سورة " ص " سورة مكية، نزلت في الفترة المتوسطة من حياة المسلمين بمكة، فيما بين الهجرة إلى الحبشة والإسراء، وآياتها ٨٨ آية. وسميت بهذا الاسم لابتدائها بهذا الحرف.
مقاصد السورة
قال الفيروزبادى :
معظم مقصود سورة " ص " بيان تعجب الكفار من نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ووصف الكافرين لرسول الله بالاختلاق والافتراء، واختصاص الحق تعالى بملك الأرض والسماء، وظهور أحوال يوم القضاء وعجائب حديث داود وأوريا، وقصة سليمان، وذكر قصة أيوب في الابتلاء والشفاء، وذكر إبراهيم وأولاده من الأنبياء، وحكاية أحوال ساكني جنة المأوى، وعجز حال الأشقياء في سقر ولظى، وواقعة إبليس مع آدم وحواء، وتهديد الكفار على تكذيبهم للمجتبى ١.
قال تعالى :﴿ إن هو إلا ذكر للعالمين * ولتعلمن نبأه بعد حين ﴾. [ ص : ٨٧، ٨٨ ].
قضايا السورة
أثارت سورة " ص " عددا من القضايا أهمها : قضية التوحيد، وقضية الوحي، وقضية الحساب في الآخرة، وقد عرضت هذه القضايا الثلاث في مطلعها، الذي يمثل الدهشة والاستغراب من كبار المشركين في مكة، حين جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى التوحيد، وساقت السورة شبهات الكافرين حول قضية الوحي.
فقد استكثروا أن يختار الله سبحانه رجلا منهم لينزل عليه الذكر من بينهم، وان هذا الرجل هو محمد ابن عبد الله الذي لم تسبق له رئاسة فيهم ولا إمارة فقالوا :﴿ أأنزل عليه الذكر من بيننا... ﴾ [ ص : ٨ ) ].
وبينت السورة لهم أن رحمة الله لا يمسكها شيء إذا أراد أن يفتحها على من يشاء، وانه ليس للبشر شيء من ملك السماوات والأرض، وإنما يفتح الله رزقه ورحمته على من يشاء.. وأنه يختار من عباده من يعلم استحقاقهم للخير، وينعم عليهم بشتى الإنعامات بلا لا قيد ولا حد ولا حساب.. وفي هذا السياق جاءت قصة داود وقصة سليمان، وما أغدق الله عليهما من النبوة والملك، ومن تسخير الجبال والطير، وتسخير الجن والريح، فوق الملك وخزائن الأرض والسلطان والمتاع، وجاء مع القصتين توجيه النبي صلى الله علية وسلم إلى الصبر على ما يلقاه من المكذبين :﴿ اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب ﴾. [ ص : ١٧ ].
كذلك جاءت قصة أيوب تصور ابتلاء الله للمخلصين من عباده بالضراء، وصبر أيوب مثل في الصبر رفيع، وتصور السورة حسن العاقبة للصابرين.
ونلاحظ أن السياق يجري في سورة " ص " فيربط بين أربعة موضوعات رئيسية، هي شبه الكافرين، وقصص الأنبياء، والمقابلة بين نعيم المتقين وعذاب الكافرين، ثم قصة خلق آدم وسجود الملائكة له وإباء إبليس.
١ – شبهات الكافرين
تشمل الآيات من ( ١-١٦ ) على شبه الكافرين حول بشرية الرسول، واختصاصه بالوحي، وإنكار توحيد الآلهة في إله واحد، والرد على هذه المفتريات، وبيان جزاء المكذبين، من قوم نوح وعاد، وفرعون وثمود، وقوم لوط وأصحاب الأيكة، ﴿ إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب ﴾. [ ص : ١٤ ]
٢-قصص الأنبياء
تشمل الآيات من ( ١٧-٤٨ ) على قصص وأمثلة من حياة الرسل صلوات الله عليهم.
وفي هذا القصص بيان لآثار رحمة الله بالرسل من قبل، وتذكير بما أغدق الله عليهم من نعمة وفضل، وبما آتاهم من ملك وسلطان ومن رعاية وإنعام، وذلك ردّا على عجب الكافرين من اختيار الله لمحمد رسولا من بينهم، وما هو ببدع من الرسل، وفيهم من آتاه الله إلى جانب الرسالة الملك والسلطان، وفيهم من سخر له الجبال يسبحن معه والطير، وفيهم من سخر الله له الريح والشياطين، كداود وسليمان.. فما وجه العجب أن يختار الله محمدا الصادق، لينزل عليه الذكر من بين قريش من آخر الزمان.
كذلك يصور هذا القصص رعاية الله الدائمة لرسله، وحياطتهم بتوجيهه وتأديبه فقد كانوا بشرا – كما أن محمدا صلى الله عليه وسلم بشر- وكان فيهم ضعف البشر، وكان الله يرعاهم فلا يدعهم لضعفهم، وإنما يبين لهم ويوجههم، ويبتليهم ليغفر لهم ويكرمهم، وفي هذا ما يطمئن قلب الرسول إلى رعاية ربه له، وحمايته له من أذى المشركين، وفي تلك القصص سلوى ومواساة لما لقيه النبي من تكذيب واتهام وتعجيب وافتراء، وفيه دعوة إلى الصبر حتى ينال رضوان الله، كما ناله السابقون من الأنبياء.
٣-النعيم والجحيم
تعرض الآيات من ( ٤٩-٦٤ ) مشهد المؤمنين في الجنة، وقد فتحت أبوابها، وجرت أنهارها، وكثر حورها وولدانها، وتنوعت أرزاقها :﴿ إن هذا لرزقنا ما له من نفاد ﴾. [ ص : ٥٤ ].
كما تعرض مشهد الطاغين في النار، وقد اشتد لهيبها، وتنوع عذابها، واختصم الأتباع والرؤساء فيها، وأخذوا يبحثون عن ضعفاء المؤمنين بينهم فلا يجدونهم في النار، لأن هؤلاء الضعفاء في الجنة والرضوان.
٤-سجود الملائكة لآدم
تشمل الآيات من ٦٥ إلى آخر السورة على تأكيد وحدانية الله، وشمول قدرته وملكه لما في السماوات والأرض.
وتستعرض قصة آدم وسجود الملائكة له، كدليل على أن هؤلاء الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، كما تتضمن القصة لونا من الحسد في نفس الشيطان، هو الذي أبعده وطرده من رحمة الله، حينما استكثر على آدم فضل الله الذي أعطاه، وفي هذا إيحاء لهم ألا يستكثروا على محمد فضل الرسالة وتبليغ وحي السماء، كذلك تصور الآيات المعركة المستمرة بين الشيطان وأبناء آدم، والتي لا يهدأ أوارها، ولا ينفع أوزارها، والتي يهدف من ورائها إلى إيقاع أكبر عدد منهم في حبائله، لإيرادهم النار معه، انتقاما من أبيهم آدم، وقد كان طرد إبليس من الجنة بسبب امتناعه من السجود له، فالمعركة بين إبليس وذرية آدم معروفة الأهداف، ولكن أبناء آدم يستسلمون لعدوهم القديم.
وتختم السورة بتوكيد قضية الوحي، وإخلاص الرسول في تبليغ الرسالة، لا يبتغي أجرا ولا يتكلف قولا، وإنما يبلغ القرآن، وسيكون لهذا القرآن أبلغ الأثر في حياة البشرية.
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ ص والقرآن ذي الذكر ( ١ ) بل الذين كفروا في عزة وشقاق ( ٢ ) كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص ( ٣ ) وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب ( ٤ ) أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ( ٥ ) وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ( ٦ ) ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ( ٧ ) أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب ( ٨ ) أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب ( ٩ ) أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب ( ١٠ ) جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ( ١١ ) ﴾المفردات :
ص : حرف للتنبيه، كالجرس الذي يقرع فيتنبه التلاميذ لدخول المدرسة.
ذي الذكر : ذي الشرف، أو الموعظة.
تمهيد :
سورة " ص " سورة مكية، تطوف بالقلب البشري حول تكذيب المكذبين، وعنت كفار مكة، وتورد جانبا من قصص الأنبياء، وقضية الحساب في الآخرة، وقصة آدم وإبليس.
وفي مقدمة السورة تُصوّر استغراب أهل مكة ودهشتهم من توحيد الألوهية والربوبية لله الواحد القهار، فقد ألفوا عباد الله الأوثان والأصنام، ونجد القرآن يستعرض حجتهم، ويناقش آراءهم.
التفسير :
١- ﴿ ص والقرآن ذي الذكر ﴾.
بدأ القرآن الكريم بعض السور بحروف المعجم، مثل : ص، ق، ن، حم، ألم......
وهي حروف للتنبيه، كالجرس الذي يقرع فينبه التلاميذ لدخول المدرسة، كذلك القرآن عندما يفتتح بعض السور بهذه الأحرف، يتنبه الكافرون لهذا الأمر العجيب، ثم يقول :﴿ والقرآن ذي الذكر ﴾.
وقيل : هي حروف للتحدي والإعجاز، وقيل : هي حروف للقسم، باعتبار أن القرآن مكوّن من هذه الأحرف، أي أقسم ب : ص، وأقسم بالقرآن ذي الذكر.
﴿ والقرآن ذي الذكر ﴾.
أي : والقرآن ذي الشرف والمنعة والمكانة العالية، أو القرآن المشتمل على تذكير الناس ووعظهم بما ينفعهم في المعاش والميعاد، ولا منافاة بين القولين، فالقرآن كتاب شريف، والقرآن مشتمل على التذكير والإنذار وأسباب الهداية، وبذلك يسود الناس، وينتقلون من كمّ مهمل إلى أمة متحضرة منظمة، لها فكر ونظام، وقوة واحترام.
قال تعالى :﴿ وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ﴾. [ الزخرف : ٤٤ ]
أي : إنه شرف لك أن ينزل عليك وحي السماء، وشرف لقومك إذا اتبعوه وعملوا به، وجواب القسم محذوف دل عليه السياق، تقديره : إن القرآن حق، أو إنه لمعجز أو إن محمدا لصادق، أو إن البعث حق، ويفهم الجواب من روح القرآن وأفكاره، في السابق واللاحق.
سورة " ص " سورة مكية، تطوف بالقلب البشري حول تكذيب المكذبين، وعنت كفار مكة، وتورد جانبا من قصص الأنبياء، وقضية الحساب في الآخرة، وقصة آدم وإبليس.
وفي مقدمة السورة تُصوّر استغراب أهل مكة ودهشتهم من توحيد الألوهية والربوبية لله الواحد القهار، فقد ألفوا عباد الله الأوثان والأصنام، ونجد القرآن يستعرض حجتهم، ويناقش آراءهم.
المفردات :
عزة : حمية واستكبار عن الحق.
وشقاق : ومعاندة ومخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
التفسير :
٢- ﴿ بل الذين كفروا في عزة وشقاق ﴾.
معنى الآية مع ما قبلها كما يلي :
وحق القرآن المشتمل على التذكير والعبرة أنه يجب الإيمان به، لكن الكافرون لم يؤمنوا، ولا لخلل وجدوه فيه، بل لأنهم في استكبار شديد عن إتباع الحق، ﴿ وشقاق ﴾، أي : مخالفة لله ومعاندة، ومشاقة لرسوله، ولذلك كفروا به، والمراد بالعزّة هنا : التكبر والعناد، كما قال تعالى :﴿ وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم... ﴾[ البقرة : ٢٠٦ ]، أي الحميّة والاستكبار.
وأصل الشقاق أن يكون كل واحد من الفريقين في غير شق صاحبه، فهو يترفع عليه بأن يكون معه في شق واحد، لقد كان كفار مكة على جانب من الغنى والجاه والثروة، فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم بالإسلام أنفوا من إتباعه وهو بشر مثلهم، لا يتميز عليهم بوسائل الدنيا كالغنى والجاه، وحقدوا عليه أن يكون اليتيم الفقير، نبيا رسولا، ﴿ وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ﴾. [ الزخرف : ٣١ ].
ولقد استكبروا وأخذتهم حمية الجاهلية أن يدخلوا في دينه، وكفروا به، ودانوا للأصنام والأوثان وشاقوا الرسول والمؤمنين.
والله حين يصطفي بعض الناس لرسالته، يختار الرسول لمواصفات إنسانية خلقية.
قال تعالى :﴿ الله أعلم حيث يجعل رسالته... ﴾ [ الأنعام : ١٢٤ ].
سورة " ص " سورة مكية، تطوف بالقلب البشري حول تكذيب المكذبين، وعنت كفار مكة، وتورد جانبا من قصص الأنبياء، وقضية الحساب في الآخرة، وقصة آدم وإبليس.
وفي مقدمة السورة تُصوّر استغراب أهل مكة ودهشتهم من توحيد الألوهية والربوبية لله الواحد القهار، فقد ألفوا عباد الله الأوثان والأصنام، ونجد القرآن يستعرض حجتهم، ويناقش آراءهم.
المفردات :
قرن : يطلق مجازا على الأمّة.
فنادوا : فاستغاثوا وجاروا.
ولات حين مناص : وليس الوقت وقت فرار وخلاص.
المناص : التأخر والفوت، ويطلق على التقدم، فهو من الأضداد.
التفسير :
٣- ﴿ كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص ﴾.
كثيرا ما أهلكنا المكذبين من الأمم، كقوم نوح عاد وثمود والذين من بعدهم، وحين رأوا العذاب صاحوا بالإيمان والتوبة بعد فوات الأوان، وليس الحين حين مناص، وليس الوقت صالحا للإيمان، أو الفرار من العذاب، أو الدخول في الإيمان.
وكلمة : مناص. من الأضداد، تطلق على التقهقر والفرار، كما تطلق على التقدم.
قال ابن عباس :
﴿ ولات حين مناص ﴾.
أي ليس بحين فرار.
وعن الكلبي أنه قال : كانوا إذا تقاتلوا فاضطروا، قال بعضهم لبعض : مناص. أي : عليكم بالفرار، فلما أتاهم العذاب قالوا : مناص. فقال تعالى :﴿ ولات حين مناص ﴾.
أي : إنهم آمنوا بعد فوات الأوان، حين رأوا العذاب.
قال تعالى :﴿ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا... ﴾ [ غافر : ٨٥ ].
وقريب منه رفض إيمان فرعون حين عاين الموت ورأى الغرق بأمّ ناصيته.
سورة " ص " سورة مكية، تطوف بالقلب البشري حول تكذيب المكذبين، وعنت كفار مكة، وتورد جانبا من قصص الأنبياء، وقضية الحساب في الآخرة، وقصة آدم وإبليس.
وفي مقدمة السورة تُصوّر استغراب أهل مكة ودهشتهم من توحيد الألوهية والربوبية لله الواحد القهار، فقد ألفوا عباد الله الأوثان والأصنام، ونجد القرآن يستعرض حجتهم، ويناقش آراءهم.
٤- ﴿ وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب ﴾.
هذا العجب من أن يكون الرسول بشرا مثلكم مرت به البشرية، وتكلم به الكفار في حق الرسل، وقال الذين كفروا لرسلهم :﴿ إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين * قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده... ﴾ [ إبراهيم : ١٠، ١١ ] أراد الله أن يكون الرسول بشرا مثل الناس، يحس بإحساسهم، ويعرف قدراتهم وطاقاتهم، وما يتقبلونه ويستحسنونه، وما يطيقونه وما لا يطيقونه، ويكون الرسول قدوة عملية أمامهم، يلتزم بما يأمرهم به، فيكون نموذجا للعمل بما يأمر به، والترك لما ينهى عنه، فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان خُلقه القرآن، يصلّي ويصوم ويزكّي ويحج، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وهو صادق أمين مجاهد، يزور المرضى في أقصى المدينة، يتعهد أصحابه، يرحم الضعفاء، يعلّم الرجال والنساء، ويبلغ وحي السماء، لكن الكفار رغبوا في رسالة غامضة تقوم على الأساطير التي كانت تروج بينهم قبل الإسلام، ورفضوا الدين الواضح الذي يقوم على الحجة والمنطق والوضوح، واستكثروا أن يكون اليتيم الفقير هو النبّي الرسول، وكانوا يلقبون محمدا قبل الدعوة إلى الإسلام، بالصادق الأمين، فلما جاءهم بالرسالة كفروا به حسدا وعنادا، وقالوا : إنه ساحر يفرّق بين المرء وقومه، والمرء وأبيه وأمّه، وهو كذّاب لا ينزل عليه الوحي من السماء لكنه يدّعى ذلك.
سورة " ص " سورة مكية، تطوف بالقلب البشري حول تكذيب المكذبين، وعنت كفار مكة، وتورد جانبا من قصص الأنبياء، وقضية الحساب في الآخرة، وقصة آدم وإبليس.
وفي مقدمة السورة تُصوّر استغراب أهل مكة ودهشتهم من توحيد الألوهية والربوبية لله الواحد القهار، فقد ألفوا عباد الله الأوثان والأصنام، ونجد القرآن يستعرض حجتهم، ويناقش آراءهم.
المفردات :
عجاب : بالغ الغاية في العجب، مثل : طويل وطوال.
التفسير :
٥- ﴿ أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ﴾.
كانوا يعبُدون آلهة شتى، مثل اللات والعزّى، ومناة الثالثة الأخرى، وكان القرآن يناقشهم في عبادة أصنام لا تسمع ولا تجيب، ولا تنفع ولا تضرّ، ويستثير عقولهم للتفكير والتأمل، فذهبوا إلى أبي طالب، واشتكوا له من حملة محمد على الأصنام، وتسفيه العقول التي تعبدها، فأرسل إليه أبو طالب وقال له : أي ابن أخي، ما بال قومك يشكونك، يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول... ؟ وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال :" يا عم، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب والعجم " ففرحوا لذلك وقالوا : ما هي ؟ وأبيك لنعطينّها وعشرا، قال : " لا إله إلا الله "، فقاموا فزعين ينقضون ثيابهم وهم يقولون :﴿ أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ﴾.
ومدار تعجبهم عجزا الإله الواحد عن إدارة هذا الكون الكبير الواسع، وعدم وفاء علمه وقدرته بالأشياء الكثيرة الموجودة فيه.
ومعنى الآية :
ألفنا عبادة آلهة شتى، لكل قبيلة إله، ومحمد يريد منّا أن نعبد جميعا إلها واحدا، إن هذا أمر عجيب عجبا شديدا، بل هو غاية في الغرابة، وقد بين القرآن لهم أن الغرابة هي عبارة آلهة شتى، وأن العقل يحتّم أن يكون إله الكون واحدا، قادرا متّصفا بكل كمال، منزها عن كل نقص.
سورة " ص " سورة مكية، تطوف بالقلب البشري حول تكذيب المكذبين، وعنت كفار مكة، وتورد جانبا من قصص الأنبياء، وقضية الحساب في الآخرة، وقصة آدم وإبليس.
وفي مقدمة السورة تُصوّر استغراب أهل مكة ودهشتهم من توحيد الألوهية والربوبية لله الواحد القهار، فقد ألفوا عباد الله الأوثان والأصنام، ونجد القرآن يستعرض حجتهم، ويناقش آراءهم.
التفسير :
٦-﴿ وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ﴾.
وانطلق أشراف قريش، وقد يئسوا من استمالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى دينهم، بعد أن وسّطوا عمه أبا طالب، فقال صلى الله عليه وسلم : " والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله، أو تنفرد منّي هذه السالفة " – أي : الرقبة –، فلما شاهدوا تمسّكه بدينه يئسوا منه، وقالوا لبعضهم : اصبروا على عبادة آلهتكم، فمحمد يريد دعوته ولن يتركها، فلا أمل في استمالته إلينا، وقد سار على ذلك جمهور المفسرين، وقيل : إن هذا الشيء من نوائب الدهر يراد بنا، فلا حيلة إلا تجرع مرارة الصبر وقيل : إن هذا دينكم، يُطلب لينتزع منكم، ويطرح ويراد إبطاله. ١
سورة " ص " سورة مكية، تطوف بالقلب البشري حول تكذيب المكذبين، وعنت كفار مكة، وتورد جانبا من قصص الأنبياء، وقضية الحساب في الآخرة، وقصة آدم وإبليس.
وفي مقدمة السورة تُصوّر استغراب أهل مكة ودهشتهم من توحيد الألوهية والربوبية لله الواحد القهار، فقد ألفوا عباد الله الأوثان والأصنام، ونجد القرآن يستعرض حجتهم، ويناقش آراءهم.
المفردات :
الملة الآخرة : دين النصرانية.
اختلاق : كذب وافتراء.
التفسير :
٧-﴿ ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ﴾.
عُرفت اليهودية في بلاد العرب ولم تنتشر بينهم، لأن اليهودية ليست ديانة دعوة، ولا يعتبر يهوديا عندهم إلا من كانت أمّه يهودية، وعُرفت النصرانية في بلاد العرب، وكانت هناك أديرة للرهبان والراهبات تنتشر في أنحاء الجزيرة العربية، وسجل الشعر العربي جمال بعض الراهبات، وانشغال بعض العرب بهنّ.
فقال أحدهم :
يا دير عنترة المفدّى قد أورثتني حزنا وكدا.
وقال شاعر آخر :
لو أنها ن
ظرت لأحور راهب عبد الإله صرورة المتعبّد.
لرنا لبهجتها وحسن حديثها ولخاله رشدا وإن لم يرشد.
لكن المسيحية لم تنتشر انتشارا كبيرا بين العرب، لأنها تأمر بالتسامح والعفو والصفح، والعربي كان يميل إلى الغارة والعدوان والانتقام.
وقد عرف العرب شيئا عن اليهودية والنصرانية، وعرفوا أن النّصارى يدينون بالتثليث، ويزعمون أنه الدين الذي جاء به عيسى، ويقولون : باسم الأب والابن وروح القدس، إله واحد آمين، لذلك قاوم مشركو العرب فكرة التوحيد الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وقالوا : ما سمعنا بذلك التوحيد في ملة النصارى، وهي الرسالة الأخيرة التي جاء بها عيسى.
﴿ إن هذا إلا اختلاق ﴾.
يعني : ما جاء به محمد من رسالة الإسلام إن هو إلا افتراء اخترعه من تلقاء نفسه، وليس وحيا من عند الله.
وقيل : ما سمعنا بهذا الدين الذي يدعونا إليه محمد صلى الله عليه وسلم، في ملة العرب التي أدركنا عليها آباءنا.
سورة " ص " سورة مكية، تطوف بالقلب البشري حول تكذيب المكذبين، وعنت كفار مكة، وتورد جانبا من قصص الأنبياء، وقضية الحساب في الآخرة، وقصة آدم وإبليس.
وفي مقدمة السورة تُصوّر استغراب أهل مكة ودهشتهم من توحيد الألوهية والربوبية لله الواحد القهار، فقد ألفوا عباد الله الأوثان والأصنام، ونجد القرآن يستعرض حجتهم، ويناقش آراءهم.
التفسير :
٨-﴿ أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب ﴾.
كان في مكة جموع من الأغنياء، وأصحاب الثراء والجاه والسلطان، وقد استراحوا لهذه المنزلة، وما يتبعها من خمر ولهو، فلما أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم يتيما فقيرا من بني هاشم، حسدوا هذا النبي، وجحدوا رسالته بغيا وحسدا :﴿ وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ﴾ [ الزخرف : ٣١ ].
أي : هلا كانت الرسالة في أحد أغنياء مكة، أو أحد أغنياء الطائف.
وقالوا : أما وجد الله غير هذا اليتيم الفقير ليتخذه رسولا، وقد أشار القرآن إلى أن الله تعالى يخلق ما يشاء ويختار، وهو يوزع الأرزاق، والرسالة أسمى رزق، فاختار الرسول شأن من شئون الله تعالى، وليس من شأنهم، قال تعالى :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون ﴾. [ الزخرف : ٣٢ ].
أي : إذا كان الأدنى – وهو المال – قد قسمناه، فإن الأسمى – وهو الرسالة – أولى ألا يقسِّمه إلا العليّ الأعلى.
والمعنى :﴿ أأنزل عليه الذكر من بيننا... ﴾
كيف ينزل عليه الوحي من دوننا، ونحن أهل الفضل والمنزلة ؟
﴿ بل هم في شك من ذكري... ﴾
هم لم يعتمدوا في إنكار رسالتك على أدلة أو براهين عقلية، بل قدّموا الشك في الرسول وفي القرآن، بدليل قولهم : إن محمدا ساحر، ثم قالوا : كاهن، ثم قالوا : كذاب، ثم قالوا : أساطير الأولين جمعها ولفّقها، وادعى أنها كتاب من عند الله، ولو تأمّلوا في القرآن تأمل راغب في الوصول إلى الحقّ، لزال عنهم هذا الشك والمكابرة والعناد.
