تفسير سورة إبراهيم

الصحيح المسبور
تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور المعروف بـالصحيح المسبور .
لمؤلفه حكمت بشير ياسين .

سورة إبراهيم
قوله تعالى (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)
انظر سورة البقرة آية (١-٢).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (لتخرج الناس من الظلمات إلى النور)، أي من الضلالة إلى الهدي.
قوله تعالى (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)
انظر سورة البقرة آية (٧١) لبيان: الويل.
قوله تعالى (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ)
انظر سورة الأعراف آية (٨٦).
قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) الآية بين الله تعالى في هذه الآية الكريمة أنه لم يرسل رسولا إلا بلغة قومه لأنه لم يرسل رسولا إلا إلى قومه دون غيرهم ولكنه بين في مواضع أخر أن نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرسل إلى جميع الخلائق دون اختصاص بقومه ولا بغيرهم كقوله (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) وقوله (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) وقوله (وما أرسلناك إلا كافة للناس) الآية إلى غير ذلك من الآيات الدالة على عموم رسالته لأهل كل لسان فهو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجب عليه إبلاغ أهل كل لسان.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه)، أي بلغة قومه ما كانت. قال الله عز وجل (ليبين لهم) الذي أرسل إليهم، ليتخذ بذلك الحجة. قال الله عز وجل (فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم).
قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا) قال، بالبينات.
أخرج مسلم بسنده عن أُبي بن كعب قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنه بينما موسى عليه السلام في قومه يذكرهم بأيام الله. وأيام الله نعماؤه وبلاؤه.
(الصحيح- ك الفضائل ٤/١٨٥٠ ح ١٧٢).
قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ... )
انظر تفسير سورة البقرة آية (٤٩)، وفيها تفصيل لنجاة موسى من آل فرعون.
قوله تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ... )
انظر سورة سبأ آية (١٣)، لبيان أن الشكر لا يقتصر على اللسان وإنما الشكر بالعمل أيضاً.
قوله تعالى (وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)
قال ابن كثير: أي هو غني عن شكر عباده، وهو الحميد المحمود وإن كفره من كفره كما قال: (إن تكفروا فإن الله غني عنكم) الآية. قال تعالى: (فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد). وفِى صحيح مسلم عن أبي ذر عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على
أفجر قلب رجل منكم، ما نقص ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر".
(انظر صحيح مسلم- ك البر، ب تحريم الظلم).
قوله تعالى (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ)
قال الطبري: حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن رجاء البصري قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله في قول الله عز وجل: (فردوا أيديهم في أفواههم)، قال: عضوا على أصابعهم.
(وأخرجه الحاكم من طريق الثورى عن أبي إسحاق به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٣٥٠-٣٥١)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (فردوا أيديهم في أفواههم) قال: ردوا على الرسل ما جاءت به.
قوله تعالى (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ)
قال ابن كثير: وقالت لهم رسلهم (يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم) أي في الدار الآخرة (ويؤخركم إلى أجل مسمى) أي في الدنيا كما قال تعالى: (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله) الآية.
وانظر سورة الأنعام آية (١٤).
قوله تعالى (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا)
قال الشيخ الشنقيطي: بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن الكفار توعدوا الرسل بالإخراج من أرضهم والنفي من بين أظهرهم إن لم يتركوا ما جاءوا به من الوحي
وقد نص في آيات أخر أيضاً على بعض ذلك مفصلا كقوله من قوم شعيب (لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أو لو كنا كارهين قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم) الآية، وقوله عن قوم لوط (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) وقوله عن مشركي قريش (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلاً) وقوله (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى (فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد)
قال الشيخ الشنقيطي: بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه أوحى إلى رسله أن العاقبة والنصر لهم على أعدائهم وأنه يسكنهم الأرض بعد إهلاك أعدائهم وبين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون) وقوله (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله لقوي عزيز) وقوله (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا) الآية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ولنسكننكم الأرض من بعدهم) قال: وعدهم النصر في الدنيا، والجنة في الآخرة.
