تفسير سورة آل عمران

أحكام القرآن
تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب أحكام القرآن .
لمؤلفه ابن الفرس . المتوفي سنة 595 هـ
سورة آل عمران١
هذه السورة مدنية، واسمها٢ في التوراة طيبة، كذا ذكر٣ بعضهم، وفيها مواضع من الأحكام والنسخ.
١ في (ج) و(د): "تفسير سورة آل عمران والله معين"..
٢ في غيرهـا: "واسم هـذه السورة".
٣ في (هـ): "ذكره"..

٧ - قوله تعالى :﴿ منه آيات محكمات ﴾ :|آل عمران : ٧|
قد١ اختلف العلماء٢ في تفسير المحكم والمتشابه اختلافا كثيرا.
والصحيح على مقتضى اللغة أن المحكم يرجع إلى معنيين.
أحدهما : المكشوف المعنى الذي لا يتطرق إليه احتمال ولا إشكال والمتشابه يتعارض فيه الاحتمال. والثاني : أن المحكم ما انتظم وترتب ترتيبا مفيدا٣ إلا أن٤ هذا لا يقابله متشابه، وإنما يقابله المثبج٥ والفساد.
وقد يجوز على مقتضى اللغة أن يعبر بما يتشابه ٦ في اللفظ المشترك وقد يطلق على ما ورد من صفات الله تعالى ما ٧ يوهم ظاهره ٨ الجهة والتشبيه٩. وقد سمى الله تعالى المحكمات :﴿ أم الكتاب ﴾ [ آل عمران : ٧ ]، أي أصل الكتاب وذلك يقتضي رد المتشابهات إلى المحكمات لتفهم منها فيؤخذ من هذا١٠ أن المتشابه هو المحتمل للمعاني فيعرف المراد منه برده إلى المحكم وإن كان كثير منه يستدل بالأدلة العقلية على معرفة المراد منه.
وقد يجوز أن تسمّى المحكمات بمعنى أنها أنفع للناس وأفضل من المتشابهات كما تسمى فاتحة الكتاب :﴿ أم الكتاب ﴾، ومكة :﴿ أم القرى ﴾ ١١ وقد يجوز أن تسمى المحكمات ؛ لأن معناها بين، فتستنبط منه الفوائد وتقاس عليه المسائل١٢ والذي يرجع إلى الأحكام١٣ من هذا أن تأويل ما يتعلق/ بالأحكام الشرعية واجب وما يتعلق بها فلا ١٤ يجب تأويله.
وهل يحرم أم لا ؟ اختلف فيه وقد ظن قوم أنه لا يجوز ؛ لظاهر قوله تعالى :﴿ فأما الذين في قلوبهم زيغ ﴾ الآية [ آل عمران : ٧ ]، وجعلوا الوقف عند قوله :﴿ إلا الله ﴾. ومن الناس من حرم تأويل المتشابهات تعويلا على ذلك الظاهر والأكثر على جواز التأويل وعلى ذلك اختار قوم١٥ الوقف١٦ على قوله :﴿ والراسخون في العلم ﴾.
١ في (أ) و (ب): "وقد"..
٢ في (ب) و(هـ): "أهـل العلم"..
٣ في (هـ): "بعيدا"..
٤ في (هـ): " لأن"..
٥ هـذه الكلمة بياض في (ب) وفي (ج) و(د): "الصحيح"، في (هـ): "المنتج"، يقال: ثبج الكتاب والكلام تثبيجا لم يبين وقيل: لم يأت به على وجه. انظر لسان العرب، ج ١، ص ٣٤٧..
٦ في (أ): "يتشابه به"..
٧ في غير (ب) و(هـ): "مما"..
٨ في (أ) و(د): "ظاهـر"؛ في (هـ): "الظاهـر"؟ كلمة "ظاهـرة" ساقطة في (ب)..
٩ ورد ما يشبهـه في كتاب المستصفى من علم الأصول للغزالي ج ١، ص ١٠٦، ط١، المطبعة الأميرية بولاق، مصر سنة ١٣٢٢هــ..
١٠ في (هـ): "منهـا"..
١١ قوله: "وقد يجوز... أم القرى" ساقط في (ب)..
١٢ في (ج): "ولا تقاس عليه المسائل"، والصواب ما أثبتناه..
١٣ في (ج): "للأحكام"..
١٤ في (هـ): "لا" بسقوط الفاء..
١٥ كلمة "قوم" ساقطة في (هـ)..
١٦ في (ج): "الوقوف"..
٢٨ قوله تعالى :﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين ﴾ :|آل عمران : ٢٨|
وهذا النهي إنما هو أن يظهر الإنسان اللطف بالكفار والميل إليهم، وإن كان لا يعتقد ذلك. وقد اختلف في سبب هذه الآية. فقال ابن عباس : كان كعب ابن الأشرف١، وابن أبي الحقيق وقيس ابن زيد وقد بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم٢، فقال رفاعة ابن المنذر وعبد الله ابن جبير، وسعيد ابن خيثمة٣ لأولئك النفر : اجتنبوا٤ أولئك اليهود، واحذروا مباطنتهم ؛ فأبى ذلك٥ النفر إلا مباطنة اليهود، فنزلت الآية.
وقال آخرون : نزلت الآية ٦ في قصة حاطب٧ بن أبي بلتعة٨ وكتابه إلى أهل٩ مكة. والآية عندي على العموم في هذه القصة وغيرها١٠، ويدخل تحتها فعل أبي لبابة في إشارته إلى خلقه حين بعثه ١١ النبي صلى الله عليه وسلم في استنزال بني قريظة، ثم أباح الله تعالى اتخاذهم أولياء في الظاهر بشرط الاتقاء فقال :﴿ إلا أن تتقوا منهم تقاة ﴾ ١٢، وذهب ١٣ قتادة إلى أن معنى الآية :﴿ إلا أن تتقوا منهم تقاة ﴾ من جهة صلة الرحم أي ملامة، فالآية عنده مبيحة للإحسان إلى القرابة ١٤ من الكفار.
١ هـو أحد اليهـود الذين عرفوا بعدائهـم للنبي صلى الله عليه وسلم وبهـجائهـم له. قال ابن إسحاق وغيره: كان عربيا من بني نبهـان قتل في (٣للهـجرة) قصته في صحيح البخاري (٧ / ٣٣٦ فتح)..
٢ في (ج) و(د):"عن يمينهـم"..
٣ هـو سعيد بن خيثمة بن الحارث الأوسي الأنصاري، أبو عبد الله، أو أبو خيثمة: صحابي كان أحد النقباء الإثني عشر بالعقبة واستشهـد يوم بدر. الأعلام، ج ٣، ص ١٣٣..
٤ في (ب) و(ج) و(د): "احتبسوا"..
٥ في غير (ب) و(د): "أولئك"..
٦ كلمة "الآية" ساقطة في (هـ)..
٧ هـو حاطب بن أبي بلتعة اللخمي: صحابي شهـد الوقائع كلهـا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من أشد الرماة في الصحابة، وكانت له تجارة واسعة، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، ومات في المدينة. وكان أحد فرسان قريش وشعرائهـا في الجاهـلية. الأعلام: ج ٢، ص ١٦٣..
٨ في (د): "حاطب بن أبي بلتعة"، في (هـ): "حاطب بن بلتة" والصواب ما أثبتناه..
٩ كلمة "أهـل" ساقطة في (ج) و(د) و(هــ)..
١٠ كلمة "وغيرهـا" ساقطة في (هــ)..
١١ في (ج):"بعث"..
١٢ قوله: "فقال:﴿ألا أن تتقوا منهـم﴾... وذهـب... ﴿أن تتقوا منهـم تقاة﴾" ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
١٣ في (ب) و(ج): "فقال"..
١٤ في (هـ): "للقرابة"..
٣٥ - قوله تعالى :﴿ إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ﴾. |آل عمران : ٣٥|
هذا النذر غير معمول به في شريعتنا، فلا يجوز لأحد أن يحبس ولده على مسجد من المساجد. وكان هذا معنى للتحبيس على الكنائس في شرع من قبلنا عرفا في الذكور خاصة. وكان فرضا على الأبناء١ التزامه، فمعنى الآية : جعلت نذرا على أن يكون هذا المولود الذي في بطني محررا من كل خدمة وشغل. والبيت الذي نذرت له هو بيت المقدس، فإن٢ قيل : كيف كان التحبيس شرطا في الذكور خاصة، وقد قالت امرأة عمران أم مريم :﴿ ما في بطني ﴾، ولم تخص ذكرا من أنثى.
قيل٣ : جزمت ٤ الدعوة رجاء٥ منها أن يكون ذكرا.
١ في (ج) و(هـ): "إلا نبياء" والصواب ما أثبتناه..
٢ في (ب) و(هـ): " و إن"..
٣ كلمة "قيل" ساقطة في (ج)..
٤ في (هـ): "حرصت"..
٥ في غير(هـ): "رجاء أن"..
٣٦ وقوله تعالى :﴿ وإني سميتها مريم ﴾. |آل عمران : ٣٦|
فيه دليل١على جواز تسمية الأطفال عند الولادة ؛ لأنها إنما قالت هذا بإثر الوضع، وهي مسألة قد اختلف٢ فيها، فذهب قوم إلى أنه لا يجوز أن يسمى المولود إلا يوم٣ سابعه، وذهب مالك إلى أنه يسمى إذا استهل صارخا وأن السقط لا يسمى، وذهب قوم إلى أنه يسمى يوم ولادته وإلى هذا٤ ذهب ابن حبيب، واستحب أيضا أن يسمى السقط لما روي من رجاء شفاعته. وحجة من أجاز تسميته يوم الولادة الآية المتقدمة. وإنما تصح الحجة بها على قول من يرى٥ أن٦ شريعة من قبلنا شرع لنا٧. ولكنه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل أن٨ ذلك أيضا في شريعتنا ؛ وذلك٩ قوله عليه الصلاة والسلام١٠ : " ولد لي الليلة مولود سميته إبراهيم " ١١ ؛ وإن كان يروى١٢ عنه عليه الصلاة والسلام ١٣، وأنه في اليوم١٤ السابع يعق١٥ عن المولود ويسمّى.
١ كلمة "دليل" ساقطة في (ب)، وفي (د): "في دليل"..
٢ في غير (ب) و(هـ): "اختلف" بدون "قد"..
٣ في (د): "إلى يوم"..
٤ في غير (ب): "وإلى نحو هـذا"..
