تفسير سورة الطور

الدر المصون
تفسير سورة سورة الطور من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون المعروف بـالدر المصون .
لمؤلفه السمين الحلبي . المتوفي سنة 756 هـ

قوله: ﴿والطور﴾ : وما بعدَه أقسامٌ جوابُها: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ [الطور: ٧] والواواتُ التي بعد الأولى عواطفُ لا حروفُ قسمٍ لِما قَدَّمْتُه في أولِ هذا الموضوعِ عن الخليل. ونَكَّر الكتاب تفخيماً وتعظيماً.
ونَكَّر الكتاب تفخيماً وتعظيماً.
قوله: ﴿فِي رَقٍّ﴾ : يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بِمَسْطُور أي: مكتوبٍ في رَقّ. وجَوَّز أبو البقاء أَنْ يكونَ نعتاً آخرَ ل «كتابٍ» وفيه نظرٌ؛ لأنه يُشبه تهيئةَ العاملِ للعملِ وقَطْعَه عنه. والرَقُّ بالفتح: الجِلْدُ الرقيقُ يُكتب فيه. وقال الراغب: «الرَّقُّ ما يُكتب فيه شِبْهُ كاغَد» انتهى. فهو أعمُّ مِنْ كونِه جِلْداً وغيرَه. ويقال فيه «رِقٌّ» بالكسر، فأمَّا المِلْكُ للعبيد فلا يُقال إلاَّ «رِقٌّ» بالكسر. وقال الزمخشري: «والرَّقُّ: الصحيفةُ. وقيل: الجِلْدُ الذي تُكتب فيه [الأعمال] ». انتهى. وقد غَلَّط
63
بعضُهم مَنْ يقول: كتبْتُ في الرِّق بالكسر، وليس بغلطٍ لثبوتِه لغةً بالكسر. وقد قرأ أبو السَّمَّال «في رِقّ» بالكسر.
64
قوله: ﴿المسجور﴾ : قيل: هو من الأضدادِ. ويقال: بحر مَسْجور أي: مملوء، وبحرٌ مَسْجور أي: فارغٌ. ورَوى ذو الرمة الشاعرُ عن ابنِ عباس أنه قال: خرَجَتْ أمَةٌ لتستقيَ فقالت: إن الحوضَ مَسْجور، أي فارغ. ويؤيِّد هذا أنَّ البحارَ يذهبُ ماؤُها يومَ القيامة. وقيل: المسجورُ المَمْسوك، ومنه ساجورُ الكلب لأنه يَمْسِكُه ويَحْبسه.
وقرأ زيدُ بن علي «إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ وَاقِعٌ» بغيرِ لامٍ.
قوله: ﴿مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ﴾ : يجوزُ أَنْ تكونَ الجملةُ خبراً ثانياً، وأَنْ تكونَ صفةً ل «واقعٌ» أي: واقعٌ غيرُ مدفوعٍ، قاله أبو البقاء. و «مِنْ دافِع» يجوزُ أَنْ يكونَ فاعلاً، وأَنْ يكونَ مبتدأً، و «مِنْ» مزيدةٌ على الوجهين.
قوله: ﴿يَوْمَ تَمُورُ﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ العاملُ فيه «واقعٌ» أي: يقعُ في ذلك اليومِ، وعلى هذا فتكونُ الجملةُ المنفيةُ
64
معترضةً بين العاملِ ومعمولِه. ويجوزُ أَنْ يكونَ العاملُ فيه «دافعٌ» قاله الحوفي، وأبو البقاء ومنعه مكي. قال الشيخ: «ولم يذكرْ دليلَ المنع» وقلت: قد ذَكَرَ دليلَ المنع في «الكشف» إلاَّ أنه ربما يكونُ غَلَطاً عليه، فإنه وهمٌ وانا أذكُر لك عبارتَه. قال رحمه الله: «العامل فيه» واقعٌ «أي: إنَّ عذاب ربك لَواقعٌ في يومِ تمورُ السماءُ مَوْراً. ولا يَعْمل فيه» دافعٌ «لأنَّ المنفيَّ لا يعمل فيما قبل النافي. لا تقول:» طعامَك ما زيدٌ آكلاً «، رفعْتَ» آكلاً «أو نَصَبْتَه أو أَدْخَلْتَ عليه الباءَ. فإن رَفَعْتَ الطعامَ بالابتداءِ وأوقَعْتَ» آكلاً «على هاءٍ جازَ، وما بعد الطعام خبرٌ» انتهى. وهذا كلامٌ صحيح في نفسِه، إلاَّ أنه ليس في الآية شيءٌ من ذلك؛ لأنَّ العاملَ وهو «دافعٌ» والمعمولُ وهو «يومَ»، كلاهما بعد النافي وفي حَيِّزه. وقوله: «وأوقَعْتَ» آكلاً «على هاء» أي على ضميرٍ يعود على الطعامِ، فتقول: طعامَك ما زيدٌ آكلَه.
