تفسير سورة سورة ص من كتاب الجامع لأحكام القرآن
.
لمؤلفه
القرطبي
.
المتوفي سنة 671 هـ
ﰡ
سُورَة " ص " مَكِّيَّة وَآيَاتهَا ٨٨ نَزَلَتْ بَعْد الْقَمَر وَهِيَ مَكِّيَّة فِي قَوْل الْجَمِيع، وَهِيَ سِتّ وَثَمَانُونَ آيَة.
وَقِيلَ ثَمَان وَثَمَانُونَ آيَة.
قِرَاءَة الْعَامَّة " ص " بِجَزْمِ الدَّال عَلَى الْوَقْف ; لِأَنَّهُ حَرْف مِنْ حُرُوف الْهِجَاء مِثْل :" الم " وَ " المر ".
وَقَرَأَ أُبَيّ بْن كَعْب وَالْحَسَن وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَنَصْر بْن عَاصِم " صَادِ " بِكَسْرِ الدَّال بِغَيْرِ تَنْوِين.
وَلِقِرَاءَتِهِ مَذْهَبَانِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ مِنْ صَادَى يُصَادِي إِذَا عَارَضَ، وَمِنْهُ " فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى " [ عَبَسَ : ٦ ] أَيْ تَعَرَّضُ.
وَالْمُصَادَاة الْمُعَارَضَة، وَمِنْهُ الصَّدَى وَهُوَ مَا يُعَارِض الصَّوْت فِي الْأَمَاكِن الْخَالِيَة.
فَالْمَعْنَى صَادِ الْقُرْآن بِعَمَلِك ; أَيْ عَارِضْهُ بِعَمَلِك وَقَابِلْهُ بِهِ، فَاعْمَلْ بِأَوَامِرِهِ، وَانْتَهِ عَنْ نَوَاهِيه.
النَّحَّاس : وَهَذَا الْمَذْهَب يُرْوَى عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ فَسَّرَ بِهِ قِرَاءَته رِوَايَة صَحِيحَة.
وَعَنْهُ أَنَّ الْمَعْنَى اُتْلُهُ وَتَعَرَّضْ لِقِرَاءَتِهِ.
وَالْمَذْهَب الْآخَر أَنْ تَكُون الدَّال مَكْسُورَة لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر " صَادَ " بِفَتْحِ الدَّال مِثْله :" قَافَ " وَ " نُونَ " بِفَتْحِ آخِرهَا.
وَلَهُ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَة مَذَاهِب : أَحَدُهُنَّ أَنْ يَكُون بِمَعْنَى اُتْلُ.
وَالثَّانِي أَنْ يَكُون فَتَحَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَاخْتَارَ الْفَتْح لِلْإِتْبَاعِ ; وَلِأَنَّهُ أَخَفّ الْحَرَكَات.
وَالثَّالِث أَنْ يَكُون مَنْصُوبًا عَلَى الْقَسَم بِغَيْرِ حَرْف ; كَقَوْلِك : اللَّه لَأَفْعَلَنَّ، وَقِيلَ : نَصْب عَلَى الْإِغْرَاء.
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ صَادَ مُحَمَّد قُلُوب الْخَلْق وَاسْتَمَالَهَا حَتَّى آمَنُوا بِهِ.
وَقَرَأَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق أَيْضًا " صَادٍ " بِكَسْرِ الدَّال وَالتَّنْوِين عَلَى أَنْ يَكُون مَخْفُوضًا عَلَى حَذْف حَرْف الْقَسَم، وَهَذَا بَعِيد وَإِنْ كَانَ سِيبَوَيْهِ قَدْ أَجَازَ مِثْله.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون مُشَبَّهًا بِمَا لَا يَتَمَكَّن مِنْ الْأَصْوَات وَغَيْرهَا.
وَقَرَأَ هَارُون الْأَعْوَر وَمُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع :" صَادُ " وَ " قَافُ " وَ " نُونُ " بِضَمِّ آخِرِهِنَّ : لِأَنَّهُ الْمَعْرُوف بِالْبِنَاءِ فِي غَالِب الْحَال، نَحْو مُنْذُ وَقَطُّ وَقَبْل وَبَعْد.
وَ " ص " إِذَا جَعَلْته اِسْمًا لِلسُّورَةِ لَمْ يَنْصَرِف ; كَمَا أَنَّك إِذَا سَمَّيْت مُؤَنَّثًا بِمُذَكِّرٍ لَا يَنْصَرِف وَإِنْ قَلَّتْ حُرُوفُهُ.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَجَابِر بْن عَبْد اللَّه وَقَدْ سُئِلَا عَنْ " ص " فَقَالَا : لَا نَدْرِي مَا هِيَ.
وَقَالَ عِكْرِمَة : سَأَلَ نَافِع بْن الْأَزْرَق اِبْن عَبَّاس عَنْ " ص " فَقَالَ :" ص " كَانَ بَحْرًا بِمَكَّة وَكَانَ عَلَيْهِ عَرْش الرَّحْمَن إِذْ لَا لَيْل وَلَا نَهَار.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر :" ص " بَحْر يُحْيِي اللَّه بِهِ الْمَوْتَى بَيْن النَّفْخَتَيْنِ.
وَقَالَ الضَّحَّاك : مَعْنَاهُ صَدَقَ اللَّه.
وَعَنْهُ أَنَّ " ص " قَسَم أَقْسَمَ اللَّه بِهِ وَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى.
وَقَالَ السُّدِّيّ، وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : هُوَ مِفْتَاح أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى صَمَد وَصَانِع الْمَصْنُوعَات وَصَادِق الْوَعْد.
وَقَالَ قَتَادَة : هُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الرَّحْمَن.
وَقِيلَ ثَمَان وَثَمَانُونَ آيَة.
قِرَاءَة الْعَامَّة " ص " بِجَزْمِ الدَّال عَلَى الْوَقْف ; لِأَنَّهُ حَرْف مِنْ حُرُوف الْهِجَاء مِثْل :" الم " وَ " المر ".
وَقَرَأَ أُبَيّ بْن كَعْب وَالْحَسَن وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَنَصْر بْن عَاصِم " صَادِ " بِكَسْرِ الدَّال بِغَيْرِ تَنْوِين.
وَلِقِرَاءَتِهِ مَذْهَبَانِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ مِنْ صَادَى يُصَادِي إِذَا عَارَضَ، وَمِنْهُ " فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى " [ عَبَسَ : ٦ ] أَيْ تَعَرَّضُ.
وَالْمُصَادَاة الْمُعَارَضَة، وَمِنْهُ الصَّدَى وَهُوَ مَا يُعَارِض الصَّوْت فِي الْأَمَاكِن الْخَالِيَة.
فَالْمَعْنَى صَادِ الْقُرْآن بِعَمَلِك ; أَيْ عَارِضْهُ بِعَمَلِك وَقَابِلْهُ بِهِ، فَاعْمَلْ بِأَوَامِرِهِ، وَانْتَهِ عَنْ نَوَاهِيه.
النَّحَّاس : وَهَذَا الْمَذْهَب يُرْوَى عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ فَسَّرَ بِهِ قِرَاءَته رِوَايَة صَحِيحَة.
وَعَنْهُ أَنَّ الْمَعْنَى اُتْلُهُ وَتَعَرَّضْ لِقِرَاءَتِهِ.
وَالْمَذْهَب الْآخَر أَنْ تَكُون الدَّال مَكْسُورَة لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر " صَادَ " بِفَتْحِ الدَّال مِثْله :" قَافَ " وَ " نُونَ " بِفَتْحِ آخِرهَا.
وَلَهُ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَة مَذَاهِب : أَحَدُهُنَّ أَنْ يَكُون بِمَعْنَى اُتْلُ.
وَالثَّانِي أَنْ يَكُون فَتَحَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَاخْتَارَ الْفَتْح لِلْإِتْبَاعِ ; وَلِأَنَّهُ أَخَفّ الْحَرَكَات.
وَالثَّالِث أَنْ يَكُون مَنْصُوبًا عَلَى الْقَسَم بِغَيْرِ حَرْف ; كَقَوْلِك : اللَّه لَأَفْعَلَنَّ، وَقِيلَ : نَصْب عَلَى الْإِغْرَاء.
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ صَادَ مُحَمَّد قُلُوب الْخَلْق وَاسْتَمَالَهَا حَتَّى آمَنُوا بِهِ.
وَقَرَأَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق أَيْضًا " صَادٍ " بِكَسْرِ الدَّال وَالتَّنْوِين عَلَى أَنْ يَكُون مَخْفُوضًا عَلَى حَذْف حَرْف الْقَسَم، وَهَذَا بَعِيد وَإِنْ كَانَ سِيبَوَيْهِ قَدْ أَجَازَ مِثْله.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون مُشَبَّهًا بِمَا لَا يَتَمَكَّن مِنْ الْأَصْوَات وَغَيْرهَا.
وَقَرَأَ هَارُون الْأَعْوَر وَمُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع :" صَادُ " وَ " قَافُ " وَ " نُونُ " بِضَمِّ آخِرِهِنَّ : لِأَنَّهُ الْمَعْرُوف بِالْبِنَاءِ فِي غَالِب الْحَال، نَحْو مُنْذُ وَقَطُّ وَقَبْل وَبَعْد.
وَ " ص " إِذَا جَعَلْته اِسْمًا لِلسُّورَةِ لَمْ يَنْصَرِف ; كَمَا أَنَّك إِذَا سَمَّيْت مُؤَنَّثًا بِمُذَكِّرٍ لَا يَنْصَرِف وَإِنْ قَلَّتْ حُرُوفُهُ.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَجَابِر بْن عَبْد اللَّه وَقَدْ سُئِلَا عَنْ " ص " فَقَالَا : لَا نَدْرِي مَا هِيَ.
وَقَالَ عِكْرِمَة : سَأَلَ نَافِع بْن الْأَزْرَق اِبْن عَبَّاس عَنْ " ص " فَقَالَ :" ص " كَانَ بَحْرًا بِمَكَّة وَكَانَ عَلَيْهِ عَرْش الرَّحْمَن إِذْ لَا لَيْل وَلَا نَهَار.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر :" ص " بَحْر يُحْيِي اللَّه بِهِ الْمَوْتَى بَيْن النَّفْخَتَيْنِ.
وَقَالَ الضَّحَّاك : مَعْنَاهُ صَدَقَ اللَّه.
وَعَنْهُ أَنَّ " ص " قَسَم أَقْسَمَ اللَّه بِهِ وَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى.
وَقَالَ السُّدِّيّ، وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : هُوَ مِفْتَاح أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى صَمَد وَصَانِع الْمَصْنُوعَات وَصَادِق الْوَعْد.
وَقَالَ قَتَادَة : هُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الرَّحْمَن.
وَعَنْهُ أَنَّهُ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن.
وَقَالَ مُجَاهِد : هُوَ فَاتِحَة السُّورَة.
وَقِيلَ : هُوَ مِمَّا اِسْتَأْثَرَ اللَّه تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَهُوَ مَعْنَى الْقَوْل الْأَوَّل.
وَقَدْ تَقَدَّمَ جَمِيع هَذَا فِي [ الْبَقَرَة ].
وَقَالَ مُجَاهِد : هُوَ فَاتِحَة السُّورَة.
وَقِيلَ : هُوَ مِمَّا اِسْتَأْثَرَ اللَّه تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَهُوَ مَعْنَى الْقَوْل الْأَوَّل.
وَقَدْ تَقَدَّمَ جَمِيع هَذَا فِي [ الْبَقَرَة ].
وَالْقُرْآنِ
خَفْض بِوَاوِ الْقَسَم وَالْوَاو بَدَل مِنْ الْبَاء ; أَقْسَمَ بِالْقُرْآنِ تَنْبِيهًا عَلَى جَلَالَة قَدْره ; فَإِنَّ فِيهِ بَيَانَ كُلّ شَيْء، وَشِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُور، وَمُعْجِزَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
خَفْض بِوَاوِ الْقَسَم وَالْوَاو بَدَل مِنْ الْبَاء ; أَقْسَمَ بِالْقُرْآنِ تَنْبِيهًا عَلَى جَلَالَة قَدْره ; فَإِنَّ فِيهِ بَيَانَ كُلّ شَيْء، وَشِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُور، وَمُعْجِزَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِي الذِّكْرِ
خَفْض عَلَى النَّعْت وَعَلَامَة خَفْضه الْيَاء، وَهُوَ اِسْم مُعْتَلّ وَالْأَصْل فِيهِ ذَوَيْ عَلَى فَعَل.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَمُقَاتِل مَعْنَى " ذِي الذَّكَر " ذِي الْبَيَان.
الضَّحَّاك : ذِي الشَّرَف أَيْ مَنْ آمَنَ بِهِ كَانَ شَرَفًا لَهُ فِي الدَّارَيْنِ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى :" لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْركُمْ " [ الْأَنْبِيَاء : ١٠ ] أَيْ شَرَفكُمْ.
وَأَيْضًا الْقُرْآن شَرِيف فِي نَفْسه لِإِعْجَازِهِ وَاشْتِمَاله عَلَى مَا لَا يَشْتَمِل عَلَيْهِ غَيْره.
وَقِيلَ :" ذِي الذِّكْر " أَيْ فِيهِ ذِكْر مَا يُحْتَاج إِلَيْهِ مِنْ أَمْر الدِّين.
وَقِيلَ :" ذِي الذِّكْر " أَيْ فِيهِ ذِكْر أَسْمَاء اللَّه وَتَمْجِيده.
وَقِيلَ : أَيْ ذِي الْمَوْعِظَة وَالذِّكْر.
وَجَوَاب الْقَسَم مَحْذُوف.
وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَوْجُه : فَقِيلَ جَوَاب الْقَسَم " ص " ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ حَقّ فَهِيَ جَوَاب لِقَوْلِهِ :" وَالْقُرْآن " كَمَا تَقُول : حَقًّا وَاَللَّه، نَزَلَ وَاَللَّه، وَجَبَ وَاَللَّه ; فَيَكُون الْوَقْف مِنْ هَذَا الْوَجْه عَلَى قَوْله :" وَالْقُرْآن ذِي الذِّكْر " حَسَنًا، وَعَلَى " فِي عِزَّة وَشِقَاق " تَمَامًا.
قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ.
وَحَكَى مَعْنَاهُ الثَّعْلَبِيّ عَنْ الْفَرَّاء.
