تفسير سورة النّور

جهود القرافي في التفسير
تفسير سورة سورة النور من كتاب جهود القرافي في التفسير .
لمؤلفه القرافي . المتوفي سنة 684 هـ

٨٩٦- خصص الصحابة عموم قوله تعالى :﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ بما تواتر عنه عليه السلام أنه رجم المحصن١ وهو فعل. ( العقد : ٢/٣٩٤. وشرح التنقيح : ٢٠٧ )
٨٩٧- حديث الرجم مقيد للحالة المطلقة لا مخصصا لعموم آية الزنا، فإن الآية إنما اقتضت جلد كل زان وزانية في حالة وهي حالة عدم الإحصان. فالعموم باق على عمومه. ( العقد : ٢/٣٩٥ ).
٨٩٨- قوله تعالى :﴿ ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ﴾ :
القاعدة : أن النهي لا يرد إلا فيما يمكن كسبه جلبا ودفعا، وأن ما لا يمكن اكتسابه جلبا ولا دفعا إذا رد طلب جلبه أو دفعه بالأمر أو النهي يتعين صرف ذلك إما إلى ثمرته أو إلى سببه.
فما يتعين صرفه لثمرته قوله تعالى :﴿ ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ﴾ مع أن الرأفة تهجم على القلب قهرا عند وجود أسبابها، فلا يمكن اجتنابها. فقال ابن عباس رضي الله عنهما لأجل هذا : " معناه : لا تنقصوا الحد "، أن تنقيص الحد هو ثمرة الرأفة والرقة، فلما تعذر النهي عن الرأفة تعين صرفه لثمرتها. ( الاستغناء : ٥٣٢- ٥٣٣. والفروق : ٢/١٩ ).
* قوله تعالى :﴿ وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ﴾ :
٨٩٩- يقتضي أن المأمور هاهنا غير معين.
والجواب عنه : أن الأمر متوجه على الجميع بالحضور عند حد الزناة حتى يفعل ذلك طائفة من المؤمنين، فيسقط الأمر عن الباقين. وهذا ليس مأخوذا من اللفظ، بل من القاعدة الإجماعية التي تقدمت. ٢ ( الفروق : ٢/١٨ ).
٩٠٠- في الجلاب : " ينبغي إحضار حد الزناة وطائفة من المؤمنين الأحرار العدول، أربعة فصاعدا، وكذلك السيد في عبده وأمته " ٣ لقوله تعالى :﴿ وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ﴾. ( الذخيرة : ١٢/٨٧ ).
٩٠١- في الجواهر : " يحضر أربعة فأكثر٤ لقوله تعالى في الزنا :﴿ وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ﴾ فيحضرون هاهنا بجامع التغليظ، ولأن قطع الأسباب وفساد الأعراض أمر عظيم، فيغلظ في سببه " ٥. ( نفسه : ٤/٣٠٥ ).
٩٠٢- في الكتاب : " يضرب في الحدود كلها على الظهر. ويجرد في الحد والنكال من الثياب، ويقعد ولا يقام ولا يمد. وتقعد المرأة، لا تجرد مما لا يقيها الضرب لأنه السنة٦ في الغامدية وغيرها، وينزع ما يقيها كاللبد ونحوه. وأعجب مالكا أن تجعل في القفة بالستر " ٧.
وصفة الجلد في الحدود والتعزير واحد، لا مبرح ولا خفيف. ولا يجزئ في الحد قضيب، ولا شراك ولا درة، بل السوط. ودرة عمر رضي الله عنه إنما كانت للتأديب. وكان يجلد بالسوط. ( نفسه : ١٢/٨٠ ).
١ - الحديث خرجه البخاري في صحيحه، كتاب المحاربين، باب: الاعتراف بالزنا. كما خرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنا..
٢ - ذكر القرافي هذه القاعدة في الفرق الثاني والخمسين ين قاعدة خطاب غير المعين وقاعدة الخطاب بغير المعين: الفروق: ٢/١٦-١٧..
٣ - ن: التفريع: ٢/٢٢٤..
٤ - أي: في الملاعنة..
٥ - ن: الجواهر الثمينة بتصرف: ٢/٢٤٧..
٦ - روي عن علي موقوفا: "يضرب الرجل قائما والمرأة قاعدة في الحد". ن: السنن الكبرى للبيهقي: ٨/٣٢٧. والدراية في تخريج أحاديث الهداية لابن حجر: ٢/٩٨..
٧ - ن: المدونة: ٤/٤٨٩ بتصرف. والمنتقى: ٧/١٤٢..
٩٠٣- وفيه من الأسئلة : هل هذه الحصور باقية أو نسخت أو خصصت أم لا ؟ وما المستثنى وما المستثنى منه في المعنى وفي اللفظ ؟.
والجواب : أن هذه الآية فيها أربعة تأويلات :
الأول : روي عن ابن عباس وأصحابه رضوان الله عليهم أن النكاح في هذه الآية المراد به الوطء دون العقد١.
ومقصود الآية التنفير من الزنا بذكر سوء حاله وما فاعله مشبه به فيه، وأنه محرم على المؤمنين كما في أول السورة، فأعيدت القصة مبالغة في المعنى وتأكيدا في التنفير منه، ومعناه : " الزاني المسلم لا يطأ وقت زناه إلا زانية من المسلمات أو أخس منها من المشركات، والزانية لا ينكحها إلا زان من المسلمين أو أخس منه وهو المشرك "، وذلك كله منفر عن الزنا كما قال الشاعر :
إذا سقط الذباب على شراب***سأتركه ونفسي تشتهيه.
