تفسير سورة النّور

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
تفسير سورة سورة النور من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم .
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لَمَّا ذكر قاطعَ الأنساب في الآخة بقولهِ:﴿ فَإِذَا نُفِخَ ﴾]المؤمنون: ١٠١[ ثم ذكر أهواله، أتبعه بقاطع النسب في الدنيا وأحكامه فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ ﴾: هذه ﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا ﴾: وفرضنا أحكامها، وشدد مبالغة ﴿ وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾: تتعظون ﴿ ٱلزَّانِيَةُ ﴾: قدمها لأنها أصا الفجور وزناها أفحش ﴿ وَٱلزَّانِي ﴾: الغير المحصنن حكمهما فيما يتلى عليكم ﴿ فَٱجْلِدُواْ ﴾: اضربوا ﴿ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾: ضربة ثم يغرب عامل، والمحصن يرجم والرقيق على نصف الحر ولا يرجم كل ذلك بالسنة، والمحصن هو الحر البالغ العاقل المصيب بنكاح الصحيح، ولا يشترط الإسلام خلافا للحنفية لرجمه صلّ الله عليه وسلم اليهوديين، وفي الجلد إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يتجاوز الألم إلى اللحم على طريق الإدماج في إشارة النص ﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ ﴾: رقة القلب ﴿ فِي دِينِ ٱللَّهِ ﴾: بترك شيء من حده ﴿ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ﴾: فإن المؤمن صلب من دينه ﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا ﴾: جلدهما ﴿ طَآئِفَةٌ ﴾: هي فرقة يمكن حَفها حول شيء من الطوف، وأقلها ثلاثةٌ ﴿ طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾: للعبرة والتخجيل أو الدعاء بالغفران ﴿ ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ﴾: بَيَّن بالأُلى أنه لا يرغب في العفائف بل فيهما، وبالثانية أنهما لا ترغب فيهما بل الفسقة، فحصل التقابل ﴿ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ ﴾: النكاح ﴿ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾: نسخه،﴿ وأنكحوا الأيامى ﴾]النور: ٣٢[ وبعض السلف على بقاء بطلانه، وبعض على بقاء تحريمه، ويردهما الحديث وعن مالك كراهته بشرط الشهرة به ﴿ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ﴾: يقذفون بالزنا ﴿ ٱلْمُحْصَنَاتِ ﴾: المسلمات الحرائر العاقلات: البالغات العفيفات، خصهن بخصوص الواقعة ﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾: على رؤيتهم بما رموا ﴿ فَٱجْلِدُوهُمْ ﴾: كلا منهم ﴿ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾: ضربة أخف من ضرب الزنا ﴿ وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً ﴾: في شيء ﴿ أَبَداً ﴾: ولو قبل الجلد ﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾: والقاذف بغير ما ذكر يعزز ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ ﴾: القذف ﴿ وَأَصْلَحُواْ ﴾: عملهم ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ ﴾: لهم ﴿ رَّحِيمٌ ﴾: بهم الاستثناء راجع إلى الكل، ومن التوبة الاستسلام للحد والاستحلال، فلا يلزم سقوط الحد ﴿ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾: بالزنا ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ ﴾: عليه ﴿ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ ﴾: فعليهم شهادة ﴿ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾: فيه ﴿ وَ ﴾: الشهادة ﴿ ٱلْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ ﴾: فيه، وحينئذ يسقط حده ويتفارقان فسخاً عند الشافعي وبتفريق الحاكم طلاقا عند الحنفية ﴿ وَيَدْرَؤُاْ ﴾: يدفع ﴿ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ ﴾: الحد ﴿ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ ﴾: الزوج ﴿ لَمِنَ ٱلْكَاذِبِينَ ﴾: فيه ﴿ وَٱلْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾: فيه، خصت بالغضب لأنها أصل الفجور ﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴾: لعاجلكم بالعقوبة ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ ﴾: في أم المؤمنين مع صفوان رضي الله عنه إذ باعدت في غزوة بني المصطلق لقضاء الحاجة وانقطع عقدها فمكثت تلتمسه فرجعت وقد رحلوا وحملوا هَوْدجها على أنها فيه، فمر صفوان السهمي فأناخ لها بعيرة وساقة حتى أتاهم بعد ما نزلوا والإفك أشد الكذب ﴿ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ ﴾: هي من عشرة إلى أربعين ﴿ لاَ تَحْسَبُوهُ ﴾: إفكهم ﴿ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾: لثوابكم ونزول ثماني عشرة آية ببراءتكم ﴿ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ ﴾: جزاء ﴿ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ ﴾: مُعظمَهُ ﴿ مِّنْهُمْ ﴾: ابن أُبّي لعنه الله ﴿ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾: في الدارين ﴿ لَّوْلاۤ ﴾: هلا ﴿ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ﴾: أيها المؤمنون ﴿ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ ﴾: أي: بعضهم ببعض ﴿ خَيْراً وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ ﴾: وقالوا ﴿ لَّوْلاَ جَآءُوا ﴾: العصبة ﴿ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ ﴾: أي: في حكمه ﴿ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ * وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ ﴾: عاجلا ﴿ مَآ أَفَضْتُمْ ﴾: خضتم ﴿ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ﴾: يأخذه بعضكم من بعض ﴿ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ ﴾: بلا فكر ﴿ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً ﴾: بلا تبعة ﴿ وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ ﴾: وزرا ﴿ وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ ﴾: للتعجب، أو تنزيهك عن كون حبيبك كشخانا، فإنه لا يجوز للتنفير، بخلاف كفرها ﴿ هَـٰذَا بُهْتَانٌ ﴾: كذب ﴿ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ ﴾: كراهة ﴿ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾: فاتعظوا ﴿ وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ ﴾: لتتعظوا ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ ﴾: بالأحوال ﴿ حَكِيمٌ ﴾: في تدبيره ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ﴾: تنتشر ﴿ ٱلْفَاحِشَةُ ﴾: باللسان ﴿ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي ٱلدُّنْيَا ﴾: بالحدود ﴿ وَٱلآخِرَةِ ﴾: بالنار، دل على أن الرّضا بالفسق وإرادته فسق ﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ﴾: سرائركم ﴿ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾: فعاقبوهم في الدنيا بحكم الظاهر ﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾: لعاجلكم بالعقوبة
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ ﴾: وساوسة ﴿ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ ﴾: فهو غاوٍ ﴿ لشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ ﴾: ما أفرط قبحة ﴿ وَٱلْمُنْكَرِ ﴾: ما أنكره الشرع ﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ﴾: بتوفيق التوبة وشرع الحدود ﴿ مَا زَكَىٰ ﴾: ما طهر من الذنب ﴿ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي ﴾: يطهر ﴿ مَن يَشَآءُ ﴾: بتوفيق التوبة ﴿ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ ﴾: لأقوالكم ﴿ عَلِيمٌ ﴾: بنياتكم ﴿ وَلاَ يَأْتَلِ ﴾: لا يحلف ﴿ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ ﴾: دنيا ﴿ وَٱلسَّعَةِ ﴾: مالا ﴿ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾: كالصديق رضي الله تعالى عنه، حلف أن لا ينفق على ابن خالته مسطح من فقراء المهاجرين لدخوله في الإفك، وكان ينفق عليه قبل ﴿ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوۤاْ ﴾: بالإغماض عنهم.
﴿ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾: فقال الصديق: بلى أحبه وحلف أن لا ينزع نفقته منه أبداً ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ﴾: العفائف ﴿ ٱلْغَافِلاَتِ ﴾: عما قذفن به ﴿ ٱلْمُؤْمِناتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ ﴾: إن لم يتوبوا، وقيل: مخصوص في زوجاته عليه الصلاة والسلام ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾: خصهن لأن قذفهن أشنع ولخصوص المادة ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾: قولا وفعلا ﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ﴾: جزاءهم ﴿ ٱلْحَقَّ ﴾: الواجب عليهم ﴿ وَيَعْلَمُونَ ﴾: عيانا ﴿ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ﴾: العدل ﴿ ٱلْمُبِينُ ﴾: ]ذُو الحق البيّن[ النساء أو الكلمات ﴿ ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَٱلطَّيِّبَاتُ ﴾: كعائشة ﴿ لِلطَّيِّبِينَ ﴾: كمحمد عليه الصلاة والسلام ﴿ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ ﴾: قالت عائشة رضي الله عنها: " ولقدر خلقت طيبة عند طيب ووعدت مغفرة ورزقا كريما " ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾: النبي وعائشة وصفوان ﴿ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ﴾: الخبيثون ﴿ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾: في الجنة ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ ﴾: التي تسكنونها ﴿ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ ﴾: وتستأذنوا ﴿ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا ﴾: بقوله: السَّلام عليكم أدخل؟ ثلاثَ مرَّاتٍ، فإن لم يُؤْذن لهُ فليرجع ولو من بيت أُمّهِ ﴿ ذٰلِكُمْ ﴾: الاستئناس مع السلام ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾: هناء لكم ﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ ﴾: في البيوت ﴿ أَحَداً ﴾: يأذن لكم ﴿ فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ﴾: فإنه تصرف فيها بلا إذن صاحبها ﴿ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ ﴾: ولا تلحُّوا ﴿ هُوَ أَزْكَىٰ ﴾: اطهر ﴿ لَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾: فيجازيكم ﴿ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ ﴾: منفعة ﴿ لَّكُمْ ﴾: كالربط والخانات ﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾: من قصدقكم بدخول بيوتهم ﴿ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ ﴾: كما مر في﴿ قُل لِّعِبَادِيَ ﴾]ابراهيم: ٣١[ ﴿ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ﴾: عما يحرم فيهما، أفهم بـ ﴿ مِنْ ﴾: أن أمر النظر أوسع، وقدم النظر لأنه بريد الزنا ﴿ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾: فليحذروا ﴿ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾: كما مر ﴿ وَلاَ يُبْدِينَ ﴾: يظهرن ﴿ زِينَتَهُنَّ ﴾: كالخلخال فكيف بمواضعها ﴿ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾: عند المهنة كالخاتم والثوب أو الوجه والكفان ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ ﴾: جمع الخمار المقنعة ﴿ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ﴾: لستر العُنُق والصَّدر ﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾: المخفية ﴿ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ ﴾: أي: المؤمنات لا الكافرات ترك العم والخال لأنهما في معنى الإخوان إشارة على أولوية التستر منهما مخافة وصفها إياهما لأبنائهما ولا كذلك أبو بعولتهن لمكان الولد ﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ﴾: ولو عبدا ﴿ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ ﴾: لفضل طعام ﴿ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ ﴾: الحاجة إلى النساء ﴿ مِنَ ٱلرِّجَالِ ﴾: بأن لا ينتشر ذكرهم كالفاني والممسوح، قيل: وكذا المجنون والأحمق وفي الخصى والمجبوب خلاف ﴿ أَوِ ﴾: جنس ﴿ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ ﴾: يطلعوا ﴿ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ ﴾: لا يعرفون ما العورة، والطفل من لم يراهق الحلم ﴿ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ ﴾: الأرض ﴿ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ﴾: من تقعقع الخلخال وفي معناه: تطيبهن في الخروج فإنه يورث ميلهم ﴿ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً ﴾: من فرطاتكم ﴿ أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾: هذه أكثر الآي ضميرا لجمعها خمسة وعشرين ضميرا ﴿ وَأَنْكِحُواْ ﴾: ندبا أيها السادة والأولياء ﴿ ٱلأَيَامَىٰ ﴾: جمع أيم، العُزَّب ذكراً أو أنثى ﴿ مِنْكُمْ ﴾: من أحراركم ﴿ وَٱلصَّالِحِينَ ﴾: للنكاح ﴿ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ﴾: أفهم عدم أستبدادهم بالنكاح ﴿ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ ﴾: بالتزوج ﴿ مِن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ ﴾: لخلقه ﴿ عَلِيمٌ ﴾: بهم، ووعده الغنى مشروط بالمشيئة لقوله:﴿ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ﴾]التوبة: ٢٨[ إلى آخره، فلا ينافي: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ ﴾: ليجتهد في العفة عن الحرام ﴿ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً ﴾: أي: أسبابه ﴿ حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾: فينكحون ﴿ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ ﴾: الكتابة ﴿ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ﴾: أمانة وقدرة نجومها ﴿ وَآتُوهُمْ ﴾: أيها السادة وجوبا ﴿ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ ﴾: ما يعنيهم على أدائها ولو بحط أقل متمول منها ﴿ وَلاَ تُكْرِهُواْ ﴾: كابن أبي ﴿ فَتَيَاتِكُمْ ﴾: إماءكم ﴿ عَلَى ٱلْبِغَآءِ ﴾: الزنا ﴿ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ﴾: تعففا لا مفهوم له لأنهشرط للإكراة إذ لا يوجد بدونه أو شرط للنهي ويرتفع بارتفاع المهني عنه لأن الإكراه ممتع وقت عدم إرادة التحصين، وأشار بإن إلى ندرة الإدارة ﴿ لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ ﴾: عليه ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ ﴾: لهن ﴿ رَّحِيمٌ ﴾: بهن، لعل الإكراه كان دون الحد الشرعي أولهم وبهم بعد التوبة ﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ ﴾: فيها الأحكام وبالكسر أي: للأحكام ﴿ وَمَثَلاً ﴾: كقصة أم المؤمنين مِّنَ جنس امثال: كمريم ﴿ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ﴾: الصائرين إلى التقوى
﴿ ٱللَّهُ نُورُ ﴾: هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره، أي: موجد أي: منور ﴿ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾: خصهما لما مر ﴿ مَثَلُ ﴾: صفة ﴿ نُورِهِ ﴾: العجيبة في قلب المؤمن وإضافته كوجود زيد، وقراءة أبي مثل نور المؤمن، قيل: إشارة إلى مثل القرآن، وقيل: مثل القوة العاقلة ﴿ كَمِشْكَاةٍ ﴾: كصفة كوة إشارة ألى فم المؤمن ولسانه على الأول أو القوة الحساسة على الثاني، إذ محلها ككوة وجهها غلى الظاهر لا تدرك غير المحسوس وتضيء بالمعقولات ﴿ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾: كالقرآن أو القوة العاقلة المضيئة بإدراك المعارف ﴿ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ﴾: كقلب المؤمن أو القوة الخيالية لَقبُولها صور المحسوسات من الجوانب وضبطها للأنوار العقلية ﴿ ٱلزُّجَاجَةُ ﴾: لإضاءتها بما تشتمل عليه من أنوار القرآن أو الأنوار العقلية ﴿ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ﴾: يضئ كالدرة وبالهمزة دافع للظلمات ﴿ يُوقَدُ ﴾: الزجاجية وبالياء: المِصْبَاح ﴿ مِن ﴾: زيت ﴿ شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ ﴾: كالوحى أو المفكرة المؤلفة للمعقولات لإنتاج المجهولات المؤدية إلى ثمرات غير متناهية ﴿ زَيْتُونَةٍ ﴾: بدل منها أي: مثمرة للزيت الذي هو مَادَّة المصابيح ﴿ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ ﴾: مصونة من الحر والبرد المفرطين، فزيتها أضوأ إشارة غلى وقوعها بين الصور والمعاني لعلاقتهما مع الجانبين أو المراد ليست من زيتونة الدنيا التي إما شرقية وإما غريبة وحينئذ تأويلها ظاهر ﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا ﴾: لفرط صفائها ﴿ يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ﴾: كحجة القرآن تتضح وإن لم يقرأ وكالقوة القدسية المدركة لأسرار الملكوت تكاد تضيء بالمعارف بلا تعلم وتفكر ﴿ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ﴾: لتضاعف نور المصباح بصفاء الزيت وزهرة القنديل وضبط المشكاة لأشعته كنور القرآن والدلائل العقلية والبصيرة وعلى الثاني واضح ﴿ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ ﴾: هذا ﴿ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ﴾: يبين ﴿ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ﴾: تقريبا لأفهامهم ﴿ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ ﴾: ومنه ضرب الأمثال في متعلق يسبح " أو كمشكاة " ﴿ فِي بُيُوتٍ ﴾: هي المساجد، إذ مصابيحها أعظم أو تمثيل لأبدان المؤمنين ﴿ أَذِنَ ﴾: أمر ﴿ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ ﴾: قدرا بتطهيرها عما لا يليق بها ﴿ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ ﴾: ينزهه أو يصلي ﴿ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ ﴾: الصبح ﴿ وَٱلآصَالِ ﴾: العصر ﴿ رِجَالٌ ﴾: فاعل يسبح إن بني للفاعل وإلا فجواب مقدر ﴿ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ ﴾: معاملة للربح ﴿ وَلاَ بَيْعٌ ﴾: عمم بعدما خصص مبالغة ﴿ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَ ﴾: عن ﴿ إِقَامِ ﴾: إقامة ﴿ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ ﴾: ومع ذلك ﴿ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ ﴾: تضطرب ﴿ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ ﴾: خوفا وهو القيامة ﴿ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ ﴾: جزاء ﴿ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ ﴾: ما لم يخطر ببالهم ﴿ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ ﴾: في الآخرة لكونها لاغية غير نافعة بخلاف حسبانهم ﴿ كَسَرَابٍ ﴾: هو شُعاع يتكيف فيتسرب ويجرى كالماء ﴿ بِقِيعَةٍ ﴾: أراضٍ مستوية، جمع قاع ﴿ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ ﴾: العطشان ﴿ مَآءً ﴾: خص العطشان، لتشبيه الكافر به في شدة الحاجة إليه ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً ﴾: مما ظنه ﴿ وَوَجَدَ ٱللَّهَ ﴾: أي: عقابه ﴿ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ ﴾: مجازاته ﴿ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ ﴾: كما مر ﴿ أَوْ ﴾: أعمالهم في الدنيا لخلوها عن نور الحق ﴿ كَظُلُمَاتٍ ﴾: كظلمة حال اعتقاده ومصيره إلى ظلمة النار ﴿ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ ﴾: عميق ﴿ يَغْشَاهُ ﴾: يعلو البحر ﴿ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ ﴾: أي: أمواج متراكمة ﴿ مِّن فَوْقِهِ ﴾: أي: الموج الأخير ﴿ سَحَابٌ ﴾: مظلم، هذه ﴿ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ ﴾: الناظر ﴿ يَدَهُ ﴾: فيها ﴿ لَمْ يَكَدْ ﴾: لم يقرب أن ﴿ يَرَاهَا ﴾: لتكاثف الظلمات فضلاً عن رؤيته ﴿ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً ﴾: أي: لم يهده ﴿ فَمَا لَهُ مِن نُورٍ ﴾: أي: لم يهتد ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾: تعلم علما كالمشاهدة ﴿ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾: حالا أو مقالا غلب فيه ذوي العقول ﴿ وَٱلطَّيْرُ صَآفَّاتٍ ﴾: باسطات أجنحتهن، خصها لأنها حينئذ ليست فيهما ﴿ كُلٌّ ﴾: منهم ﴿ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ ﴾: دعاءه ﴿ وَتَسْبِيحَهُ ﴾: أو الصلاة للبشر، والتسبيح لغيره إلهاما أو علم الله ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ ﴾: مرجع الكل ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي ﴾: يسوق قليلا قليلا ﴿ سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ ﴾: يجمع ﴿ بَيْنَهُ ﴾: بين قطعه ﴿ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً ﴾: متراكما بعضه فوق بعض ﴿ فَتَرَى ٱلْوَدْقَ ﴾: المطر ﴿ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ ﴾: فَتَسوقه لانْعِصارها بالتَّراكم ﴿ وَيُنَزِّلُ مِنَ ﴾: جانب ﴿ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ ﴾: غيم كالجبال ﴿ فِيهَا مِن بَرَدٍ ﴾: بردا ﴿ فَيُصِيبُ بِهِ ﴾: بالبرد ﴿ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ ﴾: هذا لا ينافي قول القائل بأن أبخرته بلغت الطبقة الباردة من الهواء، وقوي بردها تصير سحابا، فإن لم يشتد البرد تقاطر المطر، وإن اشتد فإن وصل إلى الأجزاء البخارية قبل اجتماعها ينزل ثلجا، وإلا فبرداً وأنه قد يبرد الهواء مفرطا فينعقد سحابا ينزل منه المطر أو الثلج، لكن ابن عباس: أن في السماء جبال برد ينزل منه، وكأنه نظر إلى ظاهر الآية فأول بما أولت به ﴿ يَكَادُ سَنَا ﴾: ضوء ﴿ بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ ﴾: فسبحان من يخرج الماء والنار والنور والظلمة من شيء واحد ﴿ يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ﴾: يصرفه اختلافاً وتعاقُباً ﴿ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ ﴾: التقليب ﴿ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ ﴾: البصائر ﴿ وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ ﴾: أي: غالبا أو كما مر في الأنبياء، وخصها بالذكر لأنها أعجب ﴿ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي ﴾: يزحف كالمشي ﴿ عَلَىٰ بَطْنِهِ ﴾: كالحية، ذكر الضمير تغليبا للعقلاء، وأتى بـ ﴿ مَّن ﴾: ليوافق التفصيل الجملة، وقدم ما هو أدل على القدرة ﴿ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ﴾: ولو كان له أكثر فإنه غنما يعتمد على أربع ﴿ يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ ﴾: كما مر ﴿ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ ﴾: هدايته ﴿ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾: الإسلام ﴿ وَيَقُولُونَ ﴾: المنافقون ﴿ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ﴾: لهما ﴿ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ ﴾: عن الطاعة ﴿ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ ﴾: الاعتراف ﴿ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ ﴾: الفريق ﴿ بِٱلْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ ﴾: ذكره تعظيما ﴿ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ ﴾: إن كان الحق عليهم مخافة الحكم بالحق كمنافق خاصم يهوديا فدعاه اليهودي إلى النبي، وهو دعاه إلى كعب بن الأشراف ﴿ وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُوۤاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴾: مناقدين لعلمهم أنه يحكم لهم ﴿ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ ﴾: كفر ﴿ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ ﴾: في نبوتك ﴿ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ﴾: في الحكم، لا ﴿ بَلْ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ ﴾: إضراب عن التقسيم ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ﴾: لهم أو عليهم ﴿ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾: الناجون
﴿ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ ٱللَّهَ ﴾: بسوالف ذنوبه ﴿ وَيَتَّقْهِ ﴾: فيما بقي ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَآئِزُون ﴾: الظافرون ببغيتهم، ثم رجع إلى حال المنافقين فقال: ﴿ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ ﴾: أي: أغلظ ﴿ أَيْمَانِهِمْ ﴾: كما مر ﴿ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ ﴾: بالجهاد ﴿ لَيَخْرُجُنَّ قُل لاَّ تُقْسِمُواْ ﴾: كذبا، طاعتكم ﴿ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ ﴾: أنها قول بلا عمل ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾: يتولوا ﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ ﴾: على الرسول ﴿ مَا حُمِّلَ ﴾: من التبليغ ﴿ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ ﴾: من القبول ﴿ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ﴾: التبليغ ﴿ ٱلْمُبِينُ ﴾: الموضح ﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾: بلا من الكفار ﴿ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾: كبنى إسرائيل بدلا من الجبابرة ﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ ﴾: بالأحكام ﴿ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ ﴾: من أعدائهم ﴿ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ﴾: استئناف كتعليل ﴿ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ ﴾: الإنعام به ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾: الكاملون في الفسق، أول من كفر به قتله عثمان رضي الله عنه ﴿ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلاَةَ ﴾: عطف على أطيعوا الله ﴿ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ ﴾: كرره تأكيدا أو ليعلق به ﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون ﴾: راجين الرحمة ﴿ لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ ﴾: لنا في إدراكهم ﴿ فِي ٱلأَرْضِ وَمَأْوَٰهُمُ ٱلنَّارُ وَلَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴾: النار ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ ﴾: أرقَّاءُكم ﴿ وَ ﴾: الأحرار ﴿ ٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ ﴾: البلوغ ﴿ مِنكُمْ ﴾: هذا أمر للأولياء بتأديبهم ﴿ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ﴾: في ثلاثة أوقات ﴿ مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْر ﴾: وقت طرح ثياب النوم ﴿ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ ﴾: للقيلولة ﴿ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ ﴾: بيان للحين ﴿ وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ ﴾: وقت طرح الثياب اليقظة، هي ﴿ ثَلاَثُ ﴾: أوقات ﴿ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ﴾: اختلالات لستركم، ونصب بدلا من ثلاث ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ﴾: بعد الثلاثة في ترك الاستئذان، وهذا لا ينافي الاستئذان فينسخها، هم ﴿ طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ ﴾: للخدمة ﴿ بَعْضُكُمْ ﴾: طائف ﴿ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾: في الحوائج فيغتفر فيهم مالا يغتفر في غيرهم ﴿ كَذَلِكَ ﴾: التبيين ﴿ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ ﴾: بأحوالكم ﴿ حَكِيمٌ ﴾: فيما أمركم ﴿ وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ﴾: أيها الأحرار ﴿ ٱلْحُلُمَ ﴾: البلوغ ﴿ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ ﴾: كل الأوقات، ولو على الأبوين ﴿ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ ﴾: بلغوا ﴿ مِن قَبْلِهِمْ ﴾: أي: الرجال الأحرار ﴿ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾: كرره تأكيدا ﴿ وَ ﴾: العجائز ﴿ ٱلْقَوَاعِدُ ﴾: عن الحيض والحبل ﴿ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً ﴾: لكبرهن ﴿ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ ﴾: في ﴿ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ ﴾: الظاهرة كالجلباب ﴿ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ﴾: أي: مظهراتها ﴿ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ ﴾: فلا يضعنها ﴿ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ ﴾: لمقالتهن للرجال ﴿ عِلِيمٌ ﴾: بنياتهن ﴿ لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ ﴾: في مؤاكلة مقابليهم، أو في أكلهم من بيت من يدفع إليهم مفتاح عند خروجه غلى الغزو ويبيحه لهم أو في إجابة من يدعوهم إلى بيت أقاربهم المذكورين ليطعموهم ﴿ وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ ﴾: التي فيها عيالكم، فدخل بيت الأولاد، وورد: " أنتَ ومَالك لأبيكَ " ﴿ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَٰنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَٰلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ ﴾: أي: خزنتموه لغيركم كالراعي والناظور مما يحفظانه أو بيوت المماليك وهو القيم من مال اليتيم بشروطه ﴿ أَوْ ﴾: بيوت ﴿ صَدِيقِكُمْ ﴾: من صدقكم في مودته ولو في غيبة هؤلاء بشرط العلم برضاهم ولو بقرينه فما دل على عدم قطع سارق مال المحرم ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً ﴾: مجتمعين ﴿ أَوْ أَشْتَاتاً ﴾: متفرقين، كانوا يتحرجون من أكل الرجل وحده ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً ﴾: منها ﴿ فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ ﴾: أي: أهلها الذين هم منكم دينا أو بيوتا خالية تقول: السلام علينا الخ ﴿ تَحِيَّةً ﴾: مشروعة ﴿ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةً طَيِّبَةً ﴾: تطيب للمستمع ﴿ كَذَٰلِكَ ﴾: التبيين ﴿ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ ﴾: معالم دينكم ﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾: تفهمونه ﴿ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾: من صميم قلوبهم ﴿ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ ﴾: مع الرسول ﴿ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ ﴾: كالجمعة والعيد والشورى والحرب ﴿ لَّمْ يَذْهَبُواْ ﴾: عن محضره ﴿ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ ﴾: فيإذن لهم ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾: من صميم قلوبهم ﴿ فَإِذَا ٱسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ ﴾: أمرهم ﴿ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ ﴾: دل على أن بعض الاحكام مفوض إلى رأيه ﴿ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمُ ٱللَّهَ ﴾: إذ ربما يستأذنوا تقديما للدنيا ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ ﴾: لهم ﴿ رَّحِيمٌ ﴾: بهم ﴿ لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ﴾: في تجويز الماهلة في الجواب ولو في الصلاة، ولا تنادوا باسمه الشريف بل بلقبه المنيف ﴿ قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ ﴾: ينصرفون عن الجماعة قليلا قليلا خفية ﴿ لِوَاذاً ﴾: ملاوذين يستتر بعضهم ببعض من محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ ﴾: يُعْرضون ﴿ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ﴾: في الدنيا ﴿ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾: في الآخرة، دَلَّ على أن الأمر للوجوب لأنَّ مخالفته مقتضية لأحد العذابين ﴿ أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ ﴾: من الإيمان والنفاق، وأفاد بـ ﴿ قَدْ ﴾: تأكيد الوعيد ﴿ وَ ﴾: يعلم ﴿ يَوْمَ يُرْجَعُونَ ﴾: المنافقون ﴿ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ ﴾: بالجزاء ﴿ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمُ ﴾: ومنه اعمالهم - والله أعلمُ بالصّواب وإلْيِه المرجعُ والمآب.
Icon