تفسير سورة سورة الأحقاف من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
المعروف بـالدر المصون
.
لمؤلفه
السمين الحلبي
.
المتوفي سنة 756 هـ
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: ﴿عَمَّآ أُنذِرُواْ﴾ : يجوزُ أَنْ تكونَ «ما» مصدريةً أي: عن إنذارهم، أو بمعنى الذي أي: عن الذي أُنْذِرُوْه. و «عن» متعلقةٌ بالإِعراض و «مُعْرِضون» خبرُ الموصول.قوله: ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ : تقدَّمَ حُكْمُها. ووقع بعدَها «أَرُوْني» فاحتملت وجهين، أحدُهما: أَنْ تكونَ توكيداً لها لأنَّهما بمعنى أَخْبروني، وعلى هذا يكونُ المفعولُ الثاني ل «أَرَأَيْتُمْ» قولَه: «ماذا خَلَقوا» لأنه استفهامٌ، والمفعولُ الأولُ هو قولُه: «ما تَدْعُون». والوجه الثاني: أنْ لا تكونَ مؤكِّدةً لها، وعلى هذا تكون المسألةُ من بابِ التنازعِ لأنَّ «أَرَأَيْتُمْ» يطلب ثانياً، و «أرُوْني» كذلك، وقولُه: «ماذا خَلَقوا» هو المتنازَعُ فيه، وتكون المسألةُ من إعمالِ الثاني والحذفِ من الأولِ. وجوَّزَ ابنُ عطية في «أَرَأَيْتُم» أنْ لا يتعدَّى. وجعل «ما تَدْعُوْن» استفهاماً معناه التوبيخُ. قال: «وتَدْعُوْنَ» معناه «تَعْبدون» قلت: وهذا رأيُ الأخفشِ وقد قال بذلك في قولِه: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصخرة﴾ [الكهف: ٦٣] وقد مضَى ذلك.
659
قوله: «من الأرض» هذا بيانُ الإِبهامِ الذي في قوله: «ماذا خَلَقُوا».
قوله: «أَمْ لهم» هذه «أم» المنقطعةُ. والشِّرْكُ: المُشاركة.
قوله: ﴿مِّن قَبْلِ هاذآ﴾ صفةٌ ل «كتاب» أي: بكتابٍ مُنَزَّلٍ من قبل هذا. كذا قَدَّره أبو البقاء. والأحسنُ أَنْ يُقَدَّرَ/ كونٌ مطلقٌ أي: كائِن مِنْ قبلِ هذا.
قوله: «أَو أَثَارَةٍ» العامة على «أَثارة» وهي مصدرٌ على فَعالة كالسَّماحَة والغَواية والضَّلالة، ومعناها البقيةُ مِنْ قولِهم: سَمِنَتِ الناقةُ على أثارةٍ مِنْ لحم، إذا كانت سَمينةً ثم هَزَلَتْ، وبقِيَتْ بقيةٌ مِنْ شَحْمِها ثم سَمِنَتْ. والأثارَةُ غَلَبَ استعمالُها في بقيةِ الشَّرَف. يقال: لفلانٍ أثارةٌ أي: بقيةٌ أشرافٌ، ويُستعمل في غيرِ ذلك. قال الراعي:
وقيل: اشتقاقها مِنْ أَثَر كذا أي: أَسْنَدَه. ومنه قول عمر: «ما حَلَفْتُ
قوله: «أَمْ لهم» هذه «أم» المنقطعةُ. والشِّرْكُ: المُشاركة.
قوله: ﴿مِّن قَبْلِ هاذآ﴾ صفةٌ ل «كتاب» أي: بكتابٍ مُنَزَّلٍ من قبل هذا. كذا قَدَّره أبو البقاء. والأحسنُ أَنْ يُقَدَّرَ/ كونٌ مطلقٌ أي: كائِن مِنْ قبلِ هذا.
قوله: «أَو أَثَارَةٍ» العامة على «أَثارة» وهي مصدرٌ على فَعالة كالسَّماحَة والغَواية والضَّلالة، ومعناها البقيةُ مِنْ قولِهم: سَمِنَتِ الناقةُ على أثارةٍ مِنْ لحم، إذا كانت سَمينةً ثم هَزَلَتْ، وبقِيَتْ بقيةٌ مِنْ شَحْمِها ثم سَمِنَتْ. والأثارَةُ غَلَبَ استعمالُها في بقيةِ الشَّرَف. يقال: لفلانٍ أثارةٌ أي: بقيةٌ أشرافٌ، ويُستعمل في غيرِ ذلك. قال الراعي:
وذاتِ أثارَةٍ أكلَتْ عليها | نباتاً في أكِمَّتِهِ قِفارا |
660
ذاكراً ولا آثِراً» أي: مُسْنِداً له عن غيري. وقال الأعشى:
وقيل فيها غيرُ ذلك. وقرأ عليُّ وابنُ عباس وزيد بن علي وعكرمة في آخرين «أَثَرَة» دونَ ألفٍ، وهي الواحدة. ويُجْمع على أثَر كقَتَرَة وقَتَر. وقرأ الكسائيُّ «أُثْرَة» و «إثْرَة» بضم الهمزة وكسرِها مع سكونِ الثاء. وقتادةُ والسُّلمي بالفتح والسكون. والمعنى: بما يُؤثَرُ ويُرْوى. أي: ايتوني بخبرٍ واحدٍ يَشْهَدُ بصحةِ قولِكم. وهذا على سبيلِ التنزُّلِ للعِلْمِ بكذِبِ المُدَّعي. و «مِنْ عِلْمٍ» صفةٌ لأَثارة.
٤٠٣٩ - أإنَّ الذي فيه تَمارَيْتُما | بُيِّنَ للسامعِ والآثِرِ |
661
قوله: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ﴾ : مبتدأ وخبرٌ.
قوله: ﴿مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ﴾ «مَنْ» نكرةٌ موصوفةٌ أو موصولةٌ، وهي مفعولٌ بقولِه: «يَدْعُو».
قوله: ﴿وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ الضميران عائدَيْنِ على «مَنْ» مِنْ قولِه: ﴿مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ﴾ وهم الأصنامُ وتُوْقَعُ عليهم «مَنْ» لمعاملتهم إياها معاملةَ العقلاءِ، أو لأنَّه أراد جميعَ مَنْ عُبِدَ مِنْ دونِ الله. وغَلَّب العقلاءَ، ويكون
قوله: ﴿مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ﴾ «مَنْ» نكرةٌ موصوفةٌ أو موصولةٌ، وهي مفعولٌ بقولِه: «يَدْعُو».
قوله: ﴿وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ الضميران عائدَيْنِ على «مَنْ» مِنْ قولِه: ﴿مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ﴾ وهم الأصنامُ وتُوْقَعُ عليهم «مَنْ» لمعاملتهم إياها معاملةَ العقلاءِ، أو لأنَّه أراد جميعَ مَنْ عُبِدَ مِنْ دونِ الله. وغَلَّب العقلاءَ، ويكون
661
قد راعى معنى «مَنْ» فلذلك جَمَعَ في قوله: «وهم» بعدما راعى لفظَها فأفردَ في قولِه: «يَسْتَجيب» وقيل: يعود على «مَنْ» مِنْ قولِه «ومَنْ أضَلُّ»، وحُمِلَ أولاً على لفظها فَأُفْرِدَ في قولِه: «يَدْعُو»، وثانياً على معناها فجُمِعَ في قوله: ﴿وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ﴾.
662
قوله: ﴿قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلْحَقِّ﴾ : هنا أقام ظاهرَيْن مُقامَ مضمَريْنِ؛ إذ الأصلُ: قالوا لها، أي للآياتِ، ولكنه أبرزَهما ظاهرَيْن لأجلِ الوصفَيْن المذكورَيْن. واللام في «للحق» للعلةِ.
قوله: ﴿بِدْعاً﴾ : فيه وجهان، أحدهما: على حَذْفِ مضافٍ تقديرُه: ذا بِدْعٍ، قاله أبو البقاء. وهذا على أَنْ يكونَ البِدْعُ مصدراً. والثاني: أَنَّ البِدْعَ بنفسِه صفةٌ على فِعْل بمعنى بديع كالخِفِّ والخَفيف. والبِدْعُ والبديعُ: ما لم يُرَ له مِثْلٌ، وهو من الابتداع وهو الاختراعُ. أنشد قطرب:
وقرأ عكرمة وأبو حيوةَ وابنُ أبي عبلة «بِدَعاً» بفتح الدال جمع بِدْعة أي: ما كنتَ ذا بِدَع. وجَوَّز الزمخشري أَنْ يكونَ صفةً على فِعَل ك «دِين قِيَم» و «لحم زِيَم». قال الشيخ: «ولم يُثْبِتْ سيبويه صفةً على فِعَل إلاَّ
٤٠٣٩ - ب فما أنا بِدْعٌ مِنْ حوادِثَ تَعْتَري | رجالاً عَرَتْ مِنْ بعدِ بُؤْسَى بأَسْعُدِ |
662
قوماً عِدَا، وقد اسْتُدْرِك عليه» لحم زِيَم «أي: متفرق، وهو صحيحٌ. فأمَّا» قِيَم «فمقصورٌ مِنْ قيام، ولولا ذلك لصَحَّتْ عينُه كما صَحَّتْ في حِوَل وعِوَض. وأمَّا قولُ العربِ:» مكان سِوَىً «و» ماء رِوَىً «ورجل رِضَا وماء صِرَىً فمتأوَّلَةٌ عند التَّصْريفيِّين» قلت: تأويلُها إمَّا بالمصدريَّة أو القَصْر كقِيَم في قيام.
وقرأ أبو حيوةَ أيضاً ومجاهد «بِدَع» بفتح الباء وكسر الدال وهو وصفٌ كحَذِر.
وقوله: «يُفْعَلُ» العامَّةُ على بنائه للمفعول. وابنُ أبي عبلة وزيد ابن علي مبنياً للفاعلِ أي: الله تعالى. والظاهرُ أنَّ «ما» في قولِه: ﴿مَا يُفْعَلُ بِي﴾ استفهاميةٌ مرفوعةٌ بالابتداءِ، وما بعدها الخبرُ، وهي معلِّقَةٌ لأَدْري عن العملِ، فتكونُ سادَّةً مَسَدَّ مفعولَيْها. وجَوَّزَ الزمخشري أَنْ تكونَ موصولةً منصوبةً يعني أنها متعديةٌ لواحدٍ أي: لا أعْرِفُ الذي يفعلُه اللَّهُ تعالى.
قوله: ﴿إِلاَّ مَا يوحى﴾ العامَّةُ على بناء «يُوْحَى» للمفعول. وقرأ ابن عُمير بكسرِ الحاءِ على البناءِ للفاعلِ، وهو اللَّهُ تعالى.
وقرأ أبو حيوةَ أيضاً ومجاهد «بِدَع» بفتح الباء وكسر الدال وهو وصفٌ كحَذِر.
وقوله: «يُفْعَلُ» العامَّةُ على بنائه للمفعول. وابنُ أبي عبلة وزيد ابن علي مبنياً للفاعلِ أي: الله تعالى. والظاهرُ أنَّ «ما» في قولِه: ﴿مَا يُفْعَلُ بِي﴾ استفهاميةٌ مرفوعةٌ بالابتداءِ، وما بعدها الخبرُ، وهي معلِّقَةٌ لأَدْري عن العملِ، فتكونُ سادَّةً مَسَدَّ مفعولَيْها. وجَوَّزَ الزمخشري أَنْ تكونَ موصولةً منصوبةً يعني أنها متعديةٌ لواحدٍ أي: لا أعْرِفُ الذي يفعلُه اللَّهُ تعالى.
قوله: ﴿إِلاَّ مَا يوحى﴾ العامَّةُ على بناء «يُوْحَى» للمفعول. وقرأ ابن عُمير بكسرِ الحاءِ على البناءِ للفاعلِ، وهو اللَّهُ تعالى.
663
قوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ﴾ : مفعولاها محذوفان تقديره: أرأيتم حالَكم إنْ كان كذا ألَسْتُمْ ظالمين/، وجوابُ الشرطِ أيضاً محذوفٌ تقديره: فقد ظَلَمْتُمْ، ولهذا أتى بفعل الشرط ماضياً. وقَدَّره الزمخشريُّ: ألستُمْ ظالمين. ورَدَّ عليه الشيخ: «بأنَّه لو كان كذلك لَوَجَبَتْ الفاءُ؛ لأنَّ الجملةَ الاستفهامية متى وقعت جواباً للشرط لَزِمَتِ الفاءُ. ثم إنْ كانت أداةُ الاستفهامِ همزةً تقدَّمَتْ على الفاء نحو:» إنْ تَزُرْنا أفما نُكْرِمُك «، وإنْ كانت غيرَها تقدَّمَتِ الفاءُ عليها، نحو: إنْ تَزُرْنا فهل تَرى إلاَّ خيراً». قلت: والزمخشريُّ ذكر أمراً تقديريَّاً فَسَّر به المعنى لا الإِعرابَ.
وقال ابن عطية: «وأَرَأَيْتُمْ تَحْتمل أن تكون مُنَبِّهةً، فهي لفظٌ موضوعٌ للسؤالِ لا يَقْتضي مفعولاً، وتحتمل أن تكونَ الجملةُ كان وما عملتْ فيه سادَّةً مَسَدَّ مفعولَيْها». قال الشيخ: «وهذا خلافُ ما قَرَّره النحاة». قلت: قد تقدَّم تحقيقُ ما قَرَّره. وقيل: جوابُ الشرطِ هو قولُه: «فآمَن واستكْبَرْتُمْ» وقيل: هو محذوفٌ تقديرُه: فَمَنْ المُحِقُّ منَّا والمُبْطِلُ. وقيل: فَمَنْ أَضَلُّ.
قوله: «وكَفَرْتُمْ به» الجملةُ حاليةٌ أي: وقد كَفَرْتُمْ. ومنهم من لا يُضْمِرُ «قد» في مثلِه.
وقال ابن عطية: «وأَرَأَيْتُمْ تَحْتمل أن تكون مُنَبِّهةً، فهي لفظٌ موضوعٌ للسؤالِ لا يَقْتضي مفعولاً، وتحتمل أن تكونَ الجملةُ كان وما عملتْ فيه سادَّةً مَسَدَّ مفعولَيْها». قال الشيخ: «وهذا خلافُ ما قَرَّره النحاة». قلت: قد تقدَّم تحقيقُ ما قَرَّره. وقيل: جوابُ الشرطِ هو قولُه: «فآمَن واستكْبَرْتُمْ» وقيل: هو محذوفٌ تقديرُه: فَمَنْ المُحِقُّ منَّا والمُبْطِلُ. وقيل: فَمَنْ أَضَلُّ.
قوله: «وكَفَرْتُمْ به» الجملةُ حاليةٌ أي: وقد كَفَرْتُمْ. ومنهم من لا يُضْمِرُ «قد» في مثلِه.
قوله: ﴿لِلَّذِينَ آمَنُواْ﴾ : يجوزُ أَنْ تكونَ لامَ العلة أي: لأجلِهم، وأَنْ تكونَ للتبليغ، ولو جَرَوْا على مقتضى الخطابِ لَقالوا:
664
ما سَبَقْتُمونا، ولكنهم التفَتُوا فقالوا: ما سَبَقُوْنا. والضميرُ في «كان» وإليه عائدان على القرآن، أو ما جاء به الرسولُ.
قوله: ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ﴾ العامل في «إذْ» مقدرٌ أي: ظهر عِنادُهم وتَسَبَّب عنه قولُه: «فسَيقولون». ولا يَعْمل في «إذ» «فسَيقولون» لتضادِّ الزمانَيْنِ ولأجل الفاءِ أيضاً.
قوله: ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ﴾ العامل في «إذْ» مقدرٌ أي: ظهر عِنادُهم وتَسَبَّب عنه قولُه: «فسَيقولون». ولا يَعْمل في «إذ» «فسَيقولون» لتضادِّ الزمانَيْنِ ولأجل الفاءِ أيضاً.
665
قوله: ﴿وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى﴾ : العامَّةُ على كسر ميم «مِنْ» حرفَ جرٍّ. وهي مع مجرورِها خبرٌ مقدَّمٌ. والجملةٌ حاليةٌ أو خبرٌ مستأنفٌ.
وقرأ الكلبيُّ بنصبِ «الكتابَ» تقديرُه: وأَنْزَلَ مِنْ قبلِه كتابَ موسى. وقُرِئ «ومَنْ» بفتح الميم «كتابَ موسى» بالنصبِ على أن «مَنْ» موصولةٌ، وهي مفعولٌ أولُ لآتَيْنا مقدَّراً. وكتابَ موسى مفعولُه الثاني. أي: وآتَيْنا الذي قبلَه كتابَ موسى.
قوله: «إماماً ورَحْمَةً» حالان مِنْ «كتاب موسى». وقيل: منصوبان بمقدرٍ أي: أنْزَلْناه إماماً. ولا حاجةَ إليه. وعلى كَوْنِهما حالَيْن هما منصوبان بما نُصِبَ به «مِنْ قبل» من الاستقرار.
قوله: «لِساناً» حالٌ مِن الضمير في «مُصَدِّقٌ». ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً مِنْ «كتاب» والعاملُ التنبيهُ، أو معنى الإِشارةِ و «عربيَّاً» [صفةٌ] ل «لساناً»، وهو المُسَوِّغُ لوقوع هذا الجامد حالاً. [وجَوَّز أبو البقاء] أَنْ يكونَ مفعولاً به ناصبُهُ «
وقرأ الكلبيُّ بنصبِ «الكتابَ» تقديرُه: وأَنْزَلَ مِنْ قبلِه كتابَ موسى. وقُرِئ «ومَنْ» بفتح الميم «كتابَ موسى» بالنصبِ على أن «مَنْ» موصولةٌ، وهي مفعولٌ أولُ لآتَيْنا مقدَّراً. وكتابَ موسى مفعولُه الثاني. أي: وآتَيْنا الذي قبلَه كتابَ موسى.
قوله: «إماماً ورَحْمَةً» حالان مِنْ «كتاب موسى». وقيل: منصوبان بمقدرٍ أي: أنْزَلْناه إماماً. ولا حاجةَ إليه. وعلى كَوْنِهما حالَيْن هما منصوبان بما نُصِبَ به «مِنْ قبل» من الاستقرار.
قوله: «لِساناً» حالٌ مِن الضمير في «مُصَدِّقٌ». ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً مِنْ «كتاب» والعاملُ التنبيهُ، أو معنى الإِشارةِ و «عربيَّاً» [صفةٌ] ل «لساناً»، وهو المُسَوِّغُ لوقوع هذا الجامد حالاً. [وجَوَّز أبو البقاء] أَنْ يكونَ مفعولاً به ناصبُهُ «
665
مُصَدِّقٌ». وعلى هذا تكون الإِشارةُ إلى غيرِ القرآنِ؛ لأنَّ المرادَ باللسانِ العربيِّ القرآنُ وهو خلافُ الظاهر. وقيل: هو على حَذْفِ مضافٍ أي: مُصَدِّقٌ ذا لسانٍ عربي، وهو النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم. وقيل: هو على إسقاطِ حرفِ الجرِّ أي: بلسانٍ. وهو ضعيفٌ.
قوله: «ليُنْذِرَ» متعلِّقٌ بمصدِّق. و «بُشْرَى» عطفٌ على محلِّه. تقديره: للإِنذار وللبشرى، ولمَّا اختلف العلةُ والمعلولُ وَصَلَ العاملُ إليه باللامِ، [وهذا فيمَنْ قرأ بتاء الخطابِ. فأمَّا مَنْ قرأ بياءِ الغَيْبة. وقد تقدَّم ذلك في يس فإنهما مُتَّحدان. وقيل: بُشْرى] عطفٌ على لفظ «لتنذِرَ» أي: فيكونُ مجروراً فقط. وقيل: هي مرفوعةٌ على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ. تقديرُه: هي بُشْرَى. وقيل: بل هي عطفٌ على «مُصَدِّقٌ» وقيل: هي منصوبةٌ بفعل مقدرٍ أي: وبَشِّر بُشْرى. ونقل الشيخُ وجهَ النصبِ عطفاً على محلِّ «لتنذِرَ» عن الزمخشري وأبي البقاء. ثم قال: «وهذا لا يَصِحُّ على الصحيح من مذاهبِ النحويين لأنهم يَشْتَرِطون في الحَمْلِ على المَحَلِّ أَنْ يكونَ بحقِّ الأصالة، وأَنْ يكونَ للموضعِ مُحْرِزٌ، وهنا المحلُّ ليسَ بحقِّ الأصالة، إذ الأصلُ في المفعولِ [له] الجرُّ، والنصبُ ناشِئ عنه، لكن لَمَّا كَثُرَ بالشروط المذكورةِ وَصَلَ إليه الفعلُ فنصبَه» انتهى.
قوله: «ليُنْذِرَ» متعلِّقٌ بمصدِّق. و «بُشْرَى» عطفٌ على محلِّه. تقديره: للإِنذار وللبشرى، ولمَّا اختلف العلةُ والمعلولُ وَصَلَ العاملُ إليه باللامِ، [وهذا فيمَنْ قرأ بتاء الخطابِ. فأمَّا مَنْ قرأ بياءِ الغَيْبة. وقد تقدَّم ذلك في يس فإنهما مُتَّحدان. وقيل: بُشْرى] عطفٌ على لفظ «لتنذِرَ» أي: فيكونُ مجروراً فقط. وقيل: هي مرفوعةٌ على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ. تقديرُه: هي بُشْرَى. وقيل: بل هي عطفٌ على «مُصَدِّقٌ» وقيل: هي منصوبةٌ بفعل مقدرٍ أي: وبَشِّر بُشْرى. ونقل الشيخُ وجهَ النصبِ عطفاً على محلِّ «لتنذِرَ» عن الزمخشري وأبي البقاء. ثم قال: «وهذا لا يَصِحُّ على الصحيح من مذاهبِ النحويين لأنهم يَشْتَرِطون في الحَمْلِ على المَحَلِّ أَنْ يكونَ بحقِّ الأصالة، وأَنْ يكونَ للموضعِ مُحْرِزٌ، وهنا المحلُّ ليسَ بحقِّ الأصالة، إذ الأصلُ في المفعولِ [له] الجرُّ، والنصبُ ناشِئ عنه، لكن لَمَّا كَثُرَ بالشروط المذكورةِ وَصَلَ إليه الفعلُ فنصبَه» انتهى.
666
قوله: «الأصلُ في المفعول له الجرُّ بالحرفِ» ممنوعٌ بدليل قولِ النَّحْويين: إنَّه يَنْصِبُ بشروطٍ ذكروها. ثم يقولون: ويجوزُ جرُّه بلامٍ، فقولُهم «ويجوز» ظاهرٌ في أنه فرعٌ لا أصلٌ.
و «للمُحْسِنين» متعلقٌ ب «بُشْرَى» أو بمحذوفٍ على أنَّه صفةٌ لها.
و «للمُحْسِنين» متعلقٌ ب «بُشْرَى» أو بمحذوفٍ على أنَّه صفةٌ لها.
667
قوله: ﴿فَلاَ خَوْفٌ﴾ : الفاءُ زائدةٌ في خبرِ الموصولِ لِما فيه من معنى الشرطِ، ولم تمنَعْ «إنَّ» من ذلك لبقاءِ معنى الابتداء بخلاف «ليت» و «لعلَّ» و «كأن».
قوله: ﴿خَالِدِينَ﴾ : منصوبٌ على الحاليَّةِ. و «جزاءً» منصوب على المصدرِ: إمَّا بعاملٍ مضمرٍ أي: يُجْزَوْن جزاءً، أو بما تقدَّم؛ لأنَّ معنى أولئك أصحاب الجنة معنى جازَيْناهم بذلك.
قوله: ﴿إِحْسَاناً﴾ : قرأ الكوفيون «إحْساناً» وباقي السبعةِ «حُسْناً» بضمِّ الحاءِ وسكونِ السينِ، فالقراءةُ الأولى يكون «إحساناً» فيها منصوباً بفعلٍ مقدَّرٍ أي: وَصَّيْناه أَنْ يُحْسِنَ إليهما إحساناً. وقيل: بل هو مفعولٌ به على تضمينِ وصَّيْنا معنى أَلْزَمْنا، فيكونُ مفعولاً ثانياً. وقيل: بل هو منصوبٌ على المفعولِ به أي: وصَّيناه بهما إحساناً مِنَّا إليهما. وقيل: هو منصوبٌ على المصدرِ؛ لأنَّ معنى وصَّيْنا: أَحْسَنَّا فهو مصدرٌ صريحٌ. والمفعولُ الثاني/ هو
667
المجرورُ بالباء. وقال ابن عطية: «إنها تتعلَّق: إمَّا بوَصَّيْنا، وإمَّا بإحساناً». ورَدَّ الشيخُ: هذا الثاني بأنَّه مصدرٌ مؤَوَّلٌ فلا يتقدَّم معمولُه عليه، ولأن «أَحْسَنَ» لا يتعدَّى بالباء، وإنما يتعدَّى باللامِ. لا تقول: «أحسَنْتُ بزيدٍ» على معنى وصول الإِحسان إليه. وقد رَدَّ بعضُهم هذا بقولِه: ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بي إِذْ أَخْرَجَنِي﴾ [يوسف: ١٠٠] وقيل: هو بغير هذا المعنى. وقدَّر بعضُهم: ووَصَّيْنا الإِنسانَ بوالدَيْه ذا إحسانٍ، يعني فيكونُ حالاً. وأمَّا «حُسْناً» فقيل فيه ما تقدَّم في إحسان.
وقرأ عيسى والسُّلَمي «حَسَناً» بفتحِهما. وقد تقدَّمَ معنى القراءتَيْنِ في البقرة وفي لقمان.
قوله: «كُرْهاً» قد تَقَدَّم الخلافُ فيه في النساء. وله هما بمعنىً واحد أم لا؟ وقال أبو حاتم: «الكَرْهُ بالفتح لا يَحْسُنُ لأنَّه بالفتح الغَصْبُ والغَلَبَةُ». ولا يُلْتَفَتُ لِما قاله لتواتُرِ هذه القراءةِ. وانتصابُها: إمَّا على الحالِ من الفاعلِ أي: ذاتَ كُرْه. وإمَّا على النعت لمصدرٍ مقدرٍ أي: حَمْلاً كُرْهاً.
قوله: «وحَمْلُه» أي: مدةُ حَمْلِه. وقرأ العامَّةُ «فِصالُه» مصدر فاصَلَ، كأنَّ الأمَّ فاصَلَتْهُ وهو فاصَلَها. والجحدري والحسن وقتادة «فَصْلُه». قيل:
وقرأ عيسى والسُّلَمي «حَسَناً» بفتحِهما. وقد تقدَّمَ معنى القراءتَيْنِ في البقرة وفي لقمان.
قوله: «كُرْهاً» قد تَقَدَّم الخلافُ فيه في النساء. وله هما بمعنىً واحد أم لا؟ وقال أبو حاتم: «الكَرْهُ بالفتح لا يَحْسُنُ لأنَّه بالفتح الغَصْبُ والغَلَبَةُ». ولا يُلْتَفَتُ لِما قاله لتواتُرِ هذه القراءةِ. وانتصابُها: إمَّا على الحالِ من الفاعلِ أي: ذاتَ كُرْه. وإمَّا على النعت لمصدرٍ مقدرٍ أي: حَمْلاً كُرْهاً.
قوله: «وحَمْلُه» أي: مدةُ حَمْلِه. وقرأ العامَّةُ «فِصالُه» مصدر فاصَلَ، كأنَّ الأمَّ فاصَلَتْهُ وهو فاصَلَها. والجحدري والحسن وقتادة «فَصْلُه». قيل:
668
والفَصْلُ والفِصال بمعنىً كالفَطْمِ والفِطام، والقَطْفِ والقِطاف. ولو نَصَب «ثلاثين» على الظرفِ الواقعِ موقعَ الخبرِ جاز، وهو الأصلُ. هذا إذا لم نُقَدِّر مضافاً، فإنْ قَدَّرْنا أي: مدةُ حَمْلِه لم يَجُزْ ذلك وتعيَّن الرفعُ، لتصادُقِ الخبرِ والمُخْبَرِ عنه.
قوله: ﴿حتى إِذَا بَلَغَ﴾ لا بُدَّ مِنْ جملةٍ محذوفةٍ تكونُ «حتى» غايةً لها أي: عاش واستمرَّتْ حياتُه حتى إذا.
قوله: «أربعين» أي: تمامَها ف «أربعين» مفعولٌ به.
قوله: ﴿وَأَصْلِحْ لِي فِي ذريتي﴾ أَصْلَحَ يتعدَّى بنفسِه لقولِه: ﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾ [الأنبياء: ٩٠] وإنما تعدَّى ب في لتضمُّنِه معنى الطُفْ بي في ذرِّيَّتي، أو لأنه جَعَلَ الذرِّيَّة ظرفاً للصَّلاح كقولِه:
قوله: ﴿حتى إِذَا بَلَغَ﴾ لا بُدَّ مِنْ جملةٍ محذوفةٍ تكونُ «حتى» غايةً لها أي: عاش واستمرَّتْ حياتُه حتى إذا.
قوله: «أربعين» أي: تمامَها ف «أربعين» مفعولٌ به.
قوله: ﴿وَأَصْلِحْ لِي فِي ذريتي﴾ أَصْلَحَ يتعدَّى بنفسِه لقولِه: ﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾ [الأنبياء: ٩٠] وإنما تعدَّى ب في لتضمُّنِه معنى الطُفْ بي في ذرِّيَّتي، أو لأنه جَعَلَ الذرِّيَّة ظرفاً للصَّلاح كقولِه: