تفسير سورة الأعلى

أوضح التفاسير
تفسير سورة سورة الأعلى من كتاب أوضح التفاسير المعروف بـأوضح التفاسير .
لمؤلفه محمد عبد اللطيف الخطيب . المتوفي سنة 1402 هـ

﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾ أي نزهه عما لا يليق به
﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ سائر المخلوقات ﴿فَسَوَّى﴾ ما خلقه،
-[٧٤٥]- وأخرجه على أحسن نظام يصلح له، وفي خير حالة أعد لها
﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ أي الذي «قدر» في كل شيء من المزايا والخواص: ما تعجز عن إدراكه الأفهام، وهدى الإنسان لوجه الانتفاع بما فيه
فلو تأملت ما في النبات من الخواص، وما في المعادن من المزايا؛ وكيف اهتدى الإنسان للانتفاع بها، وكيف استطاع أن يستنبط من الحيوان والنبات: مادة لغذائه؛ ومما تخرجه الأرض: مادة لدوائه، ومما في باطنها من المعادن والفلزات: مادة لحياته؛ فلولا ما وفق إليه من تحويل الحديد إلى أسلحة وأدوات؛ لما استطاع أن يبني الدور، أو يشيد القصور، أو ينشىء المصانع، ويصنع المدافع، ويبني الأساطيل الجوية والبحرية؛ التي يحمي بها الذمار، ويذود بها عن الديار إنك لو تأملت جميع ذلك بعين التفكر والاستبصار؛ لعلمت أنه لولا تقديره تعالى لخليقته، وهدايته لبريته: لكنا نهيم في دياجير الظلام، كسائر الأنعام
﴿وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى﴾ أنبت ما ترعاه الدواب من الكلإ
﴿فَجَعَلَهُ غُثَآءً﴾ أي هشيماً يابساً ﴿أَحْوَى﴾ أسود. ولا يخفى ما في المرعى من المنفعة؛ بعد صيرورته هشيماً يابساً؛ فإنه يكون طعاماً هشاً، نافعاً لكثير من الحيوانات؛ مسمن لها، مدر لألبانها. فسبحان من أحكم كل شيء، و ﴿قَدَّرَ فَهَدَى﴾
﴿سَنُقْرِئُكَ﴾ يا محمد ﴿فَلاَ تَنسَى﴾ أي سننزل عليك كتاباً تقرؤه على أمتك، ولا تنسى منه شيئاً ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾
﴿إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ﴾ نسخه من القرآن؛ فإنه ينسيك إياه؛ كقوله تعالى: ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا﴾
﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾ أي نهديك ونوفقك للشريعة السمحة؛ التي يسهل على النفوس قبولها، وعلى العقول فهمها
﴿فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ أي عظ الناس؛ حيث تنفع العظة. وقيل: العظة واجبة؛ نفعت أو لم تنفع. وهو قول باطل؛ لأنه من الحمق والخرق أن تعظ أقواماً وأنت على تمام اليقين من أنهم لن يقبلونها. وإنما يجب التذكير: إذا كان فيهم من يقبلها، ومنهم من يرفضها؛ ويؤيده ما بعده
﴿سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى﴾ الله تعالى، ويخاف عقابه
﴿وَيَتَجَنَّبُهَا﴾ يرفضها ولا يسمعها، وإن سمعها لا يعمل بها ﴿الأَشْقَى﴾ الكافر؛ الذي هو أشقى المخلوقات؛ بما سينزل عليه من العذاب والبلاء
﴿الَّذِى يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى﴾ وهي جهنم. أما النار الصغرى: فهي نار الدنيا
﴿ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا﴾ كما مات في الدنيا واستراح ﴿وَلاَ يَحْيَا﴾ أي ولا تتوفر لها أسباب الحياة؛ لأن من دأب النار الإماتة والإفناء؛ بمعنى أنه لا يحيا حياة طيبة من غير الإحتراق، الذي هو من أسباب الموت
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى﴾ تطهر من الكفر بالإيمان، ومن المعاصي بالطاعة. أو هو بمعنى تصدق
﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ﴾ بقلبه ولسانه
-[٧٤٦]- ﴿فَصَلَّى﴾ الصلاة المكتوبة؛ أو بمعنى: فرحم الفقير؛ لأن من معاني الصلاة: الرحمة ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ﴾ أي يرحمكم
﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ تفضلونها. ومعنى ما تقدم: قد أفلح من تصدق، وتذكر ربه فرحم الفقير؛ بل أنتم تفضلون الحياة الدنيا فتبخلون وما فيها من النعيم
﴿خَيْرٌ﴾ من الدنيا وما فيها ﴿وَأَبْقَى﴾ لدوام نعيمها. أما ما ترونه من نعيم الدنيا؛ فإنه صائر إلى الزوال والفناء
﴿إِنَّ هَذَآ﴾ أي ما تقدم من النصح الرباني، والإرشاد، والتذكير، والتحذير ﴿لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى﴾ التي نزلت قبل القرآن
﴿صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ وذلك لأن التحذير من النار، والتبشير بالجنة، والتعريف ب الله تعالى، والدعوة إلى الإيمان به، والحث على طاعته؛ كل ذلك وارد في كتب الله، المنزلة على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام.
746
سورة الغاشية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

746
Icon