ﰡ
١١٤٥- دل ذلك على أن العدل لا يتبين في خبره فيقبل. ( الذخيرة : ١٠/٢١٧ )
١١٤٧- جعل الله تعالى المعصية رتبا ثلاثة : كفرا وفسوقا وهو الكبيرة، وعصيانا وهي الصغيرة. ولو كان المعنى واحدا لكان اللفظ في الآية متكررا إلا بمعنى مستأنف وهو خلاف الأصل.
إذا تقرر هذا فنقول : الصغيرة والكبيرة في المعاصي ليس من عصي، بل من جهة المفسدة الكائنة في ذلك الفعل. فالكبيرة ما عظمت مفسدتها، والصغيرة ما قلت مفسدتها. ورتب المفاسد مختلفة، وأدنى رتب المفاسد ليترتب عليها الكراهة. ثم كلما ارتقت المفسدة عظمت الكراهة حتى تكون أعلى رتب المكروهات تليها أدنى رتب المحرمات، ثم تترقى في رتب المحرمات حتى تكون أعلى رتب الصغائر يليه أدنى الكبائر، ثم تترقى في رتب الكبائر بعظم المفسدة حتى تكون أعلى رتب الكبائر يليها الكفر. ( الفروق : ٤/٦٦ )
١١٤٩- الآية تجوز الصلح في الدماء والفروج والأموال، ولأن أحد المنازعين على منكر، وإزالة المنكر واجبة إجماعا. ( الذخيرة : ٥/٢٣٥-٢٣٦ )
١١٥٠- الآية فيها أربعة فوائد :
الأولى : أنه تعالى لم يخرجهم بالبغي من الإيمان لأنه تعالى سماهم مؤمنين.
الثانية : ثبوت قتالهم، لأن الأمر للوجوب.
الثالثة : سقوط قتالهم إذا فاؤوا إلى أمر الله.
الرابعة : جواز قتال كل من منع حقا عليه. وقاتل الصديق عليه رضي الله عنه. مانعي الزكاة بتأويل١.
وقاتل على رضي الله عنه البغاة الذين امتنعوا من بيعته وهم أهل الشام٢، وطائفة خلعته، وهم أهل القيروان٣. ( نفسه : ١٢/٦ )
٢ - ن : تاريخ ابن خلدون : ٤/١٠٦٠..
٣ - لعلهم أهل النهروان. ن : البيان والتحصيل لابن رشد : ١٨/٤٠٠. وتاريخ ابن خلدون : ٤/١١١٩-١١٢٠).
* قوله تعالى :﴿ واجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ﴾.
١١٥٣- أي : اجتنبوا العمل به حتى يثبت بطريق شرعي. ( شرح التنقيح : ٣٦٦ )
١١٥٤- إشارة إلى ظن غير معين بالتحريم. والخطاب بغير المعين يجوز من حيث إنه غير معين، غير أن هاهنا سؤالين :
السؤال الأول : ما ضابط هذا الظن، فإن صاحب الشرع إذا حرم شيئا، ولم يعينه من جنس له حالتان : تارة يدل بعد ذلك على نفسه، وتارة يحرم الجميع ليجتنب ذلك المحرم، فما الواقع من هذين القسمين.
السؤال الثاني : الظن يهجم على النفس عند حضور أسبابه، والضروري لا ينهى عنه، فكيف صح النهي عنه هاهنا ؟
والجواب عن الأول : أن نقول : لنا هاهنا طريقان :
أحدهما : أن نقول : المحرم الجميع حتى يدل الدليل على إباحة البعض، فيخرج من العموم، فإذا دلا الدليل بعد ذلك على إباحة الظن عند أسبابه الشرعية لا بسناه ولا نتجنبه، وكان ذلك تخصيصا لهذا العموم. وذلك كالظن المأذون فيه عند سماع البينات والمقومين والمفتين والرواة للأحاديث والأقيسة الشرعية وظاهر العمومات فإن هذه المواطن كلها تحصل الظنون المأذون في العمل بها، فأي شيء من الظنون دل الدليل عليه اعتبرناه، وما لا دليل عليه أبقيناه تحت نهي الآية.
الطريق الثاني : في الجواب عن هذا السؤال أن نقول : لا نقول بالعموم في تحريم جميع الظنون، بل نقول : هذا البعض المشار إليه بالتحريم من الظن بعينه في الأدلة الشرعية، فمهما دل الدليل على تحريم ظن حرمناه كالظن الناشئ عن قول الفاسق والنساء في الدماء وغيرها من المثيرات للظن التي حرم علينا باعتبار الناشئ عنها، وما لم يدل فيه دليل على تحريمه. قلنا : هو مباح، عملا بالبراءة، فهذا هو الجواب عن السؤال الثاني. فنقول : قاعدة وهي : " أن الخطاب في التكليف لا يتعلق إلا بمقدور مكتسب دون الضروري اللازم الوقوع أو اللازم الامتناع " فإذا ورد خطاب وكان متعلقه مقدورا حمله عليه نحو :﴿ أقيموا الصلاة ﴾ أو غير مقدور صرف الخطاب لثمرته أو لسببه. ومثال ما يحمله على ثمرته قوله تعالى :﴿ ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ﴾١ فالرأفة أمر يهجم على القلب قهرا عند حصول أسبابها، فتعين الحمل على الثمرة والآثار، وهو تنقيص الحد فيصير معنى الآية : " لا تنقصوا الحد " قاله٢ ابن عباس، ويكون من مجاز التعبير بالسبب عن المسبب.
فكذلك هاهنا : لما تعذر حمل الأمر على الظن نفسه، فتعين حمله على آثاره من باب التعبير بالمسبب عن السبب، وآثاره التحدث عن الإنسان بما ظن فيه أو أذيته بطريق من الطرق، بل يكف عن ذلك حتى يوجد سبب شرعي يبيح ذلك. ( الفروق : ٢/١٨-١٩ )
١١٥٥- المراد بالآية : العموم لا الماهية يقيد الوحدة، وأن المخاطب واحد دون بقية الناس، بل معنى هذا الكلام أن هذا الاستفهام معناه النفي، وهي النكرة في سياق النفي، فتعم. ( العقد : ١/٤٢٠ )
١١٥٦- قوله تعالى :﴿ ولا يغتب بعضكم بعضا ﴾ قال عليه السلام : " الغيبة : أن تذكر في المرء ما يكره إن سمع. قيل يا رسول الله، وإن كان حقا ؟ قال : إن قلت باطلا فذلك البهتان " ٣ فدل هذا النص على أن الغيبة ما يكرهه الإنسان إذا سمعه، وأنه لا يسمى غيبة إلا إذا كان غائبا لقوله : " إن سمع " فدل ذلك على أنه ليس بحاضر. وهو يتناول جميع ما يكره لأن " ما " من صيغ العموم٤ قال بعض العلماء : استثنى من الغيبة ست صور٥ :
الأولى : النصيحة : لقوله عليه السلام لفاطمة بنت قيس٦ حيث شاورته عليه السلام لما خطبها معاوية بن أبي سفيان وأبو جهنم٧ " أما معاوية فرجل صعلوك لا مال له وأما أبو جهنم فلا يضع العصا على عاتقه " ٨ فذكر عيبين فيهما ما يكرهانه لو سمعاه، وأبيح ذلك لمصلحة النصيحة. ويشترط في هذا القسم أن تكون الحاجة ماسة لذلك، وأن يقتصر الناصح من العيوب على ما يخل بتلك المصلحة خاصة التي حصلت المشاورة فيها أو التي يعتقد الناصح أن المنصوح شرع فيها أو هو على عزم ذلك فينصحه وإن لم يستشره، فإن حفظ مال الإنسان وعرضه ودمه عليك واجب وإن لم يعرض بذلك.
فالشرط الأول احتراز من ذكر عيوب الناس مطلقا لجواز أن يقع بينهما من المخالطة ما يقتضي ذلك، فهذا حرام، بل لا يجوز إلا عند مسيس الحاجة، ولولا ذلك لأبيحت الغيبة مطلقا لأن الجواز قائم في الكل.
والشرط الثاني : احتراز من أن يستشار في أمر الزواج فيذكر العيوب المخلة بمصلحة الزواج والعيوب المخلة بالشركة أو المساقاة، أو يستشار في السفر معه فتذكر العيوب المخلة بمصلحة السفر، والعيوب المخلة بالزواج، فالزيادة على العيوب المخلة بما استشرت فيه حرام، بل تقتصر على عين ما عين أو تعين الإقدام عليه.
الثانية : التجريح والتعديل في الشهود عند الحاكم عند توقع الحكم بقول المجرح ولو في مستقبل الزمان. أما عند غير الحاكم فيحرم لعدم الحاجة لذلك، والتفكه بأعراض المسلمين حرام. والأصل فيها العصمة. وكذلك رواة الحديث يجوز وضع الكتب في جرح المجروح منهم والإخبار بذلك لطلبة العلم الحاملين لذلك لمن ينتفع به، وهذا الباب أوسع من أمر الشهود، لأنه لا يختص بحكام، بل يجوز وضع ذلك لمن يضبطه وينقله وإن لم تعلم عين الناقد لأنه يجري مجرى ضبط السنة والأحاديث، وطالب ذلك غير متعين. ويشترط في هذين القسمين أن تكون النية فيه خالصة لله تعالى في نصيحة المسلمين عند حكامهم، وفي ضبط شرائعهم. أما متى كان لأجل عداوة أو تفكه بالأعراض وجريا مع الهوى فذلك حرام وإن حصلت به المصالح عند الحكام والرواة، فإن المعصية قد تجر للمصلحة كمن قتل كافرا يظنه مسلما ؛ فإنه عاص بظنه وإن حصلت المصلحة بقتل الكافر، وكذلك من بريق خمرا ويظنه حلا اندفعت المفسدة بفعله. واشترط أيضا في هذا القسم على القوادح المخلة بالشهادة أو الرواية فلا يقول هو ابن زنا ولا أبوه لا عن منه، إلى غير ذلك من المؤلمات التي لا تعلق لها بالشهادة والرواية.
الثالثة : المعلن بالفسوق : كقول امرىء القيس :
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع ***...
فيفتخر بالزنا في شعره، فلا يضر أن يحكى ذلك عنه لأنه لا يتألم إذا سمعه، بل يسر بتلك المخازي، فإن الغيبة إنما حرمت لحق المغتاب وتألمه، وكذلك من أعلن بالمكس وتظاهر بطلبه من الأمراء والملوك، ونازع فيه أبناء الدنيا وأبناء جنسه. كثير من اللصوص من يفتخر بالسرقة والاقتدار على التسور على الدور العظام والحصون الكبار. فذكر مثل هذا عن هذه الطوائف لا يحرم فإنهم لا يستأذون بسماعه، بل يسرون.
الرابعة : أرباب البدع والتصانيف المضلة : ينبغي أن يشهر في٩ الناس فسادها وعيبها وأنهم على غير الصواب ليحذرها الناس الضعفاء فلا يقع فيها، وينفر عن تلك المفاسد ما أمكن بشرط أن لا يتعدى فيها الصدق ولا يفتري على أهلها من الفسوق والفواحش ما لم يفعلوه، بل يقتصر على ما فيهم من المنفرات خاصة، فلا يقال على المبتدع أنه يشرب الخمر، ولا أنه يزني ولا غير ذلك مما ليس فيه. وهذا القسم داخل في النصيحة غير أنه لا يتوقف على المشاورة، ولا مقارنة الوقوع في المفسدة. ومن مات من أهل الضلال ولم يترك شيعة تعظمه، ولا كتبا تقرأ، ولا سببا تخشى منه إفساد لغيره فينبغي أن يستر بستر الله تعالى، ولا يذكر له عيب البتة، وحسابه على الله تعالى قد قال عليه السلام : " اذكروا محاسن موتاكم " ١٠ فالأصل إتباع هذا إلا ما استثناه صاحب الشرع.
الخامسة : إذا كنت أنت والمغتاب قد سبق لكما العلم بالمغتاب به، فإن ذكره بعد ذلك لا يحط قدر المغتاب عند المغتاب عنده١١ لتقدم علمه بذلك، فقال بعض الفضلاء : " لا يعرى هذا القسم عن نهي لأنكما إذا تركتما الحديث فيه ربما نسي فاستراح الرجل المعيب بذلك من ذكر حاله، وإذا تعاهدتماه أدى ذلك إلى عدم نسيانه.
السادسة : الدعوة عند ولاة الأمور فيجوز أن يقول : إن فلانا أخذ مالي وغصبني وثلم عرضي إلى غير ذلك من الفواذح المكروهة لضرورة دفع الظلم عنك.
تنبيه : سألت جماعة من المحدثين والعلماء والراسخين في العلم عمن يروي قوله صلى الله عليه وسلم : " لا غيبة في فاسق " ١٢ فقالوا لي : لم يصح ولا يجوز التفكه بعرض الفاسق. فاعلم ذلك، فهذا هو تخليص الفرق بين ما يحرم من الغيبة وما لا يحرم١٣. ( الفروق : ٤/٢٠٦-٢٠٧-٢٠٨ )
٢ - ن : تفسير هذه الآية في محلها من هذه الرسالة (تفسير سورة النور الآية : ٢)..
٣ - ن : تحفة الأحوذي : ٦/٦٣..
٤ - حدد الإمام القرافي الصيغ الدالة على العموم في نحو عشرين صيغة :"كل، جمع، من، ما، المعرف باللام جمعا ومفردا. الذي، التي وتثنيتهما وجمعهما، أي : متى في الزمان، أين، حيث في المكان، اسم الجنس إذا أضيف، النكرة في سياق النفي" ن : تنقيح الفصول، المطبوع مع الذخيرة : ١/٨٧.
و"ما" المذكورة في النص تأتي على أربعة أوجه: استفهامية وشرطية وموصولة ونكرة. ن : العام وتخصيصه في اصطلاح الأصوليين : ٨٦-٨٧. د : إدريس حمادي..
٥ - قال الشيخ محمد علي حسين في تهذيب الفروق "المطبوع بهامش الفروق" ٤/٢٣٠. نظمها الكمال بقوله :
القدح ليس بغيبة في ستة***متظلم ومعرف محذر
ولمظهر فسقا ومستفت ومن***طلب الإعانة في إزالة منكر.
٦ - هي أخت الضحاك بن قيس، وهي من المهاجرات الأول، وكانت ذات فضل وكمال، وقد طلقها زوجها أبو عمرو بن المغيرة طلاقا ثلاثا، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر خطبتها... الحديث" ن : ترتيب الفروق : ٢/٤٠٥..
٧ - هو عامر أبو عمير أو عبيد بن حذيفة بن غانم، القرشي العدوي، أسلم يوم الفتح (ت : ٦٤هج) ن : ترجمته في الأعلام : ٣/٢٥٠).
٨ - خرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيلاء، باب : المطلقة ثلاثا لا نفقة لها، وكذلك رواه أبو داود ومالك والنسائي في الطلاق..
٩ - حرف "في" مأخوذ من كتاب ترتيب الفروق واختصارها ٢/٤٠٧..
١٠ - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه :"اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم" رواه الترمذي في سنن كتاب الجنائز. ح : ٩٤٠. وأبو داود كتاب الأدب، باب في النهي عن سب الموتى..
١١ - ورد في الذخيرة : ١٣/٢٤٠، وقوله :"فإن ذكره بعد ذلك لا يحط من قدر المغتاب عنده"، وهي العبارة نفسها التي ذكرها صاحب تهذيب الفروق-ن : الفروق : ٤/٢٣٢..
١٢ - قال د. عمر بن عباد، محقق كتاب :"ترتيب الفروق..." عن هذا الحديث :"جاء نصه في كتاب "الأسرار المعروفة لعلي القاري في كشف الخفاء ومزيل الإلباس" للمحدث الشيخ ابن اسماعيل بن محمد العجلوني، وفي "الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة لمؤلفه جلال الدين السيوطي، رحمهم الله جميعا. جاء ما يستفاد من لفظه معنى هذا الحديث وهو نصه :"فعن عائشة رضي الله عنها قالت : استأذن رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ائذنوا له، بيس، أخو العشيرة أو ابن العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام. فقلت : يا رسول الله : قلت الذي قلت، ثم ألنت له الكلام. قال: أي عائشة؟ إن شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس إتقاء فحشه" رواه الشيخان. ن : ترتيب الفروق : ٢/٤٠٨..
١٣ - ذكر الصنف رحمه الله هذه الصور الست بشيء من الاختصار في الذخيرة : ١٣/٢٤٠..
١١٥٨- الشعب : ما تفرغ من قبائل العرب والعجم لقوله تعالى :﴿ وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ﴾. ( نفسه : ٦/٣٥٩ )
١١٥٩- لما سئل عليه السلام : أي الرقاب أفضل ؟ قال : " أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها " ١ فإن كانوا متقاربين قدم الصلحاء لقوله تعالى :﴿ إن أكرمكم عند أتقاكم ﴾. ( نفسه : ٧/٥٢ )