٥ في غير (هـ) "من رأى"..
٦ في غير (هـ) سقوط "أن"..
٧ في (ب) و(ج) و(د) و(هـ): "لازمة لنا".
٨ "أن" ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
٩ ذلك ساقط في (ب) و(ج) في (هـ) "هـو"..
١٠ في (أ) و(ب): "عليه السلام"..
١١ في غير (ب) و(ج) و(د): "بإبراهـيم" ورد في (ب) و(ج) و(د): "ولد ي الليلة سميتـه إبراهـيم" وفي (هـ): "ولد في الليلة سميته إبراهـيم" والحديث رواه مسلم في صحيحه، الجزء الثاني، باب "رحمتـه صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك" ص ١٨٠٧..
١٢ في (ب) و(ج) و(د) و(هـ): "قد روى"..
١٣ كلمة "عليه الصلاة السلام": ساقطة في (ب) وأما في (هـ): "وعليـه السلام"..
١٤ في (أ) و(ج) و(د) و(هـ): "يوم"..
١٥ "يعق" بياض في (ب) و(ج) و(د)، والحديث أخرجه الترمذي في سننه. كتاب الأضاحي باب "من العقيقة"، ج ٤، ص ١٠١؛ وكذلك ابن ماجه كتاب الذبائح، باب "العقيقة"، والدارمي في كتاب الأضاحي باب "السنة في العقيقة" والنسائي في كتاب العقيقة، باب "متى يعق" بألفاظ مختلفة..
٣٧ قوله تعالى :﴿ وكفلها زكريا ﴾ :|آل عمران : ٣٧|
أصل في الحضانة، ومعنى كفلها زكرياء١ أي ضمها إليه وقام بأمرها٢ وقرئ ﴿ وكفلها ﴾ بالتشديد، زكرياء بالنصب، أي : أوجب كفالتها بالقرعة التي أخرجتها له. والآية أظهرها٣ لخصومه فيها. وذلك أن زكرياء عليه السلام٤ وخصومه فيها لما تنازعوا أيهم يكفلها تساهموا بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها التوراة. وقيل : بأقلام بروها كالقداح. وقيل بعصيّ لهم فرموا بها في نهر الأردن، فصعد٥ قلم زكرياء بالجرية وانحدرت قداح الآخرين٦. وقيل : أن أقلام القوم عامت٧ على الماء معروضة كما تفعل العيدان وبقي قلم زكرياء موتدا٨ واقفا كأنما ركز في طين، فكفلها زكرياء عليه السلام بهذا٩ الاستهام ؛ فذلك قوله تعالى :﴿ وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ﴾ ١٠ الآية [ آل عمران : ٤٤ ]، وكان زكرياء قد قال لهم : أنا أحق بها منكم ؛ لأن عندي أختها أو خالتها١١ على اختلاف في ذلك ؛ لأنه قيل : إن زوجته أم يحيى كانت خالة مريم وقيل : أختها فحكم الله تعالى بها لزكرياء لموضع أختها أو خالتها وعلى هذا شرعنا ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قضى بابنة حمزة١٢ ١٣ لجعفر بن أبي طالب١٤ إذ تنازع١٥ علي بن أبي طالب وجعفر وزيد بن حارثة فقال علي : هي ١٦ ابنة عمي، وعندي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا أحق بها.
وقال جعفر١٧ : هي ابنة عمي وعندي خالتها، فأنا أحق بها. وقال زيد بن حارثة١٨ : هي ابنة أخي، وتجشمت١٩ لها السفر. وكان قد خرج إليها٢٠ حين أصيب حمزة فأقدمها. وعلى هذا مذهبنا أن الحاضنة إذا كان زوجها وليا من أولياء المحضون فهي أحق به من سائر الأولياء، وإن كان زوجها أبعد منهم، إلا على مذهب ابن وهب في أن الزوج يسقط حضانة الحاضنة٢١، وإن كان ذا رحم٢٢ من المحضون.
اختلف في السبب الذي كفلها له زكرياء، فالأصح أنها كانت يتيمة توفيت٢٣ أمها وتركتها صغيرة.
وذكر قتادة وغيره : أنهم كانوا يتشاءمون في ذلك الزمان في المحرر عند من يكون من القائمين بأمر المسجد، فيتساهمون٢٤ عليه، وأنهم فعلوا ذلك في مريم.
وقال ابن إسحاق ٢٥ : إنها لما ترعرعت٢٦ أصابت بني إسرائيل مجاعة فقال لهم زكرياء : قد٢٧ عجزن عن إنفاق مريم فاقترعوا على من يكفلها ففعلوا، فخرج السهم على رجل يقال له : جريج، فجعل ينفق عليها وحينئذ٢٨، كان زكرياء يدخل عليها المحراب عند جريج فيجد عندها الرزق.
١ "زكرياء" ساقط في (هـ)..
٢ في (هـ): "بهـا"..
٣ في (هـ): "أخرجهـا"..
٤ "عليه السلام" كلمة ساقطة في (ج) و(هـ)..
٥ في (أ) و(ج) و(هـ): "فصاعد"؛ وفي (ب) و(د): "فصمر"..
٦ في (ب): "الأخرى"..
٧ في (ج) :"أقوام القوم علقت"..
٨ في (ب) و(ج) و(د):"مرتدا"؛ وفي (هـ): "ممتدا" والقصة ذكرهـا صاحب الكشاف ج١، ٣٥٧..
٩ في (هـ):"بذلك بذلك"..
١٠ في (غير (ب) و(ج) و(هـ) سقوط "يكفل مريم"..
١١ في (هـ): "وخالتهـا"..
١٢ هـو حمزة بن عبد المطلب بن هـاشم، أبو عمارة، من قريش، عن النبي صلى الله عليه وسلم وأحد صناديد قريش وساداتهـم في الجاهـلية والإسلام، أسلم وهـاجر مع النبي إلى المدينة، وحضر وقعة بدر وغيرهـا. وقال المدني: أول لواء عقده رسول الله كان لحمزة، وكان شعار حمزة في الحرب ريشة نعامة يضعهـا على صدره ولما كان يوم بدر قاتل بسيفين وفعل الأفاعيل وقتل يوم أحد فدفنه المسلمون في المدينة. الأعلام: ج ٢، ص ٣١٠..
١٣ انظر صحيح البخاري، كتاب الصلح، الباب السادس، ج ٣، ص ١٨، وكذلك في كتاب المغازي، الباب ٤٣، ج ٥، ص ٨٥، وانظر أيضا أبو داود في سننه، كتاب الطلاق، الباب ٣٥، من أحق بالولد، ج ٢، ص ٧٠٨ – ٧٠٩..
١٤ قوله: "ابن أبي طالب" ساقط في (ب) و(هـ)..
١٥ في (ج) و(د): "تنازعا"، والصواب ما أثبتناه..
١٦ في (ج) و(د): "معي"..
١٧ هـو جعفر بن أبي طالب عبد مناف ابن عبد المطلب بن هـاشم صحابي هـاشمي من شجعانهـم، يقال له جعفر الطيار وهـو أخو علي بن أبي طالب... وهـو من السابقين إلى الإسلام هـاجر إلى الحبشة في الهـجرة الثانية ولم يزل هـناك إلى أن هـاجر النبي إلى المدينة فقدم عليه جعفر وهـو بخيبر سنة ٧ هـ، وحضر وقعة مؤتة بالبلقاء (من أرض الشام)، فنزل عن فرسه وقاتل ثم حمل الراية وتقدم صفوف المسلمين فقطعت يمناه فحمل الراية باليسرى فقطعت أيضا، فاحتضن الراية إلى صدره، وصبر حتى وقع شهـيدا فقيل: إن الله عوضه عن يديه جناحين في الجنة. الأعلام: ج ٢، ص ١١٨..
١٨ قوله: "ابن حارثة" ساقط في (هـ)..
١٩ في (ج) و(د): "تخشعت"، والصواب ما أثبتناه..
٢٠ في (أ) و(ب) و(ج) و(د) و(هـ): "عنهـا"..
٢١ في غير (هـ): "الحاضن"..
٢٢ "رحم" ساقط على (هـ).
٢٣ في غير (هـ): "فتوفيت"..
٢٤ في (د): "يتساهـمون" بسقوط "الفاء"..
٢٥ هـو محمد بن إسحاق بن يسار ابن خيار أبو بكر المدني صاحب المغازي، روى عن أبيه وقتادة والزهـري وابن المنكدر والنخعي وعطاء وغيره. اختلف في تاريخ وفاته بين ١٥١ هـ / ٧٦٨م، وسنة ١٥٣هـ / ٧٧٠م. انظر: تهـذيب ج ٩، ص ٣٨ - ٤٦..
٢٦ قوله: "ترعرعت" كلمة ساقطة في (ب)، وفي (د) "تحررت"..
٢٧ في (و): "عن"..
٢٨ في (ب) و(ج) و(هـ): "ح"..
٤١- قوله تعالى :﴿ قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ﴾. |آل عمران : ٤١|
اختلف في صمت زكرياء، هل كان على اختيار منه أم لا ؟
فالذين ذهبوا إلى أنه عن١ اختيار منه اختلفوا في الآية هل هي محكمة أو منسوخة.
فذهب قوم إلى أنها محكمة، ليس في شريعتنا٢ ما نسخها، على القول بأن شريعة من قبلنا لازمة لنا أولا٣. أما على٤ القول بخلاف ذلك لا يحتاج إلى نظر٥ فيها، هل هي محكمة أو منسوخة ؟
وتأولوا قوله عليه الصلاة والسلام٦ : " لا صمت يوم إلى الليل ٧ " على أن معناها : لا يصمت أحد فلا يذكر الله تعالى يوما إلى الليل، وهذا محظور في كل شريعة.
والذين ذهبوا إلى أنها منسوخة، قالوا : نسخها قوله عليه الصلاة والسلام٨ : " لا وصال في الصيام، ولا يتم بعد احتلام، ولا عتق قبل ملك، ولا طلاق قبل نكاح، ولا صمت يوم إلى الليل، ولا وفاء بنذر في معصية الله " ٩.
قالوا : فنسخ إباحة الصمت وهذا النسخ، إنما يجوز على قول الكوفيين ومن تابعهم.
والذين ذهبوا إلى أن صمته لم يكن اختيارا منه، وإنما منع الكلام فلم يقدر عليه، فلا شك أن الآية عندهم محكمة.