فإذا كان هذا الفعل لا يباشره إلا أراذل أخسة، نفر منه ذوو المروءات والأنفاث، لا سيما أرباب الديانات والمخافة من الله تعالى.
وأنكر الزجاج هذا وقال : " لا يرد النكاح في كتاب الله تعالى إلا بمعنى التزويج ". وكل نكاح في كتاب الله تعالى فالمراد به العقد إلا في قوله تعالى :﴿ حتى تنكح زوجا غيره ﴾٢ فالمراد به الوطء للسنة الواردة في ذلك.
الثاني : أن تكون الآية نزلت في قوم مخصوصين. قال ابن عمر وابن عباس أيضا وأصحابه. قالوا : " هم قوم كانوا يزنون في الجاهلية ببغايا مشهورات، فلما أسلموا لم يمكنهم الزنا فأرادوا لفقرهم زواج تلك النسوة لأنه كانت عادتهن الإنفاق على من يتزوجهن، فسمي هؤلاء الأزواج زناة باعتبار ما كانوا عليه في الجاهلية " ٣.
وقوله :﴿ لا ينكح ﴾ أي : لا يتزوج، وفي الآية على هذا التأويل تفجع عليهم وتوبيخ لهم على قلت همتهم وخساسة نفوسهم التي لم تنفر عن زواج زانية أو مشركة.
ويرد على هذا التأويل انعقاد الإجماع على أن الزانية لا يجوز أن يتزوجها مشرك ؛ حكى هذا الإجماع ابن عطية وغيره.
ثم قوله تعالى :﴿ وحرم ذلك على المؤمنين ﴾ أي : نكاح أولئك البغايا. أهل هذا التأويل يقولون : " إن أولئك البغايا محرمات على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهن نسوة معدودة معروفات بأسمائهن كن في المواخير– والمواخير جمع مأخور، وهو الموضع الذي كانت الجاهلية تؤخر فيه فتياتهم لهذا الغرض-.
والثالث : قاله الحسن أن المراد : الزاني المحدود والزانية المحدودة، فلا يجوز لزان محدود أن يتزوج إلا محدودة. وروي أن محدودا تزوج بغير محددة فرد علي بن أبي طالب رضين الله عنه نكاحها.
وقوله تعالى :﴿ وحرم ذلك على المؤمنين ﴾ يريد : الزنا. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا ينكح الزاني المحدود إلا مثله " ٤. وضعف الرواة هذا الحديث. ثم إدخال المشرك في هذه الآية يرده، وألفاظ الآية ترد هذا التأويل.
الرابع : قول ابن المسيب، قال : " هو حكم في الزناة عامة، وكن حراما على غير الزاني، ثم نسخ ذلك ورخص فيه بقوله تعالى :﴿ وأنكحوا الأيامى منكم ﴾٥، وقاله مجاهد، غير انه قال : التحريم في أولئك النفر من الزناة خاصة لا في زناة عامة، غير أن ذكر المشرك يبقى يرد على ذلك ".
ويمكن أن يقال : أنه حكم كان ونسخ، غير أني لا أنقله في إباحة مسلمة لمشرك في وقت من الأوقات، لا منسوخا ولا غير منسوخ. ويحتمل أن يكون لفظ الشرك استعمل مجازا فيما يوجب تفويت النفس ؛ لأن الشرك يوجب تفويت النفس كما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة " ٦ فعبر بالشرك عن كونه يقتل بترك الصلاة كما يقتل بالشرك، فيكون من مجاز التعبير بالسبب الذي هو الشرك عن المسبب الذي هو تفويت النفس. وعلى هذا يكون المراد بالمشرك المحصن الذي يفوت نفسه بالرجم، وبالزاني المذكور معه الزاني البكر. ويحتمل أن يكون عبر بالمشرك عن من كثر زناؤه وإعراضه عن ربه تعالى، حتى صار به سوء صنيعه إلى الزنا كما قال عليه السلام حكاية عن الله تعالى : " أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته لشريكي " ٧. يشير إلى الزناء فيكون المشرك على هذا حقيقة لغوية مجازا شرعيا، لاشتهار المشرك في الشرع في الكافر ويكون المراد بالزاني المذكور معه، الزاني الذي لم يصل إلى هذه الرتبة بل ابتلي بالزنا فقط من غير رياء، ولا تقحم هذه المعاصي التي هي غير الزنا.
وأما المشركة فلا حاجة إلى تأويلها ؛ فإنها مباحة للمسلم والكافر إن كان شركها وهي كتابية، وإن كان المراد عموم المشرك حتى تندرج الوثنية اندرجت في الأشكال لتحريمها على المسلم.
إذا تقررت هذه التأويلات، فالآية على التأويل الأول محكمة، لا نسخ فيها ولا تخصيص أيضا، بل هي عامة، وفيها مجازات :
أحدها : التعبير بلفظ الخبر عن النبي فإن لفظها لفظ الخبر والمراد التنفير من الزنا، وهذا نهي، ويدخلها أيضا مجاز شرعي لاشتهار النكاح في العقد شرعا.
وعلى التأويل الثاني : تدخلها مجازات : أحدها : التخصيص وهو التعبير بصيغة العموم عن قوم مخصوصين. وثانيها : مجاز التعبير بلفظ الخبر عن النهي ؛ لأن المراد أيضا التنفير من تلك الحالة في سقوط الهمة. وثالثها : تسمية الزاني باعتبار ما كان عليه، وهو الآية قد وطئ بعقد صحيح ولا نسخ في الآية أيضا.
وعلى التأويل الثالث مجازان، أحدهما : التخصيص، فإنه عبر بلفظ الزناة العام عن المحدودين دون غيرهم. وثانيهما : التعبير بلفظ الخبر عن النهي، فإن المراد على هذا التأويل تحريم المحدودة والمحدود عل غيرهما إلى يوم القيامة من غير نسخ.
وفي التأويل الرابع يدخل النسخ دون التخصيص، ومجاز واحد وهو التعبير عن لفظ الخبر عن التحريم المنسوخ.
فهذا تقرير هذا الموضع.
وأما المستثنى والمستثنى منه، ففي صدر الآية من المفاعيل وقع الاستثناء فيها. فالمستثنى والمستثنى منه مفاعيل في اللفظ والمعنى، وفي آخر الآية المستثنى والمستثنى منه فاعلون في اللفظ والمعنى. ( الاستغناء : ٢٢٧ إلى ٢٣١ ).
٩٠٤- قال ابن يونس : قال ابن حبيب : لا يجوز نكاح الزانية المجاهرة لقوله تعالى :﴿ والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ﴾ ويستحب مفارقتها إن كانت زوجة إلا أن يبتلى بحبها لقوله عليه السلام لما قال له الرجل : " إن امرأتي لا ترد يد لامس. قال : قال : فارقها. قال : إني أحبها. قال : أمسكها " قال عليه السلام خشية أن يزني بها. خرجه مسلم٨. قال وما علم من ذلك استبرأه بثلاث حيض في الحرة، وحيضة في الأمة.
وكره مالك نكاح الزانية من غير تحريم، إما لأن النكاح في الآية المراد به الوطء على وجه الزنا، لأن الأصل في الاستعمال الحقيقة كما روي عن ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهما٩ أو لأنها منسوخة بقوله تعالى :﴿ وأنكحوا الأيامى منكم ﴾١٠ قاله ابن المسيب١١. ( الذخيرة : ٤/٢٥٩ ).
١ - ن: تفسير ابن كثير: ٣/٤٢١..
٢ - سورة البقرة: ٢٣٠..
٣ - ن: بعض الروايات الواردة في هذا الموضوع في تفسير ابن كثير: ٣/٤٢١- ٤٢٢..
٤ - خرجه أبو داود في سننه: ٢/٢٢٠..
٥ سورة النور: ٣٢..
٦ - خرجه أصحاب الكتب الستة، أغلبها ورد بلفظ: "بين العبد والكفر ترك الصلاة، ن: صحيح مسلم كتاب الإيمان ح: ١١٦ سنن الترمذي: كتاب الإيمان ح: ٢٥٤٣. سنن أبي داود: كتاب السنة ح: ٤٠٥٨....
٧ - أخرجه مسلم في صحيحه وابن ماجة في سننه، وقال المنذري: إسناد ابن ماجة رجاله ثقاة. ن: فيض القدير: ٤/٤٨٣..
٨ - الحديث خرجه النسائي في سننه، كتاب النكاح، باب تزويج الزانية. عن ابن عباس. ولم يروه مسلم كما قال المؤلف..
٩ - ن: تفسير ابن كثير: ٣/٤٢١..
١٠ - سورة النور: ٣٢..
١١ - عن محمد بن الحسن قال: أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب في قول الله عز وجل: ﴿الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك﴾ قال: سمعته يقول: إنها قد نسخت بالآية التي بعدها. ثم قرأ: ﴿وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم﴾ ن: الموطأ برواية محمد بن الحسن: ٣٤٤. ح: ١٠٠٤ باب التفسير وعلق ابن العربي عليه بقوله: "قد بينا في القسم الثاني من (الناسخ والمنسوخ) من علوم القرآن أن هذا ليس بنسخ، وإنما هو تخصيص عام وبيان لمجمل كما تقتضيه الألفاظ وتوجيه الأصول من فسر النكاح بالوطء وبالعقد وتركيب المعنى عليه. والله أعلم". ن: أحكام القرآن: ٣/١٣٣١- ١٣٣٢..
٩٠٥- أمر بجلدهم عند عدم البينة وإن علم صدقهم. ( الفروق : ٤/٤٥. والذخيرة : ١٠/٩٢ ).
٩٠٦- قاعدة : مقابلة الجمع بالجمع في اللغة، تارة تتنوع الأفراد على الأفراد نحو : " الدنانير للورثة ". وتارة أحد الجمعين لكل فرد من الجمع الآخر. نحو : " الثمانون جلدة للقذف ". وتارة يثبت الجمع ولا يحكم على الأفراد، نحو : " الحدود للجنايات " إذا قصد أن المجموع للمجموع. إذا اختلفت أحوال المقابلة بطل كونه حقيقة في أحدهما ليلا يلزم الاشتراك أو المجاز، وبطل تخيل من اعتقد أن قوله تعالى :﴿ والذين يرمون المحصنات ﴾ يقتضي أن قذف الجماعة له حد واحد، لأنه قابل " الذين " وهو جمع بالمحصنات، وهو جمع، فيحصل أن الجميع إذا رمى الجميع يجب : ثمانون فقط. خالفنا ذلك في قذف الجمع للجمع، والواحد يبقى على مقتضاه في قذف الواحد للجمع، قاله الطرطوشي١ غيره، فيمنع كون ذلك مقتضاه. ( الذخيرة : ١٢-٤٢١ ).
