تفسير سورة عبس

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة عبس من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

٨٠ شرح إعراب سورة عبس

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة عبس (٨٠) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

عَبَسَ وَتَوَلَّى (١)
ويقال في التكثير: عبّس.
[سورة عبس (٨٠) : آية ٢]
أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢)
أَنْ في موضع نصب أي لأن، ومن النحويين من يقول:
موضعها خفض على إضمار اللام، ومنهم من يقول: «أن» بمعنى «إذ».
[سورة عبس (٨٠) : آية ٣]
وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣)
والأصل يتزكّى أدغمت التاء في الزاي.
[سورة عبس (٨٠) : آية ٤]
أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤)
الأصل يتذكر أدغمت التاء في الذال لقربها منها فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى وزعم الفراء «١» أنه يجوز النصب ولم يقرأ به. قال أبو جعفر: الرواية معروفة عن عاصم أنه قرأ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى «٢» بالنصب، والكوفيون يقولون: هو جواب لعلّ ولا يعرف البصريون جواب لعلّ بالنصب، وقد حكوا هم والكوفيون وإيجاب النصب وهو الأمر والنهي والنفي والتمني والاستفهام، وزاد الكوفيون الدعاء، ولم يذكروا جواب لعل مع هذه الأجوبة. وسألت عنها أبا الحسن علي بن سليمان فقال: ما أعرف للنصب وجها وإن كان عاصم مع جلالته قد قرأ به إلا أن «أو» يجوز أن تنصب ما بعدها كما قال: [الطويل] ٥٣٨-
فقلت له لا تبك عينك إنّما نحاول ملكا أو نموت فنعذرا «٣»
فقد يجوز أن يعطفه على ما ينتصب بعد «أو».
[سورة عبس (٨٠) : الآيات ٥ الى ٦]
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦)
فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى قراءة المدنيين، والأصل تتصدّى ثم أدغم، وقراءة الكوفيين وأبي عمرو تَصَدَّى «٤» بحذف التاء لئلا يجمع بين تاءين.
(١) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٣٥.
(٢) انظر تيسير الداني ١٧٨.
(٣) مرّ الشاهد رقم (١٤٨).
(٤) انظر البحر المحيط ٨/ ٤١٩، وتيسير الداني ١٧٨.

[سورة عبس (٨٠) : آية ٧]

وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (٧)
والأصل يتزكّى.
[سورة عبس (٨٠) : آية ٨]
وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (٨)
في موضع نصب على الحال وكذا
[سورة عبس (٨٠) : آية ٩]
وَهُوَ يَخْشى (٩)
ويجوز أن تكون الجملة خبرا آخر.
[سورة عبس (٨٠) : آية ١٠]
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠)
والأصل تتلهّى أي تتشاغل وفعل هذا صلّى الله عليه وسلّم طلبا منه لإسلام المشرك.
[سورة عبس (٨٠) : آية ١١]
كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١)
خبر «إنّ».
[سورة عبس (٨٠) : آية ١٢]
فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢)
لأنه تأنيث غير حقيقي.
[سورة عبس (٨٠) : الآيات ١٣ الى ١٥]
فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥)
قيل: يعني به اللوح المحفوظ. هذا على تفسير ابن عباس لأن سعيد بن جبير روي عنه في معنى بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) أنهم الملائكة. وروى عنه علي بن أبي طلحة أنهم الكتبة، وقال قتادة: هم القراء. والصحيح القول الأول، ومعروف في كلام العرب أنه يقال: سفر الرجل بين القوم إذا ترسّل بينهم بالصلح. والملائكة سفرة لأنهم رسل الله تعالى إلى أنبيائه صلوات الله عليهم، وهم أيضا كتبة يكتبون أفعال العباد. فهذا كله غير متناقض إلّا أن وهب بن منبّه قال: السّفرة الكرام البررة أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم. وبررة جمع بار، وأبرار جمع بر.
[سورة عبس (٨٠) : آية ١٧]
قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (١٧)
قال مجاهد: إذا قال الله تعالى: قتل الإنسان أو فعل به فهو الكافر. ومعنى قتل أهلك لأن المقتول مهلك، وقيل: قتل لعن ما أكفره الأولى أن تكون «ما» استفهاما أي ما الذي أكفره مع ظهور آيات الله جلّ وعزّ وانعامه عليه، وقيل هو تعجب.
[سورة عبس (٨٠) : الآيات ١٨ الى ٢٠]
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠)
مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ أي وإنما خلق من قذر، وإنما ينبل بطاعة الله. وأولى ما قيل في معنى ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) قول عبد الله بن الزبير رحمه الله أنّه يسّره أي سهل عليه حتى خرج من الرحم، والتقدير في العربية: ثم للسبيل وحذف اللام لأنه ممّا يتعدّى إلى مفعولين أحدهما بحرف.
[سورة عبس (٨٠) : آية ٢١]
ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١)
أي صيّره ذا قبر أي أن نقبر، وأما الدافن فيقال له: قابر كما قال: [السريع]
٥٣٩-
لو أسندت ميتا إلى نحرها عاش ولم يتنقل إلى قابر»
[سورة عبس (٨٠) : آية ٢٢]
ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢)
أي أحياه، والتقدير: إذا شاء أنشره. يقال أنشره الله فنشر فهو منشر وناشر كما قال: [السريع] ٥٤٠-
حتّى يقول النّاس ممّا رأوا يا عجبا للميّت النّاشر «٢»
[سورة عبس (٨٠) : آية ٢٣]
كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (٢٣)
من النحويين من يجعل «كلّا» تماما في جميع القرآن أي كلا ليس الأمر كما يقول الكافر قد قضيت ما عليّ، ومن النحويين من يجعلها في جميع القرآن مبتدأة، ومنهم من يفصلها وهذا يمرّ في التمام مشروحا إن شاء الله.
[سورة عبس (٨٠) : الآيات ٢٤ الى ٢٦]
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦)
تمام على قراءة المدنيين وأبي عمرو وعلى قراءة الكوفيين ليس بتمام لأنهم يقرءون أَنَّا «٣» بمعنى لأنّا، ولا يجوز أن يكون بدلا من طعام على ما تأوّله أبو عبيد لأن وجوه البدل قد بينها النحويون ولا يدخل فيها هذا.
ومعنى صَبًّا وشَقًّا التوكيد، وكذا هذه المصادر.
[سورة عبس (٨٠) : الآيات ٢٧ الى ٣١]
فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١)
وعن ابن عباس أنه قال بين يدي عمر: نبات الأرض السبعة فقال له ما أفهم ما تقول، فقال فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨) وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) أي ملتفة وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) أي مرعى الأنعام. قال عمر: هكذا فتكلّموا كما تكلّم هذا الفتى وروى عنه ابن أبي طلحة الأب ما لأن من الثمار.
[سورة عبس (٨٠) : آية ٣٢]
مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٢)
نصب على المصدر.
[سورة عبس (٨٠) : آية ٣٣]
فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣)
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال القيامة، وقال عكرمة النفخة الأولى، وقال الحسن: يصيخ لها كلّ شيء أي يصمت لها كلّ شيء.
(١) الشاهد للأعشى في ديوانه ١٨٩، ومقاييس اللغة ٥/ ٤٧ والبحر المحيط ٨/ ٤٢٠، وتفسير الطبري ٣٠/ ٥٦، والخزانة ٢/ ١١٠.
(٢) مرّ الشاهد رقم (٥٨).
(٣) انظر تيسير الداني ١٧٨.

[سورة عبس (٨٠) : الآيات ٣٤ الى ٣٦]

يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦)
قيل: يفرون لما بينهم من المطالبة فيخافون ذلك، وقيل: يفرّون لأن بعضهم يستحي من بعض فيكره أن يرى ما ينزل به من الفضيحة.
[سورة عبس (٨٠) : آية ٣٧]
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧)
أي يشغله عن غيره.
[سورة عبس (٨٠) : آية ٣٨]
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ رفع بالابتداء وإن كان نكرة للفائدة التي فيه، والخبر مُسْفِرَةٌ.
[سورة عبس (٨٠) : آية ٣٩]
ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩)
نعت. قال ابن زيد: القترة «١» ما علا من الغبار، ويروى أنه إذا قيل للبهائم: كوني ترابا صار ذلك التراب غبرة في وجوه الكفار.
[سورة عبس (٨٠) : آية ٤٢]
أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢)
تكون هم فاصلة أو مبتدأة والْفَجَرَةُ خبر والجملة خبر أولئك.
(١) انظر البحر المحيط ٨/ ٤٢١ (قرأ الجمهور «قترة» بفتح التاء وابن أبي عبلة بإسكانها).
Icon