تفسير سورة غافر

تفسير ابن عباس
تفسير سورة سورة غافر من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس .
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ ذكره ﴿حم﴾ يَقُول قضى أَو بَين مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال قسم أقسم بِهِ
﴿تَنزِيلُ الْكتاب﴾ إِن هَذَا الْقُرْآن تَنْزِيل ﴿مِنَ الله الْعَزِيز الْعَلِيم﴾ على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ الْعَلِيم بِمن آمن بِهِ وَعَن لَا يُؤمن بِهِ
﴿غَافِرِ الذَّنب﴾ لمن قَالَ لَا إِلَه إلاَّ الله ﴿وَقَابِلِ التوب﴾ لمن تَابَ من الشّرك ﴿شَدِيدِ الْعقَاب﴾ لمن مَاتَ على الشّرك ﴿ذِي الطول﴾ ذِي الْمَنّ وَالْفضل والغنى يَعْنِي ذَا الْمَنّ وَالْفضل على من آمن بِهِ وَذَا الْغنى على من لَا يُؤمن بِهِ ﴿لاَ إِلَه﴾ يفعل ذَلِك ﴿إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمصير﴾ مصير من آمن بِهِ ومصير من لم يُؤمن بِهِ
﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ الله﴾ مَا يكذب بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿إِلاَّ الَّذين كَفَرُواْ﴾ بِاللَّه أهل مَكَّة ﴿فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَاد﴾ فَلَا تغتر يَا مُحَمَّد بذهابهم ومجيئهم فى الْأَسْفَار بِالتِّجَارَة فَإِنَّهُم لَيْسُوا على شَيْء
﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ﴾ قبل قَوْمك ﴿قَوْمُ نُوحٍ﴾ نوحًا ﴿والأحزاب﴾ الْكفَّار ﴿مِن بَعْدِهِمْ﴾ من بعد قوم نوح كذبُوا الرُّسُل كَمَا كَذبك قَوْمك ﴿وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ﴾ أَرَادَ كل قوم قتل رسولهم ﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ﴾ خاصموا الرُّسُل بالشرك ﴿لِيُدْحِضُواْ بِهِ الْحق﴾ ليبطلوا بالشرك الْحق مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل ﴿فَأَخَذْتُهُمْ﴾ عاقبتهم عِنْد التَّكْذِيب ﴿فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ انْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ كَانَ عقوبتي عَلَيْهِم عِنْد التَّكْذِيب
﴿وَكَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿حَقَّتْ﴾ وَجَبت ﴿كَلِمَةُ رَبِّكَ﴾ بِالْعَذَابِ ﴿عَلَى الَّذين كفرُوا﴾ بالرسل ﴿أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّار﴾ أهل النَّار فِي الْآخِرَة
﴿الَّذين يَحْمِلُونَ الْعَرْش﴾ عرش الرَّحْمَن وَهُوَ السرير وهم عشرَة أَجزَاء من الْمَلَائِكَة الحملة ﴿وَمَنْ حَوْلَهُ﴾ من الْمَلَائِكَة ﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ بِأَمْر رَبهم ﴿وَيُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ وهم يُؤمنُونَ بِاللَّه ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ﴾ يدعونَ ﴿للَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَيَقُولُونَ ﴿رَبَّنَا﴾ يَا رَبنَا ﴿وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً﴾ مَلَأت كل شَيْء نعْمَة ﴿وَعِلْماً﴾ عَالم أَنْت بِكُل شَيْء ﴿فَاغْفِر لِلَّذِينَ تَابُواْ﴾ من الشّرك ﴿وَاتبعُوا سَبِيلَكَ﴾ دينك الْإِسْلَام ﴿وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم﴾ ادْفَعْ عَنْهُم عَذَاب النَّار
﴿رَبَّنَا﴾ يَا رَبنَا ﴿وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ مَعْدن الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ ﴿الَّتِي وَعَدْتَّهُمْ﴾ فِي الْكتاب ﴿وَمَن صَلَحَ﴾ من وحد أَيْضا ﴿مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيز﴾ فِي ملكك وسلطانك ﴿الْحَكِيم﴾ فِي أَمرك وقضائك
﴿وَقِهِمُ السَّيِّئَات﴾ ادْفَعْ عَنْهُم عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة ﴿وَمَن تَقِ السَّيِّئَات﴾ وَمن دفعت عَنهُ الْعَذَاب ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿فَقَدْ رَحِمْتَهُ﴾ غفرت لَهُ وعصمته وعظمته ﴿وَذَلِكَ﴾ الغفران وَالدَّفْع ﴿هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم﴾ النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار
﴿إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ﴾ بِاللَّه وبالكتب وَالرسل إِذا دخلُوا النَّار يَقُول كل وَاحِد مِنْهُم مَقَتك يَا نَفسِي ﴿يُنَادَوْنَ﴾ فيناديهم الْمَلَائِكَة ﴿لَمَقْتُ الله﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ الْيَوْم فِي النَّار ﴿إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَان فَتَكْفُرُونَ﴾ فتجحدون
﴿قَالُواْ﴾ يَعْنِي الْكفَّار فِي النَّار ﴿رَبَّنَآ﴾ يَا رَبنَا ﴿أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ﴾ مرَّتَيْنِ مرّة بِقَبض أَرْوَاحنَا وَمرَّة بعد مَا سَأَلنَا مُنكر وَنَكِير فِي الْقُبُور ﴿وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ مرَّتَيْنِ مرّة قبل أَن سَأَلنَا مُنكر وَنَكِير فِي الْقُبُور وَمرَّة للبعث ﴿فاعترفنا﴾ فأقررنا ﴿بِذُنُوبِنَا﴾ بشركنا وجحودنا من ذَلِك ﴿فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ﴾ رُجُوع إِلَى الدُّنْيَا ﴿مِّن سَبِيلٍ﴾ من حِيلَة فنؤمن بك يَقُول الله لَهُم
﴿ذَلِكُم﴾ الْعَذَاب فِي النَّار والمقت ﴿بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ الله وَحْدَهُ﴾ إِذا قيل لكم قُولُوا لَا إِلَه إلاَّ الله ﴿كَفَرْتُمْ﴾ جحدتم ﴿وَإِن يُشْرَكْ بِهِ﴾ الْأَوْثَان ﴿تُؤْمِنُواْ﴾ تقروا ﴿فَالْحكم لِلَّهِ﴾ فالقضاء بَين الْعباد لله حكم بالنَّار لمن كفر بِهِ ﴿الْعلي﴾ أَعلَى كل شَيْء ﴿الْكَبِير﴾ أكبر كل شَيْء
﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿آيَاتِهِ﴾ عَلَامَات وحدانيته وَقدرته وعجائبه من خراب مسَاكِن الَّذين ظلمُوا ﴿وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السمآء رِزْقاً﴾
393
مَطَرا ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ﴾ مَا يتعظ بِالْقُرْآنِ ﴿إِلاَّ مَن يُنِيبُ﴾ إِلَّا من يقبل إِلَى الله
394
﴿فَادعوا الله﴾ فاعبدوا الله ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدّين﴾ لله بِالْعبَادَة والتوحيد ﴿وَلَوْ كَرِهَ﴾ وَإِن كره ﴿الْكَافِرُونَ﴾ أهل مَكَّة
﴿رَفِيعُ الدَّرَجَات﴾ خَالق السَّمَوَات رَفعهَا فَوق كل شَيْء ﴿ذُو الْعَرْش﴾ السرير ﴿يُلْقِي الرّوح مِنْ أَمْرِهِ﴾ ينزل جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ ﴿على مَن يَشَآءُ﴾ على من يحب ﴿مِنْ عِبَادِهِ﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿لينذر﴾ ليخوف مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ ﴿يَوْمَ التلاق﴾ يَوْم يلتقي أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض وَيُقَال يَوْم يلقى الْخَالِق الْمَخْلُوق
﴿يَوْمَ هُم بَارِزُونَ﴾ خارجون من الْقُبُور ﴿لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْءٌ﴾ وَلَا من أَعْمَالهم شَيْء فَيَقُول الله بعد نفخة الْمَوْت ﴿لِّمَنِ الْملك الْيَوْم﴾ فَلَيْسَ يجِيبه أحد فَيرد على نَفسه فَيَقُول ﴿لِلَّهِ الْوَاحِد﴾ بِلَا ولد وَلَا شريك ﴿القهار﴾ لخلقه بِالْمَوْتِ الْغَالِب عَلَيْهِم
﴿الْيَوْم﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿تجزى كُلُّ نَفْسٍ﴾ برة أَو فاجرة ﴿بِمَا كَسَبَتْ﴾ من الْخَيْر وَالشَّر ﴿لاَ ظُلْمَ الْيَوْم﴾ على أحد أَي لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم ﴿إِنَّ الله سَرِيعُ الْحساب﴾ إِذا حاسب وَيُقَال شَدِيد الْعقَاب إِذا عاقب
﴿وَأَنذِرْهُمْ﴾ خوفهم يَا مُحَمَّد ﴿يَوْمَ الأزفة﴾ من أهوال يَوْم الأزفة وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة يزف بَعضهم إِلَى بعض ويسرع ﴿إِذِ الْقُلُوب لَدَى الْحَنَاجِر﴾ عِنْد الْحَنَاجِر ﴿كَاظِمِينَ﴾ مغمومين محزونين يتَرَدَّد الغيظ فِي أَجْوَافهم ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ﴾ الْمُشْركين ﴿مِنْ حَمِيمٍ﴾ من قريب يَنْفَعهُمْ ﴿وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ فيهم بالشفاعة
﴿يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الْأَعْين﴾ النظرة بعد النظرة الثَّانِيَة من الْخِيَانَة ﴿وَمَا تُخْفِي الصُّدُور﴾ مَا تضمر الْقُلُوب عِنْد النظرة الثَّانِيَة يعلم الله ذَلِك
