هكذا كان المجتمع في " المدينة "، فجاء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأخذ يبني مجتمعا إسلاميا نظيفا أساسه العدل والمساواة والإخاء بين الناس، والله تعالى يؤيده بالقرآن الكريم.
وقد نجح النبي على أعلى المستويات في تأسيس دين قويم، وبناء دولة إسلامية مثالية.
وتعالج سورة المجادلة بعض القضايا التي حدثت في المدينة، بادئة بمعالجة موضوع كان شائعا في الجاهلية : يغضب الرجل لأمر من الأمور من زوجته فيقول لها : أنت عليّ كظهر أمي، فتحرم عليه، ولا تطلق منه، بل تبقى معلقة، لا هي حل له فتقوم بينهما الصلات الزوجية ولا هي مطلقة منه فتجد لها طريقا آخر. وكان هذا بعض ما تلاقيه المرأة من العَنت في الجاهلية. روى الإمام أحمد وأبو داود في سننه عن خولة بنت ثعلبة قالت : فيَّ والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر هذه السورة، كنت عنده، وكان شيخا قد ساء خلقه. فدخل عليّ يوما فراجعته بشيء. فغضب، فقال : أنتِ علي كظهر أمي... فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه، وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه. وجعل الرسول يقول : يا خويلة، ابنُ عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه.
قالت : فوالله ما برحتُ حتى نزل فيّ قرآن، فقال لي رسول الله :
يا خويلة، قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا :
﴿ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله، والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ﴾ إلى آخر الآيات. ثم قال لي رسول الله : " مريه فليعتق رقبة ". فقلت : يا رسول الله ما عنده ما يعتق ! قال : " فليصمْ شهرين متتابعين " قلت : والله إنه لشيخ ما له من صيام ! قال : " فليطعم ستين مسكينا وَسْقا من تمر ". قلت : والله يا رسول الله ما ذاك عنده ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإنا سنعينه بعرق من تمر.
قلت : وأنا سأعينه بعرق آخر، قال :
" أصبت وأحسنتِ، فاذهبي وتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرا ".
قالت : ففعلت.
ما أجمل هذا الإسلام، وما أعظم هذا التشريع ﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾ وهكذا أبطل الإسلام هذه العادة من الجاهلية.
ثم بعد ذلك ينعَى الله في هذه السورة في أكثر من آية على المعاندين لدينه، ويحذّرهم من التناجي بالإثم والعدوان، ويرشد المؤمنين إلى أدب المناجاة بين بعضهم البعض، وبينهم وبين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. كما ينعَى على المنافقين موالاتهم لليهود، ويصفهم بأنهم حزب الشيطان الخاسرون.
وختمت السورة بوصف جامع لما يجب أن يكون عليه المؤمنون من إيثار رضا الله ورسوله على من عداهما، ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم، أو عشيرتهم، ويصفهم بأنهم حزب الله المفلحون.
ﰡ
واللهُ يسمع تحاوركما : يسمع ما يدور بينكما من الكلام.
قد سمع اللهُ قولَ التي تراجعك في موضوع طلاقها من زوجها، وتشتكي إلى الله ما أصابها، والله يسمع ما يدور بينكما من المحاورة والكلام ﴿ إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾.
قراءات :
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بإدغام الدال في السين في قوله : قد سمع. والباقون : بالإظهار : قد سمع، بإسكان الدال وفتح السين.
منكرا : ينكره الدين ويأباه.
وزورا : كذبا لا حقيقة له.
وقد أبطل الإسلامُ هذه العادةَ، فالذي يقول لزوجته أنت عليَّ كظهرِ أمي كلامُهُ باطل، ولا تحرم زوجته عليه ولا تكون كأمه. فإن أمه هي التي ولدَتْهُ، وإن الذين يستعملون هذه الألفاظ من الظهار ﴿ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ القول وَزُوراً ﴾ يأباه اللهُ ورسوله.
فالله تعالى أبطلَ هذا الطلاق ﴿ وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ لما سلَفَ من الذنوب، وهذا من فضل الله ولطفه بعباده.
