ﰡ
قال ابن عرفة: حكى الزمخشري، وابن عطية السورة: هل هي مكية أو مدنية؟ سبعة أقوال.
قال ابن عطية: وروي عن أنس أن أول السورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سلم فنادى بها النَّاس واستمع النَّاس إليه، فقال: " [أتدرون أي يوم هذا؟» فبهتوا، فقال: «يوم يقول الله يا آدم أخرج بعث النار فيخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين» قال: فاغتم الناس فقال رسول الله ﷺ «أبشروا فمنكم رجل ومن يأجوج ومأجوج ألف رجل*] ".
قال ابن عرفة: في فهم هذا الحديث إشكال، فإن أوله مناقض لآخره، والصواب أن تقول: منكم رجل [ومن*] يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون رجلا، فلا بد من تأويله.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١)﴾
قال ابن عرفة: تقدر لنا أن عرف القرآن فيما اشتمل على أمر اعتقادي (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) ومن اشتمل على أمر فرعي أن يفتح (يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، ووقع في البقرة (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ)، وفي النساء (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ)، لكن الأمر المعنوي أبلغ؛ لأنهم إذا أمروا واتقوا مع استحضار مقام الرأفة والرحمة فأحرى مع استحضار العظمة والجلال.
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ).
فإن بعضهم يقول: هذا من الأمر المطلق المعني مثل [**حرص الثاني في رصد الجند]، [وقوله (زَلْزَلَةَ) *].
قالوا: وهي إما مضافة للفاعل؛ أي أن تزلزل الساعة النَّاس، أو الأرض. (شيء عظيم)، أو للمفعول: أي أن تزلزل الساعة النَّاس في نفسها، واتسع في الظرف، كما قيل: تمر عليه بزمان، والعظم إما في الكمية مثل رجل عظيم، أو في الكيفية مثل الأمر العظيم، فإن أريد بالزلزلة الحركة، وهي معنى من المعاني فالعظم في الكيفية، وإن أريد الذات احتمل الأمرين.
قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ... (٢)﴾
فأجاب الزمخشري: أن المرأي هناك الزلزلة وكل أحد يراها، والمرئي وكل أحد يرى غيره ولا يرى نفسه.
قال ابن عرفة: وأجاب بعضهم: بأن الأولى ليس فيها ما يمنع من إسناد الفعل إلى الجميع، والثانية فيها المانع، وهو وصف السكر؛ لأن السكران لَا يرى شيئا.
قال ابن عرفة: وفي الآية [الطباق*]، وهو تارة يكون بين الشيء [وضده*] كقوله تعالى: (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا)، كقول الشاعر:
[لَا تَعْجَبي يَا سَلْمُ من رَجُلٍ | ضَحِكَ المَشِيبُ برأسِهِ فَبَكىَ*] |
[يُقَيِّضُ لِي مِنْ حيْثُ لا أَعْلَمُ النوى | ويَسرى إِليَّ الشَّوق مِنْ حيْثُ أَعْلمُ*] |
قال ابن عرفة: وفي الآية سؤال، وهو أنه قال تعالى في الأولى (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ)، وفي الثانية: (وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ) فهلا قال: يوم تذهل كل ذات رضاع، أو يقال: [وتضع*] كل حامل وكل مرضعة؟ قال: وعادتهم يجيبون بأن ذو تفيد مبادئ الشيء وأوائله، فلو قيل: أو تضع كل حامل [لتناول الحمل اللفظ المحقق*] ووضعه أسرع وأقرب من وضع العلقة والمضغة، فلما قال: (كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ) أفاد وضع العلقة أو المضغة، فهو أصعب من وضع ما فوقها، ؛ لأن الذي فوقه من باب أحرى.
قوله تعالى: (وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ).
احتراس؛ لأن الآيتين متناقضتان فأفاد أن [سكرتهم باعتبار ما نالهم من العذاب فوجوده لوجود العذاب*]، ونفيه باعتبار ذاته.
قال ابن عرفة: الحجة: هي إقامة الدليل على الدعوى.
والمعارضة: هي إتيان الخصم بدليل يدل على خلاف دعوى المدعي، والقدح وهو إبدال دليل المدعي.
والمجادلة: [**تعرف بالمعارف المقلة سأل فجوابه].
قال ابن عرفة: [والحجة*] لفظة أعجمية كان بعضهم يقول: أظنها القوة والشدة.
قوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ... (٥)﴾
قال ابن عرفة: فإن بعضهم يقول: (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) أخص من أنتم لوجهين:
أحدهما: إن كنتم في ريب يقتضي إحاطة الريب فيهم من جميع جهاتهم لأجل حلولهم فيه يقتضي اللفظة.
وفي الثاني: أن لفظة كان يقتضي كونهم فيه، والكون ملازم للإنسان ولا بدل عنه بخلاف الريبة، وعبر بإن؛ لأن المراد في الريب مكانه غير واضح، وأطلق الريب هنا على معناه اللغوي، وهو مطلق الاحتمال، فيتناول الظن والشك والوهم، باعتبار المعنى ومن كان مصمما على عدم البعث فهو قائل لأن يكون شاكا فيه فيدخل في الآية، وجواب الشرط مقدر (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) فانظروا وتأملوا فإنا خلقناكم، والمراد أنا خلقنا أصلكم من تراب، أو كما قال الفخر: ابن آدم يتغذى بالنبات، والنبات من التراب.
قوله تعالى: (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ).
قال ابن عطية: العلقة هي الدم [العبيط*].
ورده ابن عرفة: ؛ لأن الفقهاء فرقوا بينها، وبين الدم.
فقال ابن قاسم في الأمة: إنها إذا وضعت من سيدها الدم المجمع، فإنه إذا جعل في الماء الساخن ينقطع، وقوله البسيط يعني الطري.
وقوله تعالى: (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ).
أي متممة وغير متممة.
قال ابن عطية: وغير مخلقة هي التي تسقط غير متممة البنية.
وقال ابن عرفة: قال الحكماء إن النطفة تارة تبقى في الرحم ثلاثين يوما فيبين حملها بمثلها، أعني بعد شهرين، وتارة تبقى خمسة، وتارة تبقى أربعين يوما، وتارة تبقى خمسة وأربعين يوما، فإن بقيت ثلاثين يوما بين حملها بمثلها، أعني: بعد شهرين وتوضع لثلاثة أمثال ذلك، أي ستة أشهر، وإن بقيت خمسة وثلاثين يوما تبين حملها لمثلها، أعني: سبعين يوما، وتوضع لثلاثة أمثال ذلك، أي بعد سبعة أشهر، وإن بقيت أربعين يوما تبين حملها لمثلها، أي بعد ثمانين يوما، وتوضع لثلاثة أمثال ذلك؛ أي لثمانية أشهر مع أنه قل ما يعيش الولد إذا وضع لمثل ذلك، وإن بقيت خمسة وأربعين يوما تبين حملها لمثلها أيضا، أي لثلاثة أشهر، وتوضع لثلاثة أمثالها، أي لتسعة أشهر وهو أقصى الحمل.
ونقل المتيطي عن بعضهم: أن أقصى الحمل تسعة أشهر بعد أن ذكر الخلاف في أقصى الحمل هو خمس أو سبع سنين، أو ثلاث سنين، أو أربع، فحكى قولا آخر بأن أقصاه تسعة أشهر.
قال ابن عرفة: وهذا جهل من حاكيه، ولم يفهم هذا القول، وإنما قصد قائله بأن أقصى الحمل الطبيعي العادي بالنسبة إلى علم التشريح وإلى ما قلناه؛ لأنه [منتهى*] الحمل الشرعي، فإن ذلك خلاف أمر ليس هو هنا.
قوله تعالى: (وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً).
قال ابن عرفة: الرؤية إما [بصرية، والمرئي هي الأعراض*] لَا الذوات لأنها عند الأصوليين غير مرئية إلا على مذهب من يقول بالهيولى، قال ابن مالك في المصباح: والاسم إذا أضمر إما أن يؤتى به غائبا أو مخاطبا، وإما أن يحذف، ويجرد، [ومذهب المفسرين*] على مذهب، قوله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ).
قال ابن عرفة: وعندي هذه الآية منه، فالمقيد هو السكونين [والإهماد هو التحريك*] مع عدم الانتقال فحركة الإنسان في محله ولا ينتقل عنه.
قوله تعالى: (وَرَبَتْ).
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ... (٦)﴾
جعل الزمخشري: الباء للسبب أي ذلك سبب أن الله الحق الفاعل لذلك كله.
ابن عرفة: واللفظ عندي أن في الآية حذفا، والتقدير ذلك دليل واضح والباء للإلصاق، أي هذه دليل على أن الله حق، وأنه يحيي الموتى، وهذا عكس ما قال الزمخشري؛ لأنه جعل وجود الله سببا في هذه، ونحن نقول هذه الأمور دلائل على وجوب وجود الله ووحدانيته وقدرته على إحياء الموتى.
ابن عرفة: وهذا من قياس التمثيل أو من قياس الغائب على الشاهد؛ لأن قدرته على إيجاد المعلوم دليل على حجة عادية.
قوله تعالى: (وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
حكى الإمام في الشامل الخلاف فيما علم الله عدم وجوده، هل يصح تعلق القدرة القديمة له أو لَا؟ وهذه الآية، مع قوله تعالى: (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيهِ)، وما في الحديث بين قدراته على ليعذبني دليل على صحة تعلق القدرة به.
قال: وفي الآية حجة للمعتزلة القائلين بالإعادة عقلا، ونحن نقول بوجوبها سمعا، وبجوازها عقلا؛ لأنها عطفت في الآية على أن الله هو الحق، وهذا اعتقاده واجب عقلا، وكذا قدرته على كل شيء واجب عقلا، والمعطوف شريك المعطوف عليه في الإعراب والمعنى، فدل على إتيان الساعة واجب، قال: ووجوبه فإن أهل المنطق لما ذكروا القضايا الثلاثة عشر، وأن بعضها أعم من بعض، وأن منها الممكنة والوجودية الداعية، والثابت بالعطف شريك في وصف القضية التي هي أعم من الوجوب، والجواز الثبوت فعطف الساعة عليها لَا يدل على وجوبها بل على ثبوتها فقط أعم من الجواز والوجوب.
قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ... (٨)﴾
قال ابن عرفة: إنما كرره مرتين؛ لأن الأول صمم على الجدال، فهو مجادل مستند في جداله [بأي*] شبهة سولها له الشيطان وهو (وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ) لَا يلزم من ذمة ذم ومن دونه، وهو من يجادل من غير دليل ولا شبهة؛ لأن كفر هذا أقرب إلى الزوال من كفر الأول، فالإتيان بهذا بعد الأول تأسيس لَا [تأكيد*].
قوله تعالى: (بِغَيْرِ عِلْمٍ).
قال الزمخشري: أراد به العلم الضروري.
قوله تعالى: (وَلَا هُدًى).
فأراد به العلم النظري.
وتعقبه ابن عرفة: التكليف من [شرطه*] العقل، وقد قال الإمام في الإرشاد: العقل علوم ضرورية، فإذا انتفى عن هذا المجادل العلم الضروري سقط التكليف؛ لأنه غير عاقل، فكيف يحصر؟ قال: وإنما يقال: إن العلوم على قسمين: علم ابتدائي، وهو ما استفاده الإنسان من ذات نفسه بفكره وعقله من غير تعليم، كعلم ابن سيناء، والفارابي والشيخ أبي الحسن الأشعري، ومالك رحمهم الله تعالى، وعلم ثان، وهو ما جعل للإنسان بالتعليم من غيره، كعلم ابن القاسم، وأشهب رحمهما الله تعالى الفقه، وعلمنا نحن بأصول الدين، فقوله تعالى: (بِغَيْرِ عِلْمٍ) يريد به العلم الابتدائي.
قوله تعالى: (وَلَا هُدًى).
يريد به العلم المعلم.
قوله تعالى: (وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ).
قال الزمخشري: هو الوحي.
ابن عرفة: ظاهره الوحي المنزل عليه وهو أخص من أن يتوهم فيه هذا، وإنما المراد غير أن يسمع من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحيا في هذا.
قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ... (١١)﴾
قيل: المراد به من أسلم إسلاما قريبا من الكفر فسلك في الآية مسلك التدلي.
الأول: كافر مصمم مجادل جدالا مجملا متبعا فيه كل شيطان مريد.
والثاني: كافر مقلد مجادل من غير دليل ولا برهان، والثالث: كافر مسلم إسلاما ضعيفا، وهذا يحتمل أن يكون تقسيما مستوفيا أو غير مستوفٍ، مثال المستوفي
ذكر فيها أبو حيان وجوها منها: أن (يَدْعُو) حال، مفعوله ضمير من (يَدْعُو) تقديره، أي: مَدْعُوًّا، و (ذلك) مبتدأ، وهو فصل، وضعف بأن (يَدْعُو) لَا [يقدر مدعوا*] (١).
ابن عرفة: بل يصح كما يقول: رأيت زيدا يضربه عمرو أي مضروبا ومنها: أن يدعوا بمعنى يقول: ولمن خبره مبتدأ خبره مقدرا أي الآمر أو الناهي والجملة في موضع محلية، يدعوا وليس مستأنف لَا تدخل له في الحكاية؛ لأن الكفار لَا يقولون ذلك على أمنياتهم.
قال: ورد بالكافر لم يعتقد قط أن الأوثان ضرها أكثر من نفعها، وأجابه ابن عرفة بصحة إرادة المعنى معبرا عنه باسم غير ذلك المعنى، كقوله تعالى: (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)، لأنهم [لم*] يقولوا هذا اللفظ، ولذلك تقدم لنا أيضا أنه لَا يلزم من حلا غيره بصفة اتصافه هو بها، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ)، لأنهم وصفوه بكونه منزلًا عليه الذكر، وزاد الطيبي: أنه يصح الوقف على (يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ) مبتدأ خبره (لَبِئْسَ الْمَوْلَى).
قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ... (١٥)﴾
نقل ابن عرفة: كلام المفسرين، ثم قال: وكان بعضهم يقول الآية وإن خرجت على [سبب*]، فإنها تتناول عندي من اتصف بمثل ذلك السبب فيدخل تحتها من أصابه آفات في بدنه، أو ماله، أو عرضه لأجلها؛ أي: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) فليتب عن ذلك، ويرضى بحاله وإلا (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَب إِلَى السَّمَاءِ)، وكان يسمى هذا عطف المقهور بموقف على أمر فيه هلاكه، وهذا موجود عند سائر النَّاس، يقول بعضهم لبعض: إن لم ترض بهذا فاضرب بدماغك الحائط.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ... (١٨)﴾
قال ابن عرفة: الصواب عندي أن يكون وكثير من النَّاس مبتدأ، ويكون في الآية حذف من الأول ما دل عليه الثاني، ومن الثاني ما دل عليه الأول، أي (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) مثاب، (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ) وعلى هذا يضمحل كلام الزمخشري.
قوله تعالى: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ... (١٩)﴾
وقال ابن عرفة: العناصر الأربعة عندنا التراب، والماء، والهواء، والنار، والثالث والأول لَا خلاف فيهما ولا إشكال أنها جواهر ويقع النظر في النار، هل هي جواهر أو
"أن يكون يَدْعُوا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وذلِكَ مُبْتَدَأٌ وَهُوَ فَصْلٌ أَوْ مُبْتَدَأٌ وَحَذَفَ الضَّمِيرَ مِنْ يَدْعُوا أَيْ يَدْعُوهُ وَقَدَّرَهُ مَدْعُوًّا وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ يَدْعُوهُ لَا يُقَدَّرُ مَدْعُوًّا إِنَّمَا يُقَدَّرُ دَاعِيًا، فَلَوْ كَانَ يُدْعَى مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ لَكَانَ تَقْدِيرُهُ مَدْعُوًّا جَارِيًا عَلَى الْقِيَاسِ". اهـ (البحر المحيط. ٧/ ٤٩١).
قوله تعالى: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ).
قال ابن عطية: اختلف في سبب نزول الآية.
فقال قيس بن عباد، وهلال بن يساف: نزلت في حمزة، وعلي، وعبيدة، [ابن الحارث - رضي الله عنهم - برزوا لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة*] في غزوة بدر.
قال ابن عطية: ووقع أن الآية نزلت فيهم في صحيح البخاري.
ابن عرفة: وفي صحيح مسلم وهو آخر حديث رُوي [عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ، يُقْسِمُ قَسَمًا: إِنَّ ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ «إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَرَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ، حَمْزَةُ، وَعَلِيٌّ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَعُتْبَةُ، وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ*].
ابن عرفة: وإنما قال (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ) دونهم لنص الحكماء على أن الأصح إذا جعل في النار نفسها، قالوا: لأن النار جسم لطيف، والنحاس جسم كثيف متجمع [وآفته حرارة النار*].
فإن قلت: ما فائدة زيادة (مِنْ) في قوله تعالى: (مِنْ فَوْقِ)، وهلا استغنى عنها؟
فأجاب ابن عرفة: بأنها لابتداء الغاية في أول أمكنة الفوقية، قال: وكذلك أن الحميم إذا صب فوقهم عن بعد، فإنه يدركه الهوي فينقص من حرارته، فإذا صب فوق رءوسهم بالقرب نزل كما هو، وهذا مشاهد عندنا في المس إذا طبخناه أو صب في الإناء يرده بالمغرفة ترفع بها إلى فوق وتصبه فيبرد بالهواء ومهما علونا بالمغرفة إلى فوق، كان أشد في تبريده فأفادت زيادة من أنه يصب فوق رءوسهم من أقرب أمكنة الفوقية إليهم حتى لَا ينتقص من حرارته شيء.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ... (٢٣)﴾
أكد جزاء المؤمنين بأن ولم يؤكد جزاء الكافرين في قوله تعالى: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ).
وقال ابن عرفة: فالجواب: أن حرص الإنسان على دفع ما يؤلمه أشد من حرصه على جلب ما يلائمه، فاكتفى في التنفير عن العذاب لمجرد الوعد مع ما حصله في
الأول: إن جزاء الكافرين العذاب عدل من الله تعالى، وجزاء المتقين بالجنة، فضل من الله تعالى إن شاء فعله، وإن شاء لم يفعله، فأكده ليصير واجبا ما جاء به له عن نفسه فقوي رجاء المؤمنين وطمعهم فيه.
الثاني: أتى بعده (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) فجزاؤهم مكرر مؤكد في هذه الآية فاستغنى به عن تأكيده أولا.
قوله تعالى: ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ... (٢٥)﴾
من عطف الخاص على العام؛ لأنه من سبيل الله.
قوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).
ابن عرفة: هذا من المشاكلة؛ لأنه قابل إرادة [الإلحاد*] بذوق بعض العذاب، والإرادة العزم على الشيء من غير فعله، والذوق إدراك أوائل الشيء ومبادئه فقط، فيجوز عن مبادئ السيئات، وهو العزم عليها بمبادئ العذاب الأليم.
قيل لابن عرفة: هذا مخالف لحديث " [مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، لَمْ تُكْتَبْ*]، أو كتبت له حسنة"، فقال: نعم هذا خاص، والحديث عام، وهذا متواتر والحديث [أخبار*] آحاد وفعله معناه إرادة ذلك مع العزم والتصميم عليه حتى كأنه فعله وأما نفس الألم لا مع العزم والتصميم، فلا شيء فيه، فعلى هذا معنى هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا... (٢٦)﴾
قال ابن عرفة: المكان هو المحل المحوط بأمرنا، ومنهم من يزيد فيه بحيث يشار إليه أنه هناك أو هنا، فهو على هذا مخالف للخبر، فالطائر إذا نزل في الأرض هو في مكان، فإذا كان في الهواء فهو في جنب، ولم يكن في مكان، [**ويبنى أيضا على القول بالجلاء، والملأ فعلى القول بالملأ، يكون الطائر في مكان].
قال ابن عطية: والمفعول الأول هو إما محذوف تقديره [النَّاس*] أو العالمين.
ابن عرفة: أما النَّاس فنعم وأما العالمين فبعيد؛ لأن الحيوانات غير الإنسان لا ترجع إلى البيت، وليست مكلفة بالعبادة.
قوله تعالى: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).
فإن قلت: [لم جمع*] الطائفين والقائمين جمع سلامة، وجمع الركع السجود جمع تكسير؟ فالجواب: أن القيام أول أجزاء الصلاة، ولا بد فيه النية، وجمع السلامة إنما يصدق على العاقل [فلذا يجمع*] جمع سلامة، والركوع والسجود في أثناء الصلاة لا يحتاج فيه [إلى تجديد نية*] لأجل انسحاب حكم النية الأولى عليه [فأشبه*] جمعه غير العاقل الذي [**لَا نية ولا منكر]، قلت: أو يجاب بأن الطائفين والقائمين في الصلاة أقل من الركع السجود، وأما الطواف فظاهر؛ لأن الحجاج في النَّاس أقل من غيرهم، وأما القيام في الصلاة فلأنه إنما كلف به الصحيح، وأما المريض لم يكلف به بخلاف السجود والركوع، فإن العاجز عن القيام يركع ويسجد.
قوله تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ... (٢٨)﴾
قال ابن عرفة: على هنا للتعليل، أي لأجل ما رزقهم حسبما قاله ابن مالك.
قوله تعالى: (وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ).
والمذهب على أنه يطعم منها من انفرد بأحد الوصفين، كما يطعم من اجتمع فيه الوصفان، قال: والجواب بالفرق بين الواحد بالنوع، والواحد الشخص.
فإن قلت: هذا الحب للحيوان الطائر والناطق فهو صحيح لإمكان اجتماع الأمرين فيه بكون المائي والحيواني باعتبار نوعه، وأنه منوع للطائر، وإلى ناطق باعتبار شخصه بالتكليف هنا فإطعام الإنسان باعتبار نوعه المقسم إلى إنسان انفرد بأحدهما.
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ... (٣٠)﴾
قال ابن عرفة: أشار بذلك احتراس من جهة أن قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)، تعظيم له [فاحترس*] من ذلك ونبه على أنه ينبغي لهم أن يعتقدوا أن الطواف بها لَا بذاتها بل لكونها من شعائر الله فتعظيمها تعظيم لله.
قال الزمخشري: (ذلك) خبر المبتدأ، أي الأمر والشأن ذلك كما [يقدّم الكاتب*] جملة من [كتابه*] في بعض المعاني، ثم إذا أراد الخوض في معنى آخر قال: هذا، وقد كان كذا.
فإن قلت: من الشرطية لَا تقتضي الحصول، فهل عبر عن الموصولة؟ بمعنى الذي لأنها تقتضي حصول التعظيم، فالجواب: أن الشرط يدخل على المقدر والمحصول، والمقدرات الوجود أكثر من الموجودات فهو إشارة إلى أنه مهما قدر الإنسان وجود شيء من حرمات الله تعالى وعظمها، ففي الممكن أن يقع في الوجود ما هو أعظم منها فينبغي له أن يطلب أعظم الأشياء، وأرقاها وأفضلها ويحرص على الاتصاف بأكمل الأوصاف في ذلك.
قوله تعالى: (خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ).
خير فعل لَا أفعل من إلا أن يقال: إن المباح خير فيكون أفعل من فقوله (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ)، يؤخذ منه أن الأشياء على الحصر، ويؤخذ منه أن مهما شككنا في شاة، هل هي محللة أو محرمة فإنا [نبني*] على أنها محللة [خلافًا*] لمذهب الإمام مالك رحمه الله، وقد قالوا في كتاب الربا في قوله - ﷺ -: الذهب بالذهب ربا إلا [هاء وهاء*] أنه إذا وقعت صورة شككنا في تحليلها أو تحريمها، فإنا نحكم بتحريمها، لأنه يستثني القليل من الكثير، فلا بد أن تكون صورة المستثنى المحللة أقل من المحرمة، فيكون المشكوك فيه داخلا في قوله تعالى: (أُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ)؛ لأنه غير داخل في المتلو علينا، وهو ما تضمنه قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيكُمُ الْمَيتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ).
وأجاب ابن عرفة: بأن المراد بالمتلو المحرم باعتبار أفراده، وأنواعه بالذاتيات، لا المحرم باعتبار أوصافه لَا باعتبار ذاته، قلنا: أو يدخل في عموم قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)؛ لأنه يدعي أنه ميتة.
