تفسير سورة المسد

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
تفسير سورة سورة المسد من كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد .
لمؤلفه ابن عجيبة . المتوفي سنة 1224 هـ
سورة المسد
مكية. وهي خمس آيات. قيل : مناسبتها : قوله تعالى :﴿ إنه كان توابا ﴾ [ النصر : ٣ ] أي للنادم لا للمصر كأبي لهب، فإنه سبق له التباب، كما قال تعالى :
بسم الله الرحمان الرحيم :
﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾*﴿ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾*﴿ سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ ﴾*﴿ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴾*﴿ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ﴾.

يقول الحق جلّ جلاله :﴿ تَبَّتْ ﴾، أي : هلكت ﴿ يَدَا أبي لهبٍ ﴾ هو عبد العزى بن عبد المطلب، عم رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وإيثار لفظ التباب على الهلاك، وإسناده إلى يديه، لِما رُوي أنه لمّا نزل :﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ( ٢١٤ ) ﴾ [ الشعراء : ٢١٤ ] رقى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصفا، وقال :" يا صباحاه "، فاجتمع إليه الناسُ من كل أوب، فقال :" يا بني عبد المطلب ! يا بني فهر ! أرأيتم إن أخبرتكم أنَّ بسفح هذا الجبل خيلاً أكنتم مصدقي ؟ " قالوا : نعم. قال :" فإني نذير لكم بين يديْ عذابٍ شديدٍ "، فقال أبو لهب : تبًّا لك سائر اليوم، ما دعوتنا إلاّ لهذا ؟ وأخذ حجراً ليرميه به عليه الصلاة والسلام، فنزلت١، أي : خسرت يدا أبي لهب. ﴿ وتَبَّ ﴾ أي : وهلك كله. وقيل : المراد بالأول : هلاك جملته، كقوله :﴿ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ﴾ [ الحج : ١٠ ]. ومعنى " وتَبَّ " : وكان ذلك وحصل، ويؤيده قراءة ابن مسعود " وقد تب ". وذكر كنيته للتعريض بكونه جهنميًّا، لاشتهاره بها، ولكراهة اسمه القبيح. وقرأ المكي بسكون الهاء، تخفيفاً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إنما تبّت يدا أبي لهب، وخسر، وافتضح في القرآن على مرور الأزمان ؛ لأنه أول مَن أظهر الكفر والإنكار، فكان إمام المنكِرين، فكل مَن بادر بالإنكار على أهل الخصوصية انخرط في سلك أبي لهب، لا يُغني عنه مالُه وما كسب، وسيصلى نارَ القطيعة والبُعد، ذات احتراق ولهب، وامرأته، أي : نفسه، حمّالة حطب الأوزار، في جيدها حبل من مسد الخذلان. وبالله التوفيق وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.

١ أخرجه البخاري في تفسير سورة ١١١ حديث ٤٩٧١، ومسلم في الإيمان حديث ٣٥٥..
﴿ ما أَغْنَى عنه مالُه وما كَسَبَ ﴾ أي : لم يُغن حين حلّ به التباب، على أنّ " ما " نافية، أو : أيّ شيء أغنى عنه، على أنها استفهامية في معنى الإنكار، منصوبة بما بعدها، أي : ما أغنى عنه أصل ماله وما كسب به من الأرباح والمنافع، أو : ما كسب من الوجاهة والأتباع، أو : ماله الموروث من أبيه والذي كسبه بنفسه، أو : ما كسب من عمله الخبيث، الذي هو كيده في عداوته عليه الصلاة والسلام، أو : عمله الذي ظنّ أنه منه على شيء، لقوله تعالى :﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً ( ٢٣ ) ﴾ [ الفرقان : ٢٣ ]، وعن ابن عباس :" ما كسب ولده "، رُوي أنه كان يقول : إن كان ما يقول ابن أخي حقًا فأنا أفدي منه نفسي بمالي وولدي، فاستخلص منه، وقد خاب مرجاه، وما حصل ما تمناه، فافترس ولده " عُتبة " أسدٌ في طريق الشام، وكان صلى الله عليه وسلم دعا عليه بقوله :" اللهم سلط عليه كلباً من كلابك " ١ وهلك هو نفسه بالعدسة٢ بعد وقعة بدر بسبع ليال، فاجتنبه الناسُ مخافةَ العدوى، وكانوا يخافون منها كالطاعون، فبقي ثلاثاً حتى تغيّر، ثم استأجروا بعض السودان، فحملوه، ودفنوه، فكان عاقبته كما قال تعالى :﴿ سَيصْلى ناراً ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إنما تبّت يدا أبي لهب، وخسر، وافتضح في القرآن على مرور الأزمان ؛ لأنه أول مَن أظهر الكفر والإنكار، فكان إمام المنكِرين، فكل مَن بادر بالإنكار على أهل الخصوصية انخرط في سلك أبي لهب، لا يُغني عنه مالُه وما كسب، وسيصلى نارَ القطيعة والبُعد، ذات احتراق ولهب، وامرأته، أي : نفسه، حمّالة حطب الأوزار، في جيدها حبل من مسد الخذلان. وبالله التوفيق وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.

١ أخرجه الحاكم في المستدرك ٢/٥٣٩، وابن حجر في فتح الباري ٤/٤٨..
٢ العدسة: بثرة تخرج في مواضع من الجسد، من جنس الطاعون..
أي : سيدخل لا محالة بعد هذا العذاب الأجل ناراً ﴿ ذاتَ لهبٍ ﴾ أي : ناراً عظيمة ذات اشتعال وتوقُّد، وهي نار جهنم. قال أبو السعود : وليس هذا نصًّا في أنه لا يؤمن أبداً، فيكون مأموراً بالجمع بين النقيضين، فإنَّ صَلْي النار غير مختص بالكفار، فيجوز أن يُفهم من هذا أنَّ دخوله النار لفسقه ومعاصيه، لا لكفره، فلا اضطرار إلى الجواب المشهور، من أنّ ما كلفه هو الإيمان بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم إجمالاً، لا الإيمان بما نطق به القرآن، حتى يلزم أن يكلف الإيمان بعدم إيمانه المستمر. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إنما تبّت يدا أبي لهب، وخسر، وافتضح في القرآن على مرور الأزمان ؛ لأنه أول مَن أظهر الكفر والإنكار، فكان إمام المنكِرين، فكل مَن بادر بالإنكار على أهل الخصوصية انخرط في سلك أبي لهب، لا يُغني عنه مالُه وما كسب، وسيصلى نارَ القطيعة والبُعد، ذات احتراق ولهب، وامرأته، أي : نفسه، حمّالة حطب الأوزار، في جيدها حبل من مسد الخذلان. وبالله التوفيق وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
﴿ وامرأتُه ﴾ : عطف على المستكن في ﴿ سيَصْلى ﴾ لمكان الفعل. وهي أم جميل بنت حرب، أخت أبي سفيان، وكانت تحمل حزمة من الشوك والحسك والسعد، فتنثرها بالليل في طريق النبي، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يطؤه كما يطأ الحرير. وقيل : كانت تمشي بالنميمة، ويقال لمَن يمشي بالنميمة ويُفسد بين الناس : يحمل الحطب بينهم، أي : يُوقد بينهم النار، وهذا معنى قوله :﴿ حمّالةَ الحطبِ ﴾ بالنصب على الذم والشتم، أو : الحالية، بناء على أنَّ الإضافة غير حقيقية، لوجوب تنكير الحال. وقيل : المراد : أنها تحمل يوم القيامة حزمة من حطب جهنم كالزقوم والضريع. وعن قتادة : أنها مع كثرة مالها كانت تحمل الحطب على ظهرها، لشدة بُخلها، فعيرت بالبخل، فالنصب حينئذ على الذم حتماً. ومَن رفع فخبر عن " امرأته "، أو : خبر عن مضمر متوقف على ما قبله. وقُرئ ( ومُرَيَّتُه ) فالتصغير للتحقير.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إنما تبّت يدا أبي لهب، وخسر، وافتضح في القرآن على مرور الأزمان ؛ لأنه أول مَن أظهر الكفر والإنكار، فكان إمام المنكِرين، فكل مَن بادر بالإنكار على أهل الخصوصية انخرط في سلك أبي لهب، لا يُغني عنه مالُه وما كسب، وسيصلى نارَ القطيعة والبُعد، ذات احتراق ولهب، وامرأته، أي : نفسه، حمّالة حطب الأوزار، في جيدها حبل من مسد الخذلان. وبالله التوفيق وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
﴿ في جِيدِها ﴾ في عُنقها ﴿ حَبْلٌ من مَسَد ﴾ والمسد : الذي فُتل من الحبال فتلاً شديداً، من ليف المُقْل، أو من أي ليفٍ كان، وقيل : من لحاء شجر باليمن، وقد يكون من جلود الإبل وأوبارها.
قال الأصمعي : صلّى أربعة من الشعراء خلف إمام اسمه " يحيى "، فقرأ :﴿ قل هو الله أحد ﴾ فتعتع فيها، فقال أحدهم :
أكثَرَ يَحْيى غلطا *** في ﴿ قل هو الله أحد ﴾
وقال الثاني :
قام طويلاً ساكتاً *** حتى إذا أعيا سجد
وقال الثالث :
يزْحَرُ في محرابه *** زحيرَ حُبْلى بوتد
وقال الرابع :
كأنما لسانه *** شُدّ بحبلٍ من مسد
والمعنى : في جيدها حبل مما مُسد من الحبال، وأنها تحمل تلك الحزمة من الشوك، وتربطها في جيدها، كما يفعل الحطّابون، تحقيراً لها، وتصويراً لها بصورة بعض الحطّابات، لتجزع من ذلك، ويجزع بعلُها، وهما من بيت الشرف والعزّ.
رُوي أنها لمّا نزلت فيها الآية أتت بيتَه صلى الله عليه وسلم، وفي يدها حجر، فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه الصدّيق، فأعماها اللهُ عن رسوله صلى الله عليه وسلم ولم ترَ إلاّ الصدّيق، قالت : أين محمد ؟ بلغني أنه يهجوني، لئن رأيته لأضربن فاه بهذا الفِهر. ه. ومن أين ترى الشمسَ مقلةٌ عمياء ؟ وقيل : هو تمثيل وإشارة لربطها بخذلانها عن الخير، ولذلك عظم حرصها على التكذيب والكفر. قال مُرة الهمداني : كانت أم جميل تأتي كل يوم بحزمة من حسك، فتطرحها في طريق المسلمين، فبينما هي ذات ليلة حاملة حزمة أعيت، فقعدت على حجر لتستريح، فجذبها الملك من خلفها بحبلها فاختنقت، فهلكت. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إنما تبّت يدا أبي لهب، وخسر، وافتضح في القرآن على مرور الأزمان ؛ لأنه أول مَن أظهر الكفر والإنكار، فكان إمام المنكِرين، فكل مَن بادر بالإنكار على أهل الخصوصية انخرط في سلك أبي لهب، لا يُغني عنه مالُه وما كسب، وسيصلى نارَ القطيعة والبُعد، ذات احتراق ولهب، وامرأته، أي : نفسه، حمّالة حطب الأوزار، في جيدها حبل من مسد الخذلان. وبالله التوفيق وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
Icon