وقد اختلف في السبب الذي لأجله منع الكلام زكرياء١٠ عليه السلام١١. فقال بعضهم : إنه قال : يا رب إن كان ذلك الكلام من قبلك والبشارة حقا فاجعل لي علامة أعرف بها صحة ذلك١٢، فعوقب على هذا الشك في أمر الله، بأن منع الكلام ثلاثة أيام مع الناس.
وقيل : لم١٣ يشك قط زكرياء وإنما سأل عن الجهة التي يكون بها الولد وتتم البشارة فلما١٤ قيل له١٥ :﴿ كذلك الله١٦ يفعل ما يشاء ﴾ سأل علامة على وقت الحمل ليعرف متى يحمل بيحيى. واختلف هل كان منعه١٧ الكلام بآفة نزلت به أم لا ؟ فقيل : ربا لسانه في فيه حتى ملأه ثم أطلقه الله بعد ثلاث١٨. وقيل : أخذ الله تعالى١٩ عليه لسانه فجعل لا يقدر على الكلام ؛ فهذان القولان لمن رأى ذلك لآفة. وقال قوم : لم تكن آفة، ولكنه منع محاورة الناس، فلم يقدر عليها، وكان يقدر على ذكر الله والرمز بالإشارة. وقد اختلف في من حلف أن لا يكلم إنسانا فأشار إليه بالسلام هل يحنث أم لا ؟ فقال ابن عبد الحكم٢٠ لا يحنث. وقال مالك : يحنث واحتج به ابن حبيب في أن الإشارة بالسلام كلام ؛ لقوله تعالى لزكرياء عليه السلام٢١ :﴿ قال آياتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ﴾، يريد ابن حبيب : أن الله تعالى٢٢ جعل الرمز كلاما وهو الإشارة بعينها. وقال عيسى٢٣ عن ابن القاسم : لا أرى الإشارة بالسلام كلاما، مثل قول ابن عبد الحكم.
وقد اختلف فيمن حلف أن لا يكلم إنسانا فكتب إليه أو أرسل رسولا٢٤، فقرأ المحلوف عليه الكتاب أو أبلغه٢٥ الرسول، على أقوال في المذهب فقيل : يحنث، وروي ذلك٢٦ عن مالك.
واحتج له بقوله تعالى :﴿ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ﴾ ٢٧ [ الشورى : ٥١ ]، أو يرسل رسولا. وهو بعيد٢٨ لأن الصحيح في الاستثناء أنه منفصل. وقيل٢٩ : لا يحنث وهو قول أشهب وابن عبد الحكم وابن شهاب٣٠ وقيل : يحنث إلا أن ينوي المشافهة وهو٣١ الذي رجع إليه مالك. وقيل : يحنث في الكتابة ٣٢ إلا أن ينوي المشافهة، ولا يحنث في الرسول، رواه أشهب عن مالك. واحتج أبو عبيد٣٣ للقول بأنه لا يحنث٣٤ بالكتاب٣٥ ولا بالإشارة ٣٦ فقال : الكلام غير الخط والإشارة. وأصل هذا أن الله تعالى قال :﴿ آياتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ﴾، وقال في موضع آخر :﴿ فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ﴾ [ مريم : ١١ ]، والرمز والإشارة بالعين والحاجب، والوحي الخط والإشارة، ويقال : كتب إليهم وأشار إليهم وفي قصة مريم :﴿ فلن أكلم اليوم إنسيا ﴾ [ مريم : ٢٦ ]، ثم قال :﴿ فأشارت إليه ﴾ [ مريم : ٢٩ ]، فصار الإيماء والخط خارجين٣٧ عن معنى النطق.
١ في (ج) و(د): "من"؛ وفي (هـ): "على"..
٢ في (ب) و(هـ): "شرعنا"..
٣ في (ج) و(د): "أولى"، وهـي ساقطة في (هـ)..
٤ في (هـ): "فعلى"..
٥ في (هـ) "النظر"..
٦ في (أ) و(ب) و(ج) و(د) و(هـ): "عليه السلام"..
٧ في (هـ): "الليل" والحديث أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الوصايا، باب "ما جاء متى ينقطع اليتم" باب٩، ص ٢٩٣ – ٢٩٤..
٨ في (أ) و(ب) و(ج) و(د) و(هـ): "عليه السلام"..
٩ صحيح البخاري، ج ٣، كتاب الصوم، باب الوصال، ص ٢٤٢ –٢٤٣، وكذلك صحيح مسلم، كتاب الصوم، باب النهـي عن الوصال، ص ٧٧٤ – ٧٧٥، باب الوصال، ص ٧٦٦ وأخرجه أيضا الترمذي في سننه كتاب الصوم، باب "ما جاء في كراهـية الصوم" ج ٣، ص ١٤٨، وأبو داود في سننه، كتاب الطلاق، باب في الطلاق قبل النكاح، ج ٢، ص ٦٤٠ – ٦٤٢، وابن ماجه في سننه، كتاب الطلاق، باب "لا طلاق قبل نكاح"، ج ١، ص ٦٦٠..
١٠ في (هـ): الذي منع لأجله زكرياء الكلام..
١١ قوله: "عليه السلام"، ساقط في (أ) و(ب) و(ج)..
١٢ في غير (هـ):"أعرف صحة ذلك بهـا"وفي (ب): "أعرف به صحة ذلك بهـا" وفي (ج) و(د): "اعرف بهـا صحة ذلك".
١٣ في (ج): "لهـم" والصواب ما أثبتناه..
١٤ في (ج) و(د): "بلا"..
١٥ قوله: "له" ساقط في (ج)..
١٦ كلمة "كذلك الله" ساقط في (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
١٧ في (د): "منع"..
١٨ في (ب) و(هـ): "بعد ثلاثة أيام"..
١٩ كلمة "تعالى" ساقطة في (هـ)..
٢٠ هـو أبو عبد الله محمد ابن عبد الحكم، سمع من أصحاب مالك، له عدة تآليف منهـا: "أحكام القرآن" و"الوثائق والشروط" و"الرد على الشافعي" وغيرهـا. توفي سنة ٢٦٨ هـ / ٨٨٢ م. انظر: ترتيب المدارك ج٤، ص ١٥٧ - ١٦٥.
٢١ كلمة "عليه السلام" ساقطة في (أ) و(ج) و(هـ)..
٢٢ في (أ) و(ب): "أنه تعالى"..
٢٣ هـو عيسى ابن إبراهـيم بن مثرود المصري يروي عن ابن القاسم وغيرهـ توفي ٢٦١ هـ.
يراجع الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (٦/٢٧٢) و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (١٢/٣٦٢)..

٢٤ كلمة "أو يرسل إليه رسولا" ساقطة في (هـ).
٢٥ في (أ) و(ب) و(ج) و(د): أو "بلغه" في (هـ): "وبلغه".
٢٦ "ذلك" سقطت في (ج)..
٢٧ "أو من وراء حجاب" ساقط في (ج).
٢٨ "وهـو بعيد" بياض في (د).
٢٩ في (ب) و(ج): "وقيل أنه"..
٣٠ هـو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهـاب، القرشي الزهـري، أحد الفقهـاء والمحدثين والأعلام التابعين بالمدينة، توفي سنة ١٢٤ هـ، على خلاف في ذلك، وقيل: مولده سنة ٥١ هـ. انظر: وفيات الأعيان، ج ١، ص٤٥١ - ٤٥٢..
٣١ في (ج): "وهـذا".
٣٢ في (هـ): "بالكتابة"..
٣٣ هـو أبو عبيد القاسم ابن سلام البغدادي من أئمة القراء والفقه واللغة، له عدة تآليف منهـا: الناسخ والمنسوخ توفي سنة ٢٢٢ هـ / ٨٣٧، على خلاف في ذلك. انظر: تهـذيب التهـذيب، ج ٨، ص ٣١٥ – ٣١٨ وتذكرة الحفاظ، ج ٢، ص ٦٦٥، ونزهـة الألباء لابن الأنباري، ص ١٣٦ –١٤١، وتاريخ بغداد، ج ١٢، ص ٤٠٣ –٤١٦..
٣٤ في (هـ):"بأنه يحنث"..
٣٥ في (د): "بالكتابة"..
٣٦ في (هـ): "بهـما"..
٣٧ في (أ) و(ب): "من"..
٤٤ - قوله تعالى :﴿ وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ﴾ :|آل عمران : ٤٤|
استدل جمهور العلماء بهذه الآية١ على صحة الحكم بالقرعة وكان النبي صلى الله عليه وسلم٢ إذا سافر أقرع بين نسائه٣ وقال عليه الصلاة والسلام٤ : " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا أن يستهمّوا عليه لاستهموا عليه٥ ". وشذ قوم فلم٦ يروها جملة٧ وجعلوه قمارا وأجاز أبو حنيفة ومن تابعه القرعة في الرباع ولم يجزها٨ في العبيد.
١ في (هـ) "بهـا"..
٢ في (ج) و(د): "عليه السلام"..
٣ صحيح البخاري، كتاب الهـبة باب، ١٥ ص ١٣٥، وكتاب الشهـادات، باب ١٥ ص ١٥٤، وكتاب الجهـاد والسير، باب ٦٤، ص ٢٢١ وكذلك صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب ١٣، ص ١٨٩٤، وسنن ابن ماجه، كتاب النكاح، باب ٤٧، ص ٦٢٤، وكتاب الأحكام، باب ٢٠، ص ٧٨٦ وسنن الدارمي، كتاب النكاح، باب ٢٦، ص ٥٤٠، ومسند ابن حنبل، ج ٦، ص ١١٤، ٢٥٩..
٤ في (ج) و(د): "عليه السلام"..
٥ انظر صحيح البخاري: كتاب الآذان، باب ٩، بنفس اللفظ، وباب ٧٣ ؛ وصحيح مسلم: كتاب الصلاة، باب ٢٨ ؛ وسنن النسائي: كتاب المواقيت وكتاب الآذان ومسند الإمام أحمد ج ٢، ص ٣٠٣، ٥٣٣..
٦ في (ب) و(هـ): "لم"..
٧ في (هـ): "حجة"..
٨ في (ب) و(د) و(ج): "لم يجزهـا"..
٧٥ - قوله تعالى :﴿ ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ﴾ :
|آل عمران : ٧٥|
أقام بعض الناس من هذه الآية١ اتخاذ السجن والحبس فيه، لقوله تعالى :﴿ ما دمت عليه قائما ﴾ واستدل بعضهم٢ به على جواز ملازمة الغريم الذي ثبت غرمه٣.
