ﰡ
وروى أبو موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فرأى قوماً قد رفعوا أصواتهم بالدعاء فقال :" إِنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أَصَمّاً ولا غَائِباً إنّ الّذي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَيْكُمْ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ ".
وقوله تعالى :﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ ﴾، قيل فيه : إنه أشار إليهم وأومأ بيده، فقامت الإشارة في هذا الموضع مقام القول ؛ لأنها أفادت ما يفيده القول ؛ وهذا يدل على أن إشارة الأخرس معمول عليها قائمة فيها يلزمه مقام القول. ولم يختلف الفقهاء أن إشارة الصحيح لا تقوم مقام قوله، وإنما كان في الأخرس كذلك لأنه بالعادة والمِرَانِ والضرورة الداعية إليها قد عُلم بها ما يعلم بالقول، وليس للصحيح في ذلك عادة معروفة فيعمل عليها ؛ ولذلك قال أصحابنا فيمن اعتقل لسانه فأومأ وأشار بوصية أو غيرها أنه لا يُعمل على ذلك لأنه ليس له عادة جارية بذلك حتى يكون في معنى الأخرس.
فإن قيل : إن ولد أمته منه حرّ الأصل فلم يحتج من أجل ذلك إلى استيناف عتق، والولد المشترى مملوك فلا يعتق بالشرى حتى يستأنف له عتقاً. قيل له : اختلافهما من هذا الوجه لا يمنع وجه الاستدلال منه على ما وصفنا في أن الإنسان لا يبقى له ملك على ولده وأنه واجب أن يعتق عليه إذا ملكه ؛ وذلك لأنه لو جاز له أن يبقى له ملك على ولده لوجب أن يكون ولده من أَمَتِهِ رقيقاً إلى أن يعتقه. وإنما اختلف الولد المولود من أمته والولد المشترى في كون الأول حرَّ الأصل وكون الآخر معتقاً عليه ثابت الولاء منه، مِنْ قِبَلِ أن الولد المشترى قد كان ملكاً لغيره فلا بد إذا اشتراه من وقوع العتاق عليه حتى يستقرّ ملكه، إذ غير جائز إيقاع العتق في ملك بائعه لأنه لو وقع العتاق في ملكه لبطل البيع لأنه بعد العتق، ولا يصح أيضاً وقوعه في حال البيع لأن حصول العتق ينفي صحة البيع في الحال التي يقع فيها فوجب أن يعتق في الثاني من ملكه، ولا يصح أيضاً وقوع العتاق في حال الملك لأنه يكون إيقاع عتق لا في ملك فلذلك وجب أن يعتق في الثاني من ملكه، وأما الولد المولود في ملكه من جاريته فإنا لو أثبتنا له ملكاً فيه كان هو المستحق للعتق في حال الملك، فلا جائز أن يثبت ملكه مع وجود ما ينافيه وهو استحقاق العتاق في تلك الحال فكان حرَّ الأصل ولم يثبت له ملك فيه، ولو ثبت ملكه ابتداءً فيه لكان مستحقّاً بالعتق في حال ما يريد إثباته لوجود سببه الموجب له وهو ملكه للأم، وغير جائز إثبات ملك ينتفي في حال وجوده، واختلافهما من هذا الوجه لا ينفي أن يكون ملكه لولده في الحالين موجباً لعتقه وحريته.
فإن قيل : إن ولد أمته منه حرّ الأصل فلم يحتج من أجل ذلك إلى استيناف عتق، والولد المشترى مملوك فلا يعتق بالشرى حتى يستأنف له عتقاً. قيل له : اختلافهما من هذا الوجه لا يمنع وجه الاستدلال منه على ما وصفنا في أن الإنسان لا يبقى له ملك على ولده وأنه واجب أن يعتق عليه إذا ملكه ؛ وذلك لأنه لو جاز له أن يبقى له ملك على ولده لوجب أن يكون ولده من أَمَتِهِ رقيقاً إلى أن يعتقه. وإنما اختلف الولد المولود من أمته والولد المشترى في كون الأول حرَّ الأصل وكون الآخر معتقاً عليه ثابت الولاء منه، مِنْ قِبَلِ أن الولد المشترى قد كان ملكاً لغيره فلا بد إذا اشتراه من وقوع العتاق عليه حتى يستقرّ ملكه، إذ غير جائز إيقاع العتق في ملك بائعه لأنه لو وقع العتاق في ملكه لبطل البيع لأنه بعد العتق، ولا يصح أيضاً وقوعه في حال البيع لأن حصول العتق ينفي صحة البيع في الحال التي يقع فيها فوجب أن يعتق في الثاني من ملكه، ولا يصح أيضاً وقوع العتاق في حال الملك لأنه يكون إيقاع عتق لا في ملك فلذلك وجب أن يعتق في الثاني من ملكه، وأما الولد المولود في ملكه من جاريته فإنا لو أثبتنا له ملكاً فيه كان هو المستحق للعتق في حال الملك، فلا جائز أن يثبت ملكه مع وجود ما ينافيه وهو استحقاق العتاق في تلك الحال فكان حرَّ الأصل ولم يثبت له ملك فيه، ولو ثبت ملكه ابتداءً فيه لكان مستحقّاً بالعتق في حال ما يريد إثباته لوجود سببه الموجب له وهو ملكه للأم، وغير جائز إثبات ملك ينتفي في حال وجوده، واختلافهما من هذا الوجه لا ينفي أن يكون ملكه لولده في الحالين موجباً لعتقه وحريته.