﴿وَالله يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾ يحكم بالشفاعة لمن يَشَاء يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال يَأْمر بِالْعَدْلِ ﴿وَالَّذين يَدْعُونَ﴾ يعْبدُونَ ﴿مِن دُونِهِ﴾ من دون الله من الْأَوْثَان ﴿لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾ لَا يحكمون بِشَيْء من الشَّفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُم مقدرَة على ذَلِك وَيُقَال لَا يقضون بِشَيْء لَا يأمرون بِخَير فِي الدُّنْيَا لأَنهم صم بكم ﴿إِنَّ الله هُوَ السَّمِيع﴾ لمقالتهم ﴿الْبَصِير﴾ بهم وبأعمالهم
﴿أولم يَسِيرُوا﴾ يسافروا كفار مَكَّة ﴿فِي الأَرْض فَيَنظُرُواْ﴾ فيتفكروا ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ﴾ جَزَاء ﴿الَّذين كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ بِالْبدنِ ﴿وَآثَاراً فِي الأَرْض﴾ أَشد لَهَا طلبا وَأبْعد ذَهَابًا فِي طلبَهَا ﴿فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ﴾ فعاقبهم الله بِذُنُوبِهِمْ بتكذيبهم الرُّسُل ﴿وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ الله﴾ من عَذَاب الله ﴿مِن وَاقٍ﴾ من مَانع
﴿ذَلِك﴾ الْعَذَاب فِي الدُّنْيَا ﴿بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات ﴿فَكَفَرُواْ﴾ بالرسل وَبِمَا جَاءُوا بِهِ ﴿فَأَخَذَهُمُ الله﴾ بالعقوبة ﴿إِنَّهُ قَوِيٌّ﴾ بِأَخْذِهِ ﴿شَدِيدُ الْعقَاب﴾ لمن عاقبه
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا﴾ التسع ﴿وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ حجَّة مبينَة
﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ﴾ وَزِير فِرْعَوْن ﴿وَقَارُونَ﴾ ابْن عَم مُوسَى ﴿فَقَالُواْ﴾ لمُوسَى هَذَا ﴿سَاحِرٌ﴾ يفرق بَين الِاثْنَيْنِ ﴿كَذَّابٌ﴾ يكذب على الله
﴿فَلَمَّا جَآءَهُمْ﴾ مُوسَى ﴿بِالْحَقِّ﴾ بِالْكتاب ﴿مِنْ عِندِنَا قَالُواْ اقْتُلُوا أَبْنَآءَ الَّذين آمَنُواْ مَعَهُ﴾
394
أَي أعيدوا عَلَيْهِم الْقَتْل ﴿واستحيوا نِسَآءَهُمْ﴾ استخدموا نِسَاءَهُمْ وَلَا تقتلوهن ﴿وَمَا كَيْدُ الْكَافرين﴾ مَا صنع فِرْعَوْن وَقَومه ﴿إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ﴾ فِي خطأ
395
﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذروني أَقْتُلْ﴾ أَي اتركوني أقتل ﴿مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ الَّذِي يزْعم أَنه أرْسلهُ إِلَيّ ﴿إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ﴾ الَّذِي أَنْتُم عَلَيْهِ ﴿أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْض الْفساد﴾ يقتل أبناءكم ويستخدم نساءكم كَمَا قتلتم واستخدمتم وَيُقَال أَو أَن يظهروا فِي الأَرْض الْفساد بترك دينكُمْ وَدين آبائكم ويدخلكم فِي دينه إِن قَرَأت بِنصب الْيَاء وَالْهَاء
﴿وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ﴾ اعتصمت ﴿بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ﴾ متعظم عَن الْإِيمَان ﴿لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحساب﴾ بِيَوْم الْقِيَامَة
﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ﴾ وَهُوَ حزقيل ﴿مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ وَهُوَ ابْن عَم فِرْعَوْن ﴿يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ من فِرْعَوْن وَقَومه مائَة سنة وَيُقَال وَقَالَ رجل مُؤمن وَهُوَ حزقيل يكتم إيمَانه من آل فِرْعَوْن وَقَومه مقدم ومؤخر ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ الله﴾ أَرْسلنِي إِلَيْكُم ﴿وَقَدْ جَآءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي وعلامات النُّبُوَّة ﴿مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً﴾ فِيمَا يَقُول ﴿فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ﴾ عُقُوبَة كذبه ﴿وَإِن يَكُ صَادِقاً﴾ فِيمَا يَقُول وَقد كذبتموه ﴿يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ من الْعَذَاب فِي الدُّنْيَا ﴿إِنَّ الله لاَ يَهْدِي﴾ لَا يرشد إِلَى دينه ﴿مَنْ هُوَ مُسْرِف﴾ مُشْرك ﴿كَذَّاب﴾ كَاذِب على الله
﴿يَا قوم لَكُمُ الْملك الْيَوْم ظَاهِرِينَ﴾ غَالِبين ﴿فِي الأَرْض﴾ أَرض مصر ﴿فَمَن يَنصُرُنَا﴾ يمنعنا ﴿مِن بَأْسِ الله﴾ من عَذَاب الله ﴿إِن جَآءَنَا﴾ حِين جَاءَنَا ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ﴾ مَا آمركُم ﴿إِلاَّ مَآ أرى﴾ لنَفْسي حَقًا أَن تعبدوني ﴿وَمَآ أَهْدِيكُمْ﴾ أدعوكم ﴿إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد﴾ طَرِيق الْحق وَالْهدى