١ في (هـ) "فيهـا"..
٢ "بعضهـم" ساقط في (ج) و(د) و(هـ)..
٣ في (ج) و(د) و(هـ): "عدمه"..
٧٧ قوله تعالى :١ ﴿ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ﴾. |آل عمران : ٧٧|
اختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية٢، فقال عكرمة : نزلت في أحبار اليهود أي رافع٣ وكنانة ابن أبي الحقيق وكعب ابن الأشرف وحيي ابن الأخطب٤ تركوا عهد الله في التوراة للمكاسب والرئاسة التي٥ كانوا بسبيلها. وقيل : نزلت بسبب خصومة الأشعث ابن القيس مع رجل من اليهود في أرض فوجبت٦ اليمين على اليهودي فقال الأشعث٧ : إذا يحلف يا رسول الله، ويذهب بمالي٨، فنزلت.
وقيل : إن٩ الأشعث اختصم في أرض مع رجل من قرابته فوجبت اليمين على الأشعث، وكان في الحقيقة مبطلا قد غصب تلك١٠ الأرض في جاهليته : فنزلت الآية فنكل الأشعث عن١١ اليمين وتحرج وأعطى الأرض وزاد من عنده أرضا أخرى. وقيل : الآية نزلت بسبب خصومة غير الأشعث. وقال الشعبي١٢ : نزلت الآية بسبب رجل أقام سلعة في السوق أول١٣ النهار، فلما كان من آخره جاء رجل يساومه فحلف حانثا لقد منعها في١٤ أول النهار من كذا كذا ولولا المساء ما باعها، فنزلت الآية.
واختلف العلماء في من قال : " علي عهد الله "، فقال مالك وجماعة من حلف بذلك وحنث فعليه الكفارة سواء نوى اليمين أم لا.
وقال عطاء : ليس ذلك١٥ بيمين إلا أن ينوي اليمين، وهو قول الشافعي.
وحكي عن أحمد١٦ أنه ليس في العهد كفارة قال١٧ : هي أعظم من أن يكون فيها كفارة.
وحجة القول الأول قوله تعالى :﴿ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ﴾ ١٨ الآية١٩، فخص عهد الله بالتقدمة على سائر الأيمان فدل على تأكيد الحلف به، ولذلك قال إبراهيم٢٠ : كانوا ينهوننا عن الحلف بالعهد، وليس ذلك إلا لغلظ اليمين به وخشية التقصير في الوفاء به، وقال تعالى :﴿ ومنهم من عاهد الله ﴾ الآية [ التوبة ٧٥ ]، فذمهم على ترك الوفاء. وقال ابن القصار : مما احتج به قوله تعالى :﴿ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ﴾ [ النحل : ٩١ ]، فأمر٢١ بالوفاء بعهده ثم عطف بقوله :﴿ ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ﴾، ولم يتقدم غير ذكر العهد، فعلمنا٢٢ أنه يمين مؤكد. واختلف في اليمين الغموس هل فيها كفارة٢٣ ؟ وفي٢٤ الآية حجة لقول الجمهور من العلماء٢٥ في أن لا كفارة فيها لأنه تعالى ذكر٢٦ في هذه اليمين المقصود بها الحنث والعصيان٢٧ والعقوبة والإثم ولم يذكر فيها كفارة. فدل ذلك على أن ليس٢٨ فيها كفارة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ٢٩ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان٣٠ ".
وقال٣١ سعيد ابن المسيب : اليمين الفاجرة من الكبائر وتلا هذه الآية.
١ في (ج): "قوله عز وجل"..
٢ في (هـ):"نزولهـا"..
٣ في (د): "أبي رافع"..
٤ في (ج): "ابن الخطيب"..
٥ في (ب) و(د) و(هـ): "الذين"..
٦ في غير (أ): "فوجيب"..
٧ هـو الأشعث ابن قيس ابن معدي كرب الكندي، أبو محمد، أمير كندة في الجاهـلية والإسلام، روى له البخاري ومسلم تسعة أحاديث، ولد سنة ٢٣ ق. هـ، وتوفي سنة ٤٠ هـ. انظر: الأعلام، ج ١، ص ٣٣٣ – ٣٣٤..
٨ في غير (أ) و(ب) و(هـ):"مالي"، والحديث رواه البخاري في صحيحه: كتاب الشهـادات وكتاب الخصومات، كما رواه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان..
٩ كلمة "أن" سقطت في (هـ).
١٠ في (ج) و(د): "ملك"..
١١ في (هـ): "على".
١٢ هـو أبو عمرو عامر ابن شراحيل الشعبي، وهـو من حمير وعداده في هـمدان، وهـو كوفي تابعي، جليل القدر وافر العلم، ولد سنة ٢١ هـ، على خلاف في ذلك أيضا. وتوفي بالكوفة سنة ١٠٥ هـ، على خلاف في ذلك أيضا. انظر: وفيات الأعيان، ج ١، ص ٢٤٤ – ٢٤٥..
١٣ في (ب): "وأول"..
١٤ قوله "في" ساقط في (هـ)، في غير (ب) و(د) و(ج): "من"..
١٥ في (و): "بذلك"..
١٦ هـو الإمام أبو عبد الله أحمد ابن محمد ابن حنبل ابن هـلال الشيباني، المروزي الأصل، ولد في بغداد سنة ١٦٤ هـ، كان إمام المحدثين وصنف كتابه المسند وجمع فيه من الحديث ما لم يتفق لغيره، وكان من أصحاب الإمام الشافعي وضرب وحبس لما دعي إلى القول بخلق القرآن، فلم يجب وأصر على الامتناع، توفي سنة ٢٤١ هـ ببغداد. انظر: وفيات الأعيان، ج ١، ص. ١٧..
١٧ في (د): "وقال".
١٨ في (أ) سقوط كلمة و"إيمانهـم"، وفي (هـ): "وحجة القول الأول الآية"..
١٩ كلمة الآية..
٢٠ هـو إبراهـيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي أحد فقهـاء العراق الأعلام، توفي سنة ٩٦ هـ. انظر طبقات ابن سعد ٦/ ٢٧٠ وتذكرة الحفاظ للذهـبي ١ / ٦٩..
٢١ في (ب) و(د) و(هـ): "فأمروا"..
٢٢ في غير (هـ): "فأعلمنا".
٢٣ في (ج) و(د): "كفارة أم لا".
٢٤ في (ج) و(د): "ففي" ؛ وفي (هـ): "أم"..
٢٥ كلمة "من العلماء" ساقطة في (هـ)..
٢٦ كلمة "ذكر" ساقطة في (د)..
٢٧ كلمة"والعصيان" ساقطة في (و)..
٢٨ في (هـ): "أنه" وفي (و): "أنهـا"..
٢٩ كلمة "امرئ" ساقطة في (هـ)..
٣٠ صحيح البخاري في كتاب الشرب والمساقاة، وكتاب الخصومات، وفي كتاب الشهـادات في موضعين (أي باب ١٩، ٢٣)، وكذلك صحيح مسلم في كتاب الأيمان، وسنن الترمذي في كتاب البيوع، وسنن ابن ماجه في كتاب الأحكام، ومسند أحمد، ج١، ص ٣٧٧ – ٣٧٩..
٣١ في (ج): وقد "قال"..
٨٥ - قوله١ تعالى :﴿ ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ﴾. |آل عمران : ٨٥|
اختلف الناس في الإيمان والإسلام هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين٢ ؟ وليس في هذه٣ الآية دليل على أحد القولين. ونبه ٤ تعالى٥ بهذه الآية على أنه لا يقبل٦ من آدمي دين غير دين الإسلام وهو دين كل من سمى من الأنبياء قبل هذه الآية. وهي الحنيفية السمحة، كذا٧ قال جماعة من المفسرين. وقال عكرمة : لما نزلت هذه الآية، قال أهل الملل للنبي صلى الله عليه وسلم : قد أسلمنا قبلك ونحن المسلمون فقال الله تعالى له : " حجهم يا محمد "، وأنزل عليه :﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ﴾ [ آل عمران : ٩٦ ] /، فحج المسلمون وقعد الكفار. وذكر عن ابن عباس أنه قال : نزلت ﴿ إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر ﴾ ٨ إلى قوله :﴿ ولا هم يحزنون ﴾ [ البقرة : ٦٢ ]، ثم ٩ أنزل الله تعالى ١٠ بعدها :﴿ ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ﴾ ١١ الآية [ آل عمران : ٨٥ ].
وهذه إشارة إلى النسخ، قال بعضهم : إن قوله تعالى :﴿ ومن يبتغ غير الإسلام دينا ﴾ الآية١٢ نزلت في الحارث ابن سويد وكان مسلما ثم ارتد ولحق بالشرك، ثم ندم فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل لي١٣ من توبة ؟ قال : فنزلت، فأرسل إليه قومه فأسلم. وقال السدي : نسخ الله تعالى بقوله :﴿ إلا الذين تابوا ﴾ [ آل عمران : ٨٩ ]، قوله :﴿ أولئك جزاءهم أن عليهم لعنة الله ﴾ [ آل عمران : ٨٧ ]، وهذا الذي ذكره لا يصح على حقيقة النسخ. وقال عكرمة : نزلت هذه الآية في أبي عامر الراهب والحارث ابن سويد وابن الأسلت١٤ في اثني عشر رجعوا عن الإسلام ولحقوا بقريش ثم كتبوا١٥ إلى أهليهم : هل لنا١٦ من توبة ؟ فنزلت الآية.
وقال ابن عباس أيضا والحسن ابن أبي الحسن : نزلت في اليهود والنصارى شهدوا مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به، وقال بعضهم : نزلت في طعمة ابن أبيرق.
وفي هذه الآية دليل على قبول توبة المرتد، خلافا لمن لم يقبلها. وقد تقدم الكلام على هذه المسألة عند قوله :﴿ ومن يرتدد منكم عن دينه ﴾ ١٧ [ البقرة : ٢١٧ ].
١ في (د) "وقوله"..
٢ في (ج): "أو هـما بمعنيين" وفي (هـ):"لقبين"..
٣ في غير (أ) و (ب) سقوط كلمة "هـذه"..
٤ في (هـ):"ونبه الله"..
٥ كلمة"تعالى" ساقطة في (ج)..
٦ كلمة "لا يقبل"ساقطة في (ج)..
٧ في (ب) و(ج) و(د): "كما"..
٨ قوله: "من آمن بالله واليوم الآخر" ساقط في (هـ)..
٩ "ثم" ساقطة في (أ) و(ب) و(ج) و(هـ) وجاء مكانهـا: "فأنزل"..
١٠ كلمة: "تعالى" سقطت في (ج) و(د) و(هـ)..
١١ قوله: "فلن يقبل منه" ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
١٢ قوله: "الآية": ساقطة في (ب) وفي (د) زيادة: "فلن يقبل منه"..
١٣ كلمة "لي" ساقطة في (ب) و(ج) و(د)..
١٤ في (ب) و(ج) و(د) و(هـ): "وجرج بني الأسلت"..
١٥ في (هـ): "فكتبوا"..
١٦ "لنا" ساقطة في (هـ)..
١٧ في (د) زيادة: "فيمت وهـو كافر الآية"..
وهذه إشارة إلى النسخ، قال بعضهم : إن قوله تعالى :﴿ ومن يبتغ غير الإسلام دينا ﴾ الآية١٢ نزلت في الحارث ابن سويد وكان مسلما ثم ارتد ولحق بالشرك، ثم ندم فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل لي١٣ من توبة ؟ قال : فنزلت، فأرسل إليه قومه فأسلم. وقال السدي : نسخ الله تعالى بقوله :﴿ إلا الذين تابوا ﴾ [ آل عمران : ٨٩ ]، قوله :﴿ أولئك جزاءهم أن عليهم لعنة الله ﴾ [ آل عمران : ٨٧ ]، وهذا الذي ذكره لا يصح على حقيقة النسخ.
٩٠ قوله تعالى :﴿ إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون ﴾ :|آل عمران : ٩٠|
اختلف المفسرون في الكفر المزداد ما هو ؟ فقال الحسن وغيره : الآية في اليهود، كفروا بعيسى عليه السلام١ بعد الإيمان بموسى عليه السلام٢ ثم ازدادوا كفرا بسيدنا٣ محمد صلى الله عليه وسلم. وفي هذا القول ضعف : لأن الكافرين بعيسى بعد الإيمان بموسى ليسوا الكافرين بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وقال أبو العالية : الآية نزلت٤ في اليهود كفروا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بصفاته وإقرارهم أنها في التوراة، ثم ازدادوا كفرا بالذنوب التي أصابوها في خلاف النبي صلى الله عليه وسلم بالسب٥ والافتراء والسعي على الإسلام٦ وغير ذلك. ويدخل في الآية على هذا القول المرتدون اللاحقون بقريش وغيرهم. وقال مجاهد : ازدادوا كفرا أي ثبتوا على كفرهم حتى بلغوا الموت به، فهذا قول عام ثم أخبر٧ تعالى أن توبة هؤلاء غير مقبولة٨ ؛ فإن قيل : وكيف٩ يصح ذلك على قولكم : إن١٠ توبة التوبة مقبولة، وقد قال تعالى : إنها غير مقبولة١١ فكيف الانحلال عن هذه الأنشوطة١٢ ؟
فالجواب أن العلماء قد اختلفوا في تأويل ذلك فقال الحسن وغيره : نفي١٣ قبول توبتهم مختص بوقت الحشرجة والغرغرة والمعاينة. وقال أبو العالية١٤ : المعنى لن تقبل توبتهم من تلك الذنوب التي أصابوها مع إقامتهم على الكفر بسيدنا١٥ محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا يقولون في بعض الأحيان١٦ نحن نتوب من هذه الأفعال وهم مقيمون على كفرهم، فأخبر الله تعالى أنه لن تقبل١٧ تلك التوبة. وقال بعض المفسرين : إن الإشارة بالآية إلى قوم معيّنين ختم الله عليهم بالكفر، وجعل ذلك جزاء لجرمهم، وهم١٨ الذين أشار إليهم بقوله تعالى١٩ :﴿ كيف يهدي الله قوما ﴾ الآية [ آل عمران : ٨٦ ]، فأخبر عنهم أنه٢٠ لا يكون لهم توبة فيتصور قبولها فتجيء كقول علقمة :
" علي لا حب لا يهتدي بمنارة " ٢١
أي ليس لهم ثم توبة فتقبل كما أنه٢٢ ليس ثم٢٣ منار فيهتدي٢٤ به. وهذا٢٥ قول ضعيف لا يخلص٢٦ عند السبر ؛ لأن الآية التي بعدها تغني عن ذلك، وإن جعل الأولى خاصة والأخرى عامة فمن يسلم له هذا. هذا، ولعل ذلك بالعكس بل لعلهما عامتان وهو الأظهر عندي.
١ كلمة "عليه السلام" ساقطة في (أ) و(ب) و(ج) و(هـ)..
٢ كلمة "عليه السلام" ساقطة في (أ) و(ب) و(ج) و(هـ)..
٣ كلمة "بسيدنا" ساقطة في (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
٤ كلمة "نزلت" ساقطة في (هـ)..
٥ في غير (هـ) "في السب"..
٦ في غير (ب): "عن الإسلام"..
٧ في (ج) و(د): "الله"..
٨ في (ج) و(د): "هـؤلاء مقبولة"..
٩ في (ب) و(ج): "كيف" بسقوط "الواو"..
١٠ في غير (ب):"بأن"..
١١ قولـه: "وقد قال تعالى: إنهـا غير مقبولة" ساقط في (ب) و(ج)..
١٢ في (ب) و(ج): "الأشرطة"، "الأنشوطة" بياض في (د)، والأنشوطة: هـي العقدة التي يسهـل حلهـا..
١٣ في (هـ): "إن نفي"..
١٤ في (هـ): "أبو المعالي"..
١٥ "بسيدنا" ساقطة في (أ) و(ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
١٦ في غير (هـ): "الأخبار"..
١٧ في (ب) و(هـ): (تقبل) في (ج) و(د): "لا تقبل"..
١٨ قوله: "وقال بعض المفسرين... لجرهـم هـم" ساقطة كله في (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
١٩ كلمة "تعالى" ساقط في (ب) و(هـ)..
٢٠ في (ب) و(ج) و(هـ): "أنهـم"..
٢١ انظر ديوان امرؤ القيس، ص ٩٢..
٢٢ في (هـ): "أن"..
٢٣ "ثم" ساقطة في (هـ)..
٢٤ في (ب) و(هـ): "يهـتدي"..
٢٥ في (ج): "وهـو"..
٢٦ في (و) و(د): "لا يخلو"..
٩٧ قوله تعالى :﴿ ومن دخله كان آمنا ﴾ :|آل عمران : ٩٧|
تضمنت هذه الآية أن١ الأمن إنما يكون للداخل الذي يجني خارج الحرم٢ ثم يلجأ إليه أما الجاني فيه خلاف٣ ذلك فالأكثر٤ على إقامة الحد عليه فيه٥، خلافا لمن منع ذلك من أهل العلم وحجة الجمهور ظاهر هذه الآية. وقد اختلف الناس أيضا فيمن أصاب حدا في غير الحرم من قتل أو زنا أو سرقة أو نحو ذلك٦، ثم لجأ إلى الحرم على حسب اختلافهم في تأويل ٧ هذه الآية، وهل هي محكمة أو منسوخة ؟
فقال قوم : بنص الآية أنه آمن لا يقام عليه حد ولا يخرج من الحرم لذلك٨ حتى يخرج بنفسه٩ لكنه لا يجالس ولا يبايع ولا يكلم حتى يخرج فيؤخذ بما يجب عليه، وإن أتى في الحرم حدا أقيم ذلك١٠ عليه فيه. روي ذلك عن ابن عباس وهو قول عطاء وغيره. واحتج أهل هذا القول بظاهر قوله تعالى :﴿ ومن دخله كان آمنا ﴾ ١١، قالوا : فجعل الله تعالى بيته آمنا١٢ لمن دخله فداخله آمن من كل شيء وجب عليه قبل دخوله حتى يخرج عنه، ومن أتى فيه حدا فالواجب على السلطان أخذه ؛ لأنه ليس ممن دخله مستجيرا به١٣ وإنما جعله الله تعالى آمنا لمن دخله من غيره١٤، وعلتهم في أنه لا يكلم حتى يخرج، أن يكون سببا لخروجه١٥ وأخذ الحد. وقال قوم : لا يخرج من لجأ إلى الحرم حتى يخرج منه ولم يحظروا مبايعته ولا مجالسته، وروي ذلك عن ابن عمر قال : لو وجدت١٦ قاتل عمر في الحرم ما هجرته١٧ وحجتهم١٨ قوله تعالى :﴿ ومن دخله كان آمنا ﴾. قالوا١٩ : ومن كان خائفا من الاحتيال عليه فإنه٢٠ غير آمن، فغير جائز إذايته بالامتناع من مكالمته وغير ذلك مما يضطره إلى الخروج.
وقال أبو حنيفة : تقام فيه سائر الحدود الواقعة٢١ في غير الحرم سوى القتل والرجم في الزنا٢٢، وهذا ضعيف ؛ فإن الأمن إذا اعتبر لم يتحقق مع إقامة سائر٢٣ الحدود. وقال قوم : لا يجير الحرم ظالما ومن أتى فيه ما يوجب حده٢٤ أو لجأ إليه ممن وجب عليه أقيم عليه الحد٢٥ وحيث وجد منه ؛ لما جاء في الحديث٢٦ الصحيح من أن الحرم لا يجير٢٧ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بجزية٢٨، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي رحمهما الله٢٩.
واحتج بعض أصحابنا بأن٣٠ النبي صلى الله عليه وسلم قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة٣١، لم تعذه الكعبة، وهذا القول أولى بالصواب ؛ لأن الله تعالى أمر بإقامة الحدود ولم يخص بها مكانا دون مكان. ومما يشهد لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الفواسق والمؤذية٣٢ فيقوم الدليل من هذا أن كل٣٣ فاسق استعاذ بالحرم أخذ بجريمته٣٤.
واختلف الذين ذهبوا إلى هذا القول في تأويل قوله :﴿ كان آمنا ﴾ ٣٥، فقيل : كان ذلك٣٦ في الجاهلية، ثم نسخ. وهذا قول ضعيف، وقيل : إن " من " هنا لمن لا يعقل، والآية في أمان الصيد، وهو قول شاذ. وقال يحيى ابن جعدة٣٧ في معنى الآية : أي ٣٨ أن من دخل البيت٣٩ كان آمنا من النار.
واختلف الناس في قوله تعالى٤٠ :﴿ مقام إبراهيم ﴾ أي مقام هو، فقيل : هو الحجر المعروف، وقيل : البيت كله، وقيل مكة كلها، وقيل : الحرم. والضمير في قوله : " ومن٤١ دخله " يجوز أن يعود على المقام، ويجوز أن يعود على البيت٤٢، وهو قول الجمهور، وقالوا : إن المعنى يفهم منه أن من دخل الحرم فهو في الأمن، إذ الحرم حرم للبيت، إذ هو٤٣ بسببه ولحرمته٤٤.
قوله تعالى :﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ﴾ :
اختلف الناس في هذه الآية٤٥ : هل هي من مجمل القرآن أو من عامة على قولين مشهورين :
قول مالك وأكثر الفقهاء أنها عامة، والآية خبر في معنى الأمر. وقد أجمع العلماء على٤٦ أن على الإنسان في عمره حجة واحدة إذا كان مستطيعا. واختلفوا في الاستطاعة : فزعم٤٧ قوم أنه من قدر على الوصول٤٨ إلى البيت راجلا أو راكبا مع السبيل الآمنة المسلوكة فهو مستطيع، وإلى هذا ذهب مالك في المشهور عنه وغيره. وزعم قوم : أن الاستطاعة الزاد والراحلة، وبه قال أبو حنيفة والشافعي والثوري وغيرهم. وروي نحوه عن مالك، وحجة قول مالك المشهور عنه٤٩ قوله تعالى :﴿ من استطاع إليه سبيلا ﴾ وإذا٥٠ كانت الحال التي ذكرنا فالاستطاعة موجودة وقوله تعالى :﴿ يأتوك رجالا ﴾ الآية [ الحج : ٢٧ ].
ومن حجة أهل٥١ القول الثاني ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله : " السبيل : الزاد والراحلة " ٥٢، وهذا الحديث أحد رواته٥٣ ضعفه ابن معين٥٤ وغيره، مع أن التأويل يدخله دخولا حسنا.
واختلف في الحج مع لزوم الغرامة، فمنع٥٥ من ذلك بعض أصحاب مالك جملة، ورأى / أن فرض الحج قد سقط بذلك. وذهب أكثرهم٥٦ إلى أن الغرامة الكثيرة تسقط الفرض واليسيرة لا تسقطه، وهذا القول أظهر ؛ لأن الاستطاعة مع هذا موجودة إذا كان ما يغرمه لا يشق عليه وجوده، فهو ممن أوجب الله تعالى الحج عليه٥٧ بقوله :﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ﴾ الآية٥٨.
واختلف٥٩ قول مالك فيمن يخرج إلى الحج٦٠ على أن يسأل جائيا٦١ وذاهبا، وليست تلك عاداته في إقامته ؛ فروى عنه٦٢ ابن وهب أنه قال : لا بأس بذلك. قيل له : فإن مات في الطريق ؟ قال : حسابه٦٣ على الله.
وروى عنه ابن القاسم أنه قال : لا أرى للذين لا يجدون ما ينفقون٦٤ أن يخرجوا إلى الحج والغزو ويسألون، وإني لأكره ذلك لقول الله سبحانه وتعالى٦٥ :﴿ ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون٦٦ حرج ﴾ ٦٧.
واختلف في الابن إذا بذل للأب الاستطاعة التي هي المال، هل يلزمه فرض الحج أم لا ؟ ففي المذهب أنه لا يلزم الفرض٦٨ ؛ لأنه غير مستطيع بنفسه فلا يلزمه قبوله. وقال الشافعي : يلزمه قبول الاستطاعة لأنه صار بمنزلة الواجد، ودليلنا قوله تعالى :﴿ لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ﴾ [ الطلاق : ٧ ]، وقال :﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ﴾ [ النجم : ٣٩ ].
واختلف فيمن مات ولم يحج هل يحج عنه من ماله أم لا ؟ فقال مالك : لا يحج عنه٦٩ إلا ما يوصي به. وقال الشافعي : يلزم٧٠ الحج عنه من رأس ماله، ودليل قولنا الآية المذكورة ومعناها أن يحجوا بأنفسهم وذلك ممتنع بعد الموت.
واختلف أيضا في المعصوب الذي لا يتمسك٧١ على الراحلة هل يلزمه أن٧٢ يحج عنه غيره من ماله أم لا ؟
ففي المذهب أنه لا يلزمه، وذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى أنه مستطيع يلزمه أن يخرج غيره يؤدي٧٣ غيره الحج.
ودليلنا قوله تعالى٧٤ :﴿ من استطاع إليه سبيلا ﴾ فأخبر عن صفة التكليف، وهو أن يفعله بنفسه فانتقى بذلك وجوبه على خلاف هذه الصفة.
واختلف في الأعمى، ففي المذهب أن الحج يلزمه إذا وجد من يهديه الطريق ؛ لأنه مستطيع إذا كان على تلك الحال. وذهب أبو حنيفة إلى أنه يخرج غيره يحج عنه ودليلنا ما قدمناه في المسألة التي قبل هذه.
واختلف في الطريق إذا كان على البحر هل يسقط ؟ وهذا عندنا إنما هو إذا كان البحر شديد الخوف والغالب فيه الغرر. وأما البحار المسلوكة التي يتصرف فيها التجار فلا تقع من وجوب الحج. والدليل على ذلك أن الاستطاعة هي القدرة إما بالدين أو بالمال٧٥ وهذا قادر فهو إذن مستطيع. وقد قال تعالى :﴿ من استطاع إليه سبيلا ﴾. وذكر ابن شعبان٧٦ لمالك قولا مثل الشافعي، واحتج بقوله تعالى :﴿ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا ﴾ [ الحج : ٢٧ ] ٧٧.
واختلف في حج النساء ماشيات مع القدرة على ذلك : فجمهور أهل٧٨ المذهب أنهن والرجال في ذلك سواء، فعليهن أن يمشين. وروي عنه أنه لا حج عليها إذا كانت لا تحج إلا ماشية٧٩، قال : لأن المشي منها عورة إلا أن يكون المكان قريبا٨٠ من مكة. والقول الأول أظهر، لعموم قوله تعالى :﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ﴾ لعموم الآية٨١، وهذه مستطيعة٨٢، وهي داخلة تحت لفظ الناس.
واختلف في ذي المحرم هل هو من شرط الاستطاعة في٨٣ المرأة أم لا ؟.
ففي المذهب وغيره أنها تحج إن٨٤ لم يكن لها محرم إذا وجدت رفقة٨٥ مأمونة. وقال أبو حنيفة : المحرم من الاستطاعة، ودليلنا قوله تعالى :﴿ من استطاع إليه سبيلا ﴾ فعم.
واختلف هل للزوج أن يمنع المرأة٨٦ من حج الفريضة أم لا ؟ فالجمهور على أنه ليس له منعها٨٧. واضطرب قول الشافعي في ذلك، ومن حجة الجمهور أن الله تعالى٨٨ قد فرض عليها٨٩ الحج٩٠ بقوله تعالى :﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ﴾ الآية وما هو فرض عليها فلن يسقطه الزوج.
واختلف في العبد يحج هل يجزيه عن حج الفريضة إذا أعتق٩١ فالجمهور على أنه لا يجزيه. وقال داود ابن علي : يجزيه، وحكى الرازي هذا عن الشافعي وهو منه غلط. وهذا مبني على أن الخطاب هل يدخل تحته العبد أم لا ؟ ٩٢ وفيه خلاف بين الأصوليين، فمنهم من لا يدخله فيه إلا بدليل وهو قول ضعيف، ومنهم من يدخله تحته حتى يخرج منه بدليل، وهذا أصح في النظر، وكذا٩٣ اختلف في الصغير٩٤ إذا حج أو حج به هل يجزيه عن حجة الفريضة أم لا ؟ فالجمهور على أنه لا يجزيه، وشذت فرقة فأجازت حجه تعلقا بحديث ابن عباس في المرأة التي قالت : " ألهذا حج يا رسول الله ؟ " قال : " " نعم ولك أجر٩٥ وبظاهر الآية. وحجة الجمهور أن الخطاب قاصر عن٩٦ الصبي والعبد لأن٩٧ من شرط الخطاب الحرية والبلوغ فلا يتعلق بالعبد والصبي.
وإن قلنا : إنهما داخلان تحت الخطاب فإنهما خارجان عنه بالدليل وقد روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أيما صبي حج ثم أدرك فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما أعرابي حج ثم هاجر فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى " ٩٨ وهذا إذا صح أغنى عن تكلف كل معنى.
واختلف في الحج : هل هو على الفور أم٩٩ على التراخي ؟ على قولين : ولمالك١٠٠ ما يدل على كلا القولين لكن الذي عليه رؤساء المذهب والمنصوص عن مالك أنه على الفور، لا يجوز تأخيره إلا من عذر، ومن حجة بعضهم في أنه على الفور أن الأوامر عندهم على الفور، قالوا : فكذلك الإيجاب المطلق، يعنون أن قوله تعالى :﴿ ولله على الناس ﴾ الآية إيجاب مطلق فهو على الفور كالأمر.
قوله تعالى :﴿ ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ﴾ :
اختلف في تأويله، فقال ابن عباس : أي من زعم أن الحج ليس بفرض ففسر الكفر بذلك، وقال قوم : المعنى من كفر بالله، وقيل : المعنى من كفر بهذه الآيات التي في البيت. وقيل : المعنى من كفر بأن من١٠١ وجد ما يحج به ثم لم يحج، وهذا التأويل موافق لم ذهب إليه ابن حبيب وانفرد به دون سائر أهل العلم من أن الحج والصيام والزكاة مثل الصلاة من ترك فعل١٠٢ شيء منها وإن كان مقر بفرضها فهو كافر وإنما قال جماعة من أهل العلم ذلك في ترك١٠٣ الصلاة خاصة، فقالوا : لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب إلا بترك الصلاة خاصة١٠٤. وأما مالك والشافعي١٠٥ وجمهور أهل العلم فلا يرون التكفير بشيء من ذلك وإنما اختلفوا هل يقتل أو يؤدب بالضرب والسجن.
١ كلمة "أن" ساقطة في (ب) و(ج) و(د)..
٢ في (هـ):"الذي يجني من خارج الحرم"..
٣ في (د): "خلاف ذلك".
٤ في (ب): "الأكثر" ؛ وفي (هـ): "والأكثر"..
٥ "فيه" ساقط في (ب)..
٦ في (هـ): "أو غير ذلك"..
