ﰡ
قوله جل ذكره: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».
سماع بسم الله الرّحمن الرّحيم شراب يسقى به الحقّ- سبحانه وتعالى- قلوب أحبّائه، فإذا شربوا طربوا، وإذا طربوا انبسطوا «١»، ثم لشهود حقّه «٢» تعرّضوا، وبنسيم قربه استأنسوا «٣»، وعند الإحساس بهم غابوا.. فعقولهم تستغرق «٤» فى لطفه، وقلوبهم تستهلك فى كشفه.
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١)التسبيح التقديس والتنزيه، ويكون بمعنى سباحة الأسرار في بحار الإجلال، فيظفرون بجواهر التوحيد وينظمونها في عقود الإيمان، ويرصّعونها في أطواق الوصلة:
وقوله «ما» فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ المراد به «من» فى السماوات والأرض، يسجدون لله طوعا وكرها طوعا تسبيح طاعة وعبادة، وكرها تسبيح علامة ودلالة.
وتحمل «ما» على ظاهرها فيكون المعنى: ما من مخلوق من عين أو أثر إلا ويدلّ على الصانع، وعلى إثبات جلاله، وعلى استحقاقه لنعوت كبريائه.
(٢) شهود حق الله لا يتم إلا بعد اختفاء حظوظ العبد.
(٣) من الأنس. سئل الجنيد عنه فقال: هو ارتفاع الحشمة مع وجود الهيبة. وسئل ذو النون عنه فقال:
هو انبساط المحب إلى المحبوب.
وسئل الشبلي عنه فقال: هو حشتك منه (التعرف للكلاباذى ص ١٢٦، ١٢٧).
(٤) ضبطناها هكذا مبنية للمجهول لأن المفروض أن شمس الحقيقة يستغرق نورها نجوم العقل.
ولكنه- سبحانه عزيز «١».
ويقال: ما تقلّب أحد من جاحد أو ساجد إلا في قبضة العزيز الواحد، فما يصرّفهم إلا من خلقهم فمن مطيع ألبسه نطاق وفاقه- وذلك فضله، ومن عاص ربطه بمثقلة الخذلان- وذلك عدله.
«وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» : العزيز: المعزّ لمن طلب الوصول، بل العزيز:
المتقدّس عن كل وصول | فما وصل من وصل إلا حظّه ونصيبه وصفته على ما يليق به. |
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢]
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢)
الملك مبالغة من الملك، وهو القدرة على الإبداع، ولا مالك إلا الله. وإذا قيل لغيره:
مالك فعلى سبيل المجاز فالأحكام المتعلقة في الشريعة على ملك الناس صحيحة في الشرع، ولكنّ لفظ الملك فيها توسّع كما أن لفظ التيمم في استعمال التراب- عند عدم الماء- فى السفر مجاز، فالمسائل الشرعية في التيمم صحيحة، ولكن لفظ التيمم في ذلك مجاز.
«يُحْيِي وَيُمِيتُ» : يحيى النفوس ويميتها. ويحيى القلوب بإقباله عليها، ويميتها بإعراضه عنها.
ويقال: يحييها بنظره وتفضّله، ويميتها بقهره وتعزّزه.
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٣]
هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣)
«الْأَوَّلُ» : لاستحقاقه صفة القدم، و «الْآخِرُ» لاستحالة نعت العدم.
و «الظَّاهِرُ» بالعلو والرفعة، و «الْباطِنُ» : بالعلم والحكمة.
ويقال: «الْأَوَّلُ» فلا افتتاح لوجوده و «الْآخِرُ» فلا انقطاع لثبوته.
«الظَّاهِرُ» فلا خفاء في جلال عزّه، «الْباطِنُ» فلا سبيل إلى إدراك حقّه.
ويقال «الْأَوَّلُ» بلا ابتداء، و «الْآخِرُ» بلا انتهاء، و «الظَّاهِرُ» بلا خفاء، و «الْباطِنُ» بنعت العلاء وعزّ الكبرياء.
ويقال: «الْأَوَّلُ» بالخلق، و «الْآخِرُ» بالرزق، و «الظَّاهِرُ» بالإحياء، و «الْباطِنُ» بالإماتة والإفناء.
قال تعالى: «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ» «١».
ويقال: «الْأَوَّلُ» لا بزمان، و «الْآخِرُ» لا بأوان، و «الظَّاهِرُ» بلا اقتراب، و «الْباطِنُ» بلا احتجاب.
ويقال: «الْأَوَّلُ» بالوصلة، و «الْآخِرُ» بالخلّة، و «الظَّاهِرُ» بالأدلة، و «الْباطِنُ» بالبعد «٢» عن مشابهة الجملة «٣».
ويقال: «الْأَوَّلُ» بالتعريف، «وَالْآخِرُ» بالتكليف، «وَالظَّاهِرُ» بالتشريف «وَالْباطِنُ» بالتخفيف «٤» ويقال: «الْأَوَّلُ» بالإعلام، «وَالْآخِرُ» بالإلزام، «وَالظَّاهِرُ» بالإنعام «وَالْباطِنُ» بالإكرام.
ويقال: «الْأَوَّلُ» بأن اصطفاك «وَالْآخِرُ» بأن هداك، «وَالظَّاهِرُ» بأن رعاك، «وَالْباطِنُ» بأن كفاك.
ويقال «٥» : من كان الغالب عليه اسمه «الْأَوَّلُ» كانت فكرته في حديث سابقته: بماذا سمّاه مولاه؟ وما الذي أجرى له في سابق حكمه؟ أبسعادته أم بشقائه؟.
(٢) سقط- (بالبعد) فى النسخة م وموجودة في ص
(٣) المقصود (بالجملة) هنا جملة المخلوقات. [.....]
(٤) هكذا في م وهي في ص (بالتحقيق) وهذه وإن كانت- صحيحة ألا أن السياق الموسيقى الذي جرى عليه المصنف يرجح (بالتخفيف) على معنى أنه علم ضعف عباده فلم يكلفهم فوق طاقتهم.
(٥) هذه الفقرة هامة في بيان أن الصوفية حينما يتصدون لدراسة الأسماء والصفات يهتمون بالآداب والسلوك وكيف يتخلّق الصوفي بأخلاق الله ويتأدب بأسمائه أنظر مقدمة كتاب التحبير في التذكير تحقيق بسيونى).
ومن كان الغالب على قلبه اسمه «الظَّاهِرُ» فاشتغاله بشكر ما يجرى في الحال من توفيق الإحسان وتحقيق الإيمان وجميل الكفاية وحسن الرعاية.
ومن كان الغالب على قلبه اسمه «الْباطِنُ» كانت فكرته في استبهام أمره عليه فيتعثّر ولا يدرى.. أفضل ما يعامله به ربّه أم مكر ما يستدرجه به ربّه؟
ويقال: «الْأَوَّلُ» علم ما يفعله عباده ولم يمنعه علمه من تعريفهم، «وَالْآخِرُ» رأى ما عملوا ولم يمنعه ذلك من غفرانهم «وَالظَّاهِرُ» ليس يخفى عليه شىء من شأنهم، وليس يدع شيئا من إحسانهم «وَالْباطِنُ» يعلم ما ليس لهم به علم من خسرانهم ونقصانهم فيدفع «١» عنهم فنون محنهم وأحزانهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٤]
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤)
مضى الكلام في ذلك.
«يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ» أي ما يدخل فيها من القطر، والكنوز، والبذور، والأموات الذين يدفنون فيها، «وَما يَخْرُجُ مِنْها» من النبات وانفجار العيون وما يستخرج من المعادن.
«وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ».
من المطر والأرزاق. أو ما يأتى به الملائكة من القضاء والوحى.
«وَما يَعْرُجُ فِيها».
أي وما يصعد إليها من الملائكة، وطاعات العباد، ودعوات الخلق، وصحف المكلّفين، وأرواح المؤمنين.
«وَهُوَ مَعَكُمْ» بالعلم والقدرة.
ويقال «١» :«يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ» إذا دفن العبد فالله سبحانه يعلم ما الذي كان فى قلبه من إخلاص في توحيده، ووجوه أحزانه خسرانه، وشكّه وجحوده، وأوصافه المحمودة والمذمومة.. ونحو ذلك مما يخفى عليكم.
«وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ» على قلوب أوليائه من الألطاف والكشوفات وفنون الأحوال العزيزة.
«وَما يَعْرُجُ فِيها» من أنفاس الأولياء إذا تصاعدت، وحسراتهم إذا علت.
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٦]
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٦)
مضى معناه.
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٧]
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧)
صدّقوا بالله ورسوله، وتصدّقوا «مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ» بتمليككم ذلك وتصييره إليكم. والذين آمنوا منكم وتصدّقوا على الوجه الذي أمروا به لهم ثواب عظيم فإنّ ما تحويه الأيدى معرّض للزوال، فالسّعيد من قدّم في دنياه ماله في الآخرة عمارة حاله، والشقيّ من سار فيما له في الآخرة وبال مآله.
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٨]
وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨).
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٩]
هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٩)
ليخرجكم من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمات الشكّ إلى نور اليقين.
وكذلك يريهم في أنفسهم من الآيات بكشوفات السّرّ وما يحصل به التعريف مما يجدون فيه النفع والخير فيخرجهم من ظلمات التدبير «١» إلى سعة فضاء التفويض، وملاحظة فنون جريان المقادير.
وكذلك إذا أرادت النّفس الجنوح إلى الرّخص والأخذ بالتخفيف «٢» وما تكون عليه المطالبة بالأشقّ- فإن بادر إلى ما تدعوه الحقيقة إليه وجد في قلبه من النور ما يعلم به ظلمة هواجس النّفس «٣».
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ١٠]
وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٠)
ما في أيديكم ميراثه لله، وعن قريب سينقل إلى غيركم ولا تبقون بتطاول أحمالكم. وهو بهذا يحثهم على الصدقة والبدار إلى الطاعة وترك الإخلاد إلى الأمل.. ثم قال:
«لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً
(٢) هكذا في م وهي الصواب أما (التحقيق) التي في ص فهى خطأ في النسخ لأن الأسير خاص جنوح إلى (التخفيف) كما نعلم
(٣) يتفق هذا مع قول الرسول الكريم «استفت قلبك ولو أفتاك المفتون».
لا يستوى منكم من أنفق قبل فتح مكة والحديبية والذين أنفقوا من بعد ذلك. بل أولئك أعظم ثوابا وأعلى درجة من هؤلاء لأنّ حاجة الناس كانت أكثر إلى ذلك وكان ذلك أشقّ على أصحابه «١».
ثم قال: «وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى» إلّا أنّ فضيلة السّبق لهم، ولهذا قالوا:
السباق السباق قولا وفعلا | حذّر النّفس حسرة المسبوق |
[سورة الحديد (٥٧) : آية ١١]
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١١)
المراد بالقرض الصدقة، وإنما ذكرها سبحانه كذلك تطييبا لقلوبهم، فكأن المتصدّق وهو يقرض شيئا كالذى يقطع شيئا من ماله ليدفعه إلى المستقرض.
ويقال «يُقْرِضُ» أي يفعل فعلا حسنا، وأراد بالقرض الحسن هاهنا ما يكون من وجه حلال ثم عن طيب قلب، وصاحبه مخلص فيه، بلا رياء يشوبه، وبلا منّ على الفقير، ولا يكدّره تطويل الوعد، ولا ينتظر عليه كثرة الأعواض.
ويقال: أن تقرضه وتقطع عن قلبك حبّ الدارين «٢»، ففى الخبر: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» «٣» ومن لم يتحرّر من شىء فخروجه عنه تكلّف «٤».
(٢) أي دون أن يكون قصدك على ما تفعل عوضا أو عرضا سواء في الدنيا أو في الآخرة إذ يكفى أن تعلم أي شرف لك أن: تقرض الله!!
(٣) حدث الليث عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبى هريرة أن رسول الله (ص) قال: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدا بمن تعول» البخاري ح ٣ ص ١٩١ (كتاب النفقات).
(٤) هكذا في ص وهي في م «تكلف» كما أثبتنا لأن السياق يقتضى ذلك. وتوجد بعد (تكلف) عبارة منبهة فى الخط والمعنى، تشبه أن تكون: (وهو على من يصل إليه ربى به).
[سورة الحديد (٥٧) : آية ١٢]
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢)
وهو نور يعطى للمؤمنين والمؤمنات بقدر أعمالهم الصالحة، ويكون لذلك النور مطارح شعاع يمشون فيها والنور يسعى بين أيديهم، ويحيط جميع جهاتهم.
ويقال: «وَبِأَيْمانِهِمْ» كتبهم.
«بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ» أي بشارتكم اليوم- من الله جنات. وكما أن لهم في العرضة هذا النور فاليوم لهم في قلوبهم وبواطنهم نور يمشون فيه، ويهتدون به في جميع أحوالهم، قال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن ينظر بنور الله» وقال تعالى: «فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ «١».
وربما ينبسط ذلك النور على من يقرب منهم. وربما يقع من ذلك على القلوب قهرا- ولأوليائه- لا محالة- هذه الخصوصية.
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ١٣]
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣)
انتظرونا فنلحق بكم لنقتبس من نوركم. وذلك لأن المؤمنين والمنافقين يعطون كتبهم وهم في النور، فإذا مرّوا... انطفأ النور أمام المنافقين وسبق المؤمنون، فيقول المنافقون للمؤمنين: انتظرونا حتى نقتبس من نوركم. فيقول المؤمنون:
«قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً» أي إلى الدنيا وأخلصوا! - تعريفا لهم أنهم كانوا منافقين في الدنيا.
ويقال: ارجعوا إلى حكم الأزل فاطلبوا «٢» هذا من القسمة! - وهذا على جهة ضرب المثل والاستبعاد.
(٢) هكذا في ص وهي في م (قاطلعوا) وقد آثرنا الأولى لأنها آكد في الاستبعاد- وهو المقصود.
«بسور: وهو جبل أصحاب الأعراف، يستر بينهم وبين المنافقين، فالوجه الذي يلى المؤمن فيه الرحمة وفي الوجه الآخر العذاب.
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ١٤]
يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (١٤)
ألم نكن معكم في الدنيا في أحكام الإيمان في المناكحة والمعاشرة؟.
قالوا: بلى، ولكنكم فتنتم أنفسكم...
«وَتَرَبَّصْتُمْ، وَارْتَبْتُمْ، وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ».
تربصتم عن الإخلاص، وشككتم، وغرّكم الشيطان، وركنتم إلى الدنيا.
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ١٥]
فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥)
النار مأواكم ومصيركم ومتقلبكم.
وهى «مَوْلاكُمْ» أي هي أولى بكم، وبئس المصير! ويقال: مخالفة الضمائر والسرائر لا تنكتم بموافقة الظاهر «١»، والأسرار لا تنكتم عند الاختبار قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ١٦]
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦)
وألا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل؟ وأراد بهم اليهود، وكثير من اليهود فاسقون كافرون.
وأراد بطول الأمد الفترة التي كانت بين موسى ونبيّنا صلى الله عليه وسلم، وفي الخبر:
أن أصحاب رسول الله ﷺ أصابتهم ملالة فقالوا: لو حدّثتنا.
فأنزل الله تعالى: «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ... » فبعد مدّة قالوا:
لو قصصت علينا! فأنزل الله تعالى: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ... » فبعد مدة قالوا: لو ذكّرتنا ووعظتنا! فأنزل الله تعالى هذه السورة.
وفي هذه الآية ما يشبه الاستبطاء.
وإن قسوة القلب تحصل من اتباع الشهوة، والشهوة والصفوة لا تجتمعان فإذا حصلت الشهوة رحلت الصفوة. وموجب القسوة هو انحراف القلب عن مراقبة الربّ. ويقال: موجب القسوة أوّله خطرة فإن لمّ تتدارك صارت فكرة وإن لّم تتدارك صارت عزيمة، فإن لم تتدارك جرت المخالفة، فإن لم تتدارك بالتلافى صارت قسوة وبعدئذ تصير طبعا ورينا «١» قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ١٧]
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧)
يحيى الأرض بعد موتها بإنزال المطر عليها وإخراج النّبت منها.
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ١٨]
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨)
أي المتصدقين والمتصدقات.
«وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً» : يعنى في النوافل.
«يُضاعَفُ لَهُمْ» فى الحسنات، الحسنة بعشر أمثالها.. إلى ما شاء الله «وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ» : ثواب كبير حسن. والثواب الكريم أنّه لا يضن بأقصى الأجر على الطاعة- وإن قلّت.
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ١٩]
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٩)
الصدّيقون: مبالغة في الصدق، والشهداء: الذين استشهدوا في سبيل الله، فالمؤمنون بمنزلة الصديقين والشهداء- لهم أجرهم في الجنة ونورهم في القيامة.
«وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ».
والصدّيق من استوى ظاهره وباطنه.
ويقال: هو الذي يحمل الأمر على الأشقّ، ولا ينزل إلى الرّخص، ولا يجنح للتأويلات.
والشهداء: الذين يشهدون بقلوبهم مواطن الوصلة، ويعتكفون بأسرارهم في أوطان القربة، «وَنُورُهُمْ» : ما كحل الحقّ به بصائرهم من أنوار التوحيد.
(ويحى القلوب الميتة بعد إعراضه عنها).
