تفسير سورة الضحى

تيسير التفسير
تفسير سورة سورة الضحى من كتاب تيسير التفسير .
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ
سورة الضحى مكية وآياتها إحدى عشرة، نزلت بعد سورة الفجر. وقد ورد في روايات كثيرة أن الوحي فَتَرَ وتأخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبطأ عليه جبريل، فقال المشركون : ودّع محمدا ربه. فأنزل الله تعالى هذه السورة الكريمة. وابتدأت بقسَمين عظيمين معبّرين عن دفّتي النشاط والسكون : النهار المضيء والليل الساكن- أن الله تعالى لم يتركه، كما زعم المشركون. ثم بشّره الله بالعطاء الجزيل في الدنيا والآخرة. ومنّ عليه بأنه كان يتيما فآواه، وكان في حيرة فهداه، وأغناه، وأحاطه بعنايته، وحباه بالرحمة والودّ والإيناس والطمأنينة واليقين. ثم خُتمت السورة بوصايا ثلاث : أن يعطف على اليتيم، ويمسح دمعة المحتاج ويُلين له الكلام، ويكثر من التحدث بنعمة الله.

الضحى : صدرُ النهار حين ترتفع الشمس.
نزلت هذه السورة الكريمةُ حاملةً أجملَ بشرى للرسول الكريم، ملقيةً في نفسه الطمأنينة، معدِّدة ما أنعمَ الله به عليه. وقد أقسم سبحانه بآيتين عظيمتين من آياتِه في هذا الكون العجيب : ضحى النهارِ وصدرِه.
سجى : سكن.
والليلِ وسكونِه.
ما ودّعك ربك : ما تركك.
وما قلَى : ما أَبغضك.
إنه ما ترككَ أيها الرسول، وما أبغضَك.
ولَلدارُ الآخرة وما فيها من نعيم خيرٌ لك من هذه الحياة الدنيا، ولَعاقبةُ أمرك ونهايتُه خيرٌ من بدايته. وقد حقّق الله له نصره.
وهذه بشرى أخرى بأن الله تعالى سيُعطيه من خَيْرَيِ الدنيا والآخرة. وقد أعطاه حتى رَضِيَ، إن وعدَه الحق.
ثم بعدَ أن وعدَه بهذا الوعدِ الجميل ذَكَّره بنِعمه عليه فقال تعالى :
﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى ﴾،
ألم تكن يتيماً يا محمد فآواك، إذ كَفَلَكَ جدُّك عبدُ المطلب. ثم عمُّك أبو طالب الّذي ظلَّ يرعاك ويدافِع عنك طوال حياته.
ضالا فهدى : لم تكن تعلم شيئا عن الشرائع فهداك إلى خير منهج.
ووجدك حائراً لا تُقْنِعُك هذه المعتقداتُ التي حولك فهداكَ إلى خيرِ دينٍ وأحسنِ منهاج.
وكنت فقيراً لا مالَ لك فأغناك الله بما ربحتَ من التجارة، وما وهبتْه لك خديجةُ من مالها، حتى سَكنَتْ نفسُك ورضيت.
لا تقهَر : لا تذلَّه بل ارأف به.
وبعد أن عدّد هذه النعمَ عليه، وصّاه بوصايا كلُّها خيرٌ ورحمة فقال تعالى :
﴿ فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ وَأَمَّا السآئل فَلاَ تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾
وهذه الوصايا توجيهٌ كريم من الله تعالى لرسولِه وللمسلمين من بعدِه إلى رعاية اليتيم وكفالتِه.
فلا تنهر : لا تزجره، بل ترفّق به.
والى كِفاية كلِّ سائل.
وإلى التحدُّثِ بنعمة الله الكبرى عليه.. ومن أعظَمِها الهدايةُ لهذا الدين القويم. وهذا توجيهٌ من الله بأن نتحلّى بالأخلاق العالية، وأن نكون لطفاءَ لَيِّنين مع الناس، ونبتعدَ عن الغِلظَة والفظاظة التي يتّصف بها كثيرٌ مِمَّن يَدَّعون التديُّن.
اللهم اهدِنا سواء السبيل، واجعلنا ممن يقتفون آثارَ الرسول الكريم ويتبعون سُننه وأخلاقَه.
Icon