تفسير سورة الطور

البسيط للواحدي
تفسير سورة سورة الطور من كتاب التفسير البسيط المعروف بـالبسيط للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

تفسير سورة الطور

بسم الله الرحمن الرحيم

١ - ﴿وَالطُّورِ﴾ ذكرنا تفسير الطور في سورة البقرة (١). قال عامة المفسرين (٢): أقسم الله بالجبل الذي كلّم الله عليه موسى بن عمران عليه السلام وهو بمدين (٣) واسمه زبير. ونحو هذا قال الفراء والزجاج وابن قتيبة (٤).
٢ - قوله: ﴿وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾ المسطور معناه المكتوب من قولك: سطر يسطر سطرًا. وذكرنا هذا عند تفسير الأساطير (٥). وأكثر المفسرين
(١) عند تفسيره لآية (٦٣) من سورة البقرة. ومما قال: الطور قيل: إنه الجبل بالسريانية.. وقيل: إنه اسم جبل بعينه. والطَّوْرُ: التارة، والحدبين الشيئين، والطُّورُ الجبل. وطُورُ سيناءَ: جبلٌ بالشام.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٨ أ، "الوسيط" ٤/ ١٣، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٣٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٥٨.
(٣) مدين على بحر القلزم، وهو المعروف حاليًا بالبحر الأحمر، محاذية لتبوك على نحو من ست مراحل. وهي أكبر من تبوك وبها البئر التي استقى منها موسى عليه السلام لسائمة شعيب. انظر: "معجم البلدان" ٥/ ٧٧.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٩١، "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٦١، "تفسير غريب القرآن" ص ٤٢٤.
(٥) عند تفسيره لآية (٢٥) من سورة الأنعام. ومما قال: السطر هو أن تجعل شيئًا ممتدًّا مؤلفًا ومن ذلك سطر الكتاب، وسطر من شجر مغروس، ونحو ذلك قال ابن =
على أن المراد بالكتاب هاهنا ما أثبت على بني آدم من أعمالهم. وهو قول مقاتل، ومجاهد، والكلبي، والزجاج (١). وذكر فيه أنه (٢) اللوح المحفوظ (٣). وقيل: هو ما كتبه الله لموسى من التوراة (٤). والصحيح هو القول الأول لقوله (٥) تعالى:
٣ - ﴿في رَقٍّ مَنْشُور﴾ ولم يثبت أن اللوح المحفوظ من الرق. ولا أن ما كتب لموسى كان على الرق. والمراد بالكتاب، المكتوب، سُمّي بالمصدر. والرق مما كتب فيه. قال أبو عبيدة: الرق الورق (٦).
وقال الليث: الرَّقُّ الصحيفة البيضاء (٧).
= السكيت. يقال: سَطْرٌ وَسَطرٌ فمن قال سطرٌ فجمعه في القليل أسطر وفي الكثير سطور ومن قال سطَرَ جَمَعَه أسطارًا ثم أساطير جمع الجمع، قاله اللحياني، واختار الزجاج أن يكون واحدها أسطورة. انظر: "البسيط" ٢/ ٨٩ ب.
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٨ أ، و"جامع البيان" ٢٧/ ١٠، "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٦١، "الكشف والبيان" ١١/ ١٩٣ ب، "الوسيط" ٤/ ١٨٢، وبه قال الفراء، وابن قتيبة. انظر: "تفسير غريب القرآن": ٤٢٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٥٩، "فتح القدير" ٥/ ٩٤، ولم أجده عن الكلبي.
(٢) في (ك): (أن).
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨١، عن ابن عباس، وقد جمع القولين فقال: وأقسم باللوح المحفوظ مكتوب فيه أعمال بني آدم. "معالم التنزيل" ٤/ ٢٣٦.
(٤) انظر: "الكشف البيان" ١١/ ١٩٣ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٣٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٥٩، ونُسب للكبي.
(٥) في (ك): (قوله) والصواب ما أثبته. قال الشنقيطي: والأظهر أن الكتاب المسطور هو القرآن العظيم.. "أضواء البيان" ٧/ ٦٨٣.
(٦) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٣٠.
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ٢٨٤ (رقق).
وقال المبرد: الرق، ما رُقّق من الجلد ليكتب فيه. والمنشور: المبسوط يتباعد أطرافه (١).
قال مقاتل: يخرج إليهم أعمالهم يومئذٍ في رق، يعني أديم الصحف (٢). ونحو هذا قال الكلبي.
قال الفراء: الرق الصحائف التي تخرج إلى بني آدم يوم القيامة فآخذ كتابه بيمينه وآخذ بشماله (٣). وهذا كقوله: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا﴾ [الإسر اء: ١٣].
٤ - قوله: ﴿وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾ روى أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "البيت المعمور في السماء السابعة، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه حتى تقوم الساعة" (٤).
وقال ابن عباس: البيت المعمور في السماء بحيال الكعبة، يحجه كل يوم سبعون ألف (٥) ملك يسمى الصُّراح (٦). ونحو هذا قال جماعة المفسرين (٧)، إلا الحسن فقد روي عنه أنه قال: هو الكعبة. ومعنى
(١) انظر: "اللسان" ١٠/ ١٢٩ (رقق)، "القرطبي" ١٧/ ٥٩، "فتح القدير" ٥/ ٩٤.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٨ أ.
(٣) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ٩١.
(٤) أخرجه ابن جرير في "تفسيره" ٢٧/ ١١، وابن المنذر، وابن مردويه، والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٤٦٨ وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والبيهقي في "شعب الإيمان". وانظر: "الدر" ٦/ ١١٧.
(٥) في (ك): (ألف) ساقطة.
(٦) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨١، "الكشف البيان" ١١/ ١٩٣ ب، "الوسيط" ٤/ ١٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٥٩.
(٧) انظر: "تفسير مجاهد" ٢/ ٦٢٤، "تفسير مقاتل" ١٢٨ أ، "جامع البيان" ٢٧/ ١١، "تفسير ابن كثير" ٤/ ٢٣٩، قال: وكذا قال عكرمة ومجاهد وغير واحد من السلف.
﴿الْمَعْمُورِ﴾ أنه معمور بكثرة الغاشية والزائرين (١).
قال مقاتل: عمارته أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يصلون فيه (٢). وقال الكلبي: المعمور بالملائكة. قال: وهو بيت في السماء السادسة، بناه آدم فرفع أيام الطوفان (٣).
وروى عطاء عن ابن عباس أنه في السماء الدنيا (٤). قال: وكان ابن عباس يقول: لله في السموات والأرضين خمسة عشر بيتًا، كل واحد يحاذي صاحبه، سبعة على الأرضين وسبعة في السموات. والكعبة الخامس عشر (٥).
٥ - قوله تعالى: ﴿وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ﴾. قال علي رضي الله عنه: يعني السماء. وهو قول قتادة، ومجاهد، والجميع (٦). قال مقاتل: المرفوع من الأرض مسيرة خمسمائة عام (٧). وسَمَّى السماء سقفًا؛ لأنها للأرض كالسقف. وقد قال عَزّ ذكره: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا﴾ [الأنبياء: ٣٢] وروى عطاء عن ابن عباس قال: السقف المرفوع هو العرش، وهو سقف الجنة (٨).
(١) انظر: "الكشف البيان" ١١/ ١٩٤ أ - ب، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٦٠، "فتح القدير" ٥/ ٩٤، "روح المعاني" ٢٧/ ٢٧.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٨ أ.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨١، "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٩١.
(٤) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٦٠، عن الربيع بن أنس.
(٥) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٦٠.
(٦) انظر: "تفسير مجاهد" ٢/ ٦٢٤، "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٤٦، "جامع البيان" ٢٧/ ١٠، "العظمة" ٣/ ١٠٣٠.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٨ أ.
(٨) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٦٠، "فتح القدير" ٥/ ٩٤.
٦ - وقوله: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ قال الفراء: المسجور في كلام العرب المملوء (١). يقال: سجرت الإناء، إذا ملأته. قال لبيد:
فَتَوَسَّطا عُرْضَ السَّرِيِّ وَصَدَّعَا مَسْجُورَةً مُتَجَاوِرًا قُلاَّمُهَا (٢)
وقال المبرد: البحر المسجور المملوء عند العرب، وأنشد هو وأبو عبيدة للنمر بن تَوْلَبْ يصف وعلاً:
إذا شَاءَ طالَعَ مَسْجُورَةً تَرَى حَوْلَهَا النَّبْعَ والسَّاسَمَا (٣)
يريد: به عينًا مملوءة. وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء، والكلبي، ومقاتل قالوا: الممتلئ. وقال قتادة: المملوء (٤).
روى النزَّال بن سَبْرة عن علي رضي الله عنه قال: هو بحر تحت العرش فيه ماء غليظ، يقال له: بحر الحيوان، يمطر العباد بعد النفخة
(١) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ٩١.
(٢) البيت ورد في "ديوانه" ص ١٠، وفي "شرح المعلقات السبع" (معلقة لبيد) للزوزني ص ٨٢، "جمهرة أشعار العرب" ص ٦٨، "المُحتسب" ٢/ ٣٧١، وقوله: (قُلاَّمُهَا) ضرب من شجر الحمض، ويروى (أقلامها) وهو قصب اليراع. والسَّرِيُّ: النهر الصغير والجمع الأسرية.
والبيت في وصف العير والأتان، وقد توسطا جانب النهر الصغير وشقا عينًا مملوءة ماء، قد كثر نبتها.
(٣) في (ك): (والساسماير) والصواب ما أثبته.
والبيت في "ديوانه" ص ١٦٥، "الخزانة" ١١/ ٩٥، "مجاز القرآن" ٢/ ٢٣٠، "تفسير غريب القرآن" ص ٤٢٤ والنبع: شجر أصفر العود رزينة ثقيلة في اليد، إذا تقادم احمر.
والساسم: قيل هو جمع سِمْسِم، وقد يكون من الخشب يشبه الأبنوس. "اللسان" ١/ ٥٦٩ (نبع) ٢/ ١٤٢ (سسم).
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨١، "تفسير مقاتل" ١٢٨ أ، "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٤٧، "جامع البيان" ٢٧/ ١١.
479
الأولى منه أربعين صباحًا، فينبتون في قبورهم (١). وهذا قول الكلبي، ومقاتل، قالا: يحيي الله به الموتى فيما بين النفختين (٢).
وقال مجاهد ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ الموقد (٣). قال الليث: السجر إيقادك في التنور تسجره بالوقود سجرًا. والسَّجُورُ اسم الحطب (٤). وهذا قول الضحاك وشَمِر بن عطية، وكعب. قالوا: البحر المسجور يسجر فيزاد في نار جهنم (٥).
وقد روي هذا في الحديث: أن الله تعالى يجعل البحار كلها نارًا فتجعل نار جهنم (٦). قال المبرد: وهذا القول يرجع أصله إلى القول الأول؛ لأن معنى: سجرت التنور، ملأته حطبًا ونارًا (٧). قال الفراء: وكان علي رضي الله عنه يقول: مسجور بالنار. أي مملوء (٨).
وقال ابن عباس في رواية عطية: البحر المسجور هو اليابس الذي قد نضب ماؤه وذهب. وهو قول أبي العالية، ورواية ذي الرمة الشاعر، عن ابن
(١) انظر: "الكشف البيان" ١١/ ١٩٥ أ، "الوسيط" ٤/ ١٨٥، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٣٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٦٢.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٨ أ، "الوسيط" ٤/ ١٨٥.
(٣) انظر: "تفسير مجاهد" ٢/ ٦٢٤.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" ١٠/ ٥٧٥ (سجر).
(٥) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ١١، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٣٧، "الدر" ٦/ ١١ "ونسب إخراجه لأبي الشيخ عن كعب.
(٦) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٧/ ٤٨، وقال محققه: لم نقف على هذا الحديث سندًا فيما بين أيدينا من المصادر، وقد أورده بعض المفسرين كالمصنف بلا سند.
(٧) انظر: "اللسان" ٢/ ٩٩ (سجر).
(٨) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٩١.
480
عباس (١) وليس له رواية غير هذا (٢).
قال أبو زيد: المسجور يكون المملوء، ويكون الذي ليس فيه شيء (٣). أقسم الله تعالى بما ذكر من هذه الأشياء للتنبيه على ما فيها من عظم النعمة والعبرة من وجوب التدبير لذلك، وطلب ما فيها من دقائق الحكمة، والواو في قوله: ﴿وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾ وما بعدها من الواوات للعطف على المُقْسَم به، ولا يجوزأن يكون للقسم؛ لأن جواب القسم الأول وهو قوله: ﴿وَالطُّورِ﴾ لم يأت بعد، وإذا لم يأت جواب الأول، لم يجز أن يستأنف قسم آخر، وقد ذكرنا هذا الفصل في ابتداء سورة (ص) (٤).
٧ - وجوات هذه الأقسام قوله: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ (٥) قال ابن عباس والمفسرون: إن عذاب ربك للمشركين والكافرين والمنافقين لكائن (٦). يعني في الآخرة يدل عليه قوله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (٩)
(١) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ١٢، "الكشف البيان" ١١/ ١٩٥ أ، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٤٠.
(٢) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٦١، وقال: قاله ابن أبي داود.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" ١٠/ ٥٧٧، "اللسان" ٢/ ١٠٠ (سجر). وفي "النوادر" لأبي زيد ٥٨ قال: التسجير الامتلاء. يقال: بحر مسجور ومسجر. أي مملوء غاية الامتلاء.
واختار ابن جرير قول من قال: البحر المملوء المجموع ماؤه بعضه في بعض، ووجهه بأنه ليس موقدًا اليوم فهو مملوء. "جامع البيان" ٢٧/ ١١. وقال ابن الأنباري في "أضداده" ص ٤٤: والمسجور من الأضداد، يقال المسجور للمملوء والمسجور للفارغ....
(٤) عند تفسيره لآية (٢، ١) من سورة ص. وتقدمه [ص: ٦٩].
(٥) انظر: "اعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٢٤٩.
(٦) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٢، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٣٧.
وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا}.
قال أبو إسحاق: (يومَ) منصوب بقوله: ﴿لَوَاقِعٌ﴾ أي لواقع يوم القيامة (١). ومعنى المور في اللغة: الاختلاف والاضطراب والذهاب والمجيء والتردد.
والداغصة (٢) تمور في الركبة، والبعير يمور عضده مورًا، إذا مشى. وروى عمرو (٣) عن أبيه: المور الدوران، ويثال: مار يمور مورًا، إذا جعل يذهب ويجيء ويتردد، ومنه قوله:
٩ - ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا﴾ (٤). قال المبرد: أي تتحرك إما لسير وإما لدوران. قال ابن عباس، ومجاهد: تدور بما فيها دورانًا وتتكفأ تكفؤ السفينة وتضطرب وتتحرك وتستدير، كل هذا من عبارات المفسرين (٥).
١٠ - ﴿وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا﴾ قال ابن عباس: كسير السحاب اليوم في الدنيا (٦).
وقال مقاتل: تسير عن أماكنها حتى تستوي بالأرض (٧) وهذا
(١) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٦١.
(٢) الداغصة: عظم مدور يموج فوق رضف الركبة. والداغصة الشحمة التي تحت الجلدة الكائنة فوق الركبة. انظر: "القاموس المحيط" ٢/ ٣٠٣. "اللسان" ١/ ٩٨٩ (دغص).
(٣) هو: عمرو بن أبي عمرو الشيباني.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" ١٥/ ٢٩٧، "اللسان" ٣/ ٥٤٨ (مور).
(٥) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٢، "تفسير مقاتل" ١٢٨ أ، "جامع البيان" ٢٧/ ١٣. "معالم التنزيل" ٤/ ٢٣٧.
(٦) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٦٣.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٨، "الوسيط" ٤/ ١٨٥.
كقوله: ﴿وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا﴾ [الكهف: ٤٧] وقوله: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ﴾ [طه: ١٠٥] وقوله: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ﴾ [النمل: ٨٨] الآيات، وقد ذكر الله تعالى في الواقعة أنها تصير هباءً منثورًا (١)، ثم ذكر ما للمكذبين في ذلك اليوم بقوله:
١١ - ﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ قال الكلبي: الشدة من العذاب يومئذ للمكذبين بالإيمان (٢). وذكرنا قديمًا تفسير الويل (٣).
١٢ - ثم نعت هؤلاء المكذبين فقال: ﴿الَّذِينَ هُمْ في خَوْضٍ يَلْعَبُونَ﴾ ومعنى الخوض في اللغة الدخول في الماء، ثم يتفرع منه الدخول في الأمر بالقول (٤). وأراد بالخوض هاهنا خوضهم في حديث محمد بالتكذيب واللاستهزاء، ولهذا قال المفسرون: في باطل يلعبون. قال عطاء: يخوضون في تكذيبك ويلهون بذكرك (٥).
١٣ - قوله: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ﴾ يوم بدل من قوله: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ (٦) ومعنى
(١) قال تعالى: ﴿وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (٥) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا﴾. [الوقعه ٥، ٦].
(٢) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٨٥."معالم التنزيل" ٤/ ٢٣٨.
(٣) عند تفسيره لآية (٧٩) من سورة البقرة. قال: قال ابن عباس. الويل شدة العذاب. وقال الزجاج: الويل كلمة يستعملها كل واقع في هلكة وأصله في اللغة العذاب. وقال ابن قتيبه: قال الأصمعي: الويل تقبيح. وروى الأزهري عن أبي طالب النحوي أنه قال: قولهم: (ويله) كان أصلها (روي) وصلت بـ (له) ومعنى (روي) حزن له ومنه قولهم: ويه، معناه حزن أخرج مخرج الندب. والويل: حلول الشر، والويله: الفضيحه، والبلية. والويل كلمة عذاب. والهلاك يُدعى بمن له وقع في هلكة يستحقها. وانظر: "اللسان" ٣/ ٩٩٧ (ويل).
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" ٧/ ٤٦٦، "اللسان" ١/ ٩٢٠ (خوض).
(٥) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٨٥، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٣٨، "الجامع" للقرطبي ١٧/ ٦٤.
(٦) انظر: "مشكل اعراب القرآن" ٢/ ٢٣١.
الدَّع في اللغة: الدفع في قسوة وعنف. قال أبو عبيدة (١): دععت (٢) في قفاه، أي دفعت، ومنه قوله: ﴿يَدُعُّ الْيَتِيم﴾ [الماعون: ٢]، وأنشد الليث:
إذا القوم في المَحُلِ دَعُّوا اليَتِيمَا (٣)
قال عامة المفسرين: يدفعون إلى النار دفعًا على وجوههم (٤)، وقال قتادة: يزعجون إليها إزعاجًا (٥). وقال مجاهد: دفرًا في أقفيتهم (٦).
قال ابن الأعرابي: الدفر: الدفع (٧). قال مقاتل: يغلون أيديهم إلى أعناقهم، وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم وراء ظهورهم، ثم يدفعون إلى جهنم دفعًا على وجوههم، حتى إذا دنوا منها قال لهم خزنتها قوله:
١٤ - ﴿هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ (٨) قال ابن عباس: أي في الدنيا (٩).
ثم وبخوا بما كانوا يدعون في حال التكذيب قبل انكشاف الأمر، فقيل لهم لما عاينوا مصداق الخبر
١٥ - ﴿أَفَسِحْرٌ هَذَا﴾ أي هذا الذي ترون. والمعنى يعود إلى العذاب،
(١) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٣١.
(٢) في (ك): (دعت) والصواب ما أثبته.
(٣) لم أجده فيما اطلعت عليه.
(٤) اانظر: "جامع البيان" ٢٧/ ١٤، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٤١.
(٥) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٤٧، "جامع البيان" ٢٧/ ١٤.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٩٢، "اللسان" ١/ ٩٨٣ (دعع).
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" ١٤/ ١٠٢، "اللسان" ١/ ٩٩١ (دفر).
(٨) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٨/ ب، "الوسيط" ٤/ ١٨٥.
(٩) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٢.
ولذلك ذكر بلفظ التذكير في قوله: ﴿هَذَا﴾. قوله: ﴿أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ﴾ يريد: أم قد غطى على أبصاركم، وذلك أنهم كانوا يكذبون محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فيما يوعدهم من العذاب وينسبونه إلى السحر، وإلى أنه يسحر الناس ويغطي على أبصارهم بالسحر، ومنه قوله تعالى: ﴿لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا﴾ وقد مر (١). فلما شاهدوا ما وعدوا به من العذاب قيل لهم للتوبيخ والتبكيت: أفسحر ما ترون، أم قد غطي على أبصاركم فلا ترون كما كنتم تدعون في الدنيا أنه يفعل بكم. وهذا معنى قول مقاتل (٢). ويجوز أن يكون المعنى في قوله: ﴿أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ﴾ التهديد. يقول: أم لا تبصرون العذاب فتكذبون به كما كنتم تكذبون به في الدنيا إذا كنتم لا تبصرونه. فلما ألقوا فيها قالت لهم الخزنة:
١٦ - ﴿فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا﴾ أي: على العذاب ومقاساة حر النار ﴿سَوَاءٌ عَلَيْكُم﴾ قال أبو إسحاق: مرفوع بالابتداء والخبر محذوف. المعنى: سواء عليكم الصبر والجزع (٣). يدل على ذلك أنهم أقروا بهذا في قوله: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا﴾ [إبراهيم: ٢١].
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي الأمر جار عليكم بالعدل، ما جوزيتم إلا جزاء أعمالكم، والمعنى: إنما تجزون جزاء ما كنتم تعملون، أي الكفر والتكذيب.
١٨ - فقوله تعالى: ﴿فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾. قال ابن عباس،
(١) عند تفسيره لآية (١٥) من سورة الحجر.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٨ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٣٨.
(٣) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٦٢.
ومقاتل: معجبين (١). وذكرنا تفسير هذا الحرف في سورة يس (٢).
١٩ - قوله تعالى: ﴿هَنِيئًا﴾ يقال: هَنُؤَ يَهْنُؤ هَنَاءَةً فهو هنيء (٣). وهنيئًا هاهنا نعت محذوف على تقدير: إمتاعًا هنيئاً، وأمرهم بالأكل والشرب يدل على الإمتاع، كأنه قيل: أمتعتم بنعيم الجنة إمتاعًا هنيئًا، ويجوز أن يقول: أراد شربًا هنيئًا، أو أكلاً هنيئًا. واقتصر على صفة مصدر أحد الفعلين من الآخر. وقال الزجاج: (هنيئاً) صفة في موضع المصدر، أي: ليهنأكم ما صرتم إليه هنيئا (٤). وذكرنا تفسير الهنيء في أول سورة النساء (٥).
قال مقاتل: يعني حلالاً.
(١) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٣، "تفسير مقاتل" ١٢٨ ب.
(٢) عند تفسيره لآية (٥٥) من سورة يس قال: ﴿فَاكِهُونَ﴾ قال ابن عباس: ناعمون. وقال مقاتل وقتادة: أي معجبون بما هم فيه. وهو قول الحسن والكلبي. وهذان القولان عليهما أهل التفسير ولكل منهما أجل في اللغة. فمن قال فاكهين ناعمين، فاصله من الفكهية والفاكهة وهي المزاح والكلام الطيب. يقال: فاكهت القوم بملح الكلام مفاكهةً. روى أبو عبيد عن زيد: الفَكِهُ الطيب النفس الضحوك.. ومن قال الفاكهة المعجب فإن العرب تقول: فكهنا من كذا أي تعجبنا. ومنه قوله تعالى: ﴿فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ﴾ أي تعجبون. وانظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٦٣، "تهذيب اللغة" ٦/ ٢٥ (فكه)، "الأضداد" لابن الأنبارى ٥٤.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" ٦/ ٤٣٣ (هنا) ذكره عن الليث.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٦٣.
(٥) عند تفسيره لآية (٤) من سورة النساء. ومما قال: قال الأصمعي: يقال في الدعاء للرجل: هنئت ولا تَنْكَه. أي أصبت خيرًا ولا أصابك التفسير. وقال أبو الهيثم: معنى قوله ﴿هنئت﴾ يريد ظفرت على الدعاء له. وأصل الهنيء من الهناء. وهو معالجة الجرب بالقطران. فالهنيء شفاء من المرض كالهناء شفاء من الجرب، قال المفسرون: معنى الهنيء الطيب المساغ الذي لا ينغصه شيء.
وقال الكلبي: ﴿هَنِيئًا﴾ لا يموتون (١). ومقاتل ذهب إلى أن الحرام وخيم العاقبة، وطعام الجنة لما كان مأمون العاقبة وصف بالهنيء. وذهب الكلبي إلى أن الموت ينغص النعمة، ولما كان أهل الجنة يأمنوا الموت وصف نعيمهم بالهنيء.
٢٠ - قوله تعالي: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ﴾ تفسير هذه الحروف قد تقدَّم فيما سبق.
ووصف ابن عباس هذه السرر فيما روي عنه عطاء قال: يريد من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت، والسرير مثل ما بين مكة وأيْلة (٢).
وقال الكلبي: طول السرير في السماء مائة عام، فإذا أراد الرجل أن يجلس عليه تواضع له حتى يجلس عليه، فإذا جلس عليه ارتفع به إلى مكانه (٣).
قوله تعالي: ﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ ذكرنا تفسيره في آخر سورة الدخان (٤).
٢١ - قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ قال ابن عباس: يعني المهاجرين والأنصار والتابعين (٥).
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٨ ب.
(٢) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٦٥، "فتح القدير" ٥/ ٩٦.
(٣) انظر: "الوسيط" ٣/ ٤٦، "التفسير الكبير" ١٩/ ١٥٣، "القرطبي" ١٠/ ٣٣، "روح المعاني" ١٤/ ٥٩، وأيْلَةُ بالفتح مدينة على ساحل البحر الأحمر ممل يلي الشام، وقيل: هي آخر الحجاز وأول الشام. انظر: "معجم البلدان" ١/ ٣٤٧.
(٤) عند تفسيره لآية (٥٤) من سورة الدخان وملخصه: أن الله تعالى أنكحهم في الجنة الحور العين، والحور في اللغة البيض وقيل الحسان الأعين.
(٥) انظر: "الحامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٦٧، "روح المعاني" ٢٧/ ٣٢، وقال (لكن =
487
﴿وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ﴾ اختلفوا في أن هذا الإيمان من المؤمنين الذين ذكروا في قوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ أم من الذرية؟ فقال قتادة: بإيمان من الذرية (١)، والمعنى: واتبعتهم ذريتهم في الإيمان؛ لأن الذرية إذا لم تتبع الأصل بالإيمان لم تجتمع معه في الجنة. وعلى هذا المراد بالذرية الكبار. ويجوز أن يكون المراد بالإيمان إيمان الذين آمنوا (٢).
والمعنى: وأتبعهم بإيمان من الآباء ذريتهم، والذرية تتبع الآباء وإن كانت صغارًا في كثير من أحكام الإيمان وهو الميراث، والدفن في مقابر المسلمين، وحكمهم حكم الآباء في أحكامهم، إلا فيما كان موضوعًا عن الصغير لصغره. وعلى هذا القول، المراد بالذرية: الصغار.
قال أبو علي: فإن جعلت الذرية للكبار (٣) كان قوله: ﴿بِإِيمَانٍ﴾ حالاً من الفاعلين الذين هم ذريتهم (٤). وكلا القولين مروي عن ابن عباس (٥). والوجه أن تحمل الذرية على ما بينَّا. وعلى هذه الجملة يدل كلام
= لا أظن صحته). وقال الشوكاني: وقيل المراد بالذين آمنوا المهاجرون والأنصار فقط، وظاهر الآية العموم، ولا يوجب تخصيصها بالمهاجرين والأنصار، كونهم السبب في نزولها إن صح ذلك، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. انظر: "فتح القدير" ٥/ ٩٨.
(١) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٤٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٦٦.
(٢) وهو المروي عن ابن عباس، والضحاك.
انظر: "جامع البيان" ١٧/ ١٥، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٣٩.
(٣) في (ك): (فإذا حملت الذرية الكبار) والصواب ما أثبته.
(٤) انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٢٥٥.
(٥) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ١٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٦٦.
488
المفسرين (١).
والذرية تقع على الصغير والكبير، والواحد والكثير (٢). فمن وقوعها على الصغير الواحد قوله: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ [آل عمران: ٣٨] ومن وقوعها على الكبار البالغين قوله: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ﴾ [الأنعام: ٨٤].
ومن وقوعها على الكبير قوله: ﴿مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ﴾ [مريم: ٥٨]. روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه" ثم قرأ هذه الآية (٣).
وقال عبد الله في هذه الآية: الرجل يكون له القِدم وتكون له الذرية فيدخل الجنة فيرفعون إليه لتقر بهم عينه وإن لم يبلغوا ذلك (٤).
وقال أبو مجلز: يجمعهم الله له ما كان يحب أن يُجْمعوا له في الدنيا (٥). وقال الشعبي: أدخل الله الذرية بعمل الآباء الجنة (٦).
(١) انظر "الكشف البيان" ١١/ ١٩٦ ب، "الوسيط" ٤/ ١٦، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٣٩.
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" ١٥/ ٣ (ذرأ).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٢٤٧ موقوفًا على ابن عباس، والحاكم في مستدركه، كتاب: التفسير، سورة الطور ٢/ ٤٦٨، والبزار عن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه قيس بن الربيع. وثقه شعبة والثوري وفيه ضعف.
انظر: "مجمع الزوائد" ٧/ ١١٤، وأخرجه ابن جرير في "تفسيره" ٢٧/ ١٥، "البحر المحيط" ٨/ ١٤٨، وانظر: "تخريجات الكشاف" ص١٦٠، "الصواعق المرسلة" ١/ ٣٩١ - ٣٩٢، "التفسير القيم" ص ٤٤٩. وبه قال الجمهور.
(٤) انظر: "التفسير القيم" ص ٤٥١.
(٥) انظر: "الدر" ٦/ ١١٩، ونسب إخراجه لابن المنذر.
(٦) انظر: "حامع البيان" ٢٧/ ١٦.
489
وقال الكلبي عن ابن عباس: إن كان الآباء أرفع درجة من الأبناء رفع الله الأبناء إلى الآباء، وإن كان الأبناء أرفع درجة من الآباء رفع الله الآباء إلى الأبناء. وهذا القول اختيار الفراء (١). والآباء على هذا القول داخلون في اسم الذرية.
وذكرنا جواز ذلك عند قوله: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ (٢) عني بالذرية الآباء. والأكثرون على القول الأول. وهو أن الأبناء يلحقون بدرجة الآباء.
قال إبراهيم: أعطوا مثل أجور آبائهم ولم ينقص الآباء من أجورهم شيئًا (٣). وهو اختيار الزجاج. قال: تأويل الآية أن الأبناء يلحقون بالآباء إذا كانت مراتب الآباء في الجنة أعلى من مراتبهم، ولم ينقص الآباء من أجورهم شيئًا (٤). وذلك قوله: ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ وذكرنا تفسير الألت عند قوله: ﴿لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا﴾ (٥) والقراء على فتح اللام
(١) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ٩٢، "القرطبي" ١٧/ ٦، "التفسير القيم" ص ٤٥١.
(٢) عند تفسيره لآية (٤١) من سورة يس. ومما قال: قال ثعلب: الذرية تقع على الآباء. وقال الفراء: جعل الذرية التي كانت مع نوح لأهل مكة لأنها أصل لهم، وقال الزجاج: قيل لأهل مكة (حملنا ذريتهم) لأن من حمل مع نوح فهم أباؤهم وذرياتهم. فهذه الأقوال تدل على أن الآباء يجوز أن تسمى ذرية الأبناء. وقد كشف صاحب النظم عن هذا فقال: جعل الله الآباء ذرية للأبناء. وجاز ذلك لأن الذرية مأخوذة من ذرأ الله الخلق فسمى الولد ذرية لأنه ذري من الأب فكما جاز أن يقال للولد ذرية لأبيه لأنه ذري منه كذلك يجوز أن يقال للأب ذرية للابن ابنه ذري منه.
(٣) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ١٦، "الدر" ٦/ ١١٩، وزاد نسبة إخراجه لابن المنذر وهناد.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٦٥ - ٦٦.
(٥) عند تفسيره للآية (١٤) من سورة الحجرات، ومما قال: لاتَ اجتمع أربع لغات: أَلَتَ، وآلَتَ، ولاَتَ، وأَلاَتَ. كلها معناها النقصان. قال ابن عباس ومقاتل: لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئًا. انظر: "البسيط" ٦٥٦ بتحقيق السحيباني.
490
في: (ألتناهم) وهو الأشهر الأعرف.
وقرأ ابن كثير بكسر اللام (١). ويشبه أن يكون ذلك لغة، فقد جاءت حروف على فَعِلَ وفَعَلَ، مثل: نَقِمَ يَنْقَمُ، ونَقَم يَنْقِم.
وقد رويت هذه القراءة عن يحيى بن يعمر، ومكانه مكانه (٢).
قال ابن عباس: لم تنقص الآباء من الثواب حين ألحقنا بهم ذرياتهم (٣). وهذه الآية رد ظاهر على القدرية حين أنكروا أن يعطي الله تعالى ذكره مؤمنًا من فضله ما لا يستحقه بعمله. وتم الكلام عند قوله: ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ (٤)، ثم ابتدأ: ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ قال ابن عباس: ارتهن أهل جهنم بأعمالهم (٥). أي أخذوا وحبسوا في جهنم، ولكن الكلام في نفس الآية يدل على ما ذكر؛ لأن الله وصف منازل أهل الجنة، ثم ذكر أهل النار وأنهم ارتهنوا بعملهم، فدل معنى الكلام على أنهم معذبون، فإن أهل الجنة في نعيمهم.
وقال مقاتل: كل امرئ كافر بما عمل من الشرك مرتهن في النار (٦). ويدل على صحة ما ذكر ما قال الكلبي، وهو أن الله تعالى استثنى المؤمنين في قوله: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ﴾ (٧) فدل على أن
(١) انظر: "حجة القراءات السبع" ص ٦٢، "النشر" ٢/ ٣٧٧، "الإتحاف" ص ٤٠٠.
(٢) انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٢٢٦.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٤، "جامع البيان" ٢٧/ ١٧، "الوسيط" ٤/ ١٨٧.
(٤) انظر: "القطع والائتناف" ص ٦٦ قال: وهو قول أبي حاتم.
(٥) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٦٨.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٨ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٣٩.
(٧) آية (٣٨، ٣٩) من سورة المدثر. ولم أجد القول عن الكلبي أو غيره.
491
المراد بقوله: ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ الكافر لا المسلم (١).
ثم ذكر ما يزيدهم (٢) من الخير والنعمة فقال:
٢٢ - ﴿وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ قال ابن عباس: يعني غير الذي كان لهم زيادة من الله تعالى أمدهم بها (٣). قال الكلبي، ومقاتل: يعنى غير الذي كان لهم زيادة من الله تعالى أمدهم بها.
٢٣ - ﴿يَتَنَازَعُونَ﴾ يتعاطون (٤) والمعنى أن هذا يأخذ من يد هذا وهذا يأخذ من يد هذا كالشيء المتنازع فيه، تنزعه من صاحبك، وصاحبك ينزعه منك. هذا هو الأصل ثم صار التنازع اسمًا للتناول، والمنازعة اسمًا للمناولة (٥) وقال الأعشى:
نازَعتُهُمْ قُضُبَ الرّيْحَانِ مُتّكئا وَقَهْوَةً مُزّةً رَاوُقُهَا خَضِلُ (٦)
وقال الأخطل:
نازَعْتُهمُ طَيِّبَ الرَّاحِ الشَّمُولِ وقد صَاحَ الدَّجَاجُ وحاَنتْ وَقْعَةُ السَّاري (٧)
(١) واختيار ابن جرير، والنحاس، وابن كثير، وغيرهم العموم، وأن كل إنسان مرتهن بعمله، فإن قام به على الوجه الذي أمره الله به فكه، وإلا أهلكه. انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ١٧، "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٢٥٣، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٤٢، "فتح القدير" ٥/ ٩٨.
(٢) في (ك): (ما يزيد) والتصويب من الوسيط.
(٣) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٨، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٣٩.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٨ ب، "جامع البيان" ٢٧/ ١٧.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤١، "اللسان" ٣/ ٦١٦ (نزع).
(٦) انظر: "ديوان النابغة" ص ١٤٧، والقهوة: الخمر، والراووق: إناء الخمر، والخضل: الندي.
(٧) انظر: "ديوان الأخطل" ١٠/ ١٩٨، "مجاز القرآن" ٢/ ٢٢٣، ومعنى (نازعته) ناولته. والشمول: الطيبة الريح.
492
وجميع أهل اللغة قالوا في معنى (يتنازعون): يتعاطون. وهو قول أبي عبيدة، والمبرد، والزجاج، وابن قتيبة (١).
قوله تعالى: ﴿فِيهَا كَأْسًا﴾ قال ابن عباس، ومقاتل، يعني الخمر (٢). وقد ذكرنا أن الكأس معناه الإناء فيه الشراب، فإذا كان فارغًا فليس بكأس، ولما لم ينفك الكأس عما فيه، جاز أن يسمى ما فيه باسم الكأس (٣).
قوله تعالى: ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ قال ابن عباس: يريد لا يلغون ولا يأثمون (٤). وعبارات المفسرين مختلفة الألفاظ، فقد قالوا: لا فضول ولا باطل ولا سباب ولا تخاصم فيها (٥).
قال أبو إسحاق: أي لا يجري بينهم ما يُلْغَى، ولا ما فيه إثم كما يجري في الدنيا لشربة الخمر (٦).
وقال ابن قتيبة: أي: لا يذهب بعقولهم فيلغوا ويرفثوا كما يكون من خمر الدنيا (٧). فإذا لم يذهب بعقولهم لم يكن منهم ما يؤثم. والتأثيم تفعيل
(١) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٣٢، "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٦٣ "غريب القرآن" ٤٢٥.
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٤، "تفسير مقاتل" ١٢٨ ب.
(٣) انظر: "المفردات" ٤٤٣، "تهذيب اللغة" ١٠/ ٣١٣ (كيس)، "اللسان" ٣/ ٢٠٦ (كأس).
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٤، "جامع البيان" ٢٧/ ١٧.
(٥) انظر: "تفسير مجاهد" ٢/ ٦٢٤، "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٤٨، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٤٢.
(٦) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٦٣
(٧) انظر: "تفسير غريب القرآن" ص ٤٢٥.
493
من الإثم. يقال: أثمه، إذا جعله ذا إثم. يعني أن تلك الكأس لا تجعلهم آثمين. والكلام في التنوين وتركه في مثل هذا قد تقدم عند قوله: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ﴾ (١).
وقوله: ﴿فِيهَا﴾ من قوله: ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا﴾ في موضع رفع بأنه خبر مبتدأ على قول سيبويه؛ لأنه خبر عن قوله: ﴿لَا لَغْوٌ﴾ والتقدير: لا لغو فيها ولا تأثيم فيها، واستغني عن ذكر خبر الثاني لدلالة خبر الأول عليه كقوله: زيد منطلق وعمرو (٢).
٢٤ - قوله تعالى: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ﴾ قال الكلبي: بالخدمة غلمان لهم (٣). قال مقاتل: لا يكبرون أبدًا (٤). ﴿كَأَنَّهُمْ﴾ في الحسن والبياض ﴿لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ﴾ في الصدف لم تمسه الأيدي ولم تره الأعين.
وقال عطاء: يريد مثل اللؤلؤ حين يخرج من أصدافه قبل أن يصيبه الطيب والدهن (٥).
(١) عند تفسيره لآية (١٩٧) من سورة البقرة. وفي قوله ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ قرأ ابن كثيرن وأبو عمرو، ويعقوب: ﴿لَغْوٌ * تَأْثِيمٌ﴾، بالنصب وقرأ الباقون ﴿لَغْوٌ * تَأْثِيمٌ﴾ بالرفع والتنوين.
انظر: "حجة القراءات": ٦٨٣، "النشر" ٢/ ٢١١، "الإتحاف" ١٣٤. وفي قوله
تعالى: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ﴾ بالرفع والتنوين، وقرأ الباقون بالفتح من غير تنوين. انظر: "البسيط" ١/ ١٢٢ أ - ب، الحجة ٢/ ٢٨٦، "النشر" ٢/ ٢١١، "الإتحاف" ص ١٣٥.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٠، ٥/ ٦٣، "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٢٢٦.
(٣) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٨٨، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤٠.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٨ ب، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٦٩.
(٥) لم أجده.
494
ومعنى: ﴿مَكْنُونٌ﴾ مصون فيما تكنه أي تستره (١). ذكرنا تفسير هذا الحرف في مواضع، وعلى ما ذكر مقاتل، وعطاء: أراد أنه مكنون في الصدف (٢). وقال الكلبي: قد خُبِّئ وكُنَّ من الحر والقر والمطر فلم يتغير (٣). وعلى هذا هو مكنون في غير الصدف. قال الحسن في هذه الآية: قالوا: يا رسول الله، الخادم كاللؤلؤ، فكيف بالمخدوم؟ قال: "كما بين القمر ليلة البدر والكوكب" (٤). ونحو هذا ذكر قتادة (٥).
وروت عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينادي الخادم من خدمه فيجيبه ألف يناديه كلهم لبيك لبيك" (٦).
وقال أبو عبد الرحمن المعافري (٧): إنه ليصف الرجل من أهل الجنة
(١) الكِنُّ والكنَّةُ والكِنانُ: وقِاء كل شيء وسِترهُ، والكِنُّ: البيت أيضًا. والجمع أكنْانٌ وأكنَّةٌ، "اللسان" ٣/ ٣٠٤ (كَنَنَ).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٨ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤٠.
(٣) لم أجده عن الكلبي، وفي "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٤، قال: (قد كن من الحر والبرد والقر).
والقُرُّ: هو البرد عامة. وقال بعضهم: القُرُّ في الشتاء والبرد في الشتاء والصيف، "اللسان" ٣/ ٥٢ (قرر).
(٤) أخرجه الثعلبي من رواية الحسن مرسلًا. انظر: "الكشف البيان" ١١/ ١٩٧ ب، تخريجات الكشاف: ١٦٠.
(٥) أخرجه عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر.
انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٤٨، "جامع البيان" ٢٧/ ١٨، "الدر" ٦/ ١١٩.
(٦) أخرج الثعلبي من رواية عمر بن عبد العزيز البصري، عن يوسف بن أبي طيبة، عن وكيع، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة نحوه. انظر: "الكشف البيان" ١١/ ١٩٧ ب، "تخريجات الكشاف" ص ١٦٠.
(٧) لم أجد ترجمته.
495
سماطان لا يرى طرفهما من غلمانه حتى إذا مر مشوا وراءه (١).
وقال حميد بن هلال (٢): ذكرنا أن الرجل إذا دخل الجنة صور صورة أهل الجنة وألبس لباسهم، وحُلِّي حليهم، وأُري أزواجه وخدمه، أخذه سوار فرح لو كان ينبغي له أن يموت لمات من سوار فرح، فيقال له: أرأيت سوار فرحتك، فإنها قائمة لك أبدًا (٣).
٢٧ - قوله تعالى: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ قال ابن عباس: يتذاكرون ما كانوا فيه في الدنيا من التعب والنصب والخوف (٤). وقال مقاتل: زار بعضهم بعضًا فتساءلوا بينهم ما كانوا فيه من المشقة في الدنيا فذلك قوله:
٢٨ - ﴿إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ﴾ أي في دار الدنيا مشفقين من العذاب.
٢٩ - ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا﴾ بالمغفرة ﴿وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ يعني جهنم الحارة (٥). ونحو هذا قال الحسن في السموم أنه من أسماء جهنم (٦).
وقال عطاء: يريد الطبق السابع من جهنم وهو الأعلى (٧).
(١) لم أجد هذا القول.
(٢) حميد بن هلال العدوي، أبو نصر البصري، ثقة، عالم، توقف فيه ابن سيرين لدخوله عمل السلطان. انظر: "تقريب التهذيب" ١/ ٢٠٤، "صفة الصفوة" ٣/ ٢٦٠، "سير أعلام النبلاء" ٥/ ٣٠٩.
(٣) انظر: "صفة الصفوه" ٣/ ٢٦٠.
(٤) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٨٨، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤٠. ومعنى قوله: أخذه سوار الفرح، أي: دَبَّ فيه الفرح دَبيبَ الشَّرَاب. انظر: "اللسان" ٢/ ٢٣٧ (سور).
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٨ ب، ١٢٩ أ.
(٦) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤٠، "زاد المسير" ٨/ ٥٣، "القرطبي" ١٧/ ٧٠.
(٧) لم أجده.
496
وقال الكلبي: (عذاب السموم) عذاب النار (١). وهو قول أبي عبيدة (٢). ومعنى السموم في اللغة: الريح الحارة تكون بالنهار، وقد تكون بالليل أيضًا.
قال أهل المعاني: معنى السموم الحر الذي يدخل في مسام البدن بما يوجب ألمه، ومنه ريح السموم، ومسام البدن الخروق الدقاق، وعلى هذا حر جهنم وحر النار مما يدخل في مسام البدن (٣).
وقال أبو إسحاق: ﴿عَذَابَ السَّمُوم﴾ أي سموم جهنم (٤). وعلى هذا سموم جهنم ما يوجد من لفح أوارها (٥) وحرارة لهوبها كالريح الحارة الي تهب فتؤذي الإنسان. فكأنهم قالوا: وقانا الله حر جهنم حتى لم يصبنا وهج نارها.
قال (٦): وسياق هذه الآيات يدل على أنهم يتساءلون في الجنة عن أحوالهم التي كانت في الدنيا، كأن بعضهم يقول لبعض: بم صوت إلى هذه المنزلة؟ وفي الكلام دليل على ذلك، وهو قولهم في جواب المسألة: ﴿إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ﴾ أي من المصير إلى عذاب الله فعملنا بطاعته (٧).
(١) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٨٨، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤٠، "زاد المسير" ص ٥٣.
(٢) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٣٣.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" ١٢/ ٣٢٠، "اللسان" ٢/ ٢٠٨ (سمم).
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٦٤.
(٥) وَرَتِ النارُ تَرِي وَرْيًا ورِيةً حَسَنةُ. اتَّقد، وأوْرَيتُ النار أوريها إيراء. "اللسان" ٣/ ٩١٦ (ورى).
(٦) أي الزجاج.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٦٤.
497
قال إبراهيم التيمي: ينبغي لمن لم يحزن في الدنيا ولم يخف، أن يكون من أهل النار، وأن لا يكون من أهل الجنة؛ لأنهم قالوا: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ [فاطر: ٣٤] وقالوا:
٢٨ - ﴿إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ﴾ (١). ثم قرنوا الجواب مع ذلك
بالإخلاص والتوحيد وهو قوله تعالى: ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ أي نوحده ولا ندعو إلهًا غيره. وهو قول ابن عباس (٢).
وقوله: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ وقرئ ﴿أَنَّهُ﴾ بالفتح (٣).
والمعنى: ندعوه لأنه هو البر الرحيم. أي فلرحمته يجيب من دعاه، فلذلك ندعوه، ومن كسر الهمزة قطع الكلام مما قبله واستأنف (٤)، وهو اختيار أبي عبيد قال: نقرؤها كسرًا على الابتداء، أي إن ربنا كذلك على كل حال. قال: ومن نصب أراد ندعوه لأنه، أو بأنه. فيصير المعنى: أنه يدعى من أجل هذا (٥).
والتأويل الأول أعم وأحب إليّ، قال المبرد: قال أبو عبيد: الكسر أعم، ولا وجه له؛ لأن قوله ﴿إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ بمعنى لأنه، أو بأنه دائم ثابت في الله -عز وجل- مثل قولهم لو ابتدأوا فقالوا: إنه، وأما قوله: من نصب يصير المعنى فيه أن الله يدعى من أجل هذا، فهو كما وصف، وليس
(١) انظر: "صفة الصفوة" ٣/ ٩١.
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٦، "جامع البيان" ٢٧/ ١٨.
(٣) قرأ نافع، والكسائي، وأبو جعفر "أنه" بالفتح، وقرأ الباقون "إنه" بالكسر. انظر: "حجة القراءات" ص ٦٨٤، "النشر" ٢/ ٣٧٨، "الإتحاف" ص ٤٠١.
(٤) انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٢٢٧.
(٥) انظر: "حجة القراءات" ص ٦٨٤.
في هذا علة توهن هذه القراءة، وإنما يدعو المسلمون ويستغفرون ربهم لأنه الغفور الرحيم. والمعنى في القراءتين يؤول إلى شيء واحد والله أعلم (١).
قال الكلبي ومقاتل: إنه هو البر الصادق فيما وعد أولياءه، الرحيم بالمؤمنين (٢).
٢٩ - قوله ﴿فَذَكِّرْ﴾ قال المفسرون: فعظ بالقرآن أهل مكة. والمعنى: ذكرهم بما أعتدنا للمؤمنين والكافرين.
﴿فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ﴾ قال ابن عباس، ومقاتل: برحمة ربك عليك (٣). والمعنى: بإنعامه عليك بالنبوة ورحمته إياك حتى عصمك وطهرك (٤).
قوله: ﴿بِكَاهِنٍ﴾ يقال: كَهَنَ الرجل يَكْهَنُ كَهانةً، مثل: كتب يكتب كتابة، وقَلّ ما يقال إلا تَكَهَّنَ الرجل، ويقال: كهن لهم، إذا قال لهم قول الكهنة (٥)، وهم الذين كانت الشياطين تلقي إليهم ما يسترقون فيخبرون الناس به، وكانت الكهانة في العرب قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما بعث ومنعت الشياطين من استراق السمع بطل علم الكهانة (٦).
(١) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٢٥٤.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٩ أ.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٩ أ، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤٠.
(٤) وفي "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٦، قال: بالنبوة والإسلام.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" ٦/ ٢٤، "اللسان" ٣/ ٣٠٩ (كهن) وهو قول الليث.
(٦) انظر: "فتح الباري" ١٠/ ٢١٦ - ٢١٩، ومما نقله عن القرطبي قوله: (كانوا في الجاهلية يترافعون إلى الكهان في الوقائع والأحكام ويرجعون إلى أقوالهم، وقد انقطت الكهانة بالبعثة المحمدية، لكن بقي في الوجود من يتشبه بهم..).
قال المفسرون: ما أنت بكاهن تبتدع القول وتخبر بما في غد من غير وحي. أي لست تقول ما تقوله (١) كهانة، ولا تنطق إلا بوحي. والكاهن الذي يوهم أنه يعلم الغيبَ بطريق خدمة الجن إياه وإخبارهم، والمجنون المارق الذي يغطي على عقله. وهذا جواب لكفار مكة حين قالوا: إنه كاهن ومجنون وشاعر، وقد علموا أنه ليس كما قالوا، ولكنهم قالوا ذلك على جهة الكذيب ليستريحوا إلى ذلك كما يستريح السفهاء إلى التكذيب على أعدائهم.
٣٠ - قوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ﴾ أي بل أيقولون: ﴿شَاعِرٌ﴾ أي هو شاعر ﴿نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ ريب الدهر صروفه وحوادثه من قولهم: رابه الأمر ريبًا، أي نابه وأصابه (٢). والمنون الدهر في قول الفراء (٣)، والأصمعي، والكسائي، وأصله من المنّ بمعنى القطع، وذلك أنه يقطع الأعمال.
قال الفراء: المنون يذكر ويؤنث، فمن ذكره أراد به الدهر، ومن أنث أراد المنية. وقول الهذلي (٤):
أَمِنَ الَمُنونِ وَرَيْبِهِ تَتَوَجَّعُ
روي بالوجهين.
وقال الكسائي: المنون واحد في اللفظ، وقد يذهب به مذهب الجماع وأنشد قول عدي:
(١) في (ك): (مقول).
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" ١٥/ ٢٥٢، "اللسان" ١/ ١٢٦٣ (ريب).
(٣) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ٩٣.
(٤) البيت في "ديوانه" ص ٨٧، "الخصائص" ١/ ٩٤، "شرح المفصل" لابن يعيش ٤/ ١٠، "المذكر والمؤنث" ص ٢٢٧.
500
مَنْ رأيْتَ المَنُونَ عَدّيْنَ أم من ذا عَلَيْه من أن يُضَامَ خَفِيرُ (١)
عدين: أي تركن وجاوزن.
قال: والعرب تقول: لا أكلمك آخر المنون. أي: آخر الدهر (٢) وكلا القولين في المنون ذكره المفسرون.
قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد حدثان الموت (٣).
وقال الكلبي عنه: أوجاع الموت (٤).
وقال مقاتل: يعني الموت. وهو قول مقاتل (٥).
وقال مجاهد: حوادث الدهر (٦). والمعنى: ما يصيبه من الدهر أو من الموت. ومعنى التربص بالشيء: انتظار الدوائر به. وأنشد ابن عباس:
(١) هو عدي بن زيد العبادي، والبيت في ديوانه.
(٢) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٨٩، ولم ينسبه.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٦.
(٤) لعل مراد المؤلف رحمه الله من قوله (وقال مقاتل) أي فيما يرويه عن ابن عباس، حيث روى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبخاري عن ابن عباس في قوله ﴿رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ قال: الموت. وفي "تفسير مقاتل" قال: حوادث الدهر.
انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٩ أ، "جامع البيان" ٢٧/ ١٩، "فتح الباري" ٨/ ٦٠٢، "الدر" ٦/ ١٢٠.
(٥) انظر: "تفسير مجاهد" ٢/ ٦٢٦، "جامع البيان" ٢٧/ ١٩.
(٦) أخرجه ابن الأنباري عن ابن عباس في الوقف والابتداء، وابن دريد في "الجمهرة" ١/ ٢٥٩، وفي "اللسان" ١/ ١١٠٦ (ربص) ولم ينسبه لقائل. والذي ذكره المفسرون لا يدل على إنشاد ابن عباس لهذا البيت، وإنما ذكروا قوله ثم قالوا: وقال الشاعر، وربما ذكروا القول ونسبوه لغيره.
انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ١٩، "القرطبي" ١٧/ ٧٢، "فتح القدير" ٥/ ٩٩.
501
تَربَّصْ بها رَيْبَ المَنُونِ لعلّها تُطَلَّقُ يومًا أو يَمُوتُ حَلِيلهُا (١)
قال المفسرون: قال المشركون: ننتظر بمحمد الموت وحوادث الدهر فيهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة، وأن أباه توفي شابًّا ونحن نرجو أن يموت كما مات أبوه شابًّا (٢). وقال الأخفش: يريد نتربص به إلى ريب المنون، فحذف الجر كما تقول:
قصدت زيدًا وقصدت إلى زيد، وعمدت زيدًا وعمدت إلى زيد (٣)
وأصله من المنِّ، قال الله تعالى:
٣١ - ﴿قُلْ تَرَبَّصُوا﴾ قال الكلبي: انتظروا بي الموت ﴿فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ﴾ بكم من المنتظرين عذابكم، فعذبوا يوم بدر بالسيف، وهو قول جماعة المفسرين (٤).
قال أبو إسحاق: وجاء في التفسير أن هؤلاء الذين قالوا هذا هلكوا كلهم قبل وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٥).
٣٢ - قوله تعالى: ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد التكذيب (٦). يعني أن الله تعالى أشار بقوله: ﴿بِهَذَا﴾ إلى ما ذكر
(١) أخرج ابن جرير نحوه عن ابن عباس بإسناد حسن، وأخرجه ابن إسحاق في السيرة. انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ١٩، "فتح الباري" ٨/ ٦٠٢، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤٠، "مرويات ابن عباس" للحميدي ٢/ ٨٢٩.
(٢) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٧٢، "فتح القديرِ" ٥/ ٩٩.
(٣) في "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٩٧، قال: وقال ﴿نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ لأنك تقول: تربصتُ زيدًا، أي تربصت به.
(٤) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٨٩، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤١، "القرطبي" ١٧/ ٧٣.
(٥) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٦٥.
(٦) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٦.
502
عنهم مما يدل على تكذيبهم. يقول: أم تأمرهم أحلامهم بترك القبول ممن يدعوهم إلى التوحيد، ويأتيهم على ذلك بالدلائل، وهم يعبدون أحجارًا.
قال الفراء: الأحلام في هذا الموضع العقول والألباب (١). وكانت عظماء قريش توصف بالأحلام والنهى، وبأنهم أولوا العقول فقال الله تعالى -منكرًا عليهم-: أتأمرهم أحلامهم بهذا. وهذا تهكم وإزراء (٢) بأحلامهم، وأنها لم تثمر لهم معرفة الحق من الباطل (٣)، وفيه رد على من يوجب شيئًا بالعقل، وأن الهدى يكتسب بالعقل.
وقوله: ﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ أي: أم يكفرون طغيانًا، وقد ظهر لهم الحق. وأول الآية إنكار عليهم، وآخرها إيجاب. وهو قوله: ﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد حملهم الطغيان على تكذيبك (٤). ومثل هذه الآية في النظم قوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ﴾ قال عطاء: افتعله (٥).
وقال الكلبي: تكذّبه من تلقاء نفسه (٦).
وقال مقاتل: اختلق محمد القرآن من تلقاء نفسه (٧).
والتقوّل: تكلف القول، ولا يستعمل إلا في الكذب، لأنه تكلف القول من غير حقيقة بمعنى يرجع إلى أجل (٨).
(١) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ٩٣.
(٢) أزرى بالشيء إزراء: تهاون به. انظر: المصباح (زرى).
(٣) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ١٩، "الوسيط" ٤/ ١٨٩، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤١.
(٤) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٨٩.
(٥) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٧٣.
(٦) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٧، "الوسيط" ٤/ ١٨٩.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٩ أ.
(٨) انظر: "تهذيب اللغة" ٩/ ٣١١، "اللسان" ٣/ ١٠٨٩ (قول) "الجامع لأحكام =
503
قوله تعالى: ﴿بَلْ﴾ أي ليس الأمر على ما زعموا ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ بالقرآن استكبارًا. ثم ألزمهم الحجة على أنهم كذبوا فيما قالوا بقوله:
٣٣ - ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ﴾ أي: إذ قالوا إن محمدًا تقوّله، فقد زعموا أنه من قول البشر فليقولوا مثله.
قال ابن عباس، ومقاتل: بقرآن من تلقاء أنفسهم مثل هذا القرآن كما جاء به ﴿إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ أن محمدًا تقوّله (١). وهذا في دليل على الإعجاز؛ لأن الله تعالى تحداهم بالقرآن فما رام أحد منهم أن يعارضه بشيء واللسان لسانهم.
٣٥ - ثم احتج عليهم بابتداء الخلق:
قوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد من غير نطفة ولا طين (٢).
وقال الكلبي: من غير أب (٣).
وقال مقاتل: أكانوا خلقًا من غير شيء هكذا (٤).
والمعنى: أوجدوا كما هم عليه من كمال الخلقة، وخلقوا من غير أن
= القرآن" ١٧/ ٧٣، "فتح القدير" ٥/ ٩٩ وقوله: (بمعنى يرجع إلى أصل) ليست في المراجع السابقة، ولعل معناها إن صحت، أي ليس للتقول وهو الكذب أصل وإنما هو اختلاق وافتراء فقط.
(١) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٧، "تفسير مقاتل" ١٢٩ أ.
(٢) لم أجده عن ابن عباس، والذي ذكره المفسرون عنه قوله: (من غير رب خلقهم وقدرهم).
انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٧٤.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٧٤.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٩ أ.
كان لهم ابتداء من التراب، ثم من الأب ثم من النطفة والعلقة. وهذا استفهام إنكاري، أي أنهم خلقوا أطوارًا، وذلك يدل على قادر رددهم وصرّفهم في أحوالهم، ولم يوجدوا ابتداء كما يخلق الجماد ابتداءً من غير تقدم سبب من أب وأم، فلا تقوم عليه الحجة، وهؤلاء خلقوا من أشياء ليستدلوا بذلك فتقوم عليهم الحجة. هذا معنى قول المفسرين (١).
وأهل المعاني جعلوا ﴿مِنْ﴾ بمعنى اللام.
قال أبو إسحاق: أم خلقوا لغير شيء. أي أخلقوا باطلاً لا يحاسبون ولا يؤمرون؟! (٢) ونحو هذا قال ابن كيسان: أم خلقوا عبثًا وتركوا سُدى لا يؤمرون ولا ينهون (٣). ويدل على هذا المعنى قوله: ﴿أمْ هُمُ الخالِقون﴾ هو أي: أهم الخالقون أنفسهم فلا يأتمرون لأمر الله، ولا ينتهون عما نهى الله عنه؛ لأن هذا من صفة الخالق لا من صفة المخلوق. والمخلوق يجب عليه ائتمار خالقه.
٣٦ - قوله تعالى: ﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ فيكونوا هم الخالقين ﴿بَلْ﴾ ليس الأمر على هذا. لم يخلقوا شيئًا ثم ﴿لَا يُوقِنُونَ﴾ قال ابن عباس: بربوبيتي ودوام ملكي (٤).
وقال مقاتل: بتوحيد الخالق (٥).
وقال أهل المعاني: لا يوقنون بالحق (٦).
(١) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٢٠، "فتح الباري" ٨/ ٦٠٣، "فتح القدير" ٥/ ١٠١.
(٢) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٦٥.
(٣) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٨٩، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤١، "القرطبي" ١٧/ ٧٤.
(٤) لم أجده.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٩ أ.
(٦) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٨٩.
٣٧ - قوله تعالى: ﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾ قال مقاتل: يقول أبأيديهم مفاتيح ربك بالرسالة فيضعونها حيث شاءوا (١). ونحو هذا قال عكرمة: يعني النبوة (٢). وهذا كقوله: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ [الزخرف: ٣٢]، وقال الكلبي: خزائن المطر والرزق (٣).
وقال أهل المعاني: هذا عام في جميع مقدورات الله تعالى، وضرب لها المثل بالخزائن، لأن الخزانة بيت مهيأ لجَمْع (٤) أنواع مختلفة، ومقدوراته كالخزائن التي فيها من كل أجناس المعاني لا نهاية له (٥) يخرج ما شاء بإيجاده إياه. يقول: أعندهم خزائن ربك فقد أمنوا أن يجري الأمور على خلاف ما يحبون.
﴿أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾ أي: الأرباب المسلطون، ومصدره التسطير (٦)، ويقال: تسيطرت عليّ، أي: اتخذتني خولا، وعلى هذا قول الليث وأبي عبيدة (٧).
وقال المبرد: المسيطر المتغلب على الشيء، يقال: تسيطرت علينا أي تكلفت أن تقصرنا على ما تحب (٨).
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٩ أ، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤١.
(٢) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٧٤.
(٣) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٨٩، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٧٤، عن ابن عباس، وكذا في "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٨.
(٤) (ك): الجميع).
(٥) انظر: "تفسير القرطبى" ١٧/ ٧٤، ٧٥، "البحر المحيط" ١/ ١٥٢ عن الرماني.
(٦) (ك): (التسطير).
(٧) انظر: "مجاز القرآن" ١/ ٢٣٣، "تهذيب اللغة" ١٢/ ٣٢٦ (سطر).
(٨) انظر: "اللسان" ٢/ ١٤٣ (سطر)، "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٦٦.
506
قال أبو علي: وقد جاء على هذا البناء مُبَيْطِر ومُهَيمن ومبيقر (١). والصاد جائز في (المصيطر) (٢).
ذكرنا ذلك في الصراط (٣).
وقال المفسرون في تفسير هذا الحرف: المسلطون الجبارون الأرباب القاهرون. كل هذا ألفاظهم.
قال عطاء عن ابن عباس: المسلطون على عبادي (٤).
وقال مقاتل: أم هم المسلطون على الناس فيجبرونهم على ما شاءوا ويمنعونهم ما شاءوا (٥).
قال الكلبي: أم هم المسلطون على تلك الخزائن ينزلون منها على
(١) انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٢٢.
والبيطرة: معالجة الدواب، والمبيطر: معالج الدواب. والبيقرة: مثية فيها تقارب. "اللسان" ١/ ٢٢٥، ٢٤٢ (بطر)، (بقر).
(٢) قال الفراء: كتابتها بالصاد، والقراءة بالسين والصاد، "معاني القرآن" ٣/ ٩٣، وابن كثير، وحفص، وابن عامر في رواية الحلواني عن هشام، عن عمار، والكسائي في رواية الفراء: قرأوا (المسيطرون) بالسين، وقرأ حمزة بالإشمام، وقرأ الباقون بالصاد.
انظر: "حجة القراء السبعة" ١/ ٤٩، ٦/ ٢٢٨، "حجة القراءات" ٦٨٤، "النشر" ٢/ ٣٧٨، "الإتحاف" ٤٠١
(٣) عند تفسيره لآية (٦) من سورة الفاتحة. والقراءة في قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ رويت عن ابن كثير السين والصاد وروي عن أبي عمرو السين والصاد والمضارعة بين الزاي والصاد. رواه عنه العريان بن أبي سفيان، وروى عنه الأصمعي (الزراط) بالزاي. والباقون بالصاد، غير أن حمزة يلفظ بها بين الصاد والزاي. انظر: "الحجة" ١/ ٤٩.
(٤) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٧٥.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٩ أ.
507
الخلق (١)، هذا كلامهم، والمعنى: أم هم الأرباب فلا يكونوا تحت أمر ونهي يفعلون ما شاءوا.
٣٨ - قوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ﴾ قال أبو عبيدة: السلم السبب والمَرْقَى (٢).
وقد مرَّ تفسير السُّلّم (٣).
وقوله: ﴿يَسْتَمِعُونَ فِيهِ﴾ قال أبو عبيدة: معنى ﴿فِيهِ﴾ به وعليه (٤).
وقال المبرد: (فيه) هاهنا بمنزلة (عليه) في الفائدة. والأصل مختلف، فإذا قلت: عليه، فمعناه العلو والارتفاع، وإذا قلت: فيه، فمعناه أنه مكان حواه (٥). وهذا كقوله: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: ٧١] وقد مر.
ومعنى الآية: ألهم سلم إلى السماء يستمعون عليه الوحي فقد وثقوا بما هم عليه وردوا ما سواه. قال المفسرون: يقول: ألهم سبب إلى السماء يرتقون عليه فيستمعون الوحي فيدعون أنهم سمعوا من الله ما هم عليه وأنه حق ﴿فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ﴾ إن دعوا ذلك ﴿بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ بحجة واضحة.
وقال أبو إسحاق: المعنى ألهم كجبريل الذي يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بالوحي ويبين عن الله -عز وجل-.
(١) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٨، "التفسير الكبير" ٢٨/ ٢٦١.
(٢) انظر: "اللسان" ٢/ ١٩٠ (سلم).
(٣) عند تفسيره لآية (٣٥) من سورة الأنعام. وقد ذكر معنى الآية ولم يتطرق لمعنى السلم قال الزجاج: والسلم مشتق من السَّلامة وهو الشيء الذي يُسلمك إلى مصعدك. وانظر: "معاني القرآن" ٢/ ٢٤٤.
(٤) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٣٣.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٦٦، "البحر المحيط" ٨/ ١٥٢.
٣٩ - ثم سفه أحلامهم في جعلهم البنات لله فقال: ﴿أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ﴾ (١)، وهذا كقوله: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾ [الصافات: ١٤٩] وقوله: ﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ﴾ [الزخرف: ١٦] الآية. ومعنى الآية الإنكار عليهم، أي: أنتم جاعلون له ما تكرهون وأنتم حكماء عند أنفسكم ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا﴾ على ما جئتم به من الدين والشريعة ﴿فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ﴾ أي غرم ﴿مُثْقَلُونَ﴾ قال مقاتل: أثقلهم الغرم فلا يستطيعون الإيمان من أجل الغرم (٢). وكل هذا إنما ذكر قطعًا لحجتهم وبيانًا أن الحجة عليهم من كل وجه.
٤١ - قوله تعالى: ﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: يريد هل نزل عليهم وحي من السماء فهم يكتبون (٣)؟
قال: يريد كتبوه وعلموه، وهذا مجمل، وقد فسره مقاتل فقال: أعندهم علم الغيب بأن الله لا يبعثهم، وأن ما يقول محمد -صلى الله عليه وسلم- غير كائن، ومعهم بذلك كتاب فهم يكتبون (٤).
وهذا وهم؛ لأنهم لو علموا الغيب لم (٥) يوجب ذلك إنكار البعث وأمر محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولكن المعنى ما قال قتادة: أن هذا جواب لقولهم: ﴿نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ يقول الله تعالى: أعندهم الغيب حتى علموا أن
(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٦٧.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٩ ب.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٨، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤٢، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٧/ ٧٦.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٩ ب.
(٥) (لم) ساقطة من (ك).
محمدًا يموت قبلهم (١). وعلى هذا قوله: ﴿فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ يجوز أن يكون معناه: يكتبون ذلك الذي عندهم من علم الغيب.
وقال ابن قتيبة (٢): معناه: يحكمون. والكتاب بمعنى الحكم قد ورد في كثير من المواضع كقوله: ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام: ٥٤] أي قضى وأوجب. وكقوله: "سأقضي بينكم بكتاب الله" (٣) أي بحكمه.
٤٢ - قوله تعالى: ﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا﴾ يعني: أيريدون أن يكيدوك ويمكروا بك مكراً يغتالونك به ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ﴾ أي: المجزيون بكيدهم في الدنيا والآخرة. يريد أن ضرر ذلك يعود عليهم ويحيق بهم مكرهم. وقال الكلبي ومقاتل: يعني بكيدهم ما اجتمعوا ليكيدوا به في دار الندوة، فجزاهم الله بكيدهم أن قتلهم ببدر، فذلك قوله تعالى: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ﴾ (٤).
٤٣ - ﴿أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ﴾ هذا إنكار عليهم ما اتخذوه من الآلهة دون الله. يقول: ألهم إله دون الله، يعني: إلهًا يخلق ويرزق ويحيي ويميت.
(١) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٩٠، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤٢، "القرطبي" ١٧/ ٧٦. قلت: قول المؤلف رحمه الله: (وهذا وهم) رد لقول مقاتل. وظاهر الآية لا يرده. إذا في قوله تعالى ﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ..﴾ ما يرد كل افتراءاتهم وتكذيبهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- حيث لم يستندوا على وحي أو عقل، ويدخل ضمن دلالة الآية دعواهم بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سيموت في شبابه كما مات الشعراء من أمثاله النابغة وزهير. والله أعلم.
(٢) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٧٦.
(٣) الحديث رواه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود ٣/ ٢٤١، وفي مواضع أخرى ولفظه: "لأقضين بينكما بكتاب الله"، ومسلم في كتاب الحدود، وأحمد في المسند ٤/ ١١٥.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٩ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤٢، "القرطبي" ١٧/ ٧٦.
وهذا معنى قور مقاتل: ألهم إله يمنعهم من مكرنا بهم (١). يعني: إن الذين اتخذوهم آلهة ليست بآلهة تدفع وتضر وتنفع.
ثم نزه نفسه بقوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي: عمن يجعلونه شريكًا لله.
٤٤ - ثم ذكر عنادهم وقساوة قلوبهم فقال: قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا﴾ قال مقاتل: يعني: جانبًا من السماء يسقط عليهم لعذابهم لقالوا من تكذيبهم: هذا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ بعضه على بعض (٢). والمعنى: إن عذبناهم بسقوط بعض من السماء عليهم لم ينتهوا عن كفرهم، وقالوا هو قطعة من السحاب، وهذا معنى قول ابن عباس (٣).
قال أبو إسحاق: أعلم الله -عز وجل- هؤلاء لا يعتبرون ولا يوقنون ولا يؤمنون بأبهر ما يكون من الآيات (٤).
٤٥ - ثم أخبر (٥) نبيه عن إيمانهم فقال:
قوله تعالى: ﴿فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾ يقول: فخل عنهم، يعني لا تهتم بهم حتى يعاينوا يوم موتهم. وهذا تهديد لهم. ومعنى (يصعقون): يموتون، من قوله: ﴿فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الزمر: ٦٨] وقُرئ ﴿يُصْعَقُونَ﴾ بضم الياء (٦).
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٩ ب.
(٢) انظر: المرجع السابق.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٩، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤٢.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٦٨.
(٥) (ك): (حثب) ولعل الصواب ما أثبته.
(٦) قرأ ابن عامر، وعاصم (يُصعقون) بضم الياء، وقرأ الباقون بفتحها. انظر: "حجه القراءات" ص ٦٨٤، "النشر" ٢/ ٣٧٩، "الإتحاف" ص ٤٠١.
قال الفراء: يقال صُعِقَ الرجُلُ وصَعِقَ مثل سُعِد وسَعِد. لغات كلها صواب (١). وحكى الأخفش أيضًا صُعق. وعلى هذا يجوز مصعوق.
وقال أبو علي: ﴿يُصْعَقُونَ﴾ بضم الياء منقول من صَعِقُوا هم، وأصعقهم الله فيصعقون من باب يُكرمون (٢). ومنه قول ابن مقبل:
....... أصْعَقَتْهَا صَوَاهِلُه (٣)
٤٧ - ثم أعلم الله -عز وجل- أنه يعجل لهم العذاب في الدنيا فقال: قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ يعني كفار مكة ﴿عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ﴾ قالوا: يعني القتل ببدر (٤).
وقال مجاهد: يعني الجوع والقحط الذي أصابهم (٥). ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أي: لا يعلمون ما يصيرون إليه، وما هو نازل بهم.
ثم أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالصبر.
٤٨ - قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ أي إلى أن يقع بهم
(١) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ٩٤.
(٢) انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٢٨٨.
(٣) انظر: "ديوانه" ص ٢٥٢، "مجالس ثعلب" ص ١٢٨، "الحيوان" ٧/ ٢٣٣، "همع الهوامع" ١/ ٨٣، "الدر اللوامع" ١/ ٧، والبيت بتمامه:
ترى النُّعَراتِ الخُضْرَ تحت لَبانِه فُرادَى ومثنى أصْعَقَتْها صَواهلُهْ
والصهل: حدة الموت، ويطلق على صوت الخيل، "اللسان" ٢/ ٤٨٧ (صهل).
(٤) قال ابن عباس، ومقاتل. انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٩ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤٣.
(٥) انظر: "تفسير مجاهد" ٢/ ٦٢٦.
ورجح ابن جرير، وابن كثير، وغيرهما حمل الآية على العموم، حيث تشمل الذين ظلموا أنفسهم بالكفر إلى يوم القيامة، والعذاب في الدنيا بالجوع وغيره وفي القبر. كل ذلك دون يوم القيامة الذي فيه يصعقون.
انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٢٢، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٢٤٥.
العذاب الذي حكمنا عليهم، فإنا نرى ما تقاسي منهم. وهو قوله: ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ قال ابن عباس: يريد أرى وأسمع ما يعمل بك (١).
وقال أبو إسحاق: أي إنك بحيث نراك ونحفظك ونرعاك، فلا يصلون إلى مكروهك (٢). وفي هذا تسلية للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
قوله تعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ أكثر المفسرين على أنه أمر أن يقول حين يقوم من مجلسه: سبحان الله وبحمده، وهو قول أبي الأحوص، وسعيد بن جبير، وعطاء (٣).
قال ابن عباس: صلِّ لله حين تقوم من منامك، يعني: صلاة الصبح (٤).
وقال الكلبي: سبِّح الله حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل في الصلاة (٥).
وقال الضحاك: أمران يقول حين يقوم للصلاة: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلا (٦).
٤٩ - قوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ قال ابن عباس: يريد فصل له كقوله: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ﴾ (٧) [الإسراء: ٧٩] وقال
(١) انظر: "الوسيط" ٤/ ١٩١، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤٣.
(٢) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ١٩١.
(٣) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٤٩، "جامع البيان" ٢٧/ ٢٢، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤٣.
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٩، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤٣.
(٥) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٧٩.
(٦) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٧٩، "فتح القدير" ٥/ ١٠٣.
(٧) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٢٨٩، "الوسيط" ٤/ ١٩١.
513
مقاتل: يقول فصلِّ المغرب والعشاء (١).
وقوله: ﴿وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ يعني الركعتين قبل صلاة الفجر في قول الجميع (٢). وذلك حين تدبر النجوم. أي تولي فلا تظهر لضوء الصبح. والكلام في هذا ذكرناه في قوله: ﴿وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾، وذكر عن الضحاك، وابن زيد أن المراد به صلاة الفجر الفريضة (٣).
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ١٣٠ أ، "الوسيط" ٤/ ١٩١.
(٢) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٢٣، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٨٠، "الاستذكار" ٥/ ٤٣١ عن علي وأبي هريرة.
(٣) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٢٤، "معالم التنزيل" ٤/ ٢٤٤.
514
الممكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عمادة البحث العلمي
سلسلة الرسائل الجامعية
-١١٤ -
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من سورة النجم إلى سورة الطلاق
تحقيق
د. فاضل بن صالح بن عبد الله الشهري
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن سطام آل سعود أ. د. تركي بن سهو العتيبي
الجزء الحادي والعشرون
1
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
[٢١]
2
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ١٤٣٠ هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الواحدي، علي بن أحمد
التفسير البسيط لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد
الواحدي (ت ٤٦٨ هـ)./ فاضل بن صالح بن عبد الله الشهري،
الرياض ١٤٣٠ هـ.
٢٥ مج. (سلسلة الرسائل الجامعية)
ردمك: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
٩ - ٨٧٨ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج ٢١)
١ - القرآن تفسير... ٢ - الواحدي، علي بن أحمد
أ- لعنوان... ب- السلسلة
ديوي٢٢٧. ٣... ٨٦٨/ ١٤٣٠
رقم الإيداع: ٨٦٨/ ١٤٣٠ هـ
ردمك: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
٩ - ٨٧٨ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج ٢١)
3
الممكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عمادة البحث العلمي
سلسلة الرسائل الجامعية
-١١٤ -
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من سورة النجم إلى سورة الطلاق
تحقيق
د. فاضل بن صالح بن عبد الله الشهري
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن سطام آل سعود أ. د. تركي بن سهو العتيبي
الجزء الحادي والعشرون
4

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

5
سورة النَّجم
6
Icon