فأستعمال (الحق) فى الإضافة مسألة لهم أرباب القلوب المتحققين الفانين عن الخلق الباقين بالحق.
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢٠]
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (٢٠)
الحياة الدنيا معرّضة للزوال، غير لابثة ولا ماكثة، وهي في الحال شاغلة عن الله، مطمعة «١» وغير مشبعة، وتجرى على غير سنن الاستقامة كجريان لعب «٢» الصبيان، فهى تلهى عن الصواب واستبصار الحقّ، وهي تفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد.
«كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً».
الكفار: الزّرّاع.
هو في غاية الحسن ثم يهيج فتراه يأخذ في الجفاف، ثم ينتهى إلى أن يتحطّم ويتكسّر.
«وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ».
لأهله من الكفّار.
«وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ».
لأهله من المؤمنين.
«وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ».
الدنيا حقيرة- وأحقر منها قدرا طالبها وأقلّ منه خطرا المزاحم فيها، فما هي إلا جيفة وطالب الجيفة ليس له خطر. وأخس أهل الدنيا من بخل بها.
وهذه الدنيا المذمومة هي التي تشغل العبد عن الآخرة!
(٢) فى النسختين (لعاب) الأطفال، ومع ذلك فقد آثرنا أن نثبت هنا (لعب) بالرغم من تحسنا لاستعمال (اللعاب) فى موضع سبق ذلك لأننا نرى إضافة اللعاب إلى الصبيان لا يزيد المعنى تأكيدا، فاللعاب ظاهرة فسيولوجية تجرى على غير نظام- وهذا هو المطلوب- عند الكبار والصفار على حدّ سواء، بينما إضافة اللعب إلى الصبيان تعطى المعنى المطلوب.
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢١]
سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١)
أي سارعوا إلى عمل يوجب لكم مغفرة من ربّكم، وذلك العمل هو التوبة.
«وَجَنَّةٍ عَرْضُها... » ذكر عرضها ولم يذكر طولها فالطول على ما يوافيه العرض.
«أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ» : وفي هذا دليل على أنّ الجنة مخلوقة «١».
«ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ».
وفي ذلك ردّ على من يقول: «إن الجنة مستحقّة على الطاعات، ويجب على الله إيصال العبد إليها» «٢».. لأن الفضل لا يكون واجبا.
ويقال: لمّا سمعت أسرار المؤمنين «٣» هذا الخطاب «٤» ابتدرت الأرواح مقتضية المسارعة من الجوارح، وصارت الجوارح مستجيبة للمطالبة، مستبشرة برعاية حقوق الله لأنها علمت أن هذا الاستدعاء من جانب الحقّ سبحانه.
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢٢]
ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢)
المصيبة حصلة «٥» تقع وتحصل. فيقول تعالى: لا يحصل في الأرض ولا في أنفسكم شىء
والأشاعرة والسلف يرون ذلك ويرون أن الجنة والنار مخلوقتان الآن وأنهما باقيتان.
(٢) هذا رأى المعتزلة الذين اعتبروا ذلك من مقتضيات العدل الإلهي.
(٣) هكذا في م وهي في ص (الموحدين).
(٤) هكذا في ص وهي في م (الخطاة) وواضح فيها خطأ الناسخ لأن الأمر متعلق بالفعل (سابقوا... )
(٥) بمعنى حادث يحصل، وهي فى (خصلة) بالخاء والصواب حصلة. (انظر ما يقوله القشيري في سورة التغابن عند «ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ» على معنى: (خصل الهم خصلا وخصلة) أي وقع بلزق الهدف أو أصابه.
فكلّ ما حصل في الأرض من خصب أو جدب، من سعة أو ضيق، من فتنة أو استقامة وما حصل في النفوس من حزن أو سرور، من حياة أو موت كلّ ذلك مثبت في اللوح المحفوظ قبل وقوعه بزمان طويل.
وفي قوله: «مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها» دليل على أن أكساب العباد مخلوقة لله سبحانه. وللعبد فى العلم بأنّ ما يصيبه: من بسط وراحة وغير ذلك من واردات القلوب من الله- أشدّ السرور وأتمّ الأنس حيث علم أنه أفرد بذلك بظهر غيب منه، بل وهو في كنز العدم، ولهذا قالوا:
سقيا لمعهدك الذي لو لم يكن | ما كان قلبى للصبابة معهدا «١» |
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢٣]
لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (٢٣)
عدم الفرحة بما آتاهم هو من صفات المتحررين من رقّ النّفس، فقيمة الرجال تتبين بتغيّرهم- فمن لم يتغير بما يرد عليه- مما لا يريده- من جفاء أو مكروه أو محنة فهو كامل، ومن لم يتغيّر بالمسارّ كما لا يتغير بالمضارّ، ولا يسرّه الوجود كما لا يحزنه العدم- فهو سيّد وقته «٢».
ويقال: إذا أردت أن تعرف الرجل فاطلبه عند الموارد فالتغيّر علامة بقاء النّفس بأيّ وجه كان:
«وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ».
(٢) التغير من علامات التلوين، والثبات في المسار والمضار- عند تقلب الأحوال على العارف- من علامات التمكين. فسادات الوقت هم أهل التمكين.
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢٤]
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤)
بخلوا بكتمان صفة نبيّنا ﷺ وأمروا أتباعهم بذلك، وذلك لمّا خافوا من كساد سوقهم وبطلان رياستهم.
«ومن يتولّ.. عن الإيمان، أو إعطاء الصّدقة «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ».
والبخل- على لسان العلم- منع الواجب «٣»، فأمّا على بيان هذه الطائفة «٤» فقد قالوا:
البخل رؤية قدر للأشياء، والبخيل الذي يعطى عند السؤال «٥»، وقيل: من كتب على خاتمه اسمه فهو بخيل «٦».
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢٥]
لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥)
أي أرسلناهم مؤيّدين بالحجج اللائحة والبراهين الواضحة، وأزحنا العلّة لمن أراد سلوك الحجّة المثلى، ويسّرنا السبيل على من آثر اتّباع الهدى. وأنزلنا معهم الكتب المنزّلة، و «الْمِيزانَ» : أي الحكم بالقرآن، واعتبار العدل والتسوية بين الناس.
«لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ» : فلا يظلم أحد أحدا.
(٢) إضافة من عندنا حتى يتضح السياق.
(٣) يقصد منع الزكاة المفروضة حسب علوم الشريعة. [.....]
(٤) يقصد طائفة الصوفية.
(٥) أي لا ينظر حتى يسأله سائل، وإنما هو يعطى دائما دون انتظار لدعوة داع أو سؤال سائل.
(٦) لأنه ينبغى أن يكون مستعدا لاعضائه لغيره عند أي ظرف من الظروف، والمقصود أن يكون في العبد إيثار الفتيان (راجع فصل الفتوة في رسالة القشيري).
«أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ» : أي خلقنا الحديد.
ونصرة الله هي نصرة دينه، ونصرة الرسول باتّباع سنّته.
«إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ» : أقوى من أن ينازعه شريك، أو يضارعه في الملك مليك، وأعزّ من أن يحتاج إلى ناصر.
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢٦]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦)
أي: أرسلنا نوحا، ومن بعده إبراهيم، وجعلنا من نسلهما النبوّة والكتاب.
«فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ».
أي: مستجيب.
«وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ».
خرجوا عن الطاعة.
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢٧]
ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٧)
أي: أرسلنا بعدهم عيسى ابن مريم.
«وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ».
بيّن أنّه لم يأمرهم بالرهبانيّة «١» بل هم الذين ابتدعوها
«إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ».
هم الذين انفردوا بما عقدوه معنا (أن يقوموا بحقّنا) «١» «فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ».
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢٨]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨)
نزلت في قوم من أهل الكتاب أسلموا.
«كِفْلَيْنِ» : أي نصيبين نصيبا على الإيمان بالله، وآخر على تصديقهم وإيمانهم بالرّسل.
قوله جل ذكره:
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢٩]
لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)
ومعناه: يعلم أهل الكتاب، و «لا» صلة. أي: ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شىء من فضل الله «٢»، فإن الفضل بيد الله. و «اليد» هنا بمعنى: القدرة، فالفضل بقدرة الله.
(٢) ونظيره قول ابن جنى فى «لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ» أي ليعلموا فهى مؤكدة قائمة مقام إعادة الجملة مرة أخرى. (الإتقان للسيوطى ح ١ ص ١٧١) ط الحلبي.
واتّبعوا السّفراء والرّسل، وحافظوا عل اتّباعهم حتى يؤتيكم نصيبين من فضله:
عصمة ونعمة فالعصمة من البقاء عنه، والنعمة هي البقاء به.
ويقال: يؤتكم نصيبين: نصيبا من التوفيق في طلبه، ونصيبا من التحقيق في وجوده «١»