قال الحاكم: أخبرني الشيخ أبو بكر بن إسحاق أنبأ محمد بن شاذان الجوهري ثنا سعيد بن سليمان الواسطي، ثنا محمد بن يزيد بن خنيس عن عبد العزيز بن أبي رواد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما أنزل الله عز وجل على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) تلاها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أصحابه ذات ليلة أو قال يوم فخر فتى مغشيا عليه فوضع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يده على فؤاده فإذا هو يتحرك فقال يا فتى قل لا إله إلا الله فقالها
فبشره بالجنة فقال أصحابه: يا رسول الله أمن بيننا؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أما سمعتم قول الله عز وجل (ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد) ".
هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. (المستدرك ٢/٣٥١- ك التفسير). قال الذهبي: محمد ابن يزيد مكي، قال أبو حاتم: شيخ صالح في حديثه.
قوله تعالى (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ)
قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي، حدثنا عبد العزيز بن مسلم، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تخرج عنق من النار يوم القيامة لها عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق، يقول: إني وُكلتُ بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهاً آخر، وبالمصورين".
(السنن ٤/٧٠١ ح ٢٥٧٤- ك صفة جهنم، ب ما جاء في صفة النار). قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح. وأخرجه أحمد (المسند ٢/٣٣٦) عن عبد الصمد، عن عبد العزيز بن مسلم به. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح ٢٠٨٣). وقال مرة: إسناده على شرط الشيخين (الصحيحة ح ٥١٢). وصحح سنده الحسين عبد المجيد هاشم في تكملة تحقيق المسند (١٦/١٨٤ ح ٨٤١١).
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (واستفتحوا)، قال: الرسل كلها. يقول: استنصروا على قومهم (عنيد) قال: معاند للحق مجانبه.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (من ماء صديد)، قال: قيح ودم.
قال ابن كثير: (ويسقى من ماء صديد) أي في النار ليس له شراب إلا من حميم أو غساق، فهذا في غاية الحرارة، وهذا غاية البرد والنتن، كما قال: (هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج).
قوله تعالى (يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ)
قال الطبري: حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي قوله: (ويأتيه الموت من كل مكان)، قال: من تحت كل شعرة في جسده.
وسنده صحيح.
قال ابن كثير: وقوله (ومن ورائه عذاب غليظ) أي وله من بعد هذا الحال عذاب آخر غليظ، أي مؤلم صعب شديد أغلظ من الذي قبله، وأدهى وأمر، وهذا كما قال تعالى عن شجرة الزقوم: (إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم) فأخبر أنهم تارة يكونون في أكل زقوم، وتارة في شرب حميم، وتارة يردون إلى جحيم، عياذا بالله من ذلك.
قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ)
قال ابن كثير: أي مثل أعمالهم يوم القيامة إذا طلبوا ثوابها من الله تعالى، لأنهم كانوا يحسبون أنهم كانوا على شيء فلم يجدو شيئاً، ولا ألفوا حاصلا إلا كما يتحصل من الرماد إذا اشتدت به الريح العاصفة (في يوم عاصف) أي ذي ريح شديدة عاصفة قوية، فلم يقدروا على شيء من أعمالهم التي كسبوا في الدنيا إلا كما يقدرون على جمع هذا الرماد في هذا اليوم، كقوله تعالى: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا)، وقوله تعالى: (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون)، وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله
واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين).
قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ)
قالَ ابن كثير: وقوله (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) أي بعظيم ولا ممتنع بل هو سهل عليه إذا خالفتم أمره أن يذهبكم ويأت بآخرين على غير صفتكم كما قال: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز) وقال: (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) وقال: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه).
وانظر سورة النساء آية (١٣٣) وتفسيرها، وسورة الأنعام آية (١٣٣) وتفسيرها.
قوله تعالى (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ)
قال الشيخ الشنقيطي: هذه المحاجة التي ذكرها الله هنا عن الكفار بينها في مواضع أخر كقوله: (وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد) كما تقدم إيضاحه.
وانظر سورة البقرة آية (١٦٦-١٦٧).
قوله تعالى (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم)
قال الشيخ الشنقيطي: بين في هذه الآية أن الله وعدهم وعد الحق وأن الشيطان وعدهم فأخلفهم ما وعدهم وبين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله في وعد الله (وعد الله حقاً) وقوله: (إن الله لا يخلف الميعاد) وقوله في وعد الشيطان (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا).