٩٠٧- قوله تعالى :﴿ ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الفاسقون ﴾، المشهور عندنا قبول شهادة القاذف قبل جلده وإن كان القذف كبيرة، وقاله أبو حنيفة رضي الله عنه، وردها عبد الملك ومطرف والشافعي وابن حنبل رضي الله عنهم٢.
لنا : أنه قبل الجلد غير فاسق لأنه ما لم يفرغ من جلده يجوز رجوع البينة أو تصديق المقذوف له، فلا يتحقق الفسق إلا بعد الجلد، والأصل استصحاب العدالة والحالة السابقة.
احتجوا بوجوه :
الأول : أن الآية اقتضت ترتيب الفسق على القذف، وقد تحقق القذف فيتحقق الفسق سواء جلد أم لا.
الثاني : أن الجلد فرع ثبوت الفسق، فلو توقف الفسق على الجلد لزم الدور.
الثالث : أن الأصل عدم قبول الشهادة إلا حيث تيقن العدالة ولم تيقن هنا، فترد
والجواب عن الأول : أن الآية اقتضت صحة ما ذكرناه وبطلان ما ذكرتموه لأن الله تعالى قال :﴿ فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ﴾ فرتب الشهادة والفسق على الجلد، وترتيب الحكم على الوصف يدل على علية ذلك الوصف لذلك الحكم، فيكون الجلد هو السبب المفسق، فحيث لا جلد لا فسوق، وهو مطلوبنا أو عكس مطلوبكم.
وعن الوجه الثاني : أن الجلد فرع ثبوت الفسق ظاهرا ظهورا ضعيفا لجواز رجوع البينة أو تصديق المقذوف، فإذا أقيم الجلد قوي الظهور بإقدام البينة وتصميمها على أذيته، وكذلك المقذوف. وحينئذ نقول : إن مدرك رد الشهادة إنما هو الظهور القوي لأنه المجمع عليه، والأصل بقضاء العدالة السابقة.
قال الباجي : " قال القاضي أبو إسحاق والشافعي : لابد في توبة القاذف من تكذيبه لنفسه، لأنها قضينا بكذبه في الظاهر لما فسقناه، فلو لم يكذب نفسه لكان مصرا على الكذب الذي فسقناه لأجله في الظاهر " ٣.
وعليه إشكالان :
أحدهما : أنه قد يكون صادقا في قذفه، فتكذيبه لنفسه كذب، فكيف تشترط المعصية في التوبة هي ضدها، ونجعل المعاصي سبب صلاح العبد قبول شهادته ورفعته ؟.
وثانيهما : أنه إن كان كاذبا في قذفه فهو فاسق، أو صادق فهو عاص، لأن تعبير الزاني بزناه معصية فكيف ينفعه تكذيب نفسه مع كونه عاصيا بكل حال ؟
والجواب عن الأول : أن الكذب لأجل الحاجة جائز كالرجل مع امرأته ؛ وللإصلاح بين الناس. وهذا التكذيب فيه مصلحة الستر على المقذوف، وتقليل الأذية والفضيحة عند الناس، وقبول شهادته في نفسه وعوده إلى الولاية التي يشترط فيه العدالة وتصرفه في أموال أولاده وتزوجه لمن يلي عليه وتعرضه للولايات الشرعية.
وعن الثاني : أن تعيير الزاني بزناه صغيرة لا تمنع الشهادة. قال مالك : " لا يشترط في قبوله توبته ولا قبول شهادته تكذيبه لنفسه، بل صلاح حاله بالاستغفار والعمل الصالح كسائر الذنوب " ٤. ( الفروق : ٤/٦٩-٧٠. والذخيرة : ١٠/٢١٩-٢٢٠ ).
٩٠٨- قال مالك وأكثر أصحابه وأبو حنيفة : " إن شهادة القاذف جائزة حتى يحد، لأن الله تعالى قال :﴿ ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ﴾ فرتب عدم القبول على عدم الإتيان بالشهادة. وإذا لم يحد فهل تتأتى منه إقامة الشهادة ؟ وقال الشافعي وعبد الملك : لا تقبل، لأنه قبل الحد شر منه بعده، لأن الحد كفارة له. وإذا تاب قبلت عند مالك ومنعها أبو حنيفة٥ لقوله تعالى :﴿ ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ﴾. ( الذخيرة : ١٢/١١٧ ).
١ - هو محمد بن الوليد بن محمد بن خلف بن سليمان بن أيوب الفهري المعروف بالطرطوشي، أبو بكر (ت: ٤٧٤هج) من كتبه: "الحوادث والبدع" و"رسالة في تحريم جبن الروم " و"اختصار الكشف والبيان عن تفسير القرآن" وغيرها. ن: الديباج ٢/٢٤٤- ٢٤٨. وشجرة النور: ١٢٤-١٢٥..
٢ - قال ابن رشد: "قال مالك: تجوز شهادته، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا تجوز شهادته أبدا..." بداية المجتهد: ٦/١٤١..
٣ - ن: المنتقى: ٥/٢٠٧- ٢٠٨. بتصرف..
٤ - ن: الموطأ: ١٢/٧٢١. كتاب الأقضية، باب: القضاء في شهادة الحدود..
٥ - ن: بداية المجتهد: ٦/١٤١..
٩٠٩- الاستثناء في قوله تعالى :﴿ إلا الذين تابوا ﴾ على التفسيق دون قبول الشهادة وهو باطل لأن سبب الرد التفسيق، إذا زال قبلت. ( الذخيرة : ١٢/١١٧ ).
٩١٠- قال أشهب : " من ظهرت توبته، جازت شهادته حد في قذف أو غيره من الحدود، لقوله تعال :﴿ إلا الذين تابوا ﴾١. ".
وقال ابن القاسم وأشهب وسحنون : " لا ترد شهادة القاذف حتى يجلد، وبقبول شهادة القاذف إذا تاب قاله الشافعي وابن حنبل. وقال أبو حنيفة بعدم قبولها٢ ".
لنا : قوله تعالى :﴿ إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ﴾٣ الآية، فدل ذلك أن العدل لا يتبين في خبره، ويقبل، وهذا عدل، وقوله تعالى :﴿ واستشهدوا شهيدين من رجالكم ﴾٤ وقال أيضا :﴿ وأشهدوا ذوي عدل ﴾٥ ولم يفرق. وقوله تعالى :﴿ إن الله يحب التوابين ﴾٦ ومن أحبه الله تعالى فهو عدل. والاستثناء في آيات القذف يدل على ذلك، وإجماع الصحابة، فإن الذين شهدوا على المغيرة٧ بالزنى جلدهم عمر رضي الله عنه، ثم قال لهم بعد ذلك : " توبوا تقبل شهادتكم " فتاب منهم اثنان فقبل شهادتهما، وقال لأبي بكرة٨ : " تب تقبل شهادتك، وهو يقول : لا أتوب " ٩ ولم يخالفه أحد١٠، فكان إجماعا منهم.
ثم القاذف إذا قذف فحد، ثم أسلم قبلت شهادته، فكذلك المسلم، وجميع الحدود إذا تاب جناتها قبلوا، وهي أعظم من القذف كالزنى إجماعا. والحد مطهر فيجب القبول، والحد استيفاء حق، فلا يبقى مانع من القبول.
احتجوا بقوله تعالى :﴿ ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ﴾ ولم يفرق، لأنه خصص بهذا، فلو أنه يقبل إذا تاب، وسائر المعاصي كذلك، لم يبق في التخصيص فائدة، ولأن الجلد لا يرتفع بالتوبة، فكذلك رد الشهادة، ولأن الاستثناء في الآية يجب عوده على آخره في الآية، وهي قوله تعالى :﴿ وأولئك هم الفاسقون ﴾ صونا للكلام عن الإبطال، فيبقى قوله تعالى :﴿ ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ﴾ على حاله، وأصل مالك : عود الجملة الأخيرة فلم ينقض أصله هاهنا.
والجواب عن الأول : أنا نخصص التأبيد بحالة عدم التوبة لأنه فسق.
وعن الثاني : أن فائدة التخصيص ثبوت الحكم في الزنى، وغيره بطريق الأولى، لأن القذف أخفض رتبة منها، فإذا ردت الشهادة فأولى بغيره.
وعن الثالث : أن الحد حق كأخذ المال والقصاص، فكما لا يسقط رد المال في الحرابة وغيرها بالتوبة، فكذلك الحدود ( لا شهادة إنما هو اهتضام والحار عن تعظم الله تعالى )١١، والحوبة، تمحوها التوبة، فتقبل شهادته.
وعن الرابع : أن العلة في أحكام هذه المسائل واحدة، وهي القذف، وقبح الجناية، فإذا زال ذلك بالتوبة، وحسنت حاله مع الله تعالى زالت تلك الأحكام كلها لزوال سببها المتحد إلا الحد لكونه لا يزول لما تقدم، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الغامدي : " لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " ١٢ فأخبر عن عظيم توبتها، ومع ذلك رجمها، فعلم بأن الحدود لا تسقط بالتوبة إلا الحرابة لكون الحد فيه تنكيلا، ولا تنكيل مع التوبة، وهو في غيرها إن وقع قبل التوبة هو تنكيل، أو بعدها فتطهير. وهو الجواب عن مخالفتنا لأصلنا. ( نفسه : ١٠/٢١٧-٢١٨ ).
١ - وهو مذهب مالك. ن: المدونة: ٤/٢٣..
٢ - ن: بداية المجتهد: ٦/١٤١..
٣ - سورة الحجرات: ٦..
٤ - سورة البقرة: ٢٨٢..
٥ - سورة الطلاق: ٢..
٦ - سورة البقرة: ٢٢٢..
٧ - هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود، الثقفي يكنى أبا عبد الله، وقيل: أبو عيسى. أسلم عام الخندق، وشهد الحديبية، (ت: ٥٠هج) ن: سيرة ابن هشام: ١/٣١٣. وجمهرة أنساب العرب لابن حزم: ٢٦٧..
٨ - هو نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو، الثقفي، وهو ممن نزل يوم الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصن الطائف في "بكرة" فأسلم (ت: ٥١ هج) ن: أسد الغابة: ٥/٣٨-٣٩..
٩ - ن: أسد الغابة: ٥/٣٨..
١٠ - ن: المدونة: ٤/٢٣..
١١ - كذا وردت هذه العبارة في المصدر المطبوع، والمخطوط أيضا نقلا عن المحقق..
١٢ - رواه مسلم في الحدود، وأبو داود في الحدود أيضا، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه.
ن: صحيح مسلم: كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى. سنن أبي داود: كتاب الحدود باب المرأة التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة..

٩١١- " الشهداء " جمع، وهو أعم من الأنفس. و " الأنفس " أخص بمنزلة الواحد من الكل. ( الاستغناء : ١٠٠ ).
٩١٢- الأصل في القذف : التحريم وإيجاب الحد، كما هو في الأجنبي، وإنما أبيح للزوج لضرورة حفظ النسب وشفاء الصدور، ولما خرج من حيز التحريم لم يناسب العقوبة بالجلد مطلقا، بل عند عدم ظهور الغرض الصحيح، وجعل له مخلص بالأيمان المباحة لقوله تعالى :﴿ والذين يرمون أزواجهم ﴾ الآيات. ( الذخيرة : ٤/٢٨٧ ).
٩١٣- في الكتاب : " يبدأ بالزوج لأن لعانه سبب عن قذفه، فيدرأ عن نفسه الحد، وسبب للعانها لأنه الموجب للحد عليها لكونه مثل البينة، ولقوله تعالى بعد ذكر لعانه :﴿ ويدرأ عنها العذاب ﴾ فدل على توجه العذاب عليها، وهو الحد، فتشهد أربع شهادات. فيقول في الرؤية : " أشهد بالله لرأيتها تزني " وفي نفي الحمل : " أشهد بالله لزنت " لأن القاعدة : مطابقة البينة واليمين للدعوى. وتقول في الخامسة :﴿ أن لعنة الله عليه عن كان من الكاذبين ﴾
وتقول المرأة في الرؤية :" أشهد بالله ما زنيت " أربع مرات، وفي الخامسة :﴿ أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ﴾١.
قال ابن يونس : زاد أصبغ في حلف الرؤية : " تزني، كالمرود في المكحل " وفي حلف المرأة في نفي الحمل، وإنه لمنه " ٢.
وروي عن ابن القاسم في نفي الحمل : " أشهد بالله إني لمن الصادقين، وما هذا الحمل مني، ولزنت " لنفي احتمال الغضب.
قال أصبغ : " وإن دل مكان " إن كنت من الكاذبين " : " إن كنت كذبتها " أجزأ. والمرأة في الخامسة : " مكان ﴿ إن كان من الصادقين ﴾ : " إنه من الكاذبين " أجزأها، لاتحاد المعنى. لكن لفظ القرآن أولى. ( نفسه : ٤/٣٠٥-٣٠٦ ).
٩١٤- " درأ " معناه : الدفع. ومنه قوله تعالى :﴿ ويدرأ عنها العذاب ﴾. ( الأمنية في إدراك النية مطبوع مع كتاب " الإمام القرافي... ٤٩٥ ).
١ - ن: المدونة: ٢/ ٣٥٢ بتصرف والجواهر الثمينة: ٢/٢٤٦.
٢ - ن: الجواهر الثمينة: ٢/٢٤٦..
٩١٥- قوله تعالى :﴿ الغافلات ﴾ أي : اللاتي لم يخطر لهن الفساد، ولا يشعرن به قط، فتحمل الآية الأخرى على هذه، لأنها مطلقة، وتلك مقيدة، وهي قوله تعالى :﴿ الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ﴾. ( الذخيرة : ١٢/٦٩ ).
٩١٦- للإحصان في القرآن أربعة معان١ : العفاف، وهو المراد بهذه الآية. والثاني الزوجات في قوله تعالى :﴿ والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ﴾٢. وقوله تعالى :﴿ محصنات غير مسافحات ﴾٣ والثالث : الحرية في قوله تعالى :﴿ فإذا أحصن ﴾٤. ( نفسه : ١٢/١٠٣ ).
١ - لم يتطرق على المعنى الرابع، والظاهر أنه الإسلام، جاء في لسان العرب (١٣/١٢٠):" أصل الإحصان المنع والمرأة تكون محصنة بالإسلام والعفاف والحرية والتزويج"..
٢ - سورة النساء: ٢٣..
٣ - سورة النساء: ٢٥..
٤ - سورة النساء: ٢٥..
٩١٧- قوله تعالى :﴿ الخبيثات للخبيثين ﴾ المراد : العصاة. ( نفسه : ٤/١٠٤ ).
٩١٨- " الطيب " في اللغة : الملائم للطباع، المستحسن اللائق بالسياق، يدل على ذلك قوله تعالى :﴿ الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ﴾. وليس المنبتات، بل البعيدات من الدناءات الشرعية. ( نفسه : ١/٣٤٨ ).
٩١٩- في الموطإ : " سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال : " يا رسول الله، أستأذن على أمي ؟ " فقال : " نعم ". فقال : " إني معها في البيت ". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة ؟ قال : لا. قال : فاستأذن عليها " ١.
قال الباجي : " الاستئذان على كل بيت فيه أحد واجب، تستأذن ثلاثا، فإن أذن لك، وإلا رجعت لقوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ﴾٢ قال مالك : " الاستيناس : الاستئذان ثلاثا " ٣. قال عليه السلام : " إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع " ٤. ( نفسه : ١٣/ ٢٩٥ ).
٩٢٠- في البيان : " قال مالك : الاستيناس : التسليم، وإن أذن له من باب الدار فليس له أن يستأذن إذا وصل باب البيت " ٥. قال صحب البيان : " وتفسير الاستيناس بالتسليم بعيد لقوله تعالى :﴿ حتى تستأنسوا وتسلموا ﴾ فغاير بينهما. وعن مالك : " الاستيناس : الاستئذان "، وهو الصحيح، وعليه أكثر المفسرين. وقيل : " حتى تونسوا أهل البيت بالتنحنح والتنخم ونحوه حتى يعلموا إرادتكم الدخول ".
وقال الفراء : " في الكلام تقديم وتأخير، تقديره :( حتى تسلموا وتستأذنوا ) وهو أن تقول : السلام عليكم، أأدخل ؟ ٦ لأن ابن مسعود كان يقرؤها : " حتى تسلوا على أهلها وتستأذنوا " ٧. ( الذخيرة : ١٣/ ٢٩٦ ).
١ - خرجه مالك في الموطإ: ٢/٩٣٦. كتاب الاستئذان، باب الاستئذان. وذكره الباجي في المنتقى: ٧/٢٨٣..
٢ - هذا القول رواه الباجي عن القاضي أبي محمد. ن: المنتقى: ٧/٢٨٣..
٣ - ن: البيان والتحصيل: ١٨/٤٦٩..
٤ - خرجه في الموطإ: ٢/٩٦٣ كما ذكره الباجي في المنتقى: ٧/٢٨٤..
٥ - ن: البيان والتحصيل: ١٨/٤٦٩. وقد علق ابن رشد على هذا التفسير بقوله: "فالاستيناس هو الاستئذان في الصحيح من الأقوال لأنه استفعال من الأنس". ن: المقدمات من كتاب المدونة: ٣/٤٤٤..
٦ - ن: المنتقى: ٧/٢٨٤..
٧ - ن: تفسير ابن كثير: ٣/٤٤٧..
٩٢١- قوله تعالى :﴿ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ﴾ يقتضي العفو عن الوجه واليدين من الحرة، لأنه الذي يظهر عند الحركات للضرورة، عما يظهر من الأمة عند التقليب للشراء، وهو ما عدا السرة والركبة. ( نفسه : ٢/١٠٤ ).
٩٢٢- إن النكاح حقيقة في الوطء، وهو متعذر من المرأة، وإذا تعذرت الحقيقة فحمله على التمكين منه أولى، لأنه أقرب المجازات إلى الحقيقة، ويوضحه قوله تعالى :﴿ وأنكحوا الأيامى منكم ﴾ فخاطب الأولياء دون النساء. ( الذخيرة : ٤/٢٠١ ).
٩٢٣- خاطب الأولياء بصيغة الأمر الدالة على الوجوب، ولو كان ذلك للمرأة لتعذر ذلك. وقال عليه السلام : " لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها " ١ خرجه الدارقطني، وقال إنه حديث صحيح. ( الفروق : ٣/١٣٧ ).
٩٢٤-قوله تعالى :﴿ إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ﴾ : وصفهم بالفقر يدل على قبولهم للغنى، فإنه لا يقال للجماد : أعمى ولا أصم، لعدم قبوله للبصر والسماع، ثم إنهم إما أن يكونوا فقراء أو لا يكونوا، فقد اتصفوا بالغنى، وهو فرع الملك، فثبت أنهم يملكون وإن كانوا فقراء، فقد قال الله تعالى : إنه يغنيهم، وخبره تعالى صدق، فلابد أن يتصفوا بالغنى، وهو فرع الملك، فصار الملك لازما للنقيضين، فيكون واقعا قطعا، لأنه لابد من وقوع أحد النقيضين قطعا. ( الذخيرة : ٥/٣١٠ ).
١ - خرجه ابن ماجة في سننه، كتاب النكاح، ح: ١٨٧٢. ولم أعثر على تخريجه في سنن الدارقطني..
٩٢٥- يطلق النكاح على الصداق لأنه سبب كالعقد، نحو قوله تعالى :﴿ وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا ﴾ أي : صداقا، ويحتمل أن يكون من باب الإضمار، أي سبب النكاح، ليس المجاز أولى من الإضمار على ما تقرر في الأصول. ( نفسه : ٤/١٨٨ ).
١٥ :﴿ الذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ﴾٣٣.
٩٢٦- الخير : قيل : الدين : ليتخلصوا لطاعة الله تعالى. وقيل : المال، ليتم العقد. ( نفسه : ١١/٢٤٧ ).
٩٢٧- رفعها : تعظيمها وإجلالها عما لا يليق بها.
٩٢٨- تنزه المساجد عما هذا. ( الذخيرة : ١٣/١٨٩ ).
٩٢٩- مفهومه : أن الله تعالى لا يجازيهم على الحسن، وهو كذلك، إذا فسرنا الحسن بما ليس منهيا عنه كان أدنى رتبة الإباحة وأعلى رتبة المطلوب، فيكون المباح الحسن، والمطلوب الأحسن، والجزاء إنما يقع في المطلوب. فالجزاء إنما هو في الأحسن لا في الحسن، فقد عملنا بالآية مفهوما ومنطوقا. ( شرح التنقيح : ٩٠ ).
٩٣٠- عبر عن الذي يمشي على بطنه نحو الحيات، وعلى أربع نحو الخيل والإبل ب " من " اختلافها مع من يعقل في صدر الآية في قوله تعالى :﴿ والله خلق كل دابة من ماء ﴾ وعموم الدابة يشمل العقلاء وغيرهم، فغلب على الجميع حكم من يعقل، فكان الجميع عقلاء، فلذلك جاء التفصيل كله بلفظ " من ".
و " الذي " يقع على من يعقل وما لا يعقل من المذكورين.
و " الذين " لا يقع إلا على من يعقل خاصة، لأن الياء التي فيه مشبهة بالياء في جمع السلامة، نحو : المشركين والزيدين الخاص بمن بعقل. ( العقد المنظوم : ١/٤٧٩ ).
٩٣١- قال صاحب القبس١ : " الاستئذان : استفعال، من الإذن، وعمه الله في كل موضع وجعله أصلا في كل رقبة، وهيبة لكل منزل، حتى قال النبيصلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة : " فآتي فاستأذن على ربي في داره٢ فيؤذن لي٣ ".
ووقته مأخوذ من قوله تعالى :﴿ ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ﴾ الآية. والآذن هو من كان من أهل المنزل، وإن كان الصبي الصغير يعقل الحجبة ويفهم الإذن. ( الذخيرة : ١٣/٢٩٦ ).
١ - ن: القبس: ٣/١١٤٤ بتصرف في التقديم والتأخير..
٢ - قال محقق القبس: "كذا في جميع النسخ: (في داره) ولم أجدها في أي رواية من روايات الحديث، وأعتقد أنها خطأ من النساخ. ن: القبس: ٣/١١٤٤ هامشا..
٣ - خرجه البخاري في صحيحه: ٦/١٠٥ و٤/١٦٣. ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان. ح: ١٩٤..
٩٣٢- علق البلوغ والحكم على الحلم، فلا يتعلق بغيره. ( الذخيرة : ٨/٢٣٨ ).
٩٣٣- في الموطإ : " مالك بلغه أنه إذا دخل البيت غير المسكون يقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " ١.
قال الباجي : " إذا لم يكن فيه من يسلم عليه فليسلم على نفسه وعلى عباد الله الصالحين كما يفعله في التشهد، لقوله تعالى :﴿ فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم ﴾ قال ابن عباس : " معناه إذا دخلتم بيوتا فقولوا : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين٢. " وإذا دخل الإنسان منزله ينبغي أن يسلم على أهله٣. قال صاحب القبس : يقال : السلام معرفا : " السلام عليكم- بالألف واللام- ومنكرا : " سلام عليكم ". فإن نكر فهو مصدر، تديره : " ألقيت عليك مني سلاما، فألق علي سلاما منك ". وإن عرف احتمل أن يكون مصدرا معرفا. واحتمل أن يكون اسم الله تعالى معناه : " الله رقيب عليك " ٤. والسنة تقديم السلام على " عليك ". ويكره : " عليكم السلام " ففي أبي داود : " قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : عليك السلام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قل سلام عليكم. فإن عليك السلام تحية الميت " ٥.
يشير عليه السلام على ما وردت به اللغة في قولهم :
عليك سلام الله٦ قيس بن عاصم***ورحمته ما شاء أن يترحما
وكقول الآخر :
عليك سلام الله مني٧ وباركت***يد الله في ذاك الأديم الممزق
( نفسه : ١٣/٢٩١-٢٩٢ ).
١ - ن: الموطأ، كتاب الاستئذان، باب الاستئذان. والمنتقى: ٧/٢٨٣..
٢ - ن: المنتقى: ٧/٢٨٣..
٣ - هذا القول رواه الباجي عن ابن القاسم، ن: المنتقى: ٧ /٢٨٣..
٤ - ن: اللسان: ١٢/٢٩٠..
٥ - خرجه أبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب ما جاء في إسبال الإزار. والترمذي في سننه، كتاب الاستئذان والآداب باب ما جاء في كراهية أن يقول: عليك السلام مبتدئا..
٦ - قال ابن بري: "وإنما فعلوا ذلك لأن المسلم على القوم يتوقع الجواب وأن يقال له: "عليك السلام" فلما كان الميت لا يوقع منه جواب جعلوا السلام عليه كالجواب" ن: اللسان: ١٢/٢٩٠..
٧ - جاء في اللسان ١٢/٢٩٠: "عليك سلام من أمير....
٩٣٤- معنى الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاء له، إلا أن يخص بلفظ الصلاة دون الدعاء لقول الله عز وجل :﴿ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ﴾ فتقول : " اللهم صل على محمد " ولا تقل : " اللهم ارحم محمدا، أو اغفر لمحمد، وارض عن محمد. ولا اللهم صل على فلان. وتقول : " اللهم ارحم فلانا ولا تصل على غيره إلا معه ". ( الذخيرة : ١٣/٢٩٤ ).
Icon