تفسير سورة سورة ص من كتاب جامع البيان في تأويل آي القرآن
المعروف بـالطبري
.
لمؤلفه
الطبري
.
المتوفي سنة 310 هـ
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (٢) ﴾قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى قول الله عزّ وجلّ: (ص) فقال بعضهم: هو من المصاداة، من صاديت فلانا، وهو أمر من ذلك، كأن معناه عندهم: صاد بعملك القرآن: أي عارضه به، ومن قال هذا تأويله، فإنه يقرؤه بكسر الدال، لأنه أمر، وكذلك رُوي عن الحسن.
* ذكر الرواية بذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الحسن (ص) قال: حادث القرآن.
وحُدثت عن عليّ بن عاصم، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن، في قوله (ص) قال: عارض القرآن بعملك.
حُدثت عن عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، في قوله (ص والقرآن) قال: عارض القرآن، قال عبد الوهاب: يقول اعرضه على عملك، فانظر أين عملك من القرآن.
حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، عن إسماعيل، عن الحسن أنه كان يقرأ: (ص والقرآن) بخفض الدال،
137
وكان يجعلها من المصاداة، يقول: عارض القرآن.
وقال آخرون: هي حرف هجاء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: أما (ص) فمن الحروف. وقال آخرون: هو قسم أقسم الله به.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (ص) قال: قسم أقسمه الله، وهو من أسماء الله.
وقال آخرون: هو اسم من أسماء القرآن أقسم الله به.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (ص) قال: هو اسم من أسماء القرآن أقسم الله به. وقال آخرون: معنى ذلك: صدق الله.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن المسيب بن شريك، عن أبي روق، عن الضحاك فى قوله (ص) قال: صدق الله.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك فقرأته عامة قرّاء الأمصار خلا عبد الله بن أبي إسحاق وعيسى بن عمر، بسكون الدال، فأما عبد الله بن أبي إسحاق فإنه كان يكسرها لاجتماع الساكنين، ويجعل ذلك بمنزلة الأداة، كقول العرب: تركته حاثِ باثِ، وخازِ بازِ يخفضان من أجل أن الذي
وقال آخرون: هي حرف هجاء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: أما (ص) فمن الحروف. وقال آخرون: هو قسم أقسم الله به.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (ص) قال: قسم أقسمه الله، وهو من أسماء الله.
وقال آخرون: هو اسم من أسماء القرآن أقسم الله به.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (ص) قال: هو اسم من أسماء القرآن أقسم الله به. وقال آخرون: معنى ذلك: صدق الله.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن المسيب بن شريك، عن أبي روق، عن الضحاك فى قوله (ص) قال: صدق الله.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك فقرأته عامة قرّاء الأمصار خلا عبد الله بن أبي إسحاق وعيسى بن عمر، بسكون الدال، فأما عبد الله بن أبي إسحاق فإنه كان يكسرها لاجتماع الساكنين، ويجعل ذلك بمنزلة الأداة، كقول العرب: تركته حاثِ باثِ، وخازِ بازِ يخفضان من أجل أن الذي
138
يلي آخر الحروف ألف فيخفضون مع الألف، وينصبون مع غيرها، فيقولون حيث بيث، ولأجعلنك في حيص بيص: إذا ضيق عليه. وأما عيسى بن عمر فكان يوفق بين جميع ما كان قبل آخر الحروف منه ألف، وما كان قبل آخره ياء أو واو فيفتح جميع ذلك وينصبه، فيقول: ص وق ون ويس، فيجعل ذلك مثل الأداة كقولهم: ليتَ، وأينَ وما أشبه ذلك.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا السكون في كل ذلك، لأن ذلك القراءة التي جاءت بها قرّاء الأمصار مستفيضة فيهم، وأنها حروف هجاء لأسماء المسميات، فيعرب إعراب الأسماء والأدوات والأصوات، فيسلك به مسالكهن، فتأويلها إذ كانت كذلك تأويل نظائرها التي قد تقدم بيانها قبل فيما مضى.