وقد يقال: إنَّ وجهَ المنعِ مِنْ ذلك خَوْفُ الوهَمِ: أنه يُفْهَمُ أن أحداً يدفعُ العذاب في غيرِ ذلك اليومِ، والفرضُ أنَّ عذابَ اللَّهِ لا يُدفع في كل وقت. وهذا أمرٌ مناسِبٌ قد ذُكِر مثلَه كثيرٌ؛ ولذلك مَنَعَ بعضُهم أن ينتصِبَ ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ﴾ بقولِه: ﴿والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: ٢٩-٣٠] لئلا يُفْهَمَ منه ما لا يَليق، وهو أبعدُ من هذا في الوهمِ بكثيرٍ. وقال
65
أبو البقاء: «وقيل: يجوزُ أَنْ يكونَ ظرفاً لِما دَلَّ عليه» فوَيْلٌ «. انتهى وهو بعيد.
والمَوْرُ: الاضطرابُ والحركةُ يقال: مار الشيءُ أي: ذهب وجاء. وقال الأخفش وأبو عبيدة: تَكَفَّأ. وأنشد للأعشى:
٤١١٥ - كأن مِشْيتَها مِنْ بيتِ جارتِها مَوْرُ السَّحابةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ
وقال الزمخشري:»
وقيل هو تحرُّكٌ في تموُّج، وهو الشيءُ يتردَّدُ في عَرْضٍ كالداغِصة «. قلت: الداغِصَةُ: الجِلْدَةُ التي فوق قُفْل الرُّكْبةِ. وقال الراغب:» المَوْرُ: الجريان السريعُ. ومار الدمُ على وجهِه. والمُوْرُ بالضم: الترابُ المتردِّدُ به الريحُ «. وأكَّد بالمصدَرَيْن رفعاً للمجازِ أي: هذان الجُرْمان العظيمان مع كَثافتهما يقعُ ذلك منهما حقيقةً.
66
قوله: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ : منصوبٌ ب «وَيْل». والخبرُ «للمكذِّبين». والفاءُ في «فوَيْلٌ» قال مكي: «جوابُ الجملةِ المتقدمة. وحَسُن ذلك لأن في الكلام معنى الشرطِ؛ لأنَّ المعنى: إذا كان ما ذُكِر فَوَيْلٌ».
قوله: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ ظرفاً ل «يُقال» المقدرةِ مع قولِه: «هذه النارُ» أي: يقال لهم هذه النارُ يوم يُدَعُّون. ويجوز أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ قولِه «يومَ تمور» أو مِنْ «يومئذٍ» قبلَه. والعامَّةُ على/ فتح الدال وتشديد العين مِنْ دَعَّه يَدُعُّه أي: دفعه في صدرهِ بعنفٍ وشدةٍ. قال الراغب: «وأصلُه أَنْ يُقالَ للعاثر: دَعْ دَعْ، كما يقال له: لعَا» وهذا بعيدٌ من معنى هذه اللفظةِ.
وقرأ علي والسلمي وأبو رجاء وزيد بن علي بسكونِ الدالِ وتخفيفِ العينِ مفتوحةٍ من الدعاء أي: يُدْعَوْن إليها فيقال لهم: هلمُّوا فادْخُلوها. و «هذه النارُ» جملةٌ منصوبةٌ بقولٍ مضمرٍ أي: تقولُ لهم الخزنة: هذه النارُ.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:قوله :﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ ﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ ظرفاً ل " يُقال " المقدرةِ مع قولِه :" هذه النارُ " أي : يقال لهم هذه النارُ يوم يُدَعُّون. ويجوز أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ قولِه " يومَ تمور " أو مِنْ " يومئذٍ " قبلَه. والعامَّةُ على/ فتح الدال وتشديد العين مِنْ دَعَّه يَدُعُّه أي : دفعه في صدرهِ بعنفٍ وشدةٍ. قال الراغب :" وأصلُه أَنْ يُقالَ للعاثر : دَعْ دَعْ، كما يقال له : لعَا " وهذا بعيدٌ من معنى هذه اللفظةِ.
وقرأ علي والسلمي وأبو رجاء وزيد بن علي بسكونِ الدالِ وتخفيفِ العينِ مفتوحةٍ من الدعاء أي : يُدْعَوْن إليها فيقال لهم : هلمُّوا فادْخُلوها. و " هذه النارُ " جملةٌ منصوبةٌ بقولٍ مضمرٍ أي : تقولُ لهم الخزنة : هذه النارُ.

قوله: ﴿أَفَسِحْرٌ﴾ : خبرٌ مقدمٌ. و «هذا» مبتدأٌ مؤخرٌ. ودَخَلَتِ الفاءُ. قال الزمخشري: «يعني كنتمْ تقولون للوحي: هذا سحرٌ، فسحر هذا، يريد: أهذا المصداقُ أيضاً سِحْرٌ، ودخَلَت الفاءُ لهذا المعنى».
قوله: ﴿سَوَآءٌ﴾ : فيه وجهان، أحدهما: أنه خبرٌ مبتدأ محذوفٍ أي: صبرُكم وتَرْكُه سواءٌ، قاله أبو البقاء. والثاني: أنه
67
مبتدأٌ، والخبرُ محذوفٌ أي: سواءٌ الصبرُ والجَزَعُ، قاله الشيخ: والأولُ أحسنُ لأنَّ جَعْلَ النكرةِ خبراً أَوْلَى مِنْ جَعْلِها مبتدأً وجَعلِ المعرفةِ خبراً. ونحا الزمخشريُّ مَنْحَى الوجهِ الثاني فقال: «سواء خبرُه محذوفٌ أي: سواءٌ عليكم الأمران: الصبرُ وعَدَمُه».
68
قوله: ﴿إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفاً، أخبر تعالى بذلك بشارةً، ويجوزُ أَنْ يكونَ من جملة المقول للكفار زيادةً في غَمِّهم وتَحَسُّرهم.
قوله: ﴿فَاكِهِينَ﴾ : هذه قراءةُ العامَّةِ، نُصِبَ على الحال، والخبرُ الظرفُ. وصاحبُ الحالِ الضميرُ المستترُ في الظرف. وقرأ خالد «فاكهون» بالرفع، فيجوزُ أن يكونَ الظرفُ لَغْواً متعلقاً بالخبر، ويجوزُ أن يكونَ خبراً آخر عند مَنْ يُجيز تَعْدادَ الخبرِ. وقُرىء «فَكِهين» مقصوراً. وسيأتي أنه قَرَأ به في المطففين في المتواتر حفصٌ عن عاصم.
قوله: ﴿بِمَآ آتَاهُمْ﴾ يجوزُ أن تكونَ الباء على أصلها، وتكونَ «ما» حينئذٍ واقعةً على الفواكه التي في الجنة أي: مُتَلَذِّذين بفاكهة الجنة. ويجوز أن تكونَ بمعنى «في» أي: فيما آتاهم من الثمارِ وغيرِ ذلك. ويجوزُ أَنْ تكونَ «ما» مصدريةً أيضاً.
68
قوله: ﴿وَوَقَاهُمْ﴾ يجوزُ فيه أوجهٌ، أظهرها: أنَّه معطوفٌ على الصلة أي: فَكهين بإيتائِهم ربُّهم وبوقايتِه لهم عذابَ الجحيم. والثاني: أنَّ الجملةَ حالٌ، فتكونُ «قد» مقدرةً عند مَنْ يشترطُ اقترانَها بالماضي الواقعِ حالاً. والثالث: أَنْ يكونَ معطوفاً على «في جنات»، قاله الزمخشريُّ، يعني فيكونُ مُخْبَراً به عن المتقين أيضاً. والعامَّةُ على تخفيفِ القاف من الوِقاية. وأبو حيوة بتشديدها.
69
قوله: ﴿كُلُواْ﴾ : على إضمارِ القولِ كقوله: «هذه النار» وشَتَّان ما بين القَوْلين.
قوله: ﴿هَنِيئَاً﴾ قد تقدَّم القولُ فيه وفي «مريئاً» مُشْبَعاً في النساء. وقال الزمخشري هنا: «يُقال لهم: كُلوا واشربوا أَكْلاً وشُرْباً هنيئاً، أو طعاماً وشَراباً هَنيئاً، وهو الذي لا تَنْغيصَ فيه. ويجوز أَنْ يكونَ مثلُه في قوله:
٤١١٦ - هَنِيئاً مَرِيئاً غيرَ داءٍ مُخامِرٍ لِعَزَّةَ من أعراضِنا ما اسْتَحلَّتِ
أعني صفةً اسْتُعْمِلَتْ استعمالَ المصدرِ القائم مقامَ الفعلِ مرتفعاً به»
ما استحلَّت «كما يرتفع بالفعلِ كأنه قيل: هَنَأ عَزَّةَ المُسْتَحَلُّ من أعراضنا، وكذلك معنى» هنيئاً «هنا: هَنَأَكم الأكلُ والشربُ، أو هَنَأَكم
69
ما كنتم تعملون، أي: جزاءُ ما كنتم تعملون، والباء مزيدةٌ كما في ﴿وكفى بالله﴾ [النساء: ٤٥] والباءُ متعلقةٌ ب» كلوا واشربوا «إذا جَعَلْتَ الفاعلَ الأكلَ والشربَ». قلت: وهذا مِنْ محاسنِ كلامِه.
قال الشيخ: «أمَّا تجويزُه زيادةَ الباءِ فليسَتْ بمقيسةٍ في الفاعل إلاَّ في فاعلِ كفى على خلافٍ فيها، فتجويزُها هنا لا يَسُوغُ. وأمَّا قولُه: إنها تتعلَّقُ ب» كُلوا واشربوا «فلا يَصِحُّ إلاَّ على الإِعمال فهي تتعلَّقُ بأحدهما». انتى وهذا قريبٌ.
70
قوله: ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ : فيه أوجهٌ، أحدها: أنه حالٌ من فاعلِ «كُلوا» الثاني: أنه حالٌ مِنْ مفعولِ «آتاهم». الثالث: أنَّه حالٌ من مفعولِ «وَقَاهم». الرابع: أنه حالٌ من الضميرِ المستكنِّ في الظرف. الخامس: أنه حالٌ من الضمير/ في «فاكهين» وأحسنُها أن يكونَ حالاً من ضميرِ الظرفِ لكونِه عمدةً. و «على سُرُر» متعلقٌ بمتكئين، وقراءةُ العامَّةِ بضم الراءِ الأولى. وأبو السَّمَّال بفتحِها. وقد تقدَّم أنها لغةٌ لكَلْب في المضعَّف يَفِرُّون من توالي ضمتين في المضعَّفِ. وقرأ عكرمة «بحورِ عينٍ» بإضافةِ الموصوفِ إلى صفتِه على التأويل المشهور.
70
قوله: ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ : فيه أوجهٌ، أحدها: أنه حالٌ من فاعلِ «كُلوا» الثاني: أنه حالٌ مِنْ مفعولِ «آتاهم». الثالث: أنَّه حالٌ من مفعولِ «وَقَاهم». الرابع: أنه حالٌ من الضميرِ المستكنِّ في الظرف. الخامس: أنه حالٌ من الضمير/ في «فاكهين» وأحسنُها أن يكونَ حالاً من ضميرِ الظرفِ لكونِه عمدةً. و «على سُرُر» متعلقٌ بمتكئين، وقراءةُ العامَّةِ بضم الراءِ الأولى. وأبو السَّمَّال بفتحِها. وقد تقدَّم أنها لغةٌ لكَلْب في المضعَّف يَفِرُّون من توالي ضمتين في المضعَّفِ. وقرأ عكرمة «بحورِ عينٍ» بإضافةِ الموصوفِ إلى صفتِه على التأويل المشهور.
71
قوله: ﴿والذين آمَنُواْ﴾ : فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه مبتدأٌ، والخبرُ الجملةُ من قولِه: ﴿أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ والذُّرِّيَّةُ هنا تَصْدُق على الآباء وعلى الأبناء أي: إنَّ المؤمنَ إذا كان عملُه أكبرَ أُلْحِقَ
70
ما كنتم تعملون، أي: جزاءُ ما كنتم تعملون، والباء مزيدةٌ كما في ﴿وكفى بالله﴾ [النساء: ٤٥] والباءُ متعلقةٌ ب» كلوا واشربوا «إذا جَعَلْتَ الفاعلَ الأكلَ والشربَ». قلت: وهذا مِنْ محاسنِ كلامِه.
قال الشيخ: «أمَّا تجويزُه زيادةَ الباءِ فليسَتْ بمقيسةٍ في الفاعل إلاَّ في فاعلِ كفى على خلافٍ فيها، فتجويزُها هنا لا يَسُوغُ. وأمَّا قولُه: إنها تتعلَّقُ ب» كُلوا واشربوا «فلا يَصِحُّ إلاَّ على الإِعمال فهي تتعلَّقُ بأحدهما». انتى وهذا قريبٌ.
71
قوله: ﴿والذين آمَنُواْ﴾ : فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه مبتدأٌ، والخبرُ الجملةُ من قولِه: ﴿أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ والذُّرِّيَّةُ هنا تَصْدُق على الآباء وعلى الأبناء أي: إنَّ المؤمنَ إذا كان عملُه أكبرَ أُلْحِقَ
71
به مَنْ دونَه في العمل، ابناً كان أو أباً، وهو منقولٌ عن ابن عباس وغيرِه. والثاني: أنه منصوبٌ بفعلٍ مقدرٍ. قال أبو البقاء: «على تقدير وأكرَمْنا الذين آمنوا». قلت: فيجوزُ أَنْ يريدَ أنه من باب الاشتغالِ وأنَّ قولَه: ﴿أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ مُفَسِّر لذلك الفعلِ من حيث المعنى، وأَنْ يريدَ أنه مضمرٌ لدلالةِ السياقِ عليه، فلا تكونُ المسألةُ من الاشتغالِ في شيء.
والثالث: أنه مجرورٌ عطفاً على «حورٍ عينٍ». قال الزمخشري: «والذين آمنوا معطوفٌ على» حورٍ عينٍ «أي: قَرَنَّاهم بالحورِ وبالذين آمنوا أي: بالرُّفَقاءِ والجُلَساءِ منهم، كقوله: ﴿إِخْوَاناً على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾ [الحجر: ٤٧] فيتمتَّعون تارةً بملاعبةِ الحُور، وتارةً بمؤانسةِ الإِخوانِ». ثم قال الزمخشري: «ثم قال تعالى: ﴿بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ أي: بسببِ إيمانٍ عظيمٍ رفيعِ المحلِّ وهو إيمانُ الآباءِ أَلْحَقْنا بدَرَجَتِهم ذرِّيَّتَهم، وإنْ كانوا لا يَسْتَأهِلُونها تَفَضُّلاً عليهم».
قال الشيخ: «ولا يتخيَّلُ أحدٌ أنَّ» والذين آمنوا «معطوفٌ على» بحورٍ عينٍ «غيرُ هذا الرجلِ، وهو تخيُّلُ أعجميٍّ مُخالفٍ لِفَهْمِ العربيِّ القُحِّ ابنِ عباسٍ وغيرِه». قلت: أمَّا ما ذكره أبو القاسم من المعنى فلا شكَّ في حُسْنِه ونَضارَتِه، وليس في كلامِ العربيِّ القُحِّ ما يَدْفَعُه، بل لو عُرِض على ابنِ عباسٍ وغيرِه لأَعْجبهم. وأيُّ مانعٍ معنوي أو صناعي يمنعُه؟.
وقوله: ﴿واتبعتهم﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ عطفاً على الصلةِ، ويكونَ «والذين» مبتدأً، ويتعلقَ «بإيمان» بالاتِّباع بمعنى: أنَّ اللَّهَ تعالى يُلْحق الأولادَ الصغارَ، وإن لم يَبْلغوا الإِيمانَ، بأحكام الآباءِ المؤمنين. وهذا المعنى منقولٌ عن ابنِ عباس والضحاك. ويجوزُ أَنْ يكونَ معترضاً بين المبتدأ والخبر، قاله الزمخشري. ويجوزُ أَنْ يتعلَّق «بإيمان» بألحَقْنا كما تقدَّم. فإنْ قيل: قولُه: «اتَّبَعتْهم ذُرِّيَّتَهم» يفيد فائدةَ قولِه: ﴿أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾. فالجوابُ أنَّ قولَه: «أَلْحَقْنا بهم» أي: في الدرجات والاتِّباعُ إنما هو في حُكْمِ الإِيمان، وإن لم يَبْلُغوه كما تقدَّم. وقرأ أبو عمرو و «وأَتْبَعْناهم» بإسناد الفعل إلى المتكلمٍ المعظِّمِ نفسَه. والباقون «واتَّبَعَتْهم» بإسنادِ الفعلِ إلى الذرِّيَّة وإلحاقِ تاء التأنيث. وقد تَقَدَّم الخلافُ في إفرادِ «ذُرِّيَّتهم» وجمعِه في سورة الأعرافِ محرراً بحمد الله تعالى.
قوله: ﴿أَلَتْنَاهُمْ﴾ قرأ ابن كثير «أَلِتْناهم» بكسر اللام، والباقون بفتحِها. فأمَّا الأولى فَمِنْ أَلِتَ يَأْلَتُ بكسرِ العينِ في الماضي وفتحِها في المضارع كعَلِمَ يَعْلَمُ.
وأمَّا الثانيةُ فتحتمل أَنْ تكونَ مِنْ أَلَتَ يَأْلِتُ كضَربَ يَضْرِبُ، وأَنْ تَكونَ مِنْ أَلات يُليت كأَماتَ يُميت، فَأَلَتْناهم كأَمَتْناهم.
72
وقرأ ابن هرمز «آلَتْناهم» بألفٍ بعد الهمزة، على وزنِ أَفْعَلْناهم. يقال: آلَتَ يُؤْلِتُ كآمَنَ يُؤْمِنُ. وعبد الله وأُبَيٌّ والأعمش وطلحة، وتُرْوى عن ابنِ كثير «لِتْناهم» بكسر اللام كبِعْناهم يُقال: لاتَه يَليته، كباعه يَبيعه. /
وقرأ طلحة والأعمش أيضاً «لَتْناهم» بفتح اللام. قال سهل: «لا يجوز فتحُ اللامِ مِنْ غير ألفٍ بحالٍ» ولذلك أَنْكر «آلَتْناهم» بالمدِّ: وقال: «لا يَدُلُّ عليها لغةٌ ولا تفسيرٌ». وليس كما زعم؛ بل نَقَلَ أهلُ اللغةِ: آلَتَ يُؤْلِتُ. وقُرِىء «وَلَتْناهم» بالواو ك «وَعَدْناهم» نَقَلها هارون. قال ابن خالويه: «فيكونُ هذا الحرفُ مِنْ لاتَ يَليت، ووَلَتَ يَلِتَ، وأَلِتَ يَأْلَت، وأَلَت، وأَلات يُليت. وكلُّها بمعنى نَقَص. ويقال: أَلَتَ بمعنى غَلَّظ. وقام رجلٌ إلى عمر يَعِظُه فقال له رجل: لا تَأْلِتْ أميرَ المؤمنين أي: لا تُغْلِظْ عليه». قلت: ويجوزُ أَنْ يكونَ هذا الأثرُ على حالِه، والمعنى: لا تُنْقِصْ أميرَ المؤمنين حَقَّه، لأنه إذا أَغْلَظَ له القولَ نَقَصَه حَقَّه.
قوله: ﴿مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ «مِنْ شيءٍ» مفعولٌ ثانٍ ل «أَلَتْناهم» و «مِنْ» مزيدةٌ فيه. والأُولى في محلِّ نصبٍ على الحال مِنْ «شيء» لأنَّها في الأصلِ صفةٌ له، فلَمَّا قُدِّمَتْ نُصِبَتْ حالاً. وجَوَّزَ أبو البقاء أَنْ يتعلَّقَ ب «أَلَتْناهم» وليس بظاهرٍ. وفي الضمير في «أَلَتْناهم» وجهان، أظهرهما: أنَّه عائدٌ على المؤمنين. والثاني: أنَّه عائد على أبنائهم. قيل: ويُقَوِّيه قولُه: ﴿كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ﴾.
73
قوله: ﴿يَتَنَازَعُونَ﴾ : في موضع نصبٍ على الحال مِنْ مفعول «أَمَدَدْناهم»، ويجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفاً. وتقدَّم الخلافُ في قولِه: ﴿لاَّ لَغْوٌ فِيهَا﴾ في البقرة. والجملةُ في موضع نصبٍ صفةً ل «كأس» وقوله: «فيها» أي: في شُرْبِها.
والجملة مِنْ قولِه ﴿كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ﴾ صفةٌ ثانية لغِلمان.
قوله: ﴿يَتَسَآءَلُونَ﴾ : جملةٌ حاليةٌ مِنْ «بعضُهم» ومعنى يتنازَعون: أي يتعاطَوْنها بتجاذُبٍ لأنه كمالُ اللذة قال:
قوله: ﴿وَوَقَانَا﴾ : العامَّةُ على التخفيفِ، وأبو حيوةَ بالتشديد وقد تقدَّم. والسَّمُومُ في الأصل: الريحُ الحارةُ التي تَتَخَلَّلُ المَسامَّ، والجمع سَمائِم. وسُمَّ يومُنا أي: اشتدَّ حَرُّه. وقال ثعلب: «السَّمومُ شدَّةُ الحرِّ أو شدَّةُ البردِ في النهار». وقال أبو عبيدة: «السَّمومُ بالنهار، وقد تكون بالليلِ، والحَرور بالليل، وقد تكون بالنهار، وقد
74
تُستعمل السَّموم في لَفْح البردِ، وهو في لَفْحِ الحرِّ والشمسِ أكثرُ». وقد تقدَّم شيءٌ من ذلك في سورة فاطر.
75
قوله: ﴿إِنَّهُ هُوَ البر﴾ : قرأ نافع والكسائي بفتح الهمزة على التعليل، أي: لأنه. والباقون بالكسرِ على الاستئنافِ الذي فيه معنى العلةِ فيتحدُ معنى القراءتين.
قوله: ﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ : فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه مُقْسَمٌ به متوسطٌ بين اسم «ما» وخبرها، ويكونُ الجوابُ حينئذٍ محذوفاً لدلالة هذا المذكورِ عليه، التقدير: ونعمةِ ربِّك ما أنت بكاهنٍ ولا مجنونٍ. الثاني: أنَّ الباءَ في موضع نصبٍ على الحالِ، والعامل فيها «بكاهن» أو «مجنون» والتقدير: ما أنت كاهناً ولا مجنوناً ملتبساً بنعمةِ ربِّك، قاله أبو البقاء، وعلى هذا فهي حالٌ لازمةٌ؛ لأنه عليه السلام لا يُفارِقْ هذه الحال. الثالث: أنَّ الباءَ متعلقةٌ بما دَلَّ عليه الكلامُ، وهو اعتراضٌ بين اسم «ما» وخبرِها. والتقدير: ما أنت في حالِ إذكارِك بنعمةِ ربك بكاهنٍ ولا مجنون، قاله الحوفي. ويظهر وجهٌ رابعٌ: وهو أَنْ تكونَ الباء سببيةً، وتتعلَّقُ حينئذٍ بمضمون الجملةِ المنفيةِ، وهذا هو مقصودُ الآيةِ الكريمةِ. والمعنى: انتفى عنك الكهانةُ والجنونُ بسبب نعمةِ اللَّهِ عليك، كما تقول: ما أنا بمُعْسِر بحمد الله وغَنائه.
قوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ﴾ : قال الثعلبي: «قال الخليل:
75
كلُّ ما في سورة الطور/ مِنْ» أم «فاستفهامٌ وليس بعطفٍ». وقال أبو البقاء: «أم في هذه الآياتِ منقطعةٌ». قلت: وتقدَّم لك الخلافُ في المنقطعةِ: هل تتقدَّرُ ب بل وحدَها، أو ب بل والهمزةِ، أو بالهمزةِ وحدَها، والصحيحُ الثاني. وقال مجاهد في قوله: «أم تأمرهم» تقديره: بل تأمرهم. وقرأ ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونُ﴾ بدلَ «أم هم».
قوله: ﴿نَّتَرَبَّصُ﴾ في موضعِ رفعٍ صفةً لشاعر. والعامَّةُ على «نتربَّصُ» بإسنادِ الفعل لجماعة المتكلمين «ريبَ» بالنصب. وزيدُ بن علي «يتربَّص» بالياء مِنْ تحتُ على البناء للمفعولِ «ريبُ» بالرفع. وريبُ المنونِ: حوادثُ الدهرِ وتقلُّباتُ الزمانِ لأنها لا تدوم على حالٍ كالرَّيْبِ وهو الشَّكُّ، فإنه لا يبقى، بل هو متزلزِلٌ قال الشاعر:
٤١١٧ - نازَعْتُه طَيِّبَ الراحِ الشَّمولِ وقد صاح الدَّجاجُ وحانَتْ وَقْعَةُ السَّاري
٤١١٨ - تَرَبَّصْ بها رَيْبَ المنونِ لَعَلَّها تُطَلَّقُ يوماً أو يموتُ حليلُها
وقال أبو ذُؤَيْب:
٤١١٩ - أمِن المَنونِ ورَيْبِه تتَوَجَّعُ والدهرُ ليس بمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
والمنون في الأصل: الدهرُ. وقال الراغب: «المنون المنيَّة، لأنها
76
تَنْقُصُ العددَ وتَقْطَعُ المَدَدَ»، وجَعَل مِنْ ذلك قولَ: ﴿أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [فصلت: ٨] أي: غيرُ مقطوع. وقال الزمخشري: «وهو في الأصلِ فَعُول مِنْ منَّه إذا قطعه لأنَّ الموتَ قَطوعٌ ولذلك سُمِّيت شَعُوب». و «ريبَ» مفعولٌ به أي: نَنْتَظِرُ به حوادثَ الدهرِ أو المنيَّة.
77
قوله: ﴿بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ﴾ : العامَّةُ على تنوين «حديث» ووصفِه بمثله. والجحدريُّ وأبو السَّمَّال «بحديثِ مثلِه» بإضافة «حديث» إلى «مثلِه» على حذفِ موصوفٍ أي: بحديثِ رجلٍ مثلِه مِنْ جنسه.
قوله: ﴿مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ﴾ : يجوزُ أَنْ تكونَ «مِنْ» لابتداءِ الغاية على معنى: أم خُلِقوا مِنْ غير شيء حيّ كالجماد، فهم لا يُؤْمَرون ولا يُنْهَوْن كما الجماداتُ. وقيل: هي للسببية على معنى: مِنْ غيرِ علةٍ ولا لغايةِ ثوابٍ ولا عقابٍ.
قوله: ﴿المصيطرون﴾ : المُسَيْطِرُ: القاهرُ الغالِبُ. مِنْ سَيْطَرَ عليه إذا راقَبَه وحَفِظه أو قَهَرَه. ولم يَأْتِ على مُفَيْعِل إلاَّ خمسةُ ألفاظٍ، أربعةٌ صفةٌ اسمُ فاعلٍ نحو: مُهَيْمِن ومُبَيْقِر ومُسَيْطِر ومُبَيطِر، وواحدٌ اسمُ جبلٍ وهو المُجَيْمِر. قال امرؤ القيس:
77
٤١٢٠ - كأن ذُرا رأسِ المُجَيْمِرِ غُدْوَةً من السيلِ والغُثَّاءِ فَلْكَةُ مِغْزَلِ
والعامَّةُ «المُصَيْطِرون» بصادٍ خالصةٍ مِنْ غيرِ إشمامِها زاياً لأجلِ الطاءِ، لِما تقدَّم في ﴿صِرَاطَ﴾. وقرأ بالسين الخالصة التي هي الأصلُ هشام وقنبل من غير خلافٍ عنهما، وحفص بخلافٍ عنه. وقرأ خلاَّد بصادٍ مُشَمَّةٍ زاياً من غير خلافٍ عنه. وقرأ خلاَّد بالوجهين، أعني كخَلَفٍ وكالعامَّةِ. وتوجيهُ هذه القراءتِ كلِّها واضحةٌ مِمَّا تقدَّم لك أولَ الفاتحة.
78
قوله: ﴿يَسْتَمِعُونَ﴾ : صفةٌ لسُلَّم. «وفيه» على بابِها من الظرفيةِ. وقيل: هي بمعنى «على» ولا حاجةَ إليه. وقَدَّره الزمخشري متعلقاً بحالٍ محذوفة تقديره: صاعدِين فيه. ومفعول «يَسْتَمعون» محذوفٌ، فقدَّره الزمخشري: «يَسْتمعون ما يُوحي إلى الملائكةِ مِنْ عِلْمِ الغيب». وقَدَّرَهُ غيرُه: يَسْتمعون الخبرَ بصحة ما يَدَّعُون. والظاهر أنه لا يُقدَّر له مفعولٌ بل المعنى: يُوْفِعون الاستماع.
قوله: ﴿فالذين كَفَرُواْ﴾ : هذا مِنْ وقوعِ الظاهر موقعَ المضمر تنبيهاً على اتِّصافهِم بهذه الصفةِ القبيحة. والأَصلُ: أم يريدون كَيْداً فهم المَكيدون، أو حَكَمَ على جنسٍ هم نوعٌ منه فيندرجون اندراجاً أوَّلياً لتوغُّلهم في هذه الصفةِ.
قوله: ﴿وَإِن يَرَوْاْ﴾ :«إنْ» هذه شرطيةٌ على بابِها. وقيل: هي بمعنى «لو» وليس بشيءٍ.
قوله: ﴿سَحَابٌ﴾ خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: هذا سحابٌ. والجملةُ نصبٌ بالقول.
قوله: ﴿يُلاَقُواْ يَوْمَهُمْ﴾ :«يَوْمَهم» مفعولٌ به لا ظرفٌ. وقرأ أبو حيوةَ «يَلْقَوْا» مضارعَ لَقِي. ويَضْعُفُ أَنْ يكونَ المفعولُ محذوفاً، و «يَوْمَهم» ظرفٌ، أي: يُلاقُوا أو يَلْقَوا جزاءَ أعمالِهم في يَوْمِهم.
قوله: ﴿يُصْعَقُونَ﴾ قرأ ابن عامر وعاصم بضم الياء مبنياً للمفعول. وباقي السبعةِ بفتحها مبنياً للفاعل. وقرأ أبو عبد الرحمن بضم الياء وكسر العين. فأمَّا الأُولى فيُحتمل أن تكونَ مِنْ صُعِقَ فهو مَصْعُوق مبنياً للمفعولِ، وهو ثلاثي، حكاه الأخفش، فيكونُ مثلَ سُعِدوا، وأَنْ يكونَ مِنْ أَصْعَقَ رباعياً. يقال: أَصْعَق فهو مُصْعَق، قاله الفارسيُّ. والمعنى: أنَّ غيرَهم أَصْعَقَهم. وقراءةُ السلمي تُؤْذِنُ أنَّ أَفْعَلَ بمعنى فَعَل. وقوله: ﴿يَوْمَ لاَ يُغْنِي﴾ بدلٌ مِنْ «يومَهم».
قوله: ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ : يجوزُ أَنْ يكون مِنْ إيقاعِ الظاهر موقعَ المضمرِ، وأَنْ لا يكونَ كما تقدَّم فيما قبلُ.
قوله: ﴿بِأَعْيُنِنَا﴾ : قراءةُ العامة بالفك. وأبو السَّمَّال بإدغامِ النونِ فيما بعدَها. وناسَبَ جمعَ الضميرِ هنا جمعُ العين. ألا تراه أفردَ حيث أفردَها في قوله: ﴿وَلِتُصْنَعَ على عيني﴾ [طه: ٣٩] قاله الزمخشري.
قوله: ﴿وَإِدْبَارَ النجوم﴾ : العامَّةُ على كسر الهمزة مصدراً بخلافِ التي في آخر قاف كما تقدَّم؛ فإن الفتحَ هناك لائقٌ لأنه يُراد به الجمعُ لدُبْرِ السجود أي: أعقابِه. على أنه قد قرأ سالم الجعدي ويعقوب والمنهال بن عمرو بفتحِها هنا أي: أعقابَ النجوم. وإدْبارُها: إذا غَرَبَتْ. والله أعلم.
Icon