تفسير سورة الفتح

تفسير الإمام مالك
تفسير سورة سورة الفتح من كتاب تفسير الإمام مالك .
لمؤلفه مالك بن أنس . المتوفي سنة 179 هـ

الآية الأولى : قوله تعالى :﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ﴾ [ الفتح : ١ ].
٨٣٥- ابن كثير : قال الإمام أحمد حدثنا نوح حدثنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قال : فسألته عن شيء ثلاث مرات فلم يرد علي، قال : فقلت في نفسي ثكلتك أمك يا ابن الخطاب ألححت كررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فلم يرد عليك ؟ قال فركبت راحلتي فحركت بعيري فتقدمت مخافة أن يكون نزل في شيء قال : فإذا أنا بمناد يا عمر قال : فرجعت وأنا أظن أنه نزل في شيء قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نزل علي البارحة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها :﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا* ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ﴾ [ الفتح١-٢ ]. ١
١ - تفسير القرآن العظيم: ٤/١٨٣..
الآية الثانية : قوله تعالى :﴿ ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ﴾ [ الفتح : ٤ ].
٨٣٦- القاضي عياض : قال غير واحد : سمعت مالكا يقول : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وبعضه أفضل من بعض. قال : والله في السماء وعلمه في كل مكان. ١
قال ابن القاسم : كان مالك يقول : الإيمان يزيد، وتوقف عن النقصان، وقال : ذكر الله زيادته في غير موضع، فدع الكلام في نقصانه وكف عنه.
١ - المدارك: ٢/٤٢-٤٣، يراجع الحديث رقم ٣٩٤. وينظر: فتاوي ابن تيمية: ١٣/٥٠-٥١، وروح المعاني: م٩ ج٢٦/٩٢.
قال محمد أبو زهرة معقبا على قول مالك: "ونرى من هذا أنه – يعني مالكا- كان في دراسته لحقيقة الإيمان وزيادته ونقصانه الرجل النقلي الذي يقف عند المنقول، ولا يسير وراء العقل في متاهات يضل سالكها فليس العلم عنده لشهوة العقل، ولكن الواجب الدين والعمل" مالك حياته وعصره آراؤه وفقهه: ١٥٤- ١٥٥..

الآية الثالثة : قوله تعالى :﴿ وتعزروه وتوقروه ﴾ [ الفتح : ٩ ].
٨٣٧- ابن العربي : قال المخزومي : سمعت مالكا يقول : تعزروه تنصروه. ١
١ - القبس: ٣/١٠٨١ كتاب التفسير. وأضاف ابن العربي قائلا: "قال أبو إسحاق الزجاج وغيره من أهل اللغة أصل التعزير الردع حيث ما وقع ومنه تعزير الأدب لأنه ردع له وردع أن يعود لمثل ذلك الفعل فمعنى تعزروه في رسول الله تردون عنه كل أذى وهذا هو معنى تنصروه والله أعلم..
الآية الرابعة : قوله تعالى :﴿ يد الله فوق أيديهم ﴾ [ الفتح : ١٠ ].
٨٣٨- ابن العربي : قال ابن القاسم، قال مالك : لا يحد ولا يشبه. ١
قال ابن وهب : سمعت مالكا يقول : من قرأ :﴿ يد الله ﴾ وأشار إلى يده. وقرأ ﴿ عين الله ﴾ وأشار إلى ذلك العضو منه، يقطع تغليظا عليه في تقديس الله تعالى وتنزيهه عما أشبه إليه، وشبهه بنفسه فتعدم نفسه وجارحته التي شبهها بالله.
١ - أحكام القرآن لابن العربي: ٤/١٧٤٠- وأضاف ابن العربي قائلا: "وهذه غاية في التوحيد لم يسبق إليها مالكا موحد"..
الآية الخامسة : قوله تعالى :﴿ لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ﴾ [ الفتح : ٢٥ ].
٨٣٩- ابن العربي : قال ابن القاسم : سمعت مالكا- وسئل عن قوم من المشركين يرمون في مراكبهم أخذوا أسارى من المسلمين وأدركهم أهل الإسلام فأرادوا أن يحرقوهم ومراكبهم بالنار ومعهم الأسارى في مراكبهم، قال فقال مالك : لا أرى ذلك، لقوله تعالى لأهل مكة :﴿ لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ﴾. ١
٨٤٠- القرطبي : قال مالك : هذا ينطلق على مثل الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، وأبي جندل بن سهيل. ٢
١ -أحكام القرآن لابن العربي: ٤/ ١٧٠٧، ينظر: أحكام القرآن للجصاص: ٣/٣٩٥. قال القرطبي في الجامع: "قال أبو زيد قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن قوما من المشركين في حصن من حصونهم حصرهم أهل الإسلام وفيهم قوم من المسلمين أسارى في أيديهم، أيحرق هذا الحصن؟ أم لا؟ قال: سمعت مالكا وسئل عن قوم من المشركين" الخ وذكر النص المذكور أعلاه..
٢ - الجامع: ١٦/٢٨٧..
الآية السادسة : قوله تعالى :﴿ محلقين رءوسكم ومقصرين ﴾ [ الفتح : ٢٧ ].
٨٤١- يحيى : أخرج مالك عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( رحم الله المحلقين )١ قالوا : والمقصرين يا رسول الله قال :( رحم الله المحلقين ). قالوا : والمقصرين يا رسول الله، قال :( والمقصرين ). ٢
١ -المحلقون: الذين حلقوا شعورهم في الحج أو العمرة، وإنما خصهم بالدعاء دون المقصرين، وهم الذين أخذوا من أطراف شعورهم، ولم يحلقوا، لأن أكثر من أحرم من النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن معهم هدي. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ساق الهدي، ومن معه هدي فإنه لا يحلق حتى ينحر هديه، فلما أمر من ليس معه هدي أن يحلق ويحل وجدوا في أنفسهم من ذلك وأحبوا أن يأذن لهم في المقام على إحرامهم وكانت طاعة النبي صلى الله عليه وسلم أولى لهم، فلما لم يكن لهم بد من الإحلال كان التقصير في نفوسهم أحق من الحلق. فمال أكثرهم إليه، وكان فيهم من بادر إلى الطاعة وحلق ولم يراجع. فلذلك "قدم المحلقين وأخر المقصرين". ١/٤٢٧..
٢ - الموطأ: ٢/٢٧٣ حديث رقم ٨٩٦. وفي موطأ محمد بن الحسن: ١٥٥- وأخرجه السيوطي في الدر: ٧/٥٣٩..
الآية السابعة : قوله تعالى :﴿ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ﴾ [ الفتح : ٢٩ ].
٨٤٢- القاضي عياض : قال مصعب الزبيري وابن نافع، دخل هارون- يعني الرشيد- المسجد فركع، ثم أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فسلم عليه ثم أتى مجلس مالك، فقال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته. ١
قال له مالك : وعليك السلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثم قال لمالك : هل لمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفيء حق ؟.
قال : لا، ولا كرامة ولا مسرة.
قال : من أين قلت ذلك ؟
قال : قال الله :﴿ ليغيظ بهم الكفار ﴾ فمن عابهم فهو كافر، ولا حق لكافر في الفيء.
٨٤٣- القرطبي : روى أبو عروة الزبيري من ولد الزبير، كنا عند مالك بن أنس، فذكروا رجلا ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ مالك هذه الآية :﴿ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ﴾ فقال مالك : من أصبح من الناس في قلبه غيظ من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية. ٢
٨٤٤- السيوطي : أخرج الخطيب في رواية مالك بسند ضعيف عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :﴿ والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ﴾. قال مالك : نزل في الإنجيل نعت النبي وأصحابه. ٣
قوله تعالى :﴿ سيماهم في وجوههم من أثر السجود ﴾ [ الفتح : ٢٩ ].
٨٤٥- مكي : قال ابن وهب : أخبرني مالك أنه ما يتعلق بالجبهة من تراب الأرض. ٤
٨٤٦- ابن كثير : قال مالك رضي الله عنه : بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة رضي الله عنهم الذين فتحوا الشام يقولون : والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا. ٥
١ - ترتيب المدارك: ٢/٤٦. وينظر الاعتصام: ٢/٩٦-٩٧. وزاد قائلا: "واحتج مرة أخرى في ذلك بقوله تعالى: ﴿للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم﴾ إلى آخر الآيات الثلاث: الحشر ٨-٩-١٠ قال: فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هاجروا معه، وأنصاره ﴿والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان﴾ [الحشر: ١٠]. فمن عدا هؤلاء فلا حق لهم فيه، وفي فعل خواص الفرق من هذا المعنى كثير"..
٢ - الجامع: ١٦/٢٩٦. وعلق القرطبي على تفسير مالك قائلا: قلت لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله. "ينظر: لباب التأويل: ٦/ ٢١٥، وروح المعاني: م٩ ج٦/ ١٢٨ قال ابن كثير في تفسيره: من هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمه الله في رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم قال: لأنهم يغيضونهم ومن غاض الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية ووافقه طائفة من العلماء": ٤/٢٠٥..
٣ - الدر: ٧/٥٤١..
٤ - الهداية: ١٨٢م. خ. خ. ح رقم: ٩٧٨٢. وينظر: أحكام القرآن لابن العربي: ٤/١٧١٠، والجامع: ١٦/٢٩٣ والجواهر الحسان: ٤/١٨٣، وتفسير عبد الله بن وهب: ٢/١٣٥..
٥ - تفسير القرآن العظيم: ٤/٢٠٥..
Icon