هي ست وعشرون آية وهي مكية بلا خلاف، وعن ابن عباس قال نزلت بمكة وعن ابن الزبير مثله، وقد تقدم حديث النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سبح اسم ربك الأعلى والغاشية في صلاة العيد ويوم الجمعة.
ﰡ
وقد ذهب إلى أن المراد بالغاشية هنا القيامة أكثر المفسرين، وقال سعيد بن جبير ومحمد بن كعب الغاشية النار تغشى وجوه الكفار كما في قوله (وتغشى وجوههم النار) وقيل الغاشية أهل النار لأنهم يغشونها ويقتحمونها، والأول أولى.
قال الكلبي المعنى إن لم يكن أتاك حديث الغاشية فقد أتاك قال ابن عباس: الغاشية من أسماء القيامة وعنه قال الغاشية الساعة، وفي المصباح الغشاء الغطاء ويقال أن الغشى يعطل القوى المحركة والأوردة الحساسة لضعف القلب بسبب وجع شديد أو برد أو جوع مفرط، وقيل الغشي هو الإغماء وقيل الإغماد امتلاء بطون الدماغ من بلغم بارد غليظ وقيل الإغماء سهو يلحق الإنسان مع فتور الأعضاء لعلة، وغشيته أغشاه من باب تعب أتيته، والاسم الغشيان بالكسر.
والتنوين في يومئذ عوض عن المضاف إليه أي يوم غشيان الغاشية، والخاشعة الذليلة الخاضعة وكل متضائل ساكن يقال له خاشع، يقال خشع الصوت إذا خفي، وخشع في صلاته إذا تذلل ونكس رأسه، والمراد بالوجوه هنا أصحابها قال المحلي عبر بها عن الذوات في الموضعين أي بالجزء عن الكل، وخص الوجه لأنه أشرف أعضاء الإنسان ولأن الذل يظهر عليه أولاً دون غيره، قال مقاتل يعني الكفار لأنهم تكبروا عن عبادة الله، قال قتادة وابن زيد خاشعة في النار.
وقيل أراد وجوه اليهود والنصارى على الخصوص، والأول أولى، وفي البحر: الآية نزلت في القسيسين وعباد الأوثان، وفي كل مجتهد في كفر.
(ناصبة) أي تعبة يقال نصب بالكسر ينصب نصباً إذا تعب، والمعنى أنها في الآخرة تعبة لما تلاقيه من عذاب الله، وقيل أن قوله (عاملة) في الدنيا إذ لا عمل في الآخرة أي تعمل في الدنيا بالكفر والمعاصي، وتنصب في ذلك، وقيل إنها (عاملة) في الدنيا (ناصبة) في الآخرة، والأول أولى.
قال قتادة عاملة ناصبة تكبرت في الدنيا عن طاعة الله فأعملها الله
قال الحسن وسعيد بن جبير: لم تعمل لله في الدنيا ولم تنصب فاعملها وانصبها في جهنم، قال الكلبي: يجرون على وجوههم في جهنم، وقال أيضاًً يكلفون ارتقاء جبل من حديد في جهنم فينصبون فيها أشد ما يكون من النصب بمعالجة السلاسل والأغلال والخوض في النار كما تخوض الإبل في الوحل.
قال ابن عباس: (عاملة ناصبة) تعمل وتنصب، وعنه قال يعني اليهود والنصارى تخشع ولا ينفعها عملها، قرأ الجمهور (عاملة ناصبة) بالرفع فيهما على أنهما خبران آخران للمبتدأ أو على تقدير مبتدأ وهما خبران له، وقرىء بنصبهما على الحال أو على الذم.
وقوله
قرأ الجمهور تصلى بفتح التاء مبنياً للفاعل وقرىء بضمها مبنياً للمفعول وبضم التاء وفتح الصاد وتشديد اللام، والضمير راجع إلى الوجوه على جميع هذه القراآت السبعية، والمراد أصحابها كما تقدم.
وهكذا الضمير في
ولما ذكر سبحانه شرابهم عقبه بذكر طعامهم فقال:
وقال سعيد بن جبير: الضريع الحجارة وقيل هو شجرة في نار جهنم، وقال الحسن: هو بعض ما أخفاه الله من العذاب. وقال ابن كيسان: هو طعام يضرعون عنده ويذلون ويتضرعون إلى الله بالخلاص منه، فسمي بذلك لأن آكله يتضرع إلى الله في أن يعفى عنه لكراهته وخشونته، قال النحاس: قد يكون مشتقاً من الضارع وهو الذليل أي من شربه تلحقه ضراعة وذلة، وقال الحسن أيضاًً هو الزقوم وقيل هو واد في جهنم.
وقد تقدم في سورة الحاقة (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (٣٥) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) والغسلين غير الضريع كما تقدم، وجمع بين الآيتين بأن النار دركات، والعذاب ألوان والمعذبون طبقات، فمنهم من طعامه الضريع، ومنهم من طعامه الغسلين، ومنهم من طعامه الزقوم، فلا تناقض بين هذه الآيات.
قال ابن عباس الضريع الشبرق، وقال أيضاًً شجر من نار، وعنه قال الشبرق اليابس.
ثم وصف سبحانه الضريع فقال:
قال المفسرون: لما نزلت ليس لهم طعام الخ قال المشركون إن إبلنا تسمن من الضريع فنزلت (لا يسمن ولا يغني من جوع) وكذبوا في قولهم هذا فإن الإبل لا تأكل الضريع ولا تقربه، وقيل اشتبه عليهم أمره فظنوه كغيره من النبات النافع.
قال أبو السعود وتحقيق ذلك أن جوعهم وعطشهم ليسا من قبيل ما هو المعهود منهما في هذه النشأة من حالة عارضة للإِنسان عند استدعاء الطبيعة إلى المطعوم والمشروب بحيث يلتذ بهما عند الأكل والشرب، ويستغنى بهما عن غيرهما عند استقرارهما في المعدة ويستفيد منهما قوة وسمناً عند انهضامهما، بل جوعهم عبارة عن اضطرارهم عند إضرام النار في أحشائهم إلى إدخال شيء كثيف يملؤها ويخرج ما فيها من اللهب، وأما أن يكون لهم شوق إلى مطعوم ما أو التذاذ به عند الأكل واستغناء به عن الغير أو استفادة قوة فهيهات.
وكذا عطشهم عبارة عن اضطرارهم عند أكل الضريع والتهابه في بطونهم إلى شيء مائع بارد يطفئه من غير أن يكون لهم التذاذ بشربه أو استفادة قوة في الجملة، وهو المعنى بما روي أنه تعالى يسلط عليهم الجوع بحيث يضطرهم
وتنكير الجوع للتحقير أي لا يغني من جوع ما.
ثم شرع سبحانه في بيان حال أهل الجنة بعد الفراغ من بيان حال أهل النار فقال
ثم قال
قال الفراء والأخفش: أي لا تسمع فيها كلمة لغو قيل المراد بذلك الكذب والبهتان والكفر، قاله قتادة وقال مجاهد أي الشتم، وقال الفراء لا تسمع فيها حالفاً يحلف بكذب، قال الكلبي لا تسمع في الجنة حالفاً بيمين برة ولا فاجرة، وقال الفراء أيضاً لا تسمع في كلام أهل الجنة كلمة تلغى لأنهم لا يتكلمون إلا بالحكمة وحمد الله تعالى على ما رزقهم من النعيم الدائم، وهذا أرجح الأقوال لأن النكرة في سياق النفي من صيغ العموم ولا وجه لتخصيص هذا بنوع من اللغو خاص إلا بمخصص يصلح للتخصيص.
ولاغية إما صفة موصوف محذوف أي كلمة لاغية أو جماعة لاغية أو
كهول وشبان حسان وجوههم | على سرر مصفوفة ونمارق |
قال الواحدي ويجوز أن يكون المعنى أنها متفرقة في المجالس، وبه قال القتيبي، وقال الفراء مبثوثة كثيرة، والظاهر أن معنى البث التفريق مع كثره ومنه (وبث فيها من كل دابة) قال القرطبي وغيره هذا أصح.
والمعنى ينكرون أمر البعث ويستبعدون وقوعه أفلا ينظرون إلى الإِبل التي هي غالب مواشيهم وأكثر ما يشاهدونه من المخلوقات كيف خلقت معدولاً عن سنن خلق سائر أنواع الحيوانات على ما هي عليه من الخلق البديع من عظم جثتها ومزيد قوتها وبديع أوصافها.
قال أبو عمرو بن العلاء إنما خص الإِبل لأنها من ذوات الأربع تبرك
قال الزجاج نبههم على عظيم من خلقه قد ذلله للصغير يقوده وينيخه، وينهضه ويحمل عليه الثقيل من الحمل وهو بارك فينهض بثقل حمله، وليس ذلك في شيء من الحوامل غيره فأراهم عظيماً من خلقه ليدل بذلك على توحيده.
وسئل الحسن عن هذه الآية وقيل له الفيل أعظم في الأعجوبة فقال أما الفيل فالعرب بعيدة العهد به، ثم هو خنزير لا يركب ظهره ولا يؤكل لحمه ولا يحلب دره، والإبل من أعز مال العرب وأنفسه يأكل النوى والقت ويخرج اللبن ويأخذ الصبي بزمامها فيذهب بها حيث شاء مع عظمها في نفسها.
وقال المبرد: الإبل هنا هي القطع العظيمة من السحاب، وهو خلاف ما ذكره أهل التفسير واللغة.
وروي عن الأصمعي أنه قال: من قرأ خلقت بالتخفيف عنى به البعير، ومن قرأ بالتشديد عنى به السحاب.
قال أبو السعود: بدأ بالإبل لكثرة منافعها كأكل لحمها وشرب لبنها والحمل عليها والتنقل عليها إلى البلاد البعيدة، وعيشها بأي نبات أكلته كالشجر والشوك وصبرها على العطش عشرة أيام فأكثر، وطواعيتها لكل من قادها ولو صبياً صغيراً ونهوضها وهي باركة بالأحمال الثقيلة وتأثرها بالصوت الحسن مع غلظ أكبادها ولا شيء من الحيوان جمع هذه الأشياء غيرها ولكونها أفضل ما عند العرب جعلوها دية القتل.
والإبل اسم جمع لا واحد له من لفظه وإنما واحده بعير وناقة وجمل.
قال المحلي قوله سطحت ظاهر في أن الأرض سطح، وعليه علماء الشرع لا كرة كما قاله أهل الهيئة وإن لم ينقض ركناً من أركان الشرع.
قال الكرخي هي كرة بطبعها وحقيقتها لكن الله أخرجها عن طبعها بفضله وكرمه بتسطيح بعضها لإقامة الحيوانات عليها فأخرجها عما يقتضيه طبعها انتهى.
وفي التكميل للشيخ رفيع الدين ابن ولي الله الدهلوي رحمه الله: أهل الشرائع يفهمون من مثل قوله تعالى (الْأَرْضَ فِرَاشًا)، و (دَحَاهَا)، و (سُطِحَتْ) أنها سطح مستو، والحكماء يثبتون كرويتها بالأدلة الصحيحة فيتوهم الخلاف، ويدفع بأن القدر المحسوس منها في كل بقعة سطح مستو، فإن الدائرة كلما عظمت قل انجذاب أجزائها فاستواؤها باعتبار محسوسية، أجزائها، وكرويتها باعتبار معقولية جملتها انتهى.
ثم لما ذكر تعالى دليل توحيده ولم يعتبروا ولم يتفكروا فيها خاطب نبيه وأمره بأن يذكرهم فقال
وقرأ ابن مسعود (فإنه يعذبه الله) وقرأ ابن عباس وقتادة (ألا من تولى) على أنها ألا التي للتنبيه والاستفتاح.
هي ثلاثون آية وقيل تسع وعشرون وهي مكيّة بلا خلاف في قول الجمهور قال ابن عباس نزلت بمكة وعن ابن الزبير وعائشة مثله، ومدنية في قول علي بن أبي طلحة.
أخرج النسائي عن جابر قال صلى معاذ صلاة فجاء رجل فصلى معه فطول، فصلى في ناحية المسجد ثم انصرف، فبلغ ذلك معاذاً فقال منافق، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال يا رسول الله جئت أصلي معه فطول عليّ فانصرف فصليت في ناحية المسجد، فعلفت ناضحي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " أفتان أنت يا معاذ، أين أنت من سبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها والفجر والليل إذا يغشى ".
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (٤)