قوله تعالى (ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم)
أخرج عبد الرزاق والطبري بسنديهما الصحيح عن قتادة قوله (ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي)، ما أنا بمغيثكم، وما أنتم بمغيثي، قوله: (إني كفرت بما أشركتمون من قبل)، يقول: عصيت الله قبلكم.
قوله تعالى (وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام)
قال الشيخ الشنقيطي: بين في هذه الآية الكريمة أن تحية أهل الجنة في الجنة سلام وبين في مواضع أخر أن الملائكة تحييهم بذلك وأن بعضهم يحيى بعضاً بذلك فقال في تحية الملائكة لهم (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم) الآية، وقال: (وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم) الآية، وقال: (ويلقون فيها تحية وسلاما) وقال في تحية بعضهم بعضاً (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام) الآية، كما تقدم إيضاحه.
قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ)
قال البخاري: حدثني عُبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عُبيد الله عن نافع عن ابن عُمر رضي الله عنهما قال: كنا عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أخبروني بشجرة تشبه أو كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا ولا ولا، تؤتي أكلها كل حين. قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعُمَر لا يتكلمان، فكرِهت أن أتكلم. فلما لم يقولوا شيئاً قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هي النخلة. فلما قمنا قلتُ لعمر: يا أبتاه والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة.
فقال: ما منعك أن تكلم؟ قال: لم أركم تكلمون فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئاً. قال عمر: لأن تكون قلتَها أحبّ إليّ من كذا وكذا".
(صحيح البخاري ٨/٢٢٨- ك التفسير- سورة إبراهيم، ب (الآية) ح/٤٦٩٨).
قال الطبري: حدثني المثنى قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا حماد بن سلمة عن شعيب بن الحبحاب قال كنا عند أنس -أي ابن مالك - رضي الله عنه -- فأتينا بطبق، أو قنع، عليه رطب، فقال: كل يا أبا العالية فإن هذا من الشجرة التي ذكرها الله جل وعز في كتابه (ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت).
أخرجه الترمذي من طريق أبي بكر بن شعيب بن الحبحاب عن أبيه به، وأخرجه من طريق حماد بن سلمة مرفوعاً وقال: وهذا أصح من حديث حماد بن سلمة. (السنن- التفسير- سورة إبراهيم ح ٣١١٩) وقال الألباني: صحيح موقوفا (صحيح سنن الترمذي ح ٢٤٩٤).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (كلمة طيبة)، شهادة أن لا إله إلا الله، (كشجرة طيبة)، وهو المؤمن، (أصلها ثابت)، يقول: لا إله إلا الله، ثابت في قلب المؤمن، (وفرعها في السماء)، يقول: يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (كشجرة طيبة) قال: كنخلة.
أخرج الطبري من طرق يقوي بعضها بعضاً عن ابن عباس في قوله: (تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها)، قال: غدوة وعشية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: (تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها) والحين ما بين السبعة والستة، وهي تؤكل شتاء وصيفا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (تؤتي أكلها كل حين)، قال: هي تؤكل شتاء وصيفا.
أخرج الطبري من طرق يقوي بعضها بعضاً عن أنس بن مالك، قال: (ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة)، تلكم الحنظل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (ومثل كلمة خبيثة)، وهي الشرك، (كشجرة خبيثة)، يعني الكافر. قال: (اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار)، يقول: الشرك ليس له أصل يأخذ به الكافر ولا برهان، ولا يقبل الله مع الشرك عملاً.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (اجتثت من فوق الأرض) قال: استؤصلت من فوق الأرض.
قوله تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء)
قال البخاري: حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة قال أخبرني علقمة بن مَرثد قال سمعت سعدَ بن عُبيدة عن البراء بن عازب أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله (يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) ".
(صحيح البخاري ٨/٢٢٩ ك التفسير- سورة إبراهيم، ب (الآية) ح/٤٦٩٩. م ٤/٢٢٠١ ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه... ).
قال أحمد: ثنا أبو عامر، ثنا عباد -يعني ابن راشد- عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: شهدت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جنازة فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فإذا الإنسان دفن فتفرق عنه أصحابه، جاءه ملك في يده مطراق فأقعده، قال: ما تقول في هذا الرجل؟ فإن كان مؤمنا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فيقول: صدقت، ثم يفتح له باب إلى النار، فيقول: هذا كان منزلك لو كفرت بربك، فأما إذ آمنت فهذا منزلك فيفتح له باب إلى الجنة فيريد أن ينهض إليه، فيقول له: اسكن ويفسح له في قبره. وإن كان كافراً أو منافقا يقول له: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فيقول: لا دريت ولا تليت ولا اهتديت ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقول: هذا منزلك
لو آمنت بربك فأما إذ كفرت به فإن الله عز وجل أبدلك به هذا ويفتح له باب إلى النار ثم يقمعه قمعة بالمطراق يسمعها خلق الله كلهم غير الثقلين" فقال بعض القوم: يا رسول الله ما أحد يقوم عليه ملك في يده مطراق إلا هبل عند ذلك فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت).
(المسند ٣/٣-٤)، وأخرجه الطبري (التفسير ١٦/٥٩١ ح ٢٠٧٦٢) عن الحسين بن سلمة ومحمد بن معمر البحراني، كلاهما عن أبي عامر به. وعزاه الهيثمي لأحمد والبزار وقال: ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٣/٤٨). وقال ابن كثير: إسناده لا بأس به (التفسير ٤/٤١٧) وقال السيوطي: سنده صحيح (الدر المنثور ٤/٨٠). وقال محمود شاكر في حاشية الطبري: حديث صحيح الإسناد. وقال الألباني: حديث صحيح (ظلال الجنة ح ٨٦٥).
قال الطبري: حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال: حدثنا آدم قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: تلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة)، قال: ذاك إذ قيل في القبر: من ربك؟ وما دينك؟ فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، جاء بالبينات من عند الله فآمنت به وصدقت.
فيقال له: صدقت، على هذا عشت، وعليه مت، وعليه تبعث.
(التفسير ١٦/٥٩٦ ح ٢٠٧٦٩). وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان ٧/٣٨٠-٣٨٢ ح ٣١١٣) والحاكم في المستدرك (١/٣٧٩-٣٨٠) وصححه على شرط مسلم، وأقره الذهبي. وذكره الهيثمي في المجمع (٣/٥١-٥٢) مطولاً وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن، قال محقق الطبري: خبر صحيح الإسناد. وقال محقق الإحسان. (إسناده حسن من أجل محمد بن عمرو).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا)، أما (الحياة الدنيا) فيثبتهم بالخير والعمل الصالح، وقوله (وفي الآخرة)، أي في القبر.
قوله تعالى (ألم ترَ إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار)
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء سمع ابن عباس (ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفرا) قال: هم كفار أهل مكة".
(صحيح البخاري ٨/٢٢٩- ك التفسير- سورة إبراهيم، ب (الآية) ح/٤٧٠٠).
قال النسائي في التفسير: انا محمد بن بشار نا محمد نا شعبة عن قاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل سمع عليا - رضي الله عنه - وسأله ابن الكواء عن هذه الآية (الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها) قال: هم كفار قريش يوم بدر.
(التفسير ح ٢٨٧، وأخرجه أيضا الطبري (١٣/٢٢٠-٢٢١) وابن أبي حاتم (كما في تفسير ابن كثير ٤/٤٢٧) من طرق عن شعبة به وقال محقق النسائي: إسناد صحيح... رجاله ثقات رجال الشيخين. وأخرجه الطبري (١٣/٢٢١) وابن أبي حاتم كما تقدم في تفسير ابن كثير ٤/٤٢٧) والحاكم في المستدرك (٢/٣٥٢) من طرق عن بسام الصيرفي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن علي به إلا أن فيه: (منافقوا قريش) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح عال... ووافقه الذهبي. وأخرجه الضياء في المختارة (٢/١٧٤-١٧٥ ح ٥٥٤) من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن أبي الطفيل عن علي بلفظ: (دعهم عنك فقد كفيتهم، ذاك يوم بدر) وقال محققه: إسناده حسن. قال ابن كثير: رواه مالك في تفسيره عن نافع عن ابن عمر. (التفسير ٤/٤٢٨). وسنده صحيح.
قوله تعالى (وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، الأنداد: الشركاء.
قال الشيخ الشنقيطي: هذا تهديد منه تعالى لهم بأن مصيرهم إلى النار وذلك المتاع القليل في الدنيا لا يجدي من مصيره إلى النار وبين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله: (قل تمتع بكفرك قليلاً إنك من أصحاب النار) وقوله: (نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) وقوله: (متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون) وقوله (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم) الآية.
قوله تعالى (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خلال)
قال الشيخ الشنقيطي: أمر تعالى في هذه الآية الكريمة بالمبادرة إلى الطاعات كالصلوات والصدقات من قبل إتيان يوم القيامة الذي هو اليوم الذي لا بيع فيه
ولا مخالة بين خليلين فينتفع أحدهما بخلة الآخر فلا يمكن أحدا أن تباع له نفسه فيفديها ولا خليل ينفع خليله يومئذ، وبين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) وقوله: (واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً) الآية، ونحو ذلك من الآيات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة) يعني الصلوات الخمس (وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية) يقول: زكاة أموالهم.
قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ)
انظر سورة البقرة آية (١٤٦).
قوله تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)
قال ابن كثير: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ) أي يسيران لا يفتران ليلا ولا نهارا (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) (يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) فالشمس والقمر يتعاقبان، والليل والنهار يتقارضان، فتارة يأخذ هذا من هذا فيطول، ثم يأخذ الآخر من هذا فيقصر (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار).
قوله تعالى (وآتاكم من كل ما سألتموه)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (من كل ما سألتموه) كل ما رغبتم إليه فيه.
قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا هل أجاب دعاء نبيه إبراهيم هذا؟ ولكنه بين في مواضع أخر أنه أجابه في بعض ذريته دون بعض كقوله (ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين) وقوله (وجعلها كلمة باقية في عقبه) الآية.
وانظر سورة البقرة آية (١٢٦).
قال ابن كثير: يذكر تعالى في هذا المقام محتجا على مشركي العرب بأن البلد الحرام بمكة إنما وضعت أول ما وضعت على عبادة الله وحده لا شريك له، وأن إبراهيم الذي كانت عامرة بسببه آهلة تبرأ ممن عبد غير الله، وأنه دعا لمكة بالأمن فقال: (رب اجعل هذا البلد آمنا) وقد استجاب الله له فقال تعالى: (أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً) الآية، وقال تعالى: (إن أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً).
قوله تعالى (رب إنهن أضللن كثيرا من الناس....)
انظر حديث مسلم المتقدم تحت الآية رقم (١١٨) من سورة المائدة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنهن أضللن كثيرا من الناس) يعني الأوثان.
قوله تعالى (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم) وإنه بيت طهره الله من السوء، وجعله قبلة، وجعله حرمه، اختاره نبي الله إبراهيم لولده.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (غير ذي زرع) قال: مكة لم يكن بها زرع يومئذ.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات) الآية. بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن نبيه إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام دعا لذريته الذين أسكنهم بمكة المكرمة أن يرزقهم الله من الثمرات وبين في سورة البقرة أن إبراهيم خص بهذا الدعاء المؤمنين منهم وأن الله أخبره أنه رازقهم جميعاً مؤمنهم وكافرهم ثم يوم القيامة يعذب الكافر وذلك بقوله (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلاً) الآية.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) قال: لو كانت أفئدة الناس لازدحمت عليه الفرس والروم، ولكنه أفئدة من الناس.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (تهوي إليهم) تنزع إليهم.
قال ابن كثير: وقوله: (وارزقهم من الثمرات) أي ليكون ذلك عونا لهم على طاعتك، وكما أنه واد غير ذي زرع فاجعل له ثمارا يأكلونها، وقد استجاب الله ذلك كما قال: (أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا).
قوله تعالى (ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء)
انظر سورة الأنعام آية (٥٩) لبيان سعة علم الله تعالى وشموله.
قوله تعالى (ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ربنا اغفر لي ولوالدي) الآية بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن إبراهيم طلب المغفرة لوالديه وبين في آيات أخر أن طلبه
الغفران لأبيه إنما كان قبل أن يعلم أنه عدو الله فلما علمَ ذلك تبرأ منه كقوله: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) ونحو ذلك من الآيات. ا. هـ.