﴿ بل ما يذوقوا عذاب ﴾.
أي : إنهم لم يذوقوا عذابي بعد، فإذا ذاقوه زال ما بهم من الحسد والشكّ.
والخلاصة : إنهم لا يصدّقون إلا أن يمسهم العذاب، فيضطروا حينئذ إلى التصديق بذكري
ويقول النحاة : إن كلمة : لما. تؤذن بقرب وقوع ما بعدها.
مثل قول الشاعر :
أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قد.
ولذلك ذكر المفسرون هنا أن معنى :﴿ بل لما يذوقوا عذاب ﴾، أن ذوقهم العذاب محقق وقريب الوقوع إن لم يؤمنوا.
وتذكرنا هذه الآية بأن بعض رجال من كبار المشركين كانوا يتسللون ليلا قرب بيت النبي صلى الله عليه وسلم ليستمعوا القرآن في الظلام دون أن يراهم أحد، وفي الصباح عند انصرافهم يتلاومون على ذلك، ومنهم : أبو سفيان، وأبو جهل، والأخنس بن شريق ذهب إلى أبي جهل فدخل عليه بيته، فقال : يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ فقال : ماذا سمعت ؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب، وكنّا كفرسي رهان، قالوا : منّا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه ؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه، فقام عنه الأخنس وتركه، فهو الحسد الذي حمل أبا جهل على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومقاومة دعوته، وهو السرّ في قول من قال :﴿ أأنزل عليه الذكر من بيننا ﴾.
سورة " ص " سورة مكية، تطوف بالقلب البشري حول تكذيب المكذبين، وعنت كفار مكة، وتورد جانبا من قصص الأنبياء، وقضية الحساب في الآخرة، وقصة آدم وإبليس.
وفي مقدمة السورة تُصوّر استغراب أهل مكة ودهشتهم من توحيد الألوهية والربوبية لله الواحد القهار، فقد ألفوا عباد الله الأوثان والأصنام، ونجد القرآن يستعرض حجتهم، ويناقش آراءهم.
٩-﴿ أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب ﴾.
هل هم يملكون خزائن رحمة الله القوي الغالب الوهّاب، كثير العطاء والهبات ؟
لقد اختار الله محمدا لرسالته وعطائه، فأعطاه الوحي والرسالة، وليس لهم أن يعترضوا على عطاء الله لأحد خلقه، لأن الله هم المالك، وخزائنه ملء السماوات والأرض، والاستفهام في الآية إنكاري، أي : إذا كانوا لا يملكون خزائن رحمة الله القوي القادر الوهاب، فليقفوا عند حدودهم، ولا يعترضوا على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يقترحوا أن تكون الرسالة إلى أحد أثرياء مكة أو الطائف.
سورة " ص " سورة مكية، تطوف بالقلب البشري حول تكذيب المكذبين، وعنت كفار مكة، وتورد جانبا من قصص الأنبياء، وقضية الحساب في الآخرة، وقصة آدم وإبليس.
وفي مقدمة السورة تُصوّر استغراب أهل مكة ودهشتهم من توحيد الألوهية والربوبية لله الواحد القهار، فقد ألفوا عباد الله الأوثان والأصنام، ونجد القرآن يستعرض حجتهم، ويناقش آراءهم.
المفردات :
فليرتقوا : فليصعدوا.
في الأسباب : المعارج إلى السماء، ومنه قول زهير :
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه وإن يرق أسباب السماء بسلّم
التفسير :
١٠- ﴿ أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب ﴾.
هل هم يملكون السماوات والأرض وما بينهما، والاستفهام هنا إنكاري، مكمل للآية السابقة أي : إنهم لا يملكون رحمة ربك العزيز الوهاب، ولا يملكون السماوات والأرض وما بينهما حتى يتحكموا في شئون الوحي والرسالة، ويختارون الرسالة والنبوة لمن يشاءون، ويمنعوها عمن يشاءون ثم تحدّاهم غاية التحدي فقال :﴿ فليرتقوا في الأسباب ﴾.
أي : إذا كانوا يملكون السماوات والأرض وما بينهما، فليصعدوا إلى السماوات العلى، وليستولوا على عرش الله، وليدبّروا ملكوت السماوات والأرض.
قال المفسرون :
وقوله سبحانه :﴿ فليرتقوا في الأسباب ﴾، تعجيز لهم، وتهكم بهم، واستخفاف بأقوالهم ومزارعهم والأسباب جمع سبب، وهو كل ما يتوصل به إلى غيره من حَبْل أو نحوه.
وقال ابن كثير :
أي : إن كان لهم ملك السماوات ولأرض وما بينهما فليصعدوا في الأسباب.
قال ابن عباس : يعني طرق السماء.
وقال الضحاك : فليصعدوا إلى السماء السابعة " ١.
وقال النيسابوري :
﴿ فليرتقوا في الأسباب ﴾.
أي : فإن كانوا يصلحون لتدبير الخلائق، وقسمة الرحمة، فليصعدوا في المعارج والطرق التي يتوصل بها إلى المقصود. ا ه.
سورة " ص " سورة مكية، تطوف بالقلب البشري حول تكذيب المكذبين، وعنت كفار مكة، وتورد جانبا من قصص الأنبياء، وقضية الحساب في الآخرة، وقصة آدم وإبليس.
وفي مقدمة السورة تُصوّر استغراب أهل مكة ودهشتهم من توحيد الألوهية والربوبية لله الواحد القهار، فقد ألفوا عباد الله الأوثان والأصنام، ونجد القرآن يستعرض حجتهم، ويناقش آراءهم.
المفردات :
مهزوم : مغلوب.
الأحزاب : المجتمعين لإيذاء محمد وكسر شوكته.
التفسير :
١١- ﴿ جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ﴾.
ماذا يمثل كفار مكة وصناديدها بالنسبة لقدرة الله العلي القدير، إنهم، ﴿ جند ما هنالك ﴾. بعيدا، لا يقرب من تصريف هذا الملك، وتدبير تلك الخزائن، ولا قدرة له على الاعتراض على مشيئة الله وإرادته، فليس له حق الملك، وليس له حق الاعتراض، وقد أهلكنا قبلهم جنودا كثيرة، كقوم نوح، وعاد وثمود، وقوم فرعون، فليس ببعيد علينا أهلاكهم.
قال ابن كثير :
هؤلاء الجند المكذّبون سيهزمون ويغلبون ويكْبتون، كما كُبت الذين من قبلهم من الأحزاب المكذبين، وهذه الآية كقوله جلّت عظمته :﴿ أم يقولون نحن جميع منتصر * سيهزم الجمع ويولون الدبر ﴾. [ القمر : ٤٤، ٤٥ ]. وقد كان ذلك يوم بدر١. ﴿ بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ﴾. [ القمر : ٤٦ ].
﴿ كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد ( ١٢ ) وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب ( ١٣ ) إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب ( ١٤ ) وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة مالها من فواق ( ١٥ ) وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ( ١٦ ) ﴾
المفردات :
الأوتاد : جمع وتد، وهو معروف.
التفسير :
١٢ – ﴿ كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد ﴾.
كذبت قبل قومك أمم من المكذبين فحق عليهم عذاب الله في الدنيا : فقد غرق قوم نوح، وأرسل الله ريحا عاتية أهلكت قوم عاد، وفرعون صاحب الملك الثابت ثبات الأوتاد، أو صاحب الأهرامات التي تمثل الثبات والاستقرار في ملك الدنيا كالأوتاد، أو الذي كان يعذّب المذنبين بالأوتاد يُشدُّون بها، ويعذبون عليها، أو صحاب الجنود الكثيرة الذين يوطدون ملكه كالأوتاد.
والخلاصة : ليس قومك يا محمد أوّل المكذبين، فقد كذّبت قبلهم أقوام فأهلكناهم، ومنهم قوم نوح وعاد وفرعون.
وأصحاب الأيكة : الأيكة : الشجر الكثيف الملتف، وأصحابها هم قوم شعيب.
التفسير :
١٣- ﴿ وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب ﴾.
أي : وكذبت ثمود نبي الله صالحا، وعقروا الناقة، قال تعالى :﴿ كذبت ثمود بطغواها * إذ انبعث أشقاها * فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها * فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها* ولا يخاف عقباها ﴾. [ الشمس : ١١-١٥ ].
وقوم لوط، كذبوا نبيهم لوطا، فأصابهم عذاب مهلك.
﴿ وأصحاب الأيكة ﴾.
الأيكة : الشجر الكثيف الملتف، وهم قوم شعيب كذبوا نبيهم، وخالفوا تعاليم السماء، فاستحقوا العذاب المهلك.
﴿ أولئك الأحزاب ﴾.
أولئك الكفار، المتحزّبون على الرسل عليهم السلام، كما تحزّب عليك قومك يا محمد.
ليس لهؤلاء الأقوام من صفات سوى تكذيب الرسل، فكانت نتيجة ذلك أن حلّ بهم عقابي، وثبت عليهم عذابي، فأغرق قوم نوح، وعاد أهلكت بالريح العقيم، وفرعون أُغرق مع جيشه، وأهلكت ثمود بالصيحة، وقوم لوط بالحاصب، وأصحاب الأيكة بعذاب يوم الظلّة.
وما ينظر هؤلاء، وما ينتظرون.
فواق : الفواق : الوقت بين الحلبتين.
التفسير :
١٥- ﴿ وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق ﴾.
ما ينتظر هؤلاء المكذبون من أهل مكة، إلا أن يصيح بهم الملك صيحة واحدة فيهلكوا جميعا، ولا يُنتظر بهم سحابة نهار، أو ظلام ليل، أو مقدار فواق ناقة، والفواق : ما بين الحلبتين، حيث كانت تحلب الماشية في الصباح، وفي المساء، وما بينهما يسمى فواقا. ١ بفتح الفاء وضمها.
أو أن المراد بالصيحة : النفخة الثانية التي ينفخها إسرافيل في الصور : فيقوم الناس للحساب والجزاء والذهاب إلى الجنة أو النار.
قال تعالى :﴿ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ﴾. [ الزمر : ٦٨ ].
والمقصود من الآية : تأكيد جزائهم، وتلقّيهم لما يستحقون، وأن الصيحة سريعة الوقوع، وأنها لن تتأخر عن وقتها، وأنها صيحة واحدة فقط، يتم بعدها كل شيء يتعلق بالبعث والجزاء.
قطنا : قسطنا ونصيبنا.
التفسير :
١٦- ﴿ وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ﴾.
القِط : النصيب من العذاب أو النعيم، ويطلق على الحظ، والكتاب بالجوائز.
استعرض القرآن أفكارهم عن الألوهية والنبوة والجزاء.
فقال عنهم :﴿ أجعل الآلهة إلها واحدا... ﴾ [ ص : ٥ ].
وقال عنهم :﴿ أأنزل عليه الذكر من بيننا… ﴾ [ ص : ٨ ].
وهنا يستعرض سخريتهم بالبعث والجزاء والحساب، وطلبهم تعجيل نصيبهم من العذاب في الدنيا قبل الموت.
والمعنى : عجّل لنا نصيبنا وقسطنا من الجزاء الأخروي هنا في الدنيا قبل الحساب، وهو لون من ألوان التعنّت، حكاه القرآن عنهم في سورة سابقة، مثل :﴿ وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ﴾. [ الأنفال : ٣٢ ].
ونسب سبحانه وتعالى إليهم جميعا، مع أن القائل هو النضر بن الحارث الذي تعجل نزول العذاب، وفيه نزل قوله سبحانه :﴿ سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليس له دافع ﴾. [ المعارج : ١، ٢ ].
وقيل : الذي تعجل نزول العذاب هو أبو جهل، لكن الجميع قد رضوا بقول هذا القائل، ولم يعترضوا عليه فنسب إليهم جميعا، وقيل : المراد بقوله تعالى :﴿ عجل لنا قطنا... ﴾ أي : صحائف أعمالنا لننظر فيها قبل يوم الحساب.
وقيل : المراد : نصيبنا في الجنة التي وعد بها محمد أتباعه، وكل هذه الآراء تشير إلى سخريتهم وتطاولهم وغرورهم، أو التحدّي لما يحدث في الآخرة.
قال تعالى :﴿ ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده، وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ﴾. [ الحج : ٤٧ ].
وقال تعالى :﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ].
﴿ اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب ( ١٧ ) إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق ( ١٨ ) والطير محشورة كل له أواب ( ١٩ ) وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ( ٢٠ )* ﴾
المفردات :
الأيد : القوة في العبادة، وكان يصوم يوما ويفطر يوما.
أواب : رجاع إلى الله أو مسبّح، من قولهم : آب إذا رجع، قال عبيد بن البرص :
وكل ذي غيبة يئوب وغائب الموت لا يئوب
تمهيد :
من شأن القرآن تصريف القول، والانتقال من فن إلى فن، ترويحا للسامع، وتلوينا في أسلوب الحديث، وهنا ينتقل القرآن إلى حكاية بعض الأنبياء تسلية للرسول، وليرى أن رسل الله تعرضوا للشدائد مثله، وصبروا حتى جاءهم النصر.
التفسير :
١٧-﴿ اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب ﴾.
أي : اصبر يا محمد على أذى قومك، وعلى قولهم :﴿ ساحر كذاب ﴾. وقولهم :﴿ اجعل الآلهة إلها واحدا... ﴾ وغير ذلك من أقوالهم، واذكر لهم قصة داود عليه السلام، صاحب القوة في الدين، والرجوع إلى الله تعالى بالصلاة والتسبيح وقراءة الزبور والمزامير.
قال ابن كثير : ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوما ويفطر يوما، ولا يفرّ إذا لاقى، وإنه كان أوبا " ١.
أي : رجاعا إلى الله تعالى في جميع شئونه، فكان كلما ذكر ذنبه أو خطر على باله، استغفر الله.
وأخرج البخاري في تاريخه، عن أبي الدرداء قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر داود وحدث عنه قال : " كان أعبد البشر "
والخلاصة : إن داود كان قويا في دينه بالصلاة والصيام والعبادة، وكان رجاعا توابا على الله.
وفي القرآن الكريم :﴿ فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل... ﴾ [ الأحقاب : ٣٥ ].
رواه البخاري في الجمعة (١١٣١) وفي أحاديث الأنبياء (٣٤٢٠) ومسلم في الصيام (١١٥٩) من حديث عبد الله ابن عمروا بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له " أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدس الليل ويصوم يوما ويفطر يوما "..
من شأن القرآن تصريف القول، والانتقال من فن إلى فن، ترويحا للسامع، وتلوينا في أسلوب الحديث، وهنا ينتقل القرآن إلى حكاية بعض الأنبياء تسلية للرسول، وليرى أن رسل الله تعرضوا للشدائد مثله، وصبروا حتى جاءهم النصر.
المفردات :
العشي : من زوال الشمس إلى غروبها.
الإشراق : وقت الضحى، يقال شرقت الشمس، أي طلعت، وأشرقت إذا أضاءت وصفت.
التفسير :
١٨-﴿ إن سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق ﴾.
ذللنا الجبال وطوعناها بحيث إذا سبّح كانت الجبال تسبح معه، في وقت العشي : وهو من الزوال إلى الغروب، وفي وقت الإشراق : وهو وقت صفاء الشمس ونورها وذلك وقت الضحى، وارتفاع ضوء الشمس، وتسبيح الجبال كان بلسان المقال لا بلسان الحال، لأن الله قيد التسبيح بأنه كان في وقت العشي والإشراق، وبأنه كان مع داود.
أما التسبيح بلسان الحال فهو موجود في كل وقت، ولكن بكيفية لا يعلمها إلا الله.
قال تعالى :﴿ تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم... ﴾ [ الإسراء : ٤٤ ].
وخصّ تسبيح الجبال بوقت العشي وبوقت الإشراق، لأهمية الوقتين، ففي الأول صلاة العصر، وفيه تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار، وفي الثاني وقت صلاة الضحى، وقد ورد فيها أحاديث كثيرة مشهورة، حتى قال محمد بن جرير الطبري : بلغت مبلغ التواتر، وذكر الشافعية أنها أفضل التطوع بعد الرواتب، وأقلها ركعتان، وأدنى كمالها أربع، فست، فثمان.
من شأن القرآن تصريف القول، والانتقال من فن إلى فن، ترويحا للسامع، وتلوينا في أسلوب الحديث، وهنا ينتقل القرآن إلى حكاية بعض الأنبياء تسلية للرسول، وليرى أن رسل الله تعرضوا للشدائد مثله، وصبروا حتى جاءهم النصر.
المفردات :
محشورة : محبوسة في الهواء أو مجموعة.
كل له أواب : منقاد، يسبّح تبعا له.
التفسير :
١٩-﴿ والطير محشورة كل له أواب ﴾.
أي : وسخرنا له الطير، حال كونها محبوسة في الهواء، تسبّح بتسبيحه، فإذا مرّت به الطير وهي سابحة في الهواء، وسمعته يترنم بقراءة الزبور، تقف وتسبّح معه، وفي هذا إيمان إلى ما لداود من حسن الترتيل، والصوت الجميل الذي يعجب به الحيوان الأعجم، فيجتمع عند رأسه يظلله ويتحرك بحركته كأنما حُشر وجمع من أجل ذكر داود لله.
﴿ كل له أواب ﴾.
أي : كلُّ من الجبال والطير مطيع مرجاع إلى أمره، يسبح تبعا له.
من شأن القرآن تصريف القول، والانتقال من فن إلى فن، ترويحا للسامع، وتلوينا في أسلوب الحديث، وهنا ينتقل القرآن إلى حكاية بعض الأنبياء تسلية للرسول، وليرى أن رسل الله تعرضوا للشدائد مثله، وصبروا حتى جاءهم النصر.
المفردات :
شددنا ملكه : قويناه بالهيبة والنصر.
الحكمة : إصابة الصواب في القول والعمل.
فصل الخطاب : الكلام الذي يفصل بين الحق والباطل.
التفسير :
٢٠-﴿ وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ﴾.
وقوينا ملكه بكثرة الجند، وبسطة الثراء، ونفوذ الكلمة، والنصر على الأعداء.
﴿ وآتيناه الحكمة ﴾. وهي وضع الشيء في موضعه، وحسن التأتي للأمور، أو النبوة أو كمال العلم وإتقان العمل، وتطلق الحكمة على إتقان الأمور، وصاحبها : حكيم.
قال تعالى :﴿ يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب ﴾. [ البقرة : ٢٦٩ ].
وفصل الخطاب. الخطاب الجامع المانع، أو الفصل في الخصومات، وعلم القضاء، مثل البينة على من ادّعى واليمين على من أنكر.
وروى أن فصل الخطاب هو قول : أما بعد، لأنها تفصل بين المقدمة والموضوع الذي يُتحدث فيه.
قال الآلوسي :
والمراد بفصل الخطاب : علم القضاء والفصل في الخصومات، وهو يتوقف على مزيد علم، ودقة فهم وتفهيم، وفيه تمييز بين الحق والباطل، وإيتاء الحقوق أربابها، وهو العدل الذي هو أساس الملك، ويلائمه أتم ملائمة قوله تعالى بعد ذلك :﴿ وهل آتاك نبأ الخصم... ﴾. [ ص : ٢١ ]. والله أعلم.
﴿ وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب ( ٢١ ) إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط ( ٢٢ ) إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب ( ٢٣ ) قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وهو راكعا وأناب ( ٢٤ ) فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ( ٢٥ ) ﴾
المفردات :
وهل أتاك : استفهام يراد منه التعجب والتشويق إلى استماع ما بعده.
نبأ : خبر.
الخصم : المتخاصمين أو الخصماء، ويطلق الخصم على المفرد والمثنى والجمع، والمذكر والمؤنث.
تسوروا : التسور : اعتلاء السّور والصّعود فوقه، مثل : تسنّم الجمل، إذا علا فوق سنامه.
المحراب : في الأصل : صدر المجلس، ومنه محراب المسجد، لأنه في صدره، ويطلق على مكان العبادة.
تمهيد عن فتنة داود عليه السلام
تعرّض داود عليه السلام لفتنة أو محنة، حيث تسوّر عليه رجلان السّور، ووصلا إلى الغرفة التي يتفرغ فيها للعبادة، وعرضا عليه خصومة بينهما، وتنبه داود إلى أنه قضى في الخصومة قبل أن يسمع الطرف الثاني، فاستغفر الله وتاب إليه، فغفر الله له، وجعل له زلفى وحسن مآب، وقد تعددت الآراء حول فتنة داود وخطيئته، والقرآن لم يذكر خطيئة هنا، وحسبنا كتاب الله، فيه غنية عما في غيره، لأن اليهود ادّعت على داود أنه رأى امرأة حسناء جميلة تغتسل، فلما أحسّت به أرسلت شعرها فسترها، فازداد تعلقا بها، وذهب إليها وسألها عن زوجها، فعلم أنه جندي يقاتل، فطلب من قائد الجيش أن يجعله في صدر الجيش، حتى قتل، ثم تزوج داود المرأة، وهي قصة من الإسرائيليات التي أمرنا بالتوقف عن قبولها، لأن عصمة الأنبياء جزء من عقيدتنا، فالله تعالى عصم ظواهر الأنبياء وبواطنهم من التلبس بأمر منهي عنه، وهذه القصة لا تليق بالأسوياء من الناس، فضلا عن رسول كرمه الله، وقال عنه :﴿ وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب. ﴾ [ ص : ٢٥ ] وتكريم القرآن له يغنينا، ويجعلنا نثق بكلام ربّنا، ونرفض اتهام اليهود له بأنه ساق ( أوريا ) إلى الحرب حتى يقتل، ولم يحزن عليه، وتزوج امرأته بعد وفاته، أو أنه خطبها بعد أن خطبها أوريا، ففضل أهلها داود، أو أنها أعجبته فطلب من زوجها أن يتنازل عنها لداود، فقبل على استحياء، وطلقها ثم تزوّجها داود، وكلها آراء مدْخولة، تحتاج إلى سند قوي من النقل والعقل، ولا سند لها من النقل ولا من العقل، فالنقل يفيد أنّ الله قوىَّ ملكه، وأعطاه القول الحقّ، والمنطق والحكمة وفصل الخطاب، والعقل يفيد أن الله أعلم حيث يجعل رسالته، فإذا اختارا رسولا ملكا، وأعطاه المواهب الإلهية، حفظه من التلبُّس بما لا يليق بالرسل الكرام، وقد ورد الثناء على داود في الصحيحين بأنه أفضل الناس عبادة وصلاة وصياما.
وعن سعيد بن المسيب، أن علي بن أي طالب قال، من حدث بحديث داود على ما يرويه القصّاص جلدته مائة وستين جلدة، وهو حد القذف في حق الأنبياء.
كما روى أنه حُدّث بذلك عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحق، فكذّب المحدِّث به، وقال : إن كانت القصة على ما في كتاب الله، فالتماس خلافها كذب واختلاق، فقال عمر بن عبد العزيز : لسماعي هذا الكلام أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس.
والأنبياء والمرسلون يجب في شأنهم العصمة والصدق والأمانة، والتبليغ والفطانة، لأن الله جعلهم واسطة بينه وبين الناس، وأقام بهم الحجة على البشر بأنه بلغهم وحيه وأمره.
قال تعالى :﴿ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ﴾. [ النساء : ١٦٥ ].
وقال سبحانه :﴿ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده... ﴾ [ الأنعام : ٩٠ ].
التفسير :
٢١-﴿ وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب ﴾.
وهل وصل إلى علمك أيها الرسول الكريم ذلك النبأ العجيب، وهو تسوّر خصمين السور على داود، حال كونه متفرغا للعبادة، إن كان هذا النبأ العجيب لم يصل إلى علمك، فها نحن نقصّه عليك.
