تفسير سورة ص

النهر الماد من البحر المحيط
تفسير سورة سورة ص من كتاب النهر الماد من البحر المحيط .
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺ
﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ ِ* صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ ﴾ الآية هذه السورة مكية بلا خلاف ومناسبتها لآخر ما قبلها أنه لما ذكر عن الكفار أنهم كانوا يقولون لو أن عندنا ذكراً من الأولين لأخلصنا العبادة لله تعالى وأخبر أنهم أتاهم الذكر فكفروا به فبدأ في هذه السورة بالقسم بالقرآن ذي الذكر الذي جاءهم وأخبر عنهم أنهم كافرون به وأنهم في تعزز ومشاقة للرسول الذي جاء به ثم ذكر من أهلك من القرون التي شاقت الرسل ليتعظوا بذلك وروي" أنه لما مرض أبو طالب جاءت قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند رأس أبي طالب مجلس رجل فقام أبو جهل كي يمنعه منه وشكوه إلى أبي طالب فقال يا ابن أخي ما تريد من قومك فقال: يا عم إنما أريد منهم كلمة تذل بها لهم العرب وتؤدي إليهم الجزية بها العجم فقال وما الكلمة قال: كلمة واحدة قال وما هي قال: لا إله إلا الله قال: فقاموا وقالوا: أجعل الآلهة إلۤهاً واحداً قال: فنزل فيهم القرآن ص والقرآن ذي الذكر حتى بلغ ان هذا الا اختلاف "وجواب القسم فيه أقوال ضعيفة ذكرت في البحر وينبغي أن يقدر هنا ما أثبت جواباً للقرآن حين أقسم به وذلك في قوله تعالى﴿ يسۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾[يس: ١-٣] فيكون التقدير هنا ص والقرآن ذي الذكر إنك لمن المرسلين ويقوي هذا التقدير ذكر النذارة هنا في قوله: وعجبوا ان جاءهم منذر منهم فقال هناك لتنذر قوماً فالرسالة تتضمن النذارة والبشارة وبل للانتقال من هذا القسم والمقسم عليه إلى حال يعزز الكفار ومشاقتهم في قبول رسالتك وامثتال ما جئت به واعتراف بالحق وكم خبرية مفعولة بأهلكنا أي كثيراً أهلكنا.﴿ فَنَادَواْ ﴾ أي استغاثوا ونادوا بالتوبة ورفعوا أصواتهم يقال: فلان أبدى صوتاً أرفع وذلك بعد معاينة العذاب فلم يك وقت نفع ولات حين على قول سيبويه عملت عمل ليس واسمها محذوف تقديره ولات الحين حين قوت ولا قرار وعلى قول الأخفش تكون حين إسم لات عملت عمل إن نصبت الإِسم ورفعت الخبر والخبر محذوف تقديره حين مناص لهم أي كائن لهم والمناص المنجا والفوت يقال ناصه ينوصه إذا فاته وقال الفراء: النوص التأخر يقال ناص عن قرينه ينوص نوصاً ومناصاً إذا فر وراغ والضمير في وعجبوا عائد على الكفار أي استغربوا مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنفسهم وعجاب بناء مبالغة كرجل طوال وسراع في طويل وسريع والذي قالوا أجعل الآلهة إلۤهاً واحداً قال ابن عباس صناديد قريش وهم ستة وعشرون رجلاً.﴿ وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ ﴾ الظاهر إنطلاقهم عن مجلس أبي طالب حين اجتمعوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عنده وشكوه على ما تقدّم في سبب النزول ويكون ثم محذوف تقديره يتحاورون.﴿ أَنِ ٱمْشُواْ ﴾ وتكون ان مفسرة لذلك المحذوف وامشوا أمر بالمشي وهو نقل الأقدام عن ذلك المجلس.﴿ وَاْصْبِرُواْ ﴾ أمر بالصبر على الآلهة أي على عبادتها والتمسك بها والإِشارة بقوله:﴿ إِنَّ هَـٰذَا ﴾ ظهور محمد صلى الله عليه وسلم وعلوه بالنبوة.﴿ لَشَيْءٌ يُرَادُ ﴾ أي يراد ﴿ مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا ﴾ أي بتوحيد المعبود وهو الله تعالى مثل الانقياد إليه أو يريده الله تعالى ويحكم بإِمضائه فليس فيه إلا الصبر.﴿ فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ ﴾ قال ابن عباس: ملة النصارى لأن فيها التثليث ولا توحد.﴿ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ ﴾ أي افتعال وكذب.﴿ أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا ﴾ أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم وينزل عليه الكتاب من بينهم وهذا الإِنكار هو ناشىء عن حسد عظيم انطوت عليه صدورهم ونطقت به ألسنتهم.﴿ بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي ﴾ أي من القرآن الذي أنزلته على رسولي يرتابون فيه والأخبار بأنهم في شك يقتضي كذبهم في قولهم إن هذا إلا اختلاف.﴿ بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ ﴾ أي بعد فإِذا ذاقوه عرفوا أن ما جاء به حق وزال عنهم الشك ونفى الذوق بلما وهي تقتضي النفي إلى زمان الأخبار وعذابي مضاف لياء المتكلم وحذفت وتحذف كثيراً في الفواصل كقوله: أهانن وأكرمن.﴿ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ﴾ أي ليسوا متصرفين في خزائن الرحمة فيعطوا ما شاؤا لمن شاؤا ويمنعوا من شاؤا ويصطفوا للرسالة من أرادوا وإنما يملكها ويتصرف فيها.﴿ ٱلْعَزِيزِ ﴾ الذي لا يغالب.﴿ ٱلْوَهَّابِ ﴾ ما شاء لما استفهم استفهام إنكار في قوله أم عندهم خزائن رحمة ربك وكان ذلك دليلاً على انتفاء تصرفهم في خزائن رحمة الله تعالى أتى الإِنكار والتوبيخ بانتفاء ما هو أعم فقال:﴿ أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ أي ليس لهم شىء من ذلك.﴿ فَلْيَرْتَقُواْ ﴾ أي ألهم شىء من ذلك فليصعدوا.﴿ فِى ٱلأَسْبَابِ ﴾ الموصلة إلى السماء والمعارج التي يتوصل بها إلى تدبير العالم فيضعون الرسالة فيمن اختاروا ثم صغرهم وحقرهم وأخبر بما يؤول إليه أمرهم من الهزيمة والخيبة فقال:﴿ جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ ﴾ قيل ما زائدة ويجوز أن تكون صفة أريد به التعظيم على سبيل الهزء بهم أو التحقير لأن ما الصفة تشتمل على هذين المعنيين وهنالك ظرف مكان يشار به للبعيد والظاهر أنه يشار به للمكان الذي تفاوضوا فيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك الكلمات السابقة وهو مكة فيكون ذلك إخباراً بالغيب عن هزيمتهم بمكة وهو يوم الفتح فالمعنى أنهم يصيرون مهزومين بمكة يوم الفتح وذوا الأوتاد أي صاحب الأوتاد وأصله من ثبات البيت المطنب بأوتاده. قال الأفوه الأودي: والبيت لا يبنى إلا على عمد   ولا عماداً إذا لم ترس أوتادفاستعير لثبات العز والملك واستقامة الأمر.﴿ وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ﴾ أي ما ينظر هؤلاء إشارة إلى كفار قريش ومن جرى مجراهم والصيحة ما نالهم من قتل وأسر وغلبة كما تقول صاح فيهم الدهر. والفواق بضم الفاء وفتحها الزمان الذي ما بين حلبتي الحالب ورضعتي الراضع والمعنى من زمان يسير قدر ما بين الحلبتين يستريحون فيه من العذاب.﴿ عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا ﴾ قال أبو عبيدة والكسائي القط الكتاب بالجوائزة. وقال ابن عباس قطنا نصيبنا من الجنة لنتنعم به في الدنيا ومعنى قبل يوم الحساب أي الذي تزعمون أنه واقع في العالم إذ هم كفرة لا يؤمنون بالبعث ولما كانت مقالتهم تقتضي الاستخفاف أمر تعالى نبيه عليه السلام بالصبر على أذاهم وذكر قصصاً للأنبياء عليهم السلام داود وسليمان وأيوب وغيرهم وما عرض لهم فصبروا حتى فرج الله عنهم وصارت عاقبتهم أحسن عاقبة فكذلك أنت تصبر ويؤول أمرك إلى أحسن مآل.﴿ ذَا ٱلأَيْدِ ﴾ أي ذا القوة في الدين والشرع وفي ذلك تأنيس له صلى الله عليه وسلم بالظفر بأعدائه كما أظفر داود بالأعداء وقتل جالوت. والأواب الرجاع إلى طاعة الله تعالى. والاشراق مصدر أشرق أي صفت وأضاءت وشرقت بمعنى طلعت.﴿ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ ﴾ تقدم الكلام عليه.﴿ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ ﴾ قال ابن عباس القضاء بين الناس بالحق وإصابته وفهمه.﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ ﴾ مجيء مثل هذا الاستفهام إنما يكون لغرابة ما يجيء معه من القصص كقوله:﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ ﴾[طه: ٩] فيتهيأ المخاطب بهذا الاستفهام لما يأتي بعده ويصغي لذلك والخصم مصدر ينطلق على الواحد والجمع.﴿ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ ﴾ روي أن الله تعالى بعث إليه ملكين في صورة إنسانين وطلبا أن يدخلا عليه فوجداه في يوم عبادته فمنعهما الحراس فتسوروا عليه المحراب فلم يشعر إلا وهما بين يديه جالسان تسور الحائط والسور وتسنمه والبعير علا أعلاه قال ابن عباس: كان عليه السلام جزأ أيامه أربعة أجزاء يوماً للعبادة ويوماً للقضاء ويوماً للاشتغال بخواص أمره ويوماً لجميع بني إسرائيل فيعظهم ويبكيهم فجاؤوه في غير يوم القضاء ففزع منهم لأنهم نزلوا عليه من فوق وفي يوم الاحتجاب والحرس حول لا يتركون من يدخل عليه فخاف أن يؤذوه ذلك ليلاً وكان كل واحد منهما آخذاً برأس صاحبه ولما أدركوا منه الفزع.﴿ قَالُواْ لاَ تَخَفْ ﴾ أي لسنا ممن جاء إلا لأجل التحاكم.﴿ خَصْمَانِ ﴾ يحتمل أن يكون هذا موصولاً بقولهما لا تخف بادراً بأخبار ما جاآ إليه ويحتمل أن يكون سألهم ما أمركم فقالوا خصمان أي نحن خصمان.﴿ بَغَىٰ ﴾ أي جار بعضنا على بعض كما قال الشاعر: ولكن الفتى حمل بن بدر   بغي والبغي مرتعه وخيموفي أمرهما له ونهيهما له بعض فظاظة على الحكم حمل على ذلك ما هما فيه من التخاصم والتشاجر فاستدعيا عدله من غير ارتياب بأنه يحكم بالعدل.﴿ وَلاَ تُشْطِطْ ﴾ من أشط رباعياً وسواء الصراط وسط طريق الحق لا ميل فيه من هنا ولا هنا والظاهر أنهم كانوا جماعة فلذلك أتى بضمير الجمع فإِن كان المتحاكمان اثنين فيكون قد جاء معهما غيرهما على جهة المعاضدة والمؤانسة وأخي بدل والأخوة هنا مستعارة إذ هما ملكان لما ظهرا في صورة إنسانين تكلما بالأخوة ومجازها أنها أخوة في الدين والإِيمان.﴿ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ﴾ وكني بالنعجة عن الزوجة والعرب تذكر ذلك كثيراً في شعرها قال: أغادي الصبوح عند هر وفرتنا   وليداً وهل أفنى شبابي سوى هيهما نعجتان من نعاج تبالة   لدى جؤذرين أو كبعض دمى هكرهو علم لامرأة وفرتنا كذلك وتبالة مكان فيه النعاج الحسان ودمى جميع دمية وهي صور الرخام وهكر موضع فيه هذه الصور.﴿ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا ﴾ أي ردّها في كفالتي وقال ابن كيسان اجعلها كفلى أي نصيبي وكفل يتعدى لواحد ولاثنين بالتضعيف والهمزة فمن التضعيف قراءة من قرأ وكفلها زكريا بالتشديد ونصب زكريا وبالهمزة كقوله: أكفلنيها فالنون للوقاية والياء المفعول الأول وها المفعول الثاني والفصيح إتصاله ولو كان في غير القرآن لجاز أن يجيء منفصلاً فكان يكون أكفلني إياها والأحسن الإِتصال.﴿ وَعَزَّنِي ﴾ أي غلبني ومضارعه يعز بضم العين وروي أن داود عليه السلام لما سمع كلام الشاكي قال للآخر: ما تقول فأقر فقال له لئن لم ترجع إلى الحق لأكسرن الذي فيه عيناك وقال الثاني: لقد ظلمك فتبسما عند ذلك وذهبا ولم يرهما لحينه. وسؤال مصدر أضيف إلى المفعول وهو على حذف مضاف والتقدير بسؤال ضم نعجتك إلى نعاجه.﴿ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ ﴾ الظاهر أنه من كلام داود عليه السلام والخلطاء جمع خليط وهو الرفيف قال الشاعر: ان الخليط أجد البين فانفرقا   وعلق القلب من أسماء ما علقا﴿ وَقَلِيلٌ ﴾ خبر مقدّم وما زائدة تفيد معنى التعظيم والتعجيب وهم مبتدأ.﴿ وَظَنَّ دَاوُودُ ﴾ لما كان الظن الغالب يقارب العلم استعير له ومعناه وعلم داود وأيقن أنا ابتليناه بمحاكمة الخصمين.﴿ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً ﴾ حال والخرور الهوى إلى الأرض فإِما أنه عبر بالركوع عن السجود وإما أنه ذكر أول أحوال الخرور أي راكعاً ليسجد وخر ساجداً ورجع إلى الله تعالى وأنه تعالى غفر له ذلك الظن ولذلك أشار بقوله:﴿ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ ﴾ ولم يتقدم سوى قوله: وظن داود إنما فتناه.﴿ يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ ﴾ الآية فيضلك منصوب بإِضمار ان بعد الفاء في جواب النهي والفاعل في فيضلك ضمير الهوى أو ضمير المصدر المفهوم من قوله ولا تتبع بما نسوا ما مصدرية تقديره بنسيانهم ثم ذكر ما بين المؤمن عامل الصالحات والمفسد من التباين وأنهما ليساسيين وقابل الصلاح بالفساد والتقوى بالفجور والاستفهام بأم في الموضعي استفهام إنكار والمعنى أنه لا يستوي عند الله من أصلح ومن أفسد ولا من أتقى ومن فجر ولما انتفت التسوية بين ما تصلح به لمتبعه السعادة الأبدية وهو كتاب الله فقال: كتاب أنزلناه. وارتفاعه على إضمار مبتدأ أي هذا كتاب وقرىء: مباركاً على الحال اللازمة لأن البركة لا تفارقه واللام في ليدبر ولام كي وأسند التدبر إلى الجميع وهو التفكر في الآيات والتأمل الذي يفضي بصاحبه إلى النظر في عواقب الأشياء وأسند التذكر إلى أولي العقول لأن ذا العقل ما يهديه إلى الحق وهو عقله فلا يحتاج إلا إلى ما يذكره فيتذكر.﴿ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ ﴾ المخصوص بالمدح محذوف تقديره نعم العبد هو أي سليمان عليه السلام.﴿ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ﴾ قال الجمهور عرضت عليه الخيل تركها أبوه له فأجريت بين يديه عشياً فتشاغل بحسنها وجريها ومحبتها عن ذكر له فقال: ردوها علي فطفق يضرب أعناقها وعراقيبها بالسيف لما كانت سبب الذهول عن ذلك الذكر فأبدله الله تعالى أسرع منها الريح والصافن من الخيل الذي يرفع إحدى يديه ويقف على طرف سنبكه وقد يفعل ذلك برجله وهي علامة الفراهة. وأنشد الزجاج: ألف الصفون فلا يزال كأنه   مما يقر على الثلاث كسيراوقال أبو عبيدة الصافن الذي يجمع يديه ويسويهما وأما الذي يقف على طرف السنبك فهو المتخيم والجياد جمع جواد وهو الفرس وانتصب حب الخير على أنه مفعول به لتضمن أحببت معنى آثرت والظاهر أن الضمير في توارث للشمس وإن لم يجر لها ذكر لدلالة العشي عليها وحتى غاية لما قبلها فالمعنى داومت حب الخير ذاهلاً عن ذكر ربي وطفق من أفعال المقاربة للشروع في الفعل وحذف خبرها لدلالة المصدر عليه أي فطفق يمسح مسحاً يمسح اعرافها وسوقها محبة لها وقال ابن عباس: مسحة بالسوق والأعناق لم يكن بالسيف بل بيديه تكريماً لها ومحبة والباء في وبالسوق زائدة في قوله: فامسحوا برؤوسكم وحكى سيبويه مسحت برأسه ورأسه بمعنى واحد وقرىء: بالسوق على وزن فعل وهو جمع ساق وقرىء: بهمزة بعدها واد بالسؤوق على وزن فعول.﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا ﴾ أي ابتلينا.﴿ سُلَيْمَانَ ﴾ ذكر المفسرون أشياء لا يصح نقلها وأقرب ما قيل فيه أن المراد بالفتنة كونه لم يستثن في الحديث الذي قال فيه" لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل ان شاء الله فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة واحدة وجاءت بشق رجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون "والمراد بقوله: ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً هو هذا والجسد الملقى هو المولود شق رجل.﴿ ثُمَّ أَنَابَ ﴾ أي بعد امتحاننا إياه دوام الإِنابة والرجوع.﴿ قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي ﴾ هذا دأب الأنبياء والصالحين من طلب المغفرة من الله تعالى هضماً للنفس وإظهاراً للذلة والخشوع وطلباً للترقي في المقامات والظاهر أنه طلب ملكاً زائد على الممالك زيادة خارقة للعادة بالغة حد الإِعجاز ليكون ذلك دليلاً على نبوته عليه السلام ولما بالغ في صفة هذا الملك الذي طلبه أتى في صفته تعالى باللفظ الدال على المبالغة فقال:﴿ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ ﴾ أي الكثير الهبات لا تتعاظم عنده هبة ولما طلب الهبة التي اختص بها وهبه تعالى وأعطاه ما ذكر من قوله:﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي ﴾ جملة حالية أي جارية.﴿ رُخَآءً ﴾ أي لينة مشتقة من الرخاوة حيث أصاب أي حيث قصد وأراد.﴿ وَٱلشَّيَاطِينَ ﴾ معطوف على الريح وكل بناء وغواص بدل وأتى ببنية المبالغة كما قال يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل الآية وقال النابغة: إلا سليمان إذ قال إلاله له   قم في البرية فاحددها عن الفند   وجيش الجن أنى قد أذنت لهميبنون تدمر بالصفاح والعمد   والمعطوف على العام عام فالتقدير وكل غواص أي في البحر يستخرجون له الحلية وهو أول من استخرج الدر.﴿ وَآخَرِينَ ﴾ عطف على كل فهو داخل في البدل إذ هو بدل كل من كل بدل التفصيل أي من الجن وهم المردة أي سخرهم له حتى قرنهم في الأصفاد لكفرهم وقال النابغة في ذلك: فمن أطاعك فأنفعه بطاعته   كما أطاعك وادْلُلْهُ على الرشدومن عصاك فعاقبه معاقبة   تنهى الظلوم ولا تقعد على ضمدومقرنين تقدم الكلام عليه في سورة إبراهيم.﴿ هَـٰذَا عَطَآؤُنَا ﴾ إشارة لما أعطاه الله تعالى من الملك الضخم وتسخير الإِنس والجن والطير وأمره بأن يمن على من يشاء ويمسك على من يشاء وقفه على قدر النعمة ثم أباح له التصرف فيها بمشيئته وهو تعالى قد علم أنه لا يتصرف إلا بطاعة الله تعالى وبغير حساب في موضع الحال من عطاؤنا تقديره كائناً بغير حساب.﴿ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ ﴾ الآية، وأيوب عطف بيان أو بدل من عبدنا. النصب والنصب كالرشد والرشد وهو التعب والمشقة والعذاب الألم والظاهر أنه تعالى ابتلى أيوب عليه السلام في جسده وأهله وماله على ما روي في الأخبار وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم" أن أيوب عليه السلام بقي في محنته ثماني عشرة سنة "ولم يبين لنا تعالى السبب المقتضى لعلته وأما إسناده المس إلى الشيطان فسبب ذلك أنه كان يعوده ثلاثة من المؤمنين فارتد أحدهم فسأل عنه فقيل ألقي إليه الشيطان أن الله تعالى لا يبتلي الأنبياء والصالحين فحينئذٍ قال مسني الشيطان نزل عليه السلام لشفقته على المؤمنين مس الشيطان ذلك المؤمن حتى ارتد منزلة مسه لنفسه لأن المؤمن الخير يتألم برجوع المؤمن الخير إلى الكفر وفي الكلام حذف تقديره فاستجبنا له وقلنا له اركض برجلك فركض فنبعت عين فقلنا له هذا مغتسل بارد وشراب فيه شفاؤك فاغتسل فبرأ ووهبنا له ويدل على هذه المحذوفات معنى الكلام وسياقه.﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ ﴾ قيل وهبه من كان حياً منهم وعافاه من الأسقام وأرغد لهم العيش فتناسلوا حتى تضاعف عددهم وصار مثلهم ورحمة وذكرى مفعولان لهما أي أن الهبة كانت لرحمتنا إياه وليتذكر أرباب العقول ما يحصل للصابر من الخير وما يؤول إليه من الأجر وفي الكلام حذف تقديره وكان حلف ليضربنَّ امرأته مائة ضربة لسبب جرى منها وكانت محسنة له فجعلنا له خلاصاً من يمينه بقولنا وخذ بيدك ضغثاً قال ابن عباس الضغط عثكال النخل ومحصول أقوالهم هو ان الشيطان تمثل لها في صورة ناصح أو مداو وعرض لها بشفاء أيوب على يديه على شرط لا يمكن وقوعه فذكرت ذلك له فعلم أن الذي عرض لها هو الشيطان وغضب لعرضها ذلك عليه فحلف فحلل الله تعالى يمينه بأهون شىء عليه وعليها لحسن خدمتها إياه ورضاه عنها وقرىء عبادنا وعبدنا.﴿ أُوْلِي ٱلأَيْدِي ﴾ لما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت فقيل في كل عمل هذا مما عملت أيديهم والأبصار عبارة عن البصائر التي يبصرون بها الحقائق وينظرون بنور الله تعالى.﴿ إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ ﴾ أي جعلناهم لنا خالصين وقرىء بخالصة بالتنوين وبغير تنوين على الإِضافة والدار دار الآخرة.
﴿ هَـٰذَا ذِكْرٌ ﴾ الآية، لما كان ما ذكر نوعاً من أنواع التنزيل قال: هذا ذكر كأنه فصل بين ما قبله وما بعده ألا ترى أنه لما ذكر أهل الجنة وأعقبه بذكر أهل النار قال: هذا وإن للطاغين وقال الزمخشري: جنات معرفة لقوله:﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾[مريم: ٦١] وانتصابها على أنها عطف بيان لحسن مآب ومفتحة حال والعامل فيها ما في المتقين من معنى الفعل وفي مفتحة ضمير الجنات والأبواب بدل من الضمير تقديره مفتحة هي الأبواب كقولهم: ضرب زيد اليد والرجل وهو من بدل الاشتمال " انتهى ". ولا يتعين أن يكون جنات عدن التي معرفة بالدليل الذي استدل به وهو قوله: جنات عدن لأنه اعتقد أن التي صفة لجنات عدن ولا يتعين ما ذكره إذ يجوز أن يكون التي بدلاً من جنات عدن ألا ترى أن الذي والتي وجموعهما تستعمل استعمال الأسماء فتلي العوامل فلا يلزم أن تكون صفة وأما انتصابها على أنها عطف بيان فلا يجوز لأن النحويين في ذلك على مذهبين أحدهما أن ذلك لا يكون إلا في المعارف فلا يكون عطف البيان إلا تابعاً لمعرفة وهو مذهب البصريين والثاني أنه يجوز أن يكون في النكرات فيكون عطف البيان تابعاً لنكرة كما تكون المعرفة فيه تابعة لمعرفة وهذا مذهب الكوفيين وتبعهم الفارسي وأما تخالفهما في التنكير والتعريف فلم يذهب إليه أحد سوى هذا المصنف وقد أجاز ذلك في قوله تعالى:﴿ مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ ﴾[البقرة: ١٢٥] فاعربه عطف بيان تابعاً لنكرة وهو آياته بينات ومقام إبراهيم معرفة وقد رددنا عليه ذلك في موضعه في آل عمران وأما قوله: وهي مفتحة ضمير الجنات فجمهور النحويين أعربوا الأبواب مفعولاً لم يسم فاعله مرفوعاً بمفتحة وجاء أبو علي فقال: إذا كان ذلك لم يكن في ذلك ضمير يعود على جنات عدن من الحال أن أعرب مفتحة حال أو من النعت ان اعرب نعتاً لجنات عدن فقال في مفتحة ضمير يعود على الجنات حتى يرتبط المال بصاحبها أو النعت بمنعوته والأبواب بذل وقال من أعرب الأبواب مفعولاً لا لم يسم فاعله العائد على الجنات محذوف تقديره الأبواب منها والزم أبو علي أن البدل في مثل هذا لا بد فيه من الضمير إما ملفوظاً به أو مقدراً وإذا كان الكلام عليه محتاجاً إلى تقدير واحد كان أولى مما يحتاج إلى تقديرين وأما الكوفيون فالرابط عندهم هوال لقيامه مقام الضمير فكأنه قال مفتحة لهم أبوابها وأما قوله وهو بدل الاشتمال فإِن عنى بقوله: وهو قوله اليد والرجل فهو وهم وإنما هو بدل بعض من كل وإن عنى الأبواب فقد يصح لأن أبواب الجنات ليست بعضاً من الجنات وأما تشبيهه ما قدره من قوله: مفتحة هي الأبوب بقولهم: ضرب زيد اليد والرجل فوجهه أن الأبواب بدل من ذلك الضمير المستكن كما أن إليه والرجل بدل من الظاهر الذي هو زيد أبو إسحاق وتبعه ابن عطية مفتحة نعت لجنات عدن وقال الحوفي: مفتحة حال والعامل فيها محذوف بدل عليه المعنى تقديره يدخلونها.﴿ أَتْرَابٌ ﴾ أي أمثال على سن واحد هذا مبتدأ وحميم خبره وفليذوقوه جملة اعتراض وقرىء: وغساق بتخفيف السين وتشديدها فإِن كانت صفة فتكون مما حذف موصوفها وإن كانت إسماً ففعال قليل في الأسماء كالفناد وهو ذكر اليوم وقرىء وآخر على الأفراد وآخر على الجمع. و ﴿ مِن شَكْلِهِ ﴾ أي من شكل العذاب.﴿ أَزْوَاجٌ ﴾ أي أصناف والظاهر أن قوله هذا فوج مقتحم معكم من قول رؤسائهم بعضهم لبعض والفوج الجمع الكثير.﴿ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ ﴾ أي في النار وهم الأتباع ثم دعوا عليهم بقولهم لا مرحباً بهم لأن الرئيس إذا رأى الخسيس قد قرن معه في العذاب ساءه ذلك حيث وقع التساوي في العذاب ولم يكن هو السالم من العذاب واتباعه من العذاب ومرحباً معناه أتيت رحباً وسعة لا ضيقاً.﴿ قَالُواْ ﴾ أي الفوج.﴿ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ ﴾ ردّ على الرؤساء فدعوا عليهم به ثم ذكروا أن ما وقعوا فيه من العذاب وصلي النار إنما هو بما ألقيتم إلينا وزينتموه من الكفر فكأنكم قدّمتم لنا العذاب والصلي.﴿ وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً ﴾ الآية، روي أن القائلين من كفار عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وهم أبو جهل وأمية بن خلف وأصحاب القليب والذين لم يروهم عمار وصهيب وسلمان ومن جرى مجراهم وقرىء اتخذناهم بهمزة الاستفهام لتقرير أنفسهم على هذا على جهة التوبيخ لها والأسف أي اتخذناهم سخرياً وقرىء: بوصل الهمزة على أنه خبر ثم اضربوا عن هذا واستفهموا فقالوا بل أزاغت عنهم أبصارنا وهم فيها فنفوا أولاً ما يدل على كونهم ليسوا معهم ثم جوزوا أن يكونوا معهم ولكن أبصارهم لم ترهم.﴿ إِنَّ ذَلِكَ ﴾ أي التفاوض الذي حكيناه عنهم.﴿ لَحَقٌّ ﴾ أي ثابت واقع لا بد أن يجري بينهم وتخاصم بدل من لحق.﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ ﴾ أي قل يا محمد إنما أنا منذر المشركين بعذاب الله وأنه لا إله إلا الله لا ند له ولا شريك له وهو﴿ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ ﴾ لكل شىء وأنه مالك العالم علوه وسفله.﴿ ٱلْعَزِيزُ ﴾ الذي لا يغالب.﴿ ٱلْغَفَّارُ ﴾ لمن تاب وآمن به واتبع دينه.﴿ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ﴾ وهو ما قصه الله تعالى من مناظرة أهل النار ومقاولات الاتباع مع السادات لأنه من أحوال البعث وقريش كانت تنكر البعث والحساب والعقاب وهم يعرضون عن ذلك.﴿ مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ ﴾ أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقول ما كان لي من علم باختصام الملأ الأعلى واختصامهم هو في آدم وذريته في جعلهم في الأرض ثم قال:﴿ إِن يُوحَىٰ إِلَيَّ ﴾ إلخ فنفى أن يكون علم ذلك في غير جهة الوحي الإِلهي.﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ ﴾ تقدم الكلام عليه والبشر هو آدم عليه السلام وذكر هنا أنه خلقه من طين وفي آل عمران من تراب وفي الحجر من صلصال وفي الأنبياء من عجل ولا منافاة ذكر المادة البعيدة وهو التراب ثم ما يليه وهو الطين ثم ما يليه وهو الحمأ المسنون ثم المادة الأخيرة تلي الحمأ وهو الصلصال والاستثناء في جميع هذه الأيات يدل على أنه لم يسجد فتارة أكد بالنفي المحض وتارة ذكر إبايته عن السجود وهي الإِنفة من ذلك وتارة نص على أن ذلك الامتناع كان سببه الاستكبار.﴿ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ ﴾ أي ممن علوت وفقت فأجاب بأنه من العالين حيث قال: أنا خير منه قال ابن عطية: وذكر كثير من النحويين أن أم لا تكون معادلة للألف مع اختلاف الفعلين وإنما تكون معادلة إذا دخلتا على فعل واحد كقولك أزيد قام أم عمرو وقولك أقام زيد أم عمرو فإِذا اختلف الفعلان كهذه الآية فليست معادلة ومعنى الآية أحدث لك الاستكبار الآن أم كنت قديماً ممن لا يليق أن يكلف مثل هذا لعلو مكانك وهذا على جهة التوبيخ " انتهى ". هذا الذي ذكره عن كثير من النحويين مذهب غير صحيح قال سيبويه: وتقول أضربت زيداً أم قتلته فالبدء هنا بالفعل أحسن لأنك إنما تسأل عن أحدهما لا تدري أيها كان ولا تسأل عن موضع أحدهما كأنك قلت أي ذلك كان " انتهى " فعادل بأم الألف مع اختلاف الفعلين.﴿ قَالَ فَٱلْحَقُّ ﴾ قرىء بالنصب وبالرفع وهو قسم جوابه لأملأن.﴿ وَٱلْحَقَّ أَقُولُ ﴾ جملة اعتراض بين القسم وجوابه والمعنى وأقول الحق وإذا رفعنا فالحق مبتدأ خبره محذوف تقديره فالحق يميني وإذا نصبنا فعلى إسقاط حرف الجر تقديره أقسم بالحق قال ابن عطية: أما الأول فرفع على الابتداء وخبره في قوله: لأملأن لأن المعنى ان املأ " انتهى ". هذا ليس بشىء لأن لأملأن جواب قسم ويجب أن يكون جملة فلا يتقدر بمفرد وأيضاً ليس مصدراً مقدراً بحرف مصدري والفعل حتى ينحل إليهما ولكنه لما صح له إسناد ما قدر إلى المبتدأ حكم أنه خبر عنه ومنهم بدل من في قوله من تبعك وأجمعين تأكيد للمتبع عليه أي على القرآن.﴿ وَمَآ أَنَآ مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ أي المتصنعين المتحلين بما ليسوا من أهله.﴿ إِنْ هُوَ ﴾ أي القرآن إلا ذكر أي من الله تعالى للعالين الثقلين الإِنس والجن.﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ ﴾ أي عاقبة خبره وما نرتب عليه لمن آمن به ومن أعرض عنه.﴿ بَعْدَ حِينِ ﴾ قال ابن عباس هو يوم القيامة.
Icon