وَقِيلَ : الْجَوَاب " بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّة وَشِقَاق " لِأَنَّ " بَلْ " نَفْي لِأَمْرٍ سَبَقَ وَإِثْبَات لِغَيْرِهِ ; قَالَهُ الْقُتَبِيّ ; فَكَأَنَّهُ قَالَ :" وَالْقُرْآن ذِي الذِّكْر بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّة وَشِقَاق " عَنْ قَبُول الْحَقّ وَعَدَاوَة لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَوْ " وَالْقُرْآن ذِي الذِّكْر " مَا الْأَمْر كَمَا يَقُولُونَ مِنْ أَنَّك سَاحِر كَذَّاب ; لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَك بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَة بَلْ هُمْ فِي تَكَبُّر عَنْ قَبُول الْحَقّ.
وَهُوَ كَقَوْلِهِ :" ق وَالْقُرْآن الْمَجِيد.
بَلْ عَجِبُوا " [ قِ : ٢ ].
وَقِيلَ : الْجَوَاب " وَكَمْ أَهْلَكْنَا " [ قِ : ٣٦ ] كَأَنَّهُ قَالَ : وَالْقُرْآن لَكَمْ أَهْلَكْنَا ; فَلَمَّا تَأَخَّرَتْ " كَمْ " حُذِفَتْ اللَّام مِنْهَا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَالشَّمْس وَضُحَاهَا " [ الشَّمْس : ١ ] ثُمَّ قَالَ :" قَدْ أَفْلَحَ " [ الشَّمْس : ٩ ] أَيْ لَقَدْ أَفْلَحَ.
قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَهَذَا مَذْهَب الْفَرَّاء.
اِبْن الْأَنْبَارِيّ : فَمِنْ هَذَا الْوَجْه لَا يَتِمّ الْوَقْف عَلَى قَوْله :" فِي عِزَّة وَشِقَاق ".
وَقَالَ الْأَخْفَش : جَوَاب الْقَسَم " إِنْ كُلّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُل فَحَقَّ عِقَاب " وَنَحْو مِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَال مُبِين " [ الشُّعَرَاء : ٩٧ ] وَقَوْله :" وَالسَّمَاء وَالطَّارِق " إِلَى قَوْله " إِنْ كُلّ نَفْس " [ الطَّارِق :
١ - ٤ ].
اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا قَبِيح ; لِأَنَّ الْكَلَام قَدْ طَالَ فِيمَا بَيْنهمَا وَكَثُرَتْ الْآيَات وَالْقَصَص.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : جَوَاب الْقَسَم قَوْله :" إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُم أَهْل النَّار " [ ص : ٦٤ ].
اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا أَقْبَح مِنْ الْأَوَّل ; لِأَنَّ الْكَلَام أَشَدّ طُولًا فِيمَا بَيْن الْقَسَم وَجَوَابه.
وَقِيلَ الْجَوَاب قَوْله :" إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَاد " [ ص : ٥٤ ].
خَفْض عَلَى النَّعْت وَعَلَامَة خَفْضه الْيَاء، وَهُوَ اِسْم مُعْتَلّ وَالْأَصْل فِيهِ ذَوَيْ عَلَى فَعَل.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَمُقَاتِل مَعْنَى " ذِي الذَّكَر " ذِي الْبَيَان.
الضَّحَّاك : ذِي الشَّرَف أَيْ مَنْ آمَنَ بِهِ كَانَ شَرَفًا لَهُ فِي الدَّارَيْنِ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى :" لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْركُمْ " [ الْأَنْبِيَاء : ١٠ ] أَيْ شَرَفكُمْ.
وَأَيْضًا الْقُرْآن شَرِيف فِي نَفْسه لِإِعْجَازِهِ وَاشْتِمَاله عَلَى مَا لَا يَشْتَمِل عَلَيْهِ غَيْره.
وَقِيلَ :" ذِي الذِّكْر " أَيْ فِيهِ ذِكْر مَا يُحْتَاج إِلَيْهِ مِنْ أَمْر الدِّين.
وَقِيلَ :" ذِي الذِّكْر " أَيْ فِيهِ ذِكْر أَسْمَاء اللَّه وَتَمْجِيده.
وَقِيلَ : أَيْ ذِي الْمَوْعِظَة وَالذِّكْر.
وَجَوَاب الْقَسَم مَحْذُوف.
وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَوْجُه : فَقِيلَ جَوَاب الْقَسَم " ص " ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ حَقّ فَهِيَ جَوَاب لِقَوْلِهِ :" وَالْقُرْآن " كَمَا تَقُول : حَقًّا وَاَللَّه، نَزَلَ وَاَللَّه، وَجَبَ وَاَللَّه ; فَيَكُون الْوَقْف مِنْ هَذَا الْوَجْه عَلَى قَوْله :" وَالْقُرْآن ذِي الذِّكْر " حَسَنًا، وَعَلَى " فِي عِزَّة وَشِقَاق " تَمَامًا.
قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ.
وَحَكَى مَعْنَاهُ الثَّعْلَبِيّ عَنْ الْفَرَّاء.
وَقِيلَ : الْجَوَاب " بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّة وَشِقَاق " لِأَنَّ " بَلْ " نَفْي لِأَمْرٍ سَبَقَ وَإِثْبَات لِغَيْرِهِ ; قَالَهُ الْقُتَبِيّ ; فَكَأَنَّهُ قَالَ :" وَالْقُرْآن ذِي الذِّكْر بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّة وَشِقَاق " عَنْ قَبُول الْحَقّ وَعَدَاوَة لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَوْ " وَالْقُرْآن ذِي الذِّكْر " مَا الْأَمْر كَمَا يَقُولُونَ مِنْ أَنَّك سَاحِر كَذَّاب ; لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَك بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَة بَلْ هُمْ فِي تَكَبُّر عَنْ قَبُول الْحَقّ.
وَهُوَ كَقَوْلِهِ :" ق وَالْقُرْآن الْمَجِيد.
بَلْ عَجِبُوا " [ قِ : ٢ ].
وَقِيلَ : الْجَوَاب " وَكَمْ أَهْلَكْنَا " [ قِ : ٣٦ ] كَأَنَّهُ قَالَ : وَالْقُرْآن لَكَمْ أَهْلَكْنَا ; فَلَمَّا تَأَخَّرَتْ " كَمْ " حُذِفَتْ اللَّام مِنْهَا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَالشَّمْس وَضُحَاهَا " [ الشَّمْس : ١ ] ثُمَّ قَالَ :" قَدْ أَفْلَحَ " [ الشَّمْس : ٩ ] أَيْ لَقَدْ أَفْلَحَ.
قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَهَذَا مَذْهَب الْفَرَّاء.
اِبْن الْأَنْبَارِيّ : فَمِنْ هَذَا الْوَجْه لَا يَتِمّ الْوَقْف عَلَى قَوْله :" فِي عِزَّة وَشِقَاق ".
وَقَالَ الْأَخْفَش : جَوَاب الْقَسَم " إِنْ كُلّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُل فَحَقَّ عِقَاب " وَنَحْو مِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَال مُبِين " [ الشُّعَرَاء : ٩٧ ] وَقَوْله :" وَالسَّمَاء وَالطَّارِق " إِلَى قَوْله " إِنْ كُلّ نَفْس " [ الطَّارِق :
١ - ٤ ].
اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا قَبِيح ; لِأَنَّ الْكَلَام قَدْ طَالَ فِيمَا بَيْنهمَا وَكَثُرَتْ الْآيَات وَالْقَصَص.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : جَوَاب الْقَسَم قَوْله :" إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُم أَهْل النَّار " [ ص : ٦٤ ].
اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا أَقْبَح مِنْ الْأَوَّل ; لِأَنَّ الْكَلَام أَشَدّ طُولًا فِيمَا بَيْن الْقَسَم وَجَوَابه.
وَقِيلَ الْجَوَاب قَوْله :" إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَاد " [ ص : ٥٤ ].
وَقَالَ قَتَادَة : الْجَوَاب مَحْذُوف تَقْدِيره " وَالْقُرْآن ذِي الذِّكْر " لَتُبْعَثُنَّ وَنَحْوه.
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ
أَيْ تَكَبُّر وَامْتِنَاع مِنْ قَبُول الْحَقّ ; كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ :" وَإِذَا قِيلَ لَهُ اِتَّقِ اللَّه أَخَذَتْهُ الْعِزَّة بِالْإِثْمِ " [ الْبَقَرَة : ٢٠٦ ] وَالْعِزَّة عِنْد الْعَرَب : الْغَلَبَة وَالْقَهْر.
يُقَال : مَنْ عَزَّ بَزَّ ; يَعْنِي مَنْ غَلَبَ سَلَبَ.
وَمِنْهُ :" وَعَزَّنِي فِي الْخِطَاب " [ ص : ٢٣ ] أَرَادَ غَلَبَنِي.
وَقَالَ جَرِير :
أَرَادَ يَغْلِب.
أَيْ تَكَبُّر وَامْتِنَاع مِنْ قَبُول الْحَقّ ; كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ :" وَإِذَا قِيلَ لَهُ اِتَّقِ اللَّه أَخَذَتْهُ الْعِزَّة بِالْإِثْمِ " [ الْبَقَرَة : ٢٠٦ ] وَالْعِزَّة عِنْد الْعَرَب : الْغَلَبَة وَالْقَهْر.
يُقَال : مَنْ عَزَّ بَزَّ ; يَعْنِي مَنْ غَلَبَ سَلَبَ.
وَمِنْهُ :" وَعَزَّنِي فِي الْخِطَاب " [ ص : ٢٣ ] أَرَادَ غَلَبَنِي.
وَقَالَ جَرِير :
يَعُزُّ عَلَى الطَّرِيقِ بِمَنْكِبَيْهِ | كَمَا اِبْتَرَكَ الْخَلِيعُ عَلَى الْقِدَاحِ |
وَشِقَاقٍ
أَيْ فِي إِظْهَار خِلَاف وَمُبَايَنَة.
وَهُوَ مِنْ الشِّقّ كَأَنَّ هَذَا فِي شِقّ وَذَلِكَ فِي شِقّ.
وَقَدْ مَضَى فِي [ الْبَقَرَة ] مُسْتَوْفًى.
أَيْ فِي إِظْهَار خِلَاف وَمُبَايَنَة.
وَهُوَ مِنْ الشِّقّ كَأَنَّ هَذَا فِي شِقّ وَذَلِكَ فِي شِقّ.
وَقَدْ مَضَى فِي [ الْبَقَرَة ] مُسْتَوْفًى.
كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ
مِنْ قَبْلهمْ مِنْ قَرْن " أَيْ قَوْم كَانُوا أَمْنَعَ مِنْ هَؤُلَاءِ.
وَ " كَمْ " لَفْظَة التَّكْثِير
مِنْ قَبْلهمْ مِنْ قَرْن " أَيْ قَوْم كَانُوا أَمْنَعَ مِنْ هَؤُلَاءِ.
وَ " كَمْ " لَفْظَة التَّكْثِير
فَنَادَوْا
أَيْ بِالِاسْتِغَاثَةِ وَالتَّوْبَة.
وَالنِّدَاء رَفْع الصَّوْت ; وَمِنْهُ الْخَبَر :( أَلْقِهِ عَلَى بِلَال فَإِنَّهُ أَنْدَى مِنْك صَوْتًا ) أَيْ أَرْفَع.
أَيْ بِالِاسْتِغَاثَةِ وَالتَّوْبَة.
وَالنِّدَاء رَفْع الصَّوْت ; وَمِنْهُ الْخَبَر :( أَلْقِهِ عَلَى بِلَال فَإِنَّهُ أَنْدَى مِنْك صَوْتًا ) أَيْ أَرْفَع.
وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ
قَالَ الْحَسَن : نَادَوْا بِالتَّوْبَةِ وَلَيْسَ حِين التَّوْبَة وَلَا حِين يَنْفَع الْعَمَل.
النَّحَّاس : وَهَذَا تَفْسِير مِنْهُ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :" وَلَاتَ حِين مَنَاص " فَأَمَّا إِسْرَائِيل فَرَوَى عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ التَّمِيمِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس :" وَلَاتَ حِين مَنَاص " قَالَ : لَيْسَ بِحِينِ نَزْوٍ وَلَا فِرَار ; قَالَ : ضَبْط الْقَوْم جَمِيعًا قَالَ الْكَلْبِيّ : كَانُوا إِذَا قَاتَلُوا فَاضْطُرُّوا قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ مَنَاص ; أَيْ عَلَيْكُمْ بِالْفِرَارِ وَالْهَزِيمَة، فَلَمَّا أَتَاهُمْ الْعَذَاب قَالُوا مَنَاص ; فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" وَلَاتَ حِين مَنَاص " قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَعَلَى هَذَا فَالتَّقْدِير : فَنَادَوْا مَنَاص فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ بَقِيَّة الْكَلَام عَلَيْهِ ; أَيْ لَيْسَ الْوَقْت وَقْت مَا تُنَادُونَ بِهِ.
وَفِي هَذَا نَوْع تَحَكُّم ; إِذْ يَبْعُد أَنْ يُقَال : كُلّ مَنْ هَلَكَ مِنْ الْقُرُون كَانُوا يَقُولُونَ مَنَاص عِنْد الِاضْطِرَار.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى " وَلَاتَ حِين مَنَاص " أَيْ لَا خَلَاص وَهُوَ نَصْب بِوُقُوعِ لَا عَلَيْهِ.
قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَفِيهِ نَظَر لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى عَلَى هَذَا لِلْوَاوِ فِي " وَلَاتَ حِين مَنَاص " وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : أَيْ فَنَادَوْا حِين لَا مَنَاص ; أَيْ سَاعَة لَا مَنْجَى وَلَا فَوْت.
فَلَمَّا قَدَّمَ " لَا " وَأَخَّرَ " حِين " اِقْتَضَى ذَلِكَ الْوَاو، كَمَا يَقْتَضِي الْحَال إِذَا جُعِلَ اِبْتِدَاء وَخَبَرًا ; مِثْل قَوْلِك : جَاءَ زَيْد رَاكِبًا ; فَإِذَا جَعَلْته مُبْتَدَأ وَخَبَرًا اِقْتَضَى الْوَاو مُثُل جَاءَنِي زَيْد وَهُوَ رَاكِب، فَحِين ظَرْف لِقَوْلِهِ : فَنَادَوْا ".
وَالْمَنَاص بِمَعْنَى التَّأَخُّر وَالْفِرَار وَالْخَلَاص ; أَيْ نَادَوْا لِطَلَبِ الْخَلَاص فِي وَقْت لَا يَكُون لَهُمْ فِيهِ خَلَاص.
قَالَ الْفَرَّاء :
أَمِنْ ذِكْر لَيْلَى إِذْ نَأَتْك تَنُوصُ
يُقَال : نَاصَ عَنْ قَرْنه يَنُوص نَوْصًا وَمَنَاصًا أَيْ فَرَّ وَزَاغَ.
النَّحَّاس : وَيُقَال : نَاصَ يَنُوص إِذَا تَقَدَّمَ.
قُلْت : فَعَلَى هَذَا يَكُون مِنْ الْأَضْدَاد، وَالنَّوْص الْحِمَار الْوَحْشِيّ.
وَاسْتَنَاصَ أَيْ تَأَخَّرَ ; قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ.
وَتَكَلَّمَ النَّحْوِيُّونَ فِي " وَلَاتَ حِين " وَفِي الْوَقْف عَلَيْهِ، وَكَثَّرَ فِيهِ أَبُو عُبَيْدَة الْقَاسِم بْن سَلَّام فِي كِتَاب الْقِرَاءَات وَكُلّ مَا جَاءَ بِهِ إِلَّا يَسِيرًا مَرْدُود.
فَقَالَ سِيبَوَيْهِ :" لَاتَ " مُشَبَّهَة بِلَيْسَ وَالِاسْم فِيهَا مُضْمَر ; أَيْ لَيْسَتْ أَحْيَانُنَا حِين مَنَاص.
وَحَكَى أَنَّ مِنْ الْعَرَب مَنْ يَرْفَع بِهَا فَيَقُول : وَلَاتَ حِينُ مَنَاص.
وَحَكَى أَنَّ الرَّفْع قَلِيل وَيَكُون الْخَبَر مَحْذُوفًا كَمَا كَانَ الِاسْم مَحْذُوفًا فِي النَّصْب ; أَيْ وَلَاتَ حِين مَنَاص لَنَا.
وَالْوَقْف عَلَيْهَا عِنْد سِيبَوَيْهِ وَالْفَرَّاء " وَلَاتَ " بِالتَّاءِ ثُمَّ تَبْتَدِئ " حِين مَنَاص " هُوَ قَوْل اِبْن كَيْسَان وَالزَّجَّاج.
قَالَ أَبُو الْحَسَن بْن كَيْسَان : وَالْقَوْل كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ ; لِأَنَّ شَبَههَا بِلَيْسَ فَكَمَا يُقَال لَيْسَتْ يُقَال لَاتَ.
وَالْوُقُوف عَلَيْهَا عِنْد الْكِسَائِيّ بِالْهَاءِ وَلَاه.
وَهُوَ قَوْل الْمُبَرِّد مُحَمَّد بْن يَزِيد.
قَالَ الْحَسَن : نَادَوْا بِالتَّوْبَةِ وَلَيْسَ حِين التَّوْبَة وَلَا حِين يَنْفَع الْعَمَل.
النَّحَّاس : وَهَذَا تَفْسِير مِنْهُ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :" وَلَاتَ حِين مَنَاص " فَأَمَّا إِسْرَائِيل فَرَوَى عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ التَّمِيمِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس :" وَلَاتَ حِين مَنَاص " قَالَ : لَيْسَ بِحِينِ نَزْوٍ وَلَا فِرَار ; قَالَ : ضَبْط الْقَوْم جَمِيعًا قَالَ الْكَلْبِيّ : كَانُوا إِذَا قَاتَلُوا فَاضْطُرُّوا قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ مَنَاص ; أَيْ عَلَيْكُمْ بِالْفِرَارِ وَالْهَزِيمَة، فَلَمَّا أَتَاهُمْ الْعَذَاب قَالُوا مَنَاص ; فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" وَلَاتَ حِين مَنَاص " قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَعَلَى هَذَا فَالتَّقْدِير : فَنَادَوْا مَنَاص فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ بَقِيَّة الْكَلَام عَلَيْهِ ; أَيْ لَيْسَ الْوَقْت وَقْت مَا تُنَادُونَ بِهِ.
وَفِي هَذَا نَوْع تَحَكُّم ; إِذْ يَبْعُد أَنْ يُقَال : كُلّ مَنْ هَلَكَ مِنْ الْقُرُون كَانُوا يَقُولُونَ مَنَاص عِنْد الِاضْطِرَار.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى " وَلَاتَ حِين مَنَاص " أَيْ لَا خَلَاص وَهُوَ نَصْب بِوُقُوعِ لَا عَلَيْهِ.
قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَفِيهِ نَظَر لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى عَلَى هَذَا لِلْوَاوِ فِي " وَلَاتَ حِين مَنَاص " وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : أَيْ فَنَادَوْا حِين لَا مَنَاص ; أَيْ سَاعَة لَا مَنْجَى وَلَا فَوْت.
فَلَمَّا قَدَّمَ " لَا " وَأَخَّرَ " حِين " اِقْتَضَى ذَلِكَ الْوَاو، كَمَا يَقْتَضِي الْحَال إِذَا جُعِلَ اِبْتِدَاء وَخَبَرًا ; مِثْل قَوْلِك : جَاءَ زَيْد رَاكِبًا ; فَإِذَا جَعَلْته مُبْتَدَأ وَخَبَرًا اِقْتَضَى الْوَاو مُثُل جَاءَنِي زَيْد وَهُوَ رَاكِب، فَحِين ظَرْف لِقَوْلِهِ : فَنَادَوْا ".
وَالْمَنَاص بِمَعْنَى التَّأَخُّر وَالْفِرَار وَالْخَلَاص ; أَيْ نَادَوْا لِطَلَبِ الْخَلَاص فِي وَقْت لَا يَكُون لَهُمْ فِيهِ خَلَاص.
قَالَ الْفَرَّاء :
أَمِنْ ذِكْر لَيْلَى إِذْ نَأَتْك تَنُوصُ
يُقَال : نَاصَ عَنْ قَرْنه يَنُوص نَوْصًا وَمَنَاصًا أَيْ فَرَّ وَزَاغَ.
النَّحَّاس : وَيُقَال : نَاصَ يَنُوص إِذَا تَقَدَّمَ.
قُلْت : فَعَلَى هَذَا يَكُون مِنْ الْأَضْدَاد، وَالنَّوْص الْحِمَار الْوَحْشِيّ.
وَاسْتَنَاصَ أَيْ تَأَخَّرَ ; قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ.
وَتَكَلَّمَ النَّحْوِيُّونَ فِي " وَلَاتَ حِين " وَفِي الْوَقْف عَلَيْهِ، وَكَثَّرَ فِيهِ أَبُو عُبَيْدَة الْقَاسِم بْن سَلَّام فِي كِتَاب الْقِرَاءَات وَكُلّ مَا جَاءَ بِهِ إِلَّا يَسِيرًا مَرْدُود.
فَقَالَ سِيبَوَيْهِ :" لَاتَ " مُشَبَّهَة بِلَيْسَ وَالِاسْم فِيهَا مُضْمَر ; أَيْ لَيْسَتْ أَحْيَانُنَا حِين مَنَاص.
وَحَكَى أَنَّ مِنْ الْعَرَب مَنْ يَرْفَع بِهَا فَيَقُول : وَلَاتَ حِينُ مَنَاص.
وَحَكَى أَنَّ الرَّفْع قَلِيل وَيَكُون الْخَبَر مَحْذُوفًا كَمَا كَانَ الِاسْم مَحْذُوفًا فِي النَّصْب ; أَيْ وَلَاتَ حِين مَنَاص لَنَا.
وَالْوَقْف عَلَيْهَا عِنْد سِيبَوَيْهِ وَالْفَرَّاء " وَلَاتَ " بِالتَّاءِ ثُمَّ تَبْتَدِئ " حِين مَنَاص " هُوَ قَوْل اِبْن كَيْسَان وَالزَّجَّاج.
قَالَ أَبُو الْحَسَن بْن كَيْسَان : وَالْقَوْل كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ ; لِأَنَّ شَبَههَا بِلَيْسَ فَكَمَا يُقَال لَيْسَتْ يُقَال لَاتَ.
وَالْوُقُوف عَلَيْهَا عِنْد الْكِسَائِيّ بِالْهَاءِ وَلَاه.
وَهُوَ قَوْل الْمُبَرِّد مُحَمَّد بْن يَزِيد.
وَحَكَى عَنْهُ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان أَنَّ الْحُجَّة فِي ذَلِكَ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْهَاء لِتَأْنِيثِ الْكَلِمَة، كَمَا يُقَال ثُمَّهْ وَرُبَّهْ.
وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقَدْ يُقَال ثُمَّتْ بِمَعْنَى ثُمَّ، وَرُبَّتْ بِمَعْنَى رُبَّ ; فَكَأَنَّهُمْ زَادُوا فِي لَا هَاء فَقَالُوا لَاهْ، كَمَا قَالُوا فِي ثُمَّهْ عِنْد الْوَصْل صَارَتْ تَاء.
وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَقَالَ أَهْل اللُّغَة : وَ " لَاتَ حِينَ " مَفْتُوحَتَانِ كَأَنَّهُمَا كَلِمَة وَاحِدَة، وَإِنَّمَا هِيَ " لَا " زِيدَتْ فِيهَا التَّاء نَحْو رُبّ وَرُبَّتْ، وَثُمَّ وَثُمَّتْ.
قَالَ أَبُو زُبَيْد الطَّائِيّ :
وَقَالَ آخَر :
وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَخْفِض بِهَا ; وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء :
وَكَانَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء وَالْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَش يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ " وَلَاتَ حِين " التَّاء مُنْقَطِعَة مِنْ حِين، وَيَقُولُونَ مَعْنَاهَا وَلَيْسَتْ.
وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْمَصَاحِف الْجُدُد وَالْعُتُق بِقَطْعِ التَّاء مِنْ حِين.
وَإِلَى هَذَا كَانَ يَذْهَب أَبُو عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّام : الْوَقْف عِنْدِي عَلَى هَذَا الْحَرْف " وَلَا " وَالِابْتِدَاء " تَحِين مَنَاص " فَتَكُون التَّاء مَعَ حِين.
وَقَالَ بَعْضهمْ :" لَاتَ " ثُمَّ يَبْتَدِئ فَيَقُول :" حِين مَنَاص ".
قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْد أَنَّ التَّاء فِي الْمُصْحَف مُتَّصِلَة بِحِينَ وَهُوَ غَلَط عِنْد النَّحْوِيِّينَ، وَهُوَ خِلَاف قَوْل الْمُفَسِّرِينَ.
وَمِنْ حُجَّة أَبِي عُبَيْد أَنْ قَالَ : إِنَّا لَمْ نَجِدْ الْعَرَب تَزِيد هَذِهِ التَّاء إِلَّا فِي حِين وَأَوَان وَالْآن ; وَأَنْشَدَ لِأَبِي وَجْزَة السَّعْدِيّ :
وَأَنْشَدَ لِأَبِي زُبَيْد الطَّائِيّ :
فَأَدْخَلَ التَّاء فِي أَوَان.
قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَمِنْ إِدْخَالِهِمْ التَّاء فِي الْآن، حَدِيث اِبْن عُمَر وَسَأَلَهُ رَجُل عَنْ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فَذَكَرَ مَنَاقِبَهُ ثُمَّ قَالَ : اِذْهَبْ بِهَا تَلَانَ مَعَك.
وَكَذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر :
قَالَ أَبُو عُبَيْد : ثُمَّ مَعَ هَذَا كُلّه إِنِّي تَعَمَّدْت النَّظَر فِي الَّذِي يُقَال لَهُ الْإِمَام - مُصْحَف عُثْمَان - فَوَجَدْت التَّاء مُتَّصِلَة مَعَ حِين قَدْ كُتِبَتْ تَحِين.
قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : أَمَّا الْبَيْت الْأَوَّل الَّذِي أَنْشَدَهُ لِأَبِي وَجْزَة فَرَوَاهُ الْعُلَمَاء بِاللُّغَةِ عَلَى أَرْبَعَة أَوْجُه، كُلّهَا عَلَى خِلَاف مَا أَنْشَدَهُ ; وَفِي أَحَدهَا تَقْدِيرَانِ ; رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن يَزِيد :
الْعَاطِفُونَ وَلَاتَ مَا مِنْ عَاطِفٍ
وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة :
الْعَاطِفُونَ وَلَاتَ حِين تَعَاطُفِ
وَالرِّوَايَة الثَّالِثَة رَوَاهَا اِبْن كَيْسَان :
وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقَدْ يُقَال ثُمَّتْ بِمَعْنَى ثُمَّ، وَرُبَّتْ بِمَعْنَى رُبَّ ; فَكَأَنَّهُمْ زَادُوا فِي لَا هَاء فَقَالُوا لَاهْ، كَمَا قَالُوا فِي ثُمَّهْ عِنْد الْوَصْل صَارَتْ تَاء.
وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَقَالَ أَهْل اللُّغَة : وَ " لَاتَ حِينَ " مَفْتُوحَتَانِ كَأَنَّهُمَا كَلِمَة وَاحِدَة، وَإِنَّمَا هِيَ " لَا " زِيدَتْ فِيهَا التَّاء نَحْو رُبّ وَرُبَّتْ، وَثُمَّ وَثُمَّتْ.
قَالَ أَبُو زُبَيْد الطَّائِيّ :
طَلَبُوا صُلْحَنَا وَلَاتَ أَوَانِ | فَأَجَبْنَا أَنْ لَيْسَ حِينَ بَقَاءِ |
تَذَكَّرَ حُبَّ لَيْلَى لَاتَ حِينًا | وَأَمْسَى الشَّيْبُ قَدْ قَطَعَ الْقَرِينَا |
فَلَتَعْرِفَنَّ خَلَائِقًا مَشْمُولَةً | وَلَتَنْدَمَنَّ وَلَاتَ سَاعَةَ مَنْدَمِ |
وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْمَصَاحِف الْجُدُد وَالْعُتُق بِقَطْعِ التَّاء مِنْ حِين.
وَإِلَى هَذَا كَانَ يَذْهَب أَبُو عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّام : الْوَقْف عِنْدِي عَلَى هَذَا الْحَرْف " وَلَا " وَالِابْتِدَاء " تَحِين مَنَاص " فَتَكُون التَّاء مَعَ حِين.
وَقَالَ بَعْضهمْ :" لَاتَ " ثُمَّ يَبْتَدِئ فَيَقُول :" حِين مَنَاص ".
قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْد أَنَّ التَّاء فِي الْمُصْحَف مُتَّصِلَة بِحِينَ وَهُوَ غَلَط عِنْد النَّحْوِيِّينَ، وَهُوَ خِلَاف قَوْل الْمُفَسِّرِينَ.
وَمِنْ حُجَّة أَبِي عُبَيْد أَنْ قَالَ : إِنَّا لَمْ نَجِدْ الْعَرَب تَزِيد هَذِهِ التَّاء إِلَّا فِي حِين وَأَوَان وَالْآن ; وَأَنْشَدَ لِأَبِي وَجْزَة السَّعْدِيّ :
الْعَاطِفُونَ تَحِينَ مَا مِنْ عَاطِفٍ | وَالْمُطْعِمُونَ زَمَانَ أَيْنَ الْمَطْعَمُ |
طَلَبُوا صُلْحَنَا وَلَا تَأَوَانِ | فَأَجَبْنَا أَنْ لَيْسَ حِينَ بَقَاءِ |
قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَمِنْ إِدْخَالِهِمْ التَّاء فِي الْآن، حَدِيث اِبْن عُمَر وَسَأَلَهُ رَجُل عَنْ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فَذَكَرَ مَنَاقِبَهُ ثُمَّ قَالَ : اِذْهَبْ بِهَا تَلَانَ مَعَك.
وَكَذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر :
نُوَلِّي قَبْلَ نَأْيِ دَارِي جُمَانَا | وَصَلَّيْنَا كَمَا زَعَمَتْ تَلَانَا |
قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : أَمَّا الْبَيْت الْأَوَّل الَّذِي أَنْشَدَهُ لِأَبِي وَجْزَة فَرَوَاهُ الْعُلَمَاء بِاللُّغَةِ عَلَى أَرْبَعَة أَوْجُه، كُلّهَا عَلَى خِلَاف مَا أَنْشَدَهُ ; وَفِي أَحَدهَا تَقْدِيرَانِ ; رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن يَزِيد :
الْعَاطِفُونَ وَلَاتَ مَا مِنْ عَاطِفٍ
وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة :
الْعَاطِفُونَ وَلَاتَ حِين تَعَاطُفِ
وَالرِّوَايَة الثَّالِثَة رَوَاهَا اِبْن كَيْسَان :
الْعَاطِفُونَة حِينَ مَا مِنْ عَاطِفٍ
جَعَلَهَا هَاء فِي الْوَقْف وَتَاء فِي الْإِدْرَاج، وَزَعَمَ أَنَّهَا لِبَيَانِ الْحَرَكَة شُبِّهَتْ بِهَاءِ التَّأْنِيث.
الرِّوَايَة الرَّابِعَة :
الْعَاطِفُونَهُ حِين مَا مِنْ عَاطِفٍ
وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَة تَقْدِيرَانِ ; أَحَدهمَا وَهُوَ مَذْهَب إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق أَنَّ الْهَاء فِي مَوْضِع نَصْب ; كَمَا تَقُول : الضَّارِبُونَ زَيْدًا فَإِذَا كَنَّيْت قُلْت الضَّارِبُوهُ.
وَأَجَازَ سِيبَوَيْهِ فِي الشِّعْر الضَّارِبُونَهُ، فَجَاءَ إِسْمَاعِيل بِالتَّأْنِيثِ عَلَى مَذْهَب سِيبَوَيْهِ فِي إِجَازَته مِثْله.
وَالتَّقْدِير الْآخَر الْعَاطِفُونَهُ عَلَى أَنَّ الْهَاء لِبَيَانِ الْحَرَكَة، كَمَا تَقُول : مَرَّ بِنَا الْمُسْلِمُونَهْ فِي الْوَقْف، ثُمَّ أُجْرِيَتْ فِي الْوَصْل مَجْرَاهَا فِي الْوَقْف ; كَمَا قَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة :" مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ " [ الْحَاقَّة :
٢٨ - ٢٩ ] وَأَمَّا الْبَيْت الثَّانِي فَلَا حُجَّة لَهُ فِيهِ ; لِأَنَّهُ يُوقَف عَلَيْهِ : وَلَاتَ أَوَان، غَيْر أَنَّ فِيهِ شَيْئًا مُشْكِلًا ; لِأَنَّهُ يُرْوَى : وَلَاتَ أَوَانِ بِالْخَفْضِ، وَإِنَّمَا يَقَع مَا بَعْد لَاتَ مَرْفُوعًا أَوْ مَنْصُوبًا.
وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْ عِيسَى بْن عُمَر أَنَّهُ قَرَأَ " وَلَاتِ حِينِ مَنَاص " بِكَسْرِ التَّاء مِنْ لَات وَالنُّون مِنْ حِين فَإِنَّ الثَّبَت عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ " وَلَات حِينَ مَنَاص " فَبَنَى " لَاتِ " عَلَى الْكَسْر وَنَصَبَ " حِين ".
فَأَمَّا : وَلَاتَ أَوَان فَفِيهِ تَقْدِيرَانِ ; قَالَ الْأَخْفَش : فِيهِ مُضْمَر أَيْ وَلَاتَ حِين أَوَان.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا الْقَوْل بَيِّن الْخَطَأ.
وَالتَّقْدِير الْآخَر عَنْ أَبِي إِسْحَاق قَالَ : تَقْدِيره وَلَاتَ أَوَاننَا فَحَذَفَ، الْمُضَاف إِلَيْهِ فَوَجَبَ أَلَّا يُعْرَب، وَكَسَرَهُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وَأَنْشَدَهُ مُحَمَّد بْن يَزِيد وَلَاتَ أَوَانٌ بِالرَّفْعِ.
وَأَمَّا الْبَيْت الثَّالِث فَبَيْت مُوَلَّد لَا يُعْرَف قَائِلُهُ وَلَا تَصِحّ بِهِ حُجَّة.
عَلَى أَنَّ مُحَمَّد بْن يَزِيد رَوَاهُ : كَمَا زَعَمْت الْآن.
وَقَالَ غَيْره : الْمَعْنَى كَمَا زَعَمْت أَنْتَ الْآن.
فَأَسْقَطَ الْهَمْزَة مِنْ أَنْتَ وَالنُّون.
وَأَمَّا اِحْتِجَاجه بِحَدِيثِ اِبْن عُمَر، لَمَّا ذَكَرَ لِلرَّجُلِ مَنَاقِب عُثْمَان فَقَالَ لَهُ : اِذْهَبْ بِهَا تَلَانَ إِلَى أَصْحَابك فَلَا حُجَّة، فِيهِ ; لِأَنَّ الْمُحَدِّث إِنَّمَا يَرْوِي هَذَا عَلَى الْمَعْنَى.
وَالدَّلِيل عَلَى هَذَا أَنَّ مُجَاهِدًا يَرْوِي عَنْ اِبْن عُمَر هَذَا الْحَدِيث وَقَالَ فِيهِ : اِذْهَبْ فَاجْهَدْ جَهْدَك.
وَرَوَاهُ آخَر : اِذْهَبْ بِهَا الْآن مَعَك.
وَأَمَّا اِحْتِجَاجُهُ بِأَنَّهُ وَجَدَهَا فِي الْإِمَام " تَحِين ".
فَلَا حُجَّة فِيهِ ; لِأَنَّ مَعْنَى الْإِمَام أَنَّهُ إِمَام الْمَصَاحِف فَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهَا فَلَيْسَ بِإِمَامٍ لَهَا، وَفِي الْمَصَاحِف كُلّهَا " وَلَاتَ " فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا إِلَّا هَذَا الِاحْتِجَاج لَكَانَ مُقْنِعًا.
وَجَمْع مَنَاص مَنَاوِص.
جَعَلَهَا هَاء فِي الْوَقْف وَتَاء فِي الْإِدْرَاج، وَزَعَمَ أَنَّهَا لِبَيَانِ الْحَرَكَة شُبِّهَتْ بِهَاءِ التَّأْنِيث.
الرِّوَايَة الرَّابِعَة :
الْعَاطِفُونَهُ حِين مَا مِنْ عَاطِفٍ
وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَة تَقْدِيرَانِ ; أَحَدهمَا وَهُوَ مَذْهَب إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق أَنَّ الْهَاء فِي مَوْضِع نَصْب ; كَمَا تَقُول : الضَّارِبُونَ زَيْدًا فَإِذَا كَنَّيْت قُلْت الضَّارِبُوهُ.
وَأَجَازَ سِيبَوَيْهِ فِي الشِّعْر الضَّارِبُونَهُ، فَجَاءَ إِسْمَاعِيل بِالتَّأْنِيثِ عَلَى مَذْهَب سِيبَوَيْهِ فِي إِجَازَته مِثْله.
وَالتَّقْدِير الْآخَر الْعَاطِفُونَهُ عَلَى أَنَّ الْهَاء لِبَيَانِ الْحَرَكَة، كَمَا تَقُول : مَرَّ بِنَا الْمُسْلِمُونَهْ فِي الْوَقْف، ثُمَّ أُجْرِيَتْ فِي الْوَصْل مَجْرَاهَا فِي الْوَقْف ; كَمَا قَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة :" مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ " [ الْحَاقَّة :
٢٨ - ٢٩ ] وَأَمَّا الْبَيْت الثَّانِي فَلَا حُجَّة لَهُ فِيهِ ; لِأَنَّهُ يُوقَف عَلَيْهِ : وَلَاتَ أَوَان، غَيْر أَنَّ فِيهِ شَيْئًا مُشْكِلًا ; لِأَنَّهُ يُرْوَى : وَلَاتَ أَوَانِ بِالْخَفْضِ، وَإِنَّمَا يَقَع مَا بَعْد لَاتَ مَرْفُوعًا أَوْ مَنْصُوبًا.
وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْ عِيسَى بْن عُمَر أَنَّهُ قَرَأَ " وَلَاتِ حِينِ مَنَاص " بِكَسْرِ التَّاء مِنْ لَات وَالنُّون مِنْ حِين فَإِنَّ الثَّبَت عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ " وَلَات حِينَ مَنَاص " فَبَنَى " لَاتِ " عَلَى الْكَسْر وَنَصَبَ " حِين ".
فَأَمَّا : وَلَاتَ أَوَان فَفِيهِ تَقْدِيرَانِ ; قَالَ الْأَخْفَش : فِيهِ مُضْمَر أَيْ وَلَاتَ حِين أَوَان.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا الْقَوْل بَيِّن الْخَطَأ.
وَالتَّقْدِير الْآخَر عَنْ أَبِي إِسْحَاق قَالَ : تَقْدِيره وَلَاتَ أَوَاننَا فَحَذَفَ، الْمُضَاف إِلَيْهِ فَوَجَبَ أَلَّا يُعْرَب، وَكَسَرَهُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وَأَنْشَدَهُ مُحَمَّد بْن يَزِيد وَلَاتَ أَوَانٌ بِالرَّفْعِ.
وَأَمَّا الْبَيْت الثَّالِث فَبَيْت مُوَلَّد لَا يُعْرَف قَائِلُهُ وَلَا تَصِحّ بِهِ حُجَّة.
عَلَى أَنَّ مُحَمَّد بْن يَزِيد رَوَاهُ : كَمَا زَعَمْت الْآن.
وَقَالَ غَيْره : الْمَعْنَى كَمَا زَعَمْت أَنْتَ الْآن.
فَأَسْقَطَ الْهَمْزَة مِنْ أَنْتَ وَالنُّون.
وَأَمَّا اِحْتِجَاجه بِحَدِيثِ اِبْن عُمَر، لَمَّا ذَكَرَ لِلرَّجُلِ مَنَاقِب عُثْمَان فَقَالَ لَهُ : اِذْهَبْ بِهَا تَلَانَ إِلَى أَصْحَابك فَلَا حُجَّة، فِيهِ ; لِأَنَّ الْمُحَدِّث إِنَّمَا يَرْوِي هَذَا عَلَى الْمَعْنَى.
وَالدَّلِيل عَلَى هَذَا أَنَّ مُجَاهِدًا يَرْوِي عَنْ اِبْن عُمَر هَذَا الْحَدِيث وَقَالَ فِيهِ : اِذْهَبْ فَاجْهَدْ جَهْدَك.
وَرَوَاهُ آخَر : اِذْهَبْ بِهَا الْآن مَعَك.
وَأَمَّا اِحْتِجَاجُهُ بِأَنَّهُ وَجَدَهَا فِي الْإِمَام " تَحِين ".
فَلَا حُجَّة فِيهِ ; لِأَنَّ مَعْنَى الْإِمَام أَنَّهُ إِمَام الْمَصَاحِف فَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهَا فَلَيْسَ بِإِمَامٍ لَهَا، وَفِي الْمَصَاحِف كُلّهَا " وَلَاتَ " فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا إِلَّا هَذَا الِاحْتِجَاج لَكَانَ مُقْنِعًا.
وَجَمْع مَنَاص مَنَاوِص.
وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ
" أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب وَالْمَعْنَى مِنْ أَنْ جَاءَهُمْ.
قِيلَ : هُوَ مُتَّصِل بِقَوْلِهِ :" فِي عِزَّة وَشِقَاق " أَيْ فِي عِزَّة وَشِقَاق وَعَجِبُوا، وَقَوْله :" كَمْ أَهْلَكْنَا " مُعْتَرِض.
وَقِيلَ : لَا بَلْ هَذَا اِبْتِدَاء كَلَام ; أَيْ وَمِنْ جَهْلهمْ أَنَّهُمْ أَظْهَرُوا التَّعَجُّب مِنْ أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِر مِنْهُمْ.
" أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب وَالْمَعْنَى مِنْ أَنْ جَاءَهُمْ.
قِيلَ : هُوَ مُتَّصِل بِقَوْلِهِ :" فِي عِزَّة وَشِقَاق " أَيْ فِي عِزَّة وَشِقَاق وَعَجِبُوا، وَقَوْله :" كَمْ أَهْلَكْنَا " مُعْتَرِض.
وَقِيلَ : لَا بَلْ هَذَا اِبْتِدَاء كَلَام ; أَيْ وَمِنْ جَهْلهمْ أَنَّهُمْ أَظْهَرُوا التَّعَجُّب مِنْ أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِر مِنْهُمْ.
وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ
أَيْ يَجِيء بِالْكَلَامِ الْمُمَوَّه الَّذِي يُخْدَع بِهِ النَّاس ; وَقِيلَ : يُفَرِّق بِسِحْرِهِ بَيْن الْوَالِد وَوَلَده وَالرَّجُل وَزَوْجَته
أَيْ يَجِيء بِالْكَلَامِ الْمُمَوَّه الَّذِي يُخْدَع بِهِ النَّاس ; وَقِيلَ : يُفَرِّق بِسِحْرِهِ بَيْن الْوَالِد وَوَلَده وَالرَّجُل وَزَوْجَته
كَذَّابٌ
أَيْ فِي دَعْوَى النُّبُوَّة.
أَيْ فِي دَعْوَى النُّبُوَّة.
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا
مَفْعُولَانِ أَيْ صَيَّرَ الْآلِهَة إِلَهًا وَاحِدًا.
مَفْعُولَانِ أَيْ صَيَّرَ الْآلِهَة إِلَهًا وَاحِدًا.
إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ
أَيْ عَجِيب.
وَقَرَأَ السُّلَمِيّ :" عُجَّاب " بِالتَّشْدِيدِ.
وَالْعُجَّاب وَالْعُجَاب وَالْعَجَب سَوَاء.
وَقَدْ فَرَّقَ الْخَلِيل بَيْن عَجِيب وَعُجَاب فَقَالَ : الْعَجِيب الْعَجَب، وَالْعُجَاب الَّذِي قَدْ تَجَاوَزَ حَدّ الْعَجَب، وَالطَّوِيل الَّذِي فِيهِ طُول، وَالطِّوَال، الَّذِي قَدْ تَجَاوَزَ حَدّ الطُّول.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْعَجِيب الْأَمْر الَّذِي يُتَعَجَّب مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْعُجَاب بِالضَّمِّ، وَالْعُجَّاب بِالتَّشْدِيدِ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْأُعْجُوبَة.
وَقَالَ مُقَاتِل :" عُجَّاب " لُغَة أَزْد شَنُوءَة.
وَرَوَى سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : مَرِضَ أَبُو طَالِب فَجَاءَتْ قُرَيْش إِلَيْهِ، وَجَاءَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْد رَأْس أَبِي طَالِب مَجْلِس رَجُل، فَقَامَ أَبُو جَهْل كَيْ يَمْنَعَهُ، قَالَ : وَشَكَوْهُ إِلَى أَبِي طَالِب، فَقَالَ : يَا بْن أَخِي مَا تُرِيد مِنْ قَوْمك ؟ فَقَالَ :( يَا عَمِّ إِنَّمَا أُرِيد مِنْهُمْ كَلِمَة تَذِلُّ لَهُمْ بِهَا الْعَرَب وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْجِزْيَةَ الْعَجَمُ ) فَقَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ :( لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ) قَالَ : فَقَالُوا " أَجَعَلَ الْآلِهَة إِلَهًا وَاحِدًا " قَالَ : فَنَزَلَ فِيهِمْ الْقُرْآن :" ص وَالْقُرْآن ذِي الذِّكْر.
بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّة وَشِقَاق " حَتَّى بَلَغَ " إِنْ هَذَا إِلَّا اِخْتِلَاق " خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ.
وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح.
وَقِيلَ : لَمَّا أَسْلَمَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ شَقَّ عَلَى قُرَيْش إِسْلَامه فَاجْتَمَعُوا إِلَى أَبِي طَالِب وَقَالُوا : اِقْضِ بَيْننَا وَبَيْن اِبْن أَخِيك.
فَأَرْسَلَ أَبُو طَالِب إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا بْن أَخِي هَؤُلَاءِ قَوْمُك يَسْأَلُونَك السَّوَاء، فَلَا تَمِلْ كُلّ الْمَيْل عَلَى قَوْمِك.
قَالَ :( وَمَاذَا يَسْأَلُونَنِي ) قَالُوا : اُرْفُضْنَا وَارْفُضْ ذِكْرَ آلِهَتِنَا وَنَدَعَك وَإِلَهَك.
فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَتُعْطُونَنِي كَلِمَة وَاحِدَة وَتَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَب وَتَدِين لَكُمْ بِهَا الْعَجَم ) فَقَالَ أَبُو جَهْل : لِلَّهِ أَبُوك لَنُعْطِيَنَّكَهَا وَعَشْر أَمْثَالهَا.
فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ) فَنَفَرُوا مِنْ ذَلِكَ وَقَامُوا ; فَقَالُوا :" أَجَعَلَ الْآلِهَة إِلَهًا وَاحِدًا " فَكَيْف يَسَع الْخَلْق كُلّهمْ إِلَه وَاحِد.
فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَات إِلَى قَوْل :" كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْم نُوح " [ ص : ١٢ ]
أَيْ عَجِيب.
وَقَرَأَ السُّلَمِيّ :" عُجَّاب " بِالتَّشْدِيدِ.
وَالْعُجَّاب وَالْعُجَاب وَالْعَجَب سَوَاء.
وَقَدْ فَرَّقَ الْخَلِيل بَيْن عَجِيب وَعُجَاب فَقَالَ : الْعَجِيب الْعَجَب، وَالْعُجَاب الَّذِي قَدْ تَجَاوَزَ حَدّ الْعَجَب، وَالطَّوِيل الَّذِي فِيهِ طُول، وَالطِّوَال، الَّذِي قَدْ تَجَاوَزَ حَدّ الطُّول.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْعَجِيب الْأَمْر الَّذِي يُتَعَجَّب مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْعُجَاب بِالضَّمِّ، وَالْعُجَّاب بِالتَّشْدِيدِ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْأُعْجُوبَة.
وَقَالَ مُقَاتِل :" عُجَّاب " لُغَة أَزْد شَنُوءَة.
وَرَوَى سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : مَرِضَ أَبُو طَالِب فَجَاءَتْ قُرَيْش إِلَيْهِ، وَجَاءَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْد رَأْس أَبِي طَالِب مَجْلِس رَجُل، فَقَامَ أَبُو جَهْل كَيْ يَمْنَعَهُ، قَالَ : وَشَكَوْهُ إِلَى أَبِي طَالِب، فَقَالَ : يَا بْن أَخِي مَا تُرِيد مِنْ قَوْمك ؟ فَقَالَ :( يَا عَمِّ إِنَّمَا أُرِيد مِنْهُمْ كَلِمَة تَذِلُّ لَهُمْ بِهَا الْعَرَب وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْجِزْيَةَ الْعَجَمُ ) فَقَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ :( لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ) قَالَ : فَقَالُوا " أَجَعَلَ الْآلِهَة إِلَهًا وَاحِدًا " قَالَ : فَنَزَلَ فِيهِمْ الْقُرْآن :" ص وَالْقُرْآن ذِي الذِّكْر.
بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّة وَشِقَاق " حَتَّى بَلَغَ " إِنْ هَذَا إِلَّا اِخْتِلَاق " خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ.
وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح.
وَقِيلَ : لَمَّا أَسْلَمَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ شَقَّ عَلَى قُرَيْش إِسْلَامه فَاجْتَمَعُوا إِلَى أَبِي طَالِب وَقَالُوا : اِقْضِ بَيْننَا وَبَيْن اِبْن أَخِيك.
فَأَرْسَلَ أَبُو طَالِب إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا بْن أَخِي هَؤُلَاءِ قَوْمُك يَسْأَلُونَك السَّوَاء، فَلَا تَمِلْ كُلّ الْمَيْل عَلَى قَوْمِك.
قَالَ :( وَمَاذَا يَسْأَلُونَنِي ) قَالُوا : اُرْفُضْنَا وَارْفُضْ ذِكْرَ آلِهَتِنَا وَنَدَعَك وَإِلَهَك.
فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَتُعْطُونَنِي كَلِمَة وَاحِدَة وَتَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَب وَتَدِين لَكُمْ بِهَا الْعَجَم ) فَقَالَ أَبُو جَهْل : لِلَّهِ أَبُوك لَنُعْطِيَنَّكَهَا وَعَشْر أَمْثَالهَا.
فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ) فَنَفَرُوا مِنْ ذَلِكَ وَقَامُوا ; فَقَالُوا :" أَجَعَلَ الْآلِهَة إِلَهًا وَاحِدًا " فَكَيْف يَسَع الْخَلْق كُلّهمْ إِلَه وَاحِد.
فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَات إِلَى قَوْل :" كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْم نُوح " [ ص : ١٢ ]
وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا
" الْمَلَأ " الْأَشْرَاف، وَالِانْطِلَاق الذَّهَاب بِسُرْعَةٍ ; أَيْ اِنْطَلَقَ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ مِنْ عِنْد الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول بَعْضهمْ لِبَعْضٍ :" أَنْ اِمْشُوا " أَيْ اِمْضُوا عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ وَلَا تَدْخُلُوا فِي دِينه.
وَقِيلَ : هُوَ إِشَارَة إِلَى مَشْيهمْ إِلَى أَبِي طَالِب فِي مَرَضه كَمَا سَبَقَ.
وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن إِسْحَاق أَنَّهُمْ أَبُو جَهْل بْن هِشَام، وَشَيْبَة وَعُتْبَة أَبْنَاء رَبِيعَة بْن عَبْد شَمْس، وَأُمَيَّة بْن خَلَف، وَالْعَاص بْن وَائِل، وَأَبُو مُعَيْط ; وَجَاءُوا إِلَى أَبِي طَالِب فَقَالُوا : أَنْتَ سَيِّدُنَا وَأَنْصَفُنَا فِي أَنْفُسنَا، فَاكْفِنَا أَمْر اِبْن أَخِيك وَسُفَهَاءَ مَعَهُ، فَقَدْ تَرَكُوا آلِهَتَنَا وَطَعَنُوا فِي دِيننَا ; فَأَرْسَلَ أَبُو طَالِب إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ : إِنَّ قَوْمك يَدْعُونَك إِلَى السَّوَاء وَالنَّصَفَةِ.
فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّمَا أَدْعُوهُمْ إِلَى كَلِمَة وَاحِدَة ) فَقَالَ أَبُو جَهْل وَعَشْرًا.
قَالَ :( تَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ) فَقَامُوا وَقَالُوا :" أَجَعَلَ الْآلِهَة إِلَهًا وَاحِدًا " الْآيَات.
" أَنْ اِمْشُوا " " أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب وَالْمَعْنَى بِأَنْ اِمْشُوا.
وَقِيلَ :" أَنْ " بِمَعْنَى أَيْ ; أَيْ " وَانْطَلَقَ الْمَلَأ مِنْهُمْ " أَيْ اِمْشُوا ; وَهَذَا تَفْسِير اِنْطِلَاقهمْ لَا أَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا بِهَذَا اللَّفْظ.
" الْمَلَأ " الْأَشْرَاف، وَالِانْطِلَاق الذَّهَاب بِسُرْعَةٍ ; أَيْ اِنْطَلَقَ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ مِنْ عِنْد الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول بَعْضهمْ لِبَعْضٍ :" أَنْ اِمْشُوا " أَيْ اِمْضُوا عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ وَلَا تَدْخُلُوا فِي دِينه.
وَقِيلَ : هُوَ إِشَارَة إِلَى مَشْيهمْ إِلَى أَبِي طَالِب فِي مَرَضه كَمَا سَبَقَ.
وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن إِسْحَاق أَنَّهُمْ أَبُو جَهْل بْن هِشَام، وَشَيْبَة وَعُتْبَة أَبْنَاء رَبِيعَة بْن عَبْد شَمْس، وَأُمَيَّة بْن خَلَف، وَالْعَاص بْن وَائِل، وَأَبُو مُعَيْط ; وَجَاءُوا إِلَى أَبِي طَالِب فَقَالُوا : أَنْتَ سَيِّدُنَا وَأَنْصَفُنَا فِي أَنْفُسنَا، فَاكْفِنَا أَمْر اِبْن أَخِيك وَسُفَهَاءَ مَعَهُ، فَقَدْ تَرَكُوا آلِهَتَنَا وَطَعَنُوا فِي دِيننَا ; فَأَرْسَلَ أَبُو طَالِب إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ : إِنَّ قَوْمك يَدْعُونَك إِلَى السَّوَاء وَالنَّصَفَةِ.
فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّمَا أَدْعُوهُمْ إِلَى كَلِمَة وَاحِدَة ) فَقَالَ أَبُو جَهْل وَعَشْرًا.
قَالَ :( تَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ) فَقَامُوا وَقَالُوا :" أَجَعَلَ الْآلِهَة إِلَهًا وَاحِدًا " الْآيَات.
" أَنْ اِمْشُوا " " أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب وَالْمَعْنَى بِأَنْ اِمْشُوا.
وَقِيلَ :" أَنْ " بِمَعْنَى أَيْ ; أَيْ " وَانْطَلَقَ الْمَلَأ مِنْهُمْ " أَيْ اِمْشُوا ; وَهَذَا تَفْسِير اِنْطِلَاقهمْ لَا أَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا بِهَذَا اللَّفْظ.
وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ
قِيلَ : الْمَعْنَى اِنْطَلَقَ الْأَشْرَاف مِنْهُمْ فَقَالُوا لِلْعَوَامِّ :" اِمْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتكُمْ " أَيْ عَلَى عِبَادَة آلِهَتكُمْ.
قِيلَ : الْمَعْنَى اِنْطَلَقَ الْأَشْرَاف مِنْهُمْ فَقَالُوا لِلْعَوَامِّ :" اِمْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتكُمْ " أَيْ عَلَى عِبَادَة آلِهَتكُمْ.
إِنَّ هَذَا
أَيْ هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام
أَيْ هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام
لَشَيْءٌ يُرَادُ
أَيْ يُرَاد بِأَهْلِ الْأَرْض مِنْ زَوَال نِعَم قَوْم وَغِيَر تَنْزِل بِهِمْ.
وَقِيلَ :" إِنَّ هَذَا لَشَيْء يُرَاد " كَلِمَة تَحْذِير ; أَيْ إِنَّمَا يُرِيد مُحَمَّد بِمَا يَقُول الِانْقِيَاد لَهُ لِيَعْلُوَ عَلَيْنَا، وَنَكُون لَهُ أَتْبَاعًا فَيَتَحَكَّم فِينَا بِمَا يُرِيد، فَاحْذَرُوا أَنْ تُطِيعُوهُ.
وَقَالَ مُقَاتِل : إِنَّ عُمَر لَمَّا أَسْلَمَ وَقَوِيَ بِهِ الْإِسْلَام شَقَّ ذَلِكَ عَلَى قُرَيْش فَقَالُوا : إِنَّ إِسْلَام عُمَر فِي قُوَّة الْإِسْلَام لَشَيْءٌ يُرَاد.
أَيْ يُرَاد بِأَهْلِ الْأَرْض مِنْ زَوَال نِعَم قَوْم وَغِيَر تَنْزِل بِهِمْ.
وَقِيلَ :" إِنَّ هَذَا لَشَيْء يُرَاد " كَلِمَة تَحْذِير ; أَيْ إِنَّمَا يُرِيد مُحَمَّد بِمَا يَقُول الِانْقِيَاد لَهُ لِيَعْلُوَ عَلَيْنَا، وَنَكُون لَهُ أَتْبَاعًا فَيَتَحَكَّم فِينَا بِمَا يُرِيد، فَاحْذَرُوا أَنْ تُطِيعُوهُ.
وَقَالَ مُقَاتِل : إِنَّ عُمَر لَمَّا أَسْلَمَ وَقَوِيَ بِهِ الْإِسْلَام شَقَّ ذَلِكَ عَلَى قُرَيْش فَقَالُوا : إِنَّ إِسْلَام عُمَر فِي قُوَّة الْإِسْلَام لَشَيْءٌ يُرَاد.
مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْقُرَظِيّ وَقَتَادَة وَمُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ وَالسُّدِّيّ : يَعْنُونَ مِلَّة عِيسَى النَّصْرَانِيَّة وَهِيَ آخِر الْمِلَل.
وَالنَّصَارَى يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا.
وَقَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة أَيْضًا : يَعْنُونَ مِلَّة قُرَيْش.
وَقَالَ الْحَسَن : مَا سَمِعْنَا أَنَّ هَذَا يَكُون فِي آخِر الزَّمَان.
وَقِيلَ : أَيْ مَا سَمِعْنَا مِنْ أَهْل الْكِتَاب أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول حَقّ.
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْقُرَظِيّ وَقَتَادَة وَمُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ وَالسُّدِّيّ : يَعْنُونَ مِلَّة عِيسَى النَّصْرَانِيَّة وَهِيَ آخِر الْمِلَل.
وَالنَّصَارَى يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا.
وَقَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة أَيْضًا : يَعْنُونَ مِلَّة قُرَيْش.
وَقَالَ الْحَسَن : مَا سَمِعْنَا أَنَّ هَذَا يَكُون فِي آخِر الزَّمَان.
وَقِيلَ : أَيْ مَا سَمِعْنَا مِنْ أَهْل الْكِتَاب أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول حَقّ.
إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ
أَيْ كَذِب وَتَخَرُّص ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره.
يُقَال : خَلَقَ وَاخْتَلَقَ أَيْ اِبْتَدَعَ.
وَخَلَقَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْخَلْق مِنْ هَذَا ; أَيْ اِبْتَدَعَهُمْ عَلَى غَيْر مِثَال.
أَيْ كَذِب وَتَخَرُّص ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره.
يُقَال : خَلَقَ وَاخْتَلَقَ أَيْ اِبْتَدَعَ.
وَخَلَقَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْخَلْق مِنْ هَذَا ; أَيْ اِبْتَدَعَهُمْ عَلَى غَيْر مِثَال.
أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا
هُوَ اِسْتِفْهَام إِنْكَار، وَالذِّكْر هَا هُنَا الْقُرْآن.
أَنْكَرُوا اِخْتِصَاصه بِالْوَحْيِ مِنْ بَيْنهمْ.
هُوَ اِسْتِفْهَام إِنْكَار، وَالذِّكْر هَا هُنَا الْقُرْآن.
أَنْكَرُوا اِخْتِصَاصه بِالْوَحْيِ مِنْ بَيْنهمْ.
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي
شَكّ مِنْ ذِكْرِي " أَيْ مِنْ وَحْيِي وَهُوَ الْقُرْآن.
أَيْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّك لَمْ تَزَلْ صَدُوقًا فِيمَا بَيْنهمْ، وَإِنَّمَا شَكُّوا فِيمَا أَنْزَلْته عَلَيْك هَلْ هُوَ مِنْ عِنْدِي أَمْ لَا.
شَكّ مِنْ ذِكْرِي " أَيْ مِنْ وَحْيِي وَهُوَ الْقُرْآن.
أَيْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّك لَمْ تَزَلْ صَدُوقًا فِيمَا بَيْنهمْ، وَإِنَّمَا شَكُّوا فِيمَا أَنْزَلْته عَلَيْك هَلْ هُوَ مِنْ عِنْدِي أَمْ لَا.
بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ
أَيْ إِنَّمَا اِغْتَرُّوا بِطُولِ الْإِمْهَال، وَلَوْ ذَاقُوا عَذَابِي عَلَى الشِّرْك لَزَالَ عَنْهُمْ الشَّكّ، وَلَمَا قَالُوا ذَلِكَ ; وَلَكِنْ لَا يَنْفَع الْإِيمَان حِينَئِذٍ.
وَ " لَمَّا " بِمَعْنَى لَمْ وَمَا زَائِدَة كَقَوْلِهِ :" عَمَّا قَلِيل " الْمُؤْمِنُونَ : ٤٠ ] وَقَوْله " فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ " [ النِّسَاء : ١٥٥ ].
أَيْ إِنَّمَا اِغْتَرُّوا بِطُولِ الْإِمْهَال، وَلَوْ ذَاقُوا عَذَابِي عَلَى الشِّرْك لَزَالَ عَنْهُمْ الشَّكّ، وَلَمَا قَالُوا ذَلِكَ ; وَلَكِنْ لَا يَنْفَع الْإِيمَان حِينَئِذٍ.
وَ " لَمَّا " بِمَعْنَى لَمْ وَمَا زَائِدَة كَقَوْلِهِ :" عَمَّا قَلِيل " الْمُؤْمِنُونَ : ٤٠ ] وَقَوْله " فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ " [ النِّسَاء : ١٥٥ ].
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ
قِيلَ : أَمْ لَهُمْ هَذَا فَيَمْنَعُوا مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَام مِمَّا أَنْعَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ النُّبُوَّة.
وَ " أَمْ " قَدْ تَرِد بِمَعْنَى التَّقْرِيع إِذَا كَانَ الْكَلَام مُتَّصِلًا بِكَلَام قَبْله ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" الم تَنْزِيل الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ اِفْتَرَاهُ " [ السَّجْدَة :
١ - ٣ ] وَقَدْ قِيلَ إِنَّ قَوْله :" أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِن رَحْمَة رَبّك " مُتَّصِل بِقَوْلِهِ :" وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِر مِنْهُمْ " [ ص : ٤ ] فَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يُرْسِل مَنْ يَشَاء ; لِأَنَّ خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض لَهُ.
قِيلَ : أَمْ لَهُمْ هَذَا فَيَمْنَعُوا مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَام مِمَّا أَنْعَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ النُّبُوَّة.
وَ " أَمْ " قَدْ تَرِد بِمَعْنَى التَّقْرِيع إِذَا كَانَ الْكَلَام مُتَّصِلًا بِكَلَام قَبْله ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" الم تَنْزِيل الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ اِفْتَرَاهُ " [ السَّجْدَة :
١ - ٣ ] وَقَدْ قِيلَ إِنَّ قَوْله :" أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِن رَحْمَة رَبّك " مُتَّصِل بِقَوْلِهِ :" وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِر مِنْهُمْ " [ ص : ٤ ] فَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يُرْسِل مَنْ يَشَاء ; لِأَنَّ خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض لَهُ.
أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا
أَيْ فَإِنْ اِدَّعَوْا ذَلِكَ :" فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَاب "
أَيْ فَإِنْ اِدَّعَوْا ذَلِكَ :" فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَاب "
فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ
أَيْ فَلْيَصْعَدُوا إِلَى السَّمَوَات، وَلْيَمْنَعُوا الْمَلَائِكَة مِنْ إِنْزَال الْوَحْي عَلَى مُحَمَّد.
يُقَال : رَقِيَ يَرْقَى وَارْتَقَى إِذَا صَعِدَ.
وَرَقَى يَرْقِي رَقْيًا مِثْل رَمَى يَرْمِي رَمْيًا مِنْ الرُّقْيَة.
قَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : الْأَسْبَاب أَرَقُّ مِنْ الشَّعْر وَأَشَدّ مِنْ الْحَدِيد وَلَكِنْ لَا تُرَى.
وَالسَّبَب فِي اللُّغَة كُلّ مَا يُوصَل بِهِ إِلَى الْمَطْلُوب مِنْ حَبْل أَوْ غَيْره.
وَقِيلَ : الْأَسْبَاب أَبْوَاب السَّمَوَات الَّتِي تَنْزِل الْمَلَائِكَة مِنْهَا ; قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة.
قَالَ زُهَيْر :
وَلَوْ رَامَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ
وَقِيلَ : الْأَسْبَاب السَّمَوَات نَفْسهَا ; أَيْ فَلْيَصْعَدُوا سَمَاء سَمَاء.
وَقَالَ السُّدِّيّ :" فِي الْأَسْبَاب " فِي الْفَضْل وَالدِّين.
وَقِيلَ : أَيْ فَلْيُعَلُّوا فِي أَسْبَاب الْقُوَّة إِنْ ظَنُّوا أَنَّهَا مَانِعَة.
وَهُوَ مَعْنَى قَوْل أَبِي عُبَيْدَة.
وَقِيلَ : الْأَسْبَاب الْحِبَال ; يَعْنِي إِنْ وَجَدُوا حَبْلًا أَوْ سَبَبًا يَصْعَدُونَ فِيهِ إِلَى السَّمَاء فَلْيَرْتَقُوا ; وَهَذَا أَمْر تَوْبِيخ وَتَعْجِيز.
أَيْ فَلْيَصْعَدُوا إِلَى السَّمَوَات، وَلْيَمْنَعُوا الْمَلَائِكَة مِنْ إِنْزَال الْوَحْي عَلَى مُحَمَّد.
يُقَال : رَقِيَ يَرْقَى وَارْتَقَى إِذَا صَعِدَ.
وَرَقَى يَرْقِي رَقْيًا مِثْل رَمَى يَرْمِي رَمْيًا مِنْ الرُّقْيَة.
قَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : الْأَسْبَاب أَرَقُّ مِنْ الشَّعْر وَأَشَدّ مِنْ الْحَدِيد وَلَكِنْ لَا تُرَى.
وَالسَّبَب فِي اللُّغَة كُلّ مَا يُوصَل بِهِ إِلَى الْمَطْلُوب مِنْ حَبْل أَوْ غَيْره.
وَقِيلَ : الْأَسْبَاب أَبْوَاب السَّمَوَات الَّتِي تَنْزِل الْمَلَائِكَة مِنْهَا ; قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة.
قَالَ زُهَيْر :
وَلَوْ رَامَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ
وَقِيلَ : الْأَسْبَاب السَّمَوَات نَفْسهَا ; أَيْ فَلْيَصْعَدُوا سَمَاء سَمَاء.
وَقَالَ السُّدِّيّ :" فِي الْأَسْبَاب " فِي الْفَضْل وَالدِّين.
وَقِيلَ : أَيْ فَلْيُعَلُّوا فِي أَسْبَاب الْقُوَّة إِنْ ظَنُّوا أَنَّهَا مَانِعَة.
وَهُوَ مَعْنَى قَوْل أَبِي عُبَيْدَة.
وَقِيلَ : الْأَسْبَاب الْحِبَال ; يَعْنِي إِنْ وَجَدُوا حَبْلًا أَوْ سَبَبًا يَصْعَدُونَ فِيهِ إِلَى السَّمَاء فَلْيَرْتَقُوا ; وَهَذَا أَمْر تَوْبِيخ وَتَعْجِيز.
جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ
وَعَدَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّصْر عَلَيْهِمْ فَقَالَ :" جُنْد مَا هُنَالِكَ " " مَا " صِلَة وَتَقْدِيره هُمْ جُنْد، فَـ " جُنْد " خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف.
" مَهْزُوم " أَيْ مَقْمُوع ذَلِيل قَدْ اِنْقَطَعَتْ حُجَّتُهُمْ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَصِلُونَ إِلَى أَنْ يَقُولُوا هَذَا لَنَا.
وَيُقَال : تَهَزَّمَتْ الْقِرْبَة إِذَا اِنْكَسَرَتْ، وَهَزَمْت الْجَيْش كَسَرْته.
وَالْكَلَام مُرْتَبِط بِمَا قَبْل ; أَيْ :" بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّة وَشِقَاق " وَهُمْ جُنْد مِنْ الْأَحْزَاب مَهْزُومُونَ، فَلَا تَغُمَّك عِزَّتُهُمْ وَشِقَاقُهُمْ، فَإِنِّي أَهْزِم جَمْعهمْ وَأَسْلُب عِزَّهُمْ.
وَهَذَا تَأْنِيس لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَقَدْ فَعَلَ بِهِمْ هَذَا فِي يَوْم بَدْر.
قَالَ قَتَادَة : وَعَدَ اللَّه أَنَّهُ سَيَهْزِمُهُمْ وَهُمْ بِمَكَّة فَجَاءَ تَأْوِيلهَا يَوْم بَدْر.
وَ " هُنَالِكَ " إِشَارَة لِبَدْرٍ وَهُوَ مَوْضِع تَحَزُّبهمْ لِقِتَالِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْأَحْزَابِ الَّذِينَ أَتَوْا الْمَدِينَة وَتَحَزَّبُوا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي [ الْأَحْزَاب ].
وَالْأَحْزَاب الْجُنْد، كَمَا يُقَال : جُنْد مِنْ قَبَائِل شَتَّى.
وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْأَحْزَابِ الْقُرُون الْمَاضِيَة مِنْ الْكُفَّار.
أَيْ هَؤُلَاءِ جُنْد عَلَى طَرِيقَة أُولَئِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي " [ الْبَقَرَة : ٢٤٩ ] أَيْ عَلَى دِينِي وَمَذْهَبِي.
وَقَالَ الْفَرَّاء : الْمَعْنَى هُمْ جُنْد مَغْلُوب ; أَيْ مَمْنُوع عَنْ أَنْ يَصْعَد إِلَى السَّمَاء.
وَقَالَ الْقُتَبِيّ : يَعْنِي أَنَّهُمْ جُنْد لِهَذِهِ الْآلِهَة مَهْزُوم، فَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَدَّعُوا لِشَيْءٍ مِنْ آلِهَتهمْ، وَلَا لِأَنْفُسِهِمْ شَيْئًا مِنْ خَزَائِن رَحْمَة اللَّه، وَلَا مِنْ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض.
وَعَدَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّصْر عَلَيْهِمْ فَقَالَ :" جُنْد مَا هُنَالِكَ " " مَا " صِلَة وَتَقْدِيره هُمْ جُنْد، فَـ " جُنْد " خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف.
" مَهْزُوم " أَيْ مَقْمُوع ذَلِيل قَدْ اِنْقَطَعَتْ حُجَّتُهُمْ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَصِلُونَ إِلَى أَنْ يَقُولُوا هَذَا لَنَا.
وَيُقَال : تَهَزَّمَتْ الْقِرْبَة إِذَا اِنْكَسَرَتْ، وَهَزَمْت الْجَيْش كَسَرْته.
وَالْكَلَام مُرْتَبِط بِمَا قَبْل ; أَيْ :" بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّة وَشِقَاق " وَهُمْ جُنْد مِنْ الْأَحْزَاب مَهْزُومُونَ، فَلَا تَغُمَّك عِزَّتُهُمْ وَشِقَاقُهُمْ، فَإِنِّي أَهْزِم جَمْعهمْ وَأَسْلُب عِزَّهُمْ.
وَهَذَا تَأْنِيس لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَقَدْ فَعَلَ بِهِمْ هَذَا فِي يَوْم بَدْر.
قَالَ قَتَادَة : وَعَدَ اللَّه أَنَّهُ سَيَهْزِمُهُمْ وَهُمْ بِمَكَّة فَجَاءَ تَأْوِيلهَا يَوْم بَدْر.
