَعْ قال: ثم يختنق بِهِ حَتَّى يَمُوتَ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ يَقُولُ: أَنْ لَنْ يَرْزُقَهُ اللَّهُ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ فَلْيَأْخُذْ حَبْلًا فَلْيَرْبُطْهُ فِي سَمَاءِ بَيْتِهِ فَلْيَخْتَنِقْ بِهِ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ قَالَ: فَلْيَنْظُرْ هَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ أَوْ يَأْتِيهِ برزق.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ١٧ الى ٢٤]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ (١٨) هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١)
كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٢٢) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٢٣) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (٢٤)
قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا أي: بالله وبرسوله، أَوْ بِمَا ذُكِرَ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِينَ هادُوا هُمُ الْيَهُودُ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى مِلَّةِ مُوسَى وَالصَّابِئِينَ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ النُّجُومَ، وَقِيلَ: هُمْ مِنْ جِنْسِ النَّصَارَى وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ، بَلْ هُمْ فِرْقَةٌ مَعْرُوفَةٌ لَا تَرْجِعُ إِلَى مِلَّةٍ مِنِ الْمِلَلِ الْمُنْتَسِبَةِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالنَّصارى هُمُ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى مِلَّةِ عِيسَى وَالْمَجُوسَ هُمُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ النار، ويقولون: إن للعالم أصلين النور والظلمة. وقيل:
هم قوم يعبدون الشمس والقمر، وقيل: هم قوم يَسْتَعْمِلُونَ النَّجَاسَاتِ، وَقِيلَ: هُمْ قَوْمٌ مِنَ النَّصَارَى اعْتَزَلُوهُمْ وَلَبِسُوا الْمُسُوحَ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ أَخَذُوا بَعْضَ دِينِ الْيَهُودِ وَبَعْضَ دِينِ النَّصَارَى وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، وَقَدْ مَضَى تَحْقِيقُ هَذَا فِي الْبَقَرَةِ، وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدَّمَ هُنَالِكَ النَّصَارَى عَلَى الصَّابِئِينَ، وَأَخَّرَهُمْ عَنْهُمْ هُنَا. فَقِيلَ: وَجْهُ تَقْدِيمِ النَّصَارَى هُنَالِكَ أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ دُونَ الصَّابِئِينَ، وَوَجْهُ تَقْدِيمِ الصَّابِئِينَ
523
هُنَا أَنَّ زَمَنَهُمْ مُتَقَدِّمٌ عَلَى زَمَنِ النَّصَارَى. وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهَا خَبَرٌ لَإِنَّ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَمَعْنَى الْفَصْلِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَقْضِي بَيْنَهُمْ فَيُدْخِلُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ الْجَنَّةَ وَالْكَافِرِينَ مِنْهُمُ النَّارَ. وَقِيلَ:
الْفَصْلُ هُوَ أَنْ يُمَيَّزَ الْمُحِقُّ مِنَ الْمُبْطِلِ بِعَلَّامَةٍ يُعْرَفُ بِهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا، أَيْ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ خَلْقِهِ وَأَقْوَالِهِمْ شَهِيدٌ، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْهَا. وَأَنْكَرَ الْفَرَّاءُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ خَبَرًا لَإِنَّ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَقَالَ: لَا يَجُوزُ فِي الْكَلَامِ: إِنَّ زَيْدًا إِنَّ أَخَاهُ مُنْطَلِقٌ، وَرَدَّ الزَّجَّاجُ مَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَأَنْكَرَهُ وَأَنْكَرَ مَا جَعَلَهُ مُمَاثِلًا لِلْآيَةِ، وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ قولك:
إن زيدا إن الْخَيْرُ عِنْدَهُ، وَإِنَّ زَيْدًا إِنَّهُ مُنْطَلَقٌ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ الرُّؤْيَةُ هُنَا هِيَ الْقَلْبِيَّةُ لَا الْبَصَرِيَّةُ، أَيْ: أَلَمْ تَعْلَمْ، وَالْخِطَابُ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ، وَهُوَ مَنْ تَتَأَتَّى مِنْهُ الرُّؤْيَةُ، وَالْمُرَادُ بِالسُّجُودِ هُنَا هُوَ الِانْقِيَادُ الْكَامِلُ، لَا سُجُودُ الطَّاعَةِ الْخَاصَّةِ بِالْعُقَلَاءِ، سَوَاءً جُعِلْتَ كَلِمَةُ مَنْ خَاصَّةً بِالْعُقَلَاءِ، أو عامة لهم ولغيرهم، ولهذا عطف الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ عَلَى مَنْ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّ السُّجُودَ هُوَ الِانْقِيَادُ لَا الطَّاعَةُ الْخَاصَّةُ بِالْعُقَلَاءِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَ هَذِهِ الْأُمُورَ بِالذِّكْرِ مَعَ كَوْنِهَا دَاخِلَةً تَحْتَ مَنْ، عَلَى تَقْدِيرِ جَعْلِهَا عَامَّةً لِكَوْنِ قِيَامِ السُّجُودِ بِهَا مُسْتَبْعَدًا فِي الْعَادَةِ، وَارْتِفَاعُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ، أَيْ: وَيَسْجُدُ لَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ. وَقِيلَ: مُرْتَفِعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، وَتَقْدِيرُهُ: وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَإِنَّمَا لَمْ يَرْتَفِعْ بِالْعَطْفِ عَلَى «مَنْ» لِأَنَّ سُجُودَ هَؤُلَاءِ الْكَثِيرِ مِنَ النَّاسِ هُوَ سُجُودُ الطَّاعَةِ الْخَاصَّةِ بِالْعُقَلَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالسُّجُودِ الْمُتَقَدِّمِ هُوَ الِانْقِيَادُ، فَلَوِ ارْتَفَعَ بِالْعَطْفِ عَلَى «مَنْ» لَكَانَ فِي ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا مُلْجِئَ إِلَى هَذَا بَعْدَ حَمْلِ السُّجُودِ عَلَى الِانْقِيَادِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ مِنْ سُجُودِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ هُوَ انْقِيَادُهُمْ لَا نَفْسُ السُّجُودِ الْخَاصِّ، فَارْتِفَاعُهُ عَلَى الْعَطْفِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَمُتَابِعُوهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ فَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: إِنَّهُ مُرْتَفِعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ. وَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى «كَثِيرٍ» الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَسْجُدُ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَأْبَى ذَلِكَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي الْجَنَّةِ، وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ، هَكَذَا حَكَاهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ.
وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ أَيْ: مَنْ أَهَانَهُ اللَّهُ بِأَنْ جَعَلَهُ كَافِرًا شَقِيًّا، فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ يُكْرِمُهُ فَيَصِيرُ سَعِيدًا عَزِيزًا. وَحَكَى الْأَخْفَشُ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ أَنَّ الْمَعْنَى: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ، أَيْ إِكْرَامٍ، إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ وَالْإِكْرَامِ وَالْإِهَانَةِ هذانِ خَصْمانِ الْخَصْمَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْجَسُ الْفِرَقِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئُونَ وَالْمَجُوسُ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا، وَالْخَصْمُ الْآخَرُ الْمُسْلِمُونَ، فَهُمَا فَرِيقَانِ مُخْتَصِمَانِ. قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْخَصْمَيْنِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ.
قَالَتِ الْجَنَّةُ: خَلَقَنِي لِرَحْمَتِهِ، وَقَالَتِ النَّارُ: خَلَقَنِي لِعُقُوبَتِهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْخَصْمَيْنِ هُمُ الَّذِينَ بَرَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ، فَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ وَعُبَيْدَةُ، وَمِنَ الْكَافِرِينَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ. وَقَدْ كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقْسِمُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي هَؤُلَاءِ الْمُتَبَارِزِينَ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ، وَقَالَ بِمِثْلِ هَذَا جَمَاعَةٌ
الْفَصْلُ هُوَ أَنْ يُمَيَّزَ الْمُحِقُّ مِنَ الْمُبْطِلِ بِعَلَّامَةٍ يُعْرَفُ بِهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا، أَيْ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ خَلْقِهِ وَأَقْوَالِهِمْ شَهِيدٌ، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْهَا. وَأَنْكَرَ الْفَرَّاءُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ خَبَرًا لَإِنَّ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَقَالَ: لَا يَجُوزُ فِي الْكَلَامِ: إِنَّ زَيْدًا إِنَّ أَخَاهُ مُنْطَلِقٌ، وَرَدَّ الزَّجَّاجُ مَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَأَنْكَرَهُ وَأَنْكَرَ مَا جَعَلَهُ مُمَاثِلًا لِلْآيَةِ، وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ قولك:
إن زيدا إن الْخَيْرُ عِنْدَهُ، وَإِنَّ زَيْدًا إِنَّهُ مُنْطَلَقٌ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ الرُّؤْيَةُ هُنَا هِيَ الْقَلْبِيَّةُ لَا الْبَصَرِيَّةُ، أَيْ: أَلَمْ تَعْلَمْ، وَالْخِطَابُ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ، وَهُوَ مَنْ تَتَأَتَّى مِنْهُ الرُّؤْيَةُ، وَالْمُرَادُ بِالسُّجُودِ هُنَا هُوَ الِانْقِيَادُ الْكَامِلُ، لَا سُجُودُ الطَّاعَةِ الْخَاصَّةِ بِالْعُقَلَاءِ، سَوَاءً جُعِلْتَ كَلِمَةُ مَنْ خَاصَّةً بِالْعُقَلَاءِ، أو عامة لهم ولغيرهم، ولهذا عطف الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ عَلَى مَنْ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّ السُّجُودَ هُوَ الِانْقِيَادُ لَا الطَّاعَةُ الْخَاصَّةُ بِالْعُقَلَاءِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَ هَذِهِ الْأُمُورَ بِالذِّكْرِ مَعَ كَوْنِهَا دَاخِلَةً تَحْتَ مَنْ، عَلَى تَقْدِيرِ جَعْلِهَا عَامَّةً لِكَوْنِ قِيَامِ السُّجُودِ بِهَا مُسْتَبْعَدًا فِي الْعَادَةِ، وَارْتِفَاعُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ، أَيْ: وَيَسْجُدُ لَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ. وَقِيلَ: مُرْتَفِعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، وَتَقْدِيرُهُ: وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَإِنَّمَا لَمْ يَرْتَفِعْ بِالْعَطْفِ عَلَى «مَنْ» لِأَنَّ سُجُودَ هَؤُلَاءِ الْكَثِيرِ مِنَ النَّاسِ هُوَ سُجُودُ الطَّاعَةِ الْخَاصَّةِ بِالْعُقَلَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالسُّجُودِ الْمُتَقَدِّمِ هُوَ الِانْقِيَادُ، فَلَوِ ارْتَفَعَ بِالْعَطْفِ عَلَى «مَنْ» لَكَانَ فِي ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا مُلْجِئَ إِلَى هَذَا بَعْدَ حَمْلِ السُّجُودِ عَلَى الِانْقِيَادِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ مِنْ سُجُودِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ هُوَ انْقِيَادُهُمْ لَا نَفْسُ السُّجُودِ الْخَاصِّ، فَارْتِفَاعُهُ عَلَى الْعَطْفِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَمُتَابِعُوهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ فَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: إِنَّهُ مُرْتَفِعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ. وَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى «كَثِيرٍ» الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَسْجُدُ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَأْبَى ذَلِكَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي الْجَنَّةِ، وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ، هَكَذَا حَكَاهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ.
وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ أَيْ: مَنْ أَهَانَهُ اللَّهُ بِأَنْ جَعَلَهُ كَافِرًا شَقِيًّا، فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ يُكْرِمُهُ فَيَصِيرُ سَعِيدًا عَزِيزًا. وَحَكَى الْأَخْفَشُ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ أَنَّ الْمَعْنَى: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ، أَيْ إِكْرَامٍ، إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ وَالْإِكْرَامِ وَالْإِهَانَةِ هذانِ خَصْمانِ الْخَصْمَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْجَسُ الْفِرَقِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئُونَ وَالْمَجُوسُ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا، وَالْخَصْمُ الْآخَرُ الْمُسْلِمُونَ، فَهُمَا فَرِيقَانِ مُخْتَصِمَانِ. قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْخَصْمَيْنِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ.
قَالَتِ الْجَنَّةُ: خَلَقَنِي لِرَحْمَتِهِ، وَقَالَتِ النَّارُ: خَلَقَنِي لِعُقُوبَتِهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْخَصْمَيْنِ هُمُ الَّذِينَ بَرَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ، فَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ وَعُبَيْدَةُ، وَمِنَ الْكَافِرِينَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ. وَقَدْ كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقْسِمُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي هَؤُلَاءِ الْمُتَبَارِزِينَ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ، وَقَالَ بِمِثْلِ هَذَا جَمَاعَةٌ
524
مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُمْ أَعْرَفُ مِنْ غَيْرِهِمْ بِأَسْبَابِ النُّزُولِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: فِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ «هَذَانِّ» بِتَشْدِيدِ النُّونِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: اخْتَصَمُوا وَلَمْ يَقُلِ اخْتَصَمَا.
قَالَ الْفَرَّاءُ: لِأَنَّهُمْ جَمْعٌ، وَلَوْ قَالَ اخْتَصَمَا لَجَازَ، وَمَعْنَى فِي رَبِّهِمْ فِي شَأْنِ رَبِّهِمْ، أَيْ: فِي دِينِهِ، أَوْ فِي ذَاتِهِ، أَوْ فِي صِفَاتِهِ، أَوْ فِي شَرِيعَتِهِ لِعِبَادِهِ، أَوْ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. ثُمَّ فَصَلَ سُبْحَانَهُ مَا أَجْمَلَهُ فِي قَوْلِهِ: يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: أَيْ سُوِّيَتْ وَجُعِلَتْ لَبُوسًا لَهُمْ، شُبِّهَتِ النَّارُ بِالثِّيَابِ لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهِمْ كَاشْتِمَالِ الثِّيَابِ، وَعَبَّرَ بِالْمَاضِي عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ تَنْبِيهًا عَلَى تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ.
وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الثِّيَابَ مِنْ نُحَاسٍ قَدْ أُذِيبَ فَصَارَ كَالنَّارِ، وَهِيَ السَّرَابِيلُ الْمَذْكُورَةُ فِي آيَةٍ أُخْرَى. وَقِيلَ: الْمَعْنَى فِي الْآيَةِ: أَحَاطَتِ النَّارُ بِهِمْ. وَقُرِئَ «قُطِعَتْ» بِالتَّخْفِيفِ. ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ وَالْحَمِيمُ: هُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ الْمَغْلِيُّ بِنَارِ جَهَنَّمَ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ أَوْ هِيَ خَبَرٌ ثَانٍ لِلْمَوْصُولِ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ الصَّهْرُ: الْإِذَابَةُ، وَالصُّهَارَةُ: مَا ذَابَ مِنْهُ، يُقَالُ: صَهَرْتُ الشيء فانصهر، أي: أذابته فَذَابَ، فَهُوَ صَهِيرٌ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُذَابُ بِذَلِكَ الْحَمِيمِ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنَ الْأَمْعَاءِ وَالْأَحْشَاءِ وَالْجُلُودُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا، أَيْ: وَيُصْهَرُ بِهِ الْجُلُودُ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَقِيلَ: إِنِ الْجُلُودَ لَا تُذَابُ، بَلْ تُحْرَقُ، فَيُقَدَّرُ فِعْلٌ يُنَاسِبُ ذَلِكَ، وَيُقَالُ: وَتُحْرَقُ بِهِ الْجُلُودُ، كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا «١»
أَيْ: وَسَقَيْتُهَا مَاءً. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا مُلْجِئَ لِهَذَا، فَإِنَّ الْحَمِيمَ إِذَا كَانَ يُذِيبُ مَا فِي الْبُطُونِ فَإِذَابَتُهُ لِلْجِلْدِ الظَّاهِرِ بِالْأَوْلَى وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ الْمَقَامِعُ: جَمْعُ مَقْمَعَةٍ وَمَقْمَعٌ، قَمَعْتُهُ: ضَرَبْتُهُ بِالْمِقْمَعَةِ، وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ. وَالْمَعْنَى: لَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ يُضْرَبُونَ بِهَا، أَيْ: لِلْكَفَرَةِ، وَسُمِّيَتِ الْمَقَامِعُ مَقَامِعَ لِأَنَّهَا تَقْمَعُ الْمَضْرُوبَ، أَيْ: تُذَلِّلُهُ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: أَقَمَعْتُ الرَّجُلَ عَنِّي إِقْمَاعًا إِذَا اطلع عَلَيْكَ فَرَدَدْتُهُ عَنْكَ.
كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أَيْ: مِنَ النَّارِ أُعِيدُوا فِيها أَيْ: في النار بالضرب بالمقامع، ومِنْ غَمٍّ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «مِنْهَا» بِإِعَادَةِ الْجَارِّ أَوْ مَفْعُولٍ لَهُ، أَيْ: لِأَجْلِ غَمٍّ شَدِيدٍ مِنْ غُمُومُ النَّارِ.
وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ هُوَ بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ، أَيْ: أُعِيدُوا فِيهَا، وَقِيلَ لَهُمْ: ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ، أَيِ:
الْعَذَابَ الْمُحْرِقَ، وَأَصْلُ الْحَرِيقِ الِاسْمُ مِنَ الِاحْتِرَاقِ، تَحْرِقُ الشَّيْءَ بِالنَّارِ وَاحْتَرَقَ حُرْقَةً وَاحْتِرَاقًا، وَالذَّوْقُ مُمَاسَّةٌ يَحْصُلُ مَعَهَا إِدْرَاكُ الطَّعْمِ، وَهُوَ هُنَا تَوَسُّعٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ إِدْرَاكُ الْأَلَمِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهَذَا لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ.
وَقَالَ فِي الْخَصْمِ الْآخَرِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ حَالَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ بَيَانِهِ لِحَالِ الْكَافِرِينَ. ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَعْضَ مَا أَعَدَّهُ لَهُمْ مِنَ النَّعِيمِ بَعْدَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ فَقَالَ: يُحَلَّوْنَ فِيها قَرَأَ الْجُمْهُورُ يُحَلَّونَ بِالتَّشْدِيدِ وَالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَقُرِئَ مُخَفَّفًا، أَيْ: يُحَلِّيهِمُ اللَّهُ أَوِ الْمَلَائِكَةُ بأمره. و «من» فِي قَوْلِهِ: مِنْ أَساوِرَ لِلتَّبْعِيضِ، أَيْ: يُحَلَّونَ بعض أساور،
قَالَ الْفَرَّاءُ: لِأَنَّهُمْ جَمْعٌ، وَلَوْ قَالَ اخْتَصَمَا لَجَازَ، وَمَعْنَى فِي رَبِّهِمْ فِي شَأْنِ رَبِّهِمْ، أَيْ: فِي دِينِهِ، أَوْ فِي ذَاتِهِ، أَوْ فِي صِفَاتِهِ، أَوْ فِي شَرِيعَتِهِ لِعِبَادِهِ، أَوْ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. ثُمَّ فَصَلَ سُبْحَانَهُ مَا أَجْمَلَهُ فِي قَوْلِهِ: يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: أَيْ سُوِّيَتْ وَجُعِلَتْ لَبُوسًا لَهُمْ، شُبِّهَتِ النَّارُ بِالثِّيَابِ لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهِمْ كَاشْتِمَالِ الثِّيَابِ، وَعَبَّرَ بِالْمَاضِي عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ تَنْبِيهًا عَلَى تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ.
وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الثِّيَابَ مِنْ نُحَاسٍ قَدْ أُذِيبَ فَصَارَ كَالنَّارِ، وَهِيَ السَّرَابِيلُ الْمَذْكُورَةُ فِي آيَةٍ أُخْرَى. وَقِيلَ: الْمَعْنَى فِي الْآيَةِ: أَحَاطَتِ النَّارُ بِهِمْ. وَقُرِئَ «قُطِعَتْ» بِالتَّخْفِيفِ. ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ وَالْحَمِيمُ: هُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ الْمَغْلِيُّ بِنَارِ جَهَنَّمَ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ أَوْ هِيَ خَبَرٌ ثَانٍ لِلْمَوْصُولِ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ الصَّهْرُ: الْإِذَابَةُ، وَالصُّهَارَةُ: مَا ذَابَ مِنْهُ، يُقَالُ: صَهَرْتُ الشيء فانصهر، أي: أذابته فَذَابَ، فَهُوَ صَهِيرٌ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُذَابُ بِذَلِكَ الْحَمِيمِ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنَ الْأَمْعَاءِ وَالْأَحْشَاءِ وَالْجُلُودُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا، أَيْ: وَيُصْهَرُ بِهِ الْجُلُودُ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَقِيلَ: إِنِ الْجُلُودَ لَا تُذَابُ، بَلْ تُحْرَقُ، فَيُقَدَّرُ فِعْلٌ يُنَاسِبُ ذَلِكَ، وَيُقَالُ: وَتُحْرَقُ بِهِ الْجُلُودُ، كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا «١»
أَيْ: وَسَقَيْتُهَا مَاءً. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا مُلْجِئَ لِهَذَا، فَإِنَّ الْحَمِيمَ إِذَا كَانَ يُذِيبُ مَا فِي الْبُطُونِ فَإِذَابَتُهُ لِلْجِلْدِ الظَّاهِرِ بِالْأَوْلَى وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ الْمَقَامِعُ: جَمْعُ مَقْمَعَةٍ وَمَقْمَعٌ، قَمَعْتُهُ: ضَرَبْتُهُ بِالْمِقْمَعَةِ، وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ. وَالْمَعْنَى: لَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ يُضْرَبُونَ بِهَا، أَيْ: لِلْكَفَرَةِ، وَسُمِّيَتِ الْمَقَامِعُ مَقَامِعَ لِأَنَّهَا تَقْمَعُ الْمَضْرُوبَ، أَيْ: تُذَلِّلُهُ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: أَقَمَعْتُ الرَّجُلَ عَنِّي إِقْمَاعًا إِذَا اطلع عَلَيْكَ فَرَدَدْتُهُ عَنْكَ.
كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أَيْ: مِنَ النَّارِ أُعِيدُوا فِيها أَيْ: في النار بالضرب بالمقامع، ومِنْ غَمٍّ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «مِنْهَا» بِإِعَادَةِ الْجَارِّ أَوْ مَفْعُولٍ لَهُ، أَيْ: لِأَجْلِ غَمٍّ شَدِيدٍ مِنْ غُمُومُ النَّارِ.
وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ هُوَ بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ، أَيْ: أُعِيدُوا فِيهَا، وَقِيلَ لَهُمْ: ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ، أَيِ:
الْعَذَابَ الْمُحْرِقَ، وَأَصْلُ الْحَرِيقِ الِاسْمُ مِنَ الِاحْتِرَاقِ، تَحْرِقُ الشَّيْءَ بِالنَّارِ وَاحْتَرَقَ حُرْقَةً وَاحْتِرَاقًا، وَالذَّوْقُ مُمَاسَّةٌ يَحْصُلُ مَعَهَا إِدْرَاكُ الطَّعْمِ، وَهُوَ هُنَا تَوَسُّعٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ إِدْرَاكُ الْأَلَمِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهَذَا لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ.
وَقَالَ فِي الْخَصْمِ الْآخَرِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ حَالَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ بَيَانِهِ لِحَالِ الْكَافِرِينَ. ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَعْضَ مَا أَعَدَّهُ لَهُمْ مِنَ النَّعِيمِ بَعْدَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ فَقَالَ: يُحَلَّوْنَ فِيها قَرَأَ الْجُمْهُورُ يُحَلَّونَ بِالتَّشْدِيدِ وَالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَقُرِئَ مُخَفَّفًا، أَيْ: يُحَلِّيهِمُ اللَّهُ أَوِ الْمَلَائِكَةُ بأمره. و «من» فِي قَوْلِهِ: مِنْ أَساوِرَ لِلتَّبْعِيضِ، أَيْ: يُحَلَّونَ بعض أساور،
(١). وعجزه: حتى شتت همّالة عيناها.
525
أو للبيان، أو زائدة، و «من» فِي مِنْ ذَهَبٍ لِلْبَيَانِ، وَالْأَسَاوِرُ: جَمْعُ أَسْوِرَةٍ، وَالْأَسْوِرَةُ: جَمْعُ سِوَارٍ، وَفِي السُّوَارِ لُغَتَانِ كَسْرُ السِّينِ وَضَمُّهَا، وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ أَسْوَارٌ. قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ وَشَيْبَةُ وَلُؤْلُؤاً بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى مَحَلِّ أَسَاوِرَ، أَيْ: وَيُحَلُّونَ لؤلؤا، أو بفعل مقدّر ينصبه، وَهَكَذَا قَرَأَ بِالنَّصْبِ يَعْقُوبُ وَالْجَحْدَرِيُّ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ هِيَ الْمُوَافِقَةُ لِرَسْمِ الْمُصْحَفِ فَإِنَّ هَذَا الْحَرْفَ مَكْتُوبٌ فِيهِ بِالْأَلِفِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى أَسَاوِرَ، أَيْ: يُحَلُّونَ من أساور ومن لؤلؤ، واللؤلؤ: ما يستخرج من البحر من جوف الصدف. قال القشيري: والمراد ترصيع السوار باللؤلؤ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ فِي الْجَنَّةِ سُوَارٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ مُصْمَتٍ «١» كَمَا أَنَّ فِيهَا أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ. وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ أَيْ: جَمِيعُ مَا يَلْبَسُونَهُ حَرِيرٌ كَمَا تُفِيدُهُ هَذِهِ الْإِضَافَةُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْمَلْبُوسِ الَّذِي كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا حَلَالٌ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَلْبَسُونَهُ فِيهَا، فَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُعْطَى مَا تَشْتَهِيهِ نَفْسُهُ، وَيَنَالُ مَا يُرِيدُهُ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ أَيْ: أُرْشِدُوا إِلَيْهِ، قِيلَ: هُوَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقِيلَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَقِيلَ: الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: هُوَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الْبِشَارَاتِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمُجْمَلِ هُنَا، وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ «٢».
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا «٣». الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ «٤». وَمَعْنَى: وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ أَنَّهُمْ أُرْشِدُوا إِلَى الصِّرَاطِ الْمَحْمُودِ وَهُوَ طَرِيقُ الْجَنَّةِ، أَوْ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ دِينُهُ الْقَوِيمُ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَالصَّابِئِينَ قَالَ: هُمْ قَوْمٌ يعبدون الملائكة، ويصلّون القبلة، وَيَقْرَءُونَ الزَّبُورَ وَالْمَجُوسَ عَبْدَةُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنِّيرَانِ، وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا عَبْدَةُ الْأَوْثَانِ إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ قَالَ: الْأَدْيَانُ سِتَّةٌ فَخَمْسَةٌ لِلشَّيْطَانِ، وَدِينُ لله عَزَّ وَجَلَّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: فَصَلَ قَضَاءَهُ بَيْنَهُمْ فَجَعَلَ الْخَمْسَةَ مُشْتَرِكَةً وَجَعَلَ هَذِهِ الْأُمَّةَ وَاحِدَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الَّذِينَ هَادُوا: الْيَهُودُ، وَالصَّابِئُونَ:
لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ، وَالْمَجُوسُ: أَصْحَابُ الْأَصْنَامِ، وَالْمُشْرِكُونَ: نَصَارَى الْعَرَبِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ كَانَ يُقْسِمُ قَسَمًا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ هذانِ خَصْمانِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الثَّلَاثَةِ وَالثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تبارزوا يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُمْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ، قَالَ عَلِيٌّ: وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو فِي الْخُصُومَةِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ يَوْمَ القيامة.
وأخرجه الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ:
قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ قَالَ: مِنْ نُحَاسٍ، وَلَيْسَ مِنَ الْآنِيَةِ شَيْءٌ إِذَا حَمِيَ أشدّ حرّا منه، وفي قوله:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا «٣». الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ «٤». وَمَعْنَى: وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ أَنَّهُمْ أُرْشِدُوا إِلَى الصِّرَاطِ الْمَحْمُودِ وَهُوَ طَرِيقُ الْجَنَّةِ، أَوْ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ دِينُهُ الْقَوِيمُ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَالصَّابِئِينَ قَالَ: هُمْ قَوْمٌ يعبدون الملائكة، ويصلّون القبلة، وَيَقْرَءُونَ الزَّبُورَ وَالْمَجُوسَ عَبْدَةُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنِّيرَانِ، وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا عَبْدَةُ الْأَوْثَانِ إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ قَالَ: الْأَدْيَانُ سِتَّةٌ فَخَمْسَةٌ لِلشَّيْطَانِ، وَدِينُ لله عَزَّ وَجَلَّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: فَصَلَ قَضَاءَهُ بَيْنَهُمْ فَجَعَلَ الْخَمْسَةَ مُشْتَرِكَةً وَجَعَلَ هَذِهِ الْأُمَّةَ وَاحِدَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الَّذِينَ هَادُوا: الْيَهُودُ، وَالصَّابِئُونَ:
لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ، وَالْمَجُوسُ: أَصْحَابُ الْأَصْنَامِ، وَالْمُشْرِكُونَ: نَصَارَى الْعَرَبِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ كَانَ يُقْسِمُ قَسَمًا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ هذانِ خَصْمانِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الثَّلَاثَةِ وَالثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تبارزوا يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُمْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ، قَالَ عَلِيٌّ: وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو فِي الْخُصُومَةِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ يَوْمَ القيامة.
وأخرجه الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ:
قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ قَالَ: مِنْ نُحَاسٍ، وَلَيْسَ مِنَ الْآنِيَةِ شَيْءٌ إِذَا حَمِيَ أشدّ حرّا منه، وفي قوله:
(١). «المصمت» : الذي لا يخالط غيره.
(٢). الزمر: ٧٤.
(٣). الأعراف: ٤٣.
(٤). فاطر: ٣٤. [.....]
(٢). الزمر: ٧٤.
(٣). الأعراف: ٤٣.
(٤). فاطر: ٣٤. [.....]
526
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض ﴾ الرؤية هنا هي القلبية لا البصرية، أي ألم تعلم. والخطاب لكل من يصلح له، وهو من تتأتى منه الرؤية، والمراد بالسجود هنا هو : الانقياد الكامل، لا سجود الطاعة الخاصة بالعقلاء، سواء جعلت كلمة من خاصة بالعقلاء، أو عامة لهم ولغيرهم، ولهذا عطف ﴿ الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ﴾ على " من "، فإن ذلك يفيد أن السجود هو الانقياد لا الطاعة الخاصة بالعقلاء، وإنما أفرد هذه الأمور بالذكر مع كونها داخلة تحت من، على تقدير جعلها عامة لكون قيام السجود بها مستبعداً في العادة، وارتفاع ﴿ كَثِيرٍ منَ الناس ﴾ بفعل مضمر يدل عليه المذكور، أي ويسجد له كثير من الناس. وقيل : مرتفع على الابتداء وخبره محذوف وتقديره : وكثير من الناس يستحق الثواب، والأوّل أظهر. وإنما لم يرتفع بالعطف على من، لأن سجود هؤلاء الكثير من الناس هو سجود الطاعة الخاصة بالعقلاء، والمراد بالسجود المتقدّم هو : الانقياد، فلو ارتفع بالعطف على من لكان في ذلك جمع بين معنيين مختلفين في لفظ واحد. وأنت خبير بأنه لا ملجئ. إلى هذا بعد حمل السجود على الانقياد، ولا شك أنه يصح أن يراد من سجود كثير من الناس هو انقيادهم لا نفس السجود الخاص، فارتفاعه على العطف لا بأس به، وإن أبى ذلك صاحب الكشاف ومتابعوه، وأما قوله :﴿ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب ﴾ فقال الكسائي والفراء : إنه مرتفع بالابتداء وخبره ما بعده. وقيل : هو معطوف على " كثير " الأوّل، ويكون المعنى : وكثير من الناس يسجد وكثير منهم يأبى ذلك، وقيل : المعنى وكثير من الناس في الجنة، وكثير حق عليه العذاب، هكذا حكاه ابن الأنباري ﴿ وَمَن يُهِنِ الله فَمَا لَهُ مِن مُكْرِمٍ ﴾ أي من أهانه الله بأن جعله كافراً شقياً، فما له من مكرم يكرمه فيصير سعيداً عزيزاً. وحكى الأخفش والكسائي والفراء أن المعنى :﴿ ومن يهن الله فما له من مكرم ﴾، أي إكرام ﴿ إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاء ﴾ من الأشياء التي من جملتها ما تقدّم ذكره من الشقاوة والسعادة والإكرام والإهانة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ والصابئين ﴾ قال : هم قوم يعبدون الملائكة، ويصلون القبلة، ويقرؤون الزبور ﴿ والمجوس ﴾ عبدة الشمس والقمر والنيران، ﴿ والذين أَشْرَكُوا ﴾ عبدة الأوثان ﴿ إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ ﴾ قال : الأديان ستة ؛ فخمسة للشيطان، ودين الله عزّ وجلّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال : فصل قضاءه بينهم فجعل الخمسة مشتركة وجعل هذه الأمة واحدة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : الذين هادوا : اليهود، والصابئون : ليس لهم كتاب، والمجوس : أصحاب الأصنام، والمشركون : نصارى العرب. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي ذرّ أنه كان يقسم قسماً أن هذه الآية :﴿ هذان خَصْمَانِ ﴾ الآية نزلت في الثلاثة والثلاثة الذين بارزوا يوم بدر، وهم : حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث وعليّ بن أبي طالب، وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، قال عليّ : وأنا أوّل من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة. وأخرجه البخاري وغيره من حديث عليّ. وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس بنحوه، وهكذا روي عن جماعة من التابعين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ من نَارِ ﴾ قال : من نحاس، وليس من الآنية شيء إذا حمي أشدّ حرّاً منه، وفي قوله :﴿ يُصَبُ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم ﴾ قال : النحاس يذاب على رؤوسهم، وقوله :﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ ﴾ قال : تسيل أمعاؤهم ﴿ والجلود ﴾ قال : تتناثر جلودهم. وأخرج عبد بن حميد، والترمذي وصححه، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وأبو نعيم في الحلية، وابن مردويه عن أبي هريرة ؛ أنه تلا هذه الآية :﴿ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم ﴾ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر، ثم يعاد كما كان ). وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ ﴾ قال : يمشون وأمعاءهم تتساقط وجلودهم. وفي قوله :﴿ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴾ قال : يضربون بها، فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالويل والثبور. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال : يسقون ماء إذا دخل في بطونهم أذابها والجلود مع البطون. وأخرج أحمد، وأبو يعلى وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لو أن مقمعاً من حديد وضع في الأرض فاجتمع الثقلان ما أقلوه من الأرض، ولو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت ثم عاد كما كان ). وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن سلمان قال : النار سوداء مظلمة لا يضيء لهبها ولا جمرها، ثم قرأ :﴿ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُوا فِيهَا ﴾. وفي الصحيحين وغيرهما عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ). وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَهُدُوا إِلَى الطيب مِنَ القول ﴾ قال : ألهموا. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : هدوا إلى الطيب من القول في الخصومة إذ قالوا : الله مولانا ولا مولى لكم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن إسماعيل بن أبي خالد في الآية قال : القرآن ﴿ وَهُدُوا إلى صراط الحميد ﴾ قال : الإسلام. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال : الإسلام. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله الذي قال :﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب ﴾ [ فاطر : ١٠ ].
﴿ هذان خَصْمَانِ ﴾ الخصمان أحدهما أنجس الفرق : اليهود والنصارى والصابئون والمجوس والذين أشركوا، والخصم الآخر : المسلمون، فهما فريقان مختصمان. قاله الفراء وغيره. وقيل : المراد بالخصمين الجنة والنار. قالت الجنة : خلقني لرحمته، وقالت النار : خلقني لعقوبته. وقيل : المراد بالخصمين : هم الذين برزوا يوم بدر، فمن المؤمنين حمزة وعليّ وعبيدة، ومن الكافرين : عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة. وقد كان أبو ذرّ رضي الله عنه يقسم أن هذه الآية نزلت في هؤلاء المتبارزين كما ثبت عنه في الصحيح، وقال بمثل هذا جماعة من الصحابة، وهم أعرف من غيرهم بأسباب النزول. وقد ثبت في الصحيح أيضاً عن عليّ أنه قال : فينا نزلت هذه الآية. وقرأ ابن كثير «هذان » بتشديد النون، وقال سبحانه :﴿ اختصموا ﴾ ولم يقل : اختصما. قال الفراء : لأنهم جمع، ولو قال اختصما لجاز، ومعنى ﴿ فِي رَبّهِمْ ﴾ في شأن ربهم، أي في دينه، أو في ذاته، أو في صفاته، أو في شريعته لعباده، أو في جميع ذلك. ثم فصل سبحانه ما أجمله في قوله :﴿ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ ﴾ فقال :﴿ فالذين كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ من نَارِ ﴾ قال الأزهري : أي سوّيت وجعلت لبوساً لهم، شبهت النار بالثياب ؛ لأنها مشتملة عليهم كاشتمال الثياب، وعبر بالماضي عن المستقبل تنبيهاً على تحقق وقوعه. وقيل : إن هذه الثياب من نحاس قد أذيب فصار كالنار، وهي السرابيل المذكورة في آية أخرى. وقيل : المعنى في الآية : أحاطت النار بهم. وقرئ :«قُطّعَتْ » بالتخفيف، ثم قال سبحانه :﴿ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم ﴾ والحميم هو : الماء الحار المغلي بنار جهنم، والجملة مستأنفة أو هي خبر ثانٍ للموصول.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ والصابئين ﴾ قال : هم قوم يعبدون الملائكة، ويصلون القبلة، ويقرؤون الزبور ﴿ والمجوس ﴾ عبدة الشمس والقمر والنيران، ﴿ والذين أَشْرَكُوا ﴾ عبدة الأوثان ﴿ إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ ﴾ قال : الأديان ستة ؛ فخمسة للشيطان، ودين الله عزّ وجلّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال : فصل قضاءه بينهم فجعل الخمسة مشتركة وجعل هذه الأمة واحدة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : الذين هادوا : اليهود، والصابئون : ليس لهم كتاب، والمجوس : أصحاب الأصنام، والمشركون : نصارى العرب. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي ذرّ أنه كان يقسم قسماً أن هذه الآية :﴿ هذان خَصْمَانِ ﴾ الآية نزلت في الثلاثة والثلاثة الذين بارزوا يوم بدر، وهم : حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث وعليّ بن أبي طالب، وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، قال عليّ : وأنا أوّل من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة. وأخرجه البخاري وغيره من حديث عليّ. وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس بنحوه، وهكذا روي عن جماعة من التابعين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ من نَارِ ﴾ قال : من نحاس، وليس من الآنية شيء إذا حمي أشدّ حرّاً منه، وفي قوله :﴿ يُصَبُ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم ﴾ قال : النحاس يذاب على رؤوسهم، وقوله :﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ ﴾ قال : تسيل أمعاؤهم ﴿ والجلود ﴾ قال : تتناثر جلودهم. وأخرج عبد بن حميد، والترمذي وصححه، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وأبو نعيم في الحلية، وابن مردويه عن أبي هريرة ؛ أنه تلا هذه الآية :﴿ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم ﴾ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر، ثم يعاد كما كان ). وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ ﴾ قال : يمشون وأمعاءهم تتساقط وجلودهم. وفي قوله :﴿ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴾ قال : يضربون بها، فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالويل والثبور. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال : يسقون ماء إذا دخل في بطونهم أذابها والجلود مع البطون. وأخرج أحمد، وأبو يعلى وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لو أن مقمعاً من حديد وضع في الأرض فاجتمع الثقلان ما أقلوه من الأرض، ولو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت ثم عاد كما كان ). وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن سلمان قال : النار سوداء مظلمة لا يضيء لهبها ولا جمرها، ثم قرأ :﴿ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُوا فِيهَا ﴾. وفي الصحيحين وغيرهما عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ). وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَهُدُوا إِلَى الطيب مِنَ القول ﴾ قال : ألهموا. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : هدوا إلى الطيب من القول في الخصومة إذ قالوا : الله مولانا ولا مولى لكم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن إسماعيل بن أبي خالد في الآية قال : القرآن ﴿ وَهُدُوا إلى صراط الحميد ﴾ قال : الإسلام. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال : الإسلام. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله الذي قال :﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب ﴾ [ فاطر : ١٠ ].
﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ ﴾ الصهر : الإذابة، والصهارة : ما ذاب منه، يقال : صهرت الشيء فانصهر، أي أذبته فذاب فهو صهير، والمعنى : أنه يذاب بذلك الحميم ما في بطونهم من الأمعاء والأحشاء ﴿ والجلود ﴾ معطوفة على ما، أي ويصهر به الجلود والجملة في محل نصب على الحال، وقيل : إن الجلود لا تذاب، بل تحرق، فيقدّر فعل يناسب ذلك، ويقال : وتحرق به الجلود كما في قول الشاعر :
علفتها تبناً وماءً بارداً ***. . .
أي وسقيتها ماء، ولا يخفى أنه لا ملجىء لهذا، فإن الحميم إذا كان يذيب ما في البطون فإذابته للجلد الظاهر بالأولى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ والصابئين ﴾ قال : هم قوم يعبدون الملائكة، ويصلون القبلة، ويقرؤون الزبور ﴿ والمجوس ﴾ عبدة الشمس والقمر والنيران، ﴿ والذين أَشْرَكُوا ﴾ عبدة الأوثان ﴿ إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ ﴾ قال : الأديان ستة ؛ فخمسة للشيطان، ودين الله عزّ وجلّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال : فصل قضاءه بينهم فجعل الخمسة مشتركة وجعل هذه الأمة واحدة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : الذين هادوا : اليهود، والصابئون : ليس لهم كتاب، والمجوس : أصحاب الأصنام، والمشركون : نصارى العرب. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي ذرّ أنه كان يقسم قسماً أن هذه الآية :﴿ هذان خَصْمَانِ ﴾ الآية نزلت في الثلاثة والثلاثة الذين بارزوا يوم بدر، وهم : حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث وعليّ بن أبي طالب، وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، قال عليّ : وأنا أوّل من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة. وأخرجه البخاري وغيره من حديث عليّ. وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس بنحوه، وهكذا روي عن جماعة من التابعين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ من نَارِ ﴾ قال : من نحاس، وليس من الآنية شيء إذا حمي أشدّ حرّاً منه، وفي قوله :﴿ يُصَبُ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم ﴾ قال : النحاس يذاب على رؤوسهم، وقوله :﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ ﴾ قال : تسيل أمعاؤهم ﴿ والجلود ﴾ قال : تتناثر جلودهم. وأخرج عبد بن حميد، والترمذي وصححه، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وأبو نعيم في الحلية، وابن مردويه عن أبي هريرة ؛ أنه تلا هذه الآية :﴿ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم ﴾ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر، ثم يعاد كما كان ). وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ ﴾ قال : يمشون وأمعاءهم تتساقط وجلودهم. وفي قوله :﴿ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴾ قال : يضربون بها، فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالويل والثبور. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال : يسقون ماء إذا دخل في بطونهم أذابها والجلود مع البطون. وأخرج أحمد، وأبو يعلى وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لو أن مقمعاً من حديد وضع في الأرض فاجتمع الثقلان ما أقلوه من الأرض، ولو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت ثم عاد كما كان ). وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن سلمان قال : النار سوداء مظلمة لا يضيء لهبها ولا جمرها، ثم قرأ :﴿ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُوا فِيهَا ﴾. وفي الصحيحين وغيرهما عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ). وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَهُدُوا إِلَى الطيب مِنَ القول ﴾ قال : ألهموا. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : هدوا إلى الطيب من القول في الخصومة إذ قالوا : الله مولانا ولا مولى لكم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن إسماعيل بن أبي خالد في الآية قال : القرآن ﴿ وَهُدُوا إلى صراط الحميد ﴾ قال : الإسلام. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال : الإسلام. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله الذي قال :﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب ﴾ [ فاطر : ١٠ ].
علفتها تبناً وماءً بارداً ***. . .
أي وسقيتها ماء، ولا يخفى أنه لا ملجىء لهذا، فإن الحميم إذا كان يذيب ما في البطون فإذابته للجلد الظاهر بالأولى.
﴿ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴾ : المقامع جمع مقمعة ومقمع، قمعته : ضربته بالمقمعة، وهي قطعة من حديد. والمعنى : لهم مقامع من حديد يضربون بها، أي للكفرة، وسميت المقامع مقامع ؛ لأنها تقمع المضروب، أي تذلله. قال ابن السكيت : أقمعت الرجل عني إقماعاً : إذا طلع عليك فرددته عنك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ والصابئين ﴾ قال : هم قوم يعبدون الملائكة، ويصلون القبلة، ويقرؤون الزبور ﴿ والمجوس ﴾ عبدة الشمس والقمر والنيران، ﴿ والذين أَشْرَكُوا ﴾ عبدة الأوثان ﴿ إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ ﴾ قال : الأديان ستة ؛ فخمسة للشيطان، ودين الله عزّ وجلّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال : فصل قضاءه بينهم فجعل الخمسة مشتركة وجعل هذه الأمة واحدة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : الذين هادوا : اليهود، والصابئون : ليس لهم كتاب، والمجوس : أصحاب الأصنام، والمشركون : نصارى العرب. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي ذرّ أنه كان يقسم قسماً أن هذه الآية :﴿ هذان خَصْمَانِ ﴾ الآية نزلت في الثلاثة والثلاثة الذين بارزوا يوم بدر، وهم : حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث وعليّ بن أبي طالب، وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، قال عليّ : وأنا أوّل من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة. وأخرجه البخاري وغيره من حديث عليّ. وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس بنحوه، وهكذا روي عن جماعة من التابعين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ من نَارِ ﴾ قال : من نحاس، وليس من الآنية شيء إذا حمي أشدّ حرّاً منه، وفي قوله :﴿ يُصَبُ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم ﴾ قال : النحاس يذاب على رؤوسهم، وقوله :﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ ﴾ قال : تسيل أمعاؤهم ﴿ والجلود ﴾ قال : تتناثر جلودهم. وأخرج عبد بن حميد، والترمذي وصححه، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وأبو نعيم في الحلية، وابن مردويه عن أبي هريرة ؛ أنه تلا هذه الآية :﴿ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم ﴾ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر، ثم يعاد كما كان ). وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ ﴾ قال : يمشون وأمعاءهم تتساقط وجلودهم. وفي قوله :﴿ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴾ قال : يضربون بها، فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالويل والثبور. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال : يسقون ماء إذا دخل في بطونهم أذابها والجلود مع البطون. وأخرج أحمد، وأبو يعلى وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لو أن مقمعاً من حديد وضع في الأرض فاجتمع الثقلان ما أقلوه من الأرض، ولو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت ثم عاد كما كان ). وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن سلمان قال : النار سوداء مظلمة لا يضيء لهبها ولا جمرها، ثم قرأ :﴿ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُوا فِيهَا ﴾. وفي الصحيحين وغيرهما عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ). وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَهُدُوا إِلَى الطيب مِنَ القول ﴾ قال : ألهموا. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : هدوا إلى الطيب من القول في الخصومة إذ قالوا : الله مولانا ولا مولى لكم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن إسماعيل بن أبي خالد في الآية قال : القرآن ﴿ وَهُدُوا إلى صراط الحميد ﴾ قال : الإسلام. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال : الإسلام. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله الذي قال :﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب ﴾ [ فاطر : ١٠ ].
﴿ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا ﴾ أي من النار ﴿ أُعِيدُوا فِيهَا ﴾ أي في النار بالضرب بالمقامع، و﴿ مِنْ غَمّ ﴾ بدل من الضمير في " منها " بإعادة الجارّ أو مفعول له، أي لأجل غمّ شديد من غموم النار ﴿ وَذُوقُوا عَذَابَ الحريق ﴾ هو بتقدير القول، أي أعيدوا فيها ؛ وقيل لهم : ذوقوا عذاب الحريق، أي العذاب المحرق، وأصل الحريق الاسم من الاحتراق، تحرق الشيء بالنار واحترق حرقة واحتراقاً، والذوق مماسة يحصل معها إدراك الطعم، وهو هنا توسع، والمراد به إدراك الألم. قال الزجاج : وهذا لأحد الخصمين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ والصابئين ﴾ قال : هم قوم يعبدون الملائكة، ويصلون القبلة، ويقرؤون الزبور ﴿ والمجوس ﴾ عبدة الشمس والقمر والنيران، ﴿ والذين أَشْرَكُوا ﴾ عبدة الأوثان ﴿ إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ ﴾ قال : الأديان ستة ؛ فخمسة للشيطان، ودين الله عزّ وجلّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال : فصل قضاءه بينهم فجعل الخمسة مشتركة وجعل هذه الأمة واحدة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : الذين هادوا : اليهود، والصابئون : ليس لهم كتاب، والمجوس : أصحاب الأصنام، والمشركون : نصارى العرب. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي ذرّ أنه كان يقسم قسماً أن هذه الآية :﴿ هذان خَصْمَانِ ﴾ الآية نزلت في الثلاثة والثلاثة الذين بارزوا يوم بدر، وهم : حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث وعليّ بن أبي طالب، وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، قال عليّ : وأنا أوّل من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة. وأخرجه البخاري وغيره من حديث عليّ. وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس بنحوه، وهكذا روي عن جماعة من التابعين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ من نَارِ ﴾ قال : من نحاس، وليس من الآنية شيء إذا حمي أشدّ حرّاً منه، وفي قوله :﴿ يُصَبُ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم ﴾ قال : النحاس يذاب على رؤوسهم، وقوله :﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ ﴾ قال : تسيل أمعاؤهم ﴿ والجلود ﴾ قال : تتناثر جلودهم. وأخرج عبد بن حميد، والترمذي وصححه، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وأبو نعيم في الحلية، وابن مردويه عن أبي هريرة ؛ أنه تلا هذه الآية :﴿ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم ﴾ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر، ثم يعاد كما كان ). وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ ﴾ قال : يمشون وأمعاءهم تتساقط وجلودهم. وفي قوله :﴿ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴾ قال : يضربون بها، فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالويل والثبور. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال : يسقون ماء إذا دخل في بطونهم أذابها والجلود مع البطون. وأخرج أحمد، وأبو يعلى وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لو أن مقمعاً من حديد وضع في الأرض فاجتمع الثقلان ما أقلوه من الأرض، ولو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت ثم عاد كما كان ). وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن سلمان قال : النار سوداء مظلمة لا يضيء لهبها ولا جمرها، ثم قرأ :﴿ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُوا فِيهَا ﴾. وفي الصحيحين وغيرهما عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ). وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَهُدُوا إِلَى الطيب مِنَ القول ﴾ قال : ألهموا. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : هدوا إلى الطيب من القول في الخصومة إذ قالوا : الله مولانا ولا مولى لكم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن إسماعيل بن أبي خالد في الآية قال : القرآن ﴿ وَهُدُوا إلى صراط الحميد ﴾ قال : الإسلام. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال : الإسلام. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله الذي قال :﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب ﴾ [ فاطر : ١٠ ].
وقال في الخصم الآخر وهم المؤمنون :﴿ إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ فبيّن سبحانه حال المؤمنين بعد بيانه لحال الكافرين. ثم بيّن الله سبحانه بعض ما أعده لهم من النعيم بعد دخولهم الجنة فقال :﴿ يُحَلَّونَ فِيهَا ﴾ قرأ الجمهور ﴿ يحلّون ﴾ بالتشديد والبناء للمفعول، وقرئ مخففاً، أي يحليهم الله أو الملائكة بأمره. و«من » في قوله :﴿ مِنْ أَسَاوِرَ ﴾ للتبعيض، أي يحلون بعض أساور، أو للبيان، أو زائدة، و«من » في ﴿ مّن ذَهَبٍ ﴾ للبيان، والأساور : جمع أسورة والأسورة : جمع سوار. وفي السوار لغتان : كسر السين وضمها، وفيه لغة ثالثة، وهي أسوار. قرأ نافع وابن كثير وعاصم وشيبة ﴿ ولؤلؤاً ﴾ بالنصب عطف على محل ﴿ أساور ﴾ أي ويحلون لؤلؤاً، أو بفعل مقدّر ينصبه، وهكذا قرأ بالنصب يعقوب والجحدري وعيسى بن عمر، وهذه القراءة هي الموافقة لرسم المصحف فإن هذا الحرف مكتوب فيه بالألف، وقرأ الباقون بالجرّ عطفاً على ﴿ أساور ﴾ أي يحلون من أساور ومن لؤلؤ، واللؤلؤ : ما يستخرج من البحر من جوف الصدف. قال القشيري : والمراد ترصيع السوار باللؤلؤ، ولا يبعد أن يكون في الجنة سوار من لؤلؤ مصمت كما أن فيها أساور من ذهب ﴿ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾ أي جميع ما يلبسونه حرير كما تفيده هذه الإضافة، ويجوز أن يراد أن هذا النوع من الملبوس الذي كان محرّماً عليهم في الدنيا حلال لهم في الآخرة، وأنه من جملة ما يلبسونه فيها، ففيها ما تشتهيه الأنفس، وكل واحد منهم يعطى ما تشتهيه نفسه وينال ما يريده.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ والصابئين ﴾ قال : هم قوم يعبدون الملائكة، ويصلون القبلة، ويقرؤون الزبور ﴿ والمجوس ﴾ عبدة الشمس والقمر والنيران، ﴿ والذين أَشْرَكُوا ﴾ عبدة الأوثان ﴿ إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ ﴾ قال : الأديان ستة ؛ فخمسة للشيطان، ودين الله عزّ وجلّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال : فصل قضاءه بينهم فجعل الخمسة مشتركة وجعل هذه الأمة واحدة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : الذين هادوا : اليهود، والصابئون : ليس لهم كتاب، والمجوس : أصحاب الأصنام، والمشركون : نصارى العرب. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي ذرّ أنه كان يقسم قسماً أن هذه الآية :﴿ هذان خَصْمَانِ ﴾ الآية نزلت في الثلاثة والثلاثة الذين بارزوا يوم بدر، وهم : حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث وعليّ بن أبي طالب، وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، قال عليّ : وأنا أوّل من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة. وأخرجه البخاري وغيره من حديث عليّ. وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس بنحوه، وهكذا روي عن جماعة من التابعين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ من نَارِ ﴾ قال : من نحاس، وليس من الآنية شيء إذا حمي أشدّ حرّاً منه، وفي قوله :﴿ يُصَبُ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم ﴾ قال : النحاس يذاب على رؤوسهم، وقوله :﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ ﴾ قال : تسيل أمعاؤهم ﴿ والجلود ﴾ قال : تتناثر جلودهم. وأخرج عبد بن حميد، والترمذي وصححه، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وأبو نعيم في الحلية، وابن مردويه عن أبي هريرة ؛ أنه تلا هذه الآية :﴿ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم ﴾ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر، ثم يعاد كما كان ). وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ ﴾ قال : يمشون وأمعاءهم تتساقط وجلودهم. وفي قوله :﴿ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴾ قال : يضربون بها، فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالويل والثبور. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال : يسقون ماء إذا دخل في بطونهم أذابها والجلود مع البطون. وأخرج أحمد، وأبو يعلى وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لو أن مقمعاً من حديد وضع في الأرض فاجتمع الثقلان ما أقلوه من الأرض، ولو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت ثم عاد كما كان ). وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن سلمان قال : النار سوداء مظلمة لا يضيء لهبها ولا جمرها، ثم قرأ :﴿ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُوا فِيهَا ﴾. وفي الصحيحين وغيرهما عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ). وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَهُدُوا إِلَى الطيب مِنَ القول ﴾ قال : ألهموا. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : هدوا إلى الطيب من القول في الخصومة إذ قالوا : الله مولانا ولا مولى لكم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن إسماعيل بن أبي خالد في الآية قال : القرآن ﴿ وَهُدُوا إلى صراط الحميد ﴾ قال : الإسلام. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال : الإسلام. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله الذي قال :﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب ﴾ [ فاطر : ١٠ ].
﴿ وَهُدُوا إِلَى الطيب مِنَ القول ﴾ أي أرشدوا إليه، قيل : هو لا إله إلا الله. وقيل : الحمد لله. وقيل : القرآن. وقيل : هو ما يأتيهم من الله سبحانه من البشارات. وقد ورد في القرآن ما يدلّ على هذا القول المجمل هنا، وهو قوله سبحانه :﴿ الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ﴾ [ الزمر : ٧٤ ]، ﴿ الحمد لِلَّهِ الذي هَدَانَا لهذا ﴾ [ الأعراف : ٤٣ ]، ﴿ الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن ﴾ [ فاطر : ٣٤ ]. ومعنى ﴿ وَهُدُوا إلى صراط الحميد ﴾ : أنهم أرشدوا إلى الصراط المحمود وهو طريق الجنة، أو صراط الله الذي هو دينه القويم، وهو الإسلام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ والصابئين ﴾ قال : هم قوم يعبدون الملائكة، ويصلون القبلة، ويقرؤون الزبور ﴿ والمجوس ﴾ عبدة الشمس والقمر والنيران، ﴿ والذين أَشْرَكُوا ﴾ عبدة الأوثان ﴿ إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ ﴾ قال : الأديان ستة ؛ فخمسة للشيطان، ودين الله عزّ وجلّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال : فصل قضاءه بينهم فجعل الخمسة مشتركة وجعل هذه الأمة واحدة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : الذين هادوا : اليهود، والصابئون : ليس لهم كتاب، والمجوس : أصحاب الأصنام، والمشركون : نصارى العرب. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي ذرّ أنه كان يقسم قسماً أن هذه الآية :﴿ هذان خَصْمَانِ ﴾ الآية نزلت في الثلاثة والثلاثة الذين بارزوا يوم بدر، وهم : حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث وعليّ بن أبي طالب، وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، قال عليّ : وأنا أوّل من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة. وأخرجه البخاري وغيره من حديث عليّ. وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس بنحوه، وهكذا روي عن جماعة من التابعين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ من نَارِ ﴾ قال : من نحاس، وليس من الآنية شيء إذا حمي أشدّ حرّاً منه، وفي قوله :﴿ يُصَبُ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم ﴾ قال : النحاس يذاب على رؤوسهم، وقوله :﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ ﴾ قال : تسيل أمعاؤهم ﴿ والجلود ﴾ قال : تتناثر جلودهم. وأخرج عبد بن حميد، والترمذي وصححه، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وأبو نعيم في الحلية، وابن مردويه عن أبي هريرة ؛ أنه تلا هذه الآية :﴿ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم ﴾ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر، ثم يعاد كما كان ). وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ ﴾ قال : يمشون وأمعاءهم تتساقط وجلودهم. وفي قوله :﴿ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴾ قال : يضربون بها، فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالويل والثبور. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال : يسقون ماء إذا دخل في بطونهم أذابها والجلود مع البطون. وأخرج أحمد، وأبو يعلى وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لو أن مقمعاً من حديد وضع في الأرض فاجتمع الثقلان ما أقلوه من الأرض، ولو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت ثم عاد كما كان ). وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن سلمان قال : النار سوداء مظلمة لا يضيء لهبها ولا جمرها، ثم قرأ :﴿ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُوا فِيهَا ﴾. وفي الصحيحين وغيرهما عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ). وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَهُدُوا إِلَى الطيب مِنَ القول ﴾ قال : ألهموا. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : هدوا إلى الطيب من القول في الخصومة إذ قالوا : الله مولانا ولا مولى لكم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن إسماعيل بن أبي خالد في الآية قال : القرآن ﴿ وَهُدُوا إلى صراط الحميد ﴾ قال : الإسلام. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال : الإسلام. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله الذي قال :﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب ﴾ [ فاطر : ١٠ ].
يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ قال: النحاس يذاب على رؤوسهم، وَقَوْلُهُ: يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ قَالَ: تَسِيلُ أَمْعَاؤُهُمْ وَالْجُلُودُ قَالَ: تَتَنَاثَرُ جُلُودُهُمْ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ فَقَالَ: سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إنّ الحميم ليصبّ على رؤوسهم فَيَنْفُذُ الْجُمْجُمَةَ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ، فَيَسْلِتُ «١» مَا فِي جَوْفِهِ حَتَّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ وَهُوَ الصَّهْرُ، ثُمَّ يُعَادُ كَمَا كَانَ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ قَالَ: يمشون وأمعاءهم تَتَسَاقَطُ وَجُلُودُهُمْ. وَفِي قَوْلِهِ: وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ قَالَ: يَضْرِبُونَ بِهَا، فَيَقَعُ كُلُّ عُضْوٍ عَلَى حِيَالِهِ فَيَدْعُونَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: يُسْقَونَ مَاءً إِذَا دَخَلَ فِي بُطُونِهِمْ أَذَابَهَا وَالْجُلُودُ مَعَ الْبُطُونِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَنَّ مَقْمَعًا مِنْ حَدِيدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ فَاجْتَمَعَ الثَّقَلَانِ مَا أَقَلُّوهُ «٢» مِنَ الْأَرْضِ، وَلَوْ ضُرِبَ الْجَبَلُ بِمَقْمَعٍ مِنْ حَدِيدٍ لَتَفَتَّتَ ثُمَّ عَادَ كَمَا كَانَ». وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وسعيد بْنُ مَنْصُورٍ وَهَنَّادٌ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: النَّارُ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ لَا يُضِيءُ لَهَبُهَا وَلَا جَمْرُهَا، ثُمَّ قَرَأَ: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ» وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ قَالَ: أُلْهِمُوا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ فِي الْخُصُومَةِ إِذْ قَالُوا:
اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن أَبِي خَالِدٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: الْقُرْآنُ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ قَالَ: الْإِسْلَامُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي الْآيَةِ قَالَ: الْإِسْلَامُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَالَ: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ فَقَالَ: سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إنّ الحميم ليصبّ على رؤوسهم فَيَنْفُذُ الْجُمْجُمَةَ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ، فَيَسْلِتُ «١» مَا فِي جَوْفِهِ حَتَّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ وَهُوَ الصَّهْرُ، ثُمَّ يُعَادُ كَمَا كَانَ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ قَالَ: يمشون وأمعاءهم تَتَسَاقَطُ وَجُلُودُهُمْ. وَفِي قَوْلِهِ: وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ قَالَ: يَضْرِبُونَ بِهَا، فَيَقَعُ كُلُّ عُضْوٍ عَلَى حِيَالِهِ فَيَدْعُونَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: يُسْقَونَ مَاءً إِذَا دَخَلَ فِي بُطُونِهِمْ أَذَابَهَا وَالْجُلُودُ مَعَ الْبُطُونِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَنَّ مَقْمَعًا مِنْ حَدِيدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ فَاجْتَمَعَ الثَّقَلَانِ مَا أَقَلُّوهُ «٢» مِنَ الْأَرْضِ، وَلَوْ ضُرِبَ الْجَبَلُ بِمَقْمَعٍ مِنْ حَدِيدٍ لَتَفَتَّتَ ثُمَّ عَادَ كَمَا كَانَ». وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وسعيد بْنُ مَنْصُورٍ وَهَنَّادٌ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: النَّارُ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ لَا يُضِيءُ لَهَبُهَا وَلَا جَمْرُهَا، ثُمَّ قَرَأَ: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ» وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ قَالَ: أُلْهِمُوا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ فِي الْخُصُومَةِ إِذْ قَالُوا:
اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن أَبِي خَالِدٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: الْقُرْآنُ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ قَالَ: الْإِسْلَامُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي الْآيَةِ قَالَ: الْإِسْلَامُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَالَ: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ.
(١). «يسلت» : يقطع ويستأصل.
(٢). أي: ما استطاعوا حمله.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٢٥ الى ٢٩]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٥) وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩)
(٢). أي: ما استطاعوا حمله.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٢٥ الى ٢٩]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٥) وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩)
527
قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ عَطَفَ الْمُضَارِعَ عَلَى الْمَاضِي لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُضَارِعِ مَا مَضَى مِنَ الصَّدِّ، وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ «١»، أَوِ الْمُرَادُ بِالصَّدِّ هَاهُنَا الِاسْتِمْرَارُ لَا مُجَرَّدُ الِاسْتِقْبَالِ، فَصَحَّ بِذَلِكَ عَطْفُهُ عَلَى الْمَاضِي، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ فِي وَيَصُدُّونَ وَاوَ الْحَالِ، أَيْ: كَفَرُوا وَالْحَالُ أَنَّهُمْ يَصُدُّونَ. وَقِيلَ: الْوَاوُ زَائِدَةٌ، وَالْمُضَارِعُ خَبَرُ إِنَّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّرَ خَبَرُ إِنَّ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَالْبادِ وَذَلِكَ نَحْوَ خَسِرُوا أَوْ هَلَكُوا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ الْخَبَرَ: نذقه مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خبرا لأن لم يجزم، وأيضا لَوْ كَانَ خَبَرًا لِإِنَّ لَبَقِيَ الشَّرْطُ وَهُوَ وَمَنْ يُرِدْ بِغَيْرِ جَوَابٍ فَالْأَوْلَى أَنَّهُ مَحْذُوفٌ كما ذكرنا. والمراد بالصدّ المنع، وبسبيل اللَّهِ: دِينُهُ، أَيْ: يَمْنَعُونَ مِنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي دِينِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، مَعْطُوفٌ عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ. قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْمَسْجِدُ نَفْسُهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ هَذَا النَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ، وَقِيلَ: الْحَرَمُ كُلُّهُ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ صَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ عنه يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ مَكَّةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ أَيْ: جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ عَلَى الْعُمُومِ يُصَلُّونَ فِيهِ وَيَطُوفُونَ بِهِ مُسْتَوِيًا فِيهِ الْعَاكِفُ، وَهُوَ الْمُقِيمُ فِيهِ الْمُلَازِمُ لَهُ، وَالْبَادِ: أَيِ الْوَاصِلُ مِنَ الْبَادِيَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الطَّارِئُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَانْتِصَابُ سَوَاءً عَلَى أَنَّهُ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِجَعَلْنَاهُ، وَهُوَ بِمَعْنَى مُسْتَوِيًا، وَالْعَاكِفُ مُرْتَفِعٌ بِهِ، وُصِفَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ بِذَلِكَ لِزِيَادَةِ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ لِلصَّادِّينَ عَنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ انْتِصَابُ سَواءً عَلَى الْحَالِ. وَهَذَا عَلَى قِرَاءَةِ النَّصْبِ، وَبِهَا قَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْأَعْمَشِ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِرَفْعِ سَوَاءٌ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ الْعاكِفُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَالْمُبْتَدَأُ الْعاكِفُ أَيِ: الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي سَوَاءٌ، وَقُرِئَ بِنَصْبِ سَواءً وَجَرِّ الْعَاكِفِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلنَّاسِ، أَيْ: جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ الْعَاكِفِ وَالْبَادِي سَوَاءً، وَأَثْبَتَ الْيَاءَ فِي «الْبَادِي» ابْنُ كَثِيرٍ وَصْلًا وَوَقْفًا، وَحَذَفَهَا أَبُو عَمْرٍو فِي الْوَقْفِ، وَحَذَفَهَا نَافِعٌ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:
وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى الِاسْتِوَاءِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ نَفْسَهُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَكَّةَ فَذَهَبَ مُجَاهِدٌ وَمَالِكٌ إِلَى أَنَّ دُورَ مَكَّةَ وَمَنَازِلَهَا يَسْتَوِي فِيهَا الْمُقِيمُ وَالطَّارِئُ. وَذَهَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ لِلْقَادِمِ أَنْ يَنْزِلَ حَيْثُ وَجَدَ، وَعَلَى رَبِّ الْمَنْزِلِ أَنْ يُؤْوِيِهِ شَاءَ أَمْ أَبَى. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ دُورَ مَكَّةَ وَمَنَازِلَهَا لَيْسَتْ كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلِأَهْلِهَا مَنْعُ الطَّارِئِ مِنَ النُّزُولِ فِيهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذَا رَاجِعٌ إِلَى أَصْلَيْنِ: الْأَصْلُ الْأَوَّلُ: مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ هَلِ الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْمَسْجِدُ نَفْسُهُ، أَوْ جَمِيعُ الْحَرَمِ، أَوْ مَكَّةُ عَلَى الْخُصُوصِ؟ وَالثَّانِي: هَلْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ صُلْحًا أَوْ عَنْوَةً؟ وَعَلَى فَرْضِ أَنَّ فَتْحَهَا كَانَ عَنْوَةً هَلْ أَقَرَّهَا النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ فِي يَدِ أَهْلِهَا عَلَى الْخُصُوصِ؟ أَوْ جَعَلَهَا لِمَنْ نَزَلَ بِهَا عَلَى الْعُمُومِ؟
وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا فِي شَرْحِنَا عَلَى «الْمُنْتَقَى» بِمَا لَا يَحْتَاجُ النَّاظِرُ فِيهِ إِلَى زِيَادَةٍ. وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ
وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى الِاسْتِوَاءِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ نَفْسَهُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَكَّةَ فَذَهَبَ مُجَاهِدٌ وَمَالِكٌ إِلَى أَنَّ دُورَ مَكَّةَ وَمَنَازِلَهَا يَسْتَوِي فِيهَا الْمُقِيمُ وَالطَّارِئُ. وَذَهَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ لِلْقَادِمِ أَنْ يَنْزِلَ حَيْثُ وَجَدَ، وَعَلَى رَبِّ الْمَنْزِلِ أَنْ يُؤْوِيِهِ شَاءَ أَمْ أَبَى. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ دُورَ مَكَّةَ وَمَنَازِلَهَا لَيْسَتْ كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلِأَهْلِهَا مَنْعُ الطَّارِئِ مِنَ النُّزُولِ فِيهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذَا رَاجِعٌ إِلَى أَصْلَيْنِ: الْأَصْلُ الْأَوَّلُ: مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ هَلِ الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْمَسْجِدُ نَفْسُهُ، أَوْ جَمِيعُ الْحَرَمِ، أَوْ مَكَّةُ عَلَى الْخُصُوصِ؟ وَالثَّانِي: هَلْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ صُلْحًا أَوْ عَنْوَةً؟ وَعَلَى فَرْضِ أَنَّ فَتْحَهَا كَانَ عَنْوَةً هَلْ أَقَرَّهَا النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ فِي يَدِ أَهْلِهَا عَلَى الْخُصُوصِ؟ أَوْ جَعَلَهَا لِمَنْ نَزَلَ بِهَا عَلَى الْعُمُومِ؟
وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا فِي شَرْحِنَا عَلَى «الْمُنْتَقَى» بِمَا لَا يَحْتَاجُ النَّاظِرُ فِيهِ إِلَى زِيَادَةٍ. وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ
(١). النحل: ٨٨.
528
مَفْعُولُ يُرِدْ مَحْذُوفٌ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ مُرَادًا أَيْ مُرَادٍ بِإِلْحَادٍ، أَيْ: بِعُدُولٍ عَنِ الْقَصْدِ، وَالْإِلْحَادُ فِي اللُّغَةِ الْمَيْلُ، إِلَّا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ بَيَّنَ هُنَا أَنَّهُ الْمَيْلُ بِظُلْمٍ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الظُّلْمِ مَاذَا هُوَ؟ فَقِيلَ: هُوَ الشِّرْكُ، وَقِيلَ: الشِّرْكُ وَالْقَتْلُ، وَقِيلَ: صَيْدُ حَيَوَانَاتِهِ وَقَطْعُ أَشْجَارِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الْحَلِفُ فِيهِ بِالْأَيْمَانِ الْفَاجِرَةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْمَعَاصِي فِيهِ عَلَى الْعُمُومِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ يُعَاقَبُ بِمُجَرَّدِ الْإِرَادَةِ لِلْمَعْصِيَةِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ. وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَالضَّحَّاكِ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ، حَتَّى قَالُوا: لَوْ هَمَّ الرَّجُلُ فِي الْحَرَمِ بِقَتْلِ رَجُلٍ بِعَدَنَ لَعَذَّبَهُ اللَّهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ مَأْخُوذًا بِمُجَرَّدِ الْإِرَادَةِ لِلظُّلْمِ، فَهِيَ مُخَصَّصَةٌ لِمَا وَرَدَ مِنْ إِنَّ اللَّهَ غَفَرَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْإِرَادَةَ فِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى مُجَرَّدِ حَدِيثِ النَّفْسِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْبَحْثُ عَنْ هَذَا وَتَقْرِيرُ الْحَقِّ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَيَرْفَعُ الْإِشْكَالَ يَطُولُ جِدًّا، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ حَدِيثُ:
«إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟
قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» فَدَخَلَ النَّارَ هُنَا بِسَبَبِ مُجَرَّدِ حِرْصِهِ عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ. وَقَدْ أَفْرَدْنَا هَذَا الْبَحْثَ بِرِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ. وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: «بِإِلْحَادٍ» إِنْ كَانَ مَفْعُولُ يُرِدْ مَحْذُوفًا كَمَا ذَكَرْنَا فَلَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ، وَقِيلَ إِنَّهَا زَائِدَةٌ هُنَا كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
نَحْنُ بَنُو جَعْدَةَ أَصْحَابُ الْفَلَجِ... نَضْرِبُ بِالسَّيْفِ وَنَرْجُو بِالْفَرَجِ
أَيْ: نَرْجُو الْفَرَجَ.
وَمِثْلُهُ:
أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تَنْمِي... بِمَا لَاقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيَادٍ «١»
أَيْ مَا لَاقَتْ.
وَمِنَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا زَائِدَةٌ الْأَخْفَشُ وَالْمَعْنَى عِنْدَهُ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ إِلْحَادًا بِظُلْمٍ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: دَخَلَتِ الْبَاءُ لِأَنَّ الْمَعْنَى بِأَنْ يُلْحِدَ، وَالْبَاءُ مَعَ أَنَّ تَدْخُلُ وَتُحْذَفُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَمَنْ يُرِدِ النَّاسَ بِإِلْحَادٍ.
وَقِيلَ إِنْ يُرِدْ مُضَمَّنٌ مَعْنَى يَهُمُّ، وَالْمَعْنَى: وَمَنْ يَهُمُّ فِيهِ بِإِلْحَادٍ. وَأَمَّا الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ «بِظُلْمٍ» فَهِيَ لِلسَّبَبِيَّةِ وَالْمَعْنَى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِسَبَبِ الظُّلْمِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِظُلْمٍ بَدَلًا مِنْ بِإِلْحَادٍ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا حَالَيْنِ مُتَرَادِفَيْنِ. وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَيْ: وَاذْكُرْ وَقْتَ ذَلِكَ يُقَالُ: بَوَّأْتُهُ مَنْزِلًا وَبَوَّأْتُ لَهُ، كَمَا يُقَالُ: مَكَّنْتُكَ وَمَكَّنْتُ لَكَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ جَعَلْنَا مَكَانَ الْبَيْتِ مُبَوَّأً لِإِبْرَاهِيمَ، وَمَعْنَى بَوَّأْنَا:
بَيَّنَّا لَهُ مَكَانَ الْبَيْتِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «٢» :
كَمْ مِنْ أَخٍ لي ماجد... بوّأته بيديّ لحدا
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الظُّلْمِ مَاذَا هُوَ؟ فَقِيلَ: هُوَ الشِّرْكُ، وَقِيلَ: الشِّرْكُ وَالْقَتْلُ، وَقِيلَ: صَيْدُ حَيَوَانَاتِهِ وَقَطْعُ أَشْجَارِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الْحَلِفُ فِيهِ بِالْأَيْمَانِ الْفَاجِرَةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْمَعَاصِي فِيهِ عَلَى الْعُمُومِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ يُعَاقَبُ بِمُجَرَّدِ الْإِرَادَةِ لِلْمَعْصِيَةِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ. وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَالضَّحَّاكِ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ، حَتَّى قَالُوا: لَوْ هَمَّ الرَّجُلُ فِي الْحَرَمِ بِقَتْلِ رَجُلٍ بِعَدَنَ لَعَذَّبَهُ اللَّهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ مَأْخُوذًا بِمُجَرَّدِ الْإِرَادَةِ لِلظُّلْمِ، فَهِيَ مُخَصَّصَةٌ لِمَا وَرَدَ مِنْ إِنَّ اللَّهَ غَفَرَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْإِرَادَةَ فِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى مُجَرَّدِ حَدِيثِ النَّفْسِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْبَحْثُ عَنْ هَذَا وَتَقْرِيرُ الْحَقِّ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَيَرْفَعُ الْإِشْكَالَ يَطُولُ جِدًّا، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ حَدِيثُ:
«إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟
قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» فَدَخَلَ النَّارَ هُنَا بِسَبَبِ مُجَرَّدِ حِرْصِهِ عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ. وَقَدْ أَفْرَدْنَا هَذَا الْبَحْثَ بِرِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ. وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: «بِإِلْحَادٍ» إِنْ كَانَ مَفْعُولُ يُرِدْ مَحْذُوفًا كَمَا ذَكَرْنَا فَلَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ، وَقِيلَ إِنَّهَا زَائِدَةٌ هُنَا كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
نَحْنُ بَنُو جَعْدَةَ أَصْحَابُ الْفَلَجِ... نَضْرِبُ بِالسَّيْفِ وَنَرْجُو بِالْفَرَجِ
أَيْ: نَرْجُو الْفَرَجَ.
وَمِثْلُهُ:
أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تَنْمِي... بِمَا لَاقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيَادٍ «١»
أَيْ مَا لَاقَتْ.
وَمِنَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا زَائِدَةٌ الْأَخْفَشُ وَالْمَعْنَى عِنْدَهُ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ إِلْحَادًا بِظُلْمٍ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: دَخَلَتِ الْبَاءُ لِأَنَّ الْمَعْنَى بِأَنْ يُلْحِدَ، وَالْبَاءُ مَعَ أَنَّ تَدْخُلُ وَتُحْذَفُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَمَنْ يُرِدِ النَّاسَ بِإِلْحَادٍ.
وَقِيلَ إِنْ يُرِدْ مُضَمَّنٌ مَعْنَى يَهُمُّ، وَالْمَعْنَى: وَمَنْ يَهُمُّ فِيهِ بِإِلْحَادٍ. وَأَمَّا الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ «بِظُلْمٍ» فَهِيَ لِلسَّبَبِيَّةِ وَالْمَعْنَى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِسَبَبِ الظُّلْمِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِظُلْمٍ بَدَلًا مِنْ بِإِلْحَادٍ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا حَالَيْنِ مُتَرَادِفَيْنِ. وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَيْ: وَاذْكُرْ وَقْتَ ذَلِكَ يُقَالُ: بَوَّأْتُهُ مَنْزِلًا وَبَوَّأْتُ لَهُ، كَمَا يُقَالُ: مَكَّنْتُكَ وَمَكَّنْتُ لَكَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ جَعَلْنَا مَكَانَ الْبَيْتِ مُبَوَّأً لِإِبْرَاهِيمَ، وَمَعْنَى بَوَّأْنَا:
بَيَّنَّا لَهُ مَكَانَ الْبَيْتِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «٢» :
كَمْ مِنْ أَخٍ لي ماجد... بوّأته بيديّ لحدا
(١). البيت القيس بن زهير العبسي.
(٢). هو عمرو بن معديكرب الزبيدي.
(٢). هو عمرو بن معديكرب الزبيدي.
529
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّ اللَّامَ زَائِدَةٌ، وَمَكَانَ ظَرْفٌ، أَيْ: أَنْزَلْنَاهُ فِيهِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ هِيَ مُفَسِّرَةٌ لَبَوَّأْنَا لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى تَعَبَّدْنَا لِأَنَّ التَّبْوِئَةَ هِيَ لِلْعِبَادَةِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ: لِأَنْ لَا تُشْرِكَ بِي. وَقِيلَ: هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَقِيلَ: هِيَ زَائِدَةٌ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنْ لَا تَعْبُدْ غَيْرِي. قَالَ الْمُبَرِّدُ: كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ وَحِّدْنِي فِي هَذَا الْبَيْتِ لِأَنَّ مَعْنَى لَا تُشْرِكْ بِي: وَحِّدْنِي وَطَهِّرْ بَيْتِيَ مِنَ الشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ. وَفِي الآية طعن على من أَشْرَكَ مِنْ قُطَّانِ الْبَيْتِ، أَيْ: هَذَا كَانَ الشَّرْطَ عَلَى أَبِيكُمْ فَمَنْ بَعْدَهُ وَأَنْتُمْ فَلَمْ تَفُوا، بَلْ أَشْرَكْتُمْ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الْخِطَابُ بِقَوْلِهِ: أَنْ لَا تُشْرِكْ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا. وَمَعْنَى وَطَهِّرْ بَيْتِيَ تَطْهِيرُهُ مِنَ الْكُفْرِ وَالْأَوْثَانِ وَالدِّمَاءِ وَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ، وَقِيلَ: عَنَى بِهِ التَّطْهِيرَ عَنِ الْأَوْثَانِ فَقَطْ، وَذَلِكَ أَنَّ جُرْهُمًا وَالْعَمَالِقَةَ كَانَتْ لَهُمْ أَصْنَامٌ فِي مَحَلِّ الْبَيْتِ، وَقَدْ مَرَّ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى، والمراد بالقائمين هنا هم المصلون وَذكر الرُّكَّعِ السُّجُودِ بَعْدَهُ لِبَيَانِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ دَلَالَةً عَلَى عِظَمِ شَأْنِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ، وَقَرَنَ الطَّوَافَ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّهُمَا لَا يُشْرَعَانِ إِلَّا فِي الْبَيْتِ، فَالطَّوَافُ عِنْدَهُ وَالصَّلَاةُ إِلَيْهِ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ قَرَأَ الْحَسَنُ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ «وَآذِنْ» بِتَخْفِيفِ الذَّالِ وَالْمَدِّ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَشْدِيدِ الذَّالِ، وَالْأَذَانُ: الْإِعْلَامُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَرَاءَةٍ.
قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ جَمَاعَةُ الْمُفَسِّرِينَ: لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بِنَاءِ البيت جاء جِبْرِيلُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، فقال: يا ربّ وما يُبَلِّغُ صَوْتِي؟ فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ، فَعَلَا الْمَقَامَ فَأَشْرَفَ بِهِ حَتَّى صَارَ كَأَعْلَى الْجِبَالِ، فَأَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَشَرْقًا وَغَرْبًا، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ إِلَى الْبَيْتِ فَأَجِيبُوا رَبَّكُمْ، فَأَجَابَهُ مَنْ كَانَ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ. وَقِيلَ: إِنَّ الْخِطَابَ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْمَعْنَى: أَعْلِمْهُمْ يَا مُحَمَّدُ بِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى هَذَا فَالْخِطَابُ لِإِبْرَاهِيمَ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَقِيلَ: إِنَّ خِطَابَهُ انْقَضَى عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ وَأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي وَمَا بَعْدَهُ خِطَابٌ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالْحَجِّ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ بِكَسْرِهَا. يَأْتُوكَ رِجالًا هذا جواب الأمر، وعده اللَّهُ إِجَابَةَ النَّاسِ لَهُ إِلَى حَجِّ الْبَيْتِ مَا بَيْنَ رَاجِلٍ وَرَاكِبٍ، فَمَعْنَى رِجَالًا مُشَاةً جَمْعُ رَاجِلٍ، وَقِيلَ جَمْعُ رَجُلٍ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ «رُجَالًا» بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ «رُجَالَى» عَلَى وَزْنِ فُعَالَى مِثْلِ كُسَالَى، وَقَدَّمَ الرِّجَالَ عَلَى الرُّكْبَانِ فِي الذِّكْرِ لِزِيَادَةِ تَعَبِهِمْ فِي الْمَشْيِ، وَقَالَ: يَأْتُوكَ وَإِنْ كَانُوا يَأْتُونَ الْبَيْتَ لِأَنَّ مَنْ أَتَى الْكَعْبَةَ حَاجًّا فَقَدْ أَتَى إِبْرَاهِيمَ، لِأَنَّهُ أَجَابَ نِدَاءَهُ. وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ عُطِفَ عَلَى رِجَالًا، أَيْ: وَرُكْبَانًا عَلَى كُلِّ بَعِيرٍ، وَالضَّامِرُ: الْبَعِيرُ الْمَهْزُولُ الذي أتعبه السفر، يقال: ضَمُرَ يَضْمُرُ ضُمُورًا، وَوَصَفَ الضَّامِرَ بِقَوْلِهِ: يَأْتِينَ باعتبار المعنى، لأن ضامر فِي مَعْنَى ضَوَامِرِ، وَقَرَأَ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَالضَّحَّاكُ «يَأْتُونَ» عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِرِجَالًا. وَالْفَجُّ: الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ، الْجَمْعُ: فِجَاجٌ، وَالْعَمِيقُ:
الْبَعِيدُ، وَاللَّامُ فِي لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ يَأْتُوكَ، وَقِيلَ: بِقَوْلِهِ وَأَذِّنْ. وَالشُّهُودُ: الحضور، والمنافع: هي التي تعمّ منافع الدنيا والآخرة. وقيل: المراد بها الْمَنَاسِكُ، وَقِيلَ: الْمَغْفِرَةُ، وَقِيلَ: التِّجَارَةُ، كَمَا
قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ جَمَاعَةُ الْمُفَسِّرِينَ: لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بِنَاءِ البيت جاء جِبْرِيلُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، فقال: يا ربّ وما يُبَلِّغُ صَوْتِي؟ فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ، فَعَلَا الْمَقَامَ فَأَشْرَفَ بِهِ حَتَّى صَارَ كَأَعْلَى الْجِبَالِ، فَأَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَشَرْقًا وَغَرْبًا، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ إِلَى الْبَيْتِ فَأَجِيبُوا رَبَّكُمْ، فَأَجَابَهُ مَنْ كَانَ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ. وَقِيلَ: إِنَّ الْخِطَابَ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْمَعْنَى: أَعْلِمْهُمْ يَا مُحَمَّدُ بِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى هَذَا فَالْخِطَابُ لِإِبْرَاهِيمَ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَقِيلَ: إِنَّ خِطَابَهُ انْقَضَى عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ وَأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي وَمَا بَعْدَهُ خِطَابٌ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالْحَجِّ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ بِكَسْرِهَا. يَأْتُوكَ رِجالًا هذا جواب الأمر، وعده اللَّهُ إِجَابَةَ النَّاسِ لَهُ إِلَى حَجِّ الْبَيْتِ مَا بَيْنَ رَاجِلٍ وَرَاكِبٍ، فَمَعْنَى رِجَالًا مُشَاةً جَمْعُ رَاجِلٍ، وَقِيلَ جَمْعُ رَجُلٍ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ «رُجَالًا» بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ «رُجَالَى» عَلَى وَزْنِ فُعَالَى مِثْلِ كُسَالَى، وَقَدَّمَ الرِّجَالَ عَلَى الرُّكْبَانِ فِي الذِّكْرِ لِزِيَادَةِ تَعَبِهِمْ فِي الْمَشْيِ، وَقَالَ: يَأْتُوكَ وَإِنْ كَانُوا يَأْتُونَ الْبَيْتَ لِأَنَّ مَنْ أَتَى الْكَعْبَةَ حَاجًّا فَقَدْ أَتَى إِبْرَاهِيمَ، لِأَنَّهُ أَجَابَ نِدَاءَهُ. وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ عُطِفَ عَلَى رِجَالًا، أَيْ: وَرُكْبَانًا عَلَى كُلِّ بَعِيرٍ، وَالضَّامِرُ: الْبَعِيرُ الْمَهْزُولُ الذي أتعبه السفر، يقال: ضَمُرَ يَضْمُرُ ضُمُورًا، وَوَصَفَ الضَّامِرَ بِقَوْلِهِ: يَأْتِينَ باعتبار المعنى، لأن ضامر فِي مَعْنَى ضَوَامِرِ، وَقَرَأَ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَالضَّحَّاكُ «يَأْتُونَ» عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِرِجَالًا. وَالْفَجُّ: الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ، الْجَمْعُ: فِجَاجٌ، وَالْعَمِيقُ:
الْبَعِيدُ، وَاللَّامُ فِي لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ يَأْتُوكَ، وَقِيلَ: بِقَوْلِهِ وَأَذِّنْ. وَالشُّهُودُ: الحضور، والمنافع: هي التي تعمّ منافع الدنيا والآخرة. وقيل: المراد بها الْمَنَاسِكُ، وَقِيلَ: الْمَغْفِرَةُ، وَقِيلَ: التِّجَارَةُ، كَمَا
530
فِي قَوْلُهُ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ «١». وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ أَيْ: يَذْكُرُوا عِنْدَ ذَبْحِ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا اسْمَ اللَّهِ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الذِّكْرَ كِنَايَةٌ عَنِ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ.
وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ هِيَ أَيَّامُ النَّحْرِ كَمَا يُفِيدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ وَقِيلَ: عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ فِي الْبَقَرَةِ فَلَا نُعِيدُهُ، وَالْكَلَامُ فِي وَقْتِ ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَشُرُوحِ الْحَدِيثِ، وَمَعْنَى: «عَلى مَا رَزَقَهُمْ» : عَلَى ذَبْحِ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، وَبَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ: هِيَ الْأَنْعَامُ، فَالْإِضَافَةُ فِي هَذَا كَالْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِمْ: مَسْجِدُ الْجَامِعِ وَصَلَاةُ الْأُولَى. فَكُلُوا مِنْها الْأَمْرُ هُنَا لِلنَّدْبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ، وَهَذَا الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ الْبَائِسُ: ذُو البؤس، وهو شدة الفقر، فذكر الفقير بَعْدَهُ لِمَزِيدِ الْإِيضَاحِ، وَالْأَمْرُ هُنَا لِلْوُجُوبِ، وَقِيلَ: لِلنَّدْبِ. ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ الْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ هُنَا هُوَ التَّأْدِيَةُ، أَيْ: لِيُؤَدُّوا إِزَالَةَ وَسَخِهِمْ، لِأَنَّ التَّفَثَ هُوَ الْوَسَخُ وَالْقَذَارَةُ مِنْ طُولِ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ كَمَا حَكَّاهُ النَّيْسَابُورِيُّ عَلَى هَذَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يَعْرِفُونَ التَّفَثَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ:
لَمْ يأت في الشرع مَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي مَعْنَى التَّفَثِ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: أَصْلُ التَّفَثِ فِي اللُّغَةِ كُلُّ قَاذُورَةٍ تَلْحِقُ الْإِنْسَانَ.
وَقِيلَ: قَضَاؤُهُ ادِّهَانُهُ لِأَنَّ الْحَاجَّ مُغَبَّرٌ شَعِثٌ لَمْ يَدَّهِنْ وَلَمْ يَسْتَحِدَّ، فَإِذَا قَضَى نُسُكَهُ وَخَرَجَ مِنْ إِحْرَامِهِ حَلَقَ شَعْرَهُ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ، فَهَذَا هُوَ قَضَاءُ التَّفَثِ. قَالَ الزجاج: كأنه خروج من الإحرام إلى الإحلال وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ أَيْ: مَا يَنْذُرُونَ بِهِ مِنَ الْبَرِّ فِي حَجِّهِمْ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالنُّذُورِ هُنَا أَعْمَالُ الْحَجِّ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ هَذَا الطَّوَافُ هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُتَأَوِّلِينَ، وَالْعَتِيقُ: الْقَدِيمُ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ «٢» الْآيَةَ، وَقَدْ سُمِّيَ الْعَتِيقُ لِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنْ أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِ جَبَّارٌ، وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ يُعْتِقُ فِيهِ رِقَابَ الْمُذْنِبِينَ مِنَ الْعَذَابِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ أُعْتِقَ مِنْ غَرَقِ الطُّوفَانِ، وَقِيلَ: الْعَتِيقُ: الْكَرِيمُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ قَالَ: الْحَرَمُ كُلُّهُ، وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ قَالَ: خَلْقُ اللَّهِ فِيهِ سَوَاءٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: هُمْ فِي مَنَازِلِ مَكَّةَ سَوَاءٌ، فَيَنْبَغِي لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُمْ حَتَّى يَقْضُوا مَنَاسِكَهُمْ. وَقَالَ: الْبَادِي وَأَهْلُ مَكَّةَ سَوَاءٌ، يَعْنِي فِي الْمَنْزِلِ وَالْحَرَمِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: مَنْ أَخَذَ مَنْ أَجُورِ بُيُوتِ مَكَّةَ إِنَّمَا يَأْكُلُ فِي بُطُونِهِ «٣» نَارًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَقْطِعْنِي مَكَانًا لِي وَلِعَقِبِي، فَأَعْرَضَ عَنْهُ عُمَرُ وَقَالَ: هُوَ حَرَمُ اللَّهِ سَوَاءٌ الْعَاكِفُ فِيهِ الباد. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَمْنَعُ أَهْلَ مَكَّةَ أَنْ يَجْعَلُوا لَهَا أَبْوَابًا حَتَّى يَنْزِلَ الْحَاجُّ فِي عَرَصَاتِ الدُّورِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، قال
وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ هِيَ أَيَّامُ النَّحْرِ كَمَا يُفِيدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ وَقِيلَ: عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ فِي الْبَقَرَةِ فَلَا نُعِيدُهُ، وَالْكَلَامُ فِي وَقْتِ ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَشُرُوحِ الْحَدِيثِ، وَمَعْنَى: «عَلى مَا رَزَقَهُمْ» : عَلَى ذَبْحِ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، وَبَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ: هِيَ الْأَنْعَامُ، فَالْإِضَافَةُ فِي هَذَا كَالْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِمْ: مَسْجِدُ الْجَامِعِ وَصَلَاةُ الْأُولَى. فَكُلُوا مِنْها الْأَمْرُ هُنَا لِلنَّدْبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ، وَهَذَا الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ الْبَائِسُ: ذُو البؤس، وهو شدة الفقر، فذكر الفقير بَعْدَهُ لِمَزِيدِ الْإِيضَاحِ، وَالْأَمْرُ هُنَا لِلْوُجُوبِ، وَقِيلَ: لِلنَّدْبِ. ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ الْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ هُنَا هُوَ التَّأْدِيَةُ، أَيْ: لِيُؤَدُّوا إِزَالَةَ وَسَخِهِمْ، لِأَنَّ التَّفَثَ هُوَ الْوَسَخُ وَالْقَذَارَةُ مِنْ طُولِ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ كَمَا حَكَّاهُ النَّيْسَابُورِيُّ عَلَى هَذَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يَعْرِفُونَ التَّفَثَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ:
لَمْ يأت في الشرع مَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي مَعْنَى التَّفَثِ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: أَصْلُ التَّفَثِ فِي اللُّغَةِ كُلُّ قَاذُورَةٍ تَلْحِقُ الْإِنْسَانَ.
وَقِيلَ: قَضَاؤُهُ ادِّهَانُهُ لِأَنَّ الْحَاجَّ مُغَبَّرٌ شَعِثٌ لَمْ يَدَّهِنْ وَلَمْ يَسْتَحِدَّ، فَإِذَا قَضَى نُسُكَهُ وَخَرَجَ مِنْ إِحْرَامِهِ حَلَقَ شَعْرَهُ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ، فَهَذَا هُوَ قَضَاءُ التَّفَثِ. قَالَ الزجاج: كأنه خروج من الإحرام إلى الإحلال وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ أَيْ: مَا يَنْذُرُونَ بِهِ مِنَ الْبَرِّ فِي حَجِّهِمْ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالنُّذُورِ هُنَا أَعْمَالُ الْحَجِّ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ هَذَا الطَّوَافُ هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُتَأَوِّلِينَ، وَالْعَتِيقُ: الْقَدِيمُ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ «٢» الْآيَةَ، وَقَدْ سُمِّيَ الْعَتِيقُ لِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنْ أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِ جَبَّارٌ، وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ يُعْتِقُ فِيهِ رِقَابَ الْمُذْنِبِينَ مِنَ الْعَذَابِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ أُعْتِقَ مِنْ غَرَقِ الطُّوفَانِ، وَقِيلَ: الْعَتِيقُ: الْكَرِيمُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ قَالَ: الْحَرَمُ كُلُّهُ، وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ قَالَ: خَلْقُ اللَّهِ فِيهِ سَوَاءٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: هُمْ فِي مَنَازِلِ مَكَّةَ سَوَاءٌ، فَيَنْبَغِي لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُمْ حَتَّى يَقْضُوا مَنَاسِكَهُمْ. وَقَالَ: الْبَادِي وَأَهْلُ مَكَّةَ سَوَاءٌ، يَعْنِي فِي الْمَنْزِلِ وَالْحَرَمِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: مَنْ أَخَذَ مَنْ أَجُورِ بُيُوتِ مَكَّةَ إِنَّمَا يَأْكُلُ فِي بُطُونِهِ «٣» نَارًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَقْطِعْنِي مَكَانًا لِي وَلِعَقِبِي، فَأَعْرَضَ عَنْهُ عُمَرُ وَقَالَ: هُوَ حَرَمُ اللَّهِ سَوَاءٌ الْعَاكِفُ فِيهِ الباد. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَمْنَعُ أَهْلَ مَكَّةَ أَنْ يَجْعَلُوا لَهَا أَبْوَابًا حَتَّى يَنْزِلَ الْحَاجُّ فِي عَرَصَاتِ الدُّورِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، قال
(١). البقرة: ١٩٨.
(٢). آل عمران: ٩٦.
(٣). لعلّ الصواب: بطنه.
(٢). آل عمران: ٩٦.
(٣). لعلّ الصواب: بطنه.
531
السُّيُوطِيُّ: بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قول الله: «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ قَالَ: «سَوَاءٌ الْمُقِيمُ وَالَّذِي يَدْخُلُ». وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَكَّةُ مُبَاحَةٌ لَا تُؤَجَّرُ بُيُوتُهَا وَلَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ قَالَ:
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا تُدْعَى رِبَاعُ مَكَّةَ «١» إِلَّا السَّوَائِبَ «٢»، مَنِ احْتَاجَ سَكَنَ، وَمَنِ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ «٣». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حسين، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ فَذَكَرَهُ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَكَلَ كِرَاءَ بُيُوتِ مَكَّةَ أَكْلَ نَارًا» وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ قَالَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَمَّ فِيهِ بِإِلْحَادٍ وَهُوَ بِعَدَنِ أِبْيَنَ لَأَذَاقَهُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا». قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: هَذَا الْإِسْنَادُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَوَقْفُهُ أَشْبَهُ مِنْ رَفْعِهِ، وَلِهَذَا صَمَّمَ شُعْبَةُ عَلَى وَقْفِهِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: مَنْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا فِي سِوَى الْبَيْتِ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، وَمَنْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ فِي الْبَيْتِ لَمْ يُمِتْهُ اللَّهُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يُذِيقَهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ مَعَ رَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا مُهَاجِرٌ وَالْآخَرُ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَافْتَخَرُوا فِي الْأَنْسَابِ، فَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، فَقَتَلَ الْأَنْصَارِيَّ، ثُمَّ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ وَهَرَبَ إِلَى مَكَّةَ، فَنَزَلَتْ فِيهِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ يَعْنِي مَنْ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ بِإِلْحَادٍ، يَعْنِي بِمَيْلٍ عَنِ الْإِسْلَامِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ قَالَ: بشرك. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «احْتِكَارُ الطَّعَامِ فِي الْحَرَمِ إِلْحَادٌ فِيهِ». وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: احْتِكَارُ الطَّعَامِ بِمَكَّةَ إِلْحَادٌ بِظُلْمٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْعُ الطَّعَامِ بِمَكَّةَ إِلْحَادٌ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشِّعْبِ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «احْتِكَارُ الطَّعَامِ بِمَكَّةَ إِلْحَادٌ».
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا أُمِرَ إِبْرَاهِيمُ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ خَرَجَ مَعَهُ إِسْمَاعِيلُ وَهَاجَرُ، فلما قدم مكة رأى على رابية في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرأس، فكلمه فقال: يا إبراهيم! ابن على ظلّي أو على قدري، ولا تزد ولا تنقص، فلما بنى خرج وخلّف إِسْمَاعِيلُ وَهَاجَرُ، وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ:
وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَطَاءٍ وَالْقائِمِينَ قَالَ: الْمُصَلِّينَ عِنْدَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ معناه. وأخرج ابن
«مَكَّةُ مُبَاحَةٌ لَا تُؤَجَّرُ بُيُوتُهَا وَلَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ قَالَ:
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا تُدْعَى رِبَاعُ مَكَّةَ «١» إِلَّا السَّوَائِبَ «٢»، مَنِ احْتَاجَ سَكَنَ، وَمَنِ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ «٣». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حسين، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ فَذَكَرَهُ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَكَلَ كِرَاءَ بُيُوتِ مَكَّةَ أَكْلَ نَارًا» وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ قَالَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَمَّ فِيهِ بِإِلْحَادٍ وَهُوَ بِعَدَنِ أِبْيَنَ لَأَذَاقَهُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا». قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: هَذَا الْإِسْنَادُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَوَقْفُهُ أَشْبَهُ مِنْ رَفْعِهِ، وَلِهَذَا صَمَّمَ شُعْبَةُ عَلَى وَقْفِهِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: مَنْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا فِي سِوَى الْبَيْتِ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، وَمَنْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ فِي الْبَيْتِ لَمْ يُمِتْهُ اللَّهُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يُذِيقَهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ مَعَ رَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا مُهَاجِرٌ وَالْآخَرُ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَافْتَخَرُوا فِي الْأَنْسَابِ، فَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، فَقَتَلَ الْأَنْصَارِيَّ، ثُمَّ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ وَهَرَبَ إِلَى مَكَّةَ، فَنَزَلَتْ فِيهِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ يَعْنِي مَنْ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ بِإِلْحَادٍ، يَعْنِي بِمَيْلٍ عَنِ الْإِسْلَامِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ قَالَ: بشرك. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «احْتِكَارُ الطَّعَامِ فِي الْحَرَمِ إِلْحَادٌ فِيهِ». وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: احْتِكَارُ الطَّعَامِ بِمَكَّةَ إِلْحَادٌ بِظُلْمٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْعُ الطَّعَامِ بِمَكَّةَ إِلْحَادٌ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشِّعْبِ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «احْتِكَارُ الطَّعَامِ بِمَكَّةَ إِلْحَادٌ».
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا أُمِرَ إِبْرَاهِيمُ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ خَرَجَ مَعَهُ إِسْمَاعِيلُ وَهَاجَرُ، فلما قدم مكة رأى على رابية في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرأس، فكلمه فقال: يا إبراهيم! ابن على ظلّي أو على قدري، ولا تزد ولا تنقص، فلما بنى خرج وخلّف إِسْمَاعِيلُ وَهَاجَرُ، وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ:
وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَطَاءٍ وَالْقائِمِينَ قَالَ: الْمُصَلِّينَ عِنْدَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ معناه. وأخرج ابن
(١). أي: بيوتها.
(٢). «السوائب» : أي غير المملوكة لأهلها، بل المتروكة لله تعالى لينتفع بها المحتاج إليها.
(٣). أي: أسكن غيره بلا إجارة.
(٢). «السوائب» : أي غير المملوكة لأهلها، بل المتروكة لله تعالى لينتفع بها المحتاج إليها.
(٣). أي: أسكن غيره بلا إجارة.
532
﴿ وإذ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت ﴾ أي : واذكر وقت ذلك، يقال : بوّأته منزلاً وبوّأت له، كما يقال : مكنتك ومكنت لك. قال الزجاج : معناه : جعلنا مكان البيت مبوأ لإبراهيم، ومعنى ﴿ بوّأنا ﴾ : بيّنا له مكان البيت، ومثله قول الشاعر :
كم من أخ لي ماجد *** بوّأته بيديّ لحداً
وقال الفراء : إن اللام زائدة ومكان ظرف، أي أنزلناه فيه ﴿ أن لا تشرك بِي شَيْئاً ﴾ قيل : إن هذه هي مفسرة لبوّأنا، لتضمنه معنى تعبدنا ؛ لأن التبوئة هي للعبادة. وقال أبو حاتم : هي مصدرية، أي لأن لا تشرك بي. وقيل : هي المخففة من الثقيلة، وقيل : هي زائدة. وقيل : معنى الآية : وأوحينا إليه أن لا تعبد غيري. قال المبرد : كأنه قيل له : وحدني في هذا البيت، لأن معنى لا تشرك : بي وحدني ﴿ وَطَهّرْ بَيْتِيَ ﴾ من الشرك وعبادة الأوثان. وفي الآية طعن على ما أشرك من قطان البيت أي : هذا كان الشرط على أبيكم فمن بعده وأنتم فلم تفوا بل أشركتم. وقالت فرقة : الخطاب بقوله :﴿ أَلاَّ تُشْرِكُ ﴾ لمحمد صلى الله عليه وسلم وهذا ضعيف جدّاً. ومعنى ﴿ وَطَهّرْ بَيْتِي ﴾ : تطهيره من الكفر والأوثان والدماء وسائر النجاسات، وقيل : عنى به التطهير عن الأوثان فقط، وذلك أن جرهما والعمالقة كانت لهم أصنام في محل البيت، وقد مرّ في سورة براءة ما فيه كفاية في هذا المعنى. والمراد بالقائمين هنا هم : المصلون ﴿ و ﴾ ذكر ﴿ الركع السجود ﴾ بعده لبيان أركان الصلاة دلالة على عظم شأن هذه العبادة، وقرن الطواف بالصلاة ؛ لأنهما لا يشرعان إلا في البيت، فالطواف عنده والصلاة إليه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: قال ابن جرير : لا خلاف في ذلك بين المتأوّلين، والعتيق : القديم كما يفيده قوله سبحانه :﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ﴾ [ آل عمران : ٩٦ ] الآية، وقد سمي العتيق لأن الله أعتقه من أن يتسلط عليه جبار. وقيل : لأن الله يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب. وقيل : لأنه أعتق من غرق الطوفان. وقيل : العتيق الكريم.
وقد أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله :﴿ والمسجد الحرام ﴾ قال : الحرم كله، وهو المسجد الحرام ﴿ سَوَاء العاكف فِيهِ والباد ﴾ قال : خلق الله فيه سواء. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : هم في منازل مكة سواء، فينبغي لأهل مكة أن يوسعوا لهم حتى يقضوا مناسكهم. وقال البادي وأهل مكة سواء، يعني : في المنزل والحرم. وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال : من أخذ من أجور بيوت مكة إنما يأكل في بطونه ناراً. وأخرج ابن سعد عن عمر بن الخطاب، أن رجلاً قال له عند المروة : يا أمير المؤمنين، أقطعني مكاناً لي ولعقبي، فأعرض عنه عمر وقال : هو حرم الله، سواء العاكف فيه والباد. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال : كان عمر يمنع أهل مكة أن يجعلوا لها أبواباً حتى ينزل الحاجّ في عرصات الدور. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال السيوطي بإسناد صحيح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله :﴿ سَوَاء العاكف فِيهِ والباد ﴾ قال :«سواء المقيم والذي يدخل». وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :«مكة مباحة لا تؤجر بيوتها ولا تباع رباعها». وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه عن علقمة بن نضلة قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب، من احتاح سكن ومن استغنى أسكن. رواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد بن أبي حفرة عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة فذكره. وأخرج الدارقطني عن ابن عمر مرفوعاً :«من أكل كراء بيوت مكة أكل ناراً». وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن راهويه وأحمد وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود رفعه في قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ قال :«لو أن رجلاً همّ فيه بإلحاد وهو بعدن أبين لأذاقه الله عذاباً أليماً» قال ابن كثير : هذا الإسناد صحيح على شرط البخاري، ووقفه أشبه من رفعه، ولهذا صمم شعبة على وقفه. وأخرج سعيد بن منصور والطبراني عن ابن مسعود في الآية قال : من همّ بخطيئة فلم يعملها في سوى البيت، لم تكتب عليه حتى يعملها، ومن همّ بخطيئة في البيت ؛ لم يمته الله من الدنيا حتى يذيقه من عذاب أليم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أنيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مع رجلين، أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار، فافتخروا في الأنساب، فغضب عبد الله بن أنيس، فقتل الأنصاري، ثم ارتدّ عن الإسلام وهرب إلى مكة، فنزلت فيه ﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ يعني : من لجأ إلى الحرم بإلحاد، يعني بميل عن الإسلام. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ قال : بشرك. وأخرج عبد بن حميد، والبخاري في تاريخه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن يعلى بن أمية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه» وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في تاريخه، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب قال : احتكار الطعام بمكة إلحاد بظلم. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : بيع الطعام بمكة إلحاد. وأخرج البيهقي في الشعب عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«احتكار الطعام بمكة إلحاد». وأخرج ابن جرير، والحاكم وصححه عن عليّ قال : لما أمر إبراهيم ببناء البيت خرج معه إسماعيل وهاجر، فلما قدم مكة رأى على رابية في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرأس، فكلمه فقال : يا إبراهيم، ابْنِ على ظلي أو على قدري ولا تزد ولا تنقص، فلما بنى خرج وخلف إسماعيل وهاجر، وذلك حين يقول الله :﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت ﴾ الآية. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء ﴿ والقائمين ﴾ قال : المصلين عنده. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة معناه. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والبيهقي في السنن عن ابن عباس قال : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال : ربّ، قد فرغت، فقال :﴿ أَذِنَ فِي الناس بالحج ﴾ قال : ربّ، وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن وعليّ البلاغ، قال : ربّ كيف أقول ؟ قال : قل : يا أيها الناس كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق. فسمعه من في السماء والأرض، ألا ترى أنهم يجيئون من أقصى الأرض يلبون. وفي الباب آثار عن جماعة من الصحابة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ ليَشْهَدُوا منافع لَهُمْ ﴾ قال : أسواقاً كانت لهم، ما ذكر الله منافع إلا الدنيا. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : منافع في الدنيا ومنافع في الآخرة، فأما منافع الآخرة فرضوان الله، وأما منافع الدنيا فمما يصيبون من لحوم البدن في ذلك اليوم والذبائح والتجارات. وأخرج أبو بكر المروزي في كتاب العيدين عنه أيضاً قال : الأيام المعلومات : أيام العشر. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الأيام المعلومات : يوم النحر وثلاثة أيام بعده. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : أيام التشريق. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضاً في الأيام المعلومات قال : قبل يوم التروية بيوم، ويوم التروية ويوم عرفة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : البائس : الزمن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر قال : التفث : المناسك كلها. وأخرج هؤلاء عن ابن عباس نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : التفث حلق الرأس والأخذ من العارضين ونتف الإبط وحلق العانة والوقوف بعرفة والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار وقصّ الأظفار وقصّ الشارب والذبح. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه :﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بالبيت العتيق ﴾ هو طواف الزيارة يوم النحر، وورد في وجه تسمية البيت بالعتيق آثار عن جماعة من الصحابة، وقد أشرنا إلى ذلك سابقاً. وورد في فضل الطواف أحاديث ليس هذا موضع ذكرها.
كم من أخ لي ماجد *** بوّأته بيديّ لحداً
وقال الفراء : إن اللام زائدة ومكان ظرف، أي أنزلناه فيه ﴿ أن لا تشرك بِي شَيْئاً ﴾ قيل : إن هذه هي مفسرة لبوّأنا، لتضمنه معنى تعبدنا ؛ لأن التبوئة هي للعبادة. وقال أبو حاتم : هي مصدرية، أي لأن لا تشرك بي. وقيل : هي المخففة من الثقيلة، وقيل : هي زائدة. وقيل : معنى الآية : وأوحينا إليه أن لا تعبد غيري. قال المبرد : كأنه قيل له : وحدني في هذا البيت، لأن معنى لا تشرك : بي وحدني ﴿ وَطَهّرْ بَيْتِيَ ﴾ من الشرك وعبادة الأوثان. وفي الآية طعن على ما أشرك من قطان البيت أي : هذا كان الشرط على أبيكم فمن بعده وأنتم فلم تفوا بل أشركتم. وقالت فرقة : الخطاب بقوله :﴿ أَلاَّ تُشْرِكُ ﴾ لمحمد صلى الله عليه وسلم وهذا ضعيف جدّاً. ومعنى ﴿ وَطَهّرْ بَيْتِي ﴾ : تطهيره من الكفر والأوثان والدماء وسائر النجاسات، وقيل : عنى به التطهير عن الأوثان فقط، وذلك أن جرهما والعمالقة كانت لهم أصنام في محل البيت، وقد مرّ في سورة براءة ما فيه كفاية في هذا المعنى. والمراد بالقائمين هنا هم : المصلون ﴿ و ﴾ ذكر ﴿ الركع السجود ﴾ بعده لبيان أركان الصلاة دلالة على عظم شأن هذه العبادة، وقرن الطواف بالصلاة ؛ لأنهما لا يشرعان إلا في البيت، فالطواف عنده والصلاة إليه.
وقد أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله :﴿ والمسجد الحرام ﴾ قال : الحرم كله، وهو المسجد الحرام ﴿ سَوَاء العاكف فِيهِ والباد ﴾ قال : خلق الله فيه سواء. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : هم في منازل مكة سواء، فينبغي لأهل مكة أن يوسعوا لهم حتى يقضوا مناسكهم. وقال البادي وأهل مكة سواء، يعني : في المنزل والحرم. وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال : من أخذ من أجور بيوت مكة إنما يأكل في بطونه ناراً. وأخرج ابن سعد عن عمر بن الخطاب، أن رجلاً قال له عند المروة : يا أمير المؤمنين، أقطعني مكاناً لي ولعقبي، فأعرض عنه عمر وقال : هو حرم الله، سواء العاكف فيه والباد. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال : كان عمر يمنع أهل مكة أن يجعلوا لها أبواباً حتى ينزل الحاجّ في عرصات الدور. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال السيوطي بإسناد صحيح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله :﴿ سَوَاء العاكف فِيهِ والباد ﴾ قال :«سواء المقيم والذي يدخل». وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :«مكة مباحة لا تؤجر بيوتها ولا تباع رباعها». وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه عن علقمة بن نضلة قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب، من احتاح سكن ومن استغنى أسكن. رواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد بن أبي حفرة عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة فذكره. وأخرج الدارقطني عن ابن عمر مرفوعاً :«من أكل كراء بيوت مكة أكل ناراً». وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن راهويه وأحمد وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود رفعه في قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ قال :«لو أن رجلاً همّ فيه بإلحاد وهو بعدن أبين لأذاقه الله عذاباً أليماً» قال ابن كثير : هذا الإسناد صحيح على شرط البخاري، ووقفه أشبه من رفعه، ولهذا صمم شعبة على وقفه. وأخرج سعيد بن منصور والطبراني عن ابن مسعود في الآية قال : من همّ بخطيئة فلم يعملها في سوى البيت، لم تكتب عليه حتى يعملها، ومن همّ بخطيئة في البيت ؛ لم يمته الله من الدنيا حتى يذيقه من عذاب أليم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أنيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مع رجلين، أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار، فافتخروا في الأنساب، فغضب عبد الله بن أنيس، فقتل الأنصاري، ثم ارتدّ عن الإسلام وهرب إلى مكة، فنزلت فيه ﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ يعني : من لجأ إلى الحرم بإلحاد، يعني بميل عن الإسلام. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ قال : بشرك. وأخرج عبد بن حميد، والبخاري في تاريخه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن يعلى بن أمية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه» وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في تاريخه، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب قال : احتكار الطعام بمكة إلحاد بظلم. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : بيع الطعام بمكة إلحاد. وأخرج البيهقي في الشعب عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«احتكار الطعام بمكة إلحاد». وأخرج ابن جرير، والحاكم وصححه عن عليّ قال : لما أمر إبراهيم ببناء البيت خرج معه إسماعيل وهاجر، فلما قدم مكة رأى على رابية في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرأس، فكلمه فقال : يا إبراهيم، ابْنِ على ظلي أو على قدري ولا تزد ولا تنقص، فلما بنى خرج وخلف إسماعيل وهاجر، وذلك حين يقول الله :﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت ﴾ الآية. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء ﴿ والقائمين ﴾ قال : المصلين عنده. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة معناه. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والبيهقي في السنن عن ابن عباس قال : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال : ربّ، قد فرغت، فقال :﴿ أَذِنَ فِي الناس بالحج ﴾ قال : ربّ، وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن وعليّ البلاغ، قال : ربّ كيف أقول ؟ قال : قل : يا أيها الناس كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق. فسمعه من في السماء والأرض، ألا ترى أنهم يجيئون من أقصى الأرض يلبون. وفي الباب آثار عن جماعة من الصحابة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ ليَشْهَدُوا منافع لَهُمْ ﴾ قال : أسواقاً كانت لهم، ما ذكر الله منافع إلا الدنيا. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : منافع في الدنيا ومنافع في الآخرة، فأما منافع الآخرة فرضوان الله، وأما منافع الدنيا فمما يصيبون من لحوم البدن في ذلك اليوم والذبائح والتجارات. وأخرج أبو بكر المروزي في كتاب العيدين عنه أيضاً قال : الأيام المعلومات : أيام العشر. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الأيام المعلومات : يوم النحر وثلاثة أيام بعده. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : أيام التشريق. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضاً في الأيام المعلومات قال : قبل يوم التروية بيوم، ويوم التروية ويوم عرفة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : البائس : الزمن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر قال : التفث : المناسك كلها. وأخرج هؤلاء عن ابن عباس نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : التفث حلق الرأس والأخذ من العارضين ونتف الإبط وحلق العانة والوقوف بعرفة والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار وقصّ الأظفار وقصّ الشارب والذبح. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه :﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بالبيت العتيق ﴾ هو طواف الزيارة يوم النحر، وورد في وجه تسمية البيت بالعتيق آثار عن جماعة من الصحابة، وقد أشرنا إلى ذلك سابقاً. وورد في فضل الطواف أحاديث ليس هذا موضع ذكرها.
﴿ وَأَذّن فِي الناس بالحج ﴾ قرأ الحسن وابن محيصن :«وآذن » بتخفيف الذال والمدّ. وقرأ الباقون بتشديد الذال، والأذان الإعلام، وقد تقدّم في براءة.
قال الواحدي : قال جماعة المفسرين : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت جاءه جبريل فأمره أن يؤذن في الناس بالحج، فقال : يا ربّ، من يبلغ صوتي ؟ فقال الله سبحانه : أذن وعليّ البلاغ، فعلا المقام فأشرف به حتى صار كأعلى الجبال، فأدخل أصبعيه في أذنيه وأقبل بوجهه يميناً وشمالاً وشرقاً وغرباً وقال : يا أيها الناس، كتب عليكم الحج إلى البيت فأجيبوا ربكم، فأجابه من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء : لبيك اللّهم لبيك. وقيل : إن الخطاب لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. والمعنى : أعلمهم يا محمد بوجوب الحجّ عليهم، وعلى هذا فالخطاب لإبراهيم انتهى عند قوله :﴿ والركع السجود ﴾ وقيل : إن خطابه انقضى عند قوله :﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت ﴾ وأن قوله :﴿ أَن لاَ تُشْرِكْ بِي ﴾ وما بعده خطاب لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقرأ الجمهور ﴿ بالحجّ ﴾ بفتح الحاء، وقرأ ابن أبي إسحاق في كل القرآن بكسرها ﴿ يَأْتُوكَ رِجَالاً ﴾ هذا جواب الأمر، وعده الله إجابة الناس له إلى حجّ البيت ما بين راجل وراكب، فمعنى ﴿ رجالاً ﴾ : مشاة، جمع راجل. وقيل : جمع رجل. وقرأ ابن أبي إسحاق «رجالاً » بضم الراء وتخفيف الجيم. وقرأ مجاهد :«رجالى » على وزن فعالى مثل كسالى. وقدّم الرجال على الركبان في الذكر لزيادة تعبهم في المشي، وقال :﴿ يأتوك ﴾ وإن كانوا يأتون البيت، لأن من أتى الكعبة حاجاً فقد أتى إبراهيم، لأنه أجاب نداءه ﴿ وعلى كُلّ ضَامِرٍ ﴾ عطف على ﴿ رجالا ﴾ أي وركباناً على كل بعير. والضامر : البعير المهزول الذي أتعبه السفر، يقال : ضمر يضمر ضموراً، ووصف الضامر بقوله :﴿ يَأْتِينَ ﴾ باعتبار المعنى ؛ لأن ضامر في معنى ضوامر، وقرأ أصحاب ابن مسعود وابن أبي عبلة والضحاك «يأتون » على أنه صفة ل﴿ رجالاً ﴾. والفجّ : الطريق الواسع، الجمع فجاج، والعميق : البعيد. واللام في ﴿ ليَشْهَدُوا منافع لَهُمْ ﴾ متعلقة بقوله :﴿ يأتوك ﴾ وقيل : بقوله : و﴿ أذن ﴾ والشهود : الحضور، والمنافع هي تعمّ منافع الدنيا والآخرة. وقيل : المراد بها : المناسك. وقيل : المغفرة ؛ وقيل : التجارة كما في قوله :﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً من رَبّكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٩٨ ].
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: قال ابن جرير : لا خلاف في ذلك بين المتأوّلين، والعتيق : القديم كما يفيده قوله سبحانه :﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ﴾ [ آل عمران : ٩٦ ] الآية، وقد سمي العتيق لأن الله أعتقه من أن يتسلط عليه جبار. وقيل : لأن الله يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب. وقيل : لأنه أعتق من غرق الطوفان. وقيل : العتيق الكريم.
وقد أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله :﴿ والمسجد الحرام ﴾ قال : الحرم كله، وهو المسجد الحرام ﴿ سَوَاء العاكف فِيهِ والباد ﴾ قال : خلق الله فيه سواء. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : هم في منازل مكة سواء، فينبغي لأهل مكة أن يوسعوا لهم حتى يقضوا مناسكهم. وقال البادي وأهل مكة سواء، يعني : في المنزل والحرم. وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال : من أخذ من أجور بيوت مكة إنما يأكل في بطونه ناراً. وأخرج ابن سعد عن عمر بن الخطاب، أن رجلاً قال له عند المروة : يا أمير المؤمنين، أقطعني مكاناً لي ولعقبي، فأعرض عنه عمر وقال : هو حرم الله، سواء العاكف فيه والباد. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال : كان عمر يمنع أهل مكة أن يجعلوا لها أبواباً حتى ينزل الحاجّ في عرصات الدور. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال السيوطي بإسناد صحيح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله :﴿ سَوَاء العاكف فِيهِ والباد ﴾ قال :«سواء المقيم والذي يدخل». وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :«مكة مباحة لا تؤجر بيوتها ولا تباع رباعها». وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه عن علقمة بن نضلة قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب، من احتاح سكن ومن استغنى أسكن. رواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد بن أبي حفرة عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة فذكره. وأخرج الدارقطني عن ابن عمر مرفوعاً :«من أكل كراء بيوت مكة أكل ناراً». وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن راهويه وأحمد وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود رفعه في قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ قال :«لو أن رجلاً همّ فيه بإلحاد وهو بعدن أبين لأذاقه الله عذاباً أليماً» قال ابن كثير : هذا الإسناد صحيح على شرط البخاري، ووقفه أشبه من رفعه، ولهذا صمم شعبة على وقفه. وأخرج سعيد بن منصور والطبراني عن ابن مسعود في الآية قال : من همّ بخطيئة فلم يعملها في سوى البيت، لم تكتب عليه حتى يعملها، ومن همّ بخطيئة في البيت ؛ لم يمته الله من الدنيا حتى يذيقه من عذاب أليم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أنيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مع رجلين، أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار، فافتخروا في الأنساب، فغضب عبد الله بن أنيس، فقتل الأنصاري، ثم ارتدّ عن الإسلام وهرب إلى مكة، فنزلت فيه ﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ يعني : من لجأ إلى الحرم بإلحاد، يعني بميل عن الإسلام. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ قال : بشرك. وأخرج عبد بن حميد، والبخاري في تاريخه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن يعلى بن أمية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه» وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في تاريخه، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب قال : احتكار الطعام بمكة إلحاد بظلم. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : بيع الطعام بمكة إلحاد. وأخرج البيهقي في الشعب عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«احتكار الطعام بمكة إلحاد». وأخرج ابن جرير، والحاكم وصححه عن عليّ قال : لما أمر إبراهيم ببناء البيت خرج معه إسماعيل وهاجر، فلما قدم مكة رأى على رابية في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرأس، فكلمه فقال : يا إبراهيم، ابْنِ على ظلي أو على قدري ولا تزد ولا تنقص، فلما بنى خرج وخلف إسماعيل وهاجر، وذلك حين يقول الله :﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت ﴾ الآية. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء ﴿ والقائمين ﴾ قال : المصلين عنده. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة معناه. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والبيهقي في السنن عن ابن عباس قال : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال : ربّ، قد فرغت، فقال :﴿ أَذِنَ فِي الناس بالحج ﴾ قال : ربّ، وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن وعليّ البلاغ، قال : ربّ كيف أقول ؟ قال : قل : يا أيها الناس كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق. فسمعه من في السماء والأرض، ألا ترى أنهم يجيئون من أقصى الأرض يلبون. وفي الباب آثار عن جماعة من الصحابة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ ليَشْهَدُوا منافع لَهُمْ ﴾ قال : أسواقاً كانت لهم، ما ذكر الله منافع إلا الدنيا. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : منافع في الدنيا ومنافع في الآخرة، فأما منافع الآخرة فرضوان الله، وأما منافع الدنيا فمما يصيبون من لحوم البدن في ذلك اليوم والذبائح والتجارات. وأخرج أبو بكر المروزي في كتاب العيدين عنه أيضاً قال : الأيام المعلومات : أيام العشر. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الأيام المعلومات : يوم النحر وثلاثة أيام بعده. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : أيام التشريق. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضاً في الأيام المعلومات قال : قبل يوم التروية بيوم، ويوم التروية ويوم عرفة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : البائس : الزمن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر قال : التفث : المناسك كلها. وأخرج هؤلاء عن ابن عباس نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : التفث حلق الرأس والأخذ من العارضين ونتف الإبط وحلق العانة والوقوف بعرفة والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار وقصّ الأظفار وقصّ الشارب والذبح. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه :﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بالبيت العتيق ﴾ هو طواف الزيارة يوم النحر، وورد في وجه تسمية البيت بالعتيق آثار عن جماعة من الصحابة، وقد أشرنا إلى ذلك سابقاً. وورد في فضل الطواف أحاديث ليس هذا موضع ذكرها.
قال الواحدي : قال جماعة المفسرين : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت جاءه جبريل فأمره أن يؤذن في الناس بالحج، فقال : يا ربّ، من يبلغ صوتي ؟ فقال الله سبحانه : أذن وعليّ البلاغ، فعلا المقام فأشرف به حتى صار كأعلى الجبال، فأدخل أصبعيه في أذنيه وأقبل بوجهه يميناً وشمالاً وشرقاً وغرباً وقال : يا أيها الناس، كتب عليكم الحج إلى البيت فأجيبوا ربكم، فأجابه من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء : لبيك اللّهم لبيك. وقيل : إن الخطاب لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. والمعنى : أعلمهم يا محمد بوجوب الحجّ عليهم، وعلى هذا فالخطاب لإبراهيم انتهى عند قوله :﴿ والركع السجود ﴾ وقيل : إن خطابه انقضى عند قوله :﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت ﴾ وأن قوله :﴿ أَن لاَ تُشْرِكْ بِي ﴾ وما بعده خطاب لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقرأ الجمهور ﴿ بالحجّ ﴾ بفتح الحاء، وقرأ ابن أبي إسحاق في كل القرآن بكسرها ﴿ يَأْتُوكَ رِجَالاً ﴾ هذا جواب الأمر، وعده الله إجابة الناس له إلى حجّ البيت ما بين راجل وراكب، فمعنى ﴿ رجالاً ﴾ : مشاة، جمع راجل. وقيل : جمع رجل. وقرأ ابن أبي إسحاق «رجالاً » بضم الراء وتخفيف الجيم. وقرأ مجاهد :«رجالى » على وزن فعالى مثل كسالى. وقدّم الرجال على الركبان في الذكر لزيادة تعبهم في المشي، وقال :﴿ يأتوك ﴾ وإن كانوا يأتون البيت، لأن من أتى الكعبة حاجاً فقد أتى إبراهيم، لأنه أجاب نداءه ﴿ وعلى كُلّ ضَامِرٍ ﴾ عطف على ﴿ رجالا ﴾ أي وركباناً على كل بعير. والضامر : البعير المهزول الذي أتعبه السفر، يقال : ضمر يضمر ضموراً، ووصف الضامر بقوله :﴿ يَأْتِينَ ﴾ باعتبار المعنى ؛ لأن ضامر في معنى ضوامر، وقرأ أصحاب ابن مسعود وابن أبي عبلة والضحاك «يأتون » على أنه صفة ل﴿ رجالاً ﴾. والفجّ : الطريق الواسع، الجمع فجاج، والعميق : البعيد. واللام في ﴿ ليَشْهَدُوا منافع لَهُمْ ﴾ متعلقة بقوله :﴿ يأتوك ﴾ وقيل : بقوله : و﴿ أذن ﴾ والشهود : الحضور، والمنافع هي تعمّ منافع الدنيا والآخرة. وقيل : المراد بها : المناسك. وقيل : المغفرة ؛ وقيل : التجارة كما في قوله :﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً من رَبّكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٩٨ ].
وقد أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله :﴿ والمسجد الحرام ﴾ قال : الحرم كله، وهو المسجد الحرام ﴿ سَوَاء العاكف فِيهِ والباد ﴾ قال : خلق الله فيه سواء. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : هم في منازل مكة سواء، فينبغي لأهل مكة أن يوسعوا لهم حتى يقضوا مناسكهم. وقال البادي وأهل مكة سواء، يعني : في المنزل والحرم. وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال : من أخذ من أجور بيوت مكة إنما يأكل في بطونه ناراً. وأخرج ابن سعد عن عمر بن الخطاب، أن رجلاً قال له عند المروة : يا أمير المؤمنين، أقطعني مكاناً لي ولعقبي، فأعرض عنه عمر وقال : هو حرم الله، سواء العاكف فيه والباد. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال : كان عمر يمنع أهل مكة أن يجعلوا لها أبواباً حتى ينزل الحاجّ في عرصات الدور. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال السيوطي بإسناد صحيح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله :﴿ سَوَاء العاكف فِيهِ والباد ﴾ قال :«سواء المقيم والذي يدخل». وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :«مكة مباحة لا تؤجر بيوتها ولا تباع رباعها». وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه عن علقمة بن نضلة قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب، من احتاح سكن ومن استغنى أسكن. رواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد بن أبي حفرة عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة فذكره. وأخرج الدارقطني عن ابن عمر مرفوعاً :«من أكل كراء بيوت مكة أكل ناراً». وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن راهويه وأحمد وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود رفعه في قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ قال :«لو أن رجلاً همّ فيه بإلحاد وهو بعدن أبين لأذاقه الله عذاباً أليماً» قال ابن كثير : هذا الإسناد صحيح على شرط البخاري، ووقفه أشبه من رفعه، ولهذا صمم شعبة على وقفه. وأخرج سعيد بن منصور والطبراني عن ابن مسعود في الآية قال : من همّ بخطيئة فلم يعملها في سوى البيت، لم تكتب عليه حتى يعملها، ومن همّ بخطيئة في البيت ؛ لم يمته الله من الدنيا حتى يذيقه من عذاب أليم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أنيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مع رجلين، أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار، فافتخروا في الأنساب، فغضب عبد الله بن أنيس، فقتل الأنصاري، ثم ارتدّ عن الإسلام وهرب إلى مكة، فنزلت فيه ﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ يعني : من لجأ إلى الحرم بإلحاد، يعني بميل عن الإسلام. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ قال : بشرك. وأخرج عبد بن حميد، والبخاري في تاريخه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن يعلى بن أمية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه» وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في تاريخه، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب قال : احتكار الطعام بمكة إلحاد بظلم. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : بيع الطعام بمكة إلحاد. وأخرج البيهقي في الشعب عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«احتكار الطعام بمكة إلحاد». وأخرج ابن جرير، والحاكم وصححه عن عليّ قال : لما أمر إبراهيم ببناء البيت خرج معه إسماعيل وهاجر، فلما قدم مكة رأى على رابية في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرأس، فكلمه فقال : يا إبراهيم، ابْنِ على ظلي أو على قدري ولا تزد ولا تنقص، فلما بنى خرج وخلف إسماعيل وهاجر، وذلك حين يقول الله :﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت ﴾ الآية. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء ﴿ والقائمين ﴾ قال : المصلين عنده. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة معناه. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والبيهقي في السنن عن ابن عباس قال : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال : ربّ، قد فرغت، فقال :﴿ أَذِنَ فِي الناس بالحج ﴾ قال : ربّ، وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن وعليّ البلاغ، قال : ربّ كيف أقول ؟ قال : قل : يا أيها الناس كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق. فسمعه من في السماء والأرض، ألا ترى أنهم يجيئون من أقصى الأرض يلبون. وفي الباب آثار عن جماعة من الصحابة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ ليَشْهَدُوا منافع لَهُمْ ﴾ قال : أسواقاً كانت لهم، ما ذكر الله منافع إلا الدنيا. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : منافع في الدنيا ومنافع في الآخرة، فأما منافع الآخرة فرضوان الله، وأما منافع الدنيا فمما يصيبون من لحوم البدن في ذلك اليوم والذبائح والتجارات. وأخرج أبو بكر المروزي في كتاب العيدين عنه أيضاً قال : الأيام المعلومات : أيام العشر. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الأيام المعلومات : يوم النحر وثلاثة أيام بعده. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : أيام التشريق. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضاً في الأيام المعلومات قال : قبل يوم التروية بيوم، ويوم التروية ويوم عرفة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : البائس : الزمن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر قال : التفث : المناسك كلها. وأخرج هؤلاء عن ابن عباس نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : التفث حلق الرأس والأخذ من العارضين ونتف الإبط وحلق العانة والوقوف بعرفة والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار وقصّ الأظفار وقصّ الشارب والذبح. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه :﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بالبيت العتيق ﴾ هو طواف الزيارة يوم النحر، وورد في وجه تسمية البيت بالعتيق آثار عن جماعة من الصحابة، وقد أشرنا إلى ذلك سابقاً. وورد في فضل الطواف أحاديث ليس هذا موضع ذكرها.
﴿ وَيَذْكُرُوا اسم الله فِي أَيَّامٍ معلومات ﴾ أي يذكروا عند ذبح الهدايا والضحايا اسم الله. وقيل : إن هذا الذكر كناية عن الذبح ؛ لأنه لا ينفك عنه. والأيام المعلومات هي : أيام النحر، كما يفيد ذلك قوله :﴿ على مَا رَزَقَهُمْ من بَهِيمَةِ الأنعام ﴾. وقيل : عشر ذي الحجة. وقد تقدّم الكلام في الأيام المعلومات والمعدودات في البقرة فلا نعيده، والكلام في وقت ذبح الأضحية معروف في كتب الفقه وشروح الحديث. ومعنى :﴿ على ما رزقهم ﴾ : على ذبح ما رزقهم من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم، وبهيمة الأنعام هي الأنعام، فالإضافة في هذا كالإضافة في قولهم : مسجد الجامع وصلاة الأولى ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا ﴾ الأمر هنا للندب عند الجمهور، وذهبت طائفة إلى أن الأمر للوجوب، وهذا التفات من الغيبة إلى الخطاب ﴿ وَأَطْعِمُوا البائس الفقير ﴾ البائس : ذو البؤس وهو شدة الفقر، فذكر الفقير بعده ؛ لمزيد الإيضاح. والأمر هنا للوجوب. وقيل : للندب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: قال ابن جرير : لا خلاف في ذلك بين المتأوّلين، والعتيق : القديم كما يفيده قوله سبحانه :﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ﴾ [ آل عمران : ٩٦ ] الآية، وقد سمي العتيق لأن الله أعتقه من أن يتسلط عليه جبار. وقيل : لأن الله يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب. وقيل : لأنه أعتق من غرق الطوفان. وقيل : العتيق الكريم.
وقد أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله :﴿ والمسجد الحرام ﴾ قال : الحرم كله، وهو المسجد الحرام ﴿ سَوَاء العاكف فِيهِ والباد ﴾ قال : خلق الله فيه سواء. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : هم في منازل مكة سواء، فينبغي لأهل مكة أن يوسعوا لهم حتى يقضوا مناسكهم. وقال البادي وأهل مكة سواء، يعني : في المنزل والحرم. وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال : من أخذ من أجور بيوت مكة إنما يأكل في بطونه ناراً. وأخرج ابن سعد عن عمر بن الخطاب، أن رجلاً قال له عند المروة : يا أمير المؤمنين، أقطعني مكاناً لي ولعقبي، فأعرض عنه عمر وقال : هو حرم الله، سواء العاكف فيه والباد. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال : كان عمر يمنع أهل مكة أن يجعلوا لها أبواباً حتى ينزل الحاجّ في عرصات الدور. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال السيوطي بإسناد صحيح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله :﴿ سَوَاء العاكف فِيهِ والباد ﴾ قال :«سواء المقيم والذي يدخل». وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :«مكة مباحة لا تؤجر بيوتها ولا تباع رباعها». وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه عن علقمة بن نضلة قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب، من احتاح سكن ومن استغنى أسكن. رواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد بن أبي حفرة عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة فذكره. وأخرج الدارقطني عن ابن عمر مرفوعاً :«من أكل كراء بيوت مكة أكل ناراً». وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن راهويه وأحمد وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود رفعه في قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ قال :«لو أن رجلاً همّ فيه بإلحاد وهو بعدن أبين لأذاقه الله عذاباً أليماً» قال ابن كثير : هذا الإسناد صحيح على شرط البخاري، ووقفه أشبه من رفعه، ولهذا صمم شعبة على وقفه. وأخرج سعيد بن منصور والطبراني عن ابن مسعود في الآية قال : من همّ بخطيئة فلم يعملها في سوى البيت، لم تكتب عليه حتى يعملها، ومن همّ بخطيئة في البيت ؛ لم يمته الله من الدنيا حتى يذيقه من عذاب أليم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أنيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مع رجلين، أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار، فافتخروا في الأنساب، فغضب عبد الله بن أنيس، فقتل الأنصاري، ثم ارتدّ عن الإسلام وهرب إلى مكة، فنزلت فيه ﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ يعني : من لجأ إلى الحرم بإلحاد، يعني بميل عن الإسلام. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ قال : بشرك. وأخرج عبد بن حميد، والبخاري في تاريخه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن يعلى بن أمية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه» وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في تاريخه، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب قال : احتكار الطعام بمكة إلحاد بظلم. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : بيع الطعام بمكة إلحاد. وأخرج البيهقي في الشعب عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«احتكار الطعام بمكة إلحاد». وأخرج ابن جرير، والحاكم وصححه عن عليّ قال : لما أمر إبراهيم ببناء البيت خرج معه إسماعيل وهاجر، فلما قدم مكة رأى على رابية في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرأس، فكلمه فقال : يا إبراهيم، ابْنِ على ظلي أو على قدري ولا تزد ولا تنقص، فلما بنى خرج وخلف إسماعيل وهاجر، وذلك حين يقول الله :﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت ﴾ الآية. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء ﴿ والقائمين ﴾ قال : المصلين عنده. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة معناه. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والبيهقي في السنن عن ابن عباس قال : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال : ربّ، قد فرغت، فقال :﴿ أَذِنَ فِي الناس بالحج ﴾ قال : ربّ، وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن وعليّ البلاغ، قال : ربّ كيف أقول ؟ قال : قل : يا أيها الناس كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق. فسمعه من في السماء والأرض، ألا ترى أنهم يجيئون من أقصى الأرض يلبون. وفي الباب آثار عن جماعة من الصحابة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ ليَشْهَدُوا منافع لَهُمْ ﴾ قال : أسواقاً كانت لهم، ما ذكر الله منافع إلا الدنيا. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : منافع في الدنيا ومنافع في الآخرة، فأما منافع الآخرة فرضوان الله، وأما منافع الدنيا فمما يصيبون من لحوم البدن في ذلك اليوم والذبائح والتجارات. وأخرج أبو بكر المروزي في كتاب العيدين عنه أيضاً قال : الأيام المعلومات : أيام العشر. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الأيام المعلومات : يوم النحر وثلاثة أيام بعده. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : أيام التشريق. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضاً في الأيام المعلومات قال : قبل يوم التروية بيوم، ويوم التروية ويوم عرفة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : البائس : الزمن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر قال : التفث : المناسك كلها. وأخرج هؤلاء عن ابن عباس نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : التفث حلق الرأس والأخذ من العارضين ونتف الإبط وحلق العانة والوقوف بعرفة والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار وقصّ الأظفار وقصّ الشارب والذبح. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه :﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بالبيت العتيق ﴾ هو طواف الزيارة يوم النحر، وورد في وجه تسمية البيت بالعتيق آثار عن جماعة من الصحابة، وقد أشرنا إلى ذلك سابقاً. وورد في فضل الطواف أحاديث ليس هذا موضع ذكرها.
وقد أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله :﴿ والمسجد الحرام ﴾ قال : الحرم كله، وهو المسجد الحرام ﴿ سَوَاء العاكف فِيهِ والباد ﴾ قال : خلق الله فيه سواء. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : هم في منازل مكة سواء، فينبغي لأهل مكة أن يوسعوا لهم حتى يقضوا مناسكهم. وقال البادي وأهل مكة سواء، يعني : في المنزل والحرم. وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال : من أخذ من أجور بيوت مكة إنما يأكل في بطونه ناراً. وأخرج ابن سعد عن عمر بن الخطاب، أن رجلاً قال له عند المروة : يا أمير المؤمنين، أقطعني مكاناً لي ولعقبي، فأعرض عنه عمر وقال : هو حرم الله، سواء العاكف فيه والباد. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال : كان عمر يمنع أهل مكة أن يجعلوا لها أبواباً حتى ينزل الحاجّ في عرصات الدور. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال السيوطي بإسناد صحيح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله :﴿ سَوَاء العاكف فِيهِ والباد ﴾ قال :«سواء المقيم والذي يدخل». وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :«مكة مباحة لا تؤجر بيوتها ولا تباع رباعها». وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه عن علقمة بن نضلة قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب، من احتاح سكن ومن استغنى أسكن. رواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد بن أبي حفرة عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة فذكره. وأخرج الدارقطني عن ابن عمر مرفوعاً :«من أكل كراء بيوت مكة أكل ناراً». وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن راهويه وأحمد وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود رفعه في قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ قال :«لو أن رجلاً همّ فيه بإلحاد وهو بعدن أبين لأذاقه الله عذاباً أليماً» قال ابن كثير : هذا الإسناد صحيح على شرط البخاري، ووقفه أشبه من رفعه، ولهذا صمم شعبة على وقفه. وأخرج سعيد بن منصور والطبراني عن ابن مسعود في الآية قال : من همّ بخطيئة فلم يعملها في سوى البيت، لم تكتب عليه حتى يعملها، ومن همّ بخطيئة في البيت ؛ لم يمته الله من الدنيا حتى يذيقه من عذاب أليم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أنيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مع رجلين، أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار، فافتخروا في الأنساب، فغضب عبد الله بن أنيس، فقتل الأنصاري، ثم ارتدّ عن الإسلام وهرب إلى مكة، فنزلت فيه ﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ يعني : من لجأ إلى الحرم بإلحاد، يعني بميل عن الإسلام. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ قال : بشرك. وأخرج عبد بن حميد، والبخاري في تاريخه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن يعلى بن أمية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه» وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في تاريخه، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب قال : احتكار الطعام بمكة إلحاد بظلم. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : بيع الطعام بمكة إلحاد. وأخرج البيهقي في الشعب عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«احتكار الطعام بمكة إلحاد». وأخرج ابن جرير، والحاكم وصححه عن عليّ قال : لما أمر إبراهيم ببناء البيت خرج معه إسماعيل وهاجر، فلما قدم مكة رأى على رابية في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرأس، فكلمه فقال : يا إبراهيم، ابْنِ على ظلي أو على قدري ولا تزد ولا تنقص، فلما بنى خرج وخلف إسماعيل وهاجر، وذلك حين يقول الله :﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت ﴾ الآية. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء ﴿ والقائمين ﴾ قال : المصلين عنده. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة معناه. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والبيهقي في السنن عن ابن عباس قال : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال : ربّ، قد فرغت، فقال :﴿ أَذِنَ فِي الناس بالحج ﴾ قال : ربّ، وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن وعليّ البلاغ، قال : ربّ كيف أقول ؟ قال : قل : يا أيها الناس كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق. فسمعه من في السماء والأرض، ألا ترى أنهم يجيئون من أقصى الأرض يلبون. وفي الباب آثار عن جماعة من الصحابة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ ليَشْهَدُوا منافع لَهُمْ ﴾ قال : أسواقاً كانت لهم، ما ذكر الله منافع إلا الدنيا. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : منافع في الدنيا ومنافع في الآخرة، فأما منافع الآخرة فرضوان الله، وأما منافع الدنيا فمما يصيبون من لحوم البدن في ذلك اليوم والذبائح والتجارات. وأخرج أبو بكر المروزي في كتاب العيدين عنه أيضاً قال : الأيام المعلومات : أيام العشر. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الأيام المعلومات : يوم النحر وثلاثة أيام بعده. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : أيام التشريق. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضاً في الأيام المعلومات قال : قبل يوم التروية بيوم، ويوم التروية ويوم عرفة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : البائس : الزمن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر قال : التفث : المناسك كلها. وأخرج هؤلاء عن ابن عباس نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : التفث حلق الرأس والأخذ من العارضين ونتف الإبط وحلق العانة والوقوف بعرفة والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار وقصّ الأظفار وقصّ الشارب والذبح. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه :﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بالبيت العتيق ﴾ هو طواف الزيارة يوم النحر، وورد في وجه تسمية البيت بالعتيق آثار عن جماعة من الصحابة، وقد أشرنا إلى ذلك سابقاً. وورد في فضل الطواف أحاديث ليس هذا موضع ذكرها.
﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ﴾ المراد بالقضاء هنا هو : التأدية، أي ليؤدوا إزالة وسخهم، لأن التفث هو : الوسخ والقذارة من طول الشعر والأظفار، وقد أجمع المفسرون، كما حكاه النيسابوري، على هذا. قال الزجاج : إن أهل اللغة لا يعرفون التفث. وقال أبو عبيدة : لم يأت في الشرع ما يحتجّ به في معنى التفث. وقال المبرّد : أصل التفث في اللغة : كل قاذورة تلحق الإنسان. وقيل : قضاؤه ادّهانه لأن الحاج مغبرّ شعث لم يدهن ولم يستحد، فإذا قضى نسكه وخرج من إحرامه حلق شعره ولبس ثيابه، فهذا هو قضاء التفث. قال الزجاج : كأنه خروج من الإحرام إلى الإحلال ﴿ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ ﴾ أي : ما ينذرون به من البرّ في حجهم، والأمر للوجوب. وقيل : المراد بالنذور هنا أعمال الحج ﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بالبيت العتيق ﴾ هذا الطواف هو طواف الإفاضة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: قال ابن جرير : لا خلاف في ذلك بين المتأوّلين، والعتيق : القديم كما يفيده قوله سبحانه :﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ﴾ [ آل عمران : ٩٦ ] الآية، وقد سمي العتيق لأن الله أعتقه من أن يتسلط عليه جبار. وقيل : لأن الله يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب. وقيل : لأنه أعتق من غرق الطوفان. وقيل : العتيق الكريم.
وقد أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله :﴿ والمسجد الحرام ﴾ قال : الحرم كله، وهو المسجد الحرام ﴿ سَوَاء العاكف فِيهِ والباد ﴾ قال : خلق الله فيه سواء. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : هم في منازل مكة سواء، فينبغي لأهل مكة أن يوسعوا لهم حتى يقضوا مناسكهم. وقال البادي وأهل مكة سواء، يعني : في المنزل والحرم. وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال : من أخذ من أجور بيوت مكة إنما يأكل في بطونه ناراً. وأخرج ابن سعد عن عمر بن الخطاب، أن رجلاً قال له عند المروة : يا أمير المؤمنين، أقطعني مكاناً لي ولعقبي، فأعرض عنه عمر وقال : هو حرم الله، سواء العاكف فيه والباد. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال : كان عمر يمنع أهل مكة أن يجعلوا لها أبواباً حتى ينزل الحاجّ في عرصات الدور. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال السيوطي بإسناد صحيح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله :﴿ سَوَاء العاكف فِيهِ والباد ﴾ قال :«سواء المقيم والذي يدخل». وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :«مكة مباحة لا تؤجر بيوتها ولا تباع رباعها». وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه عن علقمة بن نضلة قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب، من احتاح سكن ومن استغنى أسكن. رواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد بن أبي حفرة عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة فذكره. وأخرج الدارقطني عن ابن عمر مرفوعاً :«من أكل كراء بيوت مكة أكل ناراً». وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن راهويه وأحمد وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود رفعه في قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ قال :«لو أن رجلاً همّ فيه بإلحاد وهو بعدن أبين لأذاقه الله عذاباً أليماً» قال ابن كثير : هذا الإسناد صحيح على شرط البخاري، ووقفه أشبه من رفعه، ولهذا صمم شعبة على وقفه. وأخرج سعيد بن منصور والطبراني عن ابن مسعود في الآية قال : من همّ بخطيئة فلم يعملها في سوى البيت، لم تكتب عليه حتى يعملها، ومن همّ بخطيئة في البيت ؛ لم يمته الله من الدنيا حتى يذيقه من عذاب أليم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أنيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مع رجلين، أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار، فافتخروا في الأنساب، فغضب عبد الله بن أنيس، فقتل الأنصاري، ثم ارتدّ عن الإسلام وهرب إلى مكة، فنزلت فيه ﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ يعني : من لجأ إلى الحرم بإلحاد، يعني بميل عن الإسلام. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ قال : بشرك. وأخرج عبد بن حميد، والبخاري في تاريخه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن يعلى بن أمية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه» وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في تاريخه، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب قال : احتكار الطعام بمكة إلحاد بظلم. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : بيع الطعام بمكة إلحاد. وأخرج البيهقي في الشعب عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«احتكار الطعام بمكة إلحاد». وأخرج ابن جرير، والحاكم وصححه عن عليّ قال : لما أمر إبراهيم ببناء البيت خرج معه إسماعيل وهاجر، فلما قدم مكة رأى على رابية في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرأس، فكلمه فقال : يا إبراهيم، ابْنِ على ظلي أو على قدري ولا تزد ولا تنقص، فلما بنى خرج وخلف إسماعيل وهاجر، وذلك حين يقول الله :﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت ﴾ الآية. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء ﴿ والقائمين ﴾ قال : المصلين عنده. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة معناه. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والبيهقي في السنن عن ابن عباس قال : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال : ربّ، قد فرغت، فقال :﴿ أَذِنَ فِي الناس بالحج ﴾ قال : ربّ، وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن وعليّ البلاغ، قال : ربّ كيف أقول ؟ قال : قل : يا أيها الناس كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق. فسمعه من في السماء والأرض، ألا ترى أنهم يجيئون من أقصى الأرض يلبون. وفي الباب آثار عن جماعة من الصحابة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ ليَشْهَدُوا منافع لَهُمْ ﴾ قال : أسواقاً كانت لهم، ما ذكر الله منافع إلا الدنيا. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : منافع في الدنيا ومنافع في الآخرة، فأما منافع الآخرة فرضوان الله، وأما منافع الدنيا فمما يصيبون من لحوم البدن في ذلك اليوم والذبائح والتجارات. وأخرج أبو بكر المروزي في كتاب العيدين عنه أيضاً قال : الأيام المعلومات : أيام العشر. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الأيام المعلومات : يوم النحر وثلاثة أيام بعده. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : أيام التشريق. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضاً في الأيام المعلومات قال : قبل يوم التروية بيوم، ويوم التروية ويوم عرفة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : البائس : الزمن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر قال : التفث : المناسك كلها. وأخرج هؤلاء عن ابن عباس نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : التفث حلق الرأس والأخذ من العارضين ونتف الإبط وحلق العانة والوقوف بعرفة والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار وقصّ الأظفار وقصّ الشارب والذبح. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه :﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بالبيت العتيق ﴾ هو طواف الزيارة يوم النحر، وورد في وجه تسمية البيت بالعتيق آثار عن جماعة من الصحابة، وقد أشرنا إلى ذلك سابقاً. وورد في فضل الطواف أحاديث ليس هذا موضع ذكرها.
وقد أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله :﴿ والمسجد الحرام ﴾ قال : الحرم كله، وهو المسجد الحرام ﴿ سَوَاء العاكف فِيهِ والباد ﴾ قال : خلق الله فيه سواء. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : هم في منازل مكة سواء، فينبغي لأهل مكة أن يوسعوا لهم حتى يقضوا مناسكهم. وقال البادي وأهل مكة سواء، يعني : في المنزل والحرم. وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال : من أخذ من أجور بيوت مكة إنما يأكل في بطونه ناراً. وأخرج ابن سعد عن عمر بن الخطاب، أن رجلاً قال له عند المروة : يا أمير المؤمنين، أقطعني مكاناً لي ولعقبي، فأعرض عنه عمر وقال : هو حرم الله، سواء العاكف فيه والباد. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال : كان عمر يمنع أهل مكة أن يجعلوا لها أبواباً حتى ينزل الحاجّ في عرصات الدور. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال السيوطي بإسناد صحيح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله :﴿ سَوَاء العاكف فِيهِ والباد ﴾ قال :«سواء المقيم والذي يدخل». وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :«مكة مباحة لا تؤجر بيوتها ولا تباع رباعها». وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه عن علقمة بن نضلة قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب، من احتاح سكن ومن استغنى أسكن. رواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد بن أبي حفرة عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة فذكره. وأخرج الدارقطني عن ابن عمر مرفوعاً :«من أكل كراء بيوت مكة أكل ناراً». وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن راهويه وأحمد وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود رفعه في قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ قال :«لو أن رجلاً همّ فيه بإلحاد وهو بعدن أبين لأذاقه الله عذاباً أليماً» قال ابن كثير : هذا الإسناد صحيح على شرط البخاري، ووقفه أشبه من رفعه، ولهذا صمم شعبة على وقفه. وأخرج سعيد بن منصور والطبراني عن ابن مسعود في الآية قال : من همّ بخطيئة فلم يعملها في سوى البيت، لم تكتب عليه حتى يعملها، ومن همّ بخطيئة في البيت ؛ لم يمته الله من الدنيا حتى يذيقه من عذاب أليم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أنيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مع رجلين، أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار، فافتخروا في الأنساب، فغضب عبد الله بن أنيس، فقتل الأنصاري، ثم ارتدّ عن الإسلام وهرب إلى مكة، فنزلت فيه ﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ يعني : من لجأ إلى الحرم بإلحاد، يعني بميل عن الإسلام. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ قال : بشرك. وأخرج عبد بن حميد، والبخاري في تاريخه، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن يعلى بن أمية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه» وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في تاريخه، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب قال : احتكار الطعام بمكة إلحاد بظلم. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : بيع الطعام بمكة إلحاد. وأخرج البيهقي في الشعب عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«احتكار الطعام بمكة إلحاد». وأخرج ابن جرير، والحاكم وصححه عن عليّ قال : لما أمر إبراهيم ببناء البيت خرج معه إسماعيل وهاجر، فلما قدم مكة رأى على رابية في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرأس، فكلمه فقال : يا إبراهيم، ابْنِ على ظلي أو على قدري ولا تزد ولا تنقص، فلما بنى خرج وخلف إسماعيل وهاجر، وذلك حين يقول الله :﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت ﴾ الآية. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء ﴿ والقائمين ﴾ قال : المصلين عنده. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة معناه. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والبيهقي في السنن عن ابن عباس قال : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال : ربّ، قد فرغت، فقال :﴿ أَذِنَ فِي الناس بالحج ﴾ قال : ربّ، وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن وعليّ البلاغ، قال : ربّ كيف أقول ؟ قال : قل : يا أيها الناس كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق. فسمعه من في السماء والأرض، ألا ترى أنهم يجيئون من أقصى الأرض يلبون. وفي الباب آثار عن جماعة من الصحابة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ ليَشْهَدُوا منافع لَهُمْ ﴾ قال : أسواقاً كانت لهم، ما ذكر الله منافع إلا الدنيا. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : منافع في الدنيا ومنافع في الآخرة، فأما منافع الآخرة فرضوان الله، وأما منافع الدنيا فمما يصيبون من لحوم البدن في ذلك اليوم والذبائح والتجارات. وأخرج أبو بكر المروزي في كتاب العيدين عنه أيضاً قال : الأيام المعلومات : أيام العشر. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال : الأيام المعلومات : يوم النحر وثلاثة أيام بعده. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : أيام التشريق. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضاً في الأيام المعلومات قال : قبل يوم التروية بيوم، ويوم التروية ويوم عرفة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : البائس : الزمن. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر قال : التفث : المناسك كلها. وأخرج هؤلاء عن ابن عباس نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : التفث حلق الرأس والأخذ من العارضين ونتف الإبط وحلق العانة والوقوف بعرفة والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار وقصّ الأظفار وقصّ الشارب والذبح. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه :﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بالبيت العتيق ﴾ هو طواف الزيارة يوم النحر، وورد في وجه تسمية البيت بالعتيق آثار عن جماعة من الصحابة، وقد أشرنا إلى ذلك سابقاً. وورد في فضل الطواف أحاديث ليس هذا موضع ذكرها.
أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ، وَابْنُ مَنِيعٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ قَالَ: رَبِّ قَدْ فَرَغْتُ، فَقَالَ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ قَالَ: رَبِّ وَمَا يُبَلِّغُ صَوْتِي؟ قَالَ: أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ، قَالَ: رَبِّ كَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، فَسَمِعَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَجِيئُونَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْضِ يُلَبُّونَ. وَفِي الْبَابِ آثَارٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ قَالَ: أَسْوَاقًا كَانَتْ لَهُمْ، مَا ذَكَرَ اللَّهُ مَنَافِعَ إِلَّا الدُّنْيَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: مَنَافِعُ فِي الدُّنْيَا وَمَنَافِعُ فِي الْآخِرَةِ، فَأَمَّا مَنَافِعُ الْآخِرَةِ فَرِضْوَانُ اللَّهِ، وَأَمَّا مَنَافِعُ الدُّنْيَا فَمِمَّا يُصِيبُونَ مِنْ لُحُومِ الْبُدْنِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ والذبائح والتجارات. وأخرج أبو بكر المروزي فِي «كِتَابِ الْعِيدَيْنِ» عَنْهُ أَيْضًا قَالَ:
الْأَيَّامُ المعلومات: أيام العشر. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أبي حاتم عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ:
يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ قَالَ: قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ، وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: الْبَائِسُ: الزَّمِنُ «١». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
التَّفَثُ الْمَنَاسِكُ كُلُّهَا. وَأَخْرَجَ هَؤُلَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: التَّفَثُ: حَلْقُ الرَّأْسِ، وَالْأَخْذُ مِنَ الْعَارِضَيْنِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَالذَّبْحُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ: هُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ.
وَوَرَدَ فِي وَجْهِ تَسْمِيَةِ الْبَيْتِ بِالْعَتِيقِ آثَارٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى ذَلِكَ سَابِقًا، وَوَرَدَ فِي فَضْلِ الطَّوَافِ أَحَادِيثُ لَيْسَ هذا موضع ذكرها.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٣٠ الى ٣٥]
ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤)
الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى مَا أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥)
الْأَيَّامُ المعلومات: أيام العشر. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أبي حاتم عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ:
يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ قَالَ: قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ، وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: الْبَائِسُ: الزَّمِنُ «١». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
التَّفَثُ الْمَنَاسِكُ كُلُّهَا. وَأَخْرَجَ هَؤُلَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: التَّفَثُ: حَلْقُ الرَّأْسِ، وَالْأَخْذُ مِنَ الْعَارِضَيْنِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَالذَّبْحُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ: هُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ.
وَوَرَدَ فِي وَجْهِ تَسْمِيَةِ الْبَيْتِ بِالْعَتِيقِ آثَارٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى ذَلِكَ سَابِقًا، وَوَرَدَ فِي فَضْلِ الطَّوَافِ أَحَادِيثُ لَيْسَ هذا موضع ذكرها.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٣٠ الى ٣٥]
ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤)
الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى مَا أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥)
(١). أي: المريض مرضا يطول شفاؤه.
533
مَحَلُّ ذلِكَ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: الْأَمْرُ ذَلِكَ، أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: افْعَلُوا ذَلِكَ، وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ مَا سَبَقَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ يُطْلَقُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ أَوْ بَيْنَ طَرَفَيْ كَلَامٍ وَاحِدٍ، وَالْحُرُمَاتُ: جَمْعُ حُرْمَةٍ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْحُرْمَةُ مَا وَجَبَ الْقِيَامُ بِهِ وَحُرِّمَ التَّفْرِيطُ فِيهِ، وَهِيَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا نُهِيَ عَنْهَا وَمُنِعَ مِنَ الْوُقُوعِ فِيهَا. وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ عُمُومُ كُلِّ حُرْمَةٍ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ كَمَا يفيده اللفظ وإن كانا السَّبَبُ خَاصًّا، وَتَعْظِيمُهَا تَرْكُ مُلَابَسَتِهَا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ أَيْ: فَالتَّعْظِيمُ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ يَعْنِي فِي الْآخِرَةِ مِنَ التَّهَاوُنِ بِشَيْءٍ مِنْهَا. وَقِيلَ: إِنَّ صِيغَةَ التَّفْضِيلِ هُنَا لَا يُرَادُ بها معناه الْحَقِيقِيُّ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ التَّعْظِيمَ خَيْرٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، فَهِيَ عِدَةٌ بِخَيْرٍ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ أَيْ: فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَهِيَ الْمَيْتَةُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ. وَقِيلَ: فِي قَوْلِهِ: إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ «١». فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ الرِّجْسُ: الْقَذَرُ، وَالْوَثَنُ: التِّمْثَالُ، وَأَصْلُهُ مِنْ وَثَنَ الشَّيْءَ، أَيْ: أَقَامَ فِي مَقَامِهِ، وَسُمِّيَ الصَّلِيبُ وَثَنًا لِأَنَّهُ يُنْصَبُ وَيُرْكَزُ فِي مَقَامِهِ، فَلَا يَبْرَحُ عَنْهُ وَالْمُرَادُ اجْتِنَابُ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَسَمَّاهَا رِجْسًا لِأَنَّهَا سَبَبُ الرِّجْسِ، وَهُوَ الْعَذَابُ. وَقِيلَ: جَعَلَهَا سُبْحَانَهُ رِجْسًا حُكْمًا، وَالرِّجْسُ: النَّجَسُ، وَلَيْسَتِ النَّجَاسَةُ وَصْفًا ذَاتِيًّا لَهَا وَلَكِنَّهَا وَصْفٌ شَرْعِيٌّ، فَلَا تَزُولُ إِلَّا بِالْإِيمَانِ، كَمَا أَنَّهَا لَا تَزُولُ النَّجَاسَةُ الْحِسِّيَّةُ إِلَّا بِالْمَاءِ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: «مِنْ» هُنَا لِتَخْلِيصِ جِنْسٍ مِنْ أَجْنَاسٍ، أَيْ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ الَّذِي هُوَ وَثَنٌ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ الَّذِي هُوَ الْبَاطِلُ، وَسُمِّيَ زُورًا لِأَنَّهُ مَائِلٌ عَنِ الْحَقِّ، ومنه قوله تعالى: تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ «٢»، وَقَوْلُهُمْ مَدِينَةٌ زَوْرَاءَ، أَيْ: مَائِلَةٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا قَوْلُ الزُّورِ عَلَى الْعُمُومِ، وَأَعْظَمُهُ الشِّرْكُ بِاللَّهِ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمُرَادُ بِقَوْلِ الزُّورِ هَاهُنَا تَحْلِيلُهُمْ بَعْضَ الْأَنْعَامِ وَتَحْرِيمُهُمْ بَعْضَهَا، وَقَوْلُهُمْ: هَذَا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ «٣»، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ شَهَادَةُ الزُّورِ، وَانْتِصَابُ حُنَفاءَ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: مُسْتَقِيمِينَ عَلَى الْحَقِّ، أَوْ مَائِلِينَ إِلَى الْحَقِّ. وَلَفْظُ حُنَفَاءَ مِنَ الْأَضْدَادِ، يَقَعُ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ، وَيَقَعُ عَلَى الْمَيْلِ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ حُجَّاجًّا، وَلَا وَجْهَ لِهَذَا غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ هُوَ حَالٌ كَالْأَوَّلِ، أَيْ: غَيْرُ مُشْرِكِينَ بِهِ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ كَمَا يُفِيدُهُ الْحَذْفُ مِنَ الْعُمُومِ، وَجُمْلَةُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ مُبْتَدَأَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الْأَمْرِ بِالِاجْتِنَابِ، وَمَعْنَى خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ: سَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ، أَيْ: انْحَطَّ مِنْ رَفِيعِ الْإِيمَانِ إِلَى حَضِيضِ الْكُفْرِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ، يُقَالُ: خَطَفَهُ يَخْطَفُهُ إِذَا سَلَبَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ أَيْ: تَخْطَفُ لَحْمَهُ وَتَقْطَعُهُ بِمَخَالِبِهَا. قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْخَاءِ، وَقُرِئَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالطَّاءِ وَبِكَسْرِ التَّاءِ مَعَ كَسْرِهِمَا أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ أَيْ: تَقْذِفُهُ وَتَرْمِي بِهِ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ أَيْ: بِعِيدٍ، يُقَالُ: سحق يسحق سحقا فهو سحيق إِذَا بَعُدَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّ بُعْدَ مَنْ أَشْرَكَ بِهِ مِنَ الْحَقِّ كَبُعْدِ مَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ، فَتَذْهَبُ بِهِ الطَّيْرُ، أَوْ هَوَتْ بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ بَعِيدٍ ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْإِشَارَةِ قَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَالشَّعَائِرُ: جَمْعُ الشَّعِيرَةِ، وَهِيَ كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى شعار، ومنه شعار القوم في الحرب،
قَالَ الزَّجَّاجُ: «مِنْ» هُنَا لِتَخْلِيصِ جِنْسٍ مِنْ أَجْنَاسٍ، أَيْ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ الَّذِي هُوَ وَثَنٌ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ الَّذِي هُوَ الْبَاطِلُ، وَسُمِّيَ زُورًا لِأَنَّهُ مَائِلٌ عَنِ الْحَقِّ، ومنه قوله تعالى: تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ «٢»، وَقَوْلُهُمْ مَدِينَةٌ زَوْرَاءَ، أَيْ: مَائِلَةٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا قَوْلُ الزُّورِ عَلَى الْعُمُومِ، وَأَعْظَمُهُ الشِّرْكُ بِاللَّهِ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمُرَادُ بِقَوْلِ الزُّورِ هَاهُنَا تَحْلِيلُهُمْ بَعْضَ الْأَنْعَامِ وَتَحْرِيمُهُمْ بَعْضَهَا، وَقَوْلُهُمْ: هَذَا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ «٣»، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ شَهَادَةُ الزُّورِ، وَانْتِصَابُ حُنَفاءَ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: مُسْتَقِيمِينَ عَلَى الْحَقِّ، أَوْ مَائِلِينَ إِلَى الْحَقِّ. وَلَفْظُ حُنَفَاءَ مِنَ الْأَضْدَادِ، يَقَعُ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ، وَيَقَعُ عَلَى الْمَيْلِ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ حُجَّاجًّا، وَلَا وَجْهَ لِهَذَا غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ هُوَ حَالٌ كَالْأَوَّلِ، أَيْ: غَيْرُ مُشْرِكِينَ بِهِ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ كَمَا يُفِيدُهُ الْحَذْفُ مِنَ الْعُمُومِ، وَجُمْلَةُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ مُبْتَدَأَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الْأَمْرِ بِالِاجْتِنَابِ، وَمَعْنَى خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ: سَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ، أَيْ: انْحَطَّ مِنْ رَفِيعِ الْإِيمَانِ إِلَى حَضِيضِ الْكُفْرِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ، يُقَالُ: خَطَفَهُ يَخْطَفُهُ إِذَا سَلَبَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ أَيْ: تَخْطَفُ لَحْمَهُ وَتَقْطَعُهُ بِمَخَالِبِهَا. قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْخَاءِ، وَقُرِئَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالطَّاءِ وَبِكَسْرِ التَّاءِ مَعَ كَسْرِهِمَا أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ أَيْ: تَقْذِفُهُ وَتَرْمِي بِهِ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ أَيْ: بِعِيدٍ، يُقَالُ: سحق يسحق سحقا فهو سحيق إِذَا بَعُدَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّ بُعْدَ مَنْ أَشْرَكَ بِهِ مِنَ الْحَقِّ كَبُعْدِ مَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ، فَتَذْهَبُ بِهِ الطَّيْرُ، أَوْ هَوَتْ بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ بَعِيدٍ ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْإِشَارَةِ قَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَالشَّعَائِرُ: جَمْعُ الشَّعِيرَةِ، وَهِيَ كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى شعار، ومنه شعار القوم في الحرب،
(١). المائدة: ٣.
(٢). الكهف: ١٧. [.....]
(٣). النحل ١١٤.
(٢). الكهف: ١٧. [.....]
(٣). النحل ١١٤.
534
وَهُوَ عَلَامَتُهُمُ الَّتِي يَتَعَارَفُونَ بِهَا، وَمِنْهُ إِشْعَارُ البدنة، وَهُوَ الطَّعْنُ فِي جَانِبِهَا الْأَيْمَنِ، فَشَعَائِرُ اللَّهِ أَعْلَامُ دِينِهِ، وَتَدْخُلُ الْهَدَايَا فِي الْحَجِّ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ رَاجِعٌ إِلَى الشَّعَائِرِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: فَإِنَّ تَعْظِيمَهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ، أَيْ: مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ الَّتِي هِيَ مِنَ التَّقْوَى، فَإِنَّ هَذَا التَّعْظِيمَ نَاشِئٌ مِنَ التَّقْوَى لَكُمْ فِيها مَنافِعُ أَيْ: فِي الشَّعَائِرِ عَلَى الْعُمُومِ، أَوْ عَلَى الْخُصُوصِ، وَهِيَ الْبُدْنُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ. وَمِنْ مَنَافِعِهَا: الرُّكُوبُ وَالدَّرُّ وَالنَّسْلُ وَالصُّوفُ وَغَيْرُ ذَلِكَ. إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَهُوَ وَقْتُ نَحْرِهَا ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ أَيْ: حَيْثُ يَحُلُّ نَحْرُهَا، وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا تَنْتَهِي إِلَى الْبَيْتِ وَمَا يَلِيهِ مِنَ الْحَرَمِ، فَمَنَافِعُهُمُ الدُّنْيَوِيَّةُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْهَا مُسْتَمِرَّةٌ إِلَى وَقْتِ نَحْرِهَا، ثُمَّ تَكُونُ مَنَافِعُهَا بَعْدَ ذَلِكَ دِينِيَّةً. وَقِيلَ: إِنَّ مَحِلَّهَا هَاهُنَا مَأْخُوذٌ مِنْ إِحْلَالِ الْحَرَامِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ شَعَائِرَ الْحَجِّ كُلَّهَا مِنَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالسَّعْيِ تَنْتَهِي إِلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بِالْبَيْتِ، فَالْبَيْتُ عَلَى هَذَا مُرَادٌ بِنَفْسِهِ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً الْمَنْسَكُ هَاهُنَا الْمَصْدَرُ مِنْ نَسَكَ يَنْسَكُ إِذَا ذَبَحَ الْقُرْبَانَ، وَالذَّبِيحَةُ نَسِيكَةٌ، وَجَمْعُهَا نُسُكٌ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَنْسَكِ فِي الْآيَةِ مَوْضِعُ النَّحْرِ، وَيُقَالُ: مَنْسِكٌ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ، قَرَأَ بِالْكَسْرِ الْكُوفِيُّونَ إِلَّا عَاصِمًا، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمَنْسَكُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْمَوْضِعُ الْمُعْتَادُ فِي خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً: أَيْ مَذْهَبًا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ. وَرُوِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ أَنَّ الْمَنْسَكَ الْعِيدُ، وَقِيلَ: الْحَجُّ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ: لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ إِلَى آخِرِهِ، وَالْأُمَّةُ: الْجَمَاعَةُ الْمُجْتَمِعَةُ عَلَى مَذْهَبٍ وَاحِدٍ، وَالْمَعْنَى: وَجَعَلَنَا لِكُلِّ أَهْلِ دِينٍ مِنَ الْأَدْيَانِ ذَبْحًا يَذْبَحُونَهُ وَدَمًا يُرِيقُونَهُ، أَوْ مُتَعَبَّدًا أَوْ طَاعَةً أَوْ عِيدًا أَوْ حَجًّا يَحُجُّونَهُ، لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَيَجْعَلُوا نُسُكَهُمْ خَاصًّا بِهِ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ أَيْ: عَلَى ذَبْحِ مَا رَزَقَهُمْ مِنْهَا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْقُرْبَانَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا، وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الذَّبْحِ الْمَذْكُورِ هُوَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهِ. ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ سُبْحَانَهُ بِتَفَرُّدِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ وَأَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَالْفَاءُ لِتَرْتِيبِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالْإِسْلَامِ لَهُ، وَالِانْقِيَادِ لِطَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَتَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ عَلَى الْفِعْلِ لِلْقَصْرِ، وَالْفَاءُ هُنَا كَالْفَاءِ الَّتِي قَبْلَهَا، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُبَشِّرَ الْمُخْبِتِينَ مِنْ عِبَادِهِ أَيْ: المتواضعين الخاشعين المخلصين، وهو مأخوذ من الخبت، وَهُوَ الْمُنْخَفِضُ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْمَعْنَى: بَشِّرْهُمْ يَا مُحَمَّدُ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنْ جَزِيلِ ثَوَابِهِ وَجَلِيلِ عَطَائِهِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمُخْبِتِينَ هُمُ الذي لَا يَظْلِمُونَ غَيْرَهُمْ وَإِذَا ظَلَمَهُمْ غَيْرُهُمْ لَمْ يَنْتَصِرُوا، ثُمَّ وَصَفَ سُبْحَانَهُ هَؤُلَاءِ الْمُخْبِتِينَ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ أَيْ: خَافَتْ وَحَذَرَتْ مُخَالَفَتُهُ، وَحُصُولُ الْوَجَلِ مِنْهُمْ عِنْدَ الذِّكْرِ لَهُ سُبْحَانَهُ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ يَقِينِهِمْ وَقُوَّةِ إِيمَانِهِمْ، وَوَصَفَهُمْ بِالصَّبْرِ عَلى مَا أَصابَهُمْ مِنَ الْبَلَايَا وَالْمِحَنِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِإِقَامَةِ الصَّلاةِ أَيِ: الْإِتْيَانِ بِهَا فِي أَوْقَاتِهَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ» بِالْجَرِّ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِالنَّصْبِ عَلَى تَوَهُّمِ بَقَاءِ النُّونِ، وأنشد سيبويه على ذلك قول الشاعر:
الحافظو عورة العشيرة «١»
....................
الحافظو عورة العشيرة «١»
....................
(١). البيت بتمامه: