تفسير سورة الأحزاب

النهر الماد من البحر المحيط
تفسير سورة سورة الأحزاب من كتاب النهر الماد من البحر المحيط .
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ ﴾ الآية هذه السورة مدنية * وسبب نزولها روي أنه لما قدم المدينة وكان يحب إسلام اليهود فبايعه ناس منهم على النفاق وكان يلين لهم جانبه وكانوا يظهرون النصائح في طرق المخادعة ولخلقه الكريم وحرصه على ائتلافهم ربما كان يسمع منهم فنزلت تحذيراً له منهم وتنبيهاً على عداوتهم * ومناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها واضحة وهو أنه حكى أنهم يستعجلون الفتح وهو الفصل بينهم وأخبر أنه يوم الفتح لا ينفعهم إيمانهم فأمره في أول هذه السورة بتقوى الله تعالى ونهاه عن طاعة الكفار والمنافقين فيما أرادوا به.﴿ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً ﴾ بالصواب من الخطأ والمصلحة من المفسدة.﴿ حَكِيماً ﴾ لا يضع الأشياء إلا في مواضعها منوطة بالحكمة.﴿ مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ ﴾ روي أنه كان في بني فهر رجل منهم يقال له أبو معمر جميل بن أسد يدعي أن له قلبين ويقال له ذو القلبين وكان يقول: أنا أذكى من محمد وأفهم فلما بلغته هزيمة بدر طاش لبه وحدث أبا سفيان بن حرب بحديث كالمختل فنزلت.﴿ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ﴾ لم يجعل تعالى الزوجة المظاهر منها اما لأن الأم محترمة مخفوض لها جناح الذل والزوجة مستخدمة متصرف فيها بالاستفراش وغيره كالمملوك وهما حالتان متنافيتان وقرىء: اللائي واللائي واللاء واللاي وقرىء: تظاهرون بالتاء للخطاب وفي المجادلة بالياء للغيبة مضارع ظاهر وبشد الظاء والهاء وشد الظاء وألف بعدها.﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ﴾ كانوا في الجاهلية وصدراً من الإِسلام إذا تبنى الرجل ولد غيره صار يرثه وأدعياء جمع دعى ودعي بمعنى مفعول وقياسه أن يجمع على فعلى كقتيل وقتلى لكنهم شبهوه بتقى فجمعوه على افعلاء كتقي وأتقياء.﴿ ذَٰلِكُمْ ﴾ أي دعاؤهم أبناء مجرد قول لا حقيقة لمدلوله إذ لا يواطىء اللفظ الاعتقاد إذ يعلم حقيقة أنه ليس ابنه.﴿ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ ﴾ أي ما يوافق ظاهراً أو باطناً.﴿ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ ﴾ أي سبيل الحق وهو قوله: ادعوهم لآبائهم والضمير في هو عائد على المصدر المفهوم من قوله: ادعوهم أي دعاؤهم لآبائهم أقسط عند الله أي أعدل ولما أمر بأن يدعى المتبنى لأبيه ان علم قالوا: زيد بن حارثة ومواليكم ولذلك قالوا سالم مولى أبي حذيفة فإِخوانكم خبر مبتدأ محذوف تقديره هم إخوانكم.﴿ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ ﴾ أي فيما ليس صواباً وهو تبني من ليس ابناً له وما عطف بقوله ولكن ما أخطأتم وقيل ما موصولة في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف تقديره فيه الجناح والتعمد هنا نسبة الولد إلى الشخص بعد النهي عن ذلك.﴿ ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ كونه صلى الله عليه وسلم أولى بهم أي أرأف بهم وأعطف عليهم إذ هو يدعوهم إلى النجاة وأنفسهم تدعوهم إلى الهلاك ومنه قوله عليه السلام:" أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها تقحم الفراش ".﴿ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ أي مثل أمهاتهم في التوقير والإِحترام وفي بعض الأحكام من تحريم نكاحهن وغير ذلك مما جرين فيه مجرى الأجانب وظاهر قوله وأزواجه كل من أطلق عليها أنها زوجة عليه السلام من طلقها ومن لم يطلقها ومن دخل بها ومن لم يدخل بها وقيل لا يثبت هذا الحكم لمطلقته وقيل من دخل بها تثبت حرمتها قطعاً وهم عمر رضي الله عنه برجم إمرأة فارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكحت بعده فقالت له: ولم هذا وما ضرب علي حجاباً ولا سميت للمسلمين أما فكف عنها * كان أولاً بالمدينة توارث باخوة الإِسلام وبالهجرة، ثم حكم تعالى بأن أولي الأرحام أحق في التوارث من الأخ في الإِسلام أو بالهجرة.﴿ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ ﴾ أي في اللوح المحفوظ أو في القرآن من المؤمنين والمهاجرين أي ولى من المؤمنين الذين كانوا يتوارثون بمجرد الإِيمان ومن المهاجرين الذين كانوا يتوارثون بالهجرة وهذا هو الظاهر فيكون من هي كهي في زيد أفضل عمرو والظاهر عموم قوله: إلى أوليائكم فيشمل جميع أقسامه من قريب وأجنبي من المؤمنين يحسن إليه ويصله في حياته ويوصي له إذا مات وهذا الاستثناء في قوله إلا أن تفعلوا هو ما يفهم من الكلام أي وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في النفع بالميراث وغيره وعدي بإِلى لأن المعنى إلى أن يوصلوا إلى أوليائكم.﴿ كَانَ ذَلِكَ ﴾ إشارة إلى ما في الآيتين.﴿ مَسْطُوراً ﴾ أي مثبتاً بالاسطار هذه الجملة مستأنفة كالخاتمة لما ذكر من الأحكام ولما كان ما سبق أحكام عن الله تعالى وكان فيها أشياء مما كانت في الجاهلية وأشياء في الإِسلام نسخت أتبعه بقوله: وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم أي في تبليغ الشرائع والدعاء إلى الله تعالى فلست بدعا في تبليغك الرسالة عن الله تعالى وخص هؤلاء الخمسة بالذكر بعد دخولهم في جملة النبيين قيل هم أولو العزم لشرفهم وفضلهم على غيرهم وقدم محمد صلى الله عليه وسلم فيهم لكونه أفضلهم وأكثرهم تابعاً وقدم نوح عليه السلام في آية الشورى في قوله:﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ ﴾[الشورى: ١٣] الآية لأن إيراده على خلاف الإِيراد هنا أورده على طريق وصف دين الإِسلام بالأصالة فكأنه قال: شرع الدين الأصيل الذي بعث عليه نوح في العهد القديم وبعث عليه محمد خاتم الأنبياء في العهد الحديث وبعث عليه من توسط بينهما من الأنبياء المشاهير والميثاق الثاني هو الأول وكرر لأجل صفته والغلظ من صفة الأجسام واستعير للمعنى مبالغة في حرمته وعظمته وثقل تحمله.﴿ لِّيَسْأَلَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾ أي المؤمنين التابعين الرسل وفيه التفات من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب في ليسأل وفي واعد واللام هي لام كي.﴿ عَن صِدْقِهِمْ ﴾ أي عن إيمانهم واتباعهم الرسل.﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ ذكرهم نعمته عليهم في غزوة الخندق وما اتصل بها في أمر بني قريظة وقد استوفى ذلك أهل السير ونذكر منها ما له تعلق بالآيات التي نفسرها وإذ معمولة لنعمة أي انعامه عليكم وقت مجيء الجنود والجنود كانوا عشرة آلاف قريش ومن تابعهم من الأحابيش في أربعة آلاف يقودهم أبو سفيان وبنو أسد يقودهم طليحة وغطفان يقودهم عيينة وبنو عامر يقودهم عامر بن الطفيل وسليم يقودهم أبو الأعور واليهود النضير يقودهم رؤساؤهم حي بن أخطب وابنا أبي الحقيق وبنو قريظة سيدهم كعب بن أسد وكان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنبذه بسعي حي لبني أخطب قيل فاجتمعوا خمسة عشر ألفاً وهم الأحزاب ونزلوا المدينة فحفر الخندق بإِشارة سلمان وهو من عمل الفرس وظهرت للرسول صلى الله عليه وسلم به تلك المعجزة العظيمة من كسر الصخرة التي أعوزت الصحابة ثلاث فرق ظهرت مع كل فرقة برقة أراه الله تعالى منها مدائن كسرى وما حولها ومدائن قيصر وما حولها ومدائن الحبشة وما حولها وبشر بفتح ذلك وأقام الذراري والنساء بالآطام وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في ثلاث آلاف فنزلوا بظهر سلع والخندق بينهم وبين المشركين وكان ذلك في شوال سنة خمس قاله ابن إسحٰق: وقال مالك سنة أربع قيل وبعث الله تعالى الصبا لنصرة نبيه صلى الله عليه وسلم فأضرت بهم هدمت عليهم بيوتهم وأطفأت نيرانهم وقطعت حبالهم وأكفأت قدورهم ولم يمكنهم معها قرار وبعث الله تعالى مع الصبا ملائكة تشدد الريح وتفعل نحو فعلهما.﴿ مِّن فَوْقِكُمْ ﴾ من أعلى الوادي من قبل المشرق غطفان.﴿ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾ من أسفل الوادي من قبل المغرب وتخربوا وقالوا نكون جملة حتى نستأصل محمداً فنصره الله عليهم * وزيغ الأبصار ميلها عن مستوى نظرها فعل الواله الجزع.﴿ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ ﴾ قيل إذا انتفخت الرئة من شدة الفزع والغضب أو الغم الشديد ربت وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة ومن ثم قيل للجبان انتفخ سحره * والظنون جمع لما اختلفت متعلقاته جمع وإن كان لا ينقاس عند سيبويه جمع المصدر إذا اختلفت متعلقاته وينقاس عند غيره وقد جاء الظنون جمعاً في أشعارهم أنشد أبو عمرو في كتاب الألحان إذا الجوزاء أردفت الثريا * ظننت بآل فاطمة الظنونا، وهنالك ظرف مكان للعبيد هذا أصله فيحمل عليه إذ في ذلك الذي وقع فيه الحصار والقتال ابتلى المؤمنون والعامل فيه ابتلى وقيل زلزلوا فثبتوا وصبروا حتى نصروا وحركوا إلى الفتنة فعصموا.﴿ وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ ﴾ وهم المظهرون الإِيمان المبطنون الكفر * والذين في قلوبهم مرض هم ضعفاء الإِيمان الذين لم يتمكن الإِيمان في قلوبهم فهم على حرف والعطف دال على التغاير نبه عليهم على جهة الذم لما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصخرة وبرقت تلك البوارق وبشر بفتح فارس والروم واليمن والحبشة قال معتب بن قشير يعدنا محمد أن يفتتح كنوز كسرى وقيصر ومكة ونحن الآن لا يقدر أحدنا أن يذهب إلى الغائط ما يعدنا إلا غروراً أي أمراً يغمرنا به ويوقعنا فيه بشىء لا طاقة لنا به وقولهم ما وعدنا الله ورسوله هو على سبيل الهزء إذ لو اعتقدوا أنه رسوله حقيقة ما قالوا هذه المقالة فالمعنى ورسوله على زعمكم وزعمهم وفي معتب ونظرائه نزلت هذه الآية.﴿ وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ ﴾ أي من المنافقين.﴿ لاَ مُقَامَ لَكُمْ ﴾ أي في حومة القتال والممانعة.﴿ فَٱرْجِعُواْ ﴾ إلى بيوتكم ومنازلكم أمروهم بالهروب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل فارجعوا كفاراً إلى دينكم الأول وأسلموه إلى أعدائه.﴿ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ ﴾ هو أوس بن قَبْظي استأذن في الدخول إلى المدينة عن إتفاق من عشيرته.﴿ يَقُولُونَ ﴾ حال أي قائلين.﴿ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ﴾ أي منكشفة للعدو وقيل خالية السراق أعور المنزل انكشف وقال ابن عباس الفريق بنو حارثة وهم كانوا عاهدوا الله أن لا يولوا الأدبار اعتذروا بأن بيوتهم عورة معرضة للعدو ممكنة للسراق لأنها غير محرزة ولا محصنة فاستأذنوه ليحصنوها ويرجعوا إليه فأكذبهم الله تعالى بأنهم لا يخافون ذلك وإنما يريدن الفراز وقرىء لا مقام بضم الميم أي لا موضع إقامة وبفتح الميم أي موضع قيام وثبوت والضمير في دخلت الظاهر عودة على البيوت لأنها أقرب مذكور رأى ولو دخلها الأحزاب الذين يفرون خوفاً منهم والثالث على أهاليهم وأولادهم.﴿ ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ ﴾ أي الردة والرجوع إلى إظهار الكفر ومقاتلة المسلمين لآتوها أي لجأوا إليها وقرىء لأتوها بالقصر معناه لجاؤوها وبالمد لأعطوها.﴿ وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً ﴾ قدر ما يكون السؤال والجواد من غير توقف * وعاهدوا أجرى مجرى اليمين ولذلك يتلقى بقوله لا يولون الادبار وجواب هذا القسم على الغيبة عنهم على المعنى ولو جاء كما لفظوا به لكان التركيب لا نولي الأدبار والذين عاهدوا هم بنو حارثة وبنو سلمة وهما الطائفتان اللتان هما بالفشل يوم أحد ثم تابوا وعاهدوا أن لا يفروا فوقع يوم الخندق من بين حارثة ذلك الاستئذان.﴿ قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ ﴾ خطاب توبيخ وإعلام أن الفرار لا ينجي من القدر وأنه تنقطع أعمارهم في يسير من المدة وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه أي إن فررتم من الموت أو القتل. لا ينفعكم الفرار لأن مجيء الأجل لا بد منه وإذا هنا يليها حرف عطف فلا يتحتم أعمالها بل الفصيح أن لا تنصب ومن ذا استفهام ركبت ذا مع من وفيه معنى النفي أي لا أحد يعصمكم من الله.﴿ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ ﴾ كانوا أي المنافقون يثبطون إخوانهم من ساكني المدينة عن نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ولو كانوا لحماً لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه فخلوهم وقال أبو زيد انصرف رجل من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب فوجد شقيقه عنده شواء ونبيذ فقال له أنت ها هنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف فصاح هلم فقد أحيط بك وبصاحبك والذي يحلف به لا يستقبلها محمد أبداً فقال كذبت والذي يحلف به ولأخبرته بأمرك فذهب ليخبره فوجد جبريل عليه السلام قد نزل بهذه الآية وهلم تقدم الكلام عليه في الأنعام قال الزمخشري: وهلموا إلينا أي قربوا أنفسكم إلينا قال: وهو صوت سمي به فعل متعد مثل أحضر وقرب انتهى * الذي عليه النحويون في هلم ان هلم ليس صوتاً وإنما هو مركب من ها التي للتنبيه والميم وهو مذهب البصريين وقيل من هل وأم والكلام في ترجيح المختار منهما مذكور في النحو وأما قوله: سمي به فعل متعد ولذلك قدّر هلم إلينا أي قربوا أنفسكم إلينا فالنحويون يقولون انه متعد ولازم فالمتعدي كقوله: قل هلم شهداءكم أي أحضروا شهداءاكم واللازم كقوله: هلم إلينا أي اقبلوا إلينا.
﴿ أَشِحَّةً ﴾ جمع شحيح وهو البخيل وهو جمع لا ينقاس وقياسه في الصفة المضعفة العين واللام أفعلاء نحو خليل وأخلاء فالقياس أشحاء وهو مسموع أيضاً والصواب أن يعم شحهم بكل ما فيه منفعة للمؤمنين فإِذا جاء الخوف من العدو وتوقع أن يستأصل أهل المدينة لاذ هؤلاء المنافقون بك * ينظرون نظر الهلوع المختلط النظر الذي يغشى عليه من الموت * وتدور في موضع الحال أي دائرة أعينهم.﴿ كَٱلَّذِي ﴾ في موضع الصفة لمصدر محذوف وهو مصدر مشبه أي دوراناً كدوران عين الذي يغشى عليه فبعد الكاف محذوفان وهما دوران وعين.﴿ سَلَقُوكُمْ ﴾ أي بسطوا ألسنتهم فيكم.﴿ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ ﴾ إشارة إلى ما حصل للمؤمنين من الظفر والغنيمة.﴿ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ ﴾ إشارة إلى المنافقين أي لم يكن لهم قط إيمان والإِحباط عدم قبول إيمانهم فكأنها محيطة قال الزمخشري: فإِن قلت هل ثبت للمنافق عمل حتى يرد عليه الإِحباط قلت لا ولكنه تعليم لمن عسى يظن أن الإِيمان إلخ " انتهى " وفي كلامه عسى صلة لمن وهو لا يجوز.﴿ يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ ﴾ جملة في موضع المفعول الثاني ليحسبون أي هم من الجزع بحيث هزم الله الأحزاب فرحلوا وهم يحسبون أنهم لم يرحلوا.﴿ وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ ﴾ كرة ثانية تمنوا لخوفهم بما منوا به هذه الكرة أنهم مقيمون في البدو مع الأعراب وهم أهل العمود يرحلون من قطر إلى قطر.﴿ يَسْأَلُونَ ﴾ من قدم من المدينة عما جرى عليكم من قتال الأحزاب يتعرفون أحوالكم بالاستخبار لا بالمشاهدة فرقاً وجبناً وغرضهم من البداوة أن يكونوا سالمين من القتال ولو كانوا فيكم ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال لم يقاتلوا إلا قليلاً لعله رياءً وسمعة.﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ الظاهر من قوله لكم عموم الخطاب للمؤمن ولمن يظهر الإِيمان والأسوة القدوة وقرىء بضم الهمزة وكسرها ولمن بدل من قوله لكم بدل بعض من كل فكما نصركم ووازركم حتى قاتل بنفسه عدوكم يجب عليكم أن تنصروه وتوازروه ولا ترغبوا بأنفسكم عن نفسه ولا عن مكان هو فيه قال الزمخشري: لمن كان يرجو بدل من لكم كقوله: للذين استضعفوا لمن آمن " انتهى " ولا يجوز على مذهب جمهور البصريين أن يبدل من ضمير المتكلم ولا من ضمير المخاطب إسم ظاهر في بدل الشىء من الشىء وهما لعين واحدة وأجاز ذلك الكوفيون والأخفش ويدل عليه قول الشاعربكم قريش كفينا كل معضلة   وأمّ نهج الهدى من كان ضليلاًولما بين تعالى حال المنافقين وقولهم:﴿ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً ﴾[الأحزاب: ١٢] بين حال المؤمنين وقولهم: صفة ما قال المنافقون وعن ابن عباس، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه" ان الأحزاب سائرون إليكم تسعاً أو عشراً أي في آخر تسع ليال أو عشر فلما رأوهم قد أقبلوا للميعاد قالوا ذلك ".﴿ قَضَىٰ نَحْبَهُ ﴾ قال ابن عباس: نحبه موته ومشهور اللغة أن قولهم قضى نحبه كناية عن الموت كما قال ابن عباس وقال الشاعر: فوجدي بسلمى مثل وجد مرقش   باسماً إذ لا يستفيق عواذلهقضى نحبه وجداً عليها مرقش   وعلقت من سلمى خيالاً أماطله﴿ وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ أي الأحزاب عن المدينة والمؤمنين إلى بلادهم.﴿ بِغَيْظِهِمْ ﴾ أي مغيظين فهو حال والباء للمصاحبة ولم ينالوا حال ثانية أو من الضمير في بغيظهم فيكون حالاً متداخلة.﴿ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ ﴾ بإِرسال الريح والجنود وهم الملائكة فلم يكن قتال بين المؤمنين والكفار وكفى هنا بمعنى وفي تتعدى لاثنين وإذا كانت بمعنى حسب فالأكثر في لسان العرب أن يكون الفاعل مصحوباً بالباء الزائدة نحو كفى بالله والقليل حذف هذه الباء كما قال عميرة: ودع إن تجهزت غادياً   كفى الشيب والإِسلام للمرء ناهياً﴿ وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم ﴾ أي أعانوا قريشاً ومن معهم من الأحزاب.﴿ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ ﴾ هم يهود بني قريظة وقيل وبنو النضير ومن أهل الكتاب بيان لقوله: الذين ظاهروهم * ومن صياصهم متعلق بقوله: وأنزل من صياصهم أي من حصونهم واحدها صيصة وهي كل ما يمتنع به والصياصي أيضاً شوك الحاكة ويتخذ من حديد وقذف الرعب سبب لإِنزالهم ولكنه قدم المسبب لما كان المرور بإِنزالهم أكثر والاخبار به أهم قدم وقال رجل:" يا رسول الله مر بنا دحية الكلبي على بغلة بيضاء عليها قطيفة ديباج فقال: ذلك جبريل عليه السلام بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم ولما رجعت الأحزاب جاء جبريل عليه السلام وقت الظهر فقال إن الله يأمركم بالخروج إلى بني قريظة فنادى في الناس لا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة فخرجوا إليها فمصل في الطريق وراء ان ذلك خرج مخرج التأكيد والاستعجال ومصل بعد العشاء وكل مصيب فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة فنزلوا على حكم سعد بن معاذ الأوس رضي الله عنه لحلف كان بينهم رجوا بذلك حنوّه عليهم فحكم أن تقتل المقاتلة وتسبى الذرية والعيال والأموال وأن تكون الأرض والثمار للمهاجرين دون الأنصار فقالت له الأنصار في ذلك فقال أردت أن تكون لهم أموال كما لكم أموال فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع أرقعة ثم استنزلهم وخندق في سوق المدينة وقدمهم فضرب أعناقهم وهم بين ثمانمائة إلى سبعمائة وقيل كانوا ستمائة مقاتل وسبعمائة أسير وجيء بحي بن أخطب النضيري وهو الذي كان أدخلهم في الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عندهم وفاء لهم فنزل فيمن نزل على حكم سعد فلما قرب وعليه حلتان تفاحيتان مجموعة يداه إلى عنقه أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا محمد والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكن من يخذل الله يخذل ثم قال: أيها الناس انه لا بأس أمر الله وقدره وحكمته كتبت على بني إسرائيل ثم قدّم فضربت عنقه ".﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا ﴾ سبب نزولها أن أزواجه صلى الله عليه وسلم تغايرن وأردن زيادة في كسوة ونفقة فنزلت ولما نصر الله نبيه عليه الصلاة والسلام وصرف عنه الأحزاب وفتح عليه قريظة والنضير ظن أزواجه أنه اختص بنفائس اليهود وذخائرهم فقعدن حوله وقلن يا رسول الله بنات كسرى وقيصر في الحلي والحلل والإِماء والخول ونحن على ما تراه من الفاقة والضيق وآلمن قلبه بمطالبتهن له بتوسعة الحال وأن يعاملهن بما يعامل به الملوك والأكابر أزواجهم فأمره الله تعالى أن يتلو عليهن ما نزل في أمرهن وأزواجه إذ ذاك تسعة عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي سفيان وسودة بنت زمعة وأم سلمة بنت أبي أمية وهؤلاء من قريش ومن غير قريش ميمونة بنت الحارث الهلالية وزينب بنت جحش الأسدية وجويرية بنت الحارث المصطلقية وصفية بنت حي بن أخطب الخيبرية فقال أبو القاسم الصيرفي: لما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة واختار الآخرة وأمر بتخيير نسائه ليظهر صدق موافقتهن وكان تحته عشر نساء زاد الحميرية فاخترن الله ورسوله إلا الحميرية وروي" أنه قال لعائشة وبدأ بها كانت أحبهن إليه إني ذاكراً لك أمراً ولا عليك أن لا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك ثم قرأ عليها القرآن فقالت رضي الله عنها أو في هذا استأمر أبوي فإِني أريد الله ورسوله والدار الآخرة تخبر أزواجك أني اخترتك فقال إنما بعثني الله مبلغاً ولم يبعثني متعنتاً والظاهر أنهن لو اخترن الحياة الدنيا وزينتها متعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلقهن وأنه ليس باختيارهن ذلك يقع الفراق دون أن يوقعه هو صلى الله عليه وسلم ثم نادى نساء النبي ليجعلن بالهن مما يخاطبن به إذا كان أمراً يجعل البال له ".﴿ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ﴾ كبيرة من المعاصي ولا يتوهم أنها الزنا لعصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولأنه تعالى وصفها بالتبيين والزنا مما يتستر به وينبغي أن تحمل الفاحشة على عقوق الزوج وفساد عشرته ولما كان مكانهن مهبط الوحي من الأوامر والنواهي لزمهن بسبب ذلك وكونهن تحت الرسول عليه السلام أكثر مما يلزم غيرهن فضوعف لهن الأجر والعذاب وقرىء نضعف مبنياً للفاعل العذاب نصب ونضعف مبنياً للمفعول العذاب رفع ومعنى ضعفين أي مرتين.﴿ وَمَن يَقْنُتْ ﴾ أي يطع ويخضع بالعبودية لله تعالى وبالموافقة لرسوله صلى الله عليه وسلم وقرىء: يقنت بياء المذكر ويعمل حملاً على لفظ من.﴿ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ ﴾ أي ليس كل واحدة منكن كشخص واحد من النساء أي من نساء عصركن فكما أنه عليه السلام ليس كأحد من الرجال كما قال عليه الصلاة والسلام لست كأحدكم كذلك زوجاته اللاتي تشرفن بقربه قال الزمخشري: أحد في الأصل بمعنى واحد وهو الواحد ثم وضع في النفي العام مستوياً فيه المذكر والمؤنس والواحد ما وراءه والمعنى لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء أي إذا تقصيت أمة النساء جماعة جماعة لم يوجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل والسابقة ومنه قوله تعالى:﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ ﴾[النساء: ١٥٢] يريد بين جماعة واحدة منهم تسوية بين جميعهم بأنهم على الحق المبين " انتهى " أما قوله: أحد في الأصل بمعنى وحد وهو الواحد فصحيح وأما قوله ثم وضع إلى قوله وما وراءه فليس بصحيح لأن الذي يستعمل في النفي العام مدلوله غير مدلول واحد لأن واحداً ينطلق على كل شىء اتصف بالوحدة وأحد المستعمل في النفي العام مخصوص بمن يعقل وذكر النحويون ان مادته همزة وحاء ودال ومادة أحد بمعنى واحد أصله واو وحاء ودال فقد اختلفا مادة ومدلولاً.﴿ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ ﴾ الظاهر أنه محمول على أن معناه إن استقبلتن أحداً فلا تخضعن واتقى بمعنى استقبل معروف في اللغة قال النابغة الجعدي: سقط النصيف ولم ترد إسقاطه   فتناولته واتقتنا باليدأي استقبلتنا باليد ويكون هذا المعنى أبلغ في مدحهن إذ لم يعلق فضيلتهن على التقوى ولا على نهيهن عن الخضوع إذ هن متقيات لله تعالى في أنفسهن والتعليق ظاهره يقتضي أنهن لسن متحليات بالتقوى.﴿ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ﴾ وهو الذي لا تنكره الشريعة ولا العقول.﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ قرىء: وقرن بكسر القاف يقول: وقريقر إذا سكن فهو أمر مثل قولك عدن من وعد وقرن بفتح القاف وتقدّم لنا أنه يقال: قررت في المكان على وزن فعلت فيكون مضارعه يقررن والأمر أصله أقررن نقلت حركة الراء إلى القاف وانحذفت همزة الوصل ثم حذفت لام الكلمة وهي الراء كما حذفت في ظللت فقيل قرن كما قيل ظلن أمرهن تعالى بملازمة بيوتهن فنهاهن عن التبرج وأعلم تعالى أنه فعل الجاهلية الأولى قال الليث: تبرجت أبدت محاسنها من وجهها وجسدها ويرى مع ذلك من عينها حسن نظر.﴿ يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ ﴾ تقدم نظيره في قوله: يريد الله ليبين لكم في النساء والرجس الإِثم واستعار الرجس للذنوب والطهر للتقوى لأن عرض المقترف للمعاصي يتدنس بها وأما الطاعات فالعرض منها نقي مصون كالثوب الطاهر وانتصب أهل على النداء أو على المدح أو على الاختصاص وهو قليل في المخاطب ومنه بك الله نرجو الفضل وأكثر ما يكون في المتكلم نحو قوله: نحن بنات طارق   نمشي على النمارقولما كان أهل البيت يشمله وإياهن غلب المذكر على المؤنث في الخطاب في عنكم ويطهركم.
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ
﴿ وَٱذْكُـرْنَ ﴾ أما بمعنى احفظن وتذكرن وإما اذكرنه لغيركن واروينه حتى ينقل.﴿ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ ﴾ هو القرآن.﴿ وَٱلْحِكْـمَةِ ﴾ هي ما كان من حديثه وسنته عليه السلام وفي قوله: لطيفاً تليين وفي خبيراً تحذير ما وروي أن نساءه عليه السلام قلن يا رسول الله ذكر الله الرجال في القرآن ولم يذكرنا وقيل السائلة أم سلمة وقيل لما نزل في نسائه ما نزل في نسائه ما نزل قالت نساء المسلمين فما نزل فينا شىء فنزلت إن المسلمين الآية وهذه الأوصاف العشرة تقدم شرحها بدأً أولاً بالانقياد الظاهر ثم بالتصديق ثم الأوصاف التي بعدها تندرج في الإِسلام وهو الإِنقياد وفي الإِيمان وهو التصديق ثم ختمها بخلة المراقبة وهي ذكر الله كثيراً ولم يذكر لهذه الأوصاف متعلقاً إلا في قوله: والحافظين فروجهم والذاكرين الله نص على متعلق الحفظ لكونه مزلة العقلاء ومركب الشهوة الغالبة على متعلق الذكر بالاسم الأعظم وهو لفظ الله إذ هو العلم المحتوي على جميع أوصافه ليذكر المسلم من يذكره وهو الله تعالى وحذف من الحافظات والذاكرات المفعول لدلالة ما تقدم والتقدير والحافظاتها والذاكراته.﴿ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم ﴾ غلب الذكور فجمع الإِناث معهم وأدرجهم في الضمير ولم يأت التركيب لهم ولهن.﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ ﴾ الآية قال الجمهور خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد زينب بنت جحش فأبت وقالت: لست بناكحته فقال: بلى فانكحيه فقد رضيته لك فأبت فنزلت وذكر أنها وأخاها عبد الله كرها ذلك فلما نزلت الآية رضيا بذلك* ومناسبة هذه الآية لما قبلها لما ذكر تلك الأوصاف السابقة من الإِسلام فما بعده عقب ذلك بما صدر من بعض المسلمين إذ أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر ووقع منهم الاباء له فأنكر عليهم وقال الزمخشري: كان من حق الضمير أن يوحد كما تقول ما جاءني من رجل ولا إمرأة إلا كان من شأنه كذا " انتهى " ليس كما ذكر لأن هذا عطف بالواو ولا يجوز إفراد الضمير إلا على تأويل الحذف أي ما جاءني من رجل إلا كان من شأنه كذا وتقول ما زيد وعمرو إلا ضرباً خالداً ولا يجوز إلا ضرب إلا على الحذف كما قلنا * والخيرة مصدر من تخير على غير قياس كالطيرة من تطير.﴿ وَإِذْ تَقُولُ ﴾ الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.﴿ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ ﴾ بالإِسلام وهو أجل النعم وهو زيد بن حارثة الذي كان عليه السلام تبناه.﴿ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ﴾ وهو عتقه وقال علي بن الحسين كان قد أوحى الله تعالى إلى رسوله أن زيداً سيطلقها وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها فما شكا زيد خلقها وأنها لا تطيعه وأعلمه بأنه يريد طلاقها قال له أمسك عليك زوجك واتق الله على طريق الأدب والوصية وهو يعلم أنه سيطلقها وهذا هو الذي أخفى في نفسه ولم يرد أن يأمره بالطلاق لما علم من أنه سيطلقها وخشي صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد وهو مولاه وقد أمره بطلاقها فعاتبه الله تعالى على هذا العذر في شىء قد أباحه الله له بأن قال: أمسك مع علمه أنه يطلق وأعلمه بأن الله أحق بالخشية في كل حال وهذا المروي عن علي بن الحسين هو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين كالزهري وبكر بن العلاء والقشيري والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم وفي قوله: أمسك عليك تعدى الفعل الرافع لضمير المخاطب إلى ضمير الجر بوساطة علي ونظيره قول الشاعرهون عليك فإن الأمور   بكف الإِله مقاديرهاوفي قوله: زوجناكها تعدى فعل زوج إلى مفعولين وقد جاء الثاني بحرف الجر في قوله تعالى:﴿ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ ﴾[الدخان: ٥٤، الطور: ٢٠] ولما نفى الحرج عن المؤمنين فيما ذكر واندرج الرسول عليه السلام فيهم إذ هو سيد المؤمنين نفى عنه الحرج بخضوعه وذلك على سبيل التكريم والتشريف ونفى عنه الحرج مرتين إحداهما بالاندراج في العموم والأخرى بالخصوص.﴿ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُ ﴾ أي من الزيادة على الأربع وكانت اليهود عابوه بكثرة النكاح وكثرة الأزواج فردّ الله عليهم بقوله: سنة الله أي في الأنبياء بكثرة النساء حتى كان لسليمان عليه السلام ثلاثمائة حرة وسبعمائة سرية وكان لداود عليه السلام مائة إمراة وثلاثمائة سرية وانتصب سنة على أنه اسم موضوع موضع المصدر * قال ابن عطية وانتصب سنة الله على الإِغراء كأنه قال فعليه سنة الله " انتهى " قوله على الإِغراء ليس بجيد لأن عامل الإِسم في الإِغراء لا يجوز حذفه وأيضاً فتقديره فعليه سنة الله بضمير الغائب لا يجوز ذلك في الإِغراء لأنه لا يغري غائب وما جاء من قولهم عليه رجلاً ليسنى له تأويل ومع ذلك فهو نادر.﴿ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ ﴾ الأنبياء بدليل وصفهم بعد قوله: الذين يبلغون رسالات الله وهي جملة اعتراض بين الصفة والموصوف والذين مجرور صفة للذين خلوا ثم نفى تعالى كون رسوله أبا أحد من الرجال فلا يثبت بينه وبين من تبناه من حرمة المصاهرة والنكاح ما يثبت بين الأب وولده * وقرأ الجمهور ولكن رسول بتخفيف لكن ونصب رسول على إضمار كان لدلالة كان المتقدمة عليه قبل أو على العطف على أبا أحد * وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو بالتشديد والنصب على أنه إسم لكن والخبر محذوف تقديره ولكن رسول الله وخاتم النبيين هو أي محمد صلى الله عليه وسلم وحذف خبر لكن وأخواتها جائز إذا دل عليه الدليل فمما جاء في لكن قول الشاعرفلو كنت ضبياً عرفت قرابتي   ولكن زنجياً عظيم المشافرأي لا أنت تعرف قرابتي.﴿ هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ ﴾ معطوف على الضمير المرفوع المستكن في يصلي وأغنى الفصل بالجار والمجرور عن التأكيد وصلاة الله غير صلاة الملائكة فكيف اشتركا في العطف وهما يتخلفان وإنما كان ذلك لأنهما قد اشتركا في قدر مشترك وهو إرادة وصول الخير إليهم فالله تعالى يريد برحمته إياهم إيصال الخير إليهم وملائكته يريدون بالاستغفار.﴿ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ نهى له عليه السلام عن السماع منهم في أشياء كانوا يطلبونها مما لا يجب وفي أشياء ينتصحون بها وهي غش.﴿ وَدَعْ أَذَاهُمْ ﴾ الظاهر إضافته إلى المفعول لما نهى عن طاعتهم أمر بتركه إذايتهم وعقوبتهم ونسخ منه ما يخص الكافرين بآية السيف.﴿ وَتَوَكَّـلْ عَلَى ٱللَّهِ ﴾ فإِنه ينصرك ويخذلهم ويجوز أن يكون مضافاً للفاعل أي ودع إذايتهم إياك أي مجازاة الإِذاية من عقاب وغيره حتى تؤمر وهذا تأويل مجاهد.﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ﴾ معنى نكحتم عقدتم عليهن وسمي العقد نكاحاً لأنه سبب إليه كما سميت الخمر إنما لأنها سبب له ولفظ النكاح في كتاب الله لم يرد إلا في العقد وهو من آداب القرآن * وقال ابن عطية روي أبي برزة عن ابن كثير بتخفيف الدال من العدوان كأنه قال: فما لكم عدة تلزمونها عدواناً وظلماً لهن والقراءة الأولى أشهر عن ابن كثير وتخفيف الدال وهم من أبي بزرة " انتهى " * ليس بوهم إذ قد نقلها عن ابن كثير ابن خالويه وأبو الفضل الرازق في كتاب اللوامح في شذاذ القراآت والظاهر في:﴿ فَمَتِّعُوهُنَّ ﴾ أنه للوجوب وقيل للندب وتقدم الكلام عليه في البقرة. والسراج الجميل هو كلمة طيبة دون أذى ولا منع واجب وقيل أن لا يطالبها بما آتاها ولما بين تعالى بعض أحكام أنكحة المؤمنين أتبعه بذكر طرف من نساء النبي صلى الله عليه وسلم والأجور المهور لأنه أجر على الاستمتاع بالبضع وغيره مما يجوز به الاستمتاع وفي وصفهن باللاتي آتيت أجورهن تنبيه على أن الله تعالى اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم الأفضل والأولى لأن إيتاء المهر أولى من تأخيره لنقضي الزوج عن عهدة الدين وشغل ذمته به ولأن تأخيره يقتضي أن يستمتع بها مجاناً دون عوض تستلمه والتعجيل كان سنة السلف لا يعرف منهم غيره ألا ترى إلى قوله عليه السلام لبعض الصحابة حين شكا حالة التزوج فأين درعك الحطيمة ولذلك تخصص ما ملكت يمينه بقوله مما أفاء الله عليك لأنها إذا كانت مسبية مالكها مما غنموا لله تعالى من أهل دار الحرب كانت أحل وأطيب مما يشتري من الجلب فيما سبى من دار الحرب قيل فيه سبى طيبة وممن له عهد قيل فيه سبي خبيثة وفيء الله لا يطلق إلا على الطيب دون الخبيث والظاهر أن قوله انا أحللنا لك أزواجك بمن كانت في عصمته كعائشة وحفصة ومن تزوجها بمهر. و ﴿ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ ﴾ صفة للبنات.﴿ وَبَنَاتِ عَمِّكَ ﴾ قالت أم هانىء بنت أبي طالب خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني ثم نزلت هذه الآية فحرمتني عليه لأني لم أهاجر معه وإنما كنت من الطلقاء والتخصيص باللاتي هاجرن معك لأن من هاجرن معه من قرابته غير المحارم أفضل من غير المهاجرات.﴿ وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً ﴾ قال ابن عباس: هي ميمونة بنت الحارث وقيل غير ذلك وتقدم الخطاب له عليه السلام وانتقل منه للإِسم الغالب وهو للنبي.﴿ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ ﴾ والضمير الغائب في أن يستنكحها ثم إلى ضمير الخطاب في قوله: خالصة لك * قال الزمخشري والفاعل والفاعلة في باب المصادر غير عزيزين كالخارج والقاعد والعاقبة والكاذبة " انتهى " ليس كما ذكر بل هما عزيزان وتمثيله كالخارج يسير إلى قول الفرزدق * ولا خارجاً من فيّ زور كلام * والقاعد إلى أحد التأويلين في قولهم أقاعد وقد سار الركب والكاذبة إلى قوله تعالى:﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ﴾[الواقعة: ٢] وقد تتأول هذه على أنها ليست مصادر والظاهر أن قوله: خالصة لك من صفة الواهبة لك نفسها أي هبة النساء أنفسهن مختص بك لا يجوز أن تهب المرأة نفسها لغيرك وأجمعوا على أن ذلك غير جائز لغيره عليه السلام.﴿ تُرْجِي مَن تَشَآءُ ﴾ تقدم الكلام عليه في براءة والظاهر أن الضمير في منهن عائد على أزواجه عليه السلام والإِرجاء قال ابن عباس في طلاق من تشاء ممن حصل في عصمتك وإمساك من تشاء ومن ابتغيت أي من طلبتها من المؤخرات وهن المعزولات فلا جناح عليك في ردها وإيوائها إليك.﴿ ذَلِكَ أَدْنَىٰ ﴾ أي التفويض إلى مشيئتك أي قرة عيونهن ووجود رضاهن إذ علمن أن ذلك التفويض هو من عند الله تعالى فحالة كل منهن كحالة الأخرى في ذلك وكلهن تأكيد لنون يرضين واتفقت الروايات على أنه عليه السلام كان يعدل بينهن في القسمة حتى مات ولم يستعمل شيئاً مما أبيح له ضبطاً لنفسه وأخذاً بالفضل غير ما جرى لسودة.﴿ لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ ﴾ الآية الظاهر أنها محكمة. ومن بعد المحذوف منه مختلف فيه * قال ابن عباس: من بعد التسع لأن التسع نصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأزواج كما أن الأربع نصاب أمته منهن قيل لما خيرن فاخترن الله ورسوله جازاهن الله ان حظر عليه النساء غيرهن وتبديلهن ونسخ بذلك ما أباحه قبل له من التوسعة في جميع النساء.﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ ﴾ الآية في الصحيحين عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون فأخذ كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأوا ذلك قام وقام من القوم من قام وقعد ثلاثة فجاء فدخل فإِذا القوم جلوس فرجع وانهم قاموا وانطلقوا وجئت فأخبرته أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل وذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه وأنزل الله عليه هذه الآية * وقرىء: غير بالنصب على الحال والعامل فيه محذوف تقديره ادخلوا بالاذن غير ناظرين وقرىء بالكسر صفة لطعام ثم أمر بالانتشار إذا طعموا * قال الزمخشري:﴿ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ ﴾ في معنى الظرف تقديره وقت أن يؤذن لكم وغير ناظرين حال من لا تدخلوا وقع الاستثناء على الوقت والحال معاً كأنه قيل لا تدخلوا بيوت النبي إلا وقت الاذن ولا تدخلوها إلا غير ناظرين اناه " انتهى " اما أن يؤذن لكم في معنى الظرف وتقديره وقت أن يؤذن لكم وأنه أوقع الاستثناء على الوقت فليس بصحيح وقد نصوا على أن المصدرية لا تكون في معنى الظرف تقول أجيئك صياح الديك وقدوم الحاج ولا يجوز أجيئك أن يصيح الديك ولا أن يقدم الحاج وأما أن الاستثناء وقع على الوقت والحال معاً فلا يجوز على مذهب الجمهور ولا يقع بعد إلا في الاستثناء إلا المستثنى منه أو صفة المستثنى منه وأجاز الأخفش والكسائي ذلك في الحال أجاز ما مذهب القوم إلا يوم الجمعة راحلين عنا فيجوز ما قاله الزمخشري في الحال وأما قوله: إلا أن يؤذن فلا يتعين أن يكون ظرفاً لأنه يكون التقدير إلا بأن يؤذن لكم فيكون الباء للسبب كقوله:﴿ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ ﴾[الأعراف: ٥٧] أو للحال أي مصحوبين بالإِذن.﴿ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ ﴾ معطوف على غير فهو منصوب أي لا تدخلوها لا ناظرين ولا مستأنسين.﴿ ذَٰلِكُمْ ﴾ إشارة إلى السؤال من وراء الحجاب.﴿ أَطْهَرُ ﴾ يريد من الخواطر التي تخطر للرجال في أمر النساء والنساء في أمر الرجال إذ الرؤية سبب التعلق والفتنة ألا ترى قول الشاعروالمرء ما دام ذاعين يقلبها   في أعين العين موقوف على الخطريسر مقلته ما ساء مهجته   لا مرحباً بانتفاع جاء بالضرر﴿ إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ ﴾ وعيد لمن تقدم التعريض به في الآية ممن أشير إليه بقوله: ذلك أطهر ومن أشير إليه.﴿ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ ﴾ فقيل ان تبدوا شيئاً على ألسنتكم أو تخفوه في صدوركم مما يقع عليه العقاب فالله يعلمه فيجازي عليه روي أنه لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب: أو نحن يا رسول الله أيضاً نكلمهن من وراء حجاب فنزل لا جناح عليهنّ أي لا إثم عليهن والظاهر من قوله أو ما ملكت أيمانهنّ دخول العبيد والإِماء دون ما ملك غيرهنّ وقيل مخصوص بالإِماء وقيل جميع العبيد ممن في ملكهنَّ أو في ملك غيرهنَّ وقال النخعي: يباح لعبدها النظر إلى ما لا يواريه الدرع من ظاهر بدنها.
﴿ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ ﴾ أمر بالتقوى وخروج من الغيبة إلى الخطاب أي واتقين الله فيما أمرتن به من الاحتجاب وأنزل فيه الوحي من الاستتار كان في الكلام جملة حذفت تقديره اقتصرن على هذا واتقين الله فيه أن تتعدينه إلى غيره ثم توعد بقوله:﴿ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ أي من السر والعلن وظاهر الحجاب وباطنه وغير ذلك.﴿ شَهِيداً ﴾ لا تتفاوت الأحوال في علمه.﴿ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ ﴾ روي أنه لما نزلت هذه الآية" قال قوم من الصحابة هذا السلام عليك يا رسول الله عرفناه فكيف نصلي عليك قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وارحم محمداً وآل محمدا كما رحمت وباركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ".﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ ﴾ كان دأب الجاهلية أن تخرج الحرة والأمة مكشوفتي الوجه في درع وخمار وكان الزناة يتعرضون إذا خرجن بالليل لقضاء الحوائج في النخيل والغيطان للإِماء وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة يقولون حسبناها أمة فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإِماء بلبس الأردية والملاحف وستر الرؤوس والوجوه ليحتشمن ويهبن ولا يطمع فيهن طامع والجلابيب الأردية التي تستر من فوق إلى أسفل وقيل غير ذلك.﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ تأنيس للنساء في ترك الاستتار قبل أن يؤمرن بذلك ولما ذكر حال المشرك الذي يؤذي الله ورسوله والمجاهر الذي يؤذي المؤمنين ذكر حال المسر الذي يظهر الحق ويضمر الباطل وهو المنافق ولما كان المؤذون ثلاثة باعتبار إذايتهم لله ولرسوله وللمؤمنين كان المشركون ثلاثة منافق ومن في قلبه مرض ومرجف فالمنافق يؤذي سراً والثاني يؤذي المؤمن باتباع نسائه والثالث يرجف بالرسول يقول غلب سيخرج من المدينة سيؤخذ هزمت سراياه وظاهر العطف التغاير بالشخص فيكون المعنى لئن لم ينته المنافقون عن عداوتهم وكيدهم والفسقة عن فجورهم والمرجفون عما يؤلفون من أخبار السوء ويشيعونه.﴿ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ﴾ أي لنسلطنك عليهم.﴿ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ ﴾ أي في المدينة وثم لا يجاورونك معطوف على لنغرينك ولم يكن العطف بالفاء لأنه لم يقصد أنه متسبب عن الإِغراء بل كونه جواباً للقسم أبلغ وكان العطف بثم لأن الجلاء عن الوطن كان أعظم عليهم من جميع ما أصيبوا به فتراخت حالة الجلاء عن حالة الإِغراء.﴿ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ أي إلا جواراً قليلاً وانتصب.﴿ مَّلْعُونِينَ ﴾ على الذم ومعنى ثقفوا حصروا وظفر بهم أخذوا أسروا والأخيذ الأسير.﴿ سُنَّةَ ٱللَّهِ ﴾ مصدر مؤكد أي سن الله في الذين ينافقون الأنبياء أن يقتلوا حيث ما ظفر بهم.﴿ يَسْأَلُكَ ٱلنَّاسُ ﴾ أي المشركون عن وقت قيام الساعة استعجالاً على سبيل الهزء واليهود على سبيل الإِمتحان إذ كانت معمي وقتها في التوراة فنزلت الآية بأن يرد فيها العلم إلى الله إذ لم يطلع عليها ملكاً ولا نبياً ولما ذكر حالهم في الدنيا أنهم ملعونون مهانون مقتولون بين حالهم في الآخرة.﴿ وَمَا يُدْرِيكَ ﴾ ما إستفهام في موضع رفع بالابتداء أي وأي شىء يدريك بها ومعناه النفي أي ما يدريك بها أحد.﴿ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ﴾ بين قرب الساعة وفي ذلك تبكيت للممتحن وتهديد للمستعجل وانتصب قريباً على الظرف أي في زمان قريب إذ استعماله ظرفاً كثير.﴿ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ ﴾ يجوز أن ينتصب يوم بقوله: لا يجدون ويكون يقولون استئناف اخبار عنهم أو تم الكلام عند قوله ولا نصيراً وينتصب يوم بقوله يقولون والوجه أشرف ما في الإِنسان فإِذا قلب في النار كان تقليب ما سواه أولى أو عبر بالوجه عن الجملة وتمنيهم حيث لا ينفع وتشكيهم من كبرائهم لا يجدي وقرىء ساداتنا وسادتنا على الجمع ولما لم يبد تمنيهم الإِيمان وطاعة الله ورسوله ولا قام لهم عذر في تشكيهم ممن أضلهم دعوا على ساداتهم بقولهم ربنا آتهم ضعفين من العذاب ضعفاً على ضلالهم في أنفسهم وضعفاً على إضلال من أضلوا.﴿ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ ﴾ قيل نزلت في شأن زيد وزينب وما سمع فيه من مقالة بعض الناس وقيل المراد حديث الإِفك قيل ما أوذي نبي مثل ما أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث القسمة فصبر وقال رحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر وان إذاية موسى عليه السلام قولهم فيه: انه آدر وقيل غير ذلك.﴿ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ ﴾ لما أرشد المؤمنين إلى ما أرشد من ترك الأذى واتقاء الله وسداد القول ورتب على الطاعة ما رتب تبين أن ما كلفه الإِنسان أمر عظيم فقال إنا عرضنا الأمانة تعظيماً لأمر التكليف والأمانة الظاهر أنها كل ما يؤمن عليه من أمر ونهي وشأن دين ودنيا فالشرع كله أمانة والظاهر عرض الأمانة على هذه المخلوقات العظام وهي الأوامر والنواهي فتثاب إن أحسنت وتعاقب إن أساءت فأبت وأشفقت ويكون ذلك بإِدراك خلقه الله تعالى فيها وهذا غير مستحيل إذ قد سبح الحصى في كفه عليه السلام وحن الجذع إليه وكلمته الذراع فيكون هذا العرض والإِباء حقيقة قال ابن عباس: أعطيت الجمادات فهماً وتمييزاً فخيرت في الحمل وذكر الجبال مع أنها من الأرض لزيادة قوتها وصلابتها تعظيماً للأمر.﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً ﴾ وصفه بالظلم تاركاً لأداء الأمانة وبالجهل لأخطائه ما يسعده * واللام في:﴿ لِّيُعَذِّبَ ﴾ لام الصيرورة لأنه لم يحملها لأن يعذب لكنه حملها فآل الأمر إلى أن يعذب من نافق وأشرك ويتوب على من آمن.
Icon