وكان بعض أهل العربية يقول: (ص) في معناها كقولك: وجب والله، نزل والله، وحق والله، وهي جواب لقوله (والقرآن) كما تقول: حقا والله، نزل والله.
وقوله (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) وهذا قسم أقسمه الله تبارك وتعالى بهذا القرآن فقال: (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ)
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله (ذِي الذِّكْرِ) فقال بعضهم: معناه: ذي لشرف.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا نصر بن عليّ، قال: ثنا أبو أحمد، عن قيس، عن أبي حصين، عن سعيد (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) قال: ذي الشرف.
حدثنا نصر بن عليّ وابن بشار، قالا ثنا أبو أحمد، عن مسعر، عن أبي حصين
والصواب من القراءة في ذلك عندنا السكون في كل ذلك، لأن ذلك القراءة التي جاءت بها قرّاء الأمصار مستفيضة فيهم، وأنها حروف هجاء لأسماء المسميات، فيعرب إعراب الأسماء والأدوات والأصوات، فيسلك به مسالكهن، فتأويلها إذ كانت كذلك تأويل نظائرها التي قد تقدم بيانها قبل فيما مضى.
وكان بعض أهل العربية يقول: (ص) في معناها كقولك: وجب والله، نزل والله، وحق والله، وهي جواب لقوله (والقرآن) كما تقول: حقا والله، نزل والله.
وقوله (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) وهذا قسم أقسمه الله تبارك وتعالى بهذا القرآن فقال: (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ)
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله (ذِي الذِّكْرِ) فقال بعضهم: معناه: ذي لشرف.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا نصر بن عليّ، قال: ثنا أبو أحمد، عن قيس، عن أبي حصين، عن سعيد (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) قال: ذي الشرف.
حدثنا نصر بن عليّ وابن بشار، قالا ثنا أبو أحمد، عن مسعر، عن أبي حصين
139
(ذي الذكر) : ذي الشرف.
قال: ثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح أو غيره (ذي الذكر) : ذي الشرف.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (والقرآن ذي الذكر) قال: ذي الشرف.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن يحيى بن عُمارة، عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس (ص والقرآن ذي الذكر) ذي الشرف.
وقال بعضهم: بل معناه: ذي التذكير، ذكَّركمُ الله به.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن المسيب بن شريك، عن أبي روق، عن الضحاك (ذي الذكر) قال: فيه ذكركم، قال: ونظيرتها: (لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم).
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (ذي الذكر) : أي ما ذكر فيه.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: ذي التذكير لكم، لأن الله أتبع ذلك قوله (بل الذين كفروا في عزة وشقاق) فكان معلوما بذلك أنه إنما أخبر عن القرآن أنه أنزله ذكرًا لعباده ذكرهم به، وأن الكفار من الإيمان به في عزّة وشقاق.
واختلف في الذي وقع عليه اسم القسم، فقال بعضهم; وقع القسم على قوله (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ)
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة. (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ) قال: ها هنا وقع القسم.
وكان بعض أهل العربية يقول:"بل" دليل على تكذيبهم، فاكتفى ببل
قال: ثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح أو غيره (ذي الذكر) : ذي الشرف.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (والقرآن ذي الذكر) قال: ذي الشرف.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن يحيى بن عُمارة، عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس (ص والقرآن ذي الذكر) ذي الشرف.
وقال بعضهم: بل معناه: ذي التذكير، ذكَّركمُ الله به.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن المسيب بن شريك، عن أبي روق، عن الضحاك (ذي الذكر) قال: فيه ذكركم، قال: ونظيرتها: (لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم).
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (ذي الذكر) : أي ما ذكر فيه.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: ذي التذكير لكم، لأن الله أتبع ذلك قوله (بل الذين كفروا في عزة وشقاق) فكان معلوما بذلك أنه إنما أخبر عن القرآن أنه أنزله ذكرًا لعباده ذكرهم به، وأن الكفار من الإيمان به في عزّة وشقاق.
واختلف في الذي وقع عليه اسم القسم، فقال بعضهم; وقع القسم على قوله (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ)
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة. (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ) قال: ها هنا وقع القسم.
وكان بعض أهل العربية يقول:"بل" دليل على تكذيبهم، فاكتفى ببل
140
من جواب القسم، وكأنه قيل: ص، ما الأمر كما قلتم، بل أنتم في عزة وشقاق. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: زعموا أن موضع القسم في قوله (إِنْ كُلٌّ إِلا كَذَّبَ الرُّسُلَ) وقال بعض نحويي الكوفة: قد زعم قوم أن جواب (والقرآن) قوله (إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) قال: وذلك كلام قد تأخر عن قوله (والقرآن) تأخرا شديدا، وجرت بينهما قصص، مختلفة، فلا نجد ذلك مستقيما في العربية، والله أعلم.
قال: ويقال: إن قوله (والقُرآنِ) يمين اعترض كلام دون موقع جوابها، فصار جوابها للمعترض ولليمين، فكأنه أراد: والقرآن ذي الذكر، لَكَمْ أهلكنا، فلما اعترض قوله (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ) صارت كم جوابا للعزة واليمين. قال: ومثله قوله (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) اعترض دون الجواب قوله (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا) فصارت قد أفلح تابعة لقوله: فألهمها، وكفى من جواب القسم، فكأنه قال: والشمس وضحاها لقد أفلح.
والصواب من القول في ذلك عندي، القول الذي قاله قتادة، وأن قوله (بَلْ) لما دلّت على التكذيب وحلَّت محلّ الجواب استغني بها من الجواب، إذ عرف المعنى، فمعنى الكلام إذ كان ذلك كذلك: (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) ما الأمر، كما يقول هؤلاء الكافرون: بل هم في عزّة وشقاق.
وقوله (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) يقول تعالى ذكره: بل الذين كفروا بالله من مشركي قريش في حمية ومشاقة، وفراق لمحمد وعداوة، وما بهم أن لا يكونوا أهل علم، بأنه ليس بساحر ولا كذاب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (في عزة وشقاق) قال: مُعَازِّين.
قال: ويقال: إن قوله (والقُرآنِ) يمين اعترض كلام دون موقع جوابها، فصار جوابها للمعترض ولليمين، فكأنه أراد: والقرآن ذي الذكر، لَكَمْ أهلكنا، فلما اعترض قوله (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ) صارت كم جوابا للعزة واليمين. قال: ومثله قوله (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) اعترض دون الجواب قوله (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا) فصارت قد أفلح تابعة لقوله: فألهمها، وكفى من جواب القسم، فكأنه قال: والشمس وضحاها لقد أفلح.
والصواب من القول في ذلك عندي، القول الذي قاله قتادة، وأن قوله (بَلْ) لما دلّت على التكذيب وحلَّت محلّ الجواب استغني بها من الجواب، إذ عرف المعنى، فمعنى الكلام إذ كان ذلك كذلك: (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) ما الأمر، كما يقول هؤلاء الكافرون: بل هم في عزّة وشقاق.
وقوله (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) يقول تعالى ذكره: بل الذين كفروا بالله من مشركي قريش في حمية ومشاقة، وفراق لمحمد وعداوة، وما بهم أن لا يكونوا أهل علم، بأنه ليس بساحر ولا كذاب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (في عزة وشقاق) قال: مُعَازِّين.
141
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (في عزة وشقاقٍ) : أي في حَمِيَّة وفراق.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) قال: يعادون أمر الله ورسله وكتابه، ويشاقون، ذلك عزّة وشِقاق، فقلت له: الشقاق: الخلاف، فقال: نعم.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ (٣) ﴾
يقول تعالى ذكره: كثيرا أهلكنا من قبل هؤلاء المشركين من قريش الذين كذّبوا رسولنا محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فيما جاءهم به من عندنا من الحقّ (مِنْ قَرْنٍ) يعني: من الأمم الذين كانوا قبلهم، فسلكوا سبيلهم في تكذيب رسلهم فيما أتوهم به من عند الله (فَنَادَوْا) يقول: فعجوا إلى ربهم وضجوا واستغاثوا بالتوبة إليه، حين نزل بهم بأس الله وعاينوا به عذابه فرارا من عقابه، وهربا من أليم عذابه (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) يقول: وليس ذلك حين فرار ولا هرب من العذاب بالتوبة، وقد حَقَّت كلمة العذاب عليهم، وتابوا حين لا تنفعهم التوبة، واستقالوا في غير وقت الإقالة. وقوله (مَنَاصٍ) مفعل من النوص، والنوص في كلام العرب: التأخر، والمناص: المفرّ; ومنه قول امرئ القيس:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) قال: يعادون أمر الله ورسله وكتابه، ويشاقون، ذلك عزّة وشِقاق، فقلت له: الشقاق: الخلاف، فقال: نعم.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ (٣) ﴾
يقول تعالى ذكره: كثيرا أهلكنا من قبل هؤلاء المشركين من قريش الذين كذّبوا رسولنا محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فيما جاءهم به من عندنا من الحقّ (مِنْ قَرْنٍ) يعني: من الأمم الذين كانوا قبلهم، فسلكوا سبيلهم في تكذيب رسلهم فيما أتوهم به من عند الله (فَنَادَوْا) يقول: فعجوا إلى ربهم وضجوا واستغاثوا بالتوبة إليه، حين نزل بهم بأس الله وعاينوا به عذابه فرارا من عقابه، وهربا من أليم عذابه (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) يقول: وليس ذلك حين فرار ولا هرب من العذاب بالتوبة، وقد حَقَّت كلمة العذاب عليهم، وتابوا حين لا تنفعهم التوبة، واستقالوا في غير وقت الإقالة. وقوله (مَنَاصٍ) مفعل من النوص، والنوص في كلام العرب: التأخر، والمناص: المفرّ; ومنه قول امرئ القيس:
أمِنْ ذِكْر سَلْمَى إذْ نأتْكَ تَنُوصُ | فَتقْصِرُ عَنْها خَطْوَةً وَتَبوصُ (١) |
(١) البيت لامرئ القيس" مختار الشعر الجاهلي، بشرح مصطفى السقا، طبعة الحلبي ١٢٧) قال: نأتك: بعدت عنك. وتنوص تتأخر؛ فتقصر عنها: يقال: أقصر عنه خطوه: إذا كفه عنه. وتبوص: تتقدم يقول: أمن حقك إذ نأت عنك سلمى، وذكرتها واشتقت إليها أن تتأخر عنها. وتقصر خطابك دونها أم تتقدم نحوها، جادا في أثرها. والبيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (٢٧٦) قال في تفسير قوله تعالى:" ولات حين مناص" يقول: ليس بحين فرار. والنوص: التأخر في كلام العرب. والبوص: التقدم، وقال امرؤ القيس:" أمن ذكر... البيت. فمناص: مفعل، مثل مقام. ومن العرب من يضيف" لات"، فبخفض. أنشدوني:" لات ساعة مندم". أهـ.
142
يقول: أو تقدم يقال من ذلك: ناصني فلان: إذا ذهب عنك، وباصني: إذا سبقك، وناض في البلاد: إذا ذهب فيها، بالضاد. وذكر الفراء أن العقيلي أنشده:
إذَا عاشَ إسْحاقُ وَشَيْخُهُ لَمْ أُبَلْ... فَقِيدًا وَلَمْ يَصْعُبْ عَليَّ مَناضُ (١) وَلَوْ أشْرَفَتْ مِنْ كُفَّةِ السِّتْرِ عاطِلا... لَقُلْتُ غَزَالٌ مَا عَلَيْهِ خُضَاضُ
والخُضاض: الحلي.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق عن التميمي، عن ابن عباس في قوله (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) قال: ليس بحين نزو، ولا حين فرار.
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا ابن عطية، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، قال: قلت لابن عباس: أرأيت قول الله (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) قال: ليس بحين نزو ولا فرار ضبط القوم.
إذَا عاشَ إسْحاقُ وَشَيْخُهُ لَمْ أُبَلْ... فَقِيدًا وَلَمْ يَصْعُبْ عَليَّ مَناضُ (١) وَلَوْ أشْرَفَتْ مِنْ كُفَّةِ السِّتْرِ عاطِلا... لَقُلْتُ غَزَالٌ مَا عَلَيْهِ خُضَاضُ
والخُضاض: الحلي.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق عن التميمي، عن ابن عباس في قوله (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) قال: ليس بحين نزو، ولا حين فرار.
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا ابن عطية، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، قال: قلت لابن عباس: أرأيت قول الله (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) قال: ليس بحين نزو ولا فرار ضبط القوم.
(١) قال المؤلف إن الفراء ذكر أن العقيلي أنشده البيتين. ويفهم منه أن البيتين نقلهما الفراء في معاني القرآن عند تفسير قوله تعالى:" ولات حين مناص" فلعلهما في نسخة غير التي في أيدينا منه وذكر صاحب اللسان البيت الثاني في (خضض) وقال قبله: الخضاض الشيء اليسير من الحلي وأنشد القناني:" ولو أشرفت... البيت" - قلت: ولعل لفظتا العقيلي والقناني محرفة إحداهما عن الأخرى. ومحل الشاهد في البيت الأول في قوله" مناض" أي ذهاب في الأرض، فهو مصدر ميمي. وهو قريب في معناه مناص بالصاد المهملة، أي مفر قال في (اللسان نوض) وناض فلان ينوض نوضا في البلاد وناض نوضا، كناص عدل أهـ
143
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن أبي إسحاق الهمداني، عن التميمي، قال: سألت ابن عباس، قول الله (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) قال: ليس حين نزو ولا فرار.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) قال: ليس حين نزو ولا فرار.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) يقول: ليس حين مَغاث.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن. قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) قال: ليس هذا بحين فرار.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) قال: نادى القوم على غير حين نداء، وأرادوا التوبة حين عاينوا عذاب الله فلم يقبل منهم ذلك.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) قال: حين نزل بهم العذاب لم يستطيعوا الرجوع إلى التوبة، ولا فرارا من العذاب.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) يقول: وليس حين فرار.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) ولات حين مَنْجى ينجون منه، ونصب حين في قوله (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) تشبيها للات بليس، وأضمر فيها اسم الفاعل.
وحكى بعض نحويِّي أهل البصرة الرفع مع لات في حين زعم أن بعضهم رفع"ولاتَ حينُ مَناصٍ" فجعله في قوله ليس، كأنه قال: ليس وأضمر الحين; قال: وفي الشعر:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) قال: ليس حين نزو ولا فرار.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) يقول: ليس حين مَغاث.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن. قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) قال: ليس هذا بحين فرار.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) قال: نادى القوم على غير حين نداء، وأرادوا التوبة حين عاينوا عذاب الله فلم يقبل منهم ذلك.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) قال: حين نزل بهم العذاب لم يستطيعوا الرجوع إلى التوبة، ولا فرارا من العذاب.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) يقول: وليس حين فرار.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) ولات حين مَنْجى ينجون منه، ونصب حين في قوله (وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ) تشبيها للات بليس، وأضمر فيها اسم الفاعل.
وحكى بعض نحويِّي أهل البصرة الرفع مع لات في حين زعم أن بعضهم رفع"ولاتَ حينُ مَناصٍ" فجعله في قوله ليس، كأنه قال: ليس وأضمر الحين; قال: وفي الشعر:
144
طَلَبُوا صُلْحَنا وَلاتَ أوَان... فَأَجَبْنَا أنْ لَيْسَ حِينَ بقاءِ (١)
فجرّ"أوان" وأضمر الحين إلى أوان، لأن لات لا تكون إلا مع الحين; قال: ولا تكون لات إلا مع حين. وقال بعض نحويي الكوفة: من العرب من يضيف لات فيخفض بها، وذكر أنه أنشد:
لات ساعة مندم (٢)
فجرّ"أوان" وأضمر الحين إلى أوان، لأن لات لا تكون إلا مع الحين; قال: ولا تكون لات إلا مع حين. وقال بعض نحويي الكوفة: من العرب من يضيف لات فيخفض بها، وذكر أنه أنشد:
لات ساعة مندم (٢)
(١) وهذا البيت لأبي زبيد المنذر بن حرملة الطائي النصراني وقد أدرك الإسلام. وكان عثمان رضي الله عنه يقربه ويدني مجلسه (فرائد القلائد، في مختصر شرح الشواهد، للعيني) قال: والشاهد في قوله: ولات أوان حيث وقع خبره (خبر لات) لفظة أوان كالحين أي ليس الأوان صلح، فحذف المضاف، ثم بني أوان، كما بني قبل وبعد. عند حذف المضاف إليه، ولكنه بنى على الكسر، يشبهه بنزال في الوزن، ثم نون للضرورة. وأن تفسيرية. وليس للنفي واسمه محذوف. وحين بقاء: خبره. أي ليس الحين حين بقاء الصلح. أهـ. قال الفراء بعد كلامه الذي نقلناه تحت الشاهد السابق: وأنشدني بعضهم:" طلبوا صلحنا... " فخفض أوان. أهـ. قلت: ولم يقل إنه بنى على الكسر.
(٢) هذا جزء من بيت. وهو بتمامه كما في" فرائد القلائد، في مختصر شرح الشواهد، للعيني (ص ١٠٥ مستقلة عن الخزانة للبغدادي). نَدِم البُغاةُ ولاتَ ساعَةَ مَنْدَمٍ... والْبَغْيُ مَرْتَعٌ مُبْتَغِيهِ وَخِيمُ
والرواية فيه عند العيني بنصب ساعة، لا بجرها. وقال في شرحه وقائله محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي وقيل مهلهل بن مالك الكناني. وقال الفراء. بعد أن أنشد البيت (٢٧٦) والكلام: أن ينصب بها في معنى ليس. أهـ. قلت: وفي خزانة الأدب للبغدادي (٢: ١٤٤ - ١٤٧) نقاش كثير بين النحويين في إعراب" ساعة" في البيت: أبا لنصب، وهي الرواية المشهورة وقد وافق عليها الفراء في آخر كلامه. وأما الجر فإنه يحكيه عمن أنشده هذا الجزء من البيت، الذي قال إنه لا يحفظ صدره، ولم يرض الفراء عن الجر بلات، وإنما قرر أن وجه الكلام النصب بها، لأنها في معنى ليس، وأنشد عليه الشاهد الذي بعده، مؤكدا كلامه، في عملها النصب.
وأما رواية البيت فقد ذكرنا روايته عند ابن عقيل وغيره من شراح الألفية. ونسبته إلى رجل من طييء وفي خزانة الأدب (٢: ١٤٧) أن ابن السكيت رواه في كتاب الأضداد، وهو: وَلَتَعْرِفَنَّ خَلائِقا مَشْمُولَةً... وَلَتَنْدَمَنَّ ولاتَ سَاعةَ مَنْدَمِ
قال ابن الأعرابي في تفسير قوله" مشمولة": يقال أخلاق مشمولة: أي مشئومة، وأخلاق سوء. قال: ويقال أيضا: رجل مشمول الخلائق: أي كريم الأخلاق.
(٢) هذا جزء من بيت. وهو بتمامه كما في" فرائد القلائد، في مختصر شرح الشواهد، للعيني (ص ١٠٥ مستقلة عن الخزانة للبغدادي). نَدِم البُغاةُ ولاتَ ساعَةَ مَنْدَمٍ... والْبَغْيُ مَرْتَعٌ مُبْتَغِيهِ وَخِيمُ
والرواية فيه عند العيني بنصب ساعة، لا بجرها. وقال في شرحه وقائله محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي وقيل مهلهل بن مالك الكناني. وقال الفراء. بعد أن أنشد البيت (٢٧٦) والكلام: أن ينصب بها في معنى ليس. أهـ. قلت: وفي خزانة الأدب للبغدادي (٢: ١٤٤ - ١٤٧) نقاش كثير بين النحويين في إعراب" ساعة" في البيت: أبا لنصب، وهي الرواية المشهورة وقد وافق عليها الفراء في آخر كلامه. وأما الجر فإنه يحكيه عمن أنشده هذا الجزء من البيت، الذي قال إنه لا يحفظ صدره، ولم يرض الفراء عن الجر بلات، وإنما قرر أن وجه الكلام النصب بها، لأنها في معنى ليس، وأنشد عليه الشاهد الذي بعده، مؤكدا كلامه، في عملها النصب.
وأما رواية البيت فقد ذكرنا روايته عند ابن عقيل وغيره من شراح الألفية. ونسبته إلى رجل من طييء وفي خزانة الأدب (٢: ١٤٧) أن ابن السكيت رواه في كتاب الأضداد، وهو: وَلَتَعْرِفَنَّ خَلائِقا مَشْمُولَةً... وَلَتَنْدَمَنَّ ولاتَ سَاعةَ مَنْدَمِ
قال ابن الأعرابي في تفسير قوله" مشمولة": يقال أخلاق مشمولة: أي مشئومة، وأخلاق سوء. قال: ويقال أيضا: رجل مشمول الخلائق: أي كريم الأخلاق.
145
بخفض الساعة; قال: والكلام أن ينصب بها، لأنها في معنى ليس، وذكر أنه أنشد:
قال: وأنشدني بعضهم:
بخفض"أوانٍ"; قال: وتكون لات مع الأوقات كلها.
واختلفوا في وجه الوقف على قراءة: (لاتَ حينَ) فقال بعض أهل العربية: الوقف عليه ولاتْ بالتاء، ثم يبتدأ حين مناص، قالوا: وإنما هي"لا" التي بمعنى:"ما"، وإن في الجحد وُصلت بالتاء، كما وُصلت ثم بها، فقيل: ثمت، وكما وصلت ربّ فقيل: ربت.
وقال آخرون منهم: بل هي هاء زيدت في لا فالوقف عليها لاه، لأنها هاء زيدت للوقف، كما زيدت في قولهم:
تَذَكَّرَ حُبَّ لَيْلَى لاتَ حِينا | وأضْحَى الشَّيْبُ قَدْ قَطَعَ القَرِينا (١) |
طَلَبُوا صُلْحَنا وَلاتَ أوَانٍ | فأجَبْنَا أنْ لَيْسَ حَينَ بَقاءِ (٢) |
واختلفوا في وجه الوقف على قراءة: (لاتَ حينَ) فقال بعض أهل العربية: الوقف عليه ولاتْ بالتاء، ثم يبتدأ حين مناص، قالوا: وإنما هي"لا" التي بمعنى:"ما"، وإن في الجحد وُصلت بالتاء، كما وُصلت ثم بها، فقيل: ثمت، وكما وصلت ربّ فقيل: ربت.
وقال آخرون منهم: بل هي هاء زيدت في لا فالوقف عليها لاه، لأنها هاء زيدت للوقف، كما زيدت في قولهم:
العاطِفُونَةَ حِينَ ما مِنْ عاطِفٍ | والمُطْعِمُونَةَ حِينَ أيْنَ المَطْعَمُ (٣) |
(١) البيت من شواهد الفراء (الورقة ٢٧٦) على أن لات تعمل النصب فيما بعدها. قال في معاني القرآن مبينا الوجه في عمل ليت: والكلام: أن ينصب بها في معنى ليس. أنشدني المفضل:" تذكر حب... البيت". ثم قال: بعده: فهذا نصب، ثم أنشد شاهدا آخر على الجر بها، وهو قول الشاعر:" طلبوا صلحنا ولات أوان... البيت". وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن (الورقة ٢١٠ - ١) في أول سورة ص: و" لات حين مناص": إنما هي:" ولا". وبعض العرب يزيد فيها الهاء، فيقول: " ولاه" فيزيد فيها هاء للوقف، فإذا اتصلت صارت تاء. والمناص: مصدر ناص ينوص. وهو المنحى والفوت. وقال عمرو بن شاس الأسدي:" تذكرت ليلى لات حين تذكر". وقال الفراء في معاني القرآن (٢٧٦) : أقف على" لات" بالتاء. والكسائي يقف عليها بالهاء. أهـ.
(٢) تقدم الكلام على البيت قريبا، فراجعه في موضعه.
(٣) هذا الشاهد أيضا أنشده صاحب الخزانة (٢: ١٤٧) ونقل كثيرا من أقوال النحويين في تخريجه. ومن احسن تخريجاته قول ابن جني الذي نقله صاحب الخزانة عن" سر صناعة الإعراب" لابن جني، قال: وسبقه ابن السيرافي في شرح شواهد الغريب المصنف، وأبو علي الفارسي، في المسائل المنثورة. وهو أنها (التاء في العاطفونة) في الأصل هاء السكت، لاحقه لقوله:" العاطفون"، اضطر الشاعر إلى تحريكها، فأبدلها تاء، وفتحها، قال ابن جني أراد أن يجريه في الأصل على حد ما يكون عليه في الوقف. وذلك أن يقال في الوقف: هؤلاء مسلمونه، وضاربونه، فتلحق الهاء لبيان حركة النون. فصار التقرير: العاطفونه. ثم إنه شبه هاء الوقف بهاء التأنيث، فلما احتاج لإقامة الوزن، إلى حركة الهاء، قلبها بتاء، كما تقول في الوقف: هذا طلحه فإذا وصلت صارت الهاء تاء، فقلت: فقلت هذا طلحتنا. وعلى هذا قال: العاطفونة. قال: ويؤنس لصحة هذا قول الراجز:
(٢) تقدم الكلام على البيت قريبا، فراجعه في موضعه.
(٣) هذا الشاهد أيضا أنشده صاحب الخزانة (٢: ١٤٧) ونقل كثيرا من أقوال النحويين في تخريجه. ومن احسن تخريجاته قول ابن جني الذي نقله صاحب الخزانة عن" سر صناعة الإعراب" لابن جني، قال: وسبقه ابن السيرافي في شرح شواهد الغريب المصنف، وأبو علي الفارسي، في المسائل المنثورة. وهو أنها (التاء في العاطفونة) في الأصل هاء السكت، لاحقه لقوله:" العاطفون"، اضطر الشاعر إلى تحريكها، فأبدلها تاء، وفتحها، قال ابن جني أراد أن يجريه في الأصل على حد ما يكون عليه في الوقف. وذلك أن يقال في الوقف: هؤلاء مسلمونه، وضاربونه، فتلحق الهاء لبيان حركة النون. فصار التقرير: العاطفونه. ثم إنه شبه هاء الوقف بهاء التأنيث، فلما احتاج لإقامة الوزن، إلى حركة الهاء، قلبها بتاء، كما تقول في الوقف: هذا طلحه فإذا وصلت صارت الهاء تاء، فقلت: فقلت هذا طلحتنا. وعلى هذا قال: العاطفونة. قال: ويؤنس لصحة هذا قول الراجز: