تفسير سورة الأنبياء

الموسوعة القرآنية
تفسير سورة سورة الأنبياء من كتاب الموسوعة القرآنية المعروف بـالموسوعة القرآنية .
لمؤلفه إبراهيم الإبياري . المتوفي سنة 1414 هـ

(٢١) سورة الأنبياء

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣)
١- اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ:
لِلنَّاسِ اللام، صلة للفعل اقْتَرَبَ أو تأكيد لإضافة الحساب إليهم.
مُعْرِضُونَ عن التأهب للحساب.
٢- ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ:
مِنْ ذِكْرٍ الطائفة النازلة من القرآن.
وَهُمْ يَلْعَبُونَ وهم يلهون.
٣- لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ:
لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ غافلة ذاهلة.
وَأَسَرُّوا النَّجْوَى أخفوا ما يتناجون به وما يتسارون.
الَّذِينَ ظَلَمُوا بدل من الواو فى وَأَسَرُّوا.
هَلْ هذا فى محل النصب بدل من النَّجْوَى أي وأسروا هذا الحديث.
أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ أفتحضرون السحر.
وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ وأنتم تشاهدون وتعاينون أنه سحر.
فلقد كانوا يعتقدون أن كل من ادعى الرسالة من البشر وجاء بالمعجزة فهو ساحر ومعجزته سحر، فلذلك قالوا هذا على سبيل الإنكار.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٤ الى ٨]

قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤) بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥) ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨)
٤- قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ:
يَعْلَمُ الْقَوْلَ سره وجهره.
فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي لا يخفى عليه شىء فيهما وما كانت نجواهم لتغيب عن سمعه وعلمه.
٥- بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ:
أَضْغاثُ أَحْلامٍ أخلاط كالأحلام المختلطة، أي أهاويل رآها فى المنام.
بَلِ افْتَراهُ بل اختلقه، لما رأوا أن الأمر ليس كما ادعوا أولا انتقلوا الى هذا الادعاء الثاني.
كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ أي كما أرسل موسى بالعصا وغيرها من الآيات.
٦- ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ:
أي إنهم، أعنى من الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات، وعاهدوا أنهم يؤمنون عندها، فلما جاءتهم نكثوا وخالفوا، فأهلكهم الله، فلو أعطيناهم ما يقترحون لكانوا أنكث.
٧- وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ:
أَهْلَ الذِّكْرِ أي أهل الكتاب كى يعلموهم أن رسل الله الموحى إليهم كانوا بشرا ولم يكونوا ملائكة كما اعتقدوا.
٨- وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ:
لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ صفة لقوله جَسَداً. والمعنى: وما جعلنا الأنبياء عليهم السلام قبله ذوى جسد غير طاعمين.
وَما كانُوا خالِدِينَ أي يموتون كما نموت.

[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٩]

ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩)
٩- ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ:
ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ يعنى الأنبياء.
وَمَنْ نَشاءُ أي الذين صدقوا الأنبياء.
الْمُسْرِفِينَ أي المشركين.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١٠ الى ١٥]
لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠) وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤)
فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥)
١٠- لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ:
فِيهِ ذِكْرُكُمْ شرفكم وصيتكم، أو موعظتكم.
١١- وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ:
وَكَمْ قَصَمْنا أي أهلكنا. والقصم: أفظع الكسر.
مِنْ قَرْيَةٍ أي أهل قرية.
١٢- فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ:
يَرْكُضُونَ يخفّون هاربين من قريتهم لما رأوا بوادر العذاب.
١٣- لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ:
إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ من العيش الرافه والحال الناعمة.
لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ تهكم بهم. أي لعلكم تسألون عما حل بكم.
١٤- قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ:
اعترفوا بأنهم ظلموا حين لا ينفع الاعتراف.
١٥- فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ:
تِلْكَ اشارة الى قولهم يا وَيْلَنا.
دَعْواهُمْ أي دعوتهم.
حَصِيداً الحصيد: الزرع المحصود، أي جعلناهم رمادا.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١٦ الى ٢٢]

وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠)
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢)
١٦- وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ:
لاعِبِينَ أي عبثا وباطلا.
١٧- لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ:
مِنْ لَدُنَّا أي من جهة قدرتنا.
إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ تأكيد لانتفاء العبث عن أفعاله جل وعلا.
١٨- بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ:
بَلْ إضراب عن اتخاذ اللهو واللعب وتنزيه منه لذاته.
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ أي ندحض الباطل بالحق.
فَيَدْمَغُهُ فيبطله ويمحقه.
مِمَّا تَصِفُونَ أي مما تصفونه به مما لا يجوز عليه وعلى حكمته.
١٩- وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ:
وَلا يَسْتَحْسِرُونَ أي ولا يعيون.
٢٠- يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ:
لا يَفْتُرُونَ أي لا يضيقون ولا يسأمون.
٢١- أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ:
هُمْ يُنْشِرُونَ أي يحيون الموتى. ينكر عليهم أن يكون آلهتهم التي اتخذوا من الأرض لها قدرة على الإحياء.
٢٢- لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ:
لَفَسَدَتا أي الأرض والسماء.
فَسُبْحانَ اللَّهِ أن تنزه الله عن أن يكون له شريك فى ملكه.
عَمَّا يَصِفُونَ أي عما يصفونه به من الشركة.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٢٣ الى ٢٨]

لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧)
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨)
٢٣- لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ:
وَهُمْ يُسْئَلُونَ أي الأرباب الذين اتخذوهم آلهة، أي هم مملوكون مستعبدون يحاسبون على ما فعلوا وهو فوقهم جميعا سائلهم ومحاسبهم على ما فعلوا.
٢٤- أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ:
قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ أي وصفتم الله تعالى بأن له شركاء فهاتوا برهانكم على ذلك.
هذا ذِكْرُ أي الوحى الوارد فى معنى توحيد الله ونفى الشركاء عنه، كما ورد علىّ، فقد ورد على جميع الأنبياء، فهو ذكر، أي موعظة للذين معى، يعنى أمته، وذكر للذين من قبلى، يريد أمم الأنبياء عليهم السلام.
مُعْرِضُونَ عن الحق.
٢٥- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ:
توكيد لما سبق من أن توحيد الله وتنزيهه عن الشركاء، هو ما عليه الأنبياء جميعا فلا حجة لكم فاتجهوا بالعبادة لهذا الواحد الأحد.
٢٦- وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ:
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً يعنى من قالوا إن الملائكة بنات الله.
مُكْرَمُونَ مقربون.
٢٧- لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ:
أي يتبعون قوله ولا يقولون شيئا حتى يقوله، فلا يسبق قولهم قوله، وعملهم كذلك مبنى على أمره.
٢٨- يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ:
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ أي جميع ما يأتون ويذرون، مما قدموا وأخروا، بعين الله.
وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى ورعاية منهم للعبودية لا يسألون شفاعة الا لمن ارتضاه الله لأن يشفع له.
وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وهم مع هذا من خوف الله وجلون.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٢٩ الى ٣١]
وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١)
٢٩- وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ:
كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ أي كما نجزى من ادعى أنه إله النار كذلك نجزى الظالمين الواضعين الألوهية والعبادة فى غير موضعهما.
٣٠- أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ:
كانَتا رَتْقاً على تقدير موصوف، أي كانتا شيئا رتقا، أي إن السماء كانت لاصقة بالأرض لافضاء بينهما.
فَفَتَقْناهُما ففصل ما بينهما.
٣١- وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ:
رَواسِيَ جبالا ثابتة.
أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ أي لئلا تميد بهم، فحذف (لا) واللام، أي لئلا تضطرب بهم.
فِجاجاً فى موضع الحال، وفجاجا، أي واسعة. وإذا تقدم الوصف على الموصوف وقع حالا.
سُبُلًا طرقا. أي إنه حين خلقها خلقها على تلك الصفة. ولو تأخرت الصفة كما فى قوله تعالى لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً لكان المراد أنه جعل فيها طرقا واسعة.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٣٢ الى ٣٦]

وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣) وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥) وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦)
٣٢- وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ:
مَحْفُوظاً من أن يقع ويسقط على الأرض.
عَنْ آياتِها أي عما وضع الله فيها من الأدلة والعبر.
٣٣- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ:
كُلٌّ بالتنوين الذي هو عوض من المضاف اليه، أي كلهم.
فِي فَلَكٍ أي فى مدار.
يَسْبَحُونَ الضمير للشمس والقمر، والمراد بهما جنس الطوالع كل يوم وليلة، جعلوها متكاثرة تكاثر مطالعها، وهو السبب فى جمعهما بالشموس والأقمار.
٣٤- وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ:
أي قضى الله أن لا يخلّد فى الدنيا بشرا، فلا أنت ولا هم الا عرضة للموت، وإذا كان الأمر كذلك أفإن مت أنت أيبقى هؤلاء؟ وهذا لأنهم كانوا يقدرون أنه سيموت فيشمتون بموته، فنفى الله تعالى عنه الشماتة بهذه الآية.
٣٥- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ:
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ أي إلى فناء.
وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ أي نختبركم بما يجب فيه الصبر من البلايا، وما يجب فيه الشكر من النعم.
وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ وإلينا مرجعكم فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر أو الشكر.
٣٦- وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ:
إِنْ يَتَّخِذُونَكَ ما يتخذونك.
إِلَّا هُزُواً يستهزئون بك.
أَهذَا الَّذِي أي: يقولون: أهذا الذي؟ فأضمر القول، وهو جواب إِذا.
يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ بالسوء والعيب.
وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ أي بالقرآن.
هُمْ كافِرُونَ هم، توكيد كفرهم، أي هم الكافرون، مبالغة فى وصفهم بالكفر.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٣٧ الى ٣٩]
خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩)
٣٧- خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ:
خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ إشارة الى استعجالهم آيات الله.
سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ نهى لهم عن الاستعجال وزجر.
٣٨- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ:
وَيَقُولُونَ الضمير للكفار.
الْوَعْدُ أي الموعود، أو الوعيد الذي يعدنا من عذاب. وقيل:
القيامة.
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يا معشر المؤمنين.
٣٩- لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ:
لَوْ جوابها محذوف، أي لو يعلمون مصيرهم لما كانوا بتلك الصفة من الكفر واستهزائهم بالرسول صلّى الله عليه وآله وسلم.
حِينَ مفعول به للفعل يَعْلَمُ أي لو يعلمون الوقت.
لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ حين تحيط بهم فلا يقدرون على دفعها.
وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ أي لا يجدون ناصرا ينصرهم.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٤٠ الى ٤٣]
بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤١) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (٤٣)
٤٠- بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ:
بَلْ تَأْتِيهِمْ أي الساعة التي يستعجلونها.
بَغْتَةً على غرة من حيث لا يشعرون ويقدرون.
فَتَبْهَتُهُمْ فإذا هم مبهوتون متحيرون.
وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ أي ولا يؤخرون ولا يمهلون.
٤١- وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ:
فَحاقَ فأحاط.
بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ أي بالكافرين الذين سخروا من الرسل.
ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أي جزاء استهزائهم.
٤٢- قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ:
قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ يحرسكم ويحفظكم.
مِنَ الرَّحْمنِ من بأسه وعذابه.
بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ أي لا يلقون بالا لما يذكّرهم بربهم وآياته.
٤٣- أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ:
أَمْ لَهُمْ أي ألهم.
مِنْ دُونِنا أي مما نريده بهم.
لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ أي هؤلاء الآلهة.
وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ أي يجارون ويمنعون. أي كما لا يملكون لأنفسهم نصرا كذلك لا يملكون أن يجيرهم مجير مما يريد الله بهم.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (٤٤) قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦)
٤٤- بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ:
بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ يريد أهل مكة، أي بسطنا لهم ولآبائهم فى نعيمها.
حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ فى النعمة وظنوا أنها لا تزول عنهم.
أَفَلا يَرَوْنَ تذكير لهم بالاعتبار والتدبر فى قدرة الله.
نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها بالظهور عليها لك يا محمد صلّى الله عليه وآله وسلم أرضا بعد أرض وفتحها بلدا بعد بلد، مما حول مكة.
أَفَهُمُ الْغالِبُونَ ردهم الى الاعتبار بما لهم من حول الى جانب حول الله غير مغترين بما نعموا به من نعيم طويل هم وآباؤهم.
٤٥- قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ:
قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ أي بما يوحى الى من قرآن فيه الوعيد لمن خالف ولم يستجب.
وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ يصف حالهم وما هم عليه من إغفال لاستماع النذر فعل الأصم يفوت عليه ما يلقى اليه من تحذير فيهلك.
٤٦- وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ:
نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ طرف منه.
لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا يصيحون صيحة المتردى فى العذاب.
إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ مقرين على أنفسهم بحقيقة ما كانوا عليه فى دنياهم حين لم يستجيبوا للرسول صلّى الله عليه وآله وسلم.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٤٧ الى ٤٩]
وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩)
٤٧- وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ:
الْمَوازِينَ الْقِسْطَ وصف الموازين بالقسط، وهو العدل، مبالغة كأنها فى أنفسها قسط، أو هى على حذف مضاف، أي ذوات القسط.
لِيَوْمِ الْقِيامَةِ أي لأجل يوم القيامة، ولأهل يوم القيامة.
فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً أي لا ينقص من إحسان محسن، ولا يزاد فى إساءة مسىء.
أَتَيْنا بِها أي جازينا بها.
وَكَفى بِنا حاسِبِينَ أي مجازين على ما قدموا من خير أو شر.
٤٨- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ:
الْفُرْقانَ التوراة.
وَضِياءً أي وأتينا به ضياء. أي إنه فى نفسه ضياء وذكر.
يعنى: وآتيناهما بما فيه من الشرائع والمواعظ ضياء وذكر.
٤٩- الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ:
الَّذِينَ فى محل جر على الوصفية، أو نصب على المدح، أو رفع عليه أيضا.
بِالْغَيْبِ نظرا واستدلالا، لا عن مشاهدة، وهذه أقوى الإيمان.
مُشْفِقُونَ خائفون وجلون.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٥٠ الى ٥٥]

وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠) وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤)
قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥)
٥٠- وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ:
وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ يعنى القرآن. وبركته: كثرة ما فيه من نفع وخير.
أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ جاحدون به.
٥١- وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ:
وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ أي وفقناه للهدى وللنظر والاستدلال.
مِنْ قَبْلُ أي من قبل النبوة، أو من قبل موسى وهارون.
وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ أي إنه أهل لإيتاء الرشد.
٥٢- إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ:
إِذْ متعلق بقوله آتَيْنا أو بقوله رُشْدَهُ أو بمحذوف، تقديره: اذكر، أي: اذكر من أوقات رشده هذا الوقت.
ما هذِهِ التَّماثِيلُ تجاهل لشأنها.
أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ أي قائمون.
٥٣- قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ:
أي نعبدها أسوة بآبائنا.
٥٤- قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ:
أَنْتُمْ تأكيد، جىء به ليصح العطف.
مُبِينٍ بين جلى لمن له أدنى مسكة من عقل.
٥٥- قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ:
يقولون: أهذا الذي تقوله جد وحق، أم هو لون من ألوان الهزل؟
يعنون: أأنت جاد أم هازل فى دعواك؟ وكأنهم قد دهشوا حين فاجأهم إبراهيم بما قال.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٥٦ الى ٥٨]

قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨)
٥٦- قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ:
بَلْ للإضراب، أي لست بهازل.
رَبُّكُمْ أي وإذا كنتم متخذين ربا فاتجهوا بالعبودية لمن خلق السموات والأرض، لا لمن هو مخلوق.
الَّذِي فَطَرَهُنَّ أي خلقهن وأبدعهن، يعنى السموات والأرض.
وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ على أنه الخالق المبدع، ولا خالق ولا مبدع سواه.
مِنَ الشَّاهِدِينَ من المصدقين بصدق استدلالى.
٥٧- وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ:
وَتَاللَّهِ القسم بالله توكيد منه لهم بإثبات الألوهية، ولفت منه لهم بأن يؤلهوا ما أله.
لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ أي لأفعلن بها ما يدل على امتهانى لها.
بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا بعد أن تذهبوا.
مُدْبِرِينَ راجعين الى مقاركم.
٥٨- فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ:
فَجَعَلَهُمْ أي صيرهم، يعنى الأصنام، وأعاد إليهم ضمير العقلاء من قبل التهكم.
جُذاذاً أي قطعا وفتاتا.
إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ أي للأصنام، يعنى صنما جعلوه على رأس تلك الأصنام.
لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ بالسؤال عما حاق بالأصنام بين يديه.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٥٩ الى ٦٤]

قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٦٠) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١) قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦٢) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣)
فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤)
٥٩- قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ:
مَنْ فَعَلَ أي الذي فعل.
إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ أي من العادين دون حق.
٦٠- قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ:
سَمِعْنا فَتًى فيه ما يدل على سن ابراهيم عندها.
يَذْكُرُهُمْ بعيب.
٦١- قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ:
فَأْتُوا بِهِ فأحضروه.
عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ معاينين له ومشاهدين إياه.
لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ يقرون عليه بما سمعوه منه.
٦٢- قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ:
سألوه سؤال المستوثق ليضموا الى إقراره بالتهديد إقراره بالفعل.
٦٣- قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ:
قالَ القائل: إبراهيم.
بَلْ أي لم أفعله بل فعله.
كَبِيرُهُمْ أي كبير الأصنام الذي تركه إبراهيم ولم يكسره.
فَسْئَلُوهُمْ أي الأصنام المهشمة لتقول ما فعله بهم كبيرهم.
وفى هذا من التهكم ما فيه لعلهم يرتدون الى عقولهم، فيعلموا أن هذا من فعل فاعل، وأن هذا الفاعل لم يكن غير إبراهيم، فهو إقرار منه خفى بفعله ليوقظ مداركهم.
٦٤- فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ:
ولقد أفلح إبراهيم فيما قصد إليه فإذا هم يعلمون أن الظالمين المجاوزين الحق هم لا إبراهيم.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٦٥ الى ٦٨]
ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥) قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧) قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨)
٦٥- ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ:
ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ أي عادوا الى جهلهم وعنادهم، وقيل:
طأطئوا رؤوسهم خجلا من ابراهيم.
لَقَدْ عَلِمْتَ قالوا: لقد علمت، والخطاب لإبراهيم.
ما هؤُلاءِ أي الأصنام.
يَنْطِقُونَ رجوع منهم الى قول إبراهيم لهم قبل: فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ وكأنهم يريدون بهذا أن تكون لهم الحجة عليه.
٦٦- قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ:
وإذ قد أقروا بعجز آلهتهم اتجه إليهم ابراهيم يردهم عن عبادة ما تبين عجزه الى عبادة من ثبتت قدرته وهو الله الذي بيده النفع والضر.
٦٧- أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ:
أُفٍّ كلمة تضجر وتأفف.
لَكُمْ حيث غابت عقولكم.
وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حيث هانت وصغرت شأنا.
أَفَلا تَعْقِلُونَ أفلا ترتدون الى عقولكم فتحكموها.
٦٨- قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ:
قالُوا حَرِّقُوهُ أي ألقوه فى النار، وهذا شأن من انقطعت به الحجة.
وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ وردوا الى آلهتكم جلالها بعد أن امتهنها ابراهيم وحط من شأنها.
إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ شيئا تنصرون به آلهتكم.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٦٩ الى ٧٣]
قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (٧٠) وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (٧١) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ (٧٢) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (٧٣)
٦٩- قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ:
كُونِي أمر ممن أمره للشىء: كن فيكون.
بَرْداً لا حر لاذع فيك.
وَسَلاماً أي بردا غير مؤذ.
٧٠- وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ:
وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً أي إيذاء وضرا لتعلو كلمتهم ويخسر هو كسبه إياهم على الايمان.
فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ إذ خسروا ما أرادوه من ضر، كما خسروا أن يكونوا من المهتدين.
٧١- وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ:
وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً أي نجينا إبراهيم ولوطا.
إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ أرض الشام، وكانا بالعراق.
٧٢- وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ:
نافِلَةً النافلة: ولد الولد، وقيل: سأل إسحاق فأعطيه، وأعطى يعقوب نافلة، أي زيادة وفضلا من غير سؤال.
٧٣- وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ:
وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً أي رؤساء يقتدى بهم فى الخيرات وأعمال الطاعات.
يَهْدُونَ بِأَمْرِنا أي بما أنزل عليهم من الوحى والأمر والنهى.
وقيل: يهدون الناس إلى ديننا بأمرنا إياهم بإرشاد الخلق، ودعائهم الى التوحيد.
وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ أي أن يفعلوا الطاعات.
وَكانُوا لَنا عابِدِينَ مطيعين.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٧٤ الى ٧٧]
وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (٧٤) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧)
٧٤- وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ:
وَلُوطاً منصوب بفعل مضمر دل عليه المذكور، أي آتينا لوطا آتيناه. وقيل: واذكر.
حُكْماً أي النبوة.
وَعِلْماً معرفة بأمر الدين.
وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ يريد سدوم.
قَوْمَ سَوْءٍ أي خارجين عن طاعة الله.
٧٥- وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ:
فِي رَحْمَتِنا أي إنجاءه من قومه.
٧٦- وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ:
وَنُوحاً أي واذكر نوحا.
إِذْ نادى إذ دعا.
مِنْ قَبْلُ أي من قبل ابراهيم ولوط.
وَأَهْلَهُ يعنى المؤمنين.
مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ أي من الغرق.
٧٧- وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ:
مِنَ الْقَوْمِ أي على القوم. وقيل: انتقمنا له من القوم.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٧٨ الى ٨٠]

وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (٧٩) وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠)
٧٨- وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ:
وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ أي واذكر داود وسليمان.
فِي الْحَرْثِ فى الزرع.
إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ أي رعت فيه ليلا. والنفش: الرعي بالليل.
وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ فيه دليل على أن أقل الجمع اثنان. وقيل: المراد:
الحاكمان والمحكوم عليه.
شاهِدِينَ غير غائبين عنه نعلم علمه.
٧٩- فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ:
فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ أي فهمناه القضية والحكومة، فكنى عنها إذ سبق ما يدل عليها.
وفضل حكم سليمان حكم أبيه فى أنه رأى أن يبقى ملك كل واحد منهما على متاعه وتبقى نفسه طيبة بذلك على حين رأى داود عليه السلام أن يدفع الغنم الى صاحب الحرث.
يُسَبِّحْنَ بتسبيحه.
وَكُنَّا فاعِلِينَ أي قادرين على أن نفعل هذا.
٨٠- وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ:
وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ يعنى اتخاذ الدروع بإلانة الحديد له.
لِتُحْصِنَكُمْ لنجعلكم فى حرز.
مِنْ بَأْسِكُمْ من حربكم.
فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ على تيسير نعمة الدروع لكم.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٨١ الى ٨٤]
وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (٨٢) وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤)
٨١- وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ:
وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً أي وسخرنا لسليمان الريح عاصفة، أي شديدة الهبوب.
إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها أي الشام.
وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ أي كل شىء عملناه عالمين بتدبيره.
٨٢- وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ:
وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ أي وسخرنا له من الشياطين من يغوصون تحت الماء ليستخرجوا له ما فى جوف البحر من جواهر.
وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ أي سوى ذلك من الغوص.
وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ أي لأعمالهم.
٨٣- وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ:
وَأَيُّوبَ أي واذكر أيوب.
أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ أي نالنى ضر فى بدني ومالى وأهلى.
٨٤- فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ:
فَاسْتَجَبْنا لَهُ أي لدعائه.
فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ فأزحناه عنه.
وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ أي رزقناه أولادا بقدر ما فقد.
وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ أي وزدناه مثلهم.
رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا رحمة من فضلنا.
وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ وتذكيرا لغيره من الطائعين.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٨٥ الى ٨٨]
وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٦) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨)
٨٥- وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ:
وَإِسْماعِيلَ أي واذكر إسماعيل.
مِنَ الصَّابِرِينَ على احتمال التكاليف والشدائد.
٨٦- وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ:
وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا وجعلناهم من أهل رحمتنا.
إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ انهم من عبادنا الصالحين.
٨٧- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ:
وَذَا النُّونِ واذكر ذا النون، وهو يونس. والنون: الحوت، وسمى ذا النون لابتلاع الحوت إياه.
إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً إذ ضاق بإعراض قومه عن دعوته فهجرهم غاضبا عليهم.
فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ظانا أن الله أباح له أن يهجرهم وأنه لن يقضى عليه الأمر.
فَنادى فِي الظُّلُماتِ أي ظلمات البحر، إشارة الى ابتلاع الحوت إياه.
إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ أي خروجى عن قومى دون أن يأذن لى ربى.
٨٨- فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ:
فَاسْتَجَبْنا لَهُ أي لدعائه.
وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ من البلاء الذي وقع فيه.
وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ومثل هذا الإنجاء يكون انجاؤنا للمؤمنين.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٨٩ الى ٩١]
وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (٩٠) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (٩١)
٨٩- وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ:
وَزَكَرِيَّا أي واذكر زكريا وقصته.
لا تَذَرْنِي فَرْداً لا تتركنى وحيدا دون وارث.
وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ الباقي بعد فناء خلقه.
٩٠- فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ:
فَاسْتَجَبْنا لَهُ فحققنا رجاءه.
وَوَهَبْنا لَهُ على الكبر.
وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ جعلناها صالحة للولد بعد أن كانت عقيما لا تلد.
إِنَّهُمْ أي هؤلاء الأنبياء الأصفياء.
يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ يسرعون الى ما ندعوهم اليه من خير.
وَيَدْعُونَنا يضرعون إلينا.
رَغَباً راغبين فى رحمتنا.
وَرَهَباً خوفا من عذابنا.
وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ خاضعين.
٩١- وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ:
وَالَّتِي واذكر التي.
أَحْصَنَتْ فَرْجَها صانته.
فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا فألقينا فيه سرا من أسرارنا، وجعلناها تحمل من غير زوج.
وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً فكانت هى وابنها دليل على قدرة الله تعالى.
لِلْعالَمِينَ بينة للعالم كله.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٩٢ الى ٩٥]
إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (٩٤) وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥)
٩٢- إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ:
إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ يعنى ملة الإسلام.
أُمَّةً واحِدَةً ملة واحدة لا تنازع فيها ولا تنافر، فلا تتفرقوا فيها شيعا وأحزابا وهى التي ارتضاها لكم ربكم.
وَأَنَا رَبُّكُمْ وأنا إلهكم إله واحد.
فَاعْبُدُونِ فاتجهوا اليه بالعبادة، ولا تتجهوا لسواه.
٩٣- وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ:
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وتفرق أكثر الناس بحسب شهواتهم، جاعلين أمر دينهم قطعا.
كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ أي وكل فريق منهم راجع إلينا يحاسب على أعماله.
٩٤- فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ:
وَهُوَ مُؤْمِنٌ بالله وبدينه الذي ارتضاه.
فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ فلا نجحده شيئا مما قدم، بل سيوفى جزاءه كاملا.
وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ أي لهذا السعى وما عمل فلا يضيع منه شىء.
٩٥- وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ:
وَحَرامٌ أي ممتنع.
أَهْلَكْناها بظلمهم.
أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ بل لا بد من رجوعهم إلينا فنحاسبهم على ما فرط منهم.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٩٦ الى ٩٩]
حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (٩٧) إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (٩٩)
٩٦- حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ:
حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ أي حتى إذا فتح سد يأجوج ومأجوج.
وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وأخذ أبناء يأجوج ومأجوج يسرعون خفافا من كل مرتفع من الجبال يشيعون الفوضى والاضطراب.
٩٧- وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ:
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الموعود به.
الْحَقُّ الذي لا بد من تحققه، وهو يوم القيامة.
فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا فإذا أبصار الذين كفروا تشخص ولا تغمض أبدا من شدة الهول.
يا وَيْلَنا يا خوفنا من هلاكنا.
قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا اليوم.
بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ لأنفسنا بالكفر والعناد.
٩٨- إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ:
وَما تَعْبُدُونَ والآلهة التي عبدتموها من غير الله.
حَصَبُ جَهَنَّمَ وقود نار جهنم.
أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ أنتم داخلون فيها معذبون بها.
٩٩- لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ:
لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً أي لو كان هؤلاء الذين عبدتموهم من دون الله آلهة تستحق أن تعبد.
ما وَرَدُوها ما دخلوا معكم جهنم.
وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ باقون فى النار.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١٠٠ الى ١٠٣]
لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (١٠٠) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (١٠٢) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣)
١٠٠- لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ:
لَهُمْ فِيها فى جهنم.
زَفِيرٌ نفس المضيق.
وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ شيئا يسرهم.
١٠١- إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ:
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أي الذين وفقناهم لاتباع الحق وعمل الخير، ووعدناهم بالعاقبة الحسنة.
أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ أولئك من جهنم وعذابها مبعدون.
١٠٢- لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ:
لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها لا يسمعون صوت فوران نارها.
وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ وهم فيما تشتهيه أنفسهم خالدون.
١٠٣- لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ:
لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ أي لا يحزنهم الهول الأكبر الذي يفزع منه الكفار.
وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ وتستقبلهم الملائكة.
هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ أي هذا يومكم الذي وعدكم ربكم النعيم فيه.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٧]
يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (١٠٤) وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥) إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (١٠٦) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧)
١٠٤- يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ:
كَطَيِّ السِّجِلِّ كطى الورقة فى الكتاب.
كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ أي نعيد الخلق الى الحساب والجزاء لا تعجزنا إعادتهم، فقد بدأنا خلقهم وكما بدأناهم نعيدهم.
وَعْداً عَلَيْنا أي وعدنا بذلك وعدا حقا.
إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ إنا كنا فاعلين دائما ما نعد به.
١٠٥- وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ:
فِي الزَّبُورِ وهو كتاب داود عليه السلام من بعد التوراة.
أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ لعمارتها وتيسير أسباب الحياة الطيبة فيها.
١٠٦- إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ:
إِنَّ فِي هذا أي إن فى هذا الذي ذكرناه من أخبار الأنبياء، مع أقوامهم.
لَبَلاغاً لكفاية فى التذكير والاعتبار.
لِقَوْمٍ عابِدِينَ يعبدون الله وحده، لا تفتنهم زخارف الدنيا.
١٠٧- وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ:
وَما أَرْسَلْناكَ أيها النبي.
إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ الا لتكون رحمة للعالمين.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١٠٨ الى ١١٢]

قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (١٠٩) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (١١٠) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (١١١) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١١٢)
١٠٨- قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ:
إِنَّما يُوحى إِلَيَّ إن رب الذي أوحى إلى:
أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ أنه لا إله الا هو لا شريك له.
فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أي فيجب أن تستسلموا وتخضعوا له وحده.
١٠٩- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ:
فَإِنْ تَوَلَّوْا فإن أعرضوا عن دعوتك.
آذَنْتُكُمْ أعلمتكم جميعا بما أمرنى به ربى.
عَلى سَواءٍ أي استوينا فى العلم.
وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ أي لا أدرى ما توعدون به من البعث والحساب، أهو قريب أم بعيد.
١١٠- إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ:
أي يعلم كل ما يقال مما تجهرون به وما تكتمون فى أنفسكم.
١١١- وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ:
لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ أي لعل إمهالكم وتأخير العذاب عنكم اختبار يمتحنكم الله به.
وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ ويمتعكم فيه بلذائذ الحياة الى حين قدره الله بحسب حكمته.
١١٢- قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ:
339
احْكُمْ احكم بينى وبين من بلغتهم الوحى.
بِالْحَقِّ بالعدل حتى لا يستوى المؤمنون والكافرون.
وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ المنعم بجلائل الأنعام.
الْمُسْتَعانُ به.
عَلى ما تَصِفُونَ على إبطال ما تزخرفون افتراءه.
340
Icon