تفسير سورة الزخرف

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة الزخرف من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ

﴿ والكتاب المبين ﴾ أقسم الله تعالى بالقرآن الذي أبان طريق الهدى من طريق الضلال، وأبان ما يحتاج إليه الناس من الدين.
وجواب القسم :﴿ إنا جعلناه قرآنا عربيا... ﴾ أي أنزلناه بلسان العرب ؛ لأن كل نبي أنزل كتابه بلسان قومه ؛ ليفهموه ويحيطوا بما فيه.
﴿ وإنه ﴾ أي القرآن﴿ في أم الكتاب ﴾ وهو اللوح المحفوظ ؛ إذ هو أصل الكتب السماوية، وكلها منقولة منه ؛ قال تعالى : " وعنده أم الكتاب " ١. " إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون " ٢. " بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ " ٣. أو هو العلم الأرلي﴿ لدينا ﴾ أي عندنا﴿ لعلي ﴾ رفيع القدر﴿ حكيم ﴾ محكم النظم في أعلى طبقات البلاغة ؛ فلا يضيره تكذيب المكذبين، ولا طعن الطاعنين.
١ آية ٣٩ سورة الرعد..
٢ آيتا ٧٧، ٧٨ سورة الواقعة..
٣ آيتا ٢١، ٢٢ سورة البروج..
﴿ أفنضرب عنكم الذكر صفحا ﴾ أنهملكم فنعرض عن أن نذكركم بالقرآن إعراضا من أجل إسرافكم على أنفسكم في كفركم جهالة منكم ؟ لا يكون ذلك ! يقال : ضربت عنه صفحا، إذا أعرضت عنه وتركته. والصفح : مصدر صفحت عنه، إذا أعرضت عنه ؛ وذلك أن تولية صفحة وجهك وعنقك.
﴿ فأهلكنا أشد منهم ﴾ أي من هؤلاء المسرفين. ﴿ بطشا ﴾ سطوة وقوة. يقال : بطش به يبطش ويبطش، أخذه بالعنف والسطوة. ﴿ ومضى ﴾ سلف في القرآن غير مرة. ﴿ مثل الأولين ﴾ أي ذكر قصصهم التي يحق أن تسير مسير المثل لشهرتها.
﴿ ولئن سألتهم من خلق السموات... ﴾ أي ولئن سألتهم عمن خلق هذا العالم ليقولن : خلقه الله المتصف في نفس الأمر بالعزة والعلم، لا أنهم يصفونه تعالى بهما. وقولهم : خلقها الله ؛ اعتراف منهم بأنه الخالق لكل ما سواه، وأن معبوداتهم بعض مخلوقاته ؛ وذلك أسوأ لحالهم وأشد لعقوبتهم. ثم وصف الله نفسه بصفات خمس، موجبة للإيمان به وإفراده بالعبادة، وفيها من الإلزام لهم بالحجة ما فيه.
﴿ مهدا ﴾ فرشا لإمكان الاستقرار عليها. وقرئ " مهاد " أي فراشا.
﴿ والذي نزل من السماء ماء بقدر ﴾ بقدر الحاجة وحسبما تقتضيه المصلحة. يقال. قدرت الثوب فانقدر، إذا جاء على المقدار. ﴿ فأشرنا به بلدة ميتا ﴾ فأحيينا به بلدة مجدبة، لا نبات فيها ولا زرع [ آية ٢١ الأنبياء ص ٣٣ ]. ﴿ كذلك تخرجون ﴾ أي مثل ذلك الإنشار والإحياء تبعثون من قبوركم أحياء ؛ فكيف تنكرونه وتتعاظمونه ! ؟
﴿ والذي خلق الأزواج كلها ﴾ وهي ما يتقلب فيه الإنسان من خير وشر، وإيمان وكفر، ونفع وضر، وغنى وفقر، وصحة وسقم، وغير ذلك من المتقابلات.
﴿ سخر لنا هذا ﴾ ذلل لنا هذا المركب الصعب، وجعله منقادا لنا. ﴿ وما كنا له مقرنين ﴾ أي مطيقين ؛ من أقرن الشيء وله : أطاقه وقوي عليه ؛ كأنه صار له قرنا، أي مثله في الشدة. أو ضابطين. يقال : فلان مقرن لفلان، أي ضابط له.
﴿ جعلوا له من عباده جزءا ﴾ فقالوا : الملائكة بنات الله.
﴿ أم اتخذ مما يخلق... ﴾ أي بل أتخذ لنفسه من خلقه البنات، واختار لكم البنين ! ؟ والاستفهام للإنكار والتوبيخ.
﴿ وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمان مثلا.. ﴾ أي والحال أن أحدهم إذا بشر بولادة أنثى له، اغتم وتربد وجهه غيظا وتأسفا، وهو ممتلئ من الكرب والكآبة.
﴿ أو من ينشأ في الحلية... ﴾ أي أيجترئون ويجعلون لله من شأنه وطبيعته أن يتربى في الزينة والنعمة، ويستكمل بهما، وهو إذا احتاج إلى مجاثاة الخصوم ومجاراة الرجال، ومنازلة الأقوياء كان غير مبين ؛ أي ليس عنده بيان، ولا يأتي ببرهان. " وينشأ " أي يربى ويشب. يقال : نشأ في بني فلان نشأ ونشوءا، إذا شب فيهم. ونشئ وأنشئ بمعنى.
﴿ وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم ﴾ احتج المشركون بأن الله تعالى لم يشأ ترك عبادتهم الملائكة، ولو شاء سبحانه ذلك لتحقق ؛ بل شاء تعالى عبادتها، وتحققت، فتكون مأمورا بها أو حسنة، ويمتنع أن تكون منهيا عنها أو قبيحة. وهي حجة داحضة ؛ فإن المشيئة لا تستلزم الأمر ولا الرضا،
لأنها ترجيح بعض الممكنات على بعض، حسنة كانت أو قبيحة، وهي تابعة للعلم، والله تعالى قد علم من سوء استعداد الكافر، وفساد فطرته، أنه لو خلى ونفسه لاختار الكفار دينا ؛ فأراده منه ؛ وهو لا يقع في ملكه إلا ما يريد، لكنه لم يأمره به ولا يرضاه منه، لأنه تعالى لا يأمر بالفحشاء والمنكر، ولا يرضى لعباده الكفر. وقد بعث الرسل والأنبياء، وأنزل الشرائع والكتب بالتوحيد والنهي عن الشرك، وإنذار المشركين ؛ فكيف يأمرهم بما نهاهم عنه ! ومن أين علموا رضاه تعالى عن عبادتهم الملائكة ؟ ﴿ ومالهم بذلك من عليم إن هم إلا يخرصون ﴾ يكذبون [ آية ١١٦ الأنعام ص ٢٣٩ ].
﴿ أم آتيناهم كتابا... ﴾ أي بل أآتينهم كتابا من قبل القرآن ينطق بصحة ما يدعونه، فهم به مستمسكون ؟ ﴿ بل قالوا ﴾ بعد عجزهم عن الحجة من العقل أو النقل :﴿ إنا وجدنا آباءنا على أمة ﴾
﴿ إنا وجدنا آباءنا على أمة ﴾ على دين وطريقة تؤم وتقصد، وهي الشرك في العبادة. ﴿ وإنا على آثارهم مهتدون ﴾ بهم. فاعترفوا بأنهم لا مستند لهم سوى تقليد آبائهم، وهم جهلة أمثالهم.
﴿ وكذلك ﴾ أي الأمر كما ذكر من عجزهم عن الحجة وتمسكهم بالتقليد الباطل. وقوله﴿ ما أرسلنا... ﴾ استئناف مبين لذلك، دال على أن التقليد فيما بينهم ضلال قديم ؛ ليس لأسلافهم أيضا مستند غيره. ﴿ قال مترفوها ﴾ منعموها، وهم الرؤساء والطغاة الذين صرفهم التنعم وحب البطالة عن النظر إلى التقليد. جمع مترف. يقال : ترف – كفرح – تنعم. وأترفته النعمة : أطغته.
﴿ قال أولو جئتكم.. ﴾ رد عليهم. أي أتقتدون بآبائكم ولو جئتكم بدين أهدى وأصوب مما وجدتموهم عليه من الضلال ! ؟
﴿ وإذ قال إبراهيم... ﴾ أي اذكر لهم قصة إبراهيم مع أبيه وقومه ؛ إذ أنكر عليهم عبادة الأصنام، ونهاهم عنها، ولم يقلدهم في جهالتهم، تمسكا بالبرهان الحق ؛ ليسلكوا مسلكه في النظر والاستدلال، معرضين عن التقليد فيما لا يصح التقليد فيه. وهم لا يمارون في حفية دينه، ولا في أنه أعظم آبائهم. ﴿ إني براء مما تعبدون ﴾ أي برئ منهم. وهو مصدر وقع موقع الصفة وهي برئ مبالغة. يقال : تبرأ منه، فهو براء – بالفتح والمد – يستوي فيه الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث. وأصل البراء والبرء والتبرئ : التفصي مما يكره مجاورته.
﴿ إلا الذي فطرني ﴾ أي لكن الذي خلقني وأوجدني﴿ فإنه سيهدين ﴾ يرشدني إلى دينه القويم.
﴿ وجعلها ﴾ أي كلمة التوحيد. أو هذه المقالة.
﴿ وقالوا لولا نزل هذا القرآن ﴾ استعظموا أن ينزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم. وهو في زعمهم دون عظمائهم جاها ومالا، فقالوا : هلا نزل هذا القرآن الذي يزعم محمد أنه وحي من عند الله على رجل عظيم من إحدى القريتين : مكة والطائف ! يريدون الوليد بن المغيرة المخزومي من مكة، أو حبيب ابن عمرو بن عمير الثقفي من الطائف في قول ؛ فجهلهم الله تعالى بقوله :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك ﴾
فجهلهم الله تعالى بقوله :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك ﴾ أي أبأيديهم مفاتيح الرسالة فيضعونها حيث شاءوا، ويختارون لها من أرادوا ؟ ﴿ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ﴾ وتولينا تدبير أسبابها بمشيئتنا المبينة على الحكم والمصالح، ولم نكله إليهم لعلمنا بعجزهم عنه. ﴿ ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ﴾ في الرزق ومبادئ المعيشة﴿ ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ﴾ أي ليستخدم بعضهم بعضا في حوائجهم، ويسخر بعضهم بعضا في مهامهم ؛ فيكون بينهم من التعاون والترافد ما ينتظم به أمر المعاش والعمران، ولو كلنا ذلك إليهم لتهارجوا
وتهالكوا، واختل النظام، وتقوض العمران. وإذا كانوا عاجزين عن تدبير أسباب معيشتهم في الحياة الدنيا، فما ظنهم بأنفسهم في تدبير أمر الدين، وهو أعلى شأنا وأبعد شأوا من أمر الدنيا ! وكيف يتحكمون على الله في منصب الرسالة، ويتخيرون له من يشاءون ؟ إنهم لا علم لهم بالله، ولا بحكمه وشئونه وتدبيره، وقد اصطفى لرسالته من شاء من عباده بإرادته وحكمته، ولا معقب لحكمه. و " سخريا " – بضم أوله – من التسخير بمعنى التذليل. يقال : سخر الله السفينة تسخيرا، ذللها حتى جرت وطاب لها السير. وكل ما ذل وانقاد وتهيأ لك على ما تريد فقد سخر لك ؛ وهو سخري.
﴿ ورحمة ربك خير مما يجمعون ﴾ تصغير لشأن الدنيا.
﴿ ولولا أن يكون الناس... ﴾ بيان لحقارة الدنيا عنده تعالى. أي لولا كراهة أن يكفر الناس جميعا إذا رأوا الكفار في سعة من الرزق، بسبب ميلهم إلى الدنيا وتركهم الآخرة، لأعطينا الكفار في الدنيا ما وصفنا من أسباب التنعم لهوانها علينا ؛ ولكن اقتضت الحكمة أن يكون فيهم الغني والفقير، كما اقتضت أن يكون ذلك في المؤمنين ؛ ليتميز من يطلب الدنيا للدنيا، ومن يطلبها لتكون زادا للآخرة. " أمة واحدة " أي مجتمعة على الكفر. " سقفا من فضة " جمع سقف. " ومعارج " مصاعد من الدرج من فضة. جمع معرج. " عليها يظهرون " يرتقون. " وسرورا " من فضة. " وزخرفا " ذهبا أو زينة. أي وجعلنا لهم زخرفا ليجعلوه في السقف والمعارج والأبواب والسرور ؛ ليكون بعض كل منها من فضة وبعضه من ذهب.
﴿ ومن يعش عن ذكر الرحمان ﴾ من يتعام ويعرض عن ذكر الله فلا ينظر في حججه إلا كنظر من عشا بصره ؛ فلا يخاف سطوته ولا يخشى عقابه، متبعا أقاويل المبطلين. ﴿ نقيض له شيطانا ﴾ أي تتح له شيطانا يستولي عليه استيلاء القيض على البيض فيغويه. يقال : عشا – كدعا – عشي –
كرضي – إذا ضعف بصره وأظلمت عينه، كأن عليه غشاوة ؛ ومنه ناقة : عشواء. وقرئ " يعش " بفتح الشين بمعناه.
﴿ وإنه لذكر لك ولقومك ﴾ أي وإن ما أوحي إليك – وهو القرآن – لشرف عظيم لك ولقومك أي قريش. أو للعرب عامة. أو لأمتك﴿ وسوف تسألون ﴾ يوم القيامة عنه، وعن القيام بحقه.
﴿ إذا هم ينكثون ﴾ ينقضون عهدهم بالإيمان فلا يؤمنون. وأصله نكث الأكسية والغزل، وهو قريب من النقض، فاستعير لنقض العهد.
﴿ أم أنا خير ﴾ أي أم تبصرون. ولما لم تذكر جملة تبصرون أقيم مقامها جملة " أنا خير " ؛ لأنهم إذا قالوا ذلك كانوا عنده بصراء فأقيم السبب مقام المسبب. ﴿ ولا يكاد يبين ﴾ أي لا يكاد يبين الكلام من لثغة في لسانه.
﴿ أسورة من ذهب ﴾ جمع سوار ؛ وهو كناية عن تمليكه. وكانوا إذا سودوا رجلا سوره بسوارين، وطوقوه بطوق من ذهب ؛ علامة لسيادته.
﴿ فاستخف قومه ﴾ طلب منهم الخفة والسرعة لإجابته ومتابعته. أو حملهم على الخفة والجهل.
﴿ فلما آسفونا ﴾ أسخطونا وأغضبونا أشد الغضب بالإفراط في الفساد والعصيان. منقول بالهمزة ؛ من أسف أسفا : إذا اشتد غضبه.
﴿ فجعلناهم سلفا ﴾ قدوة لمن بعدهم من الكفار في استيجاب مثل عقابهم. وهو مصدر وصف به مبالغة ؛ ولذا يطلق على القليل والكثير. يقال : سلف – كطلب – سلفا، أي تقدم ومضى وسلف له عمل صالح : أي تقدم ؛ ومنه الأسلاف : أي المتقدمون. وقيل : هو اسم جمع لسالف. ﴿ ومثلا ﴾ أي عظة وعبرة﴿ للآخرين ﴾.
﴿ ولما ضرب ابن مريم مثلا ﴾ روي أن عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه قال للنبي صلى الله عليه وسلم وقد سمعه يقرأ " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم " ١ : أليس النصارى يعبدون المسيح، وأنت تقول كان نبيا ! فإن كان في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معه ؟ فضحك كفار قريش، وارتفعت أصواتهم ؛ وذلك قوله تعال :﴿ إذا قومك منه يصدون ﴾. وقرئ
بضم الصاد، ومعناهما : يضجون ويصيحون فرحا. يقال : صد يصد ويصد، ضج.
١ آية ٩٨ الأنبياء..
﴿ وقالوا آلهتنا خير أم لهم ﴾ أي عيسى ؛ فإذا كان هو في النار فلنكن نحن وآلهتنا معه. وقد أبطل الله قولهم بقوله :﴿ ما ضربوه لك إلا جدلا ﴾ أي لأجل الجدل والغلبة في القول بالباطل، لا لطلب الحق.
﴿ هم قوم خصمون ﴾ لدّ شداد الخصومة، مجبلون على اللجاج في الباطل. جمع خصم – بفتح فكسر – وهو المجادل.
﴿ مثلا لبني إسرائيل ﴾ أي كالمثل في غرابته، حيث خلقناه من غير أب ؛ دليلا على كمال قدرتنا.
﴿ ولو نشاء لجعلنا منكم ﴾ أي بدلا منكم. أو بدلكم.
﴿ وإنه لعلم للساعة ﴾ أي وإن عيسى عليه السلام بنزوله من السماء لتعلم به الساعة. وقرئ " لعلم " أي لعلامة على قربها ؛ وهو من أعظم أماراتها، وجاءت به الأحاديث الصحيحة. ﴿ فلا تمترن بها ﴾ فلا تشكن في قيامها.
﴿ فاختلف الأحزاب ﴾ أي النصارى فيه ؛ فمنهم من قال هو الله، ومنهم من قال هو ابن الله، ومنهم من قال ثالث. وكلهم ظالمون ؛ إذ لم يقولوا إنه عبد الله ورسوله.
﴿ فويل للذين ظلموا ﴾ هلاك أو عذاب، أو حسرة أو فضيحة للذين ظلموا أنفسكم بالكفر، وجحود أنه عبد لله ورسوله، وزعمهم فيه تلك المزاعم الباطلة.
﴿ الأخلاء يومئذ ﴾ أي الأصدقاء الذين تخللت المحبة قلوبهم في الدنيا. ﴿ بعضهم لبعض عدو ﴾ يوم القيامة﴿ إلا المتقين ﴾ الذين تحابوا في الله واجتمعوا على طاعته.
﴿ تحبرون ﴾ تفرحون وتسرون سرورا يظهر حباره – بفتح الحاء وكسرها – أي أثره على وجوهكم نضرة وحسنا ؛ من الحبر – بفتحتين – وهو الأثر. أو تزينون ؛ من الحبر – بالكسر والفتح – وهو الزينة وحسن الهيئة.
﴿ يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب ﴾ أي بأطعمة وأشربة في أوان من ذهب. ولم تذكر الأطعمة والأشربة للعلم بأنه لا معنى للإطافة بالصحاف والأكواب من غير أن يكون فيها شيء. جمع صفحة وكوب، وهو إناء لا عروة له يستعمل للشراب.
﴿ لا يفتر عنهم ﴾ لا يخفف عنهم العذاب ولا يسكن [ آية ٢٠ الأنبياء ص ٣٣١ ]. ﴿ وهم فيه مبلسون ﴾ آيسون من تخفيف العذاب ؛ من الإبلاس وهو الحزن المعترض من شدة اليأس [ آية ٤٤ الأنعام ص ٢٢٣ ].
﴿ ليقض علينا ربك ﴾ أي ليمتنا لنستريح ؛ من قضي عليه : إذا أماته.
﴿ ولكن أكثركم ﴾ أي كلكم. وعبر بالأكثر لأن من الأتباع من كفر تقليدا.
﴿ أم أبرموا أمرا ﴾ كلام مستأنف ناع على المشركين ما دبروا من الكيد للرسول صلى الله عليه وسلم. أي بل أأحكموا أمرا من كيدهم في دار الندوة ؛ إذ تآمروا على قتله صلى الله عليه وسلم. و " بل " للانتقال من توبيخ أهل النار إلى حكاية جناية هؤلاء المشركين. وهمزة الاستفهام لإنكار ما وقع واستقباحه. والإبرام : الإتقان والإحكام، وأصله : الفتل المحكم. يقال : أبرم الحبل، إذا أتقن قتله. ﴿ فإنا مبرمون ﴾ محكمون كيدنا بهم باستئصال صناديدهم يوم بدر.
﴿ سرهم ﴾ ما حدثوا به أنفسهم من ذلك الكيد. ﴿ ونجواهم ﴾ ما تناجوا به ولم يطلع عليه سواهم.
﴿ إن كان للرحمان ولد... ﴾ أي إن صح بالبرهان القاطع ذلك فأنا أول من يعظم ذلك الولد، يسبقكم إلى طاعته ؛ كما يعظم الرجل ولد الملك. واللازم منتف بالمشاهدة فكذا الملزوم.
﴿ فذرهم يخوضوا ﴾ في باطلهم﴿ ويلعبوا ﴾ في دنياهم﴿ حتى يلاقوا يومهم ﴾ أي يوم القيامة.
﴿ وهو الذي في السماء إله ﴾ أي وهو الذي هو في السماء معبود بحق، وهو في الأرض معبود بحق.
﴿ وتبارك ﴾ تعظم. أو تزايدت بركته وخيراته [ آية ٥٤ الأعراف ص ٢٦٤ ].
﴿ فأنى يؤفكون ﴾ فكيف يصرفون عن عبادته تعالى إلى عبادة غيره ؟ ويشركون به مع إقرارهم بأنه خالقهم ؟ والمراد : التعجيب من شركهم مع ذلك [ آية ٧٥ المائدة ص ٢٠٢ ].
﴿ وقيله يا رب ﴾ بجر اللام ؛ أي وقوله مصدر قال، معطوف على لفظ الساعة. أي وعنده علم الساعة وعلم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : يا رب. أو الواو للقسم ؛ أي أقسم بقوله محمد : يا رب. وجواب القسم قوله تعالى :﴿ إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ﴾. وقرئ بالنصب عطفا على محل الساعة ؛ إذ هي في محل نصب بالمصدر المضاف إليها على أنها مفعول له. فكأنه قيل : يعلم الساعة، ويعلم قيله يا رب.
﴿ فاصفح عنهم ﴾ فأعرض عنهم، ولا تطمع في إيمامهم لشدة كفرهم وعناهم. ﴿ وقل سلام ﴾ أي أمري وشأني الآن متاركتكم بسلامتكم منى وسلامتي منكم والمراد به : الإعراض عنهم، والكف عن مقابلتهم بالكلام. ثم هددوا بقوله تعالى :﴿ فسوف يعلمون ﴾ عاقبة كفرهم وإصرارهم.
والله أعلم.
Icon