﴿وَقَالَ الَّذِي آمن﴾ يعْنى حزقيل ﴿يَا قوم إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ﴾ أعلم أَن يكون عَلَيْكُم ﴿مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَاب﴾ مثل عَذَاب الْكفَّار قبلكُمْ
﴿مِثْلَ دَأْبِ﴾ مثل عَذَاب ﴿قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ﴾ قوم هود ﴿وَثَمُودَ﴾ قوم صَالح ﴿وَالَّذين مِن بَعْدِهِمْ﴾ من الْكفَّار ﴿وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ﴾ أَن يكون مِنْهُ ظلم على الْعباد وَأَن يَأْخُذهُمْ بِلَا جرم
﴿وَيَا قوم إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ﴾ أعلم أَن يكون عَلَيْكُم الْعَذَاب ﴿يَوْمَ التناد﴾ يَوْم يُنَادي بَعْضكُم بَعْضًا ويناديكم أَصْحَاب الْأَعْرَاف وَيُقَال يَوْم الْفِرَار إِن قَرَأت مثقلة الدَّال
﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾ هاربين من عَذَاب الله ﴿مَا لَكُمْ مِّنَ الله﴾ من عَذَاب الله ﴿مِنْ عَاصِمٍ﴾ من مَانع ﴿وَمَن يُضْلِلِ الله﴾ عَن دينه ﴿فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ من مرشد غير الله
﴿وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ﴾ قَالَ لَهُم حزقيل هَذَا ﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبل مُوسَى ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي وتعبير الرُّؤْيَا وشق الْقَمِيص ﴿فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ﴾ يُوسُف ﴿حَتَّى إِذَا هَلَكَ﴾ مَاتَ
395
﴿قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ﴾ من بعد مَوته ﴿رَسُولاً كَذَلِك يُضِلُّ الله﴾ عَن دينه ﴿مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ﴾ مُشْرك ﴿مُّرْتَابٌ﴾ فِي شركه
396
﴿الَّذين يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ الله﴾ يكذبُون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿بِغَيْرِ سُلْطَانٍ﴾ حجَّة ﴿أَتَاهُمْ﴾ من الله وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه المستهزئون ﴿كَبُرَ مَقْتاً﴾ عظم بغضاً ﴿عِندَ الله﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿وَعِندَ الَّذين آمَنُواْ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿كَذَلِك﴾ هَكَذَا ﴿يَطْبَعُ الله﴾ يخْتم الله ﴿على كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ﴾ عَن الْإِيمَان ﴿جَبَّارٍ﴾ عَن قبُول الْحق وَالْهدى
(وَقَالَ فِرْعَوْن) لوزيره ﴿يَا هامان ابْن لِي صَرْحاً﴾ قصراً ﴿لعَلي أَبْلُغُ الْأَسْبَاب﴾ أصعد الْأَبْوَاب
﴿أَسْبَابَ السَّمَاوَات﴾ أَبْوَاب السَّمَوَات ﴿فَأَطَّلِعَ﴾ فَأنْظر ﴿إِلَى إِلَه مُوسَى﴾ الَّذِي يزْعم أَنه فِي السَّمَاء أرْسلهُ إليَّ ﴿وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً﴾ مَا فِي السَّمَاء من إِلَه فَلم يبن واشتغل بمُوسَى ﴿وَكَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿زين لفرعون سوء عَمَلِهِ﴾ قبح عمله ﴿وَصُدَّ عَنِ السَّبِيل﴾ صرف فِرْعَوْن عَن الْحق وَالْهدى ﴿وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ﴾ صنع فِرْعَوْن ﴿إِلاَّ فِي تَبَابٍ﴾ فِي خسار
﴿وَقَالَ الَّذِي آمن﴾ يعْنى حزقيل ﴿يَا قوم اتبعون﴾ فِي ديني ﴿أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرشاد﴾ أدعكم إِلَى الْحق وَالْهدى
﴿يَا قوم إِنَّمَا هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا مَتَاعٌ﴾ كمتاع الْبَيْت لَا يبْقى ﴿وَإِنَّ الْآخِرَة﴾ يَعْنِي الْجنَّة ﴿هِيَ دَارُ الْقَرار﴾ الْمقَام الدَّائِم لَا تَحْويل مِنْهَا
﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً﴾ فِي الشّرك ﴿فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا﴾ النَّار ﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً﴾ خَالِصا ﴿من ذكر أَو أُنْثَى﴾ من رجال أَو نسَاء ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ وَمَعَ ذَلِك مُؤمن مخلص بإيمانه ﴿فَأُولَئِك يَدْخُلُونَ الْجنَّة يُرْزَقُونَ﴾ يطْعمُون ﴿فِيهَا﴾ فِي الْجنَّة ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ بِلَا قُوَّة وَلَا هنداز وَلَا منَّة
﴿وَيَا قوم مَا لي أَدْعُوكُمْ إِلَى النجَاة﴾ إِلَى التَّوْحِيد وَهَذَا قَول حزقيل أَيْضا ﴿وتدعونني إِلَى النَّار﴾ إِلَى عمل أهل النَّار الشّرك بِاللَّه
﴿تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّه وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ﴾ أَنه شَرِيكه ولي بِهِ علم أَنه لَيْسَ لَهُ شريك ﴿وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيز﴾ إِلَى تَوْحِيد الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ ﴿الْغفار﴾ لمن آمن بِهِ
﴿لاَ جَرَمَ﴾ حَقًا ﴿أَنَّمَا تدعونني إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ﴾ مقدرَة ﴿فِي الدُّنْيَا وَلاَ فِي الْآخِرَة وَأَنَّ مَرَدَّنَآ﴾ مرجعنا ﴿إِلَى الله﴾ بعد الْمَوْت ﴿وَأَنَّ المسرفين﴾ الْمُشْركين ﴿هُمْ أَصْحَابُ النَّار﴾ أهل النَّار
﴿فَسَتَذْكُرُونَ﴾ فستعلمون يَوْم الْقِيَامَة ﴿مَآ أَقُولُ لَكُمْ﴾ فِي الدُّنْيَا من الْعَذَاب ﴿وَأُفَوِّضُ﴾ أكل ﴿أَمْرِي إِلَى الله﴾ وأثق بِهِ ﴿إِنَّ الله بَصِيرٌ بالعباد﴾ لمن آمن بِهِ وبمن لَا يُؤمن بِهِ
﴿فَوقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ﴾ فَدفع الله عَنهُ مَا أَرَادوا بِهِ من الْقَتْل ﴿وَحَاقَ﴾ نزل وَدَار ﴿بآل فِرْعَوْن﴾ بفرعون وَقَومه ﴿سوء الْعَذَاب﴾ شدَّة الْعَذَاب وَهُوَ الْغَرق
﴿النَّار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا﴾ يَقُول يعرض أَرْوَاح آل فِرْعَوْن على النَّار ﴿غُدُوّاً وَعَشِيّاً﴾ غدْوَة وَعَشِيَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة يَقُول الله لملائكته ﴿أدخلُوا آلَ فِرْعَوْنَ﴾ قومه ﴿أَشَدَّ الْعَذَاب﴾ أَسْفَل النَّار
﴿وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ﴾ يتخاصمون ﴿فِي النَّار﴾ القادة والسفلة ﴿فَيَقُولُ الضُّعَفَاء﴾ السفلة ﴿لِلَّذِينَ استكبروا﴾ تعظموا عَن الْإِيمَان يَعْنِي القادة ﴿إِنَّا كُنَّا لَكُمْ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿تَبَعاً﴾ مُطيعًا على دينكُمْ ﴿فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ﴾ حاملون ﴿عَنَّا نَصِيباً﴾ بَعْضًا ﴿مِّنَ النَّار﴾ مِمَّا علينا
﴿قَالَ الَّذين استكبروا﴾ تعظموا عَن الْإِيمَان وهم القادة للسفلة ﴿إِنَّا كُلٌّ﴾ العابد والمعبود والقادة والسفلة ﴿فِيهَآ﴾ فِي النَّار ﴿إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعباد﴾ بَين العابد والمعبود والقادة والسفلة بالنَّار وَيُقَال بَين الْمُؤمنِينَ والكافرين بِالْجنَّةِ وَالنَّار
﴿وَقَالَ الَّذين فِي النَّار﴾ إِذا اشتدت عَلَيْهِم النَّار وَقل صبرهم وَأَيِسُوا من دُعَائِهِمْ ﴿لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ﴾ للزبانية ﴿ادعوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ﴾ يرفع ﴿عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَاب﴾ بِقدر يَوْم من أَيَّام الدُّنْيَا
﴿قَالُوا﴾ يَعْنِي الزَّبَانِيَة للْكفَّار ﴿أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات وتبليغ الرسَالَة من الله ﴿قَالُواْ بلَى﴾ قد أتونا بالرسالة ﴿قَالُواْ﴾ يَعْنِي الزَّبَانِيَة لَهُم استهزاء بهم ﴿فَادعوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافرين﴾ فِي النَّار ﴿إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ﴾ فِي بَاطِل وَيُقَال وَمَا عبَادَة الْكَافرين فِي الدُّنْيَا إِلَّا فِي خطأ
﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذين آمَنُواْ﴾ بالرسل ﴿فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ بالنصرة وَالْغَلَبَة على أعدائهم ﴿وَيَوْمَ﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿يَقُومُ الأشهاد﴾ الْمَلَائِكَة ينصرونهم بالعذر وَالْحجّة والأشهاد الرُّسُل وَيُقَال هم الْحفظَة يشْهدُونَ عَلَيْهِم بِمَا عمِلُوا
﴿يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظَّالِمين﴾ الْكَافرين ﴿مَعْذِرَتُهُمْ﴾ اعتذارهم من الْكفْر ﴿وَلَهُمُ اللَّعْنَة﴾ السخط وَالْعَذَاب ﴿وَلَهُمْ سوء الدَّار﴾ النَّار
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا﴾ أعطينا ﴿مُوسَى الْهدى﴾ يَعْنِي التَّوْرَاة وآتينا دَاوُد الزبُور وَعِيسَى ابْن مَرْيَم الْإِنْجِيل ﴿وَأَوْرَثْنَا بني إِسْرَائِيلَ الْكتاب﴾ أنزلنَا على بني إِسْرَائِيل من بعدهمْ الْكتاب كتاب دَاوُد وَعِيسَى
﴿هُدىً﴾ من الضَّلَالَة ﴿وذكرى﴾ عظة ﴿لأُوْلِي الْأَلْبَاب﴾ لِذَوي الْعُقُول من النَّاس
﴿فاصبر﴾ يَا مُحَمَّد على أَذَى الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين ﴿إِنَّ وَعْدَ الله﴾ لَك بالنصرة على هلاكهم ﴿حَقٌّ﴾ كَائِن ﴿واستغفر لِذَنبِكَ﴾ لتقصير شكر مَا أنعم الله عَلَيْك وعَلى أَصْحَابك ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ وصل بِأَمْر رَبك ﴿بالْعَشي وَالْإِبْكَار﴾ غدْوَة وَعَشِيَّة
﴿إِنَّ الَّذين يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ الله﴾ يكذبُون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وهم الْيَهُود وَكَانُوا أَيْضا يجادلون مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصفة الدَّجَّال وعظمته وَرُجُوع الْملك إِلَيْهِم عِنْد خُرُوج الدَّجَّال ﴿بِغَيْرِ سُلْطَانٍ﴾ حجَّة ﴿أَتَاهُمْ﴾ من الله على مَا زَعَمُوا ﴿إِن فِي صُدُورِهِمْ﴾ مَا فِي قُلُوبهم ﴿إِلاَّ كِبْرٌ﴾ عَن الْحق ﴿مَّا هُم بِبَالِغِيهِ﴾ ببالغي مَا فِي صُدُورهمْ من الْكبر وَمَا يُرِيدُونَ من رُجُوع الْملك إِلَيْهِم عِنْد خُرُوج الدَّجَّال ﴿فاستعذ بِاللَّه﴾ يَا مُحَمَّد من فتْنَة الدَّجَّال ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع﴾ لمقالة الْيَهُود ﴿الْبَصِير﴾ بهم وبأعمالهم وبفتنة الدَّجَّال وبخروجه
﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَكْبَرُ﴾ أعظم
397
﴿مِنْ خَلْقِ النَّاس﴾ من خلق الدَّجَّال ﴿وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس﴾ يَعْنِي الْيَهُود ﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾ فتْنَة الدَّجَّال
398
﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى﴾ يَعْنِي الْكَافِر ﴿والبصير﴾ يَعْنِي الْمُؤمن بالثواب والكرامة ﴿وَالَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿وَلَا الْمُسِيء﴾ الْمُشرك بِاللَّه ﴿قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ﴾ مَا تتعظون بِقَلِيل وَلَا بِكَثِير من أَمْثَال الْقُرْآن
﴿إِن السَّاعَة﴾ قيام السَّاعَة ﴿لآيَة﴾ لكائنة ﴿لاَّ رَيْبَ فِيهَا﴾ لَا شكّ فِي قِيَامهَا ﴿وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس﴾ أهل مَكَّة ﴿لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ بِقِيَام السَّاعَة
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي﴾ وحدوني ﴿أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ أَغفر لكم وَيُقَال ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم أسمع مِنْكُم وَأَقْبل إِلَيْكُم ﴿إِنَّ الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ﴾ يتعاظمون ﴿عَنْ عِبَادَتِي﴾ عَن توحيدي وطاعتي ﴿سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخرين﴾ صاغرين
﴿الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ﴾ خلق لكم ﴿اللَّيْل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ﴾ لتستقروا فِي اللَّيْل ﴿وَالنَّهَار مُبْصِراً﴾ مطلباً مضيئاً ﴿إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ﴾ لذُو منٍّ ﴿عَلَى النَّاس﴾ أهل مَكَّة ﴿وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس﴾ أهل مَكَّة ﴿لاَ يَشْكُرُونَ﴾ بذلك وَلَا يُؤمنُونَ بِاللَّه
﴿ذَلِكُم الله رَبُّكُمْ﴾ الَّذِي يفعل ذَلِك هُوَ ربكُم فاشكروه ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ بَائِن مِنْهُ ﴿لاَّ إِلَه﴾ لَا خَالق ﴿إِلاَّ هُوَ فَأنى تُؤْفَكُونَ﴾ من أَيْن تكذبون على الله
﴿كَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿يُؤْفَكُ﴾ يكذب على الله ﴿الَّذين كَانُوا بآيَات الله﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿يَجْحَدُونَ﴾ يكفرون
﴿الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ﴾ خلق لكم ﴿الأَرْض قَرَاراً﴾ منزلا للأحياء والأموات ﴿والسمآء بِنَآءً﴾ سقفاً مَرْفُوعا ﴿وَصَوَّرَكُمْ﴾ فِي الْأَرْحَام ﴿فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ من صور الدَّوَابّ وَيُقَال أحكم صوركُمْ ﴿وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطَّيِّبَات﴾ جعل أرزاقكم أطيب وألين من رزق الدَّوَابّ وَيُقَال رزقكم من الْحَلَال ﴿ذَلِكُم الله رَبُّكُمْ﴾ الَّذِي فعل ذَلِك هُوَ ربكُم فاشكروه ﴿فَتَبَارَكَ الله﴾ ذُو بركَة ﴿رَبُّ الْعَالمين﴾ رب كل ذِي روح دب على وَجه الأَرْض
﴿هُوَ الْحَيّ﴾ الَّذِي لَا يَمُوت ﴿لاَ إِلَه﴾ يفعل ذَلِك ﴿إِلاَّ هُوَ فَادعوهُ﴾ فوحدوه ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدّين﴾ مُخلصين لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد ﴿الْحَمد لِلَّهِ﴾ الشُّكْر لله والربوبية لله ﴿رَبِّ الْعَالمين﴾ رب كل ذِي روح دب على وَجه الأَرْض
﴿قُلْ﴾ لأهل مَكَّة يَا مُحَمَّد حِين قَالُوا لَهُ ارْجع إِلَى دين آبَائِك ﴿إِنِّي نُهِيتُ﴾ فِي الْقُرْآن ﴿أَنْ أَعْبُدَ الَّذين تَدْعُونَ﴾ تَعْبدُونَ ﴿مِن دُونِ الله﴾ من الْأَوْثَان ﴿لَمَّا جَآءَنِيَ الْبَينَات﴾ حِين جَاءَنِي الْبَيَان ﴿مِن رَّبِّي﴾ بِأَن الله وَاحِد لَا شريك لَهُ ﴿وَأُمِرْتُ﴾ فِي الْقُرْآن ﴿أَنْ أُسْلِمَ﴾ أَن استقيم على الْإِسْلَام ﴿لِرَبِّ الْعَالمين﴾ رب كل ذِي روح دب على وَجه الأَرْض
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ﴾ من آدم وآدَم من تُرَاب ﴿ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ ثمَّ خَلقكُم من نُطْفَة آبائكم ﴿ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ﴾ من دم عبيط ﴿ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ﴾ من بطُون أُمَّهَاتكُم ﴿طِفْلاً﴾ صغَارًا ﴿ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ﴾ مَا بَين ثَمَان عشرَة سنة إِلَى ثَلَاثِينَ سنة ﴿ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً﴾ بعد الأشد ﴿وَمِنكُمْ مَّن يتوفى﴾ تقبض روحه
398
﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبل الْبلُوغ والشيخوخة ﴿ولتبلغوا أَجَلاً مُّسَمًّى﴾ مَعْلُوما مُنْتَهى آجالكم ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ لكَي تصدقوا بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت
399
﴿هُوَ الَّذِي يحيي﴾ الْبَعْث ﴿وَيُمِيتُ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿فَإِذَا قضى أَمْراً﴾ فَإِذا أَرَادَ أَن يخلق ولدا بِلَا أَب مثل عِيسَى ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ﴾ ولدا بِلَا أَب وَيُقَال فَإِذا قضى أمرا فَإِذا أَرَادَ أَن تكون الْقِيَامَة فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ للقيامة كن فَتكون بَين الْكَاف وَالنُّون قبل أَن تتصل الْكَاف مَعَ النُّون فَيكون
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ألم تخبر يَا مُحَمَّد فِي الْقُرْآن ﴿إِلَى الَّذين﴾ عَن الَّذين ﴿يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ الله﴾ يكذبُون بِالْقُرْآنِ ﴿أَنى يُصْرَفُونَ﴾ بِالْكَذِبِ فَكيف يكذبُون على الله
﴿الَّذين كَذَّبُواْ بِالْكتاب﴾ بِالْقُرْآنِ ﴿وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا﴾ من الْكتب ﴿فَسَوْفَ﴾ وَهَذَا وَعِيد لَهُم ﴿يَعْلَمُونَ﴾ يَوْم الْقِيَامَة مَاذَا يفعل بهم
﴿إِذِ الأغلال فِي أَعْنَاقِهِمْ﴾ أغلال الْحَدِيد فِي أَيْمَانهم ﴿والسلاسل﴾ فِي أَعْنَاقهم مَعَ الشَّيَاطِين ﴿يُسْحَبُونَ﴾
﴿فِي الْحَمِيم﴾ يجرونَ فِي النَّار ﴿ثُمَّ فِي النَّار يُسْجَرُونَ﴾ يوقدون
﴿ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ﴾ تَقول الزَّبَانِيَة ﴿أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ﴾ تَعْبدُونَ
﴿مِن دُونِ الله﴾ وتقولون إِنَّهُم شُرَكَاء الله ﴿قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا﴾ اشتغلوا عَنَّا بِأَنْفسِهِم ثمَّ جَحَدُوا ذَلِك وَقَالُوا ﴿بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ﴾ نعْبد ﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبل هَذَا ﴿شَيْئاً﴾ من دون الله ﴿كَذَلِك﴾ هَكَذَا ﴿يُضِلُّ الله الْكَافرين﴾ عَن الْحجَّة
﴿ذَلِكُم﴾ الْعَذَاب فِي النَّار ﴿بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ﴾ تبطرون ﴿فِي الأَرْض بِغَيْرِ الْحق﴾ بِلَا حق ﴿وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ﴾ تتكبرون فِي الشّرك
﴿ادخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ﴾ مقيمين ﴿فِيهَا﴾ لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا ﴿فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين﴾ منزل الْكَافرين النَّار
﴿فاصبر﴾ يَا مُحَمَّد على أَذَى الْكفَّار ﴿إِنَّ وَعْدَ الله﴾ بالنصرة لَك على هلاكهم ﴿حَقٌّ﴾ كَائِن ﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾ من الْعَذَاب يَوْم بدر ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾ قبل أَن نريك ﴿فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ بعد الْمَوْت إِن رَأَيْت عَذَابهمْ أَو لم تَرَ
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ﴾ إِلَى قَومهمْ ﴿مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ﴾ من الرُّسُل من سميناهم لَك لتعلمهم ﴿وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ لم نسمهم لَك لَا تعلمهمْ ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ﴾ بعلامة ﴿إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ بِأَمْر الله وَذَلِكَ حِين طلبُوا من النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة ﴿فَإِذَا جَآءَ أَمْرُ الله﴾ وَقت عَذَاب الله فِي الْأُمَم الْمَاضِيَة ﴿قُضِيَ بِالْحَقِّ﴾ عذبُوا بِالْحَقِّ وَيُقَال قضى يَوْم الْقِيَامَة بِالْعَدْلِ بَين الرُّسُل والأمم ﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ﴾ غبن عِنْد ذَلِك ﴿المبطلون﴾ الْكَافِرُونَ
﴿الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ﴾ خلق لكم ﴿الْأَنْعَام لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ من لحومها تَأْكُلُونَ
﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾ من أَلْبَانهَا وأصوافها ﴿وَلِتَبْلُغُواْ﴾ لكَي تَطْلُبُوا ﴿عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ﴾ فِي قُلُوبكُمْ ﴿وَعَلَيْهَا﴾ على ظُهُورهَا فِي الْبر ﴿وَعَلَى الْفلك﴾ على السفن فِي الْبَحْر ﴿تُحْمَلُونَ﴾ تسافرون
﴿وَيُرِيكُمْ﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿آيَاتِهِ﴾ عجائبه الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَاللَّيْل وَالنَّهَار وَالْجِبَال والسحاب والبحار وَغير ذَلِك وكل هَذَا من آيَات الله ﴿فَأَيَّ آيَاتِ الله﴾ أَي فَبِأَي آيَات الله ﴿تُنكِرُونَ﴾ تجحدون أَنَّهَا لَيست من الله
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ﴾ يسافروا كفار مَكَّة ﴿فِي الأَرْض فَيَنظُرُواْ﴾ ويتفكروا ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ﴾ جَزَاء ﴿الَّذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ كَيفَ أهلكناهم عِنْد تكذيبهم الرُّسُل ﴿كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ﴾ من أهل مَكَّة فِي الْعدَد ﴿وَأَشَدَّ قُوَّةً﴾ بِالْبدنِ ﴿وَآثَاراً فِي الأَرْض﴾ أَشد لَهَا طلبا وَأبْعد ذَهَابًا ﴿فَمَآ أغْنى عَنْهُم﴾ من عَذَاب الله ﴿مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ يَقُولُونَ ويعملون فِي دينهم
﴿فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿فَرِحُواْ﴾ عجبوا ﴿بِمَا عِنْدهم من الْعلم﴾ الَّذين وَالْعَمَل وَكَانَ ذَلِك مِنْهُم ظنا بِغَيْر يَقِين ﴿وَحَاقَ﴾ نزل وَدَار ﴿بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يستهزؤون﴾ عُقُوبَة استهزائهم بالرسل
﴿فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا﴾ عذابنا لهلاكهم ﴿قَالُوا آمَنَّا بِاللَّه وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ﴾ بِاللَّه ﴿مُشْرِكِينَ﴾ وَهَذَا بِاللِّسَانِ دون الْقلب عِنْد مُعَاينَة الْعَذَاب
﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا﴾ عذابنا لهلاكهم فالإيمان عِنْد المعاينة لَا ينفع وَقبل ذَلِك ينفع وَكَذَلِكَ التَّوْبَة ﴿سُنَّةَ الله﴾ هَكَذَا سيرة الله ﴿الَّتِي قَدْ خَلَتْ﴾ مَضَت ﴿فِي﴾ على ﴿عِبَادِهِ﴾ بِالْعَذَابِ عِنْد التَّكْذِيب وَيرد الْإِيمَان وَالتَّوْبَة عِنْد المعاينة ﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ﴾ غبن بالعقوبة عِنْد المعاينة ﴿الْكَافِرُونَ﴾ بِاللَّه
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا السَّجْدَة وهى كلهَا مَكِّيَّة
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
Icon