تفسير سورة الطور

تفسير الشافعي
تفسير سورة سورة الطور من كتاب تفسير الشافعي .
لمؤلفه الشافعي . المتوفي سنة 204 هـ

٣٨٨- قال الشافعي : إن الله بفضل نعمته أناب١ الناس على الأعمال أضعافها، ومنَّ على المؤمنين بأن ألحق بهم ذرياتهم، ووفر عليهم أعمالهم فقال :﴿ اَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتاهِِمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَىْءٍ ﴾ فلما منَّ على الذراري بإدخالهم جنته بلا عمل، كان أن منَّ عليهم بأن يكتب لهم عمل البر في الحج وإن لم يجب عليهم من ذلك المعنى، فإن قال قائل : ما دليلك على ما وصفت ؟ فقد جاءت الأحاديث في أطفال المسلمين أنهم يدخلون الجنة، فالحجة فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن عقبة٢، عن كريب٣ مولى ابن عباس، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل٤، فلما كان بالروحاء٥ لقي ركْبًا فسلم عليهم، فقال :
« من القوم ؟ » فقالوا : مسلمون، فمن القوم ؟ قال :« رسول الله صلى الله عليه وسلم »، فرفعت إليه امرأة صبيا لها من مِحَفَّةٍ٦ فقالت : يا رسول الله ألهذا حج ؟ قال :« نعم، ولك أجر »٧.
أخبرنا مالك، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بامرأة وهي في محفتها فقيل لها : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذت بعضد صبي كان معها فقالت : ألهذا حج ؟ قال :« نعم، ولك أجر »٨. ( الأم : ٢/١١١. ون أحكام الشافعي : ١/١١٨. )
١ - في جميع النسخ "أنَاب" وهي بمعنى تاب ورجع، فاللفظ لا يناسب السياق. والصواب ـ والله أعلم ـ "أَثاب" من الثواب بمعنى الجزاء..
٢ - إبراهيم بن عقبة، أخو موسى ومحمد. عن: عروة، وابن المسيب. وعنه: مالك، وابن المبارك. الكاشف: ١/٤٤. ون التهذيب: ١/١٦٥. وقال في التقريب: ثقة..
٣ - كريب أبو رشدين. عن: مولاه ابن عباس، وعائشة. وعنه: ابناه محمد ورشدين، وموسى بن عقبة. وثقوه. مات بالمدينة سنة: ٩٨هـ. الكاشف: ٢/٣٩٩. ون التهذيب: ٦/٥٧٣. وقال في التقريب: ثقة..
٤ - قفل: القُفول: الرجوع من السفر. اللسان: قفل..
٥ - الروحاء: مكان على بعد ستة وثلاثين ميلا من المدينة. معجم البلدان..
٦ - المِحَفَّةُ: مركب من مراكب النساء كالهودج إلا أنها لا تقبب. اللسان: حفف..
٧ - أخرجه مسلم في الحج (١٥) باب: صحة حج الصبي وأجر من حج به (٧٢)(ر١٣٣٦).
وأخرجه أبو داود في المناسك (٥) باب: في الصبي يحج (٨)(ر١٧٣٦).
ورواه النسائي في المناسك (٢٤) باب: الحج بالصغير (١٥)(ر٢٦٤٧).
ورواه الشافعي في المسند (ر٧٤١)..

٨ - رواه الشافعي في المسند (ر٧٤٣).
ورواه النسائي في المناسك باب (١٥)(ر٢٦٤٨)..

٣٨٩- قال الشافعي : واعلموا أن المحدَث لابد له من محدث خالق، والدليل عليه هو أن الفعل لابد له من فاعل، كما أن الكتابة لابد لها من كاتب، والبناء لابد له من بان، ويستحيل وجود الكتابة إلا من كاتب، وذلك معلوم في الشاهد ضرورة. وهكذا حكمُ كل حادث من سائر الصناعات.
وكذلك المحدث في معنى ذلك في اقتضائه محدثا فاعلا خالقا، قال تعالى منبها على ذلك :
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ اَمْ هُمُ اَلْخَالِقُونَ ﴾ ومعناه : أم خلقوا من غير خالق خلقهم، أم هم خلقوا أنفسهم ؟ فتبين أن المخلوق لابد له من خالق. ( الكوكب الأزهر شرح الفقه الأكبر ص : ١٠. )
Icon