تعرّض داود عليه السلام لفتنة أو محنة، حيث تسوّر عليه رجلان السّور، ووصلا إلى الغرفة التي يتفرغ فيها للعبادة، وعرضا عليه خصومة بينهما، وتنبه داود إلى أنه قضى في الخصومة قبل أن يسمع الطرف الثاني، فاستغفر الله وتاب إليه، فغفر الله له، وجعل له زلفى وحسن مآب، وقد تعددت الآراء حول فتنة داود وخطيئته، والقرآن لم يذكر خطيئة هنا، وحسبنا كتاب الله، فيه غنية عما في غيره، لأن اليهود ادّعت على داود أنه رأى امرأة حسناء جميلة تغتسل، فلما أحسّت به أرسلت شعرها فسترها، فازداد تعلقا بها، وذهب إليها وسألها عن زوجها، فعلم أنه جندي يقاتل، فطلب من قائد الجيش أن يجعله في صدر الجيش، حتى قتل، ثم تزوج داود المرأة، وهي قصة من الإسرائيليات التي أمرنا بالتوقف عن قبولها، لأن عصمة الأنبياء جزء من عقيدتنا، فالله تعالى عصم ظواهر الأنبياء وبواطنهم من التلبس بأمر منهي عنه، وهذه القصة لا تليق بالأسوياء من الناس، فضلا عن رسول كرمه الله، وقال عنه :﴿ وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب. ﴾ [ ص : ٢٥ ] وتكريم القرآن له يغنينا، ويجعلنا نثق بكلام ربّنا، ونرفض اتهام اليهود له بأنه ساق ( أوريا ) إلى الحرب حتى يقتل، ولم يحزن عليه، وتزوج امرأته بعد وفاته، أو أنه خطبها بعد أن خطبها أوريا، ففضل أهلها داود، أو أنها أعجبته فطلب من زوجها أن يتنازل عنها لداود، فقبل على استحياء، وطلقها ثم تزوّجها داود، وكلها آراء مدْخولة، تحتاج إلى سند قوي من النقل والعقل، ولا سند لها من النقل ولا من العقل، فالنقل يفيد أنّ الله قوىَّ ملكه، وأعطاه القول الحقّ، والمنطق والحكمة وفصل الخطاب، والعقل يفيد أن الله أعلم حيث يجعل رسالته، فإذا اختارا رسولا ملكا، وأعطاه المواهب الإلهية، حفظه من التلبُّس بما لا يليق بالرسل الكرام، وقد ورد الثناء على داود في الصحيحين بأنه أفضل الناس عبادة وصلاة وصياما.
وعن سعيد بن المسيب، أن علي بن أي طالب قال، من حدث بحديث داود على ما يرويه القصّاص جلدته مائة وستين جلدة، وهو حد القذف في حق الأنبياء.
كما روى أنه حُدّث بذلك عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحق، فكذّب المحدِّث به، وقال : إن كانت القصة على ما في كتاب الله، فالتماس خلافها كذب واختلاق، فقال عمر بن عبد العزيز : لسماعي هذا الكلام أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس.
والأنبياء والمرسلون يجب في شأنهم العصمة والصدق والأمانة، والتبليغ والفطانة، لأن الله جعلهم واسطة بينه وبين الناس، وأقام بهم الحجة على البشر بأنه بلغهم وحيه وأمره.
قال تعالى :﴿ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ﴾. [ النساء : ١٦٥ ].
وقال سبحانه :﴿ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده... ﴾ [ الأنعام : ٩٠ ].
المفردات :
ففزع منهم : الفزع : انقباض يعتري الإنسان من الشيء المخيف.
بغى بعضنا : جار وظلم.
ولا تشطط : الشطط : مجاورة الحق في كل شيء، يقال : شط فلان على فلان في الحكم، واشتط، إذا ظلم وتجاوز الحق إلى الباطل.
واهدنا : دلّنا وأرشدنا.
سواء الصراط : الطريق السوّي.
التفسير :
٢٢-﴿ إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط ﴾.
فما إن دخلوا على داود حتى فزع خوفا منهم، فهو متفرغ للعبادة، وحوله حراس، ولم يأتوه من الباب، ولم يستأذنوا في الدخول عليه، ولم يأتوه في اليوم الذي يجلس فيه للقضاء، فظن أنهم يريدون به سوءا، كالقتل أو الإيذاء، لكنهم بادروه مطمئنين، وقالوا له : لا تخف منا، فما أردنا بك سوءا لكن قصدناك لتقضي بيننا في خصومة، فنرجو أن تحكم بيننا بالحق والعدل، ولا تبتعد بالإنصاف إلى الشطط والجور، وأرشدنا إلى الطريق السوّي الذي نتبعه، فقد بغى أحدنا على الآخر، ويبدوا أن الذي كلم داود وطلب منه الحكم بالعدل، والبعد عن الجور والظلم، وهو ذلك الخصم الذي شعر بمرارة الظلم وفداحته، فلم يتلطف في القول، وتجرأ في أمر داود بالحكم بالعدل والبعد عن الشطط، وكان نبي الله داود مثلا يحتذى، ونموذجا يقتدى به في احتمال خطأ الخصوم، والصبر والاحتمال والحلم والابتعاد عن الغضب.
من تفسير القرطبي
قال القرطبي :
فإن قيل : لِمَ فزع داود وهو نبي، وقد قويت نفسه بالنبوّة، واطمأنت بالوحي، ووثقت بما آتاه الله من المنزلة، وأظهر على يديه من الآيات وكان من الشجاعة في غاية المكانة ؟
قيل له : ذلك سبيل الأنبياء قبله، لم يأمنوا القتل والأذية، ومنهم من كان يخاف، ألا ترى إلى موسى وهارون – عليهما السلام – كيف قالا :﴿ إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى ﴾. [ طه : ٤٥ ] أي : فرعون، فقال الله لهما :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ﴾. [ طه : ٤٦ ].
ويمكن أن نزيد على الكلام القرطبي ما يأتي : إن داود جاء في أعقاب موسى، وقد اعتدى بنو إسرائيل على الأنبياء بالقتل.
قال تعالى :﴿ سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغر حق... ﴾ [ آل عمران : ١٨١ ].
وقال تعالى :﴿ فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق... ﴾ [ النساء : ١٥٥ ].
تعرّض داود عليه السلام لفتنة أو محنة، حيث تسوّر عليه رجلان السّور، ووصلا إلى الغرفة التي يتفرغ فيها للعبادة، وعرضا عليه خصومة بينهما، وتنبه داود إلى أنه قضى في الخصومة قبل أن يسمع الطرف الثاني، فاستغفر الله وتاب إليه، فغفر الله له، وجعل له زلفى وحسن مآب، وقد تعددت الآراء حول فتنة داود وخطيئته، والقرآن لم يذكر خطيئة هنا، وحسبنا كتاب الله، فيه غنية عما في غيره، لأن اليهود ادّعت على داود أنه رأى امرأة حسناء جميلة تغتسل، فلما أحسّت به أرسلت شعرها فسترها، فازداد تعلقا بها، وذهب إليها وسألها عن زوجها، فعلم أنه جندي يقاتل، فطلب من قائد الجيش أن يجعله في صدر الجيش، حتى قتل، ثم تزوج داود المرأة، وهي قصة من الإسرائيليات التي أمرنا بالتوقف عن قبولها، لأن عصمة الأنبياء جزء من عقيدتنا، فالله تعالى عصم ظواهر الأنبياء وبواطنهم من التلبس بأمر منهي عنه، وهذه القصة لا تليق بالأسوياء من الناس، فضلا عن رسول كرمه الله، وقال عنه :﴿ وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب. ﴾ [ ص : ٢٥ ] وتكريم القرآن له يغنينا، ويجعلنا نثق بكلام ربّنا، ونرفض اتهام اليهود له بأنه ساق ( أوريا ) إلى الحرب حتى يقتل، ولم يحزن عليه، وتزوج امرأته بعد وفاته، أو أنه خطبها بعد أن خطبها أوريا، ففضل أهلها داود، أو أنها أعجبته فطلب من زوجها أن يتنازل عنها لداود، فقبل على استحياء، وطلقها ثم تزوّجها داود، وكلها آراء مدْخولة، تحتاج إلى سند قوي من النقل والعقل، ولا سند لها من النقل ولا من العقل، فالنقل يفيد أنّ الله قوىَّ ملكه، وأعطاه القول الحقّ، والمنطق والحكمة وفصل الخطاب، والعقل يفيد أن الله أعلم حيث يجعل رسالته، فإذا اختارا رسولا ملكا، وأعطاه المواهب الإلهية، حفظه من التلبُّس بما لا يليق بالرسل الكرام، وقد ورد الثناء على داود في الصحيحين بأنه أفضل الناس عبادة وصلاة وصياما.
وعن سعيد بن المسيب، أن علي بن أي طالب قال، من حدث بحديث داود على ما يرويه القصّاص جلدته مائة وستين جلدة، وهو حد القذف في حق الأنبياء.
كما روى أنه حُدّث بذلك عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحق، فكذّب المحدِّث به، وقال : إن كانت القصة على ما في كتاب الله، فالتماس خلافها كذب واختلاق، فقال عمر بن عبد العزيز : لسماعي هذا الكلام أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس.
والأنبياء والمرسلون يجب في شأنهم العصمة والصدق والأمانة، والتبليغ والفطانة، لأن الله جعلهم واسطة بينه وبين الناس، وأقام بهم الحجة على البشر بأنه بلغهم وحيه وأمره.
قال تعالى :﴿ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ﴾. [ النساء : ١٦٥ ].
وقال سبحانه :﴿ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده... ﴾ [ الأنعام : ٩٠ ].
المفردات :
نعجة : هي أنثى الضأن، وتطلق على المرأة مجازا.
أكفلنيها : اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدي، والمراد : ملكنيها، أو اجعلها كفلي، أي : نصيبي.
وعزني : غلبني.
في الخطاب : في المجادلة والمحاجة.
التفسير :
٢٣- ﴿ إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب ﴾.
إن هذا أخي يملك تسعا وتسعين نعجة، وأنا أملك نعجة واحدة، فطلب منّي أن أتنازل له عن نعجتي حتى تكتمل النعاج عنده مائة، وهو رقم مكتمل، وجاء بحجج وأدلة قوية غلبني بها ولم أستطع الردّ عليها، لقد كانا أخوين في النسب، أو في شركة، أو في الدّين، أو في الصحبة، لكن الغنيّّ كان جشعا لا يشبع، فالمفروض أن ساعد الغني الفقير ويعطف عليه.
قال تعالى :﴿ وآتوهم من مال الله الذي آتاكم... ﴾ [ النور : ٣٣ ].
تعرّض داود عليه السلام لفتنة أو محنة، حيث تسوّر عليه رجلان السّور، ووصلا إلى الغرفة التي يتفرغ فيها للعبادة، وعرضا عليه خصومة بينهما، وتنبه داود إلى أنه قضى في الخصومة قبل أن يسمع الطرف الثاني، فاستغفر الله وتاب إليه، فغفر الله له، وجعل له زلفى وحسن مآب، وقد تعددت الآراء حول فتنة داود وخطيئته، والقرآن لم يذكر خطيئة هنا، وحسبنا كتاب الله، فيه غنية عما في غيره، لأن اليهود ادّعت على داود أنه رأى امرأة حسناء جميلة تغتسل، فلما أحسّت به أرسلت شعرها فسترها، فازداد تعلقا بها، وذهب إليها وسألها عن زوجها، فعلم أنه جندي يقاتل، فطلب من قائد الجيش أن يجعله في صدر الجيش، حتى قتل، ثم تزوج داود المرأة، وهي قصة من الإسرائيليات التي أمرنا بالتوقف عن قبولها، لأن عصمة الأنبياء جزء من عقيدتنا، فالله تعالى عصم ظواهر الأنبياء وبواطنهم من التلبس بأمر منهي عنه، وهذه القصة لا تليق بالأسوياء من الناس، فضلا عن رسول كرمه الله، وقال عنه :﴿ وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب. ﴾ [ ص : ٢٥ ] وتكريم القرآن له يغنينا، ويجعلنا نثق بكلام ربّنا، ونرفض اتهام اليهود له بأنه ساق ( أوريا ) إلى الحرب حتى يقتل، ولم يحزن عليه، وتزوج امرأته بعد وفاته، أو أنه خطبها بعد أن خطبها أوريا، ففضل أهلها داود، أو أنها أعجبته فطلب من زوجها أن يتنازل عنها لداود، فقبل على استحياء، وطلقها ثم تزوّجها داود، وكلها آراء مدْخولة، تحتاج إلى سند قوي من النقل والعقل، ولا سند لها من النقل ولا من العقل، فالنقل يفيد أنّ الله قوىَّ ملكه، وأعطاه القول الحقّ، والمنطق والحكمة وفصل الخطاب، والعقل يفيد أن الله أعلم حيث يجعل رسالته، فإذا اختارا رسولا ملكا، وأعطاه المواهب الإلهية، حفظه من التلبُّس بما لا يليق بالرسل الكرام، وقد ورد الثناء على داود في الصحيحين بأنه أفضل الناس عبادة وصلاة وصياما.
وعن سعيد بن المسيب، أن علي بن أي طالب قال، من حدث بحديث داود على ما يرويه القصّاص جلدته مائة وستين جلدة، وهو حد القذف في حق الأنبياء.
كما روى أنه حُدّث بذلك عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحق، فكذّب المحدِّث به، وقال : إن كانت القصة على ما في كتاب الله، فالتماس خلافها كذب واختلاق، فقال عمر بن عبد العزيز : لسماعي هذا الكلام أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس.
والأنبياء والمرسلون يجب في شأنهم العصمة والصدق والأمانة، والتبليغ والفطانة، لأن الله جعلهم واسطة بينه وبين الناس، وأقام بهم الحجة على البشر بأنه بلغهم وحيه وأمره.
قال تعالى :﴿ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ﴾. [ النساء : ١٦٥ ].
وقال سبحانه :﴿ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده... ﴾ [ الأنعام : ٩٠ ].
المفردات :
الخلطاء : الشركاء.
فتناه : امتحنّاه وابتليناه.
فاستغفر ربه : سأله المغفرة والصفح.
خر راكعا : سقط وهوى ساجدا.
وأناب : ورجع إلى الله تعالى بالتوبة.
التفسير :
٢٤-{ قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه، وخرّ راكعا وأناب.
أي قال داود للشاكي : إنّ أخاك قد ظلمك حين طلب منك أن تضم نعجتك إلى نعاجه، فأنت فقير بسيط، يجب عليك أن يقويك ويزيدك، لا أن يأخذ منك، ورغب داود في مواساة الشاكي فبين له أن كثيرا من الخلطاء والشركاء يجور بعضهم على بعض في التعامل، كما قال المتنبي :
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفّة فلعلة لا يظلم.
إلا المؤمنين الذين يراقبون الله، ويرغبون في صالح الأعمال، فيبتعدون عن الظلم والطمع والجشع، وما أقل هؤلاء عددا، وأنذرهم وجودا، كما قال تعالى :﴿ وقليل من عبادي الشكور ﴾. [ سبأ : ١٣ ].
ولعل هذه القضية ذكّرت داود بشيء ما طمع فيه من صاحبه، قد يكون فرسا جميلا، أو أرضا، أو أي شيء رغب في تملّكه وهو النبيّ الملك، وكانت هذه القضية وسيلة ذكّرته شيئا ما فعله شبيها بها، فاستغفر الله عما فعله، وخرّ ساجدا، راجعا مُنيبا إلى الله تعالى مستغفرا.
وقيل : إن داود تسرع في الحكم فقضى للمدّعي قبل أن يسمع دفاع المدَّعَى عليه، ثم تنبّه للأمر فاستغفر الله وخر ساجدا لله، وأناب إليه لأنه لم يسمع شهادة الشهود، أو لم يسمع قول المدّعى عليه.
وقيل : إن داود عليه السلام احتجب عن رعيته متبتلا، منقطعا لعبادة ربّه، فعوقب في ذلك، وكانت هذه المحاورة لتذكيره بأن القضاء بين الناس، والانشغال بشئون الرعية أولى من التبتل والعبادة، فاستغفر الله لذلك فغفر الله له.
قال ابن عباس : إن داود جزأ زمانه أربعة أجزاء : يوما للعبادة، ويوما للقضاء، ويوما للاشتغال بخواص أموره، ويوما يجمع فيه بني إسرائيل فيعظهم ويبكيهم، ففاجأوه في غير يوم القضاء ففزع منهم لأنهم نزلوا عليه من فوق، وفي يوم الاحتجاب، والحرس حوله لا يتركون من يدخل عليه.
تعرّض داود عليه السلام لفتنة أو محنة، حيث تسوّر عليه رجلان السّور، ووصلا إلى الغرفة التي يتفرغ فيها للعبادة، وعرضا عليه خصومة بينهما، وتنبه داود إلى أنه قضى في الخصومة قبل أن يسمع الطرف الثاني، فاستغفر الله وتاب إليه، فغفر الله له، وجعل له زلفى وحسن مآب، وقد تعددت الآراء حول فتنة داود وخطيئته، والقرآن لم يذكر خطيئة هنا، وحسبنا كتاب الله، فيه غنية عما في غيره، لأن اليهود ادّعت على داود أنه رأى امرأة حسناء جميلة تغتسل، فلما أحسّت به أرسلت شعرها فسترها، فازداد تعلقا بها، وذهب إليها وسألها عن زوجها، فعلم أنه جندي يقاتل، فطلب من قائد الجيش أن يجعله في صدر الجيش، حتى قتل، ثم تزوج داود المرأة، وهي قصة من الإسرائيليات التي أمرنا بالتوقف عن قبولها، لأن عصمة الأنبياء جزء من عقيدتنا، فالله تعالى عصم ظواهر الأنبياء وبواطنهم من التلبس بأمر منهي عنه، وهذه القصة لا تليق بالأسوياء من الناس، فضلا عن رسول كرمه الله، وقال عنه :﴿ وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب. ﴾ [ ص : ٢٥ ] وتكريم القرآن له يغنينا، ويجعلنا نثق بكلام ربّنا، ونرفض اتهام اليهود له بأنه ساق ( أوريا ) إلى الحرب حتى يقتل، ولم يحزن عليه، وتزوج امرأته بعد وفاته، أو أنه خطبها بعد أن خطبها أوريا، ففضل أهلها داود، أو أنها أعجبته فطلب من زوجها أن يتنازل عنها لداود، فقبل على استحياء، وطلقها ثم تزوّجها داود، وكلها آراء مدْخولة، تحتاج إلى سند قوي من النقل والعقل، ولا سند لها من النقل ولا من العقل، فالنقل يفيد أنّ الله قوىَّ ملكه، وأعطاه القول الحقّ، والمنطق والحكمة وفصل الخطاب، والعقل يفيد أن الله أعلم حيث يجعل رسالته، فإذا اختارا رسولا ملكا، وأعطاه المواهب الإلهية، حفظه من التلبُّس بما لا يليق بالرسل الكرام، وقد ورد الثناء على داود في الصحيحين بأنه أفضل الناس عبادة وصلاة وصياما.
وعن سعيد بن المسيب، أن علي بن أي طالب قال، من حدث بحديث داود على ما يرويه القصّاص جلدته مائة وستين جلدة، وهو حد القذف في حق الأنبياء.
كما روى أنه حُدّث بذلك عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحق، فكذّب المحدِّث به، وقال : إن كانت القصة على ما في كتاب الله، فالتماس خلافها كذب واختلاق، فقال عمر بن عبد العزيز : لسماعي هذا الكلام أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس.
والأنبياء والمرسلون يجب في شأنهم العصمة والصدق والأمانة، والتبليغ والفطانة، لأن الله جعلهم واسطة بينه وبين الناس، وأقام بهم الحجة على البشر بأنه بلغهم وحيه وأمره.
قال تعالى :﴿ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ﴾. [ النساء : ١٦٥ ].
وقال سبحانه :﴿ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده... ﴾ [ الأنعام : ٩٠ ].
المفردات :
لزلفى : لقربى ومكانة.
مآب : مرجع في الآخرة
التفسير :
٢٥-﴿ فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ﴾.
أي : قَبِل الله تعالى منه توبته، ورفع درجته، وإنّ له عند الله مآبا حسنا، ومرجعا كريما في الآخرة، عند مليك مقتدر، وتذكرنا هذه الآية بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر الله تعالى في اليوم والليلة مائة مرة، وأن الأبرار المقربين يرجعون إلى الله، ويتبتلون إليه، ويكثرون من التوبة والاستغفار، وأن الله يحفظ الرسل الكرام من الخطايا والكبائر، فهم لا يرتكبون إلا خلاف الأولى، ثم هم يعودون لله تائبين راجعين باكين مستغفرين، وقد كان داود كثير السجود، كثير البكاء، كثير العبادة، كثير الرجاء، وتكفي هذه الآية كدليل على ذلك، وكلها حنان وعطف ومغفرة في الدنيا، وبيان بالزلفى والقربى والجنة في الآخرة، مع حسن المآب والمرجع، وحسن المنزلة عند الله تعالى.
المفردات :
خليفة : استخلفناك على الملك في الأرض، أو جعلناك خليفة لمن كان قبلك من الأنبياء القائمين بالحق.
سبيل الله : طريق الله الحق، وصراطه المستقيم.
نسوا يوم الحساب : أهملوه وتناسوه كأنه غير موجود، وتركوا العمل له.
تمهيد :
أتبع الحق سبحانه وتعالى قصة داود بدعوته ودعوة الناس جميعا إلى الحكم بالعدل، والبعد عن الهوى والظلم.
ويقول العلماء : إنك إذا ابتُليتَ بشخص معاند مكابر، لا يفتح قلبه للدليل، ولا يفتح عقله للمنطق والبرهان، فمن أساليب السياسة الحكيمة أن تروي له قصة، أو تحكي له موضوعا، فيفتح مداركه لاستيعابه، ويسترسل وراءك لمتابعته، ومن السهل بعد ذلك أن تعيد عليه عرض الموضوع، فربما ترك المكابرة والعناد.
ولذلك أعاد القرآن هنا عرض قضية التوحيد والحساب، وقيام الكون كله على طاعة الله وتوحيده، فبين أن الكون لم يخلق عبثا، وإنما ليشهد بقدرة الخالق، ولولا البعث والجزاء لتساوى الأتقياء والفجّار. وقد أنزل الله القرآن للتدبر وإعمال العقل، فهو كتاب مبارك، يأخذ بيد العقلاء إلى التأمل والتفكر، ثم الإيمان بالله واليوم الآخر.
التفسير :
٢٦-﴿ يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ﴾.
تأتي هذه الآيات بعد قوله تعالى :{ فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب.
فالله غفر له، وجعل له منزلة عليا، وأرشده على استكمال هذه المنزلة العالية، أو أمره أمرا مستقلا بأن يحكم بالعدل.
ومعنى الآية :
لقد استخلفناك يا داود في الحكم بين الناس، وجعلناك رسولا ملكا، جمعت بين الرسالة والملك، فاحكم بين الناس بالعدل، وقد تكرر الأمر بالعدل في القرآن الكريم، وعلى العدل قامت السماوات والأرض، والله تعالى هو الحق، والقرآن نزل بالحق.
قال تعالى :﴿ إن الله يأمركم أن تؤذوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل... ﴾[ الناس : ٥٨ ].
﴿ ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله... ﴾
أي : لا تمل عن الحق ولا تحد عنه، فتتبع هوى نفسك، فإن اتباع الهوى يبعدك عن طريق الله السويّ، وسبيله المستقيم.
وإتباع الهوى يطلق على الميل الشخصي، أو طاعة الشيطان، أو الخروج عن العدل إلى الظلم، وقد حذر القرآن الكريم من اتباع الهوى في كثير من آياته.
قال تعالى :﴿ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ﴾. [ الجاثية : ٢٣ ].
ويقول البوصيري :
والنفس كالطفل إن تهمله شبّ على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فاحذر هواها وحاذر أن تولّيه إن الهوى ما تولّى يصم أو يصم.
﴿ إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ﴾.
الذين يتركون الحق، ويضلّون عن سبيل معالمه، ويرْتضون بالباطل، لهم عذاب شديد يوم القيامة، لنسيانهم ما في القيامة من الأهوال العظام التي يشيب لها الوليد، وأنه يوم الدين ويوم العدالة، وأن الله سيحاسب فيه كل نفس بما كسبت، وسيجازي في هذا اليوم على الإحسان إحسانا، وعلى السوء سوءا.
قال تعالى :﴿ ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها ﴾. [ الشمس : ٧-١٠ ].
ويقول الله تعالى في الحديث القدسي الذي رواه النبي صلى الله عليه وسلم : " يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا " ١.
رواه مسلم في البر والصلة والآداب (٢٥٧٧)، والترمذي في صفة القيامة (٢٤٥٩) وابن ماجة (٤٢٧٥) وأحمد (٥/١٥٤، ١٦٠، ١٧٧)، وعبد الرزاق (٢٠٢٧٢) من حديث أب ذر..
أتبع الحق سبحانه وتعالى قصة داود بدعوته ودعوة الناس جميعا إلى الحكم بالعدل، والبعد عن الهوى والظلم.
ويقول العلماء : إنك إذا ابتُليتَ بشخص معاند مكابر، لا يفتح قلبه للدليل، ولا يفتح عقله للمنطق والبرهان، فمن أساليب السياسة الحكيمة أن تروي له قصة، أو تحكي له موضوعا، فيفتح مداركه لاستيعابه، ويسترسل وراءك لمتابعته، ومن السهل بعد ذلك أن تعيد عليه عرض الموضوع، فربما ترك المكابرة والعناد.
ولذلك أعاد القرآن هنا عرض قضية التوحيد والحساب، وقيام الكون كله على طاعة الله وتوحيده، فبين أن الكون لم يخلق عبثا، وإنما ليشهد بقدرة الخالق، ولولا البعث والجزاء لتساوى الأتقياء والفجّار. وقد أنزل الله القرآن للتدبر وإعمال العقل، فهو كتاب مبارك، يأخذ بيد العقلاء إلى التأمل والتفكر، ثم الإيمان بالله واليوم الآخر.
المفردات :
باطلا : عبثا ولهوا.
ويل : هلاك وعذاب يأتيهم من النار.
التفسير :
٢٧- ﴿ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ﴾.
لم نخلق السماء والأرض، والفضاء والهواء، والكون كله باطلا وعبثا ولهوا، بل خلقناه لحكمة، وهي معرفة الناس لله وعبادته وطاعته، وامتثال أمره، واجتناب نواهيه.
قال تعالى :﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾. [ الذاريات : ٥٦ ]..
أي : ليعرفوني ويعبدوني ويطيعوني.
﴿ ذلك ظن الذين كفروا ﴾.
بأنهم خلقوا عبثا، وسيتركون سدى، فلا بعث ولا حشر ولا حساب ولا جزاء، والآية ردٌّ على المشركين في إنكار البعث، ذلك لأن هذا الكون البديع يحتاج إلى إله عادل، والدنيا ليست دار جزاء، فلا بد من يوم للجزاء العادل، وإنكار هذا اليوم كفر.
﴿ فويل للذين كفروا من النار ﴾.
الذين كفروا بالله، وعزموا على هذا الكفر، وأصروا على أنهم لو مكثوا في الدنيا خالدين لاستمرّ كفرهم بالله، فسيكون عقابهم النار، التي يصلون عذابها فتحرق أجسامهم، ويأكلون الضريع والزقوم وجمر جهنم وحجارتها، ثم يسقون من الحميم الذي يُقطّع أمعاءهم، ويشوي وجوههم.
أتبع الحق سبحانه وتعالى قصة داود بدعوته ودعوة الناس جميعا إلى الحكم بالعدل، والبعد عن الهوى والظلم.
ويقول العلماء : إنك إذا ابتُليتَ بشخص معاند مكابر، لا يفتح قلبه للدليل، ولا يفتح عقله للمنطق والبرهان، فمن أساليب السياسة الحكيمة أن تروي له قصة، أو تحكي له موضوعا، فيفتح مداركه لاستيعابه، ويسترسل وراءك لمتابعته، ومن السهل بعد ذلك أن تعيد عليه عرض الموضوع، فربما ترك المكابرة والعناد.
ولذلك أعاد القرآن هنا عرض قضية التوحيد والحساب، وقيام الكون كله على طاعة الله وتوحيده، فبين أن الكون لم يخلق عبثا، وإنما ليشهد بقدرة الخالق، ولولا البعث والجزاء لتساوى الأتقياء والفجّار. وقد أنزل الله القرآن للتدبر وإعمال العقل، فهو كتاب مبارك، يأخذ بيد العقلاء إلى التأمل والتفكر، ثم الإيمان بالله واليوم الآخر.
المفردات :
الفجار : جمع فاجر، وهو من ينطلق في المعاصي.
التفسير :
٢٨- ﴿ أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ﴾.
على العدل والحق قامت السماوات والأرض، والكون لم يخلق عبثا وإنما لحكمة سامية هي معرفة الله وطاعته، فمن أطاع الله في الدنيا فله الجنة في الآخرة، ومن عصاه في الدنيا فعقوبته النار في الآخرة.
وهنا في هذه الآية إضراب انتقالي.
والمعنى : بل أنجعل المؤمنين بالله، الذي عمّروا دنياهم بالأعمال الصالحة، ونفع البلاد والعباد مرضاة لله، كالمفسدين في الأرض، بالزنا والسرقة والكبر والبطر وإتباع الهوى ؟ أم نجعل المتقين لله الخائفين من عقابه الممتثلين لأمره، كالفجار الذين خرجوا على طاعته، واستحلوا مخالفته، وتكبروا على هدي رسله ؟ وتلتقي هذه الآية مع الآية السابقة عليها، على أن البعث حق حتى يكافأ العاملون المصلحون، ويعاقب المفسدون الفجار.
أتبع الحق سبحانه وتعالى قصة داود بدعوته ودعوة الناس جميعا إلى الحكم بالعدل، والبعد عن الهوى والظلم.
ويقول العلماء : إنك إذا ابتُليتَ بشخص معاند مكابر، لا يفتح قلبه للدليل، ولا يفتح عقله للمنطق والبرهان، فمن أساليب السياسة الحكيمة أن تروي له قصة، أو تحكي له موضوعا، فيفتح مداركه لاستيعابه، ويسترسل وراءك لمتابعته، ومن السهل بعد ذلك أن تعيد عليه عرض الموضوع، فربما ترك المكابرة والعناد.
ولذلك أعاد القرآن هنا عرض قضية التوحيد والحساب، وقيام الكون كله على طاعة الله وتوحيده، فبين أن الكون لم يخلق عبثا، وإنما ليشهد بقدرة الخالق، ولولا البعث والجزاء لتساوى الأتقياء والفجّار. وقد أنزل الله القرآن للتدبر وإعمال العقل، فهو كتاب مبارك، يأخذ بيد العقلاء إلى التأمل والتفكر، ثم الإيمان بالله واليوم الآخر.
المفردات :
مبارك : كثير المنافع الدينية والدنيوية.
ليدبروا : ليتفكروا.
ليتذكر : ك ليتعظ.
الألباب : جمع لبّ، وهو العقل، وجمعه : عقول، أي : ليتذكر أصحاب العقول ربّهم.
التفسير :
٢٩-﴿ كتاب أنزلناه إليك مباركا ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ﴾.
أي : هذا القرآن كتاب مبين، أنزلناه من السماء إليك يا محمد، مشتملا على البركة والخير، وسعادة الدنيا والآخرة، وقد أنزلناه بواسطة جبريل الأمين ليتدبروا آياته وأحكامه، وأوامره ونواهيه، فتخشع قلوبهم، وتلين أفئدتهم، وقد أنزلنا هذا الكتاب ليستخدم أصحاب العقول عقولهم، في تأمل حديث القرآن عن بدء الخليقة، وعن إبداع الكون، وعن قصص الأوّلين، وعن التشريع والأحكام، والآداب والوصايا، وعن القيامة وأحوالها، وبذلك يؤمنون ويهتدون بعد تدبر وتذكر.
والآية كما ترى دعوة إلى استخدام العقل والفكر واللبّ، وترك التقليد الأعمى، والتدبر لا يكون بحفظ حروفه وإهمال حدوده، بل بهما معا.
قال الحسن البصري :
قد قرأ القرآن عبيد وصبيان، لا علم لهم بتأويله، حفظوا حروفه، وضيّعوا حدوده، حتى إن أحدهم ليقول : والله لقد قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفا، وقد – والله – أسقطه كله، وما يرى للقرآن عليه أثر في خُلق ولا عمل، والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، والله ما هؤلاء بالحكماء والأتقياء، ولا أكثر الله في الناس من مثل هؤلاء.
﴿ ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب ( ٣٠ ) إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد ( ٣١ ) فقال إني أحببت حب الخير عن ذكري ربي حتى توارت بالحجاب ( ٣٢ ) ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق( ٣٣ ) ﴾
المفردات : أعطينا ومنحنا.
نعم : كلمة تدل على المدح والثناء.
أواب : رجاع إلى الله بالتوبة والتسبيح.
التفسير :
٣٠-﴿ ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب ﴾.
أنعم الله على داود بسليمان.
قال تعالى :﴿ وورث سليمان داود... ﴾ [ النمل : ١٦ ].
ووصف الله سليمان بأنه نعم العبد، أي : نعم العبد المطيع لله، والعبودية الحق لله أعلى منزلة.
قال تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده... ﴾ [ الإسراء : ١ ].
ويقول الشاعر :
لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أفضل أسمائي
﴿ إنه أواب ﴾
رجّاع إلى الله، كثير التوبة والاستغفار والذكر، والرجوع إلى الله تعالى، وقد كان سليمان كثير الاستغفار والتوبة والدعاء، ومن ذلك ما حكاه القرآن عنه :﴿ قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب ﴾. [ ص : ٣٥ ].
والخلاصة : أنعمنا على داود بسليمان وهو نعم الإنسان، فهو رجّاع إلى الله.
بالعشي : من زوال الشمس عن كبد السماء على آخر النهار.
الصافنات : جمع صافن، والصافن من الخيل هو الذي يرفع إحدى يديه أو رجليه، ويقف على مقدم حافرها، كما قال الشاعر.
ألف الصفون فما يزال كأنه مما يقوم على الثلاث كسيرا.
الجياد : واحدها جواد، وهو السريع العدو، كما أن الجواد من الناس السريع البذل.
التفسير :
٣١- ﴿ إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد ﴾.
كان سليمان يستعرض خيله، ليتبين مدى استعدادها للحرب وتأمين المملكة.
ومعنى الآية :
اذكر حين عرضت عليه الخيل الممتازة، فهي إذا وقفت على ثلاث أرجل هادئة منضبطة، وإذا جرت أسرعت سرعة الجياد الأصلية، وقد استعرضها سليمان في وقت العشيِّ من بعد الظهر إلى غروب الشمس.
والخلاصة : استعرض سليمان الخيل الأصلية في مساء اليوم.
حب الخير : حب الخيل.
توارت : غيبت عن الصبر.
التفسير :
٣٢- ﴿ فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ﴾.
إن سليمان هنا يعترف بأنه يحب الخيل، وهو يفعل ذلك طاعة لله وامتثالا لأمره، واحتسابا للجهاد بها، لا ترفا ولا رياء، ولا تظاهرا بحب الدنيا وخيلها، وفي صحيح البخاري يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة " ١.
وقد أقسم الله بها، وبأصواتها وصهيلها في قوله :﴿ والعاديات ضبحا * فالموريات قدحا* فالمغيرات صبحا * فأثرن به نقعا * فوسطن به جمعا ﴾. [ العاديات : ١-٥ ].
وهم قسم بالخيل تعدو عدوا فتسمى العاديات، وتصهل ضبحا، ويتطاير الشرر من حوافرها كأنها توقد نارا عند العدو. ﴿ فالموريات قدحا ﴾.
وتغير على العدوّ في الصباح، ﴿ فالمغيرات صبحا ﴾.
فتثير النقع في سماء المعركة، ﴿ فأثرن به نقعا ﴾.
فتتوسط الجموع لتحقيق النصر، ﴿ فوسطن به جمعا ﴾.
وكأن الله يحفزنا إلى الهمة، والفروسية والنشاط والجهاد، حفاظا على حرماتنا وأوطاننا.
وسليمان عليه السلام كان يحب الخيل، ويقول : إني أحب هذا الحبّ، لأنه عن ذكر ربي وطاعته، فالإنسان قد يحب شيئا جميلا فيحب هذا الحب، وقد يحب ابنه العاصي، أو يعشق امرأة لا يتيسر زواجه منها، فيكره هذا الحب.
وهنا نجد نبي الله سليمان يقول : إني أحببت حب الخيل عن ذكر ربي وطاعته وامتثال أمره.
﴿ حتى توارت بالحجاب ﴾.
حتى أسرعت الخيل وغابت عن بصره.
رواه البخاري في الجهاد (٢٦٣٨، ٢٦٤٠) وفي فرض الخمس (٢٨٨٧)، وفي المناقب (٣٣٧٢)، ومسلم في الزكاة (١٦٤٨)، وفي الإمارة (٣٤٧٩، ٣٤٨٠) وأبو داود في الجهاد (٢٥٣٢) والترمذي في فضائل الجهاد (١٥٦٠) والنسائي في الخيل (٣٥٠٥، ٣٥٠٦) وابن ماجة في الجاهد (٢٧٧٨)، وأحمد (٤٨٥٦، ٤٩٥٣، ٥٥٠٨) والدارمي في الجهاد (٢٣١٩، ٢٣٢٠)، من حديث عروة البارقي، وأنس، وأبي هريرة، وابن عمر، وجرير، بلفظ:" الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"..
المسح : إمرار اليد على الجسم.
التفسير :
٣٣-﴿ ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق ﴾.
السوق جمع ساق، والأعناق جمع عنق، أي : قال سليمان لجنده : ردّوا الخيل علي – بعد أن غابت عنه – لأزداد تعرفا عليها، وتقديرا لها، فلما ردوها عليه، أخذ يمسح على أرجلها وعلى أعناقها، تقديرا لها وحبا وتكريما لها، وقد فعل سليمان ذلك بنفسه، وهو الرسول الملك، ليكون قدوة لأمّته ورجاله في تكريم الخيل وتقديرها، لأنها آلة النصر ووسيلة الجهاد.
آراء للمفسرين
كثيرا من المفسرين ذهب إلى أن سليمان عليه السلام، استعرض الخيل وانشغل باستعراضها، والنظر إلى عَدْوها وسرعتها حتى غابت الشمس، وانشغل بالخيل عن صلاة العصر.
فقال لجنوده : ردّوا عليّ الخيل، فلما ردّوها عليه، أخذ السيف وجعل يقطع أرجلها ورقبتها، لأنها شغلته عن الصلاة، نجد ذلك في فسير النسفي، وحاشية الجمل على الجلالين، وغيرهما من كتب التفسير.
لكن الفخر الرازي في التفسير الكبير، رفض هذا الرأي، ورأى أن سليمان كان يكرّم الخيل ويختبرها بيده تشريفا لها، لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدوّ.
كذلك فإن الإمام ابن حزم قد رفض أن سليمان قد قتل الخيل، لأنها شغلته عن صلاة العصر، وقال إن هذه الفكرة خرافة موضوعة مكذوبة، لأن فيها معاقبة خيل لا ذنب لها والتمثيل بها، وإتلاف مال منتفع به بلا معنى، ونسبة تضييع الصلاة إلى نبي مرسل، ثم يعاقب الخيل على ذنبه، لا على ذنبها، وبيّن أن معنى الآيات أن سليمان أحب الخيل طاعة لله، وأنه أمر بردها فطفق مسحا بسوقها وأعناقها بيده برا بها وإكراما لها، وليس في الآيات ما يشير إلى قتل الخيل، أو تعطيل الصلاة ١.
تعليق
إننا في التفسير نحتاج إلى تحكيم النقل الصحيح، والعقل السليم، حتى نجرد تفسير القرآن الكريم من الدخيل، ومن الإسرائيليات، ومن الآراء التي تتصادم مع العقل والنقل، وتسيء إلى رسل الله وإلى روح الأديان.
ومن المفسرين من ادعى أنه طلب ردّ الشمس حتى يصليّ العصر، وليس لهذا الرأي سند من النقل ولا من العقل، وكتاب الله غني عن هذه الأقوال المدخولة، وكما يقوم الإمام محمد عبده : إن الله تعالى لن يسألنا يوم القيامة عما قال الناس في تفسير القرآن، وإنما سيسألنا ماذا فهمتم من القرآن، والقرآن غني عن الأقوال المريضة في تفسيره.
نحن في حاجة إلى أن نلتصق بالقرآن وأن نعود إلى روحه وروحانيته، وآياته وآدابه وهدايته، وفيه ما يكفي وما يشفي إن شاء الله رب العالمين.
﴿ ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب ( ٣٤ ) قال ربي اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب ( ٣٥ ) فسخرنا له الرياح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ( ٣٦ ) والشياطين كل بناء وغواص ( ٣٧ ) وآخرين مقرنين في الأصفاد ( ٣٨ ) هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ( ٣٩ ) وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ( ٤٠ ) ﴾
المفردات :
فتنا : ابتلينا وامتحنا.
جسدا : جسد إنسان.
أناب : رجع إلى ربه.
تمهيد :
يمتحن الله عباده لرفع درجاتهم، وتكفير سيئاتهم، وتمرينهم على تحمل البلاء، وتوجيههم إلى الطريق المفيد النّافع، فهي دروس يمتحن الله بها الرّسل والأنبياء، ليأخذوا منها العبرة ونور البصيرة.
قال تعالى :﴿ ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ﴾. [ محمد : ٣١ ].
ومن ذلك امتحان سليمان، وفتنته بالاختبار والبلاء، ثم إنابته ورجوعه إلى الله.
وفي الحديث الصحيح أنه عزم أن يطوف على أربعين زوجة من زوجاته، يبدأ ذلك من ليلة معينة، ونسي ان يقول إن شاء الله، وكان يأمل أن تأتي كل امرأة منهن بولد، فلم تأت أي واحدة منهن بولد، إلا واحدة جاءت بسقط، فوضعته القابلة على كرسيه، فهذا أقرب الآراء إلى فتنة سليمان عليه السلام.
وقد وردت في الإسرائيليات قصص كثيرة، أمرنا أن نضرب عنها صفحا لغرابتها، وبُعْدها عن النقل الصحيح، والعقل السليم، مثل أن سليمان أعطى خاتمه لجرادة وكانت أحب نسائه إليه، فجاء الشيطان لها في صورة سليمان ومثّل صوت سليمان، وطلب منها الخاتم الذي أعطاه لها، فأعطته له، فصار يتحكم في الملك، وسليمان محروم من الملك، حتى استرد خاتمه، وقد رفض المفسرين الثقات هذه الآراء ١.
لقد أمرنا أن نستخدم تراثنا الأمين، وأن نحكم عقولنا المتخصصة، أي عقول من دروس القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وتاريخ التشريع، وعلوم الدين الإسلامي، ليقول كلاما حكيما في تفسير كتاب الله تعالى.
قال تعالى :﴿ فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ﴾. [ الأنبياء : ٧ ].
التفسير :
٣٤-﴿ ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب ﴾.
اختبرنا سليمان، وامتحناه امتحانا شديدا، كما يوضع الذهب الأبريز في النار، ليتبين جيّده من خبثه.
وقد ورد في الصحيحين وفي غيرهما : أن سليمان عليه السلام قال : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، كلُّ واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، ولم يقل إن شاء الله، فطاف عليهنّ فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاء بشق رجل، والذي نفس محمد بيده لو قال : إن شاء الله : لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون.
والذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة أنه قال : لأطوفن الليلة على أربعين امرأة. ٢
وفي شرح الحديث : " لأطوفن الليلية " كناية عن الجماع، قالوا : ولعل المقصود طوافه عليهن ابتداء من تلك الليلة، ولا مانع من أن يستغرق طوافه بهن عدة ليال، وقد استنبط العلماء من هذا الحديث أن فتنة سليمان هي أنه لم يقل ( إن شاء الله ) وأن عقابه على ذلك كان عدم تحقيق ما طلبه.
وهذا الحديث الشريف يذكّرنا بالآية القرآنية :﴿ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا* إلا أن يشاء الله... ﴾ [ الكهف : ٢٣، ٢٤ ].
وقد ورد في سبب نزول هذه الآية أن المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أسئلة : عن أهل الكهف، وعن ذي القرنين، وعن الروح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " غدا أجيبكم " ونسي أن يقول إن شاء الله، فتأخر الوحي خمسة عشر يوما، ثم نزلت الإجابة على هذه الأسئلة، ونزل توجيه السماء لنا جميعا وللنبي الأمين، أن نقول :( إن شاء الله ) عند العزم على عمل شيء.
والأقرب إلى تأويل الآية ٣٤ من سورة " ص " ما جاء في الحديث الصحيح السابق، ويكون تأويل الآية هكذا، اختبرنا سليمان وامتحنّاه، وكان يأمل أن يرزقه الله سبعين أو أربعين ولدا ليجاهدوا في سبيل الله، ونسي أن يقول إن شاء الله، فلم تحْمِل من نسائه امرأة، إلا امرأة واحدة جاءت بسقط، وضعته القابلة على كرسيّ ملكه، فتيقّظ وتنبّه، ثم أناب ورجع إلى الله تائبا مستغفرا منيبا.
كلا اللفظين رواهما البخاري في أحاديث الأنبياء (٣١٧١)، وفي الأيمان (٦١٤٨)، وفي كفارات الأيمان (٦٢٢٥)، وفي التوحيد (٦٩١٥)، ومسلم في الأيمان (٣١٢٤، ٣١٢٦)، والترمذي في النذور (١٤٥٢)، والنسائي في الأيمان (٣٧٩٦، ٣٧٧١) من حديث أبي هريرة..
تمهيد :
يمتحن الله عباده لرفع درجاتهم، وتكفير سيئاتهم، وتمرينهم على تحمل البلاء، وتوجيههم إلى الطريق المفيد النّافع، فهي دروس يمتحن الله بها الرّسل والأنبياء، ليأخذوا منها العبرة ونور البصيرة.
قال تعالى :﴿ ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ﴾. [ محمد : ٣١ ].
ومن ذلك امتحان سليمان، وفتنته بالاختبار والبلاء، ثم إنابته ورجوعه إلى الله.
وفي الحديث الصحيح أنه عزم أن يطوف على أربعين زوجة من زوجاته، يبدأ ذلك من ليلة معينة، ونسي ان يقول إن شاء الله، وكان يأمل أن تأتي كل امرأة منهن بولد، فلم تأت أي واحدة منهن بولد، إلا واحدة جاءت بسقط، فوضعته القابلة على كرسيه، فهذا أقرب الآراء إلى فتنة سليمان عليه السلام.
وقد وردت في الإسرائيليات قصص كثيرة، أمرنا أن نضرب عنها صفحا لغرابتها، وبُعْدها عن النقل الصحيح، والعقل السليم، مثل أن سليمان أعطى خاتمه لجرادة وكانت أحب نسائه إليه، فجاء الشيطان لها في صورة سليمان ومثّل صوت سليمان، وطلب منها الخاتم الذي أعطاه لها، فأعطته له، فصار يتحكم في الملك، وسليمان محروم من الملك، حتى استرد خاتمه، وقد رفض المفسرين الثقات هذه الآراء ١.
لقد أمرنا أن نستخدم تراثنا الأمين، وأن نحكم عقولنا المتخصصة، أي عقول من دروس القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وتاريخ التشريع، وعلوم الدين الإسلامي، ليقول كلاما حكيما في تفسير كتاب الله تعالى.
قال تعالى :﴿ فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ﴾. [ الأنبياء : ٧ ].
المفردات :
لا ينبغي : لا يتيسّر.
من بعدي : من دوني
التفسير :
٣٥-﴿ قال ربي اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب ﴾.
قدّم سليمان طلب المغفرة من الله، حتى يكون طاهرا، لأنه قد يترك الأفضل والأولى، فاحتاج إلى طلب المغفرة، كما قالوا : حسنات الأبرار سيئات المقربين، ولأن هذا في مقام التذلل والخضوع، كما قال صلى الله عليه وسلم : " إني لأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة ".
﴿ وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب ﴾.
أي : هب لي ملكا لا يكون لأحد غيري لعظمه، أي أن يكون زائدا على الممالك زيادة خارقة للعادة، بالغة حدّ الإعجاز، ليكون ذلك دليلا على نبوّته، وقاهرا للمبعوث إليهم، ونلحظ أن سليمان قدّم الدعاء بطلب المغفرة، وآخر الدعاء بطلب الملك، وقد نتساءل : كيف يهتم رسول آمين بمطالب دنيوية ؟ والجواب : أن سليمان كان مشغولا بنشر الدعوة، وتبليغ الرسالة إلى المماليك المجاورة، فطلب من الله تعالى أمرا عظيما معجزا، ليساعده في إعلاء كلمة الله، ونشر العدالة بين الناس، وإنصاف المظلوم، وتنفيذ شرع الله على الوجه الأكمل.
تمهيد :
يمتحن الله عباده لرفع درجاتهم، وتكفير سيئاتهم، وتمرينهم على تحمل البلاء، وتوجيههم إلى الطريق المفيد النّافع، فهي دروس يمتحن الله بها الرّسل والأنبياء، ليأخذوا منها العبرة ونور البصيرة.
قال تعالى :﴿ ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ﴾. [ محمد : ٣١ ].
ومن ذلك امتحان سليمان، وفتنته بالاختبار والبلاء، ثم إنابته ورجوعه إلى الله.
وفي الحديث الصحيح أنه عزم أن يطوف على أربعين زوجة من زوجاته، يبدأ ذلك من ليلة معينة، ونسي ان يقول إن شاء الله، وكان يأمل أن تأتي كل امرأة منهن بولد، فلم تأت أي واحدة منهن بولد، إلا واحدة جاءت بسقط، فوضعته القابلة على كرسيه، فهذا أقرب الآراء إلى فتنة سليمان عليه السلام.
وقد وردت في الإسرائيليات قصص كثيرة، أمرنا أن نضرب عنها صفحا لغرابتها، وبُعْدها عن النقل الصحيح، والعقل السليم، مثل أن سليمان أعطى خاتمه لجرادة وكانت أحب نسائه إليه، فجاء الشيطان لها في صورة سليمان ومثّل صوت سليمان، وطلب منها الخاتم الذي أعطاه لها، فأعطته له، فصار يتحكم في الملك، وسليمان محروم من الملك، حتى استرد خاتمه، وقد رفض المفسرين الثقات هذه الآراء ١.
لقد أمرنا أن نستخدم تراثنا الأمين، وأن نحكم عقولنا المتخصصة، أي عقول من دروس القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وتاريخ التشريع، وعلوم الدين الإسلامي، ليقول كلاما حكيما في تفسير كتاب الله تعالى.
قال تعالى :﴿ فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ﴾. [ الأنبياء : ٧ ].
المفردات :
سخرنا : ذللنا ويسرنا.
رخاء : لينة طيعة له، لا تمتنع عليه.
أصاب : قصد وأراد.
التفسير :
٣٦- ﴿ فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ﴾.
استجاب الله دعاء سليمان، فسخّر له الريح تجري بأمره وتذهب إلى أي مكان يريده، لينة مذللة حينا، وعاصفة قوية حينا آخر.
قال تعالى : في موضع آخر :﴿ ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين ﴾. [ الأنبياء : ٨١ ].
تمهيد :
يمتحن الله عباده لرفع درجاتهم، وتكفير سيئاتهم، وتمرينهم على تحمل البلاء، وتوجيههم إلى الطريق المفيد النّافع، فهي دروس يمتحن الله بها الرّسل والأنبياء، ليأخذوا منها العبرة ونور البصيرة.
قال تعالى :﴿ ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ﴾. [ محمد : ٣١ ].
ومن ذلك امتحان سليمان، وفتنته بالاختبار والبلاء، ثم إنابته ورجوعه إلى الله.
وفي الحديث الصحيح أنه عزم أن يطوف على أربعين زوجة من زوجاته، يبدأ ذلك من ليلة معينة، ونسي ان يقول إن شاء الله، وكان يأمل أن تأتي كل امرأة منهن بولد، فلم تأت أي واحدة منهن بولد، إلا واحدة جاءت بسقط، فوضعته القابلة على كرسيه، فهذا أقرب الآراء إلى فتنة سليمان عليه السلام.
وقد وردت في الإسرائيليات قصص كثيرة، أمرنا أن نضرب عنها صفحا لغرابتها، وبُعْدها عن النقل الصحيح، والعقل السليم، مثل أن سليمان أعطى خاتمه لجرادة وكانت أحب نسائه إليه، فجاء الشيطان لها في صورة سليمان ومثّل صوت سليمان، وطلب منها الخاتم الذي أعطاه لها، فأعطته له، فصار يتحكم في الملك، وسليمان محروم من الملك، حتى استرد خاتمه، وقد رفض المفسرين الثقات هذه الآراء ١.
لقد أمرنا أن نستخدم تراثنا الأمين، وأن نحكم عقولنا المتخصصة، أي عقول من دروس القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وتاريخ التشريع، وعلوم الدين الإسلامي، ليقول كلاما حكيما في تفسير كتاب الله تعالى.
قال تعالى :﴿ فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ﴾. [ الأنبياء : ٧ ].
٣٧-﴿ والشياطين كل بناء وغواص ﴾.
وسخر الله له الشياطين، وهم مردة الجن وعتاتهم، سخر له بعضهم في أعماله، فاشتغلوا له ببناء المحاريب والتماثيل، والقطاع الكبيرة، والقدور الكبيرة الراسية في مكانها لصعوبة انتقالها، وسخّر له بعضا آخر من الجنّ يغوص في البحر، ليستخرج له ما يحتويه من اللؤلؤ والمرجان والأحجار الكريمة.
تمهيد :
يمتحن الله عباده لرفع درجاتهم، وتكفير سيئاتهم، وتمرينهم على تحمل البلاء، وتوجيههم إلى الطريق المفيد النّافع، فهي دروس يمتحن الله بها الرّسل والأنبياء، ليأخذوا منها العبرة ونور البصيرة.
قال تعالى :﴿ ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ﴾. [ محمد : ٣١ ].
ومن ذلك امتحان سليمان، وفتنته بالاختبار والبلاء، ثم إنابته ورجوعه إلى الله.
وفي الحديث الصحيح أنه عزم أن يطوف على أربعين زوجة من زوجاته، يبدأ ذلك من ليلة معينة، ونسي ان يقول إن شاء الله، وكان يأمل أن تأتي كل امرأة منهن بولد، فلم تأت أي واحدة منهن بولد، إلا واحدة جاءت بسقط، فوضعته القابلة على كرسيه، فهذا أقرب الآراء إلى فتنة سليمان عليه السلام.
وقد وردت في الإسرائيليات قصص كثيرة، أمرنا أن نضرب عنها صفحا لغرابتها، وبُعْدها عن النقل الصحيح، والعقل السليم، مثل أن سليمان أعطى خاتمه لجرادة وكانت أحب نسائه إليه، فجاء الشيطان لها في صورة سليمان ومثّل صوت سليمان، وطلب منها الخاتم الذي أعطاه لها، فأعطته له، فصار يتحكم في الملك، وسليمان محروم من الملك، حتى استرد خاتمه، وقد رفض المفسرين الثقات هذه الآراء ١.
لقد أمرنا أن نستخدم تراثنا الأمين، وأن نحكم عقولنا المتخصصة، أي عقول من دروس القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وتاريخ التشريع، وعلوم الدين الإسلامي، ليقول كلاما حكيما في تفسير كتاب الله تعالى.
قال تعالى :﴿ فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ﴾. [ الأنبياء : ٧ ].
المفردات :
الأصفاد : القبور والأغلال.
التفسير :
٣٨-﴿ وآخرين مقرنين في الأصفاد ﴾.
وسخر الله له عقوبة المردة من الجن، فوضع الأغلال والقيود في أيديهم، أو وضع الأغلال في جماعة منهم مع بعضهم، والأصفاد : جمع صفد، وهو ما يوثق به الأسير، وقد يكون القيد في يد الأسير مستقلا، وقد يقيّد الأسير مع مجموعة من الأسرى.
وقد سخر الله له هؤلاء المتمردين، ليعملوا له ما يحتاج إليه أيضا، وقريب منه المحكوم عليه بالأشغال الشّاقة، الذي يشتغل بأعمال تُطلب منه، أو يحكم عليهم بالعزل الانفرادي، فيقيدون بالأغلال والسلاسل ليُتَّقى شرهم، ونحن لا نعلم حقيقة تلك القيود، ولا كيف تكون العقوبة، فعلينا أن نؤمن بأن سليمان لعظم ملكه لم يكتف بتسخير الإنس في أعماله، بل سخر معهم الجن فيما يصعب عليه، ونتقبل هذا كما قصه القرآن الكريم، فالعبرة به ماثلة، ولا نتزيّد فيه.
تمهيد :
يمتحن الله عباده لرفع درجاتهم، وتكفير سيئاتهم، وتمرينهم على تحمل البلاء، وتوجيههم إلى الطريق المفيد النّافع، فهي دروس يمتحن الله بها الرّسل والأنبياء، ليأخذوا منها العبرة ونور البصيرة.
قال تعالى :﴿ ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ﴾. [ محمد : ٣١ ].
ومن ذلك امتحان سليمان، وفتنته بالاختبار والبلاء، ثم إنابته ورجوعه إلى الله.
وفي الحديث الصحيح أنه عزم أن يطوف على أربعين زوجة من زوجاته، يبدأ ذلك من ليلة معينة، ونسي ان يقول إن شاء الله، وكان يأمل أن تأتي كل امرأة منهن بولد، فلم تأت أي واحدة منهن بولد، إلا واحدة جاءت بسقط، فوضعته القابلة على كرسيه، فهذا أقرب الآراء إلى فتنة سليمان عليه السلام.
وقد وردت في الإسرائيليات قصص كثيرة، أمرنا أن نضرب عنها صفحا لغرابتها، وبُعْدها عن النقل الصحيح، والعقل السليم، مثل أن سليمان أعطى خاتمه لجرادة وكانت أحب نسائه إليه، فجاء الشيطان لها في صورة سليمان ومثّل صوت سليمان، وطلب منها الخاتم الذي أعطاه لها، فأعطته له، فصار يتحكم في الملك، وسليمان محروم من الملك، حتى استرد خاتمه، وقد رفض المفسرين الثقات هذه الآراء ١.
لقد أمرنا أن نستخدم تراثنا الأمين، وأن نحكم عقولنا المتخصصة، أي عقول من دروس القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وتاريخ التشريع، وعلوم الدين الإسلامي، ليقول كلاما حكيما في تفسير كتاب الله تعالى.
قال تعالى :﴿ فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ﴾. [ الأنبياء : ٧ ].
المفردات :
امنن : أنعم على من شئت.
أمسك : احبس وامنع من شئت.
التفسير :
٣٩-﴿ هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ﴾.
أعطيناك هذا الملك العظيم، وسخرنا لك الريح والشياطين، وسلّطناك على المردة تحبسهم وتقيدهم، وأبحنا لك العطاء لمن تشاء، والإمساك عمن تشاء، فلا نسألك، ولا نحاسبك، ولا عتاب عليك ولا تثريب، يقول الله ذلك، وهو يعلم حسن تصرفه فيما فوّضه إليه.
تمهيد :
يمتحن الله عباده لرفع درجاتهم، وتكفير سيئاتهم، وتمرينهم على تحمل البلاء، وتوجيههم إلى الطريق المفيد النّافع، فهي دروس يمتحن الله بها الرّسل والأنبياء، ليأخذوا منها العبرة ونور البصيرة.
قال تعالى :﴿ ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ﴾. [ محمد : ٣١ ].
ومن ذلك امتحان سليمان، وفتنته بالاختبار والبلاء، ثم إنابته ورجوعه إلى الله.
وفي الحديث الصحيح أنه عزم أن يطوف على أربعين زوجة من زوجاته، يبدأ ذلك من ليلة معينة، ونسي ان يقول إن شاء الله، وكان يأمل أن تأتي كل امرأة منهن بولد، فلم تأت أي واحدة منهن بولد، إلا واحدة جاءت بسقط، فوضعته القابلة على كرسيه، فهذا أقرب الآراء إلى فتنة سليمان عليه السلام.
وقد وردت في الإسرائيليات قصص كثيرة، أمرنا أن نضرب عنها صفحا لغرابتها، وبُعْدها عن النقل الصحيح، والعقل السليم، مثل أن سليمان أعطى خاتمه لجرادة وكانت أحب نسائه إليه، فجاء الشيطان لها في صورة سليمان ومثّل صوت سليمان، وطلب منها الخاتم الذي أعطاه لها، فأعطته له، فصار يتحكم في الملك، وسليمان محروم من الملك، حتى استرد خاتمه، وقد رفض المفسرين الثقات هذه الآراء ١.
لقد أمرنا أن نستخدم تراثنا الأمين، وأن نحكم عقولنا المتخصصة، أي عقول من دروس القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وتاريخ التشريع، وعلوم الدين الإسلامي، ليقول كلاما حكيما في تفسير كتاب الله تعالى.
قال تعالى :﴿ فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ﴾. [ الأنبياء : ٧ ].
٤٠- ﴿ وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ﴾.
ومع هذا الملك العظيم الذي لم يُسخَّر لأحد سواه، فإن له عند الله الزلفى والقربى والجنة والرضوان، وحسن المآب في الآخرة.
قال تعالى :﴿ رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ﴾. [ البينة : ٨ ].
وقد تكررت قصة سليمان وعطاء الله له في القرآن الكريم.
قال تعالى :﴿ ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين * ومن الشياطين من يغوصون له، ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين ﴾. [ الأنبياء : ٨١، ٨٢ ].
من تفسير المراغي
وما روى من قصص الخاتم والشيطان، وعبادة الوثن في بيت سليمان، حيث ادّعت بعض الإسرائيليات أن إحدى زوجات سليمان كانت تسجد لوثن هي ووصيفاتها ٤٠ يوما دون علم سليمان، فذلك من أباطيل اليهود، دسّوها على المسلمين، وأبى قبولها العلماء الراسخون، ومن ثم قال الحافظ ابن كثير : وقد رويت هذه القصة مطوّلة عن جماعة من السلف رضي الله عنهم، كسعيد بن المسيب، وزيد بن أسلم وآخرين، وكلها متلقاة من قصص أهل الكتاب. ا ه
﴿ واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب ( ٤١ ) اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ( ٤٢ ) ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب ( ٤٣ ) وخذ بيدك ضغتا فاضرب به ولا تخنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ( ٤٤ ) ﴾
تمهيد :
مرت قصة داود وسليمان، وقد أنعم الله عليهما بالنبوة والملك، وطائفة من النّعم، وهذه قصة أيوب وقد ابتلاه الله بالمرض، وفقد الأبناء، وتفرُّق الأتباع، ووسوسة الشيطان، حتى كان الرجل يقول لصاحبه : إن طول مرض أيوب دليل على أنه ارتكب معصية كبيرة، فعاقبه الله عليها بهذا المرض الطويل المؤلم، وقد مدّ أيوب يده على الله في أدب وترحّم، فشكا حاله ولم يطلب شيئا، وترك لله أن يمنّ عليه باللطف والفضل.
التفسير :
٤١-﴿ واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب ﴾.
هذه الآيات مواساة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها قدوة وأسوة، حتى يقتدى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بأيوب في صبره، وفي دعائه ربّه، وتقتدى به الأمة من بعده.
﴿ واذكر عبدنا أيوب... ﴾
أي : واذكر لنفسك ولأمتك عبدنا أيوب، كنموذج في الصبر على البلاء، واحتمال المصائب في النفس والولد، والأهل والأتباع.
﴿ إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب ﴾.
وقد نسب ما أصابه إلى الشيطان تأدبا مع الله تعالى.
وقال في سورة الأنبياء :﴿ أنى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ﴾. [ الأنبياء : ٨٣ ].
أي : أصابني البلاء في صحتي، وأولادي، وتفرّق أتباعي، وكان أيوب في صحة وعافية، وأبناء أصحاء مجتمعين حوله، وزوجة مطيعة، وأتباع مخلصين، وحاول الشيطان أن يوسوس له بأنه في نعمة عظيمة تغري بالزهور والغرور، فازداد لله شكرا، فابتلى الله أيوب بالمرض فشكر، وابتُلِيِ بفقد الأولاد فصبر، وابْتُلي بتأخر زوجته عليه في تلبية طلبه، فأقسم لئن شفاه الله ليضربنّها مائة ضربة، ومع طول مدة البلاء نجد أيوب صابرا مؤمنا محتسبا، لكنّه لم يصب بمرض منفر، لأن الله أرسل الأنبياء ليبلّغوا رسالته للناس، وحفظهم من الأمراض المعدية والمنفّرة، ولعله ابتلى بمرض جلدي أو سطحي، وقد حاول الشيطان الوسوسة له، ليغريه باليأس والقنوط، كما وسوس الشيطان لبعض أتباعه بأن أيوب لو كان نبيّا حقّا لما مرض هذا المرض الطويل، وكان لأيوب تابعون مُخْلِصون، فقال أحدهم للآخر : لولا أن أيوب أذنب ذنبا عظيما، لما عاقبه الله بهذه العقوبة. وبلغ هذا الكلام أيوب، فاشتكى لله تعالى ما به.
﴿ أني مسني الشيطان بنصب وعذاب ﴾.
والنُّصْب : المشقة والتعب، أي : وسوس لي الشيطان في النعماء، ووسوس في البأساء، وأنا ألجأ إليك يا ربّ وأتحصن بالرجاء إليك، والرحمة في فضلك وعفوك وعافيتك، والشيطان لا ينال من الإنسان إلا ما يقدمه من وسوسة وتزيين.
وقد بين الشيطان أنه سيحاول إغواء عباد الله، ﴿ من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم... ﴾ [ الأعراف : ١٧ ].
وقد بين الحق سبحانه وتعالى أن الشيطان طيفا ووسوسة وفتنة ودعوة، وحذّر المؤمنين من الاستجابة لهذه الدعوة.
قال تعالى :﴿ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا... ﴾ [ فاطر : ٦ ].
وقال سبحانه :﴿ لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة... ﴾ [ الأعراف : ٢٧ ].
وقال عز وجل :﴿ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ﴾. [ الأعراف : ٢٠١ ].
وقد ورد أن الشيطان قال لله : إن أيوب يعبدك لأنه سليم البدن، عنده المال والذرية، والزوجة والبيوت والأموال، ولو فقد شيئا من ذلك ما عبدك، وفقد أيوب صحته فشكر الله وصبر، وفقد أولاده فسجد لله وشكر وصبر، وفقد المال والمنزل، وساءت العلاقة مع الزوجة، فصبر صبرا جميلا، ولجأ إلى الله راغبا في رحمته وعفوه، وفي أن يصرف عنه وسوسة الشيطان وكيده، وإن كان الشيطان، لا ينال من عقيدة الأنبياء، ولا من عباد الله الصالحين بأكثر من الوسوسة والتزيين.
قال تعالى :﴿ إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ﴾. [ النحل : ٩٩-١٠٠ ].
مرت قصة داود وسليمان، وقد أنعم الله عليهما بالنبوة والملك، وطائفة من النّعم، وهذه قصة أيوب وقد ابتلاه الله بالمرض، وفقد الأبناء، وتفرُّق الأتباع، ووسوسة الشيطان، حتى كان الرجل يقول لصاحبه : إن طول مرض أيوب دليل على أنه ارتكب معصية كبيرة، فعاقبه الله عليها بهذا المرض الطويل المؤلم، وقد مدّ أيوب يده على الله في أدب وترحّم، فشكا حاله ولم يطلب شيئا، وترك لله أن يمنّ عليه باللطف والفضل.
٤٢-﴿ اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ﴾.
أي : حرّك الأرض برجلك، واضربها بها، يخرج ينبوع من الماء تغتسل منه فيبرأ الظاهر، وتشرب منه فيبرأ الباطن.
من تفسير المراغي
جاء في تفسير المراغي للأستاذ أحمد مصطفى المراغي ما يأتي :
وفي هذا إيماء على نوع المرض الذي كان به، وأنه من الأمراض الجلدية غير المعدية، كالإكزيما والحِكّة ونحوهما، مما يتعب الجسم ويؤذيه أشد الإيذاء، لكنه ليس بقتّال، وقد شفى باطنه وظاهره بماء العيون، كما نرى في العيون التي في البلاد التي أنشئت فيها الحمامات في أوروبا ومصر وغيرها، واستعملت فيها مشاتي ومصحات للأمراض الجلدية، والأمراض الباطنية، كمياه فيشى وسويسرا وحلوان. ا ه.
تعقيب
والأستاذ أحمد مصطفى المراغي يحاول أن يقرّب لنا أسباب الشّفاء، بأنّه قريب من استخدام مياه متخصصة في علاج الأمراض، وإذا تأملنا أسلوب القرآن اتضح لنا أن الشفاء كان بفضل الله، وهو معجزة لشفاء نبي مرسل.
وقد كان هناك اتجاه في تفسير الشيخ محمد عبده، والسيد رشيد رضا، ومن تأثر بهما يحاول تقريب المعجزات إلى الأفهام، فأفاد الشيخ محمد عبده أن عيسى عليه السلام كان روحا أو روحانية غالبة، والرياح تؤثر في الأشجار فتخْلعُها، وكان من تأثير روحانية المسيح أنه كان يلمس الطين المصنوع كهيئة الطير فتدب فيه الحياة، وتكلم عن السحر بأنه وهم وخيال لا حقيقة.
وهناك من العلماء من يرى غير ذلك، وحجّته أن المعجزة أمر خارق للعادة، يظهر الله على يد المبعوث بالرسالة، تصديقا له في دعوته، مثل : سفينة نوح، وناقة صالح، وشفاء أيوب، وعصا موسى ويده، وشفاء المسيح للأعمى والأبرص، وإعجاز القرآن الكريم، وكلها أمور خارقة للعادة، لا طاقة للبشر بفعل شيء منها، ولا نرى من الحكمة تقريب المعجزة من أعمال الناس ١، لأن أعمال الناس تعتمد على أسباب علمية أو طبية، أو غير ذلك، أمّا المعجزة فتعتمد على قدرة الله، ﴿ والله على كل شيء قدير ﴾. [ البقرة : ٢٨٤ ].
مرت قصة داود وسليمان، وقد أنعم الله عليهما بالنبوة والملك، وطائفة من النّعم، وهذه قصة أيوب وقد ابتلاه الله بالمرض، وفقد الأبناء، وتفرُّق الأتباع، ووسوسة الشيطان، حتى كان الرجل يقول لصاحبه : إن طول مرض أيوب دليل على أنه ارتكب معصية كبيرة، فعاقبه الله عليها بهذا المرض الطويل المؤلم، وقد مدّ أيوب يده على الله في أدب وترحّم، فشكا حاله ولم يطلب شيئا، وترك لله أن يمنّ عليه باللطف والفضل.
٤٣-﴿ ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب ﴾.
أي : شرب أيوب من ماء العين واغتسل، فعاد سليم الظاهر والباطن، ولم نكتف بهذا بل وهبنا له أهله، فجمعناهم معه بعد أن كانوا متفرقين، أو شفيناهم بعد أن كانوا مرضى.
﴿ ومثلهم معهم ﴾.
بأن رزقناه بعد الشفاء أولادا كعدد الأولاد الذين كانوا معه قبل شفائه من مرضه، فصار عددهم مضاعفا.
﴿ رحمة منا وذكرى لأولي الألباب ﴾.
أي : يسرنا له المنن والعطاء، والشفاء لأولاده، واجتماعهم، وزواجهم وتناسلهم، بحث تضاعف عددهم، وكثرت لديه البركات والخيرات، لطفا وفضلا، ومنة ونعمة، وليعلم العقلاء والفضلاء أن الصبر والشكر يعقبه مضاعفة الثواب، والفرج بعد الضيق، واليسر بعد العسر.
عسى فرج يأتي به الله إنه له كل يوم في خليقته أمر
وفي القرآن الكريم :﴿ فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا* فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب ﴾. [ الشرح : ٥-٨ ].
مرت قصة داود وسليمان، وقد أنعم الله عليهما بالنبوة والملك، وطائفة من النّعم، وهذه قصة أيوب وقد ابتلاه الله بالمرض، وفقد الأبناء، وتفرُّق الأتباع، ووسوسة الشيطان، حتى كان الرجل يقول لصاحبه : إن طول مرض أيوب دليل على أنه ارتكب معصية كبيرة، فعاقبه الله عليها بهذا المرض الطويل المؤلم، وقد مدّ أيوب يده على الله في أدب وترحّم، فشكا حاله ولم يطلب شيئا، وترك لله أن يمنّ عليه باللطف والفضل.
٤٤-﴿ وخذ بيدك ضغتا فاضرب به ولا تخنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ﴾.
كان أيوب في مرضه قد كلّف زوجته بأمر، فأبطأت عليه، فأقسم بالله لئن شفاه الله ليضربنها مائة ضربة، ثم تمّ الشفاء، ورغب في أن يبّر بقسمه، وفي نفس الوقت كانت زوجته وفيّة له في محنته، تعطف عليه، وتتألم لألمه، وتغمره بعطفها وحنانها وخدمتها، بعد أن تفرق عنه الأهل والأصحاب، فأمره الله أن يأخذ حِزْمة من حشيش أو ريحان، يختلط فيها الرطب باليابس فيها مائة عود، فيضرب زوجته ضربة واحدة، فيبر في يمينه ولا يحنث، وفي نفس الوقت ييسّر على زوجته الصابرة الوفية.
قال تعالى :﴿ وخذ بيدك ضغتا فاضرب به ولا تحنث... ﴾
حيث أمره الله أن يتحلل من قسَمِه بأهون شيء عليه وعليها، والضغث في اللغة : القبضة من الحشيش، اختلط فيها الرطب باليابس، وقيل : هي قبضة من عيدان مختلفة، يجمعها أصل واحد.
﴿ إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ﴾.
يأتي هذا الثناء من العلي القدير، تقديرا لصبر أيوب وثباته، ورجوعه إلى ربه، ولا يقال إنه اشتكى، لأن الشكوى لله تعالى تضرع ودعاء ومناجاة، فقد قال يعقوب :﴿ إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله... ﴾[ يوسف : ٨٦ ].
ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن آذاه أهل الطائف : " اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا رب العالمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربّي، إلى من تكلني ؟ إلى عدو يتجهمني، أو بعيد ملكته أمري، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي سخطك، أو يحلّ عليّ غضبك، لك العتبى حتى ترضى، عافيتك هي أوسع لي، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم "
وتضرع يونس في بطن الحوت، وظلام البحر، وظلام النفس :﴿ فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ﴾. [ الأنبياء : ٨٧ ].
لقد تعرض الأنبياء والمرسلون لكثير من الآلام في الدنيا، فكانوا يرفعون أكفّهم إلى الله، يشتكون البلاء ويسألون الله العافية، لقد وضع في النار إبراهيم، وأضجع للذبح إسماعيل، واشتد البلاء بأيوب، وبكى يعقوب :﴿ وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ﴾. [ يوسف : ٨٤ ].
وخرج موسى من مصر خائفا يترقب قال : ربي نجني من القوم الظالمين، واشتد الجوع والمعاناة بموسى، فقال :﴿ رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير * فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمينّ ﴾. [ القصص : ٢٤-٢٥ ].
وتعرض المسيح لمحاولة قتله وصلبه، قال تعالى :﴿ وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم... ﴾. [ النساء : ١٥٧ ].
وكانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة ملحمة طويلة من العمل والأمل والأحزان، والدعاء الذي حفلت به كتب السّنة، فقد اشتكى إلى الله حين قُتل سبعون من القراء عند بئر معونة، وألحف إلى ربه في الدعاء عند الهجرة، وعند غزوة بدر، وفي غزوة الأحزاب جثا صلى الله عليه وسلم على ركبتيه في ليلة باردة شاتية، وقال : " اللهم رب الأرباب ومسبب الأسباب اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم يا رب العالمين، يا جار المستجيرين، ويا أمان الخائفين، يا ملاذ المضطرين، انصرنا عليهم يا رب العالمين، فأرسل الله ريحا عاتية، خلّعت خيام الكافرين، وكفأت قدورهم، وألقى الله الرعب في قلوبهم، ففرّوا مذعورين.
قال تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا ﴾. [ الأحزاب : ٩ ].
فاللجوء إلى الله والشكوى إليه، والتضرع والدعاء، عبادة وتذلل وإنابة.
وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " عجبت لمن ابتلي بثلاث كيف يغفل عن ثلاث : من ابتلي بالمرض كيف يغفل عن دعاء أيوب لربّه :﴿ أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ﴾. [ الأنبياء : ٨٣ ].
ومن ابتلى بالغم كيف يغفل عن دعاء يونس :﴿ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ﴾. [ الأنبياء : ٨٧ ].
فإن الله تعالى يقول :﴿ فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ﴾. [ الأنبياء : ٨٨ ].
ومن ابتلي بالأعداء كيف يغفل عن قول المؤمنين :﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾. [ آل عمران : ١٧٣ ].
فإن الله يقول :{ فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم. [ آل عمران : ١٧٤ ].
والخلاصة :
إن شكوى أيوب إلى ربّه، دعاء وتضرع وإنابة، وقد استجاب الله دعاءه، وفرّج كربه، وانعم عليه بالشفاء، ويسر له التواصل مع زوجته الصابرة، ثم أثنى عليه ثناء خالدا أبدا الآبدين، فقال :﴿ إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ﴾.
لقد وجدناه صابرا محتسبا، نعم العبد الطيع لربه، أنه أوّاب كثير الأوبة والرجوع والذكر والتسبيح لله رب العالمين.
من دعاء أيوب
روى أن أيوب كان يقول كلما أصابته مصيبة : الله أنت أخذت، وأنت أعطيت، وكان يقول في مناجاته : إلهي قد علمت أنه لم يخالف لساني قلبي، ولم يتبع قلبي بصري، ولم يلهني ما ملكت يميني، ولم آكل إلا ومعي يتيم، ولم أبت شبعان ولا كاسيا ومعي جائع أو عريان.
﴿ واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار ( ٤٥ ) إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار( ٤٦ ) وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ( ٤٧ ) واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار ( ٤٨ ) هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب ( ٤٩ ) ﴾
المفردات :
أولي الأيدي : أصحاب القوى في طاعة الله.
الأبصار : واحدها بصر، ويراد به هنا : البصيرة والفقه في الدّين ومعرفة أسراره.
تمهيد :
بعد أن عرض سبحانه وتعالى قصص داود وسليمان وأيوب بشيء من التفصيل، أتبع ذلك بالحديث عن عدد من الأنبياء على سبيل الإجمال، فذكر إبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل واليسع وذا الكفل، وكلهم من الأخبار، الذين عمروا دنياهم بالأعمال الصالحة، فاصطفاهم الله وذكر مآثرهم.
التفسير :
٤٥-﴿ واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار ﴾.
على طريقة القرآن الكريم في أن يبسط القول حينا، ويحمله حينا آخر، فقد أجمل الحديث هنا عن عدد من الرسل الكرام، لهم مواقف خالدة في الصبر والجد والعمل ونفاذ البصيرة.
ومعنى الآية :
واذكر لقومك أيها الرسول، أو تذكر أنت المواقف الكريمة لعبادنا :
( أ ) إبراهيم الخليل، الذي حطم الأصنام، وألقى في النار، وأضجع ابنه للذبح امتثالا لأمر الله، وبنى الكعبة، وأخلص في الدعاء أن يبعث الله في الأمة العربية رسولا يتلو عليها الآيات، ويعلمها الكتاب والحكمة.
( ب )إسحاق بن إبراهيم، فقد صبر على طمع قومه وجشعهم، فكان يحفر الآبار ليسقي دوابّه، ويروي زرعه فيأتي هؤلاء العصاة أكلة السحت والحرام، فيأخذونها منه فيتركها لهم، ويحفر غيرها وهكذا، ثم ما عاناه من تقدم السنّ، ووهن العظم، وفقد البصر.
( ج ) يعقوب حفيد إبراهيم قال تعالى :﴿ فبشرنها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ﴾. [ هود : ٧١ ] أي بشرناها بالابن وابن الابن. ونُسب يعقوب إلى إبراهيم لأنه تربّى في بيت إبراهيم، وهو حفيده، ويعقوب هو الملقب بإسرائيل وقد رزق اثنتي عشر ولدا. أحدهم يوسف صاحب الرؤيا المشهورة، وفيها :{ إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين. [ يوسف : ٤ ].
وسارت قصة يوسف بعد ذلك فوضع في السجن، وصار على خزائن الدولة، واحتاج إخوته إلى الميرة والطعام، فجاءوه لطلب الميرة، ثم جاءوا ومعهم بنيامين، ثم جاءوا المرة الثالثة عند الجهد والحاجة، وعرفوا يوسف، وأرسل معهم قميصه وعادوا بأبيهم وخالتهم، وخرّوا ساجدين ليوسف، فقال يوسف :﴿ هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا... ﴾ [ يوسف : ١٠٠ ].
﴿ أولي الأيدي والأبصار ﴾.
أي : هم أصحاب القوة في الدين، والبصيرة النافذة في الدعوة إليه، وهؤلاء هم الصفوة الذين أدركوا سر وجودهم، فشغلوا أنفسهم بالعمل للدين، والتفكر والتبصر في هداية الخلق إلى طريق الحق.
بعد أن عرض سبحانه وتعالى قصص داود وسليمان وأيوب بشيء من التفصيل، أتبع ذلك بالحديث عن عدد من الأنبياء على سبيل الإجمال، فذكر إبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل واليسع وذا الكفل، وكلهم من الأخبار، الذين عمروا دنياهم بالأعمال الصالحة، فاصطفاهم الله وذكر مآثرهم.
المفردات :
أخلصناهم : جعلناهم خالصين لنا.
بخالصة : بخصلة خالصة لا شوب فيها، هي تذكر الدار الآخرة والعمل لها.
التفسير :
٤٦-﴿ إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ﴾.
إنا جعلناهم خالصين لطاعتنا، عاملين بأوامرنا ونواهينا، لاتصافهم بخصلة جليلة الشأن، لا يساويها غيرها من الخصال، وهي : تذكُّرهم الدار الآخرة في كل أعمالهم فهي مطمح أبصارهم، وغاية آمالهم وأهدافهم، في كل ما يأتون وما يذرون، ليفوزوا بلقاء ربهم، وينالوا رضاه في جنات النعيم.
بعد أن عرض سبحانه وتعالى قصص داود وسليمان وأيوب بشيء من التفصيل، أتبع ذلك بالحديث عن عدد من الأنبياء على سبيل الإجمال، فذكر إبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل واليسع وذا الكفل، وكلهم من الأخبار، الذين عمروا دنياهم بالأعمال الصالحة، فاصطفاهم الله وذكر مآثرهم.
المفردات :
المصطفين : جمع مصطفى، وهو المختار من بني جنسه.
الأخيار : واحدهم خيّر، وهو المطبوع على فعل الخير.
التفسير :
٤٧-﴿ وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ﴾.
لقد اصطفيناهم واخترناهم على علم بهم، وهم أخيار أطهار، عمل الخير جبلة وطبيعة فيهم.
قال تعالى :﴿ الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير ﴾. [ الحج : ٧٥ ].
بعد أن عرض سبحانه وتعالى قصص داود وسليمان وأيوب بشيء من التفصيل، أتبع ذلك بالحديث عن عدد من الأنبياء على سبيل الإجمال، فذكر إبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل واليسع وذا الكفل، وكلهم من الأخبار، الذين عمروا دنياهم بالأعمال الصالحة، فاصطفاهم الله وذكر مآثرهم.
٤٨-﴿ واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار ﴾.
واذكر لقومك أو لنفسك هؤلاء الأخيار الذين صبروا وصابروا، وكانوا مثالا يحتذى في الصبر والمروءة، والتضحية والفداء.
وقد ذكر في الآية ثلاثة من الأخيار الذي يعملون الخير والبر والطاعة والمعروف وهم :
١- إسماعيل عليه السلام، فقد كان مثالا للطاعة لأبيه، والصبر على البلاء، ومعاونة أبيه على تنفيذ أمر الله.
قال تعالى :﴿ فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ﴾. [ الصافات : ١٠٢ ].
وقال صلى الله عليه وسلم " أنا ابن الذبيحين " ١.
الذبيح الأول : إسماعيل، فقد أمر الله إبراهيم بذبح إسماعيل، ثم وفّى إبراهيم واستعد للذبح، ففداه الله بذبح عظيم.
والذبيح الثاني : عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد نذر عبد المطلب إذا رزقه الله عشرة من البنين ليذبحن أحدهم قربانا، ورزق فعلا ذلك، وجاءت الهواتف تطلب من عبد المطلب الوفاء بالنذر، وخرجت القرعة على عبد الله والد النبي، ثم اقترحت عرّافة باليمن أن يقدموا فدية عن عبد الله هي مائة من الإبل، وهي مقدار دية القتيل، فقدموا هذه الفدية، ونجا عبد الله ليكون أكرم والد لأكرم مولود.
٢- اليسع عليه السلام، وقد استخلفه إلياس على بني إسرائيل فصبر على جهلهم وسفاهتهم وظلمهم وكفرهم، ثم اصطفاه الله رسولا.
٣- ذو الكفل عليه السلام. وهو نبي مرسل عند الجمهور، وكان من شأنه أنه جابه الظُّلم، وتصدّى لقوم طاردوا عددا كبيرا من أنبياء بني إسرائيل، وتعقبوهم ليقتلوهم، فكلفهم ذو الكفل، وآواهم غير مبال بعسف الظالمين وكيدهم.
قال العجلوني في "كشف الخفاء" (٦٠٦): كذا في الكشاف، قال الزيلعى وابن حجر في تخريج أحاديثه: لم نجده بهذا اللفظ، وقال في المقاصد: حديث ابن الذبيحين رواه الحاكم في المناقب من مستدركه من حديث عبيد الله بن محمد العتبي قال حدثنا عبد الله بن سعيد عن الصنابجي قال حضرنا مجلس معاوية بن أبي سفيان، فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق ابني إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، فقال بعضهم: الذبيح إسماعيل وقال بعضهم: بل إسحاق، فقال معاوية: سقطتم على الخبير، كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي يشكو جدب أرضه: يا رسول الله خلفت البلاد يابسة، والماء يابسا، هلك المال وضاع العيال فعد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليه، فقلنا لمعاوية من الذبيحان يا أمير المؤمنين فقال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل له أمرها أن ينحر بعض ولده، فأخرجهم وأسهم بينهم، فخرج السهم لعبد الله، ، فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بني مخزوم، وقالوا له: أرض ربّك، وافد ابنك، ففداه بمائة ناقة فهو الذبيح، وإسماعيل الثاني. انتهى مع زيادة، وقال في المواهب وشرحها للزرقاني: وعند الحاكم في المستدرك وابن جرير وابن مردويه والثعلبي في تفاسيرهم عن معاوية بن أبي سفيان قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابي، فقال: يا رسول الله خلفت البلاد يابسة، والماء يابسا وفي نسخة الكلأ يابسا، وخلقت المال عابسا، هلك المال وضاع العيال فعد عليّ مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه. والحديث حسن بل صححه الحاكم والذهبي لتقوّيه بتعدد طرقه، انتهى، وأقول: فحينئذ لا ينافيه ما نقله الحلبي في سيرته عن السيوطي أن هذا الحديث غريب، وفي إسناده من لا يعرف. انتهى، وفيه دليل على أن الذبيح إسماعيل، وهو الصحيح، وفي الهدي لابن القيم: إسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم، أما القول بأنه إسحاق فمردود بأكثر من عشرين وجها ونقل عن الإمام ابن تيمية أن هذا القول متلقى من أهل الكتاب مع أنه باطل في كتابهم، فإن فيه إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه بكره، وفي لفظ وحيده، وقد حرفوا ذلك في التوراة التي بأيديهم " اذبح ابنك إسحاق ".
ولبعضهم وقد أجاد:
إن الذبيح، هديت، إسماعيل نطق الكتاب بذاك والتنزيل
شرف به خص الإله نبينا وأبانه التفسير والتأويل.
بعد أن عرض سبحانه وتعالى قصص داود وسليمان وأيوب بشيء من التفصيل، أتبع ذلك بالحديث عن عدد من الأنبياء على سبيل الإجمال، فذكر إبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل واليسع وذا الكفل، وكلهم من الأخبار، الذين عمروا دنياهم بالأعمال الصالحة، فاصطفاهم الله وذكر مآثرهم.
٤٩-﴿ هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب ﴾.
هذه الآيات التي ذكرنا فيها هؤلاء الرسل الكرام ذكر وشرف، وتخليد لذكرى هؤلاء الرسل أو المجاهدين في الدنيا.
قال ابن عباس : هذا ذكر من مضى من الأنبياء.
﴿ وإن للمتقين لحسن مآب ﴾.
وإن الله أعطى المتقين الذكر الحسن في الدنيا، ولهم في الآخرة حسن المآب والمرجع في الجنة إن شاء الله.
﴿ جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ( ٥٠ ) متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب ( ٥١ ) * وعندهم قاصرات الطرف أتراب ( ٥٢ ) هذا ما توعدون ليوم الحساب ( ٥٣ )إن هذا لرزقنا ما له من نفاد ( ٥٤ ) ﴾
المفردات :
جنات عدن : جنات استقرار وثبات، من قولهم : عَدَن بالمكان، أي : أقام به.
تمهيد :
في هذه الآيات بيان لنعيم المتقين في الجنة، ثم يأتي بعد ذلك لعذاب الكافرين، ومن شأن القرآن ان يقارن بين نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار، ليزداد الإنسان رغبة في الجنة، ورهبة من النار، وللتنويع والتصريف في آيات القرآن الكريم، فمن الناس من يستميله الوعد بالنعيم، ومنهم من يرهبه الخوف من عذاب الجحيم.
قال تعالى :﴿ وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا ﴾ [ طه : ١١٣ ].
التفسير :
٥٠-﴿ جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ﴾.
أي : لهم جنات إقامة وخلود دائم بلا موت، قد فتّحت أبوابها قبل قدومهم إليها، زيادة في تكريمهم وحسن استقبالهم.
الحرف في القرآن
الحرف الواحد في القرآن الكريم يشير إلى معنى، ويستتبع معنى، ومثال ذلك ما ورد في آخر سورة الزمر، حين تحدّث القرآن في الآيتين ( ٧١، ٧٢ ) من سورة الزمر عن أهل النار قال :﴿ وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها... ﴾ أي أن البواب لا تفتح إلا عند قدومهم، إذلالا لهم بالوقوف ولو قليلا على الباب، كالمساجين تفتح لهم أبواب السجن إثر قدومهم.
وقال تعالى في وصف أصحاب الجنة في الآيات ( ٧٣-٧٥ ) من سورة الزمر :﴿ وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها... ﴾
فالواو هنا تفيد أنهم يدخلون الجنة والحال أن أبوابها قد فتحت قبل قدومهم تكريمّا لهم، كما يستقبل الضيف العزيز بتفتيح الأبواب في قصر الضيافة قبل قدومه.
لهذا قال الله تعالى هنا :
﴿ جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ﴾.
فتحت أبواب الجنة تكريما لأصحابها حتى يدخلوها على أحسن حال وأجمل هيئة.
في هذه الآيات بيان لنعيم المتقين في الجنة، ثم يأتي بعد ذلك لعذاب الكافرين، ومن شأن القرآن ان يقارن بين نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار، ليزداد الإنسان رغبة في الجنة، ورهبة من النار، وللتنويع والتصريف في آيات القرآن الكريم، فمن الناس من يستميله الوعد بالنعيم، ومنهم من يرهبه الخوف من عذاب الجحيم.
قال تعالى :﴿ وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا ﴾ [ طه : ١١٣ ].
المفردات :
متكئين : مُسْنِدين ظهورهم أو جنوبهم إلى شيء، معتمدين عليه في حال قعودهم.
التفسير :
٥١-﴿ متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب ﴾.
يجلسون جلسة المستريح المُنعَّم المكرم، معتمدين فيها على أرائك أو وسائد من ديباج، في هيئة المطمئن الآمن الفرح المسرور، وهم في هذه الحالة من الحبور والسرور والرضا، يطلبون من ربّهم أن يمدّهم من ألوان الفاكهة، وأصناف الشراب، فيستجيب الله لهم، ويعطيهم جميع ما يطلبون.
قال تعالى :﴿ لهم فيها فاكهة ولم ما يدعون ﴾. [ يس ٥٧ ].
في هذه الآيات بيان لنعيم المتقين في الجنة، ثم يأتي بعد ذلك لعذاب الكافرين، ومن شأن القرآن ان يقارن بين نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار، ليزداد الإنسان رغبة في الجنة، ورهبة من النار، وللتنويع والتصريف في آيات القرآن الكريم، فمن الناس من يستميله الوعد بالنعيم، ومنهم من يرهبه الخوف من عذاب الجحيم.
قال تعالى :﴿ وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا ﴾ [ طه : ١١٣ ].
المفردات :
قاصرات الطرف : حابسات عيونهنّ على أزواجهن.
أتراب : لدات على سن واحدة.
التفسير :
٥٢-﴿ وعندهم قاصرات الطرف أتراب ﴾.
وعند أهل الجنة زوجات، قصرن أبصارهن على أزواجهن، فلا ينظرن إلى سواهم، أو قصرن أبصار أزواجهن عليهنّ لجمالهن الفائق، وهؤلاء الزوجات ﴿ أتراب ﴾. أي : لدات متشابهات، متساويات في السنّ، في حسن يوسف، وكلهن شابات، أبناء ٣٣، ليس بينهن عجوز، وذلك يستدعي محبة بعضهن لبعض، وفي ذلك راحة لأزواجهن، فإن تباغض الضرائر بسبب الفوارق في الحسن بينهنّ يُنغص عيش الأزواج، فلذا تشابهن في الحسن والطباع، حتى تصفوا الحياة في الجنة، وقيل : إن التساوي بينهن وبين أزواجهن، وذلك أشمل وأكمل، وأبعث على قصر الزوجات أبصارهن على أزواجهنّ.
وقال تعالى :﴿ وعندهم قاصرات الطرف عين * كأنهن بيض مكنون ﴾. [ الصافات : ٤٨-٤٩ ].
ومعنى :﴿ عين ﴾. واسعات العيون حسانها، كأنهن بيض النعام، تكنّه النعمة بريشها من الريح والغبار.
قال ابن عباس :
والآية في الزوجات الآدميات. ا ه.
أي : إن الله يعيد إلى الزوجات والأزواج الشباب والجمال والمساواة في السنّ، فهم جميعا أبناء ٣٣.
في هذه الآيات بيان لنعيم المتقين في الجنة، ثم يأتي بعد ذلك لعذاب الكافرين، ومن شأن القرآن ان يقارن بين نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار، ليزداد الإنسان رغبة في الجنة، ورهبة من النار، وللتنويع والتصريف في آيات القرآن الكريم، فمن الناس من يستميله الوعد بالنعيم، ومنهم من يرهبه الخوف من عذاب الجحيم.
قال تعالى :﴿ وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا ﴾ [ طه : ١١٣ ].
التفسير :
٥٣-﴿ هذا ما توعدون ليوم الحساب ﴾.
أي : هذا هو الجزاء الذي وعدتم به أيها المتقون جزاء إيمانكم وعملكم الصالح، من أجل يوم الحساب والجزاء، فالدنيا عمل ولا حساب، والآخرة حساب ولا عمل.
في هذه الآيات بيان لنعيم المتقين في الجنة، ثم يأتي بعد ذلك لعذاب الكافرين، ومن شأن القرآن ان يقارن بين نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار، ليزداد الإنسان رغبة في الجنة، ورهبة من النار، وللتنويع والتصريف في آيات القرآن الكريم، فمن الناس من يستميله الوعد بالنعيم، ومنهم من يرهبه الخوف من عذاب الجحيم.
قال تعالى :﴿ وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا ﴾ [ طه : ١١٣ ].
المفردات :
نفاذ : انقطاع.
٥٤-﴿ إن هذا لرزقنا ما له من نفاد ﴾.
إن هذا الرزق والنعيم والجزاء الحسن في الجنة، هذا النعيم دائم لا ينقطع، موفور لا ينقص، وفي معنى هذه الآية :
قال تعالى :﴿ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ﴾. [ التين : ٦ ] أي : غير منقوص.
وقال سبحانه :﴿ ما عندكم ينفذ وما عند الله باق... ﴾ [ النحل : ٩٦ ].
وقال تعالى :﴿ عطاء غير مجذوذ ﴾. [ هود : ١٠٨ ] أي : غير مقطوع.
وقال تعالى :﴿ أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار ﴾. [ الرعد : ٣٥ ].
ونلاحظ أن القرآن الكريم عندما تحدث عن النار قال :﴿ أحاط بهم سرادقها... ﴾ [ الكهف : ٢٩ ].
أي أن سور النار مغلق على أهلها، وقال عن الجنة :﴿ مفتحة لهم الأبواب ﴾. [ ص : ٥٠ ].
﴿ هذا وإن للطاغين لشر مآب ( ٥٥ ) جهنم يصلونها فبئس المهاد ( ٥٦ ) هذا فليذوقوه حميم وغساق ( ٥٧ ) وآخر من شكله أزواج ( ٥٨ ) هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار ( ٥٩ ) قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار ( ٦٠ ) قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار ( ٦١ ) وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار ( ٦٢ ) أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار ( ٦٣ ) إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ( ٦٤ ) ﴾
المفردات :
الطاغين : المجاوزين الحدّ، والمراد بهم : الكفار الذين تجاوزوا حدود الله وكذّبوا رسله.
شر مآب : قبح مرجع.
يصلونها : يدخلونها ويقاسون حرّها.
تمهيد :
يصف القرآن جهنم، كأنّ العين تنظر إليها، فأهلها يشربون الحميم الحار، والغسّاق عصارة أهل النار، أو البارد الزمهرير، وهناك أصناف أخرى من العذاب تحت بنود متعددة، ونجد حوارا بين القادة والزعماء من أهل جهنم وأتباعهم، فالقادة لا يرحبّون بأتباعهم، لأنهم من أهل جهنم، ولن يستفيدوا منهم شيئا، والأتباع يقولون لهم :﴿ بل أنتم لا مرحبا بكم ﴾. أنتم السبب في شقوتنا وضلالنا، ودخولنا جهنم فبئس المستقرّ والقرار جهنم، وتضرع الأتباع إلى الله أن يزيد الرؤساء ضعفا من النار، جزاء إضلالهم للآخرين، ويبحث أهل النار عن الفقراء الضعفاء من المؤمنين، أمثال : بلال، وصهيب، وعمار بن ياسر، وأبيه وأمه، هؤلاء الذين سخروا منهم ومن فقرهم، ولم ينظروا إليهم في الدنيا نظرة احترام، بل تجاوزوا النظر إليهم، وزاغت الأبصار عنهم إهمالا لشأنهم، والنتيجة أن هؤلاء الفقراء ينعمون بألوان النعيم في الجنة.
التفسير :
٥٥-﴿ هذا وإن للطاغين لشر مآب ﴾.
تقدم الحديث عن أهل الجنة، وما يلقون من ألوان النعيم، وهنا يتحدث عن عقوبة الظالمين، فمهد لذلك بقوله سبحانه :﴿ هذا ﴾، أي الأمر هذا، فهو خبر لمبتدأ محذوف.
قال ابن الأنباري :﴿ هذا ﴾. وقف حسن، ثم تبتدئ :﴿ وإن للطاغين لشر مآب ﴾.
ومعنى الآية :
الأمر الذي ذكر في جزاء المتقين، وإن للطغاة الذين كذبوا الرسل لشر مرجع يئوبون إليه.
يصف القرآن جهنم، كأنّ العين تنظر إليها، فأهلها يشربون الحميم الحار، والغسّاق عصارة أهل النار، أو البارد الزمهرير، وهناك أصناف أخرى من العذاب تحت بنود متعددة، ونجد حوارا بين القادة والزعماء من أهل جهنم وأتباعهم، فالقادة لا يرحبّون بأتباعهم، لأنهم من أهل جهنم، ولن يستفيدوا منهم شيئا، والأتباع يقولون لهم :﴿ بل أنتم لا مرحبا بكم ﴾. أنتم السبب في شقوتنا وضلالنا، ودخولنا جهنم فبئس المستقرّ والقرار جهنم، وتضرع الأتباع إلى الله أن يزيد الرؤساء ضعفا من النار، جزاء إضلالهم للآخرين، ويبحث أهل النار عن الفقراء الضعفاء من المؤمنين، أمثال : بلال، وصهيب، وعمار بن ياسر، وأبيه وأمه، هؤلاء الذين سخروا منهم ومن فقرهم، ولم ينظروا إليهم في الدنيا نظرة احترام، بل تجاوزوا النظر إليهم، وزاغت الأبصار عنهم إهمالا لشأنهم، والنتيجة أن هؤلاء الفقراء ينعمون بألوان النعيم في الجنة.
المفردات :
المهاد : الفراش، وزنا ومعنى.
التفسير :
٥٦-﴿ جهنم يصلونها فبئس المهاد ﴾.
أي : هم يدخلون جهنم فيَصْلَوْن حرّها، ويساقون لهيبها، فبئس الفراش فراش النار، ونظير الآية قوله تعالى :﴿ لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش... ﴾ [ الأعراف : ٤١ ].
يصف القرآن جهنم، كأنّ العين تنظر إليها، فأهلها يشربون الحميم الحار، والغسّاق عصارة أهل النار، أو البارد الزمهرير، وهناك أصناف أخرى من العذاب تحت بنود متعددة، ونجد حوارا بين القادة والزعماء من أهل جهنم وأتباعهم، فالقادة لا يرحبّون بأتباعهم، لأنهم من أهل جهنم، ولن يستفيدوا منهم شيئا، والأتباع يقولون لهم :﴿ بل أنتم لا مرحبا بكم ﴾. أنتم السبب في شقوتنا وضلالنا، ودخولنا جهنم فبئس المستقرّ والقرار جهنم، وتضرع الأتباع إلى الله أن يزيد الرؤساء ضعفا من النار، جزاء إضلالهم للآخرين، ويبحث أهل النار عن الفقراء الضعفاء من المؤمنين، أمثال : بلال، وصهيب، وعمار بن ياسر، وأبيه وأمه، هؤلاء الذين سخروا منهم ومن فقرهم، ولم ينظروا إليهم في الدنيا نظرة احترام، بل تجاوزوا النظر إليهم، وزاغت الأبصار عنهم إهمالا لشأنهم، والنتيجة أن هؤلاء الفقراء ينعمون بألوان النعيم في الجنة.
المفردات :
الحميم : الماء الشديد الحرارة.
الغساق : عصارة أهل النار، وعن ابن عباس : الزمهرير، يغسق من صديد أهل النار، يقال : غسقت العين، أي : سال دمعها.
التفسير :
٥٧-﴿ هذا فليذوقوه حميم وغساق ﴾.
أي : العذاب هذا فليذوقوه ويتجرّعوا مرارته، صنف منه حار يشوي الوجوه، يسمى الحميم.
قال تعالى :﴿ وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ﴾. [ محمد : ١٥ ].
وصنف منه ماء بارد لا يستطاع شربه لبرودته، يسمى الغساق أو الزمهرير، كما فسّره ابن عباس.
وقال آخرون : الغسّاق صديد أهل النار يسيل من أجسادهم.
وقيل : الغسّاق عذاب لا يعلمه إلا الله.
قال الحسن رضي الله عنه :
إن الناس أخفوا لله طاعة فأخفى لهم ثوابا في قوله تعالى :﴿ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ﴾. [ السجدة : ١٧ ].
وأخفوا معصية فأخفى لهم عقوبة، فالغسّاق عذاب لا يعلمه إلا الله تعالى.
يصف القرآن جهنم، كأنّ العين تنظر إليها، فأهلها يشربون الحميم الحار، والغسّاق عصارة أهل النار، أو البارد الزمهرير، وهناك أصناف أخرى من العذاب تحت بنود متعددة، ونجد حوارا بين القادة والزعماء من أهل جهنم وأتباعهم، فالقادة لا يرحبّون بأتباعهم، لأنهم من أهل جهنم، ولن يستفيدوا منهم شيئا، والأتباع يقولون لهم :﴿ بل أنتم لا مرحبا بكم ﴾. أنتم السبب في شقوتنا وضلالنا، ودخولنا جهنم فبئس المستقرّ والقرار جهنم، وتضرع الأتباع إلى الله أن يزيد الرؤساء ضعفا من النار، جزاء إضلالهم للآخرين، ويبحث أهل النار عن الفقراء الضعفاء من المؤمنين، أمثال : بلال، وصهيب، وعمار بن ياسر، وأبيه وأمه، هؤلاء الذين سخروا منهم ومن فقرهم، ولم ينظروا إليهم في الدنيا نظرة احترام، بل تجاوزوا النظر إليهم، وزاغت الأبصار عنهم إهمالا لشأنهم، والنتيجة أن هؤلاء الفقراء ينعمون بألوان النعيم في الجنة.
المفردات :
وآخر : وعذاب آخر.
من شكله : من مثل المذاق في الشدة والفظاعة.
أزواج : أجناس.
التفسير :
٥٨-﴿ وآخر من شكله أزواج ﴾.
ولهم عذاب آخر من شكل هذا العذاب، في الشدّة والفظاعة، أصناف وأجناس، كالزقوم والسموم.
يصف القرآن جهنم، كأنّ العين تنظر إليها، فأهلها يشربون الحميم الحار، والغسّاق عصارة أهل النار، أو البارد الزمهرير، وهناك أصناف أخرى من العذاب تحت بنود متعددة، ونجد حوارا بين القادة والزعماء من أهل جهنم وأتباعهم، فالقادة لا يرحبّون بأتباعهم، لأنهم من أهل جهنم، ولن يستفيدوا منهم شيئا، والأتباع يقولون لهم :﴿ بل أنتم لا مرحبا بكم ﴾. أنتم السبب في شقوتنا وضلالنا، ودخولنا جهنم فبئس المستقرّ والقرار جهنم، وتضرع الأتباع إلى الله أن يزيد الرؤساء ضعفا من النار، جزاء إضلالهم للآخرين، ويبحث أهل النار عن الفقراء الضعفاء من المؤمنين، أمثال : بلال، وصهيب، وعمار بن ياسر، وأبيه وأمه، هؤلاء الذين سخروا منهم ومن فقرهم، ولم ينظروا إليهم في الدنيا نظرة احترام، بل تجاوزوا النظر إليهم، وزاغت الأبصار عنهم إهمالا لشأنهم، والنتيجة أن هؤلاء الفقراء ينعمون بألوان النعيم في الجنة.
المفردات :
فوج : جمع كثير من أتباعكم في الضلال.
مقتحم معكم : داخل معكم، والاقتحام : ركوب الشدّة، والدخول فيها.
لا مرحبا بهم : لا رحبت عليهم الأرض ولا اتسعت.
صالوا النار : داخلون فيها.
التفسير :
٥٩-﴿ هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار ﴾.
قال ابن عباس في تفسير هذه الآية :
إن القادة إذا دخلوا النار، ثم دخل بعدهم الأتباع، تقول الخزنة للقادة : هذا فوج داخل النار معكم، فيقول السادة : لا مرحبا بهم، والمراد بذلك الدعاء عليهم.
قال النابغة :
لا مرحبا بغد ولا أهلا به إن كان تفريق الأحبة في غد.
ونلاحظ دقة التعبير في الآية، فالفوج جمع غفير، ومقتحم معكم، داخل النار كرها وعلى غير اختيار، وإنما يساق سوقا إلى جهنم في ذلة ومهانة.
والرحب : السّعة، تقول مرحبا، أي : أتيت سعة وأهلا، فاستأنس ولا تستوحش، بخلاف لا مرحبا، فإنها على العكس، وهي تشير إلى أنهم لا يريدون لقاءهم، فصدورهم لا تتسع لهم، لأنهم صالوا النار مثلهم، فلا منفعة في لقائهم تقتضي الترحيب بهم، وهنا يتضح أمامنا أن أهل النار قد تقطعت الصِّلات بينهم، وفقدوا المودة والتناصر والتعاون الذي كان يربط بينهم في الدنيا، لأن الغشاوة قد أزيحت عن العيون، ووجدوا ما عملوا حاضرا، ولا يظلم ربك أحدا.
وفي هذا المعنى يقول الله تعالى :﴿ لقد تقطع بينكم... ﴾ [ الأنعام : ٩٤ ].
ويقول تعالى :﴿ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ﴾. [ الزخرف : ٦٧ ].
يصف القرآن جهنم، كأنّ العين تنظر إليها، فأهلها يشربون الحميم الحار، والغسّاق عصارة أهل النار، أو البارد الزمهرير، وهناك أصناف أخرى من العذاب تحت بنود متعددة، ونجد حوارا بين القادة والزعماء من أهل جهنم وأتباعهم، فالقادة لا يرحبّون بأتباعهم، لأنهم من أهل جهنم، ولن يستفيدوا منهم شيئا، والأتباع يقولون لهم :﴿ بل أنتم لا مرحبا بكم ﴾. أنتم السبب في شقوتنا وضلالنا، ودخولنا جهنم فبئس المستقرّ والقرار جهنم، وتضرع الأتباع إلى الله أن يزيد الرؤساء ضعفا من النار، جزاء إضلالهم للآخرين، ويبحث أهل النار عن الفقراء الضعفاء من المؤمنين، أمثال : بلال، وصهيب، وعمار بن ياسر، وأبيه وأمه، هؤلاء الذين سخروا منهم ومن فقرهم، ولم ينظروا إليهم في الدنيا نظرة احترام، بل تجاوزوا النظر إليهم، وزاغت الأبصار عنهم إهمالا لشأنهم، والنتيجة أن هؤلاء الفقراء ينعمون بألوان النعيم في الجنة.
المفردات :
فبئس القرار : بئس المقر جهنم.
التفسير :
٦٠-﴿ قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبس القرار ﴾.
ردّ الأتباع على الرؤساء قائلين : بل أنتم الذين لا مرحبا بكم، وإنما الضيق والهلاك لكم، وهل أصابنا ما أصابنا إلا بسببكم، فأنتم دعوتمونا في الدنيا إلى الكفر فاتبعناكم، وصرنا جميعا في جهنم، فبئس المستقر والنزل والقرار لنا ولكم جهنم، وهذا التلاعن بين أهل النار، كل واحد منهم يلقي التبعة على الآخر، ويحاول أن يتنصل من المسؤولية، يصوّره قوله تعالى :{ كلما دخلت أمّة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتيهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون * وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون. [ الأعراف : ٣٨، ٣٩ ].
والقرآن بهذا يفتح العيون والأبصار، وينبه الطغاة والكفار، من هول يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، ولا يستند الإنسان فيه كبير أو أمير، إنما ينفع الإنسان في هذا اليوم القلب السليم، والعمل المستقيم.
قال تعالى :﴿ يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من آتى الله بقلب سليم ﴾. [ الشعراء : ٨٨، ٨٩ ].
يصف القرآن جهنم، كأنّ العين تنظر إليها، فأهلها يشربون الحميم الحار، والغسّاق عصارة أهل النار، أو البارد الزمهرير، وهناك أصناف أخرى من العذاب تحت بنود متعددة، ونجد حوارا بين القادة والزعماء من أهل جهنم وأتباعهم، فالقادة لا يرحبّون بأتباعهم، لأنهم من أهل جهنم، ولن يستفيدوا منهم شيئا، والأتباع يقولون لهم :﴿ بل أنتم لا مرحبا بكم ﴾. أنتم السبب في شقوتنا وضلالنا، ودخولنا جهنم فبئس المستقرّ والقرار جهنم، وتضرع الأتباع إلى الله أن يزيد الرؤساء ضعفا من النار، جزاء إضلالهم للآخرين، ويبحث أهل النار عن الفقراء الضعفاء من المؤمنين، أمثال : بلال، وصهيب، وعمار بن ياسر، وأبيه وأمه، هؤلاء الذين سخروا منهم ومن فقرهم، ولم ينظروا إليهم في الدنيا نظرة احترام، بل تجاوزوا النظر إليهم، وزاغت الأبصار عنهم إهمالا لشأنهم، والنتيجة أن هؤلاء الفقراء ينعمون بألوان النعيم في الجنة.
٦١-﴿ قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار ﴾.
عندما شاهد الأتباع جهنم وعذابها، وما فيها من أغلال وعذاب، تضرّعوا إلى الله أن يزيد العذاب في النار للقادة والكبار، الذي كانوا سببا في إضلالهم وكفرهم في الدنيا، ودخولهم النار في الآخرة.
وفي هذا المعنى يقول القرآن الكريم على لسانهم :﴿ ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتيهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ﴾. [ الأحزاب : ٦٧، ٦٨ ].
يصف القرآن جهنم، كأنّ العين تنظر إليها، فأهلها يشربون الحميم الحار، والغسّاق عصارة أهل النار، أو البارد الزمهرير، وهناك أصناف أخرى من العذاب تحت بنود متعددة، ونجد حوارا بين القادة والزعماء من أهل جهنم وأتباعهم، فالقادة لا يرحبّون بأتباعهم، لأنهم من أهل جهنم، ولن يستفيدوا منهم شيئا، والأتباع يقولون لهم :﴿ بل أنتم لا مرحبا بكم ﴾. أنتم السبب في شقوتنا وضلالنا، ودخولنا جهنم فبئس المستقرّ والقرار جهنم، وتضرع الأتباع إلى الله أن يزيد الرؤساء ضعفا من النار، جزاء إضلالهم للآخرين، ويبحث أهل النار عن الفقراء الضعفاء من المؤمنين، أمثال : بلال، وصهيب، وعمار بن ياسر، وأبيه وأمه، هؤلاء الذين سخروا منهم ومن فقرهم، ولم ينظروا إليهم في الدنيا نظرة احترام، بل تجاوزوا النظر إليهم، وزاغت الأبصار عنهم إهمالا لشأنهم، والنتيجة أن هؤلاء الفقراء ينعمون بألوان النعيم في الجنة.
المفردات :
الأشرار : الأرذال الذين لا خير فيهم، يريدون بذلك المؤمنين.
التفسير :
٦٢-﴿ وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار ﴾.
وقال الطاغون والكافرون بعضهم لبعض : ما لنا لا نرى رجالا من الفقراء والأراذل والضعفاء، كنّا نعدّهم من الذين لا خير فيهم ولا منفعة لهم، يعنون فقراء المؤمنين، الذي احتقروهم وازدروهم،
يصف القرآن جهنم، كأنّ العين تنظر إليها، فأهلها يشربون الحميم الحار، والغسّاق عصارة أهل النار، أو البارد الزمهرير، وهناك أصناف أخرى من العذاب تحت بنود متعددة، ونجد حوارا بين القادة والزعماء من أهل جهنم وأتباعهم، فالقادة لا يرحبّون بأتباعهم، لأنهم من أهل جهنم، ولن يستفيدوا منهم شيئا، والأتباع يقولون لهم :﴿ بل أنتم لا مرحبا بكم ﴾. أنتم السبب في شقوتنا وضلالنا، ودخولنا جهنم فبئس المستقرّ والقرار جهنم، وتضرع الأتباع إلى الله أن يزيد الرؤساء ضعفا من النار، جزاء إضلالهم للآخرين، ويبحث أهل النار عن الفقراء الضعفاء من المؤمنين، أمثال : بلال، وصهيب، وعمار بن ياسر، وأبيه وأمه، هؤلاء الذين سخروا منهم ومن فقرهم، ولم ينظروا إليهم في الدنيا نظرة احترام، بل تجاوزوا النظر إليهم، وزاغت الأبصار عنهم إهمالا لشأنهم، والنتيجة أن هؤلاء الفقراء ينعمون بألوان النعيم في الجنة.
التفسير :
سخريا : مسخورّا ومستهزأ بهم.
زاغت عنهم : مالت عنهم.
التفسير :
ثم تفقدوهم في النار فلم يجدوهم، فقالوا :
٦٣-﴿ أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار ﴾.
أمن أجل أننا سخرنا منهم في الدنيا، واحتقرناهم بالازدراء والتعالي عليهم، وغض الطرف عن النظر إليهم، ولم يكونوا أهلا لذلك بل كانوا خيرا منا، فدخلوا الجنة وتنعموا بنعيمها، أم هم في النار معنا ولكن لم تقع عليهم أبصارنا ؟
يصف القرآن جهنم، كأنّ العين تنظر إليها، فأهلها يشربون الحميم الحار، والغسّاق عصارة أهل النار، أو البارد الزمهرير، وهناك أصناف أخرى من العذاب تحت بنود متعددة، ونجد حوارا بين القادة والزعماء من أهل جهنم وأتباعهم، فالقادة لا يرحبّون بأتباعهم، لأنهم من أهل جهنم، ولن يستفيدوا منهم شيئا، والأتباع يقولون لهم :﴿ بل أنتم لا مرحبا بكم ﴾. أنتم السبب في شقوتنا وضلالنا، ودخولنا جهنم فبئس المستقرّ والقرار جهنم، وتضرع الأتباع إلى الله أن يزيد الرؤساء ضعفا من النار، جزاء إضلالهم للآخرين، ويبحث أهل النار عن الفقراء الضعفاء من المؤمنين، أمثال : بلال، وصهيب، وعمار بن ياسر، وأبيه وأمه، هؤلاء الذين سخروا منهم ومن فقرهم، ولم ينظروا إليهم في الدنيا نظرة احترام، بل تجاوزوا النظر إليهم، وزاغت الأبصار عنهم إهمالا لشأنهم، والنتيجة أن هؤلاء الفقراء ينعمون بألوان النعيم في الجنة.
المفردات :
تخاصم : تنازع.
التفسير :
٦٤- ﴿ إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ﴾.
إن الذي قصصناه عليك أيها الرسول الكريم، من تخاصم الأتباع والمتبوعين، وندم كبار الكفار حين يرون أنفسهم في جهنم، يتعرضون لأشد ألوان العذاب، بينما فقراء المسلمين وضعفاؤهم في جنات النعيم وظهور الأسى والندم، ولات ساعة مندم، هو حق تخاصم أهل النار وتنازعهم.
روى القرطبي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى :
﴿ ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار ﴾.
يريدون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، يقول أبو جهل : أين بلال، أين صهيب، أين عمّار ؟ أولئك في الفردوس، واعجبا لأبي جهل مسكين، أسلم ابن عكرمة، وابنته جويرية، وأسلمت أمّه، وأسلم أخوه، وكفر هو، قال القائل :
ونورا أضاء الأرض شرقا ومغربا وموضع رجلي منه أسود مظلم.
﴿ قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار ( ٦٥ ) رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار ( ٦٦ ) قل هو نبأ عظيم ( ٦٧ ) أنتم عنه معرضون ( ٦٨ ) ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون ( ٦٩ ) إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين ( ٧٠ ) ﴾
المفردات :
القهار : الغالب.
تمهيد :
تأتي هذه الفقرة تأكيدا لما مرّ في أول السورة من تنبيه للقرآن :﴿ ص والقرآن ذي الذكر ﴾، حيث تنبِّه على عظمة القرآن وأهمية الوحي في التعليم، والتوجيه والإرشاد، والإسعاد والرقيّ.
﴿ قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون ﴾.
وهو يتحدث عن الملائكة وآدم وإبليس، وهي أمور غيبية، ما كان للنبي الأميّ علم بها، إلا عن طريق الوحي.
وتمهد الآيات لقصة آدم إبليس، ولمحاورة ومناقشة بين الحق سبحانه وتعالى وإبليس، تصوّر الحكمة في خلق الخير والشرّ في هذه الحياة، وتنبِّه البشر إلى رغبة الشيطان في إضلالهم، وأنه لا ملجأ للإنسان في هذه الدنيا إلا الاعتصام بفضل الله، والتمسك بكتابه وهديه، والإلجاء إلى عنايته وفضله ورعايته وتوفيقه.
التفسير :
٦٥، ٦٦- ﴿ قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار * رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار ﴾.
قل يا أيها الرسول لأهل مكة إنما أنا منذر من الله تعالى، أخوفكم عذابه ومخالفته، وآمركم بطاعته واحترام وحيه وكتابه، ولست ساحرا ولا كاهنا ولا كذابا كما تدعون، إنما أنا رسول من عند الله، أحمل لكم وحي السماء، ولا أملك الهداية، ولا أستطيع أن أجبركم عليها.
قال تعالى :﴿ فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر ﴾. [ الغاشية : ٢١، ٢٢ ].
وقال تعالى :﴿ إن عليك إلا البلاغ... ﴾ [ الشورى : ٤٨ ].
أما الأصنام التي تعبدونها فليست بآلهة، لأنها لم تَخْلُق ولا تَرْزُق، ولا تسمع ولا تجيب، ولا تملك لنفسها نفعا ولا ضرّا، فضلا عن أن تنفع غيرها.
﴿ وما من إله إلا الله الواحد القهار ﴾.
ليس هنا إله سوى الله تعالى، الواحد الأحد الفرد الصمد، ﴿ القهار ﴾، الذي قهر كل شيء وغلبه بعزته وجبروته، فهو خالق الكون، وهو رافع السماء، وباسط الأرض، وهو العزيز الغالب، الغفار لمن تاب ورجع إليه.
﴿ رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار ﴾.
فالله تعالى قد وصف نفسه في الآيتين بخمس صفات :
١- أنه الإله الواحد لا شريك له.
٢- القهار الذي قهر كل شيء بقدرته.
٣- رب السماوات والأرض وما بينهما، حيث رفع السماء وبسط الأرض، وسخّر الهواء والفضاء، والرياح والسحاب والأمطار، والنبات والليل والنهار.
قال تعالى :﴿ له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ﴾. [ طه : ٦ ].
٤- العزيز الغالب الذي لا يغلب.
٥- الغفار الذي يفتح بابه للتائبين، ويغفر للمذنبين.
قال تعالى :﴿ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾. [ طه : ٨٢ ].
﴿ قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار ( ٦٥ ) رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار ( ٦٦ ) قل هو نبأ عظيم ( ٦٧ ) أنتم عنه معرضون ( ٦٨ ) ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون ( ٦٩ ) إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين ( ٧٠ ) ﴾
المفردات :
القهار : الغالب.
تمهيد :
تأتي هذه الفقرة تأكيدا لما مرّ في أول السورة من تنبيه للقرآن :﴿ ص والقرآن ذي الذكر ﴾، حيث تنبِّه على عظمة القرآن وأهمية الوحي في التعليم، والتوجيه والإرشاد، والإسعاد والرقيّ.
﴿ قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون ﴾.
وهو يتحدث عن الملائكة وآدم وإبليس، وهي أمور غيبية، ما كان للنبي الأميّ علم بها، إلا عن طريق الوحي.
وتمهد الآيات لقصة آدم إبليس، ولمحاورة ومناقشة بين الحق سبحانه وتعالى وإبليس، تصوّر الحكمة في خلق الخير والشرّ في هذه الحياة، وتنبِّه البشر إلى رغبة الشيطان في إضلالهم، وأنه لا ملجأ للإنسان في هذه الدنيا إلا الاعتصام بفضل الله، والتمسك بكتابه وهديه، والإلجاء إلى عنايته وفضله ورعايته وتوفيقه.
التفسير :
٦٥، ٦٦- ﴿ قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار * رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار ﴾.
قل يا أيها الرسول لأهل مكة إنما أنا منذر من الله تعالى، أخوفكم عذابه ومخالفته، وآمركم بطاعته واحترام وحيه وكتابه، ولست ساحرا ولا كاهنا ولا كذابا كما تدعون، إنما أنا رسول من عند الله، أحمل لكم وحي السماء، ولا أملك الهداية، ولا أستطيع أن أجبركم عليها.
قال تعالى :﴿ فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر ﴾. [ الغاشية : ٢١، ٢٢ ].
وقال تعالى :﴿ إن عليك إلا البلاغ... ﴾ [ الشورى : ٤٨ ].
أما الأصنام التي تعبدونها فليست بآلهة، لأنها لم تَخْلُق ولا تَرْزُق، ولا تسمع ولا تجيب، ولا تملك لنفسها نفعا ولا ضرّا، فضلا عن أن تنفع غيرها.
﴿ وما من إله إلا الله الواحد القهار ﴾.
ليس هنا إله سوى الله تعالى، الواحد الأحد الفرد الصمد، ﴿ القهار ﴾، الذي قهر كل شيء وغلبه بعزته وجبروته، فهو خالق الكون، وهو رافع السماء، وباسط الأرض، وهو العزيز الغالب، الغفار لمن تاب ورجع إليه.
﴿ رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار ﴾.
فالله تعالى قد وصف نفسه في الآيتين بخمس صفات :
١- أنه الإله الواحد لا شريك له.
٢- القهار الذي قهر كل شيء بقدرته.
٣- رب السماوات والأرض وما بينهما، حيث رفع السماء وبسط الأرض، وسخّر الهواء والفضاء، والرياح والسحاب والأمطار، والنبات والليل والنهار.
قال تعالى :﴿ له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ﴾. [ طه : ٦ ].
٤- العزيز الغالب الذي لا يغلب.
٥- الغفار الذي يفتح بابه للتائبين، ويغفر للمذنبين.
قال تعالى :﴿ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾. [ طه : ٨٢ ].
تأتي هذه الفقرة تأكيدا لما مرّ في أول السورة من تنبيه للقرآن :﴿ ص والقرآن ذي الذكر ﴾، حيث تنبِّه على عظمة القرآن وأهمية الوحي في التعليم، والتوجيه والإرشاد، والإسعاد والرقيّ.
﴿ قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون ﴾.
وهو يتحدث عن الملائكة وآدم وإبليس، وهي أمور غيبية، ما كان للنبي الأميّ علم بها، إلا عن طريق الوحي.
وتمهد الآيات لقصة آدم إبليس، ولمحاورة ومناقشة بين الحق سبحانه وتعالى وإبليس، تصوّر الحكمة في خلق الخير والشرّ في هذه الحياة، وتنبِّه البشر إلى رغبة الشيطان في إضلالهم، وأنه لا ملجأ للإنسان في هذه الدنيا إلا الاعتصام بفضل الله، والتمسك بكتابه وهديه، والإلجاء إلى عنايته وفضله ورعايته وتوفيقه.
المفردات :
نبأ عظيم : خبر عظيم، وهو نزول وحي السماء على أمة، لإحيائها وبعثها بعثها بعثا جديدا بكفر جديد.
التفسير :
٦٧- ﴿ قل هو نبأ عظيم ﴾.
إن خبر الوحي وإرشاد السماء، واختيار رسول ليكون واسطة بين الله وبين خلقه نبأ عظيم، وأمر خطير، أن تُكلِّم السماء والأرض، وأن يتفضل الله على عباده بأن يرسل محمدا صلى الله عليه وسلم مبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، إن هذا الوحي في حد ذاته شرف للإنسانية كلها، حيث اختار الله من بينها يتيما فقيرا أميا، وأنزل عليه الوحي من السماء لهداية الناس وإرشادهم.
تأتي هذه الفقرة تأكيدا لما مرّ في أول السورة من تنبيه للقرآن :﴿ ص والقرآن ذي الذكر ﴾، حيث تنبِّه على عظمة القرآن وأهمية الوحي في التعليم، والتوجيه والإرشاد، والإسعاد والرقيّ.
﴿ قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون ﴾.
وهو يتحدث عن الملائكة وآدم وإبليس، وهي أمور غيبية، ما كان للنبي الأميّ علم بها، إلا عن طريق الوحي.
وتمهد الآيات لقصة آدم إبليس، ولمحاورة ومناقشة بين الحق سبحانه وتعالى وإبليس، تصوّر الحكمة في خلق الخير والشرّ في هذه الحياة، وتنبِّه البشر إلى رغبة الشيطان في إضلالهم، وأنه لا ملجأ للإنسان في هذه الدنيا إلا الاعتصام بفضل الله، والتمسك بكتابه وهديه، والإلجاء إلى عنايته وفضله ورعايته وتوفيقه.
٦٨- ﴿ أنتم عنه معرضون ﴾.
لكنّ أهل مكة أخذهم الغرور والكبر، ومنعهم حب الذات والعظمة الكاذبة من أن يتبعوا هذا الرسول، رغم عظم الأمانة، وفضل ما يحمله.
قال تعالى :﴿ وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ﴾. [ الزخرف : ٤٤ ].
وليت أمتنا تعيد النظر في أمر هذا الكتاب وهديه وتشريعاته وآدابه وصفاته، لتتجه نحوه قراءة وحفظا، وتدبرا وشرحا، وعملا به واقتداء، وتتمثله سلوكا وخُلقا، إذّا لعاد إليها المجد والخير والبركة والسعادة الحقيقية.
تأتي هذه الفقرة تأكيدا لما مرّ في أول السورة من تنبيه للقرآن :﴿ ص والقرآن ذي الذكر ﴾، حيث تنبِّه على عظمة القرآن وأهمية الوحي في التعليم، والتوجيه والإرشاد، والإسعاد والرقيّ.
﴿ قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون ﴾.
وهو يتحدث عن الملائكة وآدم وإبليس، وهي أمور غيبية، ما كان للنبي الأميّ علم بها، إلا عن طريق الوحي.
وتمهد الآيات لقصة آدم إبليس، ولمحاورة ومناقشة بين الحق سبحانه وتعالى وإبليس، تصوّر الحكمة في خلق الخير والشرّ في هذه الحياة، وتنبِّه البشر إلى رغبة الشيطان في إضلالهم، وأنه لا ملجأ للإنسان في هذه الدنيا إلا الاعتصام بفضل الله، والتمسك بكتابه وهديه، والإلجاء إلى عنايته وفضله ورعايته وتوفيقه.
المفردات :
الملأ الأعلى : جماعة الملائكة اختصموا مع إبليس في شأن آدم.
التفسير :
٦٩-﴿ ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون ﴾.
أي : ولولا الوحي ما كنت أدري باختلاف الملأ الأعلى، يعني في شأن آدم عليه السلام، وامتناع إبليس من السجود له، ومحاجته ربه في تفضيله عليه.
قال القرطبي :
الملأ الأعلى هم الملائكة في قول ابن عباس والسدّي، وقد اختصموا في أمر آدم حين خلق، فقالوا :﴿ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء... ﴾ [ البقرة : ٣٠ ].
وقال إبليس :﴿ أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾. [ ص : ٧٦ ].
وفي هذا بيان ان محمدا صلى الله عليه وسلم أخبر عن قصة آدم وغيره، وذلك لا يتصور إلا بتأييد إلهي. ا ه.
وقال ابن كثير :
﴿ ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون ﴾.
أي : لولا الوحي من أين كنت أدري باختلاف الملأ الأعلى في شأن آدم، وامتناع إبليس عن السجود له، ومحاجته ربّه في تفضيله عليه. ا ه.
تأتي هذه الفقرة تأكيدا لما مرّ في أول السورة من تنبيه للقرآن :﴿ ص والقرآن ذي الذكر ﴾، حيث تنبِّه على عظمة القرآن وأهمية الوحي في التعليم، والتوجيه والإرشاد، والإسعاد والرقيّ.
﴿ قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون ﴾.
وهو يتحدث عن الملائكة وآدم وإبليس، وهي أمور غيبية، ما كان للنبي الأميّ علم بها، إلا عن طريق الوحي.
وتمهد الآيات لقصة آدم إبليس، ولمحاورة ومناقشة بين الحق سبحانه وتعالى وإبليس، تصوّر الحكمة في خلق الخير والشرّ في هذه الحياة، وتنبِّه البشر إلى رغبة الشيطان في إضلالهم، وأنه لا ملجأ للإنسان في هذه الدنيا إلا الاعتصام بفضل الله، والتمسك بكتابه وهديه، والإلجاء إلى عنايته وفضله ورعايته وتوفيقه.
٧٠-﴿ إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين ﴾.
أي : ما ينزل الوحي عليّ من السماء، إلا بسبب أني رسول من عند الله أبلغكم دعوته، وأحذركم عقابه وأقدم لكم هذا التحذير واضحا جليّا مبينّا، وخص الإنذار بالذكر مع أنه صلى الله عليه وسلم مبشر ونذير، لأنهم لما خالفوا رسالته ودعوته ولم يستجيبوا له، كانوا أهلا لأن يكون لهم نذيرا مبينّا، محذرا لهم من مخالفة الوحي، مبينا وموضحا لهم عاقبة الإعراض عن هدى السماء.
﴿ إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين ( ٧١ ) فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ( ٧٢ ) فسجد الملائكة كلهم أجمعون ( ٧٣ ) إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين ( ٧٤ ) قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين ( ٧٥ ) قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ( ٧٦ ) قال فاخرج منها فإنك رجيم ( ٧٧ )وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين ( ٧٨ ) قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ( ٧٩ ) قال فإنك من المنظرين ( ٨٠ ) إلى يوم الوقت المعلوم ( ٨١ ) قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ( ٨٢ ) إلا عبادك منهم المخلصين ( ٨٣ ) قال فالحق والحق أقول ( ٨٤ ) لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ( ٨٥ ) قال ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ( ٨٦ ) إن هو إلا ذكر للعالمين ( ٨٧ ) ولتعلمن نبأه بعد حين ( ٨٨ ) ﴾
المفردات :
الملائكة أجسام من نور قادرة على التشكل، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
بشرا من طين : هو آدم عليه السلام.
تمهيد :
تقدمت قصة آدم عليه السلام في سور : البقرة، والأعراف، والحجر، والإسراء، والكهف، وفيها ذكر بدء الخليقة، أي بدء خلق آدم، وتكليف الملائكة بالسجود له، وسجود الملائكة جميعا في وقت واحد، وامتناع إبليس عن السجود، ولوم الحق سبحانه لإبليس على امتناعه عن السجود، وادعاء إبليس أنه خير من آدم، فقد خلق من نار ترتفع إلى عنان السماء، وخلق آدم من طين منخفض، وجهل أن الطين أمين ينمّي النّبات، ويحتفظ بالأمانات، أما النار فتحرق الأمانة وتخونها، ثم إن السجود امتثال لأمر الله، وطاعة له، وتمرين على التواضع والامتثال للعلي القدير، والابتعاد عن الحقد والحسد والكبر، وقد تكررت القصة لتكرار العظة والعبرة، وتذكير كفار مكة بأنه ما حمل إبليس على ذلك سوى الحسد والكبر، وما حملهم على الكفر بمحمد، والبعد عن إتباعه إلا الحسد والكبر، وتذكير لنا بالحذر من وسوسة الشيطان وأتباعه.
التفسير :
٧١-﴿ إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين ﴾.
أي : اذكر حين أعلم ربك الملائكة أنه سيخلق إنسانا من طين هو آدم عليه السلام، وقد مر في سورة البقرة أنه سيكون خليفة في الأرض، وأن الملائكة تمنّت أن تكون الخلافة في الأرض للملائكة لا لآدم، وقد علّم الله آدم الأسماء كلها، أي أودع في فطرته القدرة على التفكير، واستنباط المجهول من المعلوم، واستخدام العقل والفكر واللب والفؤاد، والابتكار والتطوير، بخلاف الملائكة فهم عباد مكرمون، مجبولون على الطاعة والامتثال لأمر الله تعالى، ونطق آدم بالأسماء فيه دليل على قدرة هذا الإنسان على التعلّم والتعليم المستمر، ولهذا وصل الإنسان إلى القمر، بينما القرود لا تزال على الشجر.
المفردات :
سويته : أتممته وعدّلته وأتممت خلقته.
ونفخت فيه من روحي : ومنحته الحياة ببث الروح فيه، والروح جسم لطيف يحيا به الإنسان بنفوذه فيه.
فقعوا له : فخروا له، أو اسقطوا له.
ساجدين : سجود تحية لا سجود عبادة.
التفسير :
٧٢- ﴿ فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ﴾.
فإذا أتممت خلقه وسويته وعدّلته، فخروا له ساجدين، سجود تحية لا سجود عبادة، وقد كرّم الله الإنسان بهذه الروح فهي نفخة تكريم، أكرم الله بها الإنسان، وبذلك صار أهلا لمناجاة الله، وعبادته والتبتّل إليه، وذكره وشكره، وكلما سما بهذه الروح زاد صفاء ونقاء، وطهرا وبركة وتوفيقا، وفي الحديث القدسي يقول النبي صلى الله عليه وسلم " يقول الله عز وجل : ما تقرب عبدي إليّ بشيء أحب إليّ من أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته، كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن دعاني لأجيبنه، ولئن سألني لأعطينه " ١. ( رواه البخاري ).
رواه البخاري في الرقاق (٦٥٠٢) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا اكره مساءته ". قلت تفرد به البخاري وهو من رواية خالد بن مخلد، وقد قال بعضهم: لولا هيبة الصحيح لعدوه من منكرات خالد بن مخلد..
المفردات :
كلهم أجمعون : سجدوا جميعا في وقت واحد.
التفسير :
٧٣- ﴿ فسجد الملائكة كلهم أجمعون ﴾.
فسجد جميع الملائكة في وقت واحد لآدم، خضوعا لأمر الله. وتعظيما لهذا الإنسان، الذي نفخ الله فيه من روحه.
المفردات :
إبليس : هو أبو الجن، وعاش من الملائكة فنسب إليهم.
التفسير :
٧٤- ﴿ إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين ﴾.
لكن إبليس لم يسجد لآدم، وامتنع عن السجود كبرا وحسدا ؛ فصار من الكافرين، وقد كان إبليس من الجن، قال تعالى :﴿ إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه... ﴾ ( الكهف : ٥٠ ).
وقد أقام مع الملائكة فنسب إليهم، ولما صدرت الأوامر للملائكة بالسجود شملت من يقيم معهم، لكن طبيعته غلبت عليه، فامتنع عن السجود لآدم، وادعى أنه خير من آدم، أي : لو كان مثلي لما سجدت له، فكيف أسجد له وأنا خير منه ؟ وما علم أنه يسجد امتثالا لأمر الله، الذي أراد تكريم آدم بالسجود فوجب ذلك عليه، والله يصطفي من خلقه ما يشاء، وهو سبحانه :﴿ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ﴾. ( الأنبياء : ٢٣ ).
ولما عصى إبليس وكفر بذلك " أبعده الله عز وجل، وأرغم أنفه، وطرده من باب رحمته، ومحل أُنسه، وحضرة قدسه، وأنزله من السماء مذموما مدحورا إلى الأرض " ١.
المفردات :
لما خلقت بيدي : لمن خلقته بنفسي من غير توسط أب ولا أمّ.
أستكبرت أم كنت من العالين : أتكبرت الآن من غير استحقاق، أم كنت ممن علا، واستحق التفوق والترفع عن طاعة الله ؟ وهو استفهام توبيخ.
التفسير :
٧٥- ﴿ قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين ﴾.
أي : قال له ربّه : ما الذي صرفك وصدّك عن السجود لمن خلقته بذاتي من غير واسطة أب وأم ؟
قال القرطبي : أضاف خلقه إلى نفسه تكريما لآدم، وإن كان الله خالق كل شيء، كما أضاف إلى نفسه الروح، والبيت، والناقة، والمساجد، فخاطب الناس بما يعرفونه.
﴿ أستكبرت أم كنت من العالين ﴾.
أي : أستكبرت الآن على ربك، أم كنت قديما من المتكبرين المتعالين ؟ وهو استفهام توبيخ وإنكار له، لامتناعه عن السجود.
٧٦-﴿ قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾.
أي : قال إبليس : أنا أفضل من آدم، فقد خلقتني من نار وخلقت آدم من طين، فكيف يسجد الفاضل للمفضول ؟ وما علم اللعين أن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم، فأطاعت والتزمت، وبهذه الطاعة ظلّت في منزلتها السامية.
المفردات :
رجيم : مرجوم مطرود من الرحمة.
التفسير :
٧٧- ﴿ قال فاخرج منها فإنك رجيم ﴾.
أي : اخرج من الجنة، أو من السماء، أو من الخلقة النورانية المطيعة، إلى خلقةِ مظلمة عاصية.
﴿ فإنك رجيم ﴾.
أي : مرجوم مطرود من رحمة الله وفضله، وعنايته وهدايته.
المفردات :
لعنتي : طردي
التفسير :
٧٨-﴿ وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين ﴾.
وإن عليك لعنتي إلى يوم القيامة، فأخرجه الله من الجنة مذموما مدحورا، أو أخرجه الله من صورة المتقين، إلى صورة المردة العصاة المطرودين من رحمة الله.
المفردات :
أنظرني : أمهلني.
يبعثون : يبعث الناس.
إلى يوم الوقت المعلوم : يوم النفخة الأولى.
التفسير :
٧٩، ٨٠، ٨١- ﴿ قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون* قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم ﴾.
طلب إبليس من الله إمهاله حيّا، إلى يوم تبعث فيه الخلائق للحساب والجزاء، يريد بذلك الفرار من الموت، فأخبره الله أنه سيؤخر ويؤجل موته إلى يوم الوقت العلوم لله وحده، وهو يوم النفخة الأولى، التي يصعق فيها جميع الخلائق.
قال تعالى :﴿ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ﴾. ( الزمر : ٦٨ ).
فشاء الله – لحكمة يعلمها هو – أن يستجيب لإبليس في تأخير موته إلى يوم النفخ في الصور، حيث يموت جميع الخلائق.
المفردات :
أنظرني : أمهلني.
يبعثون : يبعث الناس.
إلى يوم الوقت المعلوم : يوم النفخة الأولى.
التفسير :
٧٩، ٨٠، ٨١- ﴿ قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون* قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم ﴾.
طلب إبليس من الله إمهاله حيّا، إلى يوم تبعث فيه الخلائق للحساب والجزاء، يريد بذلك الفرار من الموت، فأخبره الله أنه سيؤخر ويؤجل موته إلى يوم الوقت العلوم لله وحده، وهو يوم النفخة الأولى، التي يصعق فيها جميع الخلائق.
قال تعالى :﴿ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ﴾. ( الزمر : ٦٨ ).
فشاء الله – لحكمة يعلمها هو – أن يستجيب لإبليس في تأخير موته إلى يوم النفخ في الصور، حيث يموت جميع الخلائق.
المفردات :
أنظرني : أمهلني.
يبعثون : يبعث الناس.
إلى يوم الوقت المعلوم : يوم النفخة الأولى.
التفسير :
٧٩، ٨٠، ٨١- ﴿ قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون* قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم ﴾.
طلب إبليس من الله إمهاله حيّا، إلى يوم تبعث فيه الخلائق للحساب والجزاء، يريد بذلك الفرار من الموت، فأخبره الله أنه سيؤخر ويؤجل موته إلى يوم الوقت العلوم لله وحده، وهو يوم النفخة الأولى، التي يصعق فيها جميع الخلائق.
قال تعالى :﴿ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ﴾. ( الزمر : ٦٨ ).
فشاء الله – لحكمة يعلمها هو – أن يستجيب لإبليس في تأخير موته إلى يوم النفخ في الصور، حيث يموت جميع الخلائق.
المفردات :
لأغوينهم، لأضلنّهم.
المخلصين : الذي أخلصتهم للعبادة.
التفسير :
٨٢، ٨٣- ﴿ قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين ﴾.
عندما اطمأن إبليس إلى بقائه حيّا إلى يوم النفخة الأولى في الصُّور، تجرأ على الله، وأقسم بعزة الله وجبروته، ليزينن المعاصي لآدم وذريته أجمعين، لكن العباد الذين أخلصهم الله له، ليس عليهم سلطان، وقد ترك إبليس غوايتهم، لا تفضّلا منه أو زهدا، ولكن عجزّا عن إغوائهم، لأن الله يحفظهم ويحصّنهم ضدّ غوايته.
قال تعالى :{ إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون. ( النحل : ٩٩، ١٠٠ ).
المفردات :
لأغوينهم، لأضلنّهم.
المخلصين : الذي أخلصتهم للعبادة.
التفسير :
٨٢، ٨٣- ﴿ قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين ﴾.
عندما اطمأن إبليس إلى بقائه حيّا إلى يوم النفخة الأولى في الصُّور، تجرأ على الله، وأقسم بعزة الله وجبروته، ليزينن المعاصي لآدم وذريته أجمعين، لكن العباد الذين أخلصهم الله له، ليس عليهم سلطان، وقد ترك إبليس غوايتهم، لا تفضّلا منه أو زهدا، ولكن عجزّا عن إغوائهم، لأن الله يحفظهم ويحصّنهم ضدّ غوايته.
قال تعالى :{ إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون. ( النحل : ٩٩، ١٠٠ ).
٨٤، ٨٥- ﴿ قال فالحق والحق أقول* لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ﴾.
قال سبحانه وتعالى الحق والأمر الثابت، ولا يقول سبحانه سوى الحق، فهو سبحانه الحق، ولا ينطق إلا الحق : والله لأملأن جهنم من جنسك، وممن اتبعك من ذرية آدم أجمعين.
٨٤، ٨٥- ﴿ قال فالحق والحق أقول* لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ﴾.
قال سبحانه وتعالى الحق والأمر الثابت، ولا يقول سبحانه سوى الحق، فهو سبحانه الحق، ولا ينطق إلا الحق : والله لأملأن جهنم من جنسك، وممن اتبعك من ذرية آدم أجمعين.
٨٦، ٨٧، ٨٨ – ﴿ قال ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين * إن هو إلا ذكر للعالمين * ولتعلمن نبأه بعد حين ﴾.
قل يا أيها الرسول لقومك : لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجرا، وما أنا دَعِيُّ كذاب أتكلّف القول بالرسالة وأدّعيه، بل أنا رسول حقا، وما هذا القرآن إلا ذكر ورسالة وتذكير من الله تعالى للناس أجمعين، ولتعرفنّ خبره وأثره وفضله بعد وقت من الزمان، حين يظهر فضل القرآن، ويسطع نوره في المشارق والمغارب، وتفتح البلاد، وتنضوي تحت علمه بلاد الفرس والروم، ومصر ومعظم بلاد المعمورة في ذلك الحين، أو المراد : ستعلمون صدق القرآن عند موتكم، وعند البعث والحشر والحساب والجزاء.
وكان الحسن البصري يقول : يا ابن آدم، عند الموت يأتيك الخبر اليقين. ا ه
٨٦، ٨٧، ٨٨ – ﴿ قال ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين * إن هو إلا ذكر للعالمين * ولتعلمن نبأه بعد حين ﴾.
قل يا أيها الرسول لقومك : لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجرا، وما أنا دَعِيُّ كذاب أتكلّف القول بالرسالة وأدّعيه، بل أنا رسول حقا، وما هذا القرآن إلا ذكر ورسالة وتذكير من الله تعالى للناس أجمعين، ولتعرفنّ خبره وأثره وفضله بعد وقت من الزمان، حين يظهر فضل القرآن، ويسطع نوره في المشارق والمغارب، وتفتح البلاد، وتنضوي تحت علمه بلاد الفرس والروم، ومصر ومعظم بلاد المعمورة في ذلك الحين، أو المراد : ستعلمون صدق القرآن عند موتكم، وعند البعث والحشر والحساب والجزاء.
وكان الحسن البصري يقول : يا ابن آدم، عند الموت يأتيك الخبر اليقين. ا ه
٨٦، ٨٧، ٨٨ – ﴿ قال ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين * إن هو إلا ذكر للعالمين * ولتعلمن نبأه بعد حين ﴾.
قل يا أيها الرسول لقومك : لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجرا، وما أنا دَعِيُّ كذاب أتكلّف القول بالرسالة وأدّعيه، بل أنا رسول حقا، وما هذا القرآن إلا ذكر ورسالة وتذكير من الله تعالى للناس أجمعين، ولتعرفنّ خبره وأثره وفضله بعد وقت من الزمان، حين يظهر فضل القرآن، ويسطع نوره في المشارق والمغارب، وتفتح البلاد، وتنضوي تحت علمه بلاد الفرس والروم، ومصر ومعظم بلاد المعمورة في ذلك الحين، أو المراد : ستعلمون صدق القرآن عند موتكم، وعند البعث والحشر والحساب والجزاء.
وكان الحسن البصري يقول : يا ابن آدم، عند الموت يأتيك الخبر اليقين. ا ه