وَ " هُنَالِكَ " إِشَارَة لِبَدْرٍ وَهُوَ مَوْضِع تَحَزُّبهمْ لِقِتَالِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْأَحْزَابِ الَّذِينَ أَتَوْا الْمَدِينَة وَتَحَزَّبُوا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي [ الْأَحْزَاب ].
وَالْأَحْزَاب الْجُنْد، كَمَا يُقَال : جُنْد مِنْ قَبَائِل شَتَّى.
وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْأَحْزَابِ الْقُرُون الْمَاضِيَة مِنْ الْكُفَّار.
أَيْ هَؤُلَاءِ جُنْد عَلَى طَرِيقَة أُولَئِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي " [ الْبَقَرَة : ٢٤٩ ] أَيْ عَلَى دِينِي وَمَذْهَبِي.
وَقَالَ الْفَرَّاء : الْمَعْنَى هُمْ جُنْد مَغْلُوب ; أَيْ مَمْنُوع عَنْ أَنْ يَصْعَد إِلَى السَّمَاء.
وَقَالَ الْقُتَبِيّ : يَعْنِي أَنَّهُمْ جُنْد لِهَذِهِ الْآلِهَة مَهْزُوم، فَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَدَّعُوا لِشَيْءٍ مِنْ آلِهَتهمْ، وَلَا لِأَنْفُسِهِمْ شَيْئًا مِنْ خَزَائِن رَحْمَة اللَّه، وَلَا مِنْ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض.
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ
ذَكَرَهَا تَعْزِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَسْلِيَة لَهُ ; أَيْ هَؤُلَاءِ مِنْ قَوْمك يَا مُحَمَّد جُنْد مِنْ الْأَحْزَاب الْمُتَقَدِّمِينَ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَقَدْ كَانُوا أَقْوَى مِنْ هَؤُلَاءِ فَأُهْلِكُوا.
وَذَكَرَ اللَّه تَعَالَى الْقَوْم بِلَفْظِ التَّأْنِيث، وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ قَدْ يَجُوز فِيهِ التَّذْكِير وَالتَّأْنِيث.
الثَّانِي : أَنَّهُ مُذَكَّر اللَّفْظ لَا يَجُوز تَأْنِيثه، إِلَّا أَنْ يَقَع الْمَعْنَى عَلَى الْعَشِيرَة وَالْقَبِيلَة، فَيَغْلِب فِي اللَّفْظ حُكْم الْمَعْنَى الْمُضْمَر تَنْبِيهًا عَلَيْهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَة فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ " [ الْمُدَّثِّر :
٥٤ - ٥٥ ] وَلَمْ يَقُلْ ذَكَرَهَا ; لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُضْمَر فِيهِ مُذَكَّرًا ذَكَّرَهُ ; وَإِنْ كَانَ اللَّفْظ مُقْتَضِيًا لِلتَّأْنِيثِ.
وَوَصَفَ فِرْعَوْن بِأَنَّهُ ذُو الْأَوْتَاد.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ ; فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمَعْنَى ذُو الْبِنَاء الْمُحْكَم.
وَقَالَ الضَّحَّاك : كَانَ كَثِير الْبُنْيَان، وَالْبُنْيَان يُسَمَّى أَوْتَادًا.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَقَتَادَة وَعَطَاء : أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ أَوْتَاد وَأَرْسَان وَمَلَاعِب يُلْعَب لَهُ عَلَيْهَا.
وَعَنْ الضَّحَّاك أَيْضًا : ذُو الْقُوَّة وَالْبَطْش.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل : كَانَ يُعَذِّب النَّاس بِالْأَوْتَادِ، وَكَانَ إِذَا غَضِبَ عَلَى أَحَد مَدَّهُ مُسْتَلْقِيًا بَيْن أَرْبَعَة أَوْتَاد فِي الْأَرْض، وَيُرْسِل عَلَيْهِ الْعَقَارِب وَالْحَيَّات حَتَّى يَمُوت.
وَقِيلَ : كَانَ يُشَبِّح الْمُعَذَّب بَيْن أَرْبَع سِوَار ; كُلّ طَرَف مِنْ أَطْرَافه إِلَى سَارِيَة مَضْرُوب فِيهِ وَتِد مِنْ حَدِيد وَيَتْرُكهُ حَتَّى يَمُوت.
وَقِيلَ : ذُو الْأَوْتَاد أَيْ ذُو الْجُنُود الْكَثِيرَة فَسُمِّيَتْ الْجُنُود أَوْتَادًا ; لِأَنَّهُمْ يُقَوُّونَ أَمْره كَمَا يُقَوِّي الْوَتِد الْبَيْت.
وَقَالَ اِبْن قُتَيْبَة : الْعَرَب تَقُول هُمْ فِي عِزٍّ ثَابِت الْأَوْتَادِ، يُرِيدُونَ دَائِمًا شَدِيدًا.
وَأَصْل هَذَا أَنَّ الْبَيْت مِنْ بُيُوت الشَّعْر إِنَّمَا يَثْبُت وَيَقُوم بِالْأَوْتَادِ.
وَقَالَ الْأَسْوَد بْن يَعْفُر :
وَوَاحِد الْأَوْتَاد وَتِدٌ بِالْكَسْرِ، وَبِالْفَتْحِ لُغَة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : يُقَال وَتِد وَاتِد كَمَا يُقَال : شُغْل شَاغِل.
وَأَنْشَدَ :
قَالَ : شَبَّهَ الرَّجُل بِالْجِذْلِ.
ذَكَرَهَا تَعْزِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَسْلِيَة لَهُ ; أَيْ هَؤُلَاءِ مِنْ قَوْمك يَا مُحَمَّد جُنْد مِنْ الْأَحْزَاب الْمُتَقَدِّمِينَ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَقَدْ كَانُوا أَقْوَى مِنْ هَؤُلَاءِ فَأُهْلِكُوا.
وَذَكَرَ اللَّه تَعَالَى الْقَوْم بِلَفْظِ التَّأْنِيث، وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ قَدْ يَجُوز فِيهِ التَّذْكِير وَالتَّأْنِيث.
الثَّانِي : أَنَّهُ مُذَكَّر اللَّفْظ لَا يَجُوز تَأْنِيثه، إِلَّا أَنْ يَقَع الْمَعْنَى عَلَى الْعَشِيرَة وَالْقَبِيلَة، فَيَغْلِب فِي اللَّفْظ حُكْم الْمَعْنَى الْمُضْمَر تَنْبِيهًا عَلَيْهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَة فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ " [ الْمُدَّثِّر :
٥٤ - ٥٥ ] وَلَمْ يَقُلْ ذَكَرَهَا ; لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُضْمَر فِيهِ مُذَكَّرًا ذَكَّرَهُ ; وَإِنْ كَانَ اللَّفْظ مُقْتَضِيًا لِلتَّأْنِيثِ.
وَوَصَفَ فِرْعَوْن بِأَنَّهُ ذُو الْأَوْتَاد.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ ; فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمَعْنَى ذُو الْبِنَاء الْمُحْكَم.
وَقَالَ الضَّحَّاك : كَانَ كَثِير الْبُنْيَان، وَالْبُنْيَان يُسَمَّى أَوْتَادًا.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَقَتَادَة وَعَطَاء : أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ أَوْتَاد وَأَرْسَان وَمَلَاعِب يُلْعَب لَهُ عَلَيْهَا.
وَعَنْ الضَّحَّاك أَيْضًا : ذُو الْقُوَّة وَالْبَطْش.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل : كَانَ يُعَذِّب النَّاس بِالْأَوْتَادِ، وَكَانَ إِذَا غَضِبَ عَلَى أَحَد مَدَّهُ مُسْتَلْقِيًا بَيْن أَرْبَعَة أَوْتَاد فِي الْأَرْض، وَيُرْسِل عَلَيْهِ الْعَقَارِب وَالْحَيَّات حَتَّى يَمُوت.
وَقِيلَ : كَانَ يُشَبِّح الْمُعَذَّب بَيْن أَرْبَع سِوَار ; كُلّ طَرَف مِنْ أَطْرَافه إِلَى سَارِيَة مَضْرُوب فِيهِ وَتِد مِنْ حَدِيد وَيَتْرُكهُ حَتَّى يَمُوت.
وَقِيلَ : ذُو الْأَوْتَاد أَيْ ذُو الْجُنُود الْكَثِيرَة فَسُمِّيَتْ الْجُنُود أَوْتَادًا ; لِأَنَّهُمْ يُقَوُّونَ أَمْره كَمَا يُقَوِّي الْوَتِد الْبَيْت.
وَقَالَ اِبْن قُتَيْبَة : الْعَرَب تَقُول هُمْ فِي عِزٍّ ثَابِت الْأَوْتَادِ، يُرِيدُونَ دَائِمًا شَدِيدًا.
وَأَصْل هَذَا أَنَّ الْبَيْت مِنْ بُيُوت الشَّعْر إِنَّمَا يَثْبُت وَيَقُوم بِالْأَوْتَادِ.
وَقَالَ الْأَسْوَد بْن يَعْفُر :
وَلَقَدْ غَنَوْا فِيهَا بِأَنْعَمِ عِيشَةٍ | فِي ظِلِّ مُلْكٍ ثَابِتِ الْأَوْتَادِ |
وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : يُقَال وَتِد وَاتِد كَمَا يُقَال : شُغْل شَاغِل.
وَأَنْشَدَ :
لَاقَتْ عَلَى الْمَاءِ جُذَيْلًا وَاتِدَا | وَلَمْ يَكُنْ يُخْلِفُهَا الْمَوَاعِدَا |
وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ
أَيْ الْغَيْضَة.
وَقَدْ مَضَى ذِكْرهَا فِي [ الشُّعَرَاء ].
وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَابْن عَامِر :" لَيْكَة " بِفَتْحِ اللَّام وَالتَّاء مِنْ غَيْر هَمْز.
وَهَمْز الْبَاقُونَ وَكَسَرُوا التَّاء.
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا.
أَيْ الْغَيْضَة.
وَقَدْ مَضَى ذِكْرهَا فِي [ الشُّعَرَاء ].
وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَابْن عَامِر :" لَيْكَة " بِفَتْحِ اللَّام وَالتَّاء مِنْ غَيْر هَمْز.
وَهَمْز الْبَاقُونَ وَكَسَرُوا التَّاء.
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا.
أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ
أَيْ هُمْ الْمَوْصُوفُونَ بِالْقُوَّةِ وَالْكَثْرَة ; كَقَوْلِك فُلَان هُوَ الرَّجُل.
أَيْ هُمْ الْمَوْصُوفُونَ بِالْقُوَّةِ وَالْكَثْرَة ; كَقَوْلِك فُلَان هُوَ الرَّجُل.
إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ
" إِنْ كُلّ " بِمَعْنَى مَا كُلّ.
" إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُل فَحَقَّ عِقَاب " أَيْ فَنَزَلَ بِهِمْ الْعَذَاب لِذَلِكَ التَّكْذِيب.
وَأَثْبَتَ يَعْقُوب الْيَاء فِي " عَذَابِي " وَ " عِقَابِي " فِي الْحَالَيْنِ وَحَذَفَهَا الْبَاقُونَ فِي الْحَالَيْنِ.
وَنَظِير هَذِهِ الْآيَة قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ مِثْل يَوْم الْأَحْزَاب مِثْل دَأْب قَوْم نُوح وَعَاد وَثَمُود " [ غَافِر :
٣٠ - ٣١ ] فَسَمَّى هَذِهِ الْأُمَم أَحْزَابًا.
" إِنْ كُلّ " بِمَعْنَى مَا كُلّ.
" إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُل فَحَقَّ عِقَاب " أَيْ فَنَزَلَ بِهِمْ الْعَذَاب لِذَلِكَ التَّكْذِيب.
وَأَثْبَتَ يَعْقُوب الْيَاء فِي " عَذَابِي " وَ " عِقَابِي " فِي الْحَالَيْنِ وَحَذَفَهَا الْبَاقُونَ فِي الْحَالَيْنِ.
وَنَظِير هَذِهِ الْآيَة قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ مِثْل يَوْم الْأَحْزَاب مِثْل دَأْب قَوْم نُوح وَعَاد وَثَمُود " [ غَافِر :
٣٠ - ٣١ ] فَسَمَّى هَذِهِ الْأُمَم أَحْزَابًا.
وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً
" يَنْظُر " بِمَعْنَى يَنْتَظِر ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" اُنْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُوركُمْ " [ الْحَدِيد : ١٣ ].
" هَؤُلَاءِ " يَعْنِي كُفَّار مَكَّة.
" إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة " أَيْ نَفْخَة الْقِيَامَة.
أَيْ مَا يَنْتَظِرُونَ بَعْد مَا أُصِيبُوا بِبَدْرٍ إِلَّا صَيْحَة الْقِيَامَة.
وَقِيلَ : مَا يَنْتَظِر أَحْيَاؤُهُمْ الْآن إِلَّا الصَّيْحَة الَّتِي هِيَ النَّفْخَة فِي الصُّور، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة تَأْخُذهُمْ وَهُوَ يَخِصِّمُونَ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَة " [ يس :
٤٩ - ٥٠ ] وَهَذَا إِخْبَار عَنْ قُرْب الْقِيَامَة وَالْمَوْت.
وَقِيلَ : أَيْ مَا يَنْتَظِر كُفَّار آخِر هَذِهِ الْأُمَّة الْمُتَدَيِّنِينَ بِدِينِ أُولَئِكَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة وَهِيَ النَّفْخَة.
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : لَمْ تَكُنْ صَيْحَة فِي السَّمَاء إِلَّا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَهْل الْأَرْض.
" يَنْظُر " بِمَعْنَى يَنْتَظِر ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" اُنْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُوركُمْ " [ الْحَدِيد : ١٣ ].
" هَؤُلَاءِ " يَعْنِي كُفَّار مَكَّة.
" إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة " أَيْ نَفْخَة الْقِيَامَة.
أَيْ مَا يَنْتَظِرُونَ بَعْد مَا أُصِيبُوا بِبَدْرٍ إِلَّا صَيْحَة الْقِيَامَة.
وَقِيلَ : مَا يَنْتَظِر أَحْيَاؤُهُمْ الْآن إِلَّا الصَّيْحَة الَّتِي هِيَ النَّفْخَة فِي الصُّور، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة تَأْخُذهُمْ وَهُوَ يَخِصِّمُونَ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَة " [ يس :
٤٩ - ٥٠ ] وَهَذَا إِخْبَار عَنْ قُرْب الْقِيَامَة وَالْمَوْت.
وَقِيلَ : أَيْ مَا يَنْتَظِر كُفَّار آخِر هَذِهِ الْأُمَّة الْمُتَدَيِّنِينَ بِدِينِ أُولَئِكَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة وَهِيَ النَّفْخَة.
