تفسير سورة التغابن

فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن
تفسير سورة سورة التغابن من كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن .
لمؤلفه زكريا الأنصاري . المتوفي سنة 926 هـ

قوله تعالى :﴿ يسبّح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد ﴾ [ التغابن : ١ ].
كرّر " ما " هنا وفي قوله بعد ﴿ ويعلم ما تسرّون وما تعلنون ﴾ [ التغابن : ٤ ] تأكيدا وتعميما للاختلاف، فناسب ذكر " ما " فيهما، لأن تسبيح ما في السموات، مخالف لتسبيح ما في الأرض، كثرة وقلّة، ووقوعا، من حيوان وجماد، وأسرارنا مخالفة لعلانيتنا، فناسب ذكر " ما " فيهما، ولم يكرّرها في قوله :﴿ يعلم ما في السموات والأرض ﴾ [ التغابن : ٤ ] لعدم اختلاف علمه تعالى، إذْ علمه بما تحت الأرض، كعلمه بما فوقها، وعلمُه بما يكون كعلمِه بما كان، فناسب حذفها فيه.
قوله تعالى :﴿ ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبيّنات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولّوا واستغنى الله ﴾ [ التغابن : ٦ ].
قوله ﴿ فكفروا وتولّوا واستغنى الله ﴾ مرتّب على قوله :﴿ ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبيّنات ﴾.
فإن قلتَ : ظاهره أن استغناءه بعد إتيان الرسل بالبيّنات، مع أنه مستغن دائما ؟   !
قلتُ : معناه ظهر استغناؤه عن إيمانهم، حيث لم يُلجئهم إليه مع قدرته على ذلك.
قوله تعالى :﴿ ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا... ﴾ إلى قوله :﴿ أبدا ﴾ [ التغابن : ٩ ].
ذكر مثله في الطلاق( ١ )، لكن زاد هنا ﴿ يكفّر عنه سيئاته ﴾ [ التغابن : ٩ ] لأن ما هنا تقدّمه ﴿ أبشر يهدوننا ﴾ الآيات، وأخبر فيها عن الكفار بسيئات تحتاج إلى تكفير، فناسب ذكر ﴿ يكفّر عنه سيئاته ﴾ بخلاف ما في الطلاق لم يتقدّمه شيء من ذلك.
١ - أشار إلى قوله تعالى في الطلاق: ﴿ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا﴾ [الطلاق: ١١]..
قوله تعالى :﴿ ومن يؤمن بالله يهد قلبه... ﴾ [ التغابن : ١١ ].
إن قلتَ : كيف قال ذلك، مع أن الهداية سابقة على الإيمان ؟
قلتُ : ليس المراد يهد قلبه للإيمان، بل المراد يهده لليقين عند نزول المصائب، فيعلم أن ما أخطأه لم يكن لصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، أو يهده للرضى والتسليم عند وجود المصائب، أو للاسترجاع عند نزولها بأن يقول :﴿ إنا لله وإنا إليه راجعون ﴾ [ البقرة : ١٥٦ ].
Icon