وهذا الاستغفار دعا به نوح كما في آخر سورة نوح.
قوله تعالى (إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه يؤخر عقاب الكفار إلى يوم تشخص فيه الأبصار من شدة الخوف وأوضح ذلك في قوله تعالى (واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا) الآية. ومعنى شخوص الأبصار أنها تبقى منفتحة لا تغمض من الهول وشدة الخوف.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ليوم تشخص فيه الأبصار) خصت فيه والله أبصارهم فلا ترتد إليهم.
قوله تعالى (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مهطعين) يقول: منطلقين عامدين إلى الداعي.
قال ابن كثير: ثم ذكر تعالى كيفية قيامهم من قبورهم ومجيئهم إلى قيام المحشر، فقال: (مهطعين) أي مسرعين، كما قال تعالى: (مهطعين إلى الداع) الآية، وقال تعالى (يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له) وقال تعالى (يوم يخرجون من الأجداث سراعا) الآية.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (مقنعي رءوسهم) قال: رافعي رؤوسهم.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (وأفئدتهم هواء) قال: هواء ليس فيها شئ خرجت من صدورهم، فنشبت في حلوقهم.
قوله تعالى (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب) يقول: أنذرهم في الدنيا قبل أن يأتيهم العذاب.
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عن قيل الذين ظلموا أنفسهم عند معاينة العذاب: (ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل) كقوله (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون) الآية، وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم) الآيتين.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (مالكم من زوال) قال: لا تموتون لقريش.
قوله تعالى (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم) يقول: سكن الناس في مساكن قوم نوح وعاد وثمود، وقرون بين ذلك كثيرة ممن هلك من الأمم (وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال) قد والله بعث رسله، وأنزل كتبه، ضرب لكم الأمثال فلا يصم فيها إلا أصم ولا يخيب فيها إلا خائب، فاعقلوا عن الله أمره.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (الأمثال) قال: الأشباه.
قوله تعالى (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) يقول: شركهم كقوله (تكاد السموات يتفطرن منه). وتتمة الآية كما سيأتي في قول قتادة.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، في قوله (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال). قال: ذلك حين دعوا لله ولدا، وقال في آية أخرى: (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا).
قوله تعالى (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات..)
قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر قال: حدثني أبو حازم قال: سمعت سهل بن سعد قال: (سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقى".
قال سهل -أو غيره-: ليس فيها مَعلم لأحد.
(صحيح البخاري- ك الرقاق، ب يقبض الله الأرض يوم القيامة، ح ٦٥٢١).
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عليّ بنُ مسهر، عن داود عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة. قالت: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قوله عز وجل: (يومُ تبدل الأرض غير الأرض والسموات) فأين يكون الناس يومئذ؟ يا رسول الله! فقال: "على الصراط".
(صحيح مسلم ٤/٢١٥٠- ك صفات المنافقين وأحكامهم، ب في البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة ح/٢٨٩١).
قوله تعالى (وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد) بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن المجرمين وهم الكفار يوم القيامة يقرنون في الأصفاد وبين تعالى هذا المعنى في مواضع أخر كقوله: (وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (مقرنين في الأصفاد) يقول: في وثاق.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (مقرنين في الأصفاد) قال: مقرنين في القيود والأغلال.
قوله تعالى (سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار)
انظر حديث مسلم الآتي عن أبي موسى الأشعري عند الآية رقم (٥) من سورة الأحزاب. وهو حديث: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية... ".
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (من قطران) قال: هو النحاس المذاب.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وتغشى وجوههم النار) بين في هذه الآية الكريمة أن النار يوم القيامة تغشى وجوه الكفار فتحرقها، وأوضح ذلك في مواضع أخر كقوله (تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون) وقوله (لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم) الآية.
قوله تعالى (ليجزي الله كل نفس ما كسبت)
سورة البقرة آية (١٣٤).
قوله تعالى (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)
قال الشيخ الشنقيطي: بين في هذه الآية الكريمة أن هذا القرآن بلاغ لجميع الناس وأوضح هذا المعنى في قوله (وأوحى إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ)، وبين أن من بلغه ولم يؤمن به فهو في النار كائنا من كان في قوله (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلاتك في مرية منه) الآية.
Icon