٧ كلمة "تأويل" ساقطة في (هـ)..
٨ في (ب) و(ج) و(د): "كذلك"..
٩ في غير (هـ) "بنفسه" ساقطة..
١٠ سقوط كلمة "ذلك" في غير (هـ)..
١١ في (هـ): "لظاهـر الآية"..
١٢ في (هـ): "جعل الله بيته وبين آمنا"..
١٣ في (هـ): "مستجيرا به من غيره"..
١٤ قوله: "وإنما جعله الله تعالى أمنا لمن دخله من غيره) ساقط في (هـ)..
١٥ في (ب) و(ج): "إلى خروجه"..
١٦ في (ب): "ولو وجد"..
١٧ في غير (هـ): "هـجته"..
١٨ في (ب): "وحجته"..
١٩ "قالوا" ساقط في (هـ)..
٢٠ "فإنه" ساقط في (هـ)..
٢١ في غير (هـ): "المعلومة"..
٢٢ في (أ): "والزنى"..
٢٣ "سائر" ساقطة في (هـ)..
٢٤ في غير (ج): "حدا"..
٢٥ في (أ) و(ب) و(ج) و(د) و(هـ): "أقيم الحد على كل واحد منهـم"..
٢٦ كلمة "الحديث" ساقطة في (هـ)..
٢٧ في (أ) و(ب) و(هـ): "لا يعيذ"..
٢٨ صحيح البخاري، كتاب الصيد، ج١، الباب الثامن، وج٥، باب ٥١ ؛ صحيح مسلم، باب ٧٢، ص ٩٨٨؛ وسنن الترمذي، ج ٣، كتاب الحج باب ١، ص ٧٤..
٢٩ في غير (ب) و(هـ): سقوط كلمة "رحمهـما الله"..
٣٠ في (هـ): "أن"..
٣١ صحيح البخاري، في كتاب الصيد، باب ١٨، وكتاب الجهـاد، باب ١٦٩، وكتاب المغازي، باب ٤٨، وكذلك صحيح مسلم: كتاب الحج، باب ٨٥ ؛ وسنن الترمذي، كتاب الجهـاد، باب١٨، وسنن النسائي، كتاب ٥، الباب ١٨، سنن الدارمي: كتاب المناسك، الباب ٨، ومسند الإمام أحمد: ج٣، ص ١٦٤، ١٨٢، ٢٣١، ٢٣٣، ٢٤٠، وكذلك ج٤، ص ٤٢٣، ٤٢٤..
٣٢ صحيح البخاري: كتاب الصيد، باب ٧، وكذلك صحيح مسلم، كتاب الحج، باب ٩..
٣٣ في (ب) و(د) "على كل" وفي (ج): "على كل هـذا من كل" وفي (هـ): "على أن كل"..
٣٤ قولهـ (بالحرم أخذ بجريمتهـ) ساقطة في (ب) وأما في (ج) و(د) و(هـ) "بجريرته"..
٣٥ في (هـ): "في تأويل الآية" كلمة "تأويل" ساقطة في (ب)..
٣٦ في (ب): "فقيل ذلك كان"..
٣٧ كلمة "جعدة" ساقطة في (ب)..
٣٨ كلمة "أي" ساقطة في (أ) و(ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
٣٩ في (د): "للبيت"..
٤٠ كلمة "تعالى" ساقطة في (و)..
٤١ و"من" ساقطة في (ج) و(د)..
٤٢ في (ب) و(ج) و(د): "ويجوز للبيت" وفي (هـ): "يكون للبيت"..
٤٣ قوله: "وهـو قول الجمهـور... إذ هـو" ساقطة في (ج) و(د) و(هـ) ؛ وأما في (ب) فقوله: "وهـو قول الجمهـور... حرم البيت" ساقط.
٤٤ في (ب) و(هـ): "وسببه وحرمته"..
٤٥ في (هـ): "فيهـا"..
٤٦ "على" ساقطة في (ج)..
٤٧ في (ب) و(ج) و(د) و(هـ): "فذهـب"..
٤٨ في (ج): "من قدر الوصول"؛ وفي (هـ) كلمة "الوصول" ساقطة..
٤٩ في (ب) و(هـ): "رحمه الله"..
٥٠ في (هـ): "إن"..
٥١ "أهـل" ساقطة في (هـ)..
٥٢ انظر سنن الترمذي: كتاب الحج باب ٣، ٤..
٥٣ في (ب): "رواياته": وفي (هـ): "رواية" ولعل في العبارة سقط تمامهـا "ضعف ابن معين"..
٥٤ في (ج): "ابن سفين"..
٥٥ في (ج) "يمنع"..
٥٦ في (ج): "عضهـم"..
٥٧ في (هـ): "فهـذا ممن أوجب اللهـ تعالى عليهـ الحج"..
٥٨ "الآية" سقطة في (ج) و(د) و(ب).
.

٥٩ في (ب) و(ج) و(د) و(ه): "إلا أنه اختلف"..
٦٠ في (هـ): "إلى الحج ذاهبا أبيا"..
٦١ قوله: "على أن يسأل جائيا" ساقطة في (ب)..
٦٢ في (ب): "فروى عن ابن وهب"، وفي (هـ): "فروى عنه"..
٦٣ في (هـ): "فحسابه"..
٦٤ في (ج): "حرج"..
٦٥ في (هـ) "لقوله تعالى"..
٦٦ من قوله: "أن يخرجون للحج... ينفقون" ساقط في (ب)..
٦٧ ورد في (ج) و(د): "وروى عنه ابن القاسم أنه قال: لا أرى للذين لا يجدون ما ينفقون حرجا في الابن إذ أبذل للأب الاستطاعة التي هي أن يخرجوا إلى الحج والغزو ويسألون، وإني لأكره ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجدون ما ينفقون"..
٦٨ قوله: "الغرض" ساقط في (هـ)..
٦٩ قوله"عنه" ساقط في (هـ)..
٧٠ في (د): "يلزمه"..
٧١ في (ب): "يتملك"..
٧٢ "أن" ساقطة في (ب) و(ج) و(د)..
٧٣ في (هـ) و(د): "يؤدي"..
٧٤ في (غير (ب) و(هـ): "قوله"..
٧٥ في غير (ب) و(هـ): "المال"..
٧٦ في (ج) و(د): "ابن سفيان"..
٧٧ في (ب) و(ج) و(هـ): "وأذن... يأتوك رجالا وعلى كل ضامر"..
٧٨ كلمة "أهل" ساقطة في غير (د)..
٧٩ في (هـ): "عليهن إذا كن لا يحججن إلا ماشيات"..
٨٠ في غير (هـ):"لقريب"..
٨١ قوله: "لعموم الآية" ساقط في غير (هـ)..
٨٢ قوله: "وهذه مستطيعة" ساقطة في غير (ج) و(د) و(هـ)..
٨٣ في (ج) و(د) و(هـ):"استطاعة المرأة"..
٨٤ في (ب) و(ج) و(د):"وإن"..
٨٥ في (ه):"صحبة"..
٨٦ في (ج) و(د): "الزوجة" قوله: "المرأة" ساقط في (هـ)..
٨٧ في (ج): "والجمهور على أنه ليس ذلك"وفي (هـ): "والجمهور أنه ليس له ذلك"..
٨٨ "تعالى" هذه الكلمة ساقطة في (هـ)..
٨٩ في (هـ): "علينا"..
٩٠ قوله: "إن الله تعالى قد فرض عليها الحج" ساقطة في (ج)..
٩١ "إذا أعتق" ساقط في غير (هـ)..
٩٢ "لا" ساقطة في (ب)..
٩٣ في (هـ): "وكذلك"..
٩٤ في (هـ):"الصبي"..
٩٥ والحديث في صحيح مسلم ٢/٩٧٤/١٣٣٦..
٩٦ في (ج) و(د): "على"..
٩٧ في (ب): "لا"..
٩٨ الجامع الصحيح للترمذي: أبواب الحج، باب٩٢، ص٢٠٢، وقد نقل في ص٢٠٣، إجماع أهل العلم على عدم إجزاء حج الصبي قبل أن يدرك الإسلام إذا أدرك، وكذلك المملوك في رقه إذا أعتق ووجد إلى ذلك سبيلا أن هذا قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق..
٩٩ في (أ) و(د): "أو"..
١٠٠ في (ب) و(د): "ولمالك رحمه الله"..
١٠١ في (و):"بأن وجدج"..
١٠٢ "فعل" ساقط في (هـ)..
١٠٣ "ترك" ساقط في (هـ)..
١٠٤ قوله: فقالوا: "لايكفر... الصلاة" ساقط في (هـ) وفي (ب) سقوط كلمة "خاصة"..
١٠٥ في (ب) و(ج) و(د) و(هـ): "وأما مالك والشافعي وأبو حنيفة"..
١٠٢ - قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ﴾ :|آل عمران : ١٠٢|
الخطاب بهذه الآية يعم جميع المؤمنين، والمقصود وقت نزولها الأوس والخزرج الذين شجر بينهم بسعاية شاس ابن قيس١ ما شجر.
واختلف العلماء في قوله تعالى :﴿ حق تقاته ﴾ فقالت٢ فرقة : الآية على عموم لفظها وألزمت الآية تقوى الله غاية التقوى حتى لا يقع إخلال بشيء من الأشياء. ثم إن الله تعالى نسخ ذلك عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى :﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾ [ التغابن : ١٦ ]، وبقوله تعالى :﴿ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ]، قال كذلك قتادة والسدي والربيع ابن انس وابن زيد وغيرهم، وقالت٣ جماعة من أهل العلم : لا نسخ في شيء من هذا، وعنى الآية ﴿ اتقوا الله حق تقاته ﴾ فيما استطعتم.
١ في (ب) و(ج) و(د): "شاس وقيس" وفي (هـ): "شماس بن قيس"..
٢ في (هـ): "قالت" بسقوط الفاء..
٣ في (هـ): "قال"..
١٠٣ قوله تعالى :﴿ واعتصموا بحبل الله جميعا ﴾ :|آل عمران : ١٠٣|
اختلف في حبل الله والمراد به١ فقيل : عهده وقيل : القرآن. وقوله :﴿ لا تفرقوا ﴾ يحتمل٢ أن يكون التفرق في أصول الدين ويحتمل أن يكون ذلك نهيا عن التقاطع والتدابر، ويدل عليه ما بعده من الآية.