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : لَمْ تَكُنْ صَيْحَة فِي السَّمَاء إِلَّا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَهْل الْأَرْض.
مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ
أَيْ مِنْ تَرْدَاد ; عَنْ اِبْن عَبَّاس.
مُجَاهِد : مَا لَهَا رُجُوع.
قَتَادَة : مَا لَهَا مِنْ مَثْنَوِيَّة.
السُّدِّيّ : مَا لَهَا مِنْ إِفَاقَة.
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ :" مَا لَهَا مِنْ فُوَاق " بِضَمِّ الْفَاء.
الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ.
الْجَوْهَرِيّ : وَالْفَوَاق وَالْفُوَاق مَا بَيْن الْحَلْبَتَيْنِ مِنْ الْوَقْت ; لِأَنَّهَا تُحْلَب ثُمَّ تُتْرَك سُوَيْعَة يَرْضَعُهَا الْفَصِيل لِتُدِرَّ ثُمَّ تُحْلَب.
يُقَال : مَا أَقَامَ عِنْده إِلَّا فَوَاقًا ; وَفِي الْحَدِيث :( الْعِيَادَة قَدْر فَوَاق النَّاقَة ).
وَقَوْل تَعَالَى :" مَا لَهَا مِنْ فَوَاق " يُقْرَأ بِالْفَتْحِ وَالضَّمّ أَيْ مَا لَهَا مِنْ نَظْرَة وَرَاحَة وَإِفَاقَة.
وَالْفِيقَة بِالْكَسْرِ اِسْم اللَّبَن الَّذِي يَجْتَمِع بَيْن الْحَلْبَتَيْنِ : صَارَتْ الْوَاو يَاء لِكَسْرِ مَا قَبْلهَا ; قَالَ الْأَعْشَى يَصِف بَقَرَة :
حَتَّى إِذَا فِيقَةٌ فِي ضَرْعِهَا اِجْتَمَعَتْ... جَاءَتْ لِتُرْضِعَ شِقَّ النَّفْس لَوْ رَضَعَا
وَالْجَمْع فِيَق ثُمَّ أَفْوَاق مِثْل شِبَر وَأَشْبَار ثُمَّ أَفَاوِيق.
قَالَ اِبْن هَمَّام السَّلُولِيّ :
وَذَمُّوا لَنَا الدُّنْيَا وَهُمْ يَرْضَعُونَهَا... أَفَاوِيقَ حَتَّى مَا يُدِرُّ لَهَا ثُعْلُ
وَالْأَفَاوِيق أَيْضًا مَا اِجْتَمَعَ فِي السَّحَاب مِنْ مَاء، فَهُوَ يُمْطِر سَاعَة بَعْد سَاعَة.
وَأَفَاقَتْ النَّاقَة إِفَاقَة أَيْ اِجْتَمَعَتْ الْفِيقَة فِي ضَرْعهَا ; فَهِيَ مُفِيق وَمُفِيقَة - عَنْ أَبِي عَمْرو - وَالْجَمْع مَفَاوِيق.
وَقَالَ الْفَرَّاء وَأَبُو عُبَيْدَة وَغَيْرهمَا :" مِنْ فَوَاق " بِفَتْحِ الْفَاء أَيْ رَاحَة لَا يُفِيقُونَ فِيهَا، كَمَا يُفِيق الْمَرِيض وَالْمَغْشِيّ عَلَيْهِ.
وَ " مِنْ فُوَاق " بِضَمِّ الْفَاء مِنْ اِنْتِظَار.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَهُوَ مَا بَيْن الْحَلْبَتَيْنِ.
قُلْت : وَالْمَعْنَى الْمُرَاد أَنَّهَا مُمْتَدَّة لَا تَقْطِيع فِيهَا.
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَة قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي طَائِفَة مِنْ أَصْحَابه... الْحَدِيث.
وَفِيهِ :( يَأْمُر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِسْرَافِيل بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى فَيَقُول اُنْفُخْ نَفْخَة الْفَزَع فَيَفْزَع أَهْل السَّمَوَات وَأَهْل الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه وَيَأْمُرهُ فَيَمُدّهَا وَيُدِيمُهَا وَيُطَوِّلُهَا يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" مَا يَنْظُر هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة مَا لَهَا مِنْ فَوَاق "... ) وَذَكَرَ الْحَدِيث، خَرَّجَهُ عَلِيّ بْن مَعْبَد وَغَيْره كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب التَّذْكِرَة.
أَيْ مِنْ تَرْدَاد ; عَنْ اِبْن عَبَّاس.
مُجَاهِد : مَا لَهَا رُجُوع.
قَتَادَة : مَا لَهَا مِنْ مَثْنَوِيَّة.
السُّدِّيّ : مَا لَهَا مِنْ إِفَاقَة.
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ :" مَا لَهَا مِنْ فُوَاق " بِضَمِّ الْفَاء.
الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ.
الْجَوْهَرِيّ : وَالْفَوَاق وَالْفُوَاق مَا بَيْن الْحَلْبَتَيْنِ مِنْ الْوَقْت ; لِأَنَّهَا تُحْلَب ثُمَّ تُتْرَك سُوَيْعَة يَرْضَعُهَا الْفَصِيل لِتُدِرَّ ثُمَّ تُحْلَب.
يُقَال : مَا أَقَامَ عِنْده إِلَّا فَوَاقًا ; وَفِي الْحَدِيث :( الْعِيَادَة قَدْر فَوَاق النَّاقَة ).
وَقَوْل تَعَالَى :" مَا لَهَا مِنْ فَوَاق " يُقْرَأ بِالْفَتْحِ وَالضَّمّ أَيْ مَا لَهَا مِنْ نَظْرَة وَرَاحَة وَإِفَاقَة.
وَالْفِيقَة بِالْكَسْرِ اِسْم اللَّبَن الَّذِي يَجْتَمِع بَيْن الْحَلْبَتَيْنِ : صَارَتْ الْوَاو يَاء لِكَسْرِ مَا قَبْلهَا ; قَالَ الْأَعْشَى يَصِف بَقَرَة :
حَتَّى إِذَا فِيقَةٌ فِي ضَرْعِهَا اِجْتَمَعَتْ... جَاءَتْ لِتُرْضِعَ شِقَّ النَّفْس لَوْ رَضَعَا
وَالْجَمْع فِيَق ثُمَّ أَفْوَاق مِثْل شِبَر وَأَشْبَار ثُمَّ أَفَاوِيق.
قَالَ اِبْن هَمَّام السَّلُولِيّ :
وَذَمُّوا لَنَا الدُّنْيَا وَهُمْ يَرْضَعُونَهَا... أَفَاوِيقَ حَتَّى مَا يُدِرُّ لَهَا ثُعْلُ
وَالْأَفَاوِيق أَيْضًا مَا اِجْتَمَعَ فِي السَّحَاب مِنْ مَاء، فَهُوَ يُمْطِر سَاعَة بَعْد سَاعَة.
وَأَفَاقَتْ النَّاقَة إِفَاقَة أَيْ اِجْتَمَعَتْ الْفِيقَة فِي ضَرْعهَا ; فَهِيَ مُفِيق وَمُفِيقَة - عَنْ أَبِي عَمْرو - وَالْجَمْع مَفَاوِيق.
وَقَالَ الْفَرَّاء وَأَبُو عُبَيْدَة وَغَيْرهمَا :" مِنْ فَوَاق " بِفَتْحِ الْفَاء أَيْ رَاحَة لَا يُفِيقُونَ فِيهَا، كَمَا يُفِيق الْمَرِيض وَالْمَغْشِيّ عَلَيْهِ.
وَ " مِنْ فُوَاق " بِضَمِّ الْفَاء مِنْ اِنْتِظَار.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَهُوَ مَا بَيْن الْحَلْبَتَيْنِ.
قُلْت : وَالْمَعْنَى الْمُرَاد أَنَّهَا مُمْتَدَّة لَا تَقْطِيع فِيهَا.
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَة قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي طَائِفَة مِنْ أَصْحَابه... الْحَدِيث.
وَفِيهِ :( يَأْمُر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِسْرَافِيل بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى فَيَقُول اُنْفُخْ نَفْخَة الْفَزَع فَيَفْزَع أَهْل السَّمَوَات وَأَهْل الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه وَيَأْمُرهُ فَيَمُدّهَا وَيُدِيمُهَا وَيُطَوِّلُهَا يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" مَا يَنْظُر هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة مَا لَهَا مِنْ فَوَاق "... ) وَذَكَرَ الْحَدِيث، خَرَّجَهُ عَلِيّ بْن مَعْبَد وَغَيْره كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب التَّذْكِرَة.
وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا
قَالَ مُجَاهِد : عَذَابَنَا.
وَكَذَا قَالَ قَتَادَة : نَصِيبَنَا مِنْ الْعَذَاب.
الْحَسَن : نَصِيبنَا مِنْ الْجَنَّة لِنَتَنَعَّمَ بِهِ فِي الدُّنْيَا.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر.
وَمَعْرُوف فِي اللُّغَة أَنْ يُقَال لِلنَّصِيبِ قِطٌّ وَلِلْكِتَابِ الْمَكْتُوب بِالْجَائِزَةِ قِطّ.
قَالَ الْفَرَّاء : الْقِطّ فِي كَلَام الْعَرَب الْحَظّ وَالنَّصِيب.
وَمِنْهُ قِيلَ لِلصَّكِّ قِطّ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْكِسَائِيّ : الْقِطّ الْكِتَاب بِالْجَوَائِزِ وَالْجَمْع الْقُطُوط ; قَالَ الْأَعْشَى :
يَعْنِي كُتُب الْجَوَائِز.
وَيُرْوَى : بِأُمَّتِهِ بَدَل بِغِبْطَتِهِ، أَيْ بِنِعْمَتِهِ وَحَالِهِ الْجَلِيلَة، وَيَأْفِق يُصْلِح.
وَيُقَال : فِي جَمْع قِطّ أَيْضًا قِطَطَة وَفِي الْقَلِيل أُقُط وَأَقْطَاط.
ذَكَرَهُ النَّحَّاس.
وَقَالَ السُّدِّيّ : سَأَلُوا أَنْ يُمَثِّل لَهُمْ مَنَازِلهمْ مِنْ الْجَنَّة لِيَعْلَمُوا حَقِيقَة مَا يُوعَدُونَ بِهِ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد : الْمَعْنَى عَجِّلْ لَنَا أَرْزَاقَنَا.
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ عَجِّلْ لَنَا مَا يَكْفِينَا ; مِنْ قَوْلهمْ : قَطْنِي ; أَيْ يَكْفِينِي.
وَقِيلَ : إِنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ اِسْتِعْجَالًا لِكُتُبِهِمْ الَّتِي يُعْطَوْنَهَا بِأَيْمَانِهِمْ وَشَمَائِلهمْ حِين تُلِيَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ الْقُرْآن.
وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :" فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ " [ الْحَاقَّة : ١٩ ].
" وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابه وَرَاء ظَهْره " [ الِانْشِقَاق : ١٠ ].
وَأَصْل الْقِطّ الْقَطُّ وَهُوَ الْقَطْع، وَمِنْهُ قَطَّ الْقَلَم ; فَالْقَطّ اِسْم لِلْقِطْعَةِ مِنْ الشَّيْء كَالْقَسْمِ وَالْقِسْم فَأُطْلِقَ عَلَى النَّصِيب وَالْكِتَاب وَالرِّزْق لِقَطْعِهِ عَنْ غَيْره، إِلَّا أَنَّهُ فِي الْكِتَاب أَكْثَر اِسْتِعْمَالًا وَأَقْوَى حَقِيقَة.
قَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت :
قَالَ مُجَاهِد : عَذَابَنَا.
وَكَذَا قَالَ قَتَادَة : نَصِيبَنَا مِنْ الْعَذَاب.
الْحَسَن : نَصِيبنَا مِنْ الْجَنَّة لِنَتَنَعَّمَ بِهِ فِي الدُّنْيَا.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر.
وَمَعْرُوف فِي اللُّغَة أَنْ يُقَال لِلنَّصِيبِ قِطٌّ وَلِلْكِتَابِ الْمَكْتُوب بِالْجَائِزَةِ قِطّ.
قَالَ الْفَرَّاء : الْقِطّ فِي كَلَام الْعَرَب الْحَظّ وَالنَّصِيب.
وَمِنْهُ قِيلَ لِلصَّكِّ قِطّ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْكِسَائِيّ : الْقِطّ الْكِتَاب بِالْجَوَائِزِ وَالْجَمْع الْقُطُوط ; قَالَ الْأَعْشَى :
وَلَا الْمَلِكُ النُّعْمَانُ يَوْمَ لَقِيته | بِغِبْطَتِهِ يُعْطِي الْقُطُوطَ وَيَأْفِقُ |
وَيُرْوَى : بِأُمَّتِهِ بَدَل بِغِبْطَتِهِ، أَيْ بِنِعْمَتِهِ وَحَالِهِ الْجَلِيلَة، وَيَأْفِق يُصْلِح.
وَيُقَال : فِي جَمْع قِطّ أَيْضًا قِطَطَة وَفِي الْقَلِيل أُقُط وَأَقْطَاط.
ذَكَرَهُ النَّحَّاس.
وَقَالَ السُّدِّيّ : سَأَلُوا أَنْ يُمَثِّل لَهُمْ مَنَازِلهمْ مِنْ الْجَنَّة لِيَعْلَمُوا حَقِيقَة مَا يُوعَدُونَ بِهِ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد : الْمَعْنَى عَجِّلْ لَنَا أَرْزَاقَنَا.
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ عَجِّلْ لَنَا مَا يَكْفِينَا ; مِنْ قَوْلهمْ : قَطْنِي ; أَيْ يَكْفِينِي.
وَقِيلَ : إِنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ اِسْتِعْجَالًا لِكُتُبِهِمْ الَّتِي يُعْطَوْنَهَا بِأَيْمَانِهِمْ وَشَمَائِلهمْ حِين تُلِيَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ الْقُرْآن.
وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :" فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ " [ الْحَاقَّة : ١٩ ].
" وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابه وَرَاء ظَهْره " [ الِانْشِقَاق : ١٠ ].
وَأَصْل الْقِطّ الْقَطُّ وَهُوَ الْقَطْع، وَمِنْهُ قَطَّ الْقَلَم ; فَالْقَطّ اِسْم لِلْقِطْعَةِ مِنْ الشَّيْء كَالْقَسْمِ وَالْقِسْم فَأُطْلِقَ عَلَى النَّصِيب وَالْكِتَاب وَالرِّزْق لِقَطْعِهِ عَنْ غَيْره، إِلَّا أَنَّهُ فِي الْكِتَاب أَكْثَر اِسْتِعْمَالًا وَأَقْوَى حَقِيقَة.
قَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت :