تفسير سورة الحجرات

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

وقوله: تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً (٢٩). فى الصلاة.
وقوله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ. (٢٩) وهي الصفرة من السهر بالليل.
وقوله: ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ (٢٩).
وفي «١» الإنجيل: أيضًا كمثلهم فِي القرآن، وَيُقَال: ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ «٢» وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ، كزرع أخرج شطأه، وشطؤه «٣» : السنبل تُنبت الحبة عشرًا وثمانيًا وسبعًا، فيقوى بعضه ببعض، فذلك قوله: (فآزره) فأعانه وقواه فاستغلظ [ذَلِكَ] «٤» فاستوى، ولو كانت واحدة لم تقم عَلَى ساق، وهو مَثَل ضربه اللَّه عزَّ وجل للنبى صلّى الله عليه إذ «٥» خرج وحده ثُمَّ قوّاه بأصحابه، كما قوّى الحبة بما نبت منها.
آزرت، أُؤازره، مؤازرة: قوّيته، وعاونته، وهي المؤازرة.
ومن سورة الحجرات
قوله جل وعز: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا (١).
اتفق عليها «٦» القراء، ولو قَرَأَ قارئ: (لا تقدموا) لكان صوابًا يُقال: قَدَمت «٧» فِي كذا وكذا، وتقدَّمت.
وقوله عزَّ وجلَّ: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ (٢) «٨» وفي قراءة عَبْد اللَّه «بأصواتكم» «٩»، ومثله فِي الكلام: تكلم كلامًا حسنًا، وتكلم بكلام حسن.
(١، ٢) ساقط فى ش.
(٣) سقط فى ش.
(٤) زيادة فى ب، ح، ش.
(٥) فى ش: إذا، تحريف.
(٦) فى ش عليه.
(٧) فى (ا) قدّمت.
(٨، ٩) ساقط فى ح، والعبارة فى ش: وفى قراءة عبد الله: «لا رفعوا بأصواتكم».
وقوله: «١» وَلا تَجْهَرُوا لَهُ «٢» بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ (٢) :
يَقُولُ: لا تقولوا: يا مُحَمَّد، ولكن قولوا: يا نبي اللَّه- يا رَسُول اللَّه، يا أبا القاسم.
وقوله: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ (٢).
معناه: لا تحبطُ وفيه الجزم والرفع إِذَا وضعت (لا) مكان (أن)، وَقَدْ فُسر فِي غير موضع، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: فتحبطَ أعمالكم، وهو دليل عَلَى جواز الجزم فِيهِ.
وقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى (٣).
أخلصها للتقوى كما يمتحن الذهب بالنار، فيخرج جيده، ويسقط خبثه.
وقوله: مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ (٤).
وجه الكلام أن تضم الحاءَ والجيم، وبعض العرب يَقُولُ: الحُجَرات والرُّكَبات «٣» وكل جمع كأن يُقال فِي ثلاثةٍ إلى عشرةٍ: غرف، وحجر «٤»، فإذا جمعته بالتاء نصبت ثانية، فالرفع «٥» [١٨٠/ ب] أجودُ من ذَلِكَ.
وقوله: أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤).
أتاه وفد بني تميم فِي الظهيرة، وَهو راقد صلّى الله عليه، فجعلوا ينادون: يا مُحَمَّد، اخرج إلينا، فاستيقظ فخرج، فنزل: «إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ» إلى آخر الآية، وَأذِن بعد ذَلِكَ لهم فقام شاعرهم، وشاعر المسلمين «٦»، وخطيب منهم، وخطيب المسلمين، فعلت أصواتهم بالتفاخر، فأنزل اللَّه جل وَعز فِيهِ «٧» :«لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ» (٢).
وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ «٨» بِنَبَإٍ فتثبتوا «٩» (٦)
(١) فى: ش: لا تجهروا بالقول، سقط.
(٢) سقط في ش خطأ.
(٣) فى (ا) أو الركبات. وفى ح، ش: والنكبات، تحريف.
(٤) فى ش: حجر وغرف.
(٥) فى ب: والرفع.
(٦) فى ش: وشاعر المسلمون، تحريف.
(٧) سقط فى (ا). [.....]
(٨) فى (ح) : جاءكم بنبإ، سقط.
(٩) فى ش: فتبينوا.
«١» قراءة أصحاب عَبْد اللَّه، ورأيتها فِي مصحف عَبْد اللَّه منقوطة بالثاء، وَقراءة النَّاس: (فَتَبَيَّنُوا) «٢» ومعناهما متقارب لأن قوله: (فَتَبَيَّنُوا) أمهلوا حَتَّى تعرفوا، وَهذا معنى «٣» تثبتوا «٤». وَإنما كَانَ ذَلِكَ أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بعث عاملًا عَلَى بني المصطلق ليأخذ «٥» صدقاتهم، فلما توجه إليهم تلقوه ليعظموه، فظن أنهم يريدون قتاله، فرجع إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه فَقَالَ: إنهم قاتلوني، وَمنعوني أداء ما عليهم فبينما «٦» هُمْ كذلك وَقَدْ غضب النَّبِيّ صَلَّى الله عليه قدم عَلَيْهِ «٧» وَفد بني المصطلق فقالوا: أردنا تعظيم رَسُول «٨» رَسُول اللَّه، وَأداء الحق إِلَيْه، فاتهمهم رسول الله صلّى الله عليه ولم يصدقهم فأنزل الله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فتثبتوا» إلى آخر الآية، وَالآية التي بعدها.
وقوله: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا (٩).
ولم يقل: اقتتلتا، وهى فى قراءة عبد الله: فخذوا بينهم. مكان فأصلحوا بينهم، وفى قراءته: حتى يفيئوا «٩» إلى أمر الله فإن فاءوا فخذوا بينهم.
وقوله: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (١٠).
ولم يقل: بين «١٠» إخوتكم، وَلا إخوانكم، وَلو قيل ذَلِكَ كَانَ صوابًا.
وَنزلت فِي رهط عَبْد اللَّه بْن أَبِي، ورَهط عَبْد اللَّه بْن رواحة الْأَنْصَارِيّ، فمر رَسُول اللَّه صَلَّى الله عليه عَلَى حِمار فوقف عَلَى عَبْد اللَّه بْن أَبِي فِي مجلس قومه، فراث حمار رَسُول اللَّه، فوضع عَبْد اللَّه يده عَلَى أنفه وَقال: إليك حمارك فقد آذاني، فَقَالَ لَهُ ابْنُ روَاحة: أَلِحِمارِ رَسُول اللَّه تَقُولُ هَذَا؟ فو الله لهو أطيب عِرضا منك وَمن أبيك، فغضب قوم هَذَا، وَقوم هَذَا، حَتَّى اقتتلوا بالأيدي وَالنعال، فنزلت هذه الآية.
(١، ٢) ساقط فى ش.
(٣) فى ش: يعنى.
(٤) قراءة حمزة والكسائي وخلف «فتثبتوا»، وقراءة الباقين: «فتبينوا» (الإتحاف ٣٩٧).
(٥) فى ش ليأخذوا، تحريف.
(٦) فى ش فبينا.
(٧) فى ب عليهم.
(٨) سقطت فى ش.
(٩) كذا فى ح، ش وفى الأصل: تفيئوا، وبقية العبارة تشير إلى يفيئوا.
(١٠) ساقطة فى ب، ش.
71
وقوله: فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي (٩) التي لا تقبل الصلح، فأصلح النَّبِيّ صَلَّى الله عليه بينهم «١».
وقوله: لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ (١١).
نزلت فِي أن ثابت بْن قيس الْأَنْصَارِيّ كَانَ ثقيل السمع، فكان يدنو من النَّبِيّ صلّى الله عليه ليسمع حديثه، فجاء بعد ما قضي ركعة من الفجر، وَقد أخذ النَّاس أماكنهم من رَسُول اللَّه فجعل «٢» يتخطى وَيقول: تفسحوا حَتَّى انتهى إلى رَجُل دون النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه، فَقَالَ: تفسح، فَقَالَ لَهُ الرجل: قَدْ أصبت مكانًا فاقعد، فلما أسفر قَالَ: من الرجل؟ قَالَ: فلان بْن فلان، قَالَ:
أنت «٣» ابْنُ هَنَةٍ لأمٍّ لَهُ، قَدْ كَانَ يعير بها فشق على الرجل، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ: «لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه فيما أعلم: عسوا أن يكونوا خيرًا منهم «٤»، ولا نساء من نساء عسَين أن يكنَّ خيرًا منهن.
ونزل أيضًا فِي هذه القصة: [١٨١/ ا] «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً» (١٢) والشعوب أكبر من القبائل، والقبائل أكبر من الأفخاذ (لتعارفوا) : ليعرف بعضكم بعضا فِي النسب (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ) مكسورة لم يقع عليها التعارف، وهي قراءة «٥» عَبْد اللَّه:
لتعارفوا بينكم، وخيركم عند اللَّه أتقاكم فَقَالَ «٦» ثابت: والله لا أفاخر رجلًا فِي حسبه أبدا.
وقوله: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ (١١).
لا يَعب بعضكم بعضًا، ولا تنابزوا بالألقاب: كَانَ الرجل يَقُولُ للرجل من اليهود وَقَدْ أسلم:
يا يهودي! فنُهوا عنْ ذَلِكَ وَقال فيه: «بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ» ومن فتح: أن
(١، ٢، ٤) سقط فى ش.
(٣) فى ب آنت.
(٥) فى ب، ش: وهى فى قراءة. [.....]
(٦) فى ش: قال.
72
أكرمكم فكأنه قَالَ: لتعارفوا أن الكريم المتقِي «١»، ولو كَانَ «٢» كذلك لكانت: لتعرفوا أن أكرمكم، وجاز: لتعارفوا ليعرِّف بعضكم بعضًا أن أكرمكم عند الله أتقاكم.
وقوله: وَلا تَجَسَّسُوا (١٢).
القُراء مجتمعون عَلَى الجيم نزلت خاصة «٣» فِي «٤» سلمان، وكانوا نالوا منه «٥».
وقوله: فَكَرِهْتُمُوهُ (١٢).
قال لهم النبي صلّى الله عليه: أكان أحدكم آكلًا لحم أخيه بعد موته؟ قَالُوا: لا! قَالَ.
فإِن الغيبة أكل لحمه، وهو أن تَقُولُ ما فِيهِ، وإذا قلت ما ليس فِيهِ فهو البَهْت «٦» ليست بغيبة «٧» فكرهتموه أي فقد كرهتموه «٨»، فلا تفعلوه.
ومن قَرَأَ: فكُرِّهتموه «٩» يَقُولُ: قَدْ «١٠» بُغِّض إليكم «١١» والمعنى واللَّه أعلم- واحد، وهو بمنزلة قولك: مات الرجل وأُميت.
وقوله: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا (١٤).
فهذه نزلت فى أعاريب بني أسد قدموا عَلَى «١٢» النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه المدينة بعيالاتهم طمعًا فِي الصدقة، فجعلوا يروحون ويغدون، ويقولون: أعطنا فإنا أتيناك بالعيال والأثقال، وجاءتك العرب عَلَى ظهور رواحلها
فأنزل اللَّه جل وعز «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا» (١٧) (وأن) فِي موضع نصب لأنها فِي قراءة عَبْد اللَّه: يمنون عليك إِسلامهم، ولو جعلتَ: يَمُنُّون عَلَيْك لأنْ أسْلَمُوا، فإذا ألقيت اللام كان نصبا مخالفا للنصب الأول.
(١) فى ش: التقوى، تحريف.
(٢) فى ش: كانت.
(٣) فى ح، ش: نزلت أيضا خاصة.
(٤، ٥) زيادة من ب.
(٦) البهت والبهيتة: الكذب.
(٧، ٨) ساقط فى ح.
(٩) فى ش: كرهتموه.
(١٠) فى ش: فقد.
(١١) فكرهتموه، قراءة أبى سعيد الخدري، وأبى حيرة، وقد رواها الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(البحر المحيط ٨/ ١١٥).
(١٢) فى ش إلى.
73
وقوله: أَنْ هَداكُمْ (١٧)، وفى قراءة عبد الله: إذ هداكم.
ف (أن) فِي موضع نصب لا بوقع الفعل، ولكن بسقوط الصفة.
وقوله: لا يَلِتْكُمْ (١٤).
لا ينقصكم، ولا يظلمكم من أعمالكم شيئًا، وهى من لات يليت، والقراء مجمعون «١» عليها، وَقَدْ قَرَأَ بعضهم: لا يَأْلِتْكم «٢»، ولست «٣» أشتهيها لأنها بغير ألف كتبت فى المصاحف، وليس هذا بموضع يجوز فيه سقوط الهمز ألا ترى قوله: (يأتون) «٤»، و (يأمرون) «٥»، و (يأكلون) «٦» لم تلق الألف فِي شيء مِنْهُ لأنها ساكنة، وإنما تلقى الهمزة إِذَا سكن ما قبلها، فإذا «٧» سكنت هِيَ تعني «٨» الهمزة ثبتت فلم تسقط، وإنما اجترأ عَلَى قراءتها «يألتكم» أَنَّهُ وجد «وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ» «٩» فى موضع، فأخذ ذا من ذَلِكَ فالقرآن ١»
يأتي باللغتين المختلفتين ألا ترى قوله: (تملى عليه) «١١». وهو فى موضع آخر: «فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ» «١٢». ولم تحمل إحداهما عَلَى الأخرى فتتفقا ولات يليت، وألتَ يألِتُ لغتان [قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الجهم بْن إِبْرَاهِيم السِّمَّرِيّ قَالَ حَدَّثَنَا الفراء] «١٣».
(١) فى ب، ش: مجتمعون.
(٢) قرأ الجمهور: (لا يلتكم) : من لات يليت، وهى لغة الحجاز (البحر المحيط ٨/ ١١٧) وقرأ الحسن والأعرج وأبو عمرو (لا يألتكم)، من ألت وهى لغة غطفان وأسد (البحر المحيط ٨/ ١١٧).
(٣) سقط فى ح. [.....]
(٤) فى مواضع من القرآن الكريم: سورة التوبة آية ٥٤، والاسراء آية ٨٨ والكهف آية ١٥...
(٥) كما فى آل عمران: الآيات ٢١، ١٠٤، ١١٤ والنساء الآية ٣٧ والحديد الآية ٢٤.
(٦) فى مواضع من القرآن مثلا: البقرة آية ١٧٤، ٢٧٥ والنساء آية ١٠.
(٧) فى ح: وإذا.
(٨) فى ش يعنى.
(٩) سورة الطور: ٢١.
(١٠) فى ب: والقرآن.
(١١) سورة الفرقان الآية ٥.
(١٢) سورة البقرة الآية ٢٨٢.
(١٣) ما بين الحاصرتين زيادة فى ب.
74
Icon