قراءات :
قرأ عاصم : يظاهرون من ظاهَرَ، يظاهِر، بكسر الهاء بغير تشديد. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو يظَّهَّرون، بفتح الظاء والهاء المشددتين من ظهَّر يظهر. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي : يَظّاهرون بفتح الظاء المشددة بعدها ألف، من اظّاهرَ يظاهر.
تحرير رقبة : عتق عبد.
ثم فصّل الله تعالى حكم الظِهار فقال :
﴿ والذين يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ﴾.
١- كل من استعمل هذا اللفظ ثم أراد الرجوع إلى زوجته فعليه أن يعتق عبداً من قبلِ أن يمسَّ زوجته.
﴿ ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ﴾.
هذا الذي أوجبه اللهُ عليكم من عِتقِ الرقبة عظةٌ لكم وجزاء توعَظون به حتى لا تعودوا لمثله، ﴿ والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾.
فالذي لا يستطيع أن يعتق عبداً عليه أن يصوم شهرين متتابعين من قبلِ أن يمسّ زوجته.
٣- ﴿ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ﴾.
فمن لم يستطع أن يصوم شهرين متتابعين لعذرٍ شرعي، فعليه أن يطعمَ ستين مسكيناً من الطعام المتعارف عليه.
ذلك الذي بينّاه وشرعناه لتؤمنوا بالله ورسوله، وتعملوا بما شرعنا لكم. وهذا تسهيل من الله على عباده ولطفِهِ بهم، وتلك حدود الله فلا تتجاوزوها ﴿ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾، وفي هذا تهديد كبير.
كُبتوا : خذلوا وقهروا وأُذلوا.
عذاب مهين : مذل.
بعد أن بيّن الكتابُ شرعَ اللهِ وحدودَه أردف مشيراً إلى من يتجاوزها، ووصفهم بالمخالفة والعداء وأنه سَيَلحقُهم الخزيُ والنّكال في الدنيا كما لحق الذين من قبلهم من كفار الأمم الماضية، ولهم في الآخرة العذابُ المهين في نار جهنم.
شهيد : مشاهد.
وذلك يوم تُجمع الخلائقُ جميعاً للحساب والجزاء ويخبرهم الله بما عملوه بالتفصيل.
﴿ أَحْصَاهُ الله وَنَسُوهُ ﴾.
هو مسجل عند الله يجدونه مفصَّلا مع أنهم نسوه، ﴿ والله على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾، لا تخفى عليه خافية.
النجوى : المناجاة سراً بين اثنين فأكثر. الذين نهوا عن النجوى : اليهود والمنافقون.
ألم تعلم أيها الرسول أن الله تعالى يعلم ما في السموات وما في الأرض، فلا يتناجى ثلاثةٌ إلا واللهُ معهم، ولا خمسةٌ إلا هو سادسُهم، يعلم ما يقولون وما يدبّرون، ولا أقلّ من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم، يعلم ما يتناجَون به أينما كانوا، ثم يخبرهم يوم القيامة بكل ما عملوا ﴿ إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾.
ألم تر أيها الرسول إلى الذين نُهُوا عن النَّجوى فيما بينهم بما يثير الشكّ في نفوس المؤمنين ثم يعودون إلى ما نُهوا عنه، وهم يتحدثون فيما بينهم بما هو إثم، وبما هو مؤذٍ للمؤمنين وما يضمرون من العداوة للرسول.
﴿ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ الله ﴾، كان أناسٌ من اليهود إذا دخلوا على الرسول الكريم يقولون : السامُ عليك يا أبا القاسم، فيقول لهم الرسول : وعليكم، ويقولون في أنفسهم : هلا يعذِّبنا الله بما نقول لو كان نبيا حقا ! فرد الله عليهم بقوله :﴿ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ المصير ﴾.
وسبب التناجي المذكور أنه كان بين المسلمين واليهود معاهدة، فكانوا إذا مر الرجلُ من المسلمين بجماعة منهم، يتحدثون سراً ويتناجَون بينهم حتى يظنَّ أنهم يتآمرون على قتله، فيعدلَ عن المرور بهم، فنهاهُم النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فلم ينتهوا، وعادوا إلى ما نهوا عنه، وكانوا إذا جاؤوا النبيَّ قراءات :
قرأ حمزة وخلف وورش عن يعقوب : ويتنجون بفتح الياء وسكون النون بلا ألف، والباقون : ويتناجون بالألف. حَيَّوه بالدعاء عليه في صورة التحية كما تقدم، فنزلت هذه الآية.
يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كاليهودِ والمنافقين في تناجِيكم بينكم، فإذا حدث تناجٍ أو مسارّة في اجتماعاتكم فلا تفعلوا مثل ما يفعلون.
﴿ وَتَنَاجَوْاْ بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾، تناجَوا أنتم بما هو خير ينفع المؤمنين، واتقوا الله فيما تأتون وتذَرون، فإليه تحشَرون فيخبركم بجميع أعمالكم وأقوالكم.
﴿ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون ﴾، في جميع أمورهم، ولا يخافوا أحداً ما داموا محصّنين بالإيمان والاتكال على الله.
وقد ورد في الأحاديث الصحيحة النهيُ عن التناجي إذا كان في ذلك أذىً لمؤمن. عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« إذا كنتم ثلاثةً فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه، فإن ذلك يُحزِنه » رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود.
انشُزوا : انهضوا لتوسعوا للقادمين.
يرفع الله الذين آمنوا : يعلي مكانتهم، ويرفع أهل العلم كذلك.
بعد أن أدّب الكتابُ المؤمنين بأدب الحديث والبعدِ عما يكون سبباً للتباغض من التناجي بالإثم والعدوان، علّمهم كيف يعاملون بعضَهم في المجالس، من التوسُّع فيها للقادمين، والنهوض إذا طُلب إليهم ذلك، وأشار إلى أن الله يُعلي مكانة المؤمنين المخلصين، والذين أوتوا العلم بدرجاتٍ من عنده ﴿ والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾.
فالآية فيها أدبٌ جَمٌّ وتشمل التوسع في إيصال جميع أنواع الخير إلى المسلم وإدخال السرور عليه، كما قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام : لا يزالُ اللهُ في عَوْنِ العبد ما دام العبدُ في عون أخيه.
قراءات :
قرأ عاصم : بالمجالس بالجمع، وقرأ الباقون : بالمجلس على الإفراد، وقرأ عاصم ونافع وابن عامر انشزوا بضم الشين، والباقون : انشِزوا بكسر الشين، وهما لغتان.
فقدّموا بين يدي نجواكم صدقةً : فتصدقوا قبل المناجاة.
ولما أكثر المسلمون من التنافُس في القُرب من مجلس الرسول الكريم لسماعِ أحاديثه، ولمناجاته في أمورِ الدين، وشَقّوا في ذلك عليه، أراد الله أن يخفّف عنه فأنزل قوله تعالى :
﴿ يا أيها الذين آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرسول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً.... ﴾، إذا أردتم مناجاةَ الرسول فتصدّقوا قبل مناجاتكم له، ذلك خيرٌ لكم وأطهرُ لقلوبكم. فإن لم تجدوا ما تتصدّقون به فإن الله تعالى قد رخّص لكم في المناجاةِ بلا تقديم صدقة، ﴿ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾.
وتاب الله عليكم : رفع عنكم هذه الصدقة، ورخَّص لكم في المناجاة من غير تقديم صدقة.
ولما علم اللهُ أنهم تحرّجوا من تقديم الصدقات وأن كثيرا منهم لا يجدُ ما يأكل، عفا عنهم ورفع الصدقة وقال :
﴿ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ ﴾.
لأن الصلاةَ تطهّر النفوس، والزكاة فيها نفعٌ عام للمؤمنين، وإطاعة الله ورسوله خير ما يأتيه المؤمن ويتحلى به، ﴿ والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ فهو محيط بنواياكم وأعمالكم.
﴿ الذين تولوا قوما الخ... ﴾ : هم المنافقون واليهود.
﴿ قوما غضب الله عليهم ﴾ : هم اليهود.
﴿ ما هم منكم ولا منهم ﴾ : لأنهم مذبذبون.
﴿ ويحلفون على الكذب ﴾ : يعني يحلفون بأنهم معكم وهم كاذبون.
هذه الآية والآيات الأربع التي بعدها في المنافقين وأخبارهم، وكذِبِهم على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وسيأتي بعدَ أربَعِ سورٍ سورةٌ خاصة بالمنافقين.
ألم تر أيها الرسول، إلى هؤلاء المنافقين الذين اتخذوا اليهودَ المغضوبَ عليهم أولياءَ ينصحونهم وينقلون إليهم أسرار المؤمنين ! إنهم ليسوا من المؤمنين إلا في الظاهر، كما أنهم ليسوا من اليهود، ﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك لاَ إلى هؤلاء ﴾ [ النساء : ١٤٣ ].
ثم بين الله تعالى أنهم يَحلِفون الأيمان الكاذبة ليُظهروا أنهم مسلمون، ويَشهدوا أن محمدا رسولُ الله، والله يشهدُ إنهم كاذبون.
لقد أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، وتستّروا بالأيمان الكاذبة فجعلوها وقايةً لأنفسهم من القتل. وبها انخدع كثيرٌ من المؤمنين ممن لا يعرِف حقيقةَ أمرِهم، وبهذه الوسيلة صدوا كثيراً من الناس عن سبيلِ الله، فلهم عذابٌ شديد الإهانة يوم القيامة.
﴿ أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾.
﴿ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون ﴾ فيما يحلفون عليه، كما جاء في قوله تعالى :﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [ الأنعام : ٢٣ ].
ثم بين الله السببَ الذي أوقعَهم في الضلال، وهو أن الشيطان استولى عليهم فغلَبَتْ أهواؤهم وتَبِعوا شهواتِهِم.
﴿ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ الله ﴾ الشيطانُ الذي أغواهم، وأولئك هم جنودُ الشيطان وحِزبُه، ﴿ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ ﴾ ؟ .
في الأذلّين : في أذلّ من خلَقَ الله.
إن الّذين يخالفون أَوامر الله ونواهيَه، ولا يطيعون الرسول فيما شَرَعَ وبيّن، هم في عِداد الّذين بلغوا الغايةَ في الذِلّة والهوان.. بالقتلِ والأسرِ والهزيمة في الدنيا، وبالخِزي والنَّكالِ والعذاب في الآخرة.
وقد قضى الله وحَكَمَ في أُمّ الكِتابِ بأن الغَلَبةَ والنصر له ولرسُله، وقد صَدَق في ذلك.
﴿ إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ متى أراد شيئاً كانَ، ولم يجدْ معارِضاً ولا ممانعاً على شرط أن يكون المؤمنون صادقين في إيمانهم يعملون بِجدّ وإخلاص، ويتّخذون لكلِّ شيء عدَّتَه.
أيّدهم : قواهم ودعمهم.
بروح منه : بنور وعزم من عنده.
ثم بين تعالى أن الإيمانَ الحقّ لا يجتمع مع موالاة أعداء الله، مهما قرُبَ بهم النسبُ ولو كانوا آباءً أو أبناءً أو إخواناً أو من العشيرة القريبة. وهذا معنى قوله تعالى :
﴿ لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ الله.... ﴾، لا تجدُ قوما يجمعون بين الإيمان باللهِ ورسولهِ واليوم الآخر، ومَودَّةِ أعدائه مهما كانت قرابتُهم.
﴿ أولئك كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ ﴾، فهؤلاء الذين يُخلِصون لله ولا يوالون الجاحدين الذين يحادُّون الله ثَبَّتَ اللهُ في قلوبهم الإيمانَ وأيَّدهم بقوّة منه، ويُدخِلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ خالدين فيها لا ينقطع نعيمها، قد أحبَّهم اللهُ وأحبّوه ورضيَ عنهم ورضُوا عنه.
﴿ أولئك حِزْبُ الله أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون ﴾، لأنهم أهلُ السعادة والفلاح والنصر في الدنيا والآخِرة ونِعْمَة الخاتمة.