ﰡ
سورة يونس
مائة وتسع آية مكّيّة الّا ثلث آيات فان كنت فى شكّ ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر مر الكلام عليه فى أوائل سورة البقرة- قرا ابن كثير وقالون «١» وحفص الر والمر بالفتح وورش بين اللفظين والباقون بالامالة تِلْكَ اشارة الى ما تضمنته «٢» السورة او القران من الآيات- وقيل المراد بها الآيات التي نزلت قبل هذه السورة آياتُ الْكِتابِ اى القران والاضافة بمعنى من الْحَكِيمِ (١) وصفه به لاشتماله على الحكم او لانه كلام حكيم- او المعنى انه محكم آياته لم ينسخ منها شيء ان كان المراد آيات هذه السورة- او محكم عن الكذب والاختلاف- قال الحسن حكم فيها بالعدل والإحسان وايتائ ذى القربى والانتهاء عن الفحشاء والمنكر والبغي وو حكم فيها بالجنة لمن أطاعه والنار لمن عصاه- اخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عبّاس قال لمّا بعث الله محمّدا ﷺ رسولا أنكرت العرب ذلك او من أنكر ذلك منهم فقالوا الله أعظم من ان يكون رسوله بشرا فانزل الله تعالى.
أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً استفهام انكار للتعجب- وعجبا خبر كان واسمه أَنْ أَوْحَيْنا واللام فى للناس متعلق بمحذوف حال من قوله عجبا- وفى اللام دلالة على انهم جعلوه عجوبة لهم يوجهون نحوه انكارهم واستهزاءهم- والعجب حالة يعترى للانسان من رؤية شيء على
(٢) فى الأصل ما تضمنه-
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ الّتى هى اصول الممكنات فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ من ايام الدنيا اى فى قدرها ولو شاء لخلقهن فى لمحة وانما فعل ذلك لتعليم خلقه التثبت ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ اجمع اهل السنة من الخلف والسلف على «١» ان الله تعالى منزه عن صفات الأجسام وصفات الحدوث- فلهم فى هذه الاية وأمثالها سبيلان- أحدهما تأويلها بما يليق به تعالى بناء على عطف قوله تعالى وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ على اسم الله فى قوله تعالى وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ- وقد مر البحث عليه فى سورة ال عمران- فقالوا معنى استوى استولى على العرش الذي هو أعظم المخلوقات ومحدد الجهات- وذا يستلزم استيلاءه تعالى على جميع الخلائق- وأسند البغوي تأويل الاستواء بالاستيلاء الى المعتزلة وكلام السلف الصالح يأبى عن سبيل التأويل بل المختار عندهم الايمان بتلك الآيات وتفويض علمه الى الله تعالى والتحاشى عن البحث عنه- قال محمد بن الحسن اتفق الفقهاء كلهم من المشرق الى المغرب على الايمان بالقران والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله ﷺ فى صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا شبه- فمن فسر شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي ﷺ وفارق الجماعة وقال مالك بن انس الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والسؤال عنه بدعة- فبناء على هذا السبيل نقل عن السلف القول باستوائه تعالى على العرش مع قولهم بالتنزيه الصرف قال ابو حنيفة ان الله فى السماء دون الأرض رواه البيهقي- وروى عنه من قال لا اعرف
قال إذا كان يوم القيامة يشفعنى اللات والعزى- وفيه اشارة الى ثبوت الشفاعة لمن اذن له ذلِكُمُ اى الموصوف بتلك الصفات المقتضية للالوهية اللَّهُ مبتدأ وخبر رَبَّكُمُ خبر ثان او خبر مبتدا محذوف والجملة بدل مما سبق يعنى هو ربكم لا غير- او لا يشركه أحد فى شيء من ذلك فَاعْبُدُوهُ دون غيره من انسان او ملك فضلا عن جماد لا يضر ولا ينفع أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣) تتفكرون ادنى تفكر فيظهر لكم انه المستحق للعبادة دون غيره مما تعبدون-.
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ مصدر او ظرف جَمِيعاً بالموت او النشور لا الى غيره فاستعدوا للقائه-
اى بعدله- او بعدالتهم وقيامهم على العدل فى أمورهم- او بايمانهم لان الايمان عدل قويم كما ان الشرك ظلم عظيم- وهو أوجه لمقابلة قوله وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ ماء بالغ نهاية الحرارة وَعَذابٌ أَلِيمٌ اى مؤلم بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٣) معناه وليجزى الذين كفروا بشراب من حميم وعذاب اليم بسبب كفرهم- لكنه غير النظم للمبالغة فى استحقاقهم العذاب والتنبيه على ان المقصود بالذات من الإبداء والاعادة انما هو الاثابة وانه تعالى يتولى اثابة المؤمنين بما يليق بلطفه وكرمه- واما تعذيب الكفار فهو واقع بالعرض كانه داء ساقه إليهم سوء اعتقادهم وشوم أفعالهم-.
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً قرا قنبل ضئاء وبضئآء هاهنا وفى الأنبياء والقصص على القلب- بتقديم اللام على العين- والباقون بياء منقلبة عن واو لانكسار ما قبلها وهمزة متطرفة- وهو مصدر كقيام- او جمع ضوء كسياط جمع سوط والمضاف محذوف اى ذات ضياء وَالْقَمَرَ نُوراً اى ذات نور- والنور أعم من الضوء فانه أقوى افراد النور- وقيل ما بالذات ضوء وما بالعرض نور وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ والضمير لكل واحد اى قدر مسير كل واحد منهما منازل- او قدر كل واحد منهما ذا منازل- او للقمر وتخصيصه بالذكر لمعائنة منازله واناطة احكام الشرع من الصوم والزكوة والحج به- ولذلك علله بقوله لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ يعدّ الأشهر المنوطة بسير القمر وَالْحِسابَ اى حساب الأوقات من الأشهر والأيام فى معاملاتكم وتصرفاتكم ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ
إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ اى فى مجيء كل منهما خلف الاخر او فى اختلاف لونهما وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى من انواع الكائنات لَآياتٍ على وجود الصانع ووحدته وكمال علمه وقدرته وتنزهه عن المناقص لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦) العواقب فانه يحملهم على التفكر والتدبر.
إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا اى ثوابنا فان أعظم المثوبات لقاء الله سبحانه ورؤيته وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا اختاروها على الاخرة وَاطْمَأَنُّوا بِها اى سكنوا إليها واقتصروا على لذائذها وزخارفها وتركوا ما يفيدهم للاخرة وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا اى عن الادلة الدالة على وجود الصانع غافِلُونَ (٧) فعلى هذا المراد بالأولين اهل الكتاب من الكفار الذين يعتقدون الصانع ويعلمون البعث والنشور ومع ذلك اختاروا الدنيا على الاخرة ويئسوا من ثواب الاخرة واقتصروا على لذائذ الدنيا- وبالآخرين الذين لم يوحدوا الله تعالى ولا يعرفون البعث والجزاء- وقال البيضاوي المراد بالأولين من أنكر البعث ولا يرجون اى لا يتوقعون الجزاء ولم يروا الا الحيوة الدنيا- وبالآخرين من الهاهم حب العاجل عن التأمل فى الاجل والاعداد له- وقيل العطف لتغائر الوصفين والتنبيه على ان الوعيد على الجمع بين الذهول عن الآيات رأسا والانهماك فى الشهوات بحيث لا يخطر ببالهم أصلا- وقال البغوي الرجاء يكون بمعنى الخوف والطمع فمعنى لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لا يخافون عقابنا ولا يرجون ثوابنا- وقال ابن عباس عَنْ آياتِنا غافِلُونَ يعنى عن محمد ﷺ والقران غافلون معرضون.
أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا أولئك مبتدا مأويهم مبتدا ثان والنار خبره والجملة خبر أولئك وجملة أولئك خبر انّ يَكْسِبُونَ (٨) من الكفر والمعاصي اى بما واظبوا عليه وتمرّنوا بالمعاصي- الباء فى بما كانوا متعلق بمحذوف دل عليه الكلام اى جوزوا.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ يرشدهم رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ
دَعْواهُمْ اى دعاؤهم فِيها اى فى الجنات سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ اى اللهم نسبحك تسبيحا اى ننزهك من كل سوء قال البغوي قال اهل التفسير هذه الكلمة علامة بين اهل الجنة والخدم فى الطعام فاذا أرادوا الطعام قالوا سبحانك اللهم فاتوهم فى الوقت بما يشتهون على الموائد كل مائدة ميل فى ميل على كل مائدة سبعون الف صحفة فى كل صحفة لون من الطعام لا يشبه بعضها بعضا وإذا فرغوا من الطعام حمدوا الله عز وجل فذلك قوله تعالى وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وقيل دعواهم اى قولهم وكلامهم فيها تلذذا سبحانك اللهم روى مسلم واحمد وابو داود عن جابر فى حديث مرفوع ان اهل الجنة يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها اى فى الجنّة سلام اى يحيى بعضهم بعضا بالسلام وتدخل «١» عليهم الملائكة من كل باب يقولون سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ وتأتيهم الملائكة من عند ربهم بالسلام ويقرأ الله تعالى
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اى يسرعه إليهم اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ قال ابن عباس هذا فى قول الرجل عند الغضب لاهله وولده لعنكم الله ولا بارك فيكم كذا قال قتادة ومعنى الاية لَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ الذي دعوه واستعجلوه تعجيلا كتعجيله لهم الخير حين دعوه واستعجلوه فحذف منه ما حذف لدلالة الباقي عليه ووضع استعجالهم موضع تعجيله لهم للاشعار بسرعة اجابة لهم فى الخير حتى كانّ استعجالهم به تعجيل لهم وبان المراد بالشر الشر الذي استعجلوه- قيل نزلت الاية فى النضر بن الحارث حين قال اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ... لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ اى لأميتوا وأهلكوا قرا ابن عامر ويعقوب لقضى بفتح القاف والضاد على البناء
وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ الشدة والبلاء دَعانا لازالته مخلصا فيه لِجَنْبِهِ ملقيا بجنبه اى مضطجعا أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فائدة الترديد تعميم الدعاء لجميع الأحوال يعنى يدعو لازالته كائنا على اى حال كان سواء كان قائما او قاعدا او راقدا يعنى يدعو فورا ويستمر عليه فى جميع الأحوال فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ اى مضى على طريقه واستمر على كفره ولم يشكر كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا أصله كانّه لم يدعنا فخفف وحذف ضمير الشأن يعنى كان لم يكن فى ضر وبلاء ولم يدعنا قط إِلى كشف ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ اى مثل ذلك التزيين زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢) من الانهماك فى الشهوات والاعراض عن الذكر والعبادات.
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ يا اهل مكة لَمَّا ظَلَمُوا أنفسهم بالكفر واستعمال القوى والجوارح فيما لا ينبغى لمّا ظرف لاهلكنا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالحجج الواضحة عطف على ظلموا او حال من فاعله بتقدير قد فالاهلاك ترتب على الكفر بعد تمام الحجة بمجيء الرسل كما يدل عليه قوله تعالى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا... وَما كانُوا اى القرون الظالمة عطف على وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا... لِيُؤْمِنُوا اللام لتأكيد النفي اى ما استقام لهم ان يؤمنوا لفساد استعدادهم حيث كان مبادى تعيناتهم ظلال اسم المضل فخذ لهم الله تعالى او ما كانوا مؤمنين فى علم الله الأزلي بل كان الله يعلم انهم يموتون على الكفر وقيل ما كانوا معطوف على ظلموا كَذلِكَ اى مثل ذلك الجزاء وهو الإهلاك بسبب تكذيبهم الرسل وإصرارهم على الكفر بعد ما تحقق انه لا فائدة فى إمهالهم نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) اى نجزى كل مجرم او نجزيكم فوضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على كمال جرمهم وانهم هم المستحقون لهذا الاسم.
ثُمَّ جَعَلْناكُمْ يا كفار مكة خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ اى بعد
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قال قتادة يعنى على مشركى مكة وقال مقاتل وهم خمسة عبد الله بن أبيّ المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص وعمرو بن عبد الله بن ابى قبيس العامري والعاص بن عامر بن هشام بَيِّناتٍ واضحات الدلالة على كونها من عند الله تعالى قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا اى لا يخافون البعث وينكرون القيامة ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا اى بكتاب اخر نقرؤه ليس فيه ما نستبعده من الثواب والعقاب بعد الموت وما نكرهه من معائب الهتنا أَوْ بَدِّلْهُ بان تجعل مكان اية آية اخرى قال مقاتل قال النفر الخمسة المذكورة للنبى ﷺ ان تريد ان نؤمن بك فأت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومناة وليس فيه عيبها وان لم ينزلها الله فقل أنت من عند «١» نفسك او بدله فاجعل مكان اية عذاب اية رحمة او مكان حرام حلالا وحلال حراما قُلْ لهم يا محمد ما يَكُونُ لِي قرا الحرميان وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها اى ما يصلح لى أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي قرا نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها اى من قبل نفسى تلقاء مصدر استعمل ظرفا اكتفى بالجواب عن التبديل لاستلزام امتناعه امتناع الإتيان بقرآن اخر او لان التبديل مقدور للانسان بان يقرا اية الرحمة مكان اية العذاب بخلاف إتيان قران اخر معجز مثله او لان المراد بالتبديل هاهنا أعم من تبديل القران بقرآن اخر او اية مكان اية إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ تعليل لقوله ما يَكُونُ لِي فان المتبع لغيره فى امر لا يستبد بالتصرف فيه بوجه- وجواب للنقض بنسخ بعض الآيات ببعض ورد لما عرّضوا له بهذا السؤال من ان القران كلامه واختراعه ولذلك
قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ غير ذلك او عدم تلاوتى عليكم لم ينزل القرآن علىّ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ اى لا أعلمكم الله على لسانى بِهِ قرا البزي عن ابن كثير لادريكم بالقصر على الإيجاب ولام التأكيد يعنى لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ ولعلمكم به من غير قراءتى على لسان غيرى وفيه اشارة الى انه الحق الذي لا محيص عليه لو لم أرسل به لارسل به غيرى فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً اى زمانا وهو أربعون سنة مِنْ قَبْلِهِ اى قبل نزول القران ولم اتكم بشيء ما لم يوح الىّ وفيه اشارة الى كون القران معجزا خارقا للعادة فان من عاش بين أظهرهم أربعين سنة لم يمارس فيها علما ولم يشاهد عالما ولم ينشأ شعرا ولا خطبة ثم قرأ عليهم كتابا بدت فصاحته فصاحة كل منطيق وعلا كل منظوم ومنثور واحتوى على قواعد الأصول والفروع واغرب عن قصص الأولين وأحاديث الآخرين على ما هى عليه علم انه معلم به من الله تعالى أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) اى أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر فيه لتعلموا انه ليس من قبل نفسى بل من عند الله- (فائدة) لبث النبي ﷺ فيهم قبل الوحى أربعين سنة ثم اوحى اليه فاقام بمكة بعد الوحى ثلاث عشرة سنة ثم هاجر فاقام بالمدينة عشر سنين وتوفى وهو ابن ثلاث وستين سنة كذا روى مسلم عن ابن عباس قال محمد بن يوسف الصالحي اتفق العلماء على انه ﷺ اقام بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين وبمكة قبل النبوة أربعين سنة وانما الخلاف فى قدر إقامته بمكة بعد النبوة قبل الهجرة والصحيح انه ثلاث عشرة سنة وذكر البغوي برواية انس انه ﷺ اقام بمكة بعد الوحى عشر سنين وتوفى وهو ابن ستين سنة وكذا روى ابن اسعد وعمرو بن شيبة والحاكم فى الإكليل عن ابن عباس قال البغوي والاول أشهر واظهر وقد روى مسلم عن انس انه قبض رسول الله ﷺ وهو ابن ثلاث وستين سنة وكذا ابو بكر وعمر وروى ابو داؤد الطيالسي ومسلم عن معاوية بن ابى سفيان
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فزعم ان له شريكا او ولدا أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ فكفر بها إِنَّهُ اى الشأن لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧) اى لا ينجوا المشركون.
وَيَعْبُدُونَ اى كفار مكة مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ ان تركوا عبادته وَلا يَنْفَعُهُمْ ان عبدوه يعنى الأصنام فانها جمادات لا تقدر على نفع ولا ضر والمعبود ينبغى ان يكون مثيبا ومعاقبا حتى يعود عبادته بجلب نفع او دفع ضر وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ الأصنام شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ يشفع لنا فيما يهمنا من امور الدنيا وفى الاخرة ان يكن بعث قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ أتخبرونه بِما لا يَعْلَمُ وهو ان له شريكا وفيه تقريع وتهكم بهم إذ هؤلاء شفعاء وما لا يعلم الله لا تحقق له أصلا فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ حال من العائد المحذوف مؤكد لنفيه وفيه اشارة الى ان ما يزعمونه الها فهو اما سماوى كالملائكة او ارضى كالاصنام
وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً موحدين على الفطرة او متفقين على الإسلام وذلك فى عهد آدم عليه السلام الى قبيل بعثة نوح او بعد الطوفان او من عهد ابراهيم الى عمر بن لحى او على الضلال فى زمن فترة الرسل فَاخْتَلَفُوا باتباع الهوى والأباطيل او ببعثة الرسل حين تبعهم طائفة وأصرت على الكفر اخرى وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ بان جعل لكل امة أجلا وقال الكلبي هى امهال هذه الامة وان لا يهلكهم بالعذاب فى الدنيا لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بنزول العذاب فى الدنيا وتعجيل العقوبة للمكذبين وكان ذلك فضلا بينهم فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩) قال الحسن لولا كلمة سبقت من ربك مضت فى حكمه انه لا يقضى بينهم فيما اختلفوا فيه بالثواب والعقاب دون القيامة لقضى فى الدنيا فادخل المؤمن الجنة والكافر النار ولكنه سبق من الله الاجل فجعل موعدهم يوم القيامة.
وَيَقُولُونَ يعنى كفار مكة لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ اى على محمد آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ من الآيات التي اقترحوها فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ هو المختص بعلمه فهو العالم بالصارف عن إنزال الآيات المقترحة لا غير او المعنى الغيب يعنى ما غاب عن الناس اى امره تعالى عنده فَانْتَظِرُوا نزول الآيات المقترحة او فانتظروا بقضاء الله بيننا وبينكم بإظهار المحق على المبطل إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠) لما يفعل الله بكم بجحودكم على ما نزل علىّ من الآيات العظام واقتراحكم غيرها-.
وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ اهل مكة رَحْمَةً خصبا وسعة وصحة مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ قحط وشدة ومرض مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قال مجاهد تكذيب واستهزاء قلت المكر عبارة عن ارادة الشر بغيره على وجه الإخفاء وانما سمى تكذيب الآيات والاستهزاء بها مكرا لان الظاهر فيه تكذيب الرسول وارادة الشرّ به
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ اى يحملكم على السير ويمكنكم منه كذا قرا الجمهور وقرا ابن عامر وابو جعفر ينشركم بالنون والشين من النشر فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ اى السفن الفلك لفظ مشترك بين الواحد والجمع والمراد هاهنا الجمع بدليل قوله تعالى وَجَرَيْنَ بِهِمْ اى بمن فيها عدل عن الخطاب الى الغيبة للمبالغة
فَلَمَّا أَنْجاهُمْ اجابة لدعائهم إِذا هُمْ يَبْغُونَ يعنى فاجئوا وسارعوا الى ما كانوا عليه من البغي اى الظلم على الناس والتجاوز عن حدود الإباحة الى الفساد فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ اى مبطلين فيه تأكيد لقوله يبغون فان البغي لا يكون متلبسا «١» بالحق وفيه دفع لتوهم تخريب المسلمين ديار الكفار وإحراق زروعهم وقلع أشجارهم فانها بإذن الله تعالى ليجزى الفاسقين ويهديهم الى الصلاح يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ فان وباله راجع عليكم قال رسول الله ﷺ اسرع الخير ثوابا البر وصلة الرحم واسرع الشر عقوبة البغي وقطيعة الرحم رواه الترمذي وابن ماجة بسند حسن عن عائشة وقال رسول الله ﷺ ثلاث من كن فيه فهى راجعة على صاحبها البغي والمكر والنكث رواه ابو الشيخ وابن مردوية فى التفسير والخطيب عن انس وقال رسول الله ﷺ لو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما رواه ابن لال عن ابى هريرة مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا
إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا اى حالها العجيبة فى سرعة زوالها واغترار الناس بها كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ اى اشتبك وخالط بعضه بعضا بِهِ اى بسبب الماء نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ من الحبوب والثمار والبقول وَالْأَنْعامُ من الحشيش حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها حسنها وبهجتها بألوان النبات والازهار وَازَّيَّنَتْ أصله تزينت كذا قرا ابن مسعود وَظَنَّ أَهْلُها اى اهل الأرض أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها اى على الأرض بمعنى انهم متمكنون من تحصيل ثمرتها بالجزاز والقطاف والحصاد ورفع غلتها والانتفاع بها أَتاها أَمْرُنا اى قضاؤنا بضرب زرعها ببعض العاهات بعد استيقانهم انه قد سلم لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها اى زرعها حَصِيداً اى شبيها بالمحصود من أصله كَأَنْ لَمْ تَغْنَ اى كان لم تلبث زرعها فحذف المضاف فى الموضعين مبالغة وأقيم المضاف اليه مقامه مشتق من غنى بالمكان إذا اقام به بِالْأَمْسِ اى قبيل ذلك الزمان وهو مثل فى الوقت القريب الماضي والممثل به مضمون الحكاية وهو زوال خضرة النبات وبهجتها فجاءة وذهابها حطاما بعد ما كان غصنا وزين الأرض حين طمع فيه اهله وظنوا انه قد سلم من الجوائح لا الماء وان كان متصلا بحرف التشبيه لانه من التشبيه المركب قال قتادة معناة المتشبث بالدنيا يأتيه امر الله وعذابه اغفل ما يكون كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤) فانهم هم المنتفعون به.
وَاللَّهُ يَدْعُوا جميع الناس إِلى دارِ السَّلامِ اى دار السلامة
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا العمل فى الدنيا قال رسول الله ﷺ فى حديث الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك فى الصحيحين من حديث عمر فى قصة سوال جبرئيل الْحُسْنى يعنى المثوبة الحسنى اى الجنة اخرج ابن مردوية عن ابن عمر عن رسول الله ﷺ قال لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا شهادة ان لا اله الا الله الحسنى الجنة والزيادة النظر الى الله وَزِيادَةٌ وهو النظر الى وجه الله الكريم كذا روى ابن جرير وابن مردوية عن ابى موسى الأشعري عن رسول الله ﷺ قال يبعث الله تعالى يوم القيامة مناديا ينادى بصوت يسمعه أولهم وآخرهم يا اهل الجنة ان الله وعدكم الحسنى
وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها عطف على قوله لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى على مذهب من يجوز فى الدار زيد والحجرة عمرو او هو مبتدا خبره جزاء سيّئة تقديره جزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها اى نجازى سيئة بسيئة مثلها لا يزاد عليها وجاز ان يكون خبره كَأَنَّما أُغْشِيَتْ او أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ وما بينهما اعتراض وقوله جزاء سيئة مبتدا خبره محذوف اى جزاء سيئة واقع او مقدر بمثلها او الخبر بمثلها على زيادة الباء وَتَرْهَقُهُمْ تغشاهم ذِلَّةٌ هو ان ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ من زائدة يعنى مالهم أحد يعصمهم من سخط الله او مالهم أحد من جهة الله او من عنده من يعصمهم من عذاب الله كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً جمع قطعة مفعول ثان لاغشيت مِنَ اللَّيْلِ صفة لقطعا مُظْلِماً حال من الليل والعامل فيه أغشيت لان العامل فى موصوفه عامل فيه او معنى الفعل فى من الليل وقرا ابن كثير والكسائي ويعقوب قطعا ساكن الطاء اى بعضا كقوله تعالى بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وعلى هذا يصح ان يكون مظلما صفة لقطعا او حال منه أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧) احتجت المعتزلة بهذه الاية على خلود اصحاب الكبائر فى النار وردّ قولهم بان السيئات يعم الصغائر والكبائر والكفر فلو كانت الاية على عمومها لزم خلود اصحاب الصغائر ايضا ولم يقل به أحد وايضا يأبى عنه قوله تعالى جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها فانه يقتضى ان يكون جزاء الكبائر دون الكفر فوق الصغائر فلا يتصور الحكم بالخلود على العموم فمرجع الاشارة ليس الذين كسبوا السيئات على العموم بل بعضهم وهم الكفار كما فى قوله تعالى وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ بعد قوله وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ وجاز ان يقال المراد بالذين كسبوا السيئات الكفار لان الذين أحسنوا يتناول
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يعنى الفريقين ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ اى الزموا مكانكم حتّى تنظروا ما نفعل بكم أَنْتُمْ تأكيد للضمير المنتقل الى قوله مكانكم من عامله المحذوف اعنى الزموا وَشُرَكاؤُكُمْ عطف على الضمير المذكور يعنى الأوثان فَزَيَّلْنا اى فرقنا بَيْنَهُمْ يعنى قطّعنا الوصل الّتي كانت بينهم فى الدنيا حتّى تبرّا كل معبود من دون الله ممن عبده وقيل معناه ميّزنا بينهم وبين المؤمنين كما فى قوله تعالى وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ... وَقالَ لهم شُرَكاؤُهُمْ يعنى الأصنام ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨) بطلبنا منكم العبادة ينطق الله بذلك الأصنام فيشافههم بالتبرّى مكان الشفاعة الّتي كانوا يرجون منها وقيل المراد بالشركاء الملائكة والمسيح فانهم ما أمروا بها ولا رضوا بها فاذا قالت المعبودون بالباطل ذلك- قالت الكفار بلى كنا نعبدكم فيقول الأوثان.
فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ فانه هو العالم بكنه الأشياء إِنْ كُنَّا مخففة من الثقيلة يعنى انّا كنّا عَنْ عِبادَتِكُمْ إيانا لَغافِلِينَ (٢٩) اللام هى الفارقة وجاز ان يكون ان نافية واللام بمعنى الا يعنى ما كنا الا غافلين عن عبادتكم لا نسمع ولا نبصر ولا نعقل.
هُنالِكَ اى فى ذلك المقام تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ اى تختبر وتعلم ما قدمت من عمل فيعائن نفعها «٢» وضررها قرا حمزة والكسائي تتلوا بالتائين الفوقانيتين من التلاوة اى تقرأ صحيفتها او من العلو اى تتبع عملها فتقودها الى الجنة او الى النار وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ اى الى حكمه او الى جزائه إياهم بما اسلفوا مَوْلاهُمُ الْحَقِّ اى ربهم ومتولى أمورهم على الحقيقة لا ما اتخذوه اولياء فان
(٢) فى الأصل نفعه وضرره-
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ بانزال المطر والبركة وَالْأَرْضِ بالانبات وقيل من لبيان من الموصولة على حذف المضاف اى من اهل السماء والأرض أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ فيسمعكم ويبصركم ما شاء إسماعه وابصاره وجرى به عادته او من اعطاكم السمع والابصار ومن يستطيع خلقهما وتسويتهما او من يحملهما عن الآفات مع كثرتها فى المدد الطوال وسرعة انفعالهما عن ادنى شيء وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ الحيوان مِنَ الْمَيِّتِ من النطفة والبيضة وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ اى النطفة والبيضة مِنَ الْحَيِّ من الحيوان وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ اى يقضى الأمور ويعلم عواقبها فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ خبر مبتدا محذوف اى هو الله يعنى لا يقدرون على اسناد هذه الأمور الى ما يدعونه الهة لظهور بطلانه فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣١) أنفسكم عقابه باشراككم إياه ما لا يقدر على شيء مما ذكر.
فَذلِكُمُ اى من يفعل هذه الأشياء اللَّهُ المستحق للعبادة رَبُّكُمُ الثابت ربوبيته بالوجدان والبرهان حيث خلقكم ورزقكم ودبر أموركم الْحَقُّ الثابت المتحقق الّذي لا شبهة فى وجوده ولا فى ألوهيته فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ استفهام انكار اى ليس شيء غير الحق الا الضّلال فمن يخطى الحق الّذي هو عبادة الله تعالى وقع فى الضلالة فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢) عن الحق الى الضلال مع قيام البرهان.
كَذلِكَ يعنى كما تحققت الربوبية لله تعالى وان ليس بعد الحق الا الضلال او كما صرف هؤلاء عن الايمان حَقَّتْ ثبتت ووجبت كَلِمَةُ رَبِّكَ اى حكمه السابق لاملانّ جهنّم من الجنّة والنّاس قرا ابو جعفر ونافع وابن عامر كلمات ربّك على الجمع والباقون بالإفراد عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا خرجوا عن حد الاستصلاح وتمردوا فى كفرهم أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣)
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ جعل الاعادة كالابداء فى الإلزام بها لظهور برهانها وان كانوا منكرين لها ولذلك امر الله سبحانه رسوله ﷺ ان ينوب عنهم فى الجواب فقال قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ بعد اعدامه كما كان فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤) تصرفون عن عبادته الى عبادة غيره مع قيام البرهان.
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ بنصب الدلائل وإرسال الرسل والتوفيق الى النظر الصحيح وخلق الهداية- والهدى كما يعدى بالى لتضمنه معنى الانتهاء يعدى باللام ايضا للدلالة على ان المنتهى هو المقصود بالهداية فقال قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ لا يستطيع ذلك غيره أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ يعنى الله سبحانه تعالى أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ ممّن لا يهدى أَمَّنْ لا يَهِدِّي قرا ابن كثير وورش وابن عامر بفتح الياء والهاء وتشديد الدال وقالون وابو عمرو كذلك الا انهما يخفيان حركة الهاء والنص عن قالون الإسكان وقرا اليزيدي عن ابى عمرو كانّ يشم الهاء شيئا من الفتح وأبو بكر بكسر الياء والهاء وحفص ويعقوب بفتح الياء وكسر الهاء والأصل فى هذه القراءات يهتدى فادغمت التاء فى الدال وفتحت الهاء بحركة التاء او كسرت لالتقاء الساكنين وكسرت الياء على قراءة ابى بكر باتباع الهاء ولم يبال «١» ابو عمرو بالتقاء الساكنين لان المدغم فى حكم المتحرك وقرا حمزة والكسائي بفتح الياء واسكان الهاء وتخفيف الدال من المجرد من قولهم هدى بنفسه إذا اهتدى او بمعنى لا يهدى غيره والمعنى امن لا يهدى غيره او لا يهتدى بنفسه فضلا من ان يهدى غيره أحق بالاتباع ممن يهدى غيره إِلَّا أَنْ يُهْدى استثناء مفرغ منصوب على الظرفية يعنى لا يهدى فى شيء من الأوقات الا ان يهديه الله اى الا وقت هداية الله إياه فحينئذ يهتدى بنفسه ويهدى غيره وهذا حال اشراف شركائهم كالملائكة والمسيح وعزير وقيل معنى الهداية الانتقال من مكان الى مكان اخر فيشتمل الأصنام ايضا يعنى الا ان
وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ فيما يعتقدونه إِلَّا ظَنًّا غير مستند الى برهان عقلى او نقلى بل الى خيالات فارغة وأقيسة فاسدة كقياس الغائب على الشاهد والخالق على المخلوق بأدنى مشاركة موهومة والمراد بالأكثر المجموع او من ينتمى منهم الى تميز ونظر ولا يرضى بالتقليد الصرف إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي اى لا يفيد مِنَ الْحَقِّ من العلم والاعتقاد الحق شَيْئاً من الإغناء او لا يفيد شيئا كائنا من الحق وفيه دليل على انه لا يجوز فى الاعتقاديات الاكتفاء بالظن والتقليد بل لا بد فيه من تحصيل العلم بالبرهان النقلى او العقلي إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦) وعيد على الاعراض عن الحجج العقلية والنقلية اتباعا للظن والتقليد-.
وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ المعجز أَنْ يُفْتَرى مصدر بمعنى المفعول خبر كان مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ اى مصدق منصوب على انه خبر لكان مقدرا او علة لفعل محذوف تقديره ولكن أنزله الله لتصديق الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ يعنى محمّدا ﷺ او الكتب المنزلة المتقدمة او القيامة او البعث الّذي اخبر بها الكتب المتقدمة فلا يكون كذبا وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ اى تبيين لما فى اللوح المحفوظ من الحلال والحرام والفرائض والاحكام لا رَيْبَ فِيهِ منتفيا عنه صلاحية الريب لكونه معجزا مطابقا للكتب المتقدمة خبر ثالث داخل فى حكم الاستدراك او استيناف مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧) خبر اخر تقديره كائنا من ربّ العالمين او متعلق بتصديق او بتفصيل ولا ريب فيه اعتراض او بالفعل المعلل بهما او حال من الكتاب او من ضمير فيه وفى الاية تنبيه على ما يجب اتباعه بعد المنع عن اتباع الظن.
أَمْ يَقُولُونَ بل أيقولون ومعنى الهمزة فيه للانكار افْتَراهُ اختلقه محمّد ﷺ قُلْ يا محمّد ردّا لقولهم فَأْتُوا بِسُورَةٍ
بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ يعنى ان كلامهم وانكارهم للقران ليس مبتنيا على التحقيق والتفكر بل كذبوا به أول ما سمعوه قبل ان يتفكروا فيه ويحيطوا بالعلم بشأنه وادراك انه ليس من جنس ان يمكن إتيانه من البشر وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ اى لم يأتهم بعد العلم بعاقبة ما فى القران من الوعد والوعيد والاخبار بالغيوب من المبدأ والمعاد وكان يمكنهم تحصيل ذلك العلم من علماء الكتب المنزلة المتقدمة حتّى يتبين لهم صدق هذا الحديث- والمعنى ان القران معجز من جهة النظم والمعنى ظاهر صدقه على من يتامل فيه ادنى تأمل ويتفكر ويبحث عن علومه لكنهم لم يفعلوا ذلك بل سارعوا فى تكذيبه قبل ان يتدبروا فى نظمه ويتفحصوا عن معناه ومعنى التوقع فى لمّا انه قد ظهر لهم بالاخر اعجازه لما كرد عليهم التحدي وجرّبوا أقواهم فى معارضته فتضالت دونها وشاهدوا وقوع بعض ما اخبر به مطابقا لما أخبره مرارا كما فى قوله فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا وقوله غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ وقوله تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ وغير ذلك فمنهم من أمن بعد ذلك ومنهم من لم يؤمن تمردا وعنادا قال الله تعالى يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وقال وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ... كَذلِكَ اى كما فعل هؤلاء بالقران كذلك كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعنى كذب
وَمِنْهُمْ اى من المكذبين مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ اى يصدق به فى نفسه ويستيقن بعد التفكر فى القران او المعنى ومنهم من يؤمن به فى الاستقبال بعد ما يتضح عليه حقيّة القران فيتوب عن كفره هذا ما دلت عليه كلمة لمّا من التوقع وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ لفرط غباوته وسبق قضاء الله تعالى بموته على الكفر وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠) بالمعاندين او المصرين-.
وَإِنْ كَذَّبُوكَ يعنى ان أصروا على تكذيبك بعد الزام الحجة يا محمّد فَقُلْ يعنى فتبرّأ عنهم وقل لِي عَمَلِي اى جزاؤه وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ اى جزاؤه أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ يعنى لا تؤاخذون على عملى ولا يضركم فعلى فلا تؤذوني ولا تهتموا بما فعلت وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) لا أؤاخذ بأعمالكم انما أقول لكم ما أقول نصحا لكم قال رسول الله ﷺ انما مثلى ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل اتى قوما فقال يا قوم انى رايت الجيش بعيني وانى انا النذير العريان فالنجا النجا فاطاعه طائفة من قومه فادلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا وكذّبت طائفة منهم فاصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فاهلكهم واجتاحهم فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به ومثل من عصانى وكذب ما جئت به من الحق متفق عليه من حديث ابى موسى الأشعري قال الكلبي ومقاتل هذه الاية منسوخة باية الجهاد كقوله تعالى لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ....
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ اى يلقون إليك أسماعهم الظاهرة إذا قرات القران وتكلمت بالحكم والشرائع لكن لا يسمعون بقلوبهم فلا يدركون حقائقها ولطائفها لفساد استعدادهم كالاصم الّذي يريد ان يسمع فلا يسمع لعدم القوة السامعة فى صماخه أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ اى تقدر على اسماع الصم وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) اى ولو انضم الى صممهم عدم تعقلهم فان الأصم العاقل ربما تفرس بالقرائن فكما لا تقدر أنت
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ بأبصارهم ويعائنون ادلة الصدق واعلام النبوة لكنهم لا يصدقون لعدم بصيرة فى قلوبهم أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣) اى ولو انضم الى عدم البصر عدم البصيرة فانه لا يهتدى بالطريق الاولى- فيه تسلّية من الله تعالى لنبيه ﷺ يقول انك لا تقدر ان تسمع من سلبت عنه السمع ولا تهدى من سلبت عنه البصر ولا ان توفق للايمان من حكمت عليه انه لا يؤمن- وتعليل للامر بالتبرّى والاعراض عنهم.
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤) فانهم لسوء استعدادهم وفساد اختيارهم لا يقبلون هداية الله ورسوله قال رسول الله ﷺ مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكانت طائفة منها طيبة قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة اخرى انما هى قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلاء فذلك من فقه فى دين ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الّذي أرسلت به متفق عليه من حديث ابى موسى وقيل معناه انّ الله لا يظلم النّاس شيئا بسلب آلات الاستدلال من العقول والحواس ولكنّ النّاس أنفسهم يظلمون بافسادها وتفويت منافعها وترك الاستدلال فالاية دليل على ان العبد له كسب وانه ليس مسلوب الاختيار بالكلية كما زعمت الجبرية ويجوز ان يكون وعيدا لهم بمعنى ان ما يحيق بهم يوم القيامة من العذاب عدل من الله تعالى لا يظلمهم الله به ولكنهم ظلموا أنفسهم باقتراف أسبابها قرا حمزة والكسائي بتخفيف لكن ورفع الناس والباقون بتشديدها والنصب-.
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ قرا حفص باليا على الغيبة والضمير عائد الى الله
وَإِمَّا مركبة من ان شرطية وما زائدة يعنى وان نُرِيَنَّكَ اى نبصرنك بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ من العذاب فى الدنيا كما أراه «١» يوم بدر أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل ان نريك عذابهم فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ اى فنريكه فى الاخرة فهو جواب نتوفينك وجواب نرينك محذوف نحو فذاك ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦) ذكر الشهادة وأراد نتيجتها ومقتضاها مجازا ولذلك رتبها على الرجوع بثم والمعنى ثم الله يفعل بهم على مقتضى ما شهد منهم من أفعالهم وقيل ثم هاهنا بمعنى الواو قال مجاهد كان البعض الّذي أراه قتلهم يوم بدر وسائر انواع العذاب بعد الموت.
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ خلت رَسُولٌ أرسل إليهم
وَيَقُولُونَ اى كفار مكة مَتى هذَا الْوَعْدُ الّذي تعدنا يا محمّد من العذاب إِنْ كُنْتُمْ ايها الرسول واتباعه صادِقِينَ (٤٨) فيما وعدتم به شرط حذف جزاؤه يعنى فأتوا به قالوا ذلك تكذيبا واستهزاء.
قُلْ يا محمّد لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً اى دفع ضر او جلب نفع فكيف املك فى جلب العذاب إليكم إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ ان يقدرنى فاملكه او المعنى لكن ما شاء الله كائن لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ مدة مضروبة فى علم الله تعالى لهلاكهم إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ اى الوقت المقدر لتعذيبهم فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً اى لا يتاخرون منه ادنى زمان وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩) معطوف على جملة إذا جاء أجلهم يعنى لا تستعجلوا عذابكم فسيجيء وقته وينجز وعدكم.
قُلْ أَرَأَيْتُمْ يعنى أخبروني إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ تعالى الّذي تستعجلونه بَياتاً وقت اشتغالكم بالنوم أَوْ نَهاراً وقت اشتغالكم بامور معاشكم- وجواب الشرط محذوف يعنى ندمتم على استعجالكم وعرفتم ما اخطأتم ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠) استفهام تعجب من استعجالهم شيئا من المكروه- إذ لا شيء من المكروه ما يلائم الاستعجال- وهو متعلق بارايتم وما بينهما اعتراض- والمجرمون مظهر موضع الضمير- وضع للدلالة على ان جرمهم يقتضى ان يفزعوا- لا ان يستعجلوا جزاءه قال البغوي انهم كانوا يستعجلون العذاب ويقول
أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ العذاب الّذي يستعجلونه الظرف متعلق بقوله آمَنْتُمْ بِهِ وهذا معطوف على جزاء الشرط محذوفا كان او مذكورا- تقديره ان أتاكم عذابه ندمتم ثم أمنتم به اى بالعذاب او بمن اخبر به إذا ما وقع يعنى بعد وقوعه والهمزة لانكار تأخير الايمان الى وقت لا يفيد الايمان حينئذ- او تقديره ان أتاكم عذابه اىّ شيء تستعجلون حينئذ يعنى لا تستعجلون حينئذ بالعذاب ثم تؤمنون بالعذاب او بمن اخبر به حين لا ينفعهم وجاز ان يكون هذا جملة شرطية معطوفة على شرطية سابقة وقوله ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ معترضة او جزاء شرطية سابقة والمراد بالعذاب هاهنا عذاب الاخرة وبالعذاب السابق عذاب الدنيا والمعنى ارايتم ان أتاكم عذاب الله فى الدنيا ليلا او نهارا تندموا او اىّ شيء تستعجلوا حينئذ ثم إذا وقع بكم عذاب الاخرة هل تؤمنوا به حين لا ينفعكم الايمان هلا تؤمنوا حين ينفعكم وذلك فى الدنيا قبل الغرغرة آلْآنَ على إضمار القول يعنى يقال لكم حين تؤمنوا بعد رؤية العذاب فى الاخرة او عند غرغرة الموت على وجه الإنكار الان أمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم- قرأ نافع بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام- والباقون بإسكان اللام وهمزة بعدها- وكلهم سهل همزة الوصل الّتي بعد همزة الاستفهام- او قلّبها مدّة فى ذلك وشبهه- نحو قوله تعالى آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ وَالذَّاكِرِينَ- وَاللَّهُ خَيْرُ- ولم يحققها أحد منهم- ولم يجعل أحد فصلا بينها وبين الّتي قبلها بألف لضعفها وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) تكذيبا واستهزاء حال من فاعل أمنتم المقدر.
ثُمَّ قِيلَ عطف على قيل المقدر لِلَّذِينَ ظَلَمُوا اى أشركوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ اى ما تجزون إِلَّا بِما «١» كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢) من الكفر والمعاصي.
وَيَسْتَنْبِئُونَكَ اى يستخبرونك يا محمّد أَحَقٌّ هُوَ يعنى ما تدعيه من التوحيد والنبوة والقران وقيام الساعة والعذاب والثواب- أم باطل تهزل به- قوله
وَلَوْ ثبت أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ على الله سبحانه بالشرك او على غيره بالتعدي ما فِي الْأَرْضِ من خزائنها وما يحبّه مما هو عليها لَافْتَدَتْ بِهِ اى لجعلته فدية من العذاب من قولهم افتداه بمعنى فداه وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ قال ابو عبيدة معناه أظهروا الندامة لانه ليس ذلك اليوم يوم تصبّر وتصنّع وقيل معناه اخفوا الندامة اى أخفى الرؤساء الندامة من الضعفاء وهم الاتباع خوفا من ملامتهم وتعييرهم- وقيل انهم لمّا بهتوا من رؤية عذاب لم يكونوا يحتسبوه لم يقدروا ان ينطقوا- وقيل أسروا الندامة يعنى أخلصوها لان اخفاؤها إخلاصها او لانه يقال سر الشيء لخلاصته من حيث انها تخفى ويضين بها وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ اى بين الظالمين والمظلومين دل عليهم ذكر الظلم يعنى حكم للمظلومين على الظالمين بالعذاب بِالْقِسْطِ اى بالعدل وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٥٤) بالتعذيب بلا ذنب وليس هذا تكريرا لان الاول قضاء بين الأنبياء ومكذبيهم وهذا مجازات المشركين على شركهم والحكومة بين الظالمين والمظلومين.
أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ تقرير لقدرته تعالى على الاثابة والتعذيب أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ اى ما وعده من الثواب والعذاب كائن لا خلف فيه وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٥) به لانهم لقصور عقلهم لا يعلمون الا ظاهرا من الحيوة الدنيا.
هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فى الدنيا فهو يقدر عليهما فى العقبى لان القادر لذاته لا يزول قدرته والمادة القابلة بالذات للحيوة والموت قابلة لهما ابدا وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦) بالموت والبعث.
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ يعنى القران على لسان محمّد صلى الله عليه وسلم- فانها موعظة يعنى تنبيه وتذكير يدعو الى كل مرغوب ويزجر عن كل مرهوب- وذلك بالأوامر والنواهي فان الأمر من الحكيم العليم الجواد يقتضى حسن المأمور به
قُلْ يا محمّد شكرا له تعالى فى جواب ما قال منة عليكم بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ يعنى جاءنا الموعظة والشفاء والهداية والرحمة بفضل الله تعالى ورحمة منه دون استحقاق منا فَبِذلِكَ الفضل من الله والرحمة او بمجيء القران فَلْيَفْرَحُوا تقديره فبذلك ليفرحوا فليفرحوا- والتكرير للتأكيد والتقرير وإيجاب اختصاص مجيء الكتاب او الفضل والرحمة بالفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا فحذف أجد الفعلين لدلالة المذكور عليه- والفاء فى قوله فبذلك داخلة لمعنى الشرط كانه قيل ان فرحوا بشيء فليفرحوا بذلك- او للربط بما قبلها والدلالة على ان مجيء الكتاب الموصوف بما ذكر موجب للفرح- وقيل المراد بفضل الله ورحمته إنزال القران- وقال مجاهد وقتادة فضل الله الايمان ورحمته القران- وقال ابو سعيد الخدري فضل الله القران ورحمته ان جعلنا من اهله- اخرج ابو الشيخ وغيره عن انس قال قال رسول الله ﷺ بفضل الله اى القران وبرحمته ان جعلكم من اهله- وقال ابن عمر فضل الله الإسلام ورحمته تزيينه فى القلوب- وقال خالد بن معدان فضل الله الإسلام
قُلْ يا محمّد لكفار مكة أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ اى خلق لكم عبر عن الخلق بالانزال لما نيط خلقها بسبب منزل من السماء يعنى المطر- او لانه لما قدّر وكتب اولا فى اللوح المحفوظ ثم خلق على وفقه فكانّه انزل من اللوح- وما منصوب بانزل او ارايتم فانه بمعنى أخبروني مِنْ رِزْقٍ بيان لما يعنى من زرع او ضرع- وكلمة لكم دلت على ان المراد منه ما حلّ ولذلك وبّخ على تشقيصه فقال فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ اى بعضه حَراماً وَبعضه حَلالًا... قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ... وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا- وحرموا البحيرة والسائبة والوصيلة والحام قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ فى هذا التحليل والتحريم فتقولون ذلك بحكمه أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (٥٩) فى نسبة ذلك الأمور- والجملة متعلق بارايتم وقل تكرير للتؤكيد- وجاز ان يكون الاستفهام للانكار وأم منقطعة ومعنى الهمزة فيها تقرير افترائهم على الله- والمعنى ان الله لم يأذن لكم بل على الله تفترون حيث تقولون وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها....
وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ اىّ شيء ظنهم يَوْمَ الْقِيامَةِ منصوب بالظن- يعنى ايحسبون انهم لا يجازون عليه- لا بل كائن لا محالة وفى إبهام الوعيد تهديد عظيم إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ حيث أنعم عليهم بالعقل- وهداهم بانزال الكتب وإرسال الرسل وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠) هذه النعمة- ولو شكروها
وَما تَكُونُ يا محمّد فِي شَأْنٍ اى امر وحال قال بعض المحققين لا يقال الشأن الا فيما يعظم من الأحوال والأمور قال البيضاوي أصله من شأنت شأنه اى قصدت قصده وَما تَتْلُوا مِنْهُ اى من الشأن لان تلاوة القران كان معظم شأن الرسول صلى الله عليه وسلم- ولان القراءة يكون لشأن عظيم فيكون التقدير من اجله او من القران وإضماره قبل الذكر- ثم قوله مِنْ قُرْآنٍ بيانا له تفخيم له او المعنى ما تتلوا من الله- ومن فى من قرءان تبعيضية- او مزيدة لتأكيد النفي وَلا تَعْمَلُونَ ايها الناس مِنْ عَمَلٍ تعميم للخطاب بعد تخصيصه بمن هو رأسهم- ولذلك ذكر من اعماله اولا ما فيه فخامة ثم عمم ما يتناول الجليل والحقير إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً اى رقباء مطلعين عليه إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ اى تدخلون وتندفعون فيه اى فى العمل وقيل معناه تكثرون فيه والافاضة الدفع بكثرة وَما يَعْزُبُ قرا الكسائي بكسر الزاء والآخرون بضمها وهما لغتان معناه لا يغيب عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ مصدر ميمى بمعنى الثقل يعنى الوزن ومن زائدة ذَرَّةٍ اى نملة صغيرة او هباء فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ اى فى الوجود والإمكان واقتصر على ذكر الأرض والسماء لان أبصار العوام قاصرة عليهما وقدم الأرض لان الكلام فى حال أهلها والمقصود بيان احاطة علمه تعالى بالأشياء كلها وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦١) كلام برأسه مقرر لما قبله- ولا لنفى الجنس- وأصغر واكبر اسمها- وفى كتاب خبرها- قرا حمزة ويعقوب برفع أصغر واكبر على الابتداء والخبر بابطال عمل لا لاجل التكرير والباقون بالنصب على اعمال لا- وقيل لا ولا زائدتان وأصغر واكبر معطوفان على مثقال ذرة- او على ذرة والفتح بدل الكسر لامتناع الصرف- او للحمل على مثقال ذرة مع الجار- والرفع للعطف على مثقال ذرة حملا على محله البعيد قبل دخول من والاستثناء «١» حينئذ منقطع-
أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ حين يخاف الناس يوم القيامة من لحوق مكروه وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) حينئذ بفوات مأمول- اعلم ان الولاء والتوالي فى اللغة ان يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما- ويستعار للقرب من حيث المكان ومن حيث النسبة ومن حيث الدين ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد- وفى القاموس الولي القرب والدّنو والولىّ اسم «١» منه بمعنى القريب والمحبّ والصديق والنصير فاعلم ان لله سبحانه بعباده بل بجميع خلقه قربا «٢» غير متكيف كما يدل عليه قوله تعالى نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ وذلك القرب هو الموجب لوجود الممكنات فما لم يحصل للممكن ذلك القرب بالواجب تعالى لم يشم رائحة الوجود فان له فى نفسه ليس- وله سبحانه بخواص عباده قرب اخر غير متكيف ايضا وذلك قرب المحبة ويتمثل هذا القرب فى عالم المثال بنظر الكشف بصورة القرب الجسماني- وهذان القربان لا اشتراك بينهما الا من حيث الاسم- وهذا القرب الثاني له درجات ومراتب غير متناهية كما يدل عليه الحديث القدسىّ- لا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل حتّى أحببته فاذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به وبصره الّذي يبصر به الحديث رواه البخاري عن ابى هريرة- وادنى درجات هذا القرب يحصل بمجرد الايمان قال الله تعالى اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا- وأعلى درجاته نصيب الأنبياء ونصيب سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم- وله ﷺ ترقيات لا تتناهى الى ابد الآبدين- وادنى ما يعتد به ويطلق عليه اسم الولي فى اصطلاح الصوفية والمراد بهذه الاية ان شاء الله تعالى من كان قلبه مستغرقا فى ذكر الله يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ممتليا بحب الله تعالى لا يسع فيه غيره وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ- فلا يحبّ أحدا الا لله- ولا يبغض الا لله- ولا يعطى الا لله- ولا يمنع الا لله- فهم المتحابون فى الله والصوفية العلية «٣» يسمون هذه الصفة بفناء القلب- فكان ظاهره وباطنه متحليا بتقوى يقى نفسه عما يكرهه الله تعالى من الأعمال والأخلاق- فكان نفسه منزها عن الرذائل من الشرك الجلى
(٢) فى الأصل قرب
(٣) وصّفنا الصوفية بالعلية لعلوهم درجة لاستنادهم الى على رضى الله عنه فانه قطب هذا المقام ١٢ منه رحمه الله
الَّذِينَ آمَنُوا اى حقيقة الايمان فان الايمان محله القلب وكمال الايمان ان يطمئن قلبه بذكر الله لا يغفل عنه ساعة ولا يلتفت الى غيره- «١» والى الوصف الثاني بقوله وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) الله تعالى بإتيان أوامره وانتهاء نواهيه «٢» الظاهرة والباطنة- روى ابو داود عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ ان من عباد الله لا ناسا ما هم بانبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله- قالوا يا رسول الله تخبرنا من هم- قال هم قوم تحابون بروح الله على غير أرحام بينهم- ولا اموال يتعاطونها- فو الله ان وجوههم لنور وانهم على نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس وقرا أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ- وروى البغوي بسنده عن ابى مالك الأشعري نحو ذلك وكذا روى البيهقي فى شعب الايمان- اخرج ابن مردوية عن ابى هريرة قال سئل النبي ﷺ عن قول الله أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ قال الذين يتحابون فى الله وورد مثله من حديث جابر بن عبد الله أخرجه ابن مردوية- (فصل) فى اسباب حصول الولاية- وهذه المرتبة اعنى ولاية الله تعالى انما يستفاد بالانعكاس من رسول الله ﷺ اما بلا واسطة او بواسطة او بوسائط ولا بد فيه من كثرة المجالسة مع المحبة والانقياد بالنبي صلى الله عليه وسلم- او بمن ينوبه- فانهما يثمران محبة الله تعالى وانصباغ قلبه وقالبه ونفسه بصبغ قلب رسول الله ﷺ وقالبه ونفسه الّذي هو صبغة الله ومن احسن من الله صبغة وكثرة الذكر على وجه مسنون يؤيد ذلك الانعكاس لكونه موجبا لصقالة القلب المستوجب للانعكاس- قال رسول الله ﷺ لكل شيء صقالة وصقالة القلب ذكر الله- رواه البيهقي
هر كس كه ترا شناخت جان را چهـ كند | فرزند وعيال وخان ومان را چهـ كند |
ديوانه كنى هر دو جهانش بخشى | ديوانه تو هر دو جهان را چهـ كند |
(٢) قال ابن عمر التقوى ان لا ترى نفسك خيرا من أحد- وقال المجدد للالف الثاني معرفة الله تعالى حرام على من يرى نفسه خيرا عن كافر الفرنج ١٢ منه برد الله مضجعه
العلية الكرامة حيض الرجال لا بد استتارها- ولا مزية لاحد على أحد بها- ومن ثم ندم بعض الرجال عن كثرة ظهور خرق العادات بايديهم والله اعلم- ومحل الّذين أمنوا النصب على المدح او على كونه وصفا للاولياء- او الرفع على انه خبر مبتدا محذوف يعنى هم والجملة مادحة او على انه مبتدا خبره.
ُمُ الْبُشْرى
وذلك ما بشر رسول الله ﷺ أصحابه بالوحى عموما وخصوصا- فقال ابو بكر فى الجنة وعمر فى الجنة وعثمان فى الجنة وعلى فى الجنة وطلحة فى الجنة والزبير فى الجنة وعبد الرّحمن بن عوف فى الجنة وسعد بن ابى وقاص فى الجنة وسعيد بن زيد فى الجنة وابو عبيدة «١» بن الجراح فى الجنة رواه الترمذي عن عبد الرّحمن بن عوف وابن ماجة عن سعيد بن زيد- وقال اما انك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي رواه ابو داؤد عن ابى هريرة- وقال انا أول من ينشق عنه الأرض ثم ابو بكر ثم عمر رواه الترمذي عن ابى هريرة وقال لكل نبى رفيق ورفيقى فى الجنة عثمان رواه الترمذي عن طلحة بن عبيد الله- وقال لعلى أنت منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبى بعدي متفق عليه عن سعد بن ابى وقاص- وقال من كنت مولاه فعلىّ مولاه رواه احمد والترمذي عن زيد بن أرقم- وقال فاطمة بضعة منى فمن أغضبها أغضبني متفق عليه عن مسور بن مخرمة- وقال الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة رواه الترمذي عن ابى سعيد وقال خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد وقال فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام وقال ان عبد الله يعنى ابن عمر رجل صالح متفق عليه عن ابن عمر- وقال لعبد الله بن سلام انه من اهل الجنة متفق عليه عن سعد بن ابى وقاص- وقال الأنصار لا يحبهم الا مؤمن ولا يبغضهم الا منافق فمن أحبهم أحبه الله ومن ابغضهم أبغضه الله- وقال نعم الرجل أسيد بن حضير نعم الرجل ثابت بن قيس نعم الرجل معاذ بن جبل نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح- وقال ان الجنة تشتاق الى ثلاثة على وعمار وسلمان هكذا بشر رسول الله ﷺ كثيرا من الصحابة مفصلا- وبشر الله سبحانه كلهم أجمعين بقوله كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وبقوله مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ الاية- وبقوله ﷺ لا تسبوا أصحابي فلو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه متفق عليه عن ابى سعيد الخدري- وقال أصحابي كالنجوم فبايهم اقتديتم اهتديتم رواه رزين عن عمر- وقال خير أمتي قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم الحديث متفق عليه عن عمران بن حصين- ثم إذا مات رسول الله ﷺ فالبشرى فى الدنيا ما بشر الله سبحانه
قال هى الرؤيا الصالحة يراها المرء او ترى له- اخرج احمد وسعيد بن منصور والترمذي وغيرهم عن ابى الدرداء انه سئل عن هذه الايةهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
قال ما سالنى عنها أحد منذ سالت رسول الله ﷺ فقال ما سالنى عنها غيرك منذ أنزلت هذه الاية الرؤيا الصالحة يراها المؤمن او ترى له فهى بشراه فى الحيوة الدنيا وبشراه فى الاخرة الجنة له طرق كثيرة- والمراد بالرؤيا رؤيا الأولياء والصلحاء لا رؤيا العوام- قال رسول الله ﷺ الرؤيا ثلاث فبشرى من الله وحديث النفس وتخويف الشيطان رواه الترمذي وصححه وابن ماجة عن ابى هريرة- فان قيل الرؤيا وان كان من الأولياء والصلحاء لا يفيد القطع قلنا وان كان لا يفيد القطع لكنه يفيد غلبة الظن وذلك كاف للبشارة- وقال رسول الله ﷺ الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة رواه البخاري عن ابى سعيد ومسلم عن ابن عمرو عن ابى هرير واحمد وابن ماجة عن ابى رزين والطبراني عن ابن مسعود ونحوه ابن ماجة عن عوف بن مالك- وروى احمد عن ابن عمرو ابن عباس وابن ماجة عن ابن عمر الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزء من النبوة- وروى ابن النجار عن ابن عمر جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة- وليس المراد بالبشرى هاهنا ما بشر الله تعالى المؤمنين به عموما فى كتابه من جنته وكريم ثوابه كقوله تعالى وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا لان البشارة بمثل هذه الآيات لا يتصور الا بعد القطع بالتوفى على الايمان وذلك غير متصور- وقيل البشرى فى الدنيا هى الثناء الحسن لما روى البغوي بسنده عن عبد الله بن الصامت قال قال ابو ذر يا رسول الله الرجل يعمل لنفسه ويحبّه الناس قال تلك عاجل بشرى المؤمن- واخرج مسلم نحوه بلفظ ويحمده الناس- وقال الزهري وقتادة هى نزول الملائكة بالبشارة من الله عند الموت قال الله تعالى تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ وكذا قال عطاء عن ابن عباس فِي الْآخِرَةِ
يعنى عند خروج نفس المؤمن
يعنى لا خلف لمواعيده ومن هاهنا يمكن استنباط قول الصوفية الفاني لا يردلِكَ
اشارة الى كونهم مبشرين فى الدارين وَالْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(٦٤) هذه الجملة والّتي قبلها اعتراض لتحقيق المبشر به وتعظيم شأنه وليس من شرط الاعتراض ان يقع بعده كلام متصل بما قبله-.
وَلا يَحْزُنْكَ قرا نافع بضم الياء وكسر الزاء من الافعال والباقون بفتح الياء وضم الزاء من المجرد وكلاهما بمعنى قَوْلُهُمْ اى اشراكهم وتكذيبهم وتهديدهم إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً استيناف بمعنى التعليل وبدل عليه ما قرئ بالفتح كانه قيل لا تحزن ولا تبال بهم لان الغلبة لله جميعا لا يملك غيره شيئا منها فهو يقهرهم وينصرك عليهم هُوَ السَّمِيعُ لاقوالهم الْعَلِيمُ (٦٥) بنياتهم فيجازيهم عليها.
أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ من الملائكة والثقلين وإذا كان هؤلاء الذين هم اشراف الممكنات عبيدا لا يصلح أحد للربوبية فما لا يعقل منها أحق ان لا يكون له ند ولا شريك فهو كالدليل على قوله وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ اى شركاء على الحقيقة وان كانوا يسمونها شركاء فان الشركة فى الربوبية محال ويجوز ان يكون شركاء مفعول يدعون ومفعول يتبع محذوف دل عليه قوله إِنْ يَتَّبِعُونَ
اى ما يتبعون يقينا انما يتبعون ظنهم اى خيالهم انها شركاء- ويجوز ان يكون ما موصولة معطوفة على من اى لله ما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ او استفهامية منصوبة بيتبع والمعنى اى شيء يتّبع الّذين يدعونهم شركاء من الملائكة والنبيين يعنى انهم لا يتبعون الا الله ولا يعبدون غيره فما لكم لا تتبعونهم فيه كقوله تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ فيكون إلزاما بعد برهان وما بعده مصروف عن خطابهم لبيان سندهم ومنشا رأيهم وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (٦٦) اى يكذبون فيما ينسبون او يحزرون ويعتدون انها شركاء تقديرا باطلا.
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وتستريحوا من تعب التردد وَالنَّهارَ مُبْصِراً اى مضيئا سببا لابصار الأشياء إِنَّ فِي ذلِكَ اى فى خلق هذه الأشياء العظام على وفق الحكمة لَآياتٍ دالة على كمال قدرة الله وعظيم نعمته وحكمته المتوحد بها المستحق للعبادة المختصة به لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧) كلام الله تعالى وكلام المذكّرين سماع تدبر واعتبار.
قالُوا يعنى المشركين اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً وهو قولهم الملائكة بنات الله سُبْحانَهُ تنزيه له عن التبني وتعجب من كلام الحمقاء حيث حكموا بامر مستحيل لا يمكن ولا يتصور هُوَ الْغَنِيُّ عما سواه لا يحتاج فى شيء من الأمور الى شيء من الأشياء وما سواه ممكن محتاج فى وجوده وبقائه وفى كل صفة من صفاته اليه- فاى مناسبة بينه وبين ما يزعمونه ولدا فان الولد يكون من جنس الوالد او يقال انما يطلب الولد ضعيف يتقوى به او فقير ليستعين به او ذليل ليتشرف به او من يموت لبقاء جنسه والكل امارة الحاجة والله غنى قديم لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ خلقا وملكا فكيف يتصور كون شيء ممّا فيهما ولدا له إِنْ عِنْدَكُمْ ما عندكم مِنْ سُلْطانٍ اى برهان بِهذا متعلق بسلطان او نعت له او بعندكم كانه قيل ليس عندكم فى هذا سلطان نفى لدليل معارض لما اقام من البرهان على نفى الولد أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٨) توبيخ على جهلهم وتنبيه على انه لا يجوز ان يقول أحد قولا لا دليل عليه وان العقائد لا بد لها من دليل قاطع يوجب العلم ولا يجوز التقليد فيها.
مَتاعٌ فِي الدُّنْيا خبر مبتدا محذوف يعنى افتراءهم سبب تمتعهم فى الدنيا يقيمون به رياستهم فى الكفر او حياتهم او تقلبهم مناع- او مبتدا خبره محذوف اى لهم تمنع فى الدنيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ بالموت ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠) اى بسبب كفرهم-.
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ اى اقرأ يا محمّد على اهل مكة نَبَأَ نُوحٍ اى خبره مع قومه إِذْ قالَ متعلق با ذكر لِقَوْمِهِ قال البغوي هم ولد قابيل وهذا لا يتصور لان نوحا عليه السلام كان من ولد شيث عليه السلام لا من ولد قابيل- فاضافة القوم اليه يدل على كونهم من أولاد شيث عليه السلام يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ اى شق عَلَيْكُمْ مَقامِي اى قيامى بينكم مدة مديدة- او قيامى على الدعوة وَتَذْكِيرِي ايّاكم بِآياتِ اللَّهِ اى بحججه وبيناته او آياته المنزلة فَعَلَى اللَّهِ لا على غيره تَوَكَّلْتُ اى وثقت به فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ من اجمع الأمر إذا نواه او عزم عليه وَشُرَكاءَكُمْ قرا يعقوب بالرفع عطفا على الضمير المرفوع المستتر فى اجمعوا وجاز للفصل يعنى اعزموا أنتم وشركاؤكم على قتلى او إصابة مكروه بي- والباقون بالنصب اما على انه مفعول معه والواو بمعنى مع والمعنى ما مر كذا قال الزجاج- واما على انه معطوف على أمركم بحذف المضاف اى اقصدوا أمركم وامر شركائكم- واما انه منصوب بفعل مقدر اى وادعوا شركاءكم ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ اى لا يكن شيء مما تقصدون بي عَلَيْكُمْ غُمَّةً مستورا بل اجعلوه ظاهرا مكشوفا من غمه إذا ستره- او المعنى لا يكن حالكم عليكم غمّا إذا اهلكتمونى وتخلصتم عن ثقل مقامى وتذكيرى ثُمَّ اقْضُوا اى أدوا إِلَيَّ ما أردتم وَلا تُنْظِرُونِ (٧١) ولا تمهلونى هذا امر على سبيل التعجيز اخبر الله تعالى عن نوح انه كان واثقا بنصر الله غير خائف من كيد قومه علما منه بانهم والهتهم لا يملكون نفعا ولا ضرا الا ما شاء الله.
فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما
حذف جزاء الشرط وأقيم علته مقامه- تقديره فان توليتم عن تذكيرى وأعرضتم عن قولى وقبول نصحى بعد ظهور صدقه هلكتم- او يعذبكم الله لكون ذلك التولي عن الحق بلا مانع عن قبوله- إذ ما سالتكم من اجر يوجب توليكم ويمنع عن قبول الحق لثقه عليكم- او اتهامكم إياي لاجله- او المعنى ان توليتم ظلمتم أنفسكم وما اضررتمونى بشيء- إذ ما سالتكم من اجر يفوتنى بتوليتكم بل انما يفوت عليكم الهداية إِنْ أَجْرِيَ قرا نافع وابو عمرو وابن عامر وحفص بفتح الياء وكذلك حيث وقع والباقون بإسكانها اى ليس ثوابى على الدعوة والتذكير إِلَّا عَلَى اللَّهِ لا تعلق له بكم فهو يثيبنى أمنتم او توليتم- فيه اشارة الى ان أخذ الاجر على تعليم القران ونحو ذلك لا يصلح وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) المنقادين لحكم الله تعالى فى الايمان والأعمال ودعوة الناس اليه وقد فعلت.
فَكَذَّبُوهُ اى أصروا على تكذيبه بعد وضوح الحق عنادا وتمردا فَنَجَّيْناهُ يعنى نوحا من الغرق وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وكانوا ثمانين وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ من الهالكين وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا بالطوفان فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) اى اخر امر من انذرهم الرسل فلم يؤمنوا- فيه تعظيم لما جرى عليهم وتحذير لمن كذّب الرسل وتسلية للنبى صلى الله عليه وسلم.
ثُمَّ بَعَثْنا أرسلنا مِنْ بَعْدِهِ اى بعد نوح رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ اى كل رسول الى قومه فَجاؤُهُمْ اى الرسل بِالْبَيِّناتِ اى بالدلائل الواضحة فَما كانُوا اى أقوام الرسل لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ اى بما كذب به قوم نوح قبل مجيئهم كَذلِكَ اى كما طبعنا على قلوب قوم نوح وأقوام الرسل بعده نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤) من أمتك بخذلانهم لانهماكهم فى الضلال واتباع المألوف.
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ اى بعد تلك الرسل مُوسى بن عمران وَأخاه هارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ اى اشراف قومه خص الملأ بالذكر تمهيدا لبيان استكبارهم بِآياتِنا «١» فَاسْتَكْبَرُوا عن اتباع موسى وهارون وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (٧٥)
فَلَمَّا جاءَهُمُ اى فرعون وقومه الْحَقُّ اى الدين الحق مِنْ عِنْدِنا وعرفوا حقيقته بتظاهر المعجزات الباهرة المزيلة للشك قالُوا اى فرعون وملاؤه من فرط تمردهم إِنَّ هذا ما جاء به موسى من المعجزات لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦) ظاهر انه سحر او فائق فى قنه واضح فيما بين أشباهه.
قالَ مُوسى على سبيل التعجب والإنكار أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ للامر الثابت المتحقق من عند الله لَمَّا جاءَكُمْ انه سحر والسحر ثمويه لا حقيقة له- فحذف محكى القول لدلالة ما قبله عليه- ولا