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ... (٣١)﴾
قال ابن عرفة؛ والصواب في تقرير كونه من [تشبيه المركب بالمركب أن*]، يقال: شبه الشرك بالله والمشرك [بمن*] خر من السماء [فَاخْتَطَفَتْهُ*] الطَّيْرُ، [فالمشرك*] كالخار من السماء، والمشرك شبه بالطير التي تخطف الخار من السماء، فجعل [مَزْعًا فِي حَوَاصِلِهَا*] ونحوها كالطير المتخطفة للخار من السماء ناقلة عضوا عضوا، فهو تشبيه المجموع بالمجموع، أو هذا بهذا، وهذا بهذا، فهو تشبيه المجموع، كقوله:
ومثله قوله تعالى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ)، وفي تشبيه المفرد بالمفرد، ومنه قوله:
كَأنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْباً وَيَابِساً... لدَىَ وَكْرِهَا العُنَّابُ والحشَفُ البَالي
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ... (٣٢)﴾
الخطاب إما لجميع النَّاس أو المسلمين، قال القاضي في [المشارق*] [جَاءَت بِمَعْنى عمل وهيأ وصير وَبِمَعْنى صَار وَبِمَعْنى خلق وَبِمَعْنى حكم وَبِمَعْنى بَين وَبِمَعْنى شرع وابتدأ وَأكْثر تصرفها بِمَعْنى صَار*]، وذكر بعضهم في كتاب الجمل والآحاد من تنبهاته، وهو بمعنى [صير*].
قوله تعالى: ﴿لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ... (٣٦)﴾
الزمخشري: عن إبراهيم النخعي: من احتاج إلى ظهرها ركب، ومن احتاج إلى لبنها شرب.
قال ابن عرفة: أي بعد بلوغها، وبعد فصيلها.
قوله تعالى: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ).
قال الزمخشري: وقرأ بعضهم صوافي نحو مثل العرب اعط القوس [باريها*] بسكون الياء.
ابن عرفة: أصله صوافي فانتقلت الفتحة إلى الياء، فقال: صوافي ثم حذفت الياء وعوض عنها التنوين لشبهه بغواشي وجواري في الرفع، فحمل المنصوب على المرفوع تأخيره، فقال: اعط [القوس باريها*] وهو شاذ من الضرائر الجائزة للشاعر.
قوله تعالى: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا).
وخرجت روحها؛ لأنه يكره القطع منها قبل خروج روحها.
قوله تعالى: (وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ).
هما صفة فعل؛ أي السائل والمتعفف.
وقيل: القانع: الفقير، فيكون بصفة ذات؛ أي المتصف بالشدة والفقر.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا... (٣٨)﴾
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ).
جعله الزمخشري: راجعا للكفار.
ابن عطية: [روي أن هذه الآية نزلت بسبب المؤمنين*] لقولهم: إن السبب في نزولها كون بعض المؤمنين عزم على خيانة الكفار وقتلهم، فالكفر على هذا إما كفر النعمة، وإمَّا أن يراد لَا يحب كل خوان، ولا كل كافر، فيكون [... ] أو يكون تلطفا في العبارة، فيكون النهي عن الخيانة تسلط على المؤمنين بالإيمان لَا بالنص، لأجل اقترانها بوصف الكفر.
قال ابن عرفة: ونفى المحبة وثبوتها، إما على طرفي النقيض أو بينهما واسطة، وهو عدمها مقاومهم لمن قال: لَا يحب بمعنى لَا حبذا زيد، فيقتضي الذم فيكون لا يحب في معرض الذم لمن اتصف بهذا.
فإن قلت: هل يؤخذ من الآية رد على من يقول إنَّ كلا إنْ كان منصوبا لَا يقتضي العموم، وإن كان مرفوعا اقتضاه حسبما قالوا [ومنه*] قوله:
قَدْ أصبحَتْ أمُّ الخِيارِ تَدَّعي... عليَّ ذَنْباً كلُّه لم أَصْنعِ
قلنا: العموم مستفاد من القرينة.
فإن قلت: هلا قيل: لَا يجب كل خائن كافر فهو أبلغ؟ قلنا: الجواب بما أجابوا به (وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ).
قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)﴾
قال ابن عرفة: إما على قراءة فتح التاء فظاهر تقدم الإذن، وإمَّا على قراءة كسرها فيكون الإذن الآن، وفقا لهم مثل قوله تعالى: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)، أي [الصائرين*] للتقوى، ولذلك يقاتلون، أي الذين يقاتلون في المستقبل.
قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ... (٤٠)﴾
أي لولا دفاع الله ضرر الكفار وبقتال المسلمين لهم، إذ ولولا دفاع الله الظلم بشهادة العدول، إذ ولولا دفاع الله [ظلم الظلمة بعدل الولاة*]، وفيه دليل على أن
قوله تعالى: (يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا).
يحتمل أن يراد الاسم أو المسمى، كقوله تعالى: (اقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ)، يحتمل الاسم والذات.
قوله تعالى: (صَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ).
إما على حذف مضاف أي لهدمت صوامع وصلوات ومساجد والهدم مجاز، أي لفعلت صلوات فيتعارض فيه المجاز والإضمار وفيهما قولان.
قوله تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ).
ومعناه ولينصرن دين من ينصره.
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
احتراس: أي لَا يتوهموا أن الله يحتاج إلى جهادكم الكفار، بل هو قادر على رفع أذاهم عنكم، ولمن جرت عادته بترتيب الأسباب على مسبباتها، قلت: قال ابن عرفة: ما بعده، قال سيبويه: وقوله تعالى: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ)، المعنى على الانقطاع البين، وكأنه قال: هؤلاء [ظلموا؛ لأن الظلم قد صرح به حين قال*] (إنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِم لَقَدِيرٌ)، فهم أخرجوا من ديارهم بغير حق، أي سبب غير الحق؛ لكن قالوا (ربُّنَا اللَّهُ) ولا يقدر [الاتصال*]؛ لأنه يصير المعنى أخرجوا بغير حق إلا هؤلاء، فإنه حق آخر جوابه: [**قولهم ربنا الله] يخرجون به هكذا [تكون*] صورة الاتصال، فيكون المعنى جليا، وكان الشلوبين يجعله متصلا، ويقول: إنهم أخرجوا بغير حق، فوجب إخراجهم عند الكفرة، فالاتصال على هذا بين كان هذا مما يظهر في الموضع، وراجعت فيه أبا الحسن ابن عصفور: فرده عليَّ بأمرين:
الأول: أنه يكون المعنى أخرجوا ولا حق [يوجب*] إخراجهم إلا قولهم (رَبُّنَا اللَّهُ)، ولم يخرجوا بهذا القدر خاصة، بل كان هذا جزاء من آخر أخرجوا بها ألا ترى أنهم أخرجوا بقولهم: (رَبُّنَا) ولصلواتهم، وبأمور الشريعة كلها ولأنهم حلفوا عليهم
قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا... (٤٦)﴾
قال ابن عرفة: لما تضمن الأمر السابق إهلاك الأمم السالفة في قوله تعالى: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ)، وبقي أثرهم ضاربا عقبه بذم هؤلاء في عدم اتعاظهم بهم، ونظرهم النظر الهادي إلى الصواب، وكان بعضهم يقول: السير في الأرض إما حسي باعتبار سماع أخبارهم فمن أدركهم قطع مغادرها للتفكير والنظر في آثار الكفار المهلكين بسبب تكذيبهم، أو معنوي باعتبار سماع أخبار أحبارهم ممن أدركهم أو قرأ لهم في الكتب.
قوله تعالى: (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا).
[راجع*] للسير الحسي (أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا)، [راجع*] للسير المعنوي، وهو سماع ذلك ممن أدركهم، هذا إن ثبتنا على تفسير السير بالحسي والمعنوي، وإن لم [نبني*] على هذا فنقول: إنما عطفت هذه بـ لو دون الواو؛ لأن الواو تقتضي الجمع فيكونوا ذموا على ذم المجموع، والذم على عدم الاتصاف بكل واحد من ذلك يستلزم الذم على عدم الاتصاف بالمجموع من باب أحرى، فإذا ذموا على عدم العقل بانفراده، وعلى عدم الجمع بانفراده فأحرى أن يذموا على [عدمهما*] معا، قال ابن عطية: وفيه دليل على أن العقل في القلب.
فرده بعض الطلبة: بأن النظر مشروط بوجود العقل، فما يوجب عليه النظر حتى يكون عاقلا، فكيف نظره شرطا في عقله، فقال ابن عرفة: العقل التكليفي، هو الذي يتوقف على وجوده وجوب النظر، والعقل النافع، هو الذي يتوقف وجوده على تقدم النظر عليه، قيل لابن عرفة: ما اختلف الأطباء والفقهاء، إلا في محل العقل التكليفي، فقول ابن عطية: إنه في القلب لم يرويه إلا العقل التكليفي، قال محلها واحد.
قوله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ).
قوله تعالى: (ثُمَّ أَخَذْتُهَا).
[المهلة لما بين أول أزمنة الإملاء وزمن الهلاك*].
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩)﴾
الحصر سبب السياق، وسياق [الإنذار*] للكفار، فإن قلت: لم قال: (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ)، وقال في الآخرين: (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)، قلنا: لما ذكر الزمخشري: من أن الآية إنما [سيقت*] بالذات في معرض التخويف للكافرين، فذلك شدد في خطابهم.
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ... (٥١)﴾
قال الزمخشري: أي سابقين إلى المراد فيها وإبطالها من قولك: سابقت فلانا فسبقته، وفي الحديث: "لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا عليه".
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى... (٥٢)﴾
إن قلت: ما أفاد قوله تعالى: (مِن قَبْلِكَ)؟ فالجواب: إنه أفاد مع قولك من رسول التأكيد في عموم القبلية في الأمم المتقدمة، والرسالة تارة يراد بها مطلق البعث، وهو المعنى الأعم فيها، وتارة يراد بها البعث والتبليغ لغيره، والمراد بها في الآية المعنى الأعم، لقوله تعالى: (مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ)، ولو أريد المعنى الأخص، للزم استواء الرسول والنبي في المعنى، مع أنهما مختلفان، وإنما عطف النبي على
قوله تعالى: (فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ).
النسخ رفع ما قد ثبت، وهذا لم يثبته قرآن بوجه، وهذا الذي تكلم به الشيطان وأوهم الكافرين أنه على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، فالمراد ننسخ سببه، وما نشاء منه، وما حصل في اعتقاد [من بعض المؤمنين*]، ومن كانت في نفسه ريبة وشك، فيزيل ذلك بنزول الآيات البينات الدالات على بطلانه، وأورد الفخر: أنه إذا ثبت أن الله تعالى قدر الشيطان على فعل مثل هذا، فيلزم الارتياب في جميع آيات القرآن، وعدم الوثوق بها، إذ لعل بعضها من قول الشيطان، وأجاب: بأنه إذا قدره على ذلك يلهم الرسول إلى استدراك الأمر، وإبطال ما هو من كلام الشيطان، كما ألهمه لها.
قال ابن عرفة: هذا فتح باب سوء، وإنما الجواب: أن القرآن مقطوع بصحته
ووروده من عند الله عز وجل، إما لأنه معجز ودليل الإعجاز يقطع هذا كله، وإما
التواتر والإجماع على أن هذا الذي نحن نقرأوه هو قرآن صحيح، وارد من عند الله عز
وجل، لقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)،
قال الفخر: وآية القرآن على ثلاثة أقسام، فقوله تعالى: (اللَّهُ نَزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ
كِتَابًا مُتَشَابها)، وقوله تعالى: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ)، تقتضي أنه كله محكم، وقوله تعالى: (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ
وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)، يقتضي أن بعضه محكم وبعضه متشابه،
فأجاب ابن عرفة: بأن المتشابه في قوله تعالى: (كِتَابًا مُتَشَابِهًا)،
بمعنى التماثل، لَا بمعنى الاختلاف، والإحكام في قوله تعالى: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ
آيَاتُهُ)، يقتضي الإتقان.
قوله تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ... (٥٤)﴾
مع أن العلم بوحدانية الله تعالى مرادف للإيمان، فالجواب: إما أن يراد بالعلم العلم التصويري، وبالثاني الذي هو الإيمان العلم التصديقي، وإمَّا بأن يجعل الضمير المحذوف في قوله تعالى: (فَيُؤْمِنُوا بِهِ)، عائد على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإما على قول ما قال الزمخشري: من أن المراد يعلموا أن تمكين الشيطان من الإلقاء هو الحق من ربك والحكمة، أن المراد قوله تعالى: (وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
قوله تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ... (٥٥)﴾
قال ابن عرفة: المراد هنا بالمرية: الوهم الذي هو أعم من الشك، لقوله تعالى: (إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)، فإن هناك سياق الوهم.
قوله تعالى: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦)﴾
ابن عرفة: إن قلت: قال في الأولى (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)، وقال في الثانية [(فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) *]، فأجاب: بوجوه:
الأول: أنه قصد المبالغة في جهة الكفار، فلذلك مد جزاؤهم باسم الإشارة مع الفاء واللام في لهم، إما بمعنى على أو ذلك تهكم بهم
الجواب الثاني أن في الآيات حذف التقابل، فذكر في الأول الظرف الذي هو محل للجزاء دون ما يقع فيه الجزاء، وذكر في الثاني الجزاء دون محله والتقدير فالذين آمنوا وعملوا الصَّالِحَاتِ فأولئك لهم نعيم كريم في جنات النعيم، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)، في جهنم.
وقوله تعالى: (وَكَذبُوا بِآيَاتِنَا)، أما مساو للكفر أو يعادله، فالمراد بالأول كفرهم بالله تعالى وبالتكذيب كفرهم بالرسالة.
قوله تعالى: ﴿رِزْقًا حَسَنًا... (٥٨)﴾
احتج بها الفخر للمعتزلة: على أن الرزق إنما يطلق على [الحلال*] ورده ابن عرفة بقوله: (حَسَنًا) فدل على أن هناك رزقا غير حسن، قال الفخر، قوله تعالى: (خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، دل على [أن*] غير الله يرزق ويملك، ولولا كونه قادرا فاعلا لما صح ذلك، وأجاب: بأنه لَا نمنع في كون الغير قادرا، فإن القدرة مع الداعي فريدة في الفعل بمعنى الاستلزام.
قوله تعالى: ﴿لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩)﴾
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ... (٦٠)﴾
قال ابن عرفة: اللفظ أن ذلك فعل مثل أما بعد ونحوها لمباينة هذه الجملة لما قبلها، وجعلها الفخر متصلة وقرر وجها لمناسبة بينهما، وقال ابن عطية: سبب نزولها أن بعض المسلمين أمن بعض المشركين في شهر محرم، وفيه القتال وأرادوا قتالهم فناشدوهم أن لَا يقاتلوهم، ولم يفعلوا فقاتلوهم فنصرهم الله عليهم.
قال ابن عرفة: لفظ الآية مخالف للسبب؛ لأن ظاهرها أن المسلمين هم البادون بالقتال، إلا أن يريد بذلك بدايتهم من المنازلة والمعاقدة فيكون مجازا فسمي المنازلة عقوبة ثم يعبر عليه بالقتال بالفعل.
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ).
قال الزمخشري: أي عفو عن الجاني على طريق التستر به، إشارة إلى أن عقوبة المؤمن للكافر على ما جنى عليه جائزة، لكن العفو راجح، لقوله تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)، وقوله تعالى: (وَأنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)، فقال ابن عرفة: إنما هو بعد القدرة عليه، وأما قبل القدرة عليه فلا يجوز له العفو عنه بوجه، فقصر الآية على عفو المسلم على الكافر، وكان بعضهم يجعلها عامة، وتقدير وجه المناسبة بأن الإنسان لَا يعاقب بالمثل، إلا إذا تحقق وجه مماثلة العقوبة [للجناية*]، أما إذا شك في المماثلة، فإنه ينبغي له أن يعفو ويترك حقه إذ لعله يعاقب أكثر من الخيانة، وقرر الطيبي: وجه المناسبة كان ذلك في شهر حرام، فكان الأولى عدم وقوف المسلمين لهم في القتال، وأن يصفحوا عنهم ويتفرقوا.
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ... (٦٢)﴾
قال ابن عرفة: هذه لذلك سبب فصل بل يعتقدوا بأن نصرة الله لكم لاتصافه بالوحدانية والقدرة والإرادة، بدليل إيلاجه الليل في النهار والنهار في الليل.
قوله تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ).
ابن عرفة: تكلم الزمخشري هنا كلاما موافقا لمذهب أهل السنة، فقال: سميع بما يقولون بصير بما يفعلون، مع أن المعتزلة يردون ذلك كله إلى صفة العلم، وكان
قوله تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ).
ابن عرفة: (الْعَلِيُّ) باعتبار ذاته، (الْكَبِيرُ) باعتبار صفاته.
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ... (٦٦)﴾
ابن عرفة: هذا دليل على أن الموت دليل وجودي، وهو مذهب أهل السنة بخلاف الفلاسفة؛ لأن القدرة لَا تتعلق بالعدم، قال: والإحياء الثاني يتناول الإحياء في القبر للسؤال، والإحياء للحشر، قال ابن عطية: [الإحياء والإماتة في هذه الآية ثلاث مراتب وسقط منها الموت الأول الذي نص عليه في غيرها إلا أنه بالمعنى في هذه*]، الأول: ورده ابن عرفة: بأنه عدم صرف، فلا يقال: فيه موت إلا مجازا، قال: وعطف هذا يحتمل الترقي لأنك إذا رجحت بين إنعامك على شخص أولا ثم ناله الجوع، ثم أنعمت عليه ثانيا تجد إنعامك عليه أولا أدخل في باب الامتثال وأرجح يحتمل التدلي لقوله تعالى: (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)، فالإحياء بعد [الإمامة*] نظير الإطعام من الجوع، وقال: وعادتهم يقولون: إن النحويين عطفوا الفعل المضارع على الماضي، وجعلوه مرجوعا فلا بد أن [تكون هذه الجملة*] تقديرها، ثم هو يحيكم ثم هو يجمعكم يعلم من هذا.
قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ).
ابن عرفة: قالوا هذا تلطف من ناحية أنه لم يقل: إنكم لكفار مع تقدم الخطاب لهم في الآية وتسديد من ناحية تعريفه الإنسان بعلم الجنس فيعم المخاطبين وغيرهم، قال: وهذا إن أريد به قيد الإيمان فهو خاص بمن اتصف بذلك، قيل لابن عرفة: بل المراد به المجموع ويكون علميا لَا كليا، قال ابن هارون: والجملة كقولك كل الأمة معصوم، مع أن المعصوم بعضهم، فأبطله ابن عرفة بأنهم نبهوا على أن الحكم على المجموع لَا بد فيه من اعتبار نسبته لكل فرد من أفراده كقولك: [**كل شيء عليم، برفع الهمزة العظيمة فمجموعهم يرفعها]، وكل واحد منهم له في ذلك نصيب، وإذا اعتبرناه هنا لزم الكفر.
قال ابن عرفة: وفي الآية من علم البيان، وهو خلط المختلف فيه بالمتفق عليه على وجه التسوية بينهما؛ لأن الإحياء الثاني في الدار الآخرة مختلف فيه بيننا وبين الفلاسفة، وغيرهم.
قوله تعالى: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ... (٦٧)﴾
ابن عرفة: هذا خطابة شريفة حسبما مثلها البيانيون، يقول القائل في مدح الخمر: إنه ياقوت يسال... ، وقال: هذا السبب لَا يناسب الآية، إنه يلزم عليه أن تكون الآية نزلت مقدرة لذلك، فيكون مقتضاها أن ذلك كان في [شرعنا جائزا*]، وفيه زيادة أن ما قتلوه لَا يؤكل مع أنهم كانوا يأكلونه.
قوله تعالى: (فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ).
[كقولهم لا أرينك هاهنا*].
قوله تعالى: (لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ).
الهداية قسمان: إما الإرشاد فيمن بعُد أو من قرب، فأفاد الوصف المستقيم أنه إرشاد بوجود قريب؛ لأن المستقيم هو أقرب من [**تمام ما أمرنا بقوله لهم وابتداء إخبار من الله تعالى].
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ... (٧٠)﴾
قال ابن عرفة: هذا الاستفهام على معنى التقرير، معناه: قد علمت ذلك، فإن أريد علما [ماضيا*] فيكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فخصوصيته [أو له*] ولمن يلحق به من العلماء، وإن أريد به مطلق العلم فالخطاب لكل واحد، وإن قلنا: إن السماء كورية يمكن عطف الأرض عليها من باب عطف الخاص على العام، ويقول في الآية حجة لأهل السنة القائلين بأن علم الله بالجزئيات كعلمه بالكليات خلافا للحكماء.
قوله تعالى: (إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ).
ويحتمل عود اسم الإشارة على قوله تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ بما تعملون)، أي علمكم عنده محفوظ في كتاب، ويحتمل عوده على علمه مما في الأرض وما في السماء.
قوله تعالى: (إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ).
أي علم ذلك عليه يسير، أو حكمه بينكم عليه يسير، فإن قلت: هذا ماض أزلي هلا قيل: [(أَلَمْ تَعْلَم أَن اللَّهَ عَلِمَ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) *]، فالجواب: أنه عبر
قال الزمخشري: هنا، [لأن العالم الذات لا يتعذر عليه ولا يمتنع تعلق بمعلوم*].
قال ابن عرفة: هذا اعتزال؛ لأن مذهبه أن الله تعالى عالم بذاته، لَا يعلم بصير بذاته، لَا يبصر لأنهم ينفون الصفات.
قوله تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا... (٧١)﴾
قال ابن عرفة: هذا كالتسلية له صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أي [لدوامهم على معاندتهم لك*] في الأحكام الشرعية، وذلك قولهم: لم تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتله أحد منهم، [فخالفوا*] فيما هو أشد من ذلك من الأمور الاعتقادية [فعبدوا*] غير الله، قال ورد عليهم قولهم بأمرين: ذلك بأنهم لَا دليل عليه من جهة السمع، ولا من جهة العقل، فنفى الأول الدليل السمعي، ثم العقلي، فهو تأسيس؛ لأن نفي الدليل السمعي لَا يستلزم نفي الدليل العقلي، قال: وفيه ذم التقليد، وهو على قسمين:
تارة يكون المقلد ذاكرا له وعاجزا عن التعبير عنه، وتارة يكون مستشعرا، فالأول هو الذي يقدر ويصح تقليده، وهو الذي يقولون فيه: إيمان المقلد جائز وهو في الرتبة الثانية.
قوله تعالى: ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ... (٧٢)﴾
عبر باسم المفعول عن المصدر وهو قليل.
قوله تعالى: (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ).
الإشارة إتيان للألم الحادث في قولهم عند سماعهم الآية، وإما للسطوة الصادرة [منهم للمؤمنين*].
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ... (٧٣)﴾
قال الفخر: [ضُرِبَ يُفِيدُ فِيمَا مَضَى واللَّه تَعَالَى هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهَذَا الْكَلَامِ ابْتِدَاءً*]، وأجاب: بأنه إذا كان ما يورد من الوصف معلوما من قبل جاز فيه ويكون ذكره بمنزلة إعادة أمر قد تقدم.
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ).
قال الفخر هذا الاستدلال إما أن يكون لنفي كون الأوثان خالقه لما له حياة، أو لنفي كونها مستحقة للتعظيم، والأول: فاسد؛ لأنه معلوم بالضرورة، فأي فائدة في
قال ابن عرفة: لأي شيء لم يقل لم يخلقوا ذرة، فهو أحقر من الذباب وأصغر، والذرة هو [الشيء*] الذي يراه الناظر من شقاق الباب من عين الشمس، وأجيب: بأن المراد بخلق الذرة إيجادها عن عدم، وهذا لم يدعه أحد بوجه، وأما خلق الذباب فهو راجع إلى جميع أجزائه عن تفريق ونفخ الروح فيه وخلق الأعراض له، وهذا قد ادعاه المعتزلة فقالوا: إنهم يخلقون أفعالهم، وقد كان عيسى عليه السلام، يحيي الموتى، فإِيجاد الذباب أخف من إيجاد الذرة، والعجز عنه يستلزم العجز عن إيجاد الذرة من باب أحرى، ولاسيما إذا قلنا: إن القادر على إيجاد الجزء المكمل يصدق عليه أنه قادر على الجميع، فالقادر على إيجاد الحياة يصدق عليه أنه خالق للذرات، لأن فعله حصل كمال الذات.
قوله تعالى: ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ... (٧٤)﴾
قال الزمخشري: ما عرفوه حق معرفته.
ابن عرفة: هذا يلزم عليه أن تكون [معرفة*] ذاته والإحاطة به ممكنة، وليس الأمر كذلك مع أن المسألة فيها خلاف.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ... (٧٧)﴾
هذا من عطف العام على الخاص؛ لأن العبادة أعم، قال: ويحتمل أن يراد [الخضوع*]، أي اخضعوا في ركوعكم وسجودكم، وهي عبارة قاصرة.
قوله تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ).
عبارة متعدية للغير مع إعطاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
* * *