وليس فيه دليل على تحريم الاختلاف في الفروع، فإن الاختلاف فيها سبب استخراج الغوامض ودقائق معنى الشرع وما زالت الصحابة مختلفين في أحكام الحوادث، وهم مع ذلك يتواصلون. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك : " اختلاف أمتي رحمة " ٣.
١ في (أ) و(ب): "ما هو"..
٢ في (و): "محتمل"..
٣ هو حديث لا أصل له ومعناه باطل ضعفه ابن حزم والسبكي وغيرهما انظر الضعيفة للألباني رقم ٥٧..
١٠٤ - وقوله تعالى :﴿ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف ﴾ الآية :|آل عمران : ١٠٤|
هذا يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض، لكنه١ على الكفاية لقوله تعالى :﴿ ولتكن منكم أمة ﴾ الآية. وقد ورد الأمر بذلك في غير ما آية، ووردت أخبار كثيرة أوفاها ما ذكره٢ أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه٣ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من رأى منكم منكرا فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " ٤. وأما قوله تعالى٥ :﴿ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ﴾ ٦ [ المائدة : ١٠٥ ]، فإنما يعني به٧ من علم أنه لا يقبل الأمر ولا يقدر على منعه من الظلم، فحينئذ يقال للناهي عن المنكر : عليك نفسك، ولا يجعل هذا ناسخا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأما٨ إذا أمكن إزالة المنكر باللسان لم يتجاوز إلى العقوبة باليد، وإن انتهى بدون القتل لم يتجاوز إليه٩ وإن لم ينته بما دونه جاز القتل. ويؤخذ هذا من قوله تعالى :﴿ فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ﴾ [ الحجرات : ٩ ]، وعليه يبني الشافعي١٠ دفع الصائل على١١ النفس والمال أنه جائز ولا شيء على الدوافع يدفع١٢ عن نفسه وماله وعن نفس غيره أو ماله، وذلك مثل أن تصول بهيمة أو مجنون على مال رجل أو نفسه فيجوز عنده للموصول عليه١٣، ولغيره قتله ولا ضمان عليه، وهو١٤ من قبيل النهي عن المنكر. وأبو حنيفة يخالف١٥ في هذا الأصل ؛ لأنه يرى الفاعل ليس ظالما بفعله. ويجوز للإنسان أن يترك الصائل على ماله ولا يدفعه وفي تركه الدفع عن نفسه اختلاف١٦.
ومن هذا الباب أنه إذا كان في بلد الإسلام من يضل الناس بشبهة بدعة، فإنه تجب إزالته بما يمكن فإنه١٧ نهي عن المنكر، فإن لم يكن١٨ داعيا للناس إلى ضلالته أزيل ذلك١٩ بإقامة الدليل على فساد شبهه٢٠ وتبيين الحق له. وإن دعا الناس إلى شبهة وخرج مقاتلا على ذلك فهو الباغي الذي أمر الله تعالى بقتاله حتى يفيء إلى أمر الله.
١ قوله "فرض لكنه" ساقط في (هـ)..
٢ في (ب) و(ج):"ذكر"..
٣ قوله "رضي الله تعالى منه" ساقط في (أ) و(ب) و(هـ)..
٤ صحيح مسلم، ج١، كتاب الإيمان، باب ٦٢٠، سنن النسائي، ج٨، كتاب الأيمان، باب ١٧؛ مسند الإمام أحمد، ج ٣، ص ٢٠..
٥ قوله "تعالى" ساقط في (أ)..
٦ قوله "إذا اهتديتم" ساقط في (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
٧ قوله "به" ساقط في (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
٨ قوله "أما" ساقط في غير (ب)..
٩ في غير (هـ): "إلى القتل"..
١٠ قوله: "الشافعي" ساقط في (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
١١ في (ب) و(هـ): "عن"..
١٢ قول "يدفع" ساقط في (هـ)..
١٣ قوله "عليه" ساقط في (هـ)..
١٤ في (ب) و(هـ): "هذا"..
١٥ في (ج) و(د): "مخالف"..
١٦ في (هـ): "خلاف"..
١٧ في (و): "لأنه"..
١٨ قوله "يكن" ساقط في (ج)..
١٩ قوله "ذلك" ساقط في (هـ)..
٢٠ في (ب) و(ج) و(د): "شبهة"..
١١٨ قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم ﴾ :|آل عمران : ١١٨|
نهى الله تعالى بهذه الآية عن أن يتّخذوا من الكفار واليهود أخلاء يأنسون بهم في الباطن من أمرهم ويفاوضونهم في الآراء ويستندون إليهم.
وقوله :﴿ من دونكم ﴾ : يعني من دون المؤمنين. وقال ابن عباس : كان رجال من المؤمنين يواصلون رجالا من اليهود١، للجوار والحلف الذي كان بينهم في الجاهلية فنزلت الآية في ذلك. وقال ابن عباس أيضا وقتادة والسدي والربيع : نزلت في المنافقين نهى الله المؤمنين عنهم. روى أنس ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تستضيؤوا بنار الكفار ولا تنقشوا في خواتمكم عربيا " ٢.
فسره الحسن ابن أبي الحسن٣، فقال : أراد عليه الصلاة والسلام٤ : لا تستشيروا المشركين في شيء من أموركم٥، ولا تنقشوا في خواتمكم محمدا٦ ويؤخذ من هذه الآية أنه لا يجوز استكتاب أهل الذمة.
وتصريفهم في البيع والشراء والاستنابة. وروي أن أبا موسى الأشعري استكتب ذميا فكتب إليه عمر يعنفه وتلا عليه هذه الآية، وقيل لعمر : إن هاهنا رجالا من نصارى الحيرة لا أحد أكتب منهم ولا أخط بقلم أفلا يكتبون عنك ؟ فقال٧ : إذا أتخذ بطانة من دون المؤمنين ؟.
وقد اختلف في استغاثة المشركين٨ وإعانتهم : فلم يجز ذلك مالك وأجازه أبو حنيفة والشافعي. ودليلنا عليهم قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم ﴾ الآية، وقوله :﴿ وما كنت متخذ المضلين عضدا ﴾ [ الكهف : ٥١ ]، وقوله في المنافقين :﴿ لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ﴾ [ التوبة : ٤٧ ]، وقال عليه الصلاة والسلام٩ : " لا أستعين بمشرك " ١٠. واختلف في الاستعانة بأهل الذمة وأهل الحرب إذا دخلوا بأمان على أهل البغي. فقال الشافعي : لا يجوز ذلك. وقال أصحاب الرأي : لا بأس بذلك١١، وحجة القول الآية.
١ في غير (ب) و(هـ):"يهود"..
٢ سنن النسائي: كتاب الزينة، باب ٥١ بلفظ: "وعلى خواتكم"، وسنن ابن ماجه كتاب اللباس، باب ٣٩..
٣ في (هـ): "الحسن ابن أبي الحسن البصري"..
٤ في (أ) و(ب): "عليه السلام"..
٥ قوله "في شيء من أموركم" ساقط في غير (هـ)..
٦ في (ج) و(هـ): "محمد"..
٧ في (هـ): "قال"..
٨ في غير (أ) و(ب) و(هـ): "بالمشركين"..
٩ قوله: "وقال عليه الصلاة والسلام" ساقط في (ج) وفي (أ) و(ب) و(هـ): "عليه السلام"..
١٠ صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب ٥١، وكذلك سنن الترمذي: كتاب السير، الباب ١٠، وسنن أبي داود: كتاب الجهاد، الباب ١٥٣، ص ١٧٢..
١١ في (هـ): "به"..
١٢٨ قوله تعالى :﴿ ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ﴾ :|آل عمران : ١٢٨|
اختلف الناس في هذه الآية هل هي ناسخة أم لا ؟ ١ فزعم بعض الكوفيين أنها ناسخة للقنوت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم٢ يفعله في الصبح. وذلك أنه كان يدعو على قوم ويلعنهم، فأنزل الله تعالى٣ :﴿ ليس لك من الأمر شيء ﴾.
وذهب أكثر العلماء إلا أن هذا ليس بناسخ، وإنما هو زيادة فائدة اقتدى النبي صلى الله عليه وسلم بها، ولو كان النسخ صحيحا لم يجز أن يلعن المنافقين، وهذا هو الصحيح أنها غير ناسخة لشيء، وإما نزلت على ما روي حين هزم وشج في وجهه حتى دخلت بعض حلق الدرع في خده وكسرت رباعيته وارتث بالحجارة حتى صرع لجنبه وتحيز صلى الله عليه وسلم عن الملحمة وجعل يمسح الدم على وجهه، ويقول : " لا يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم " ٤ فنزلت الآية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم فعل ما قيل٥، لما لحقه في تلك الحال من اليأس من فلاح قريش، فمالت نفسه إلى أن يستأصلهم ويريح منهم، فروي أنه دعا عليهم واستأذن في أن يدعو عليهم. وروى ابن عمر٦ وغيره أنه دعا على أبي سفيان والحارث ابن هشام، وصفوان ابن أمية باللعنة إلى غير هذا من معناه فقيل له بسبب ذلك :﴿ ليس لك من الأمر شيء ﴾ أي عواقب الأمور بيد٧ الله تعالى٨ فامض أنت لشأنك ودم على الدعاء إلى ربك.
وقد اختلف في الدعاء على الكفار والمنافقين وفي غير ذلك من حوائج الدنيا والآخرة في الصلاة، فأجازه أكثر العلماء ولم يروا الآية ناسخة لشيء من الدعاء في الصلاة. ومنع الكوفيون أن يدعى في الصلاة إلا بما في القرآن فمن أجل ذلك جعلوا هذا ناسخا للقنوت. وروي عن ابن سيرين أنه قال : يجوز أن يدعى في المكتوبة بأمر الآخرة فأما بأمر الدنيا فلا، فقال له ابن عون : " أليس في القرآن :﴿ وسألوا الله من فضله ﴾ [ النساء : ٣٢ ].
١ في (ج) و(د): "ناسخة أو منسوخة"..
٢ في (هـ): "رسول الله"..
٣ قوله "تعالى" ساقط في (هـ).
٤ سنن ابن ماجة: كتاب الفتن، الجزء٢، الباب ٢٣، ص ١٣٣٦..
٥ في (ج) "لما قيل" في (هـ): "ما فعل"..
٦ في (هـ): "أبو عمر"..
٧ في (ب) و(ج) و(د): "بأمر"..
٨ كلمة "تعالى" سقط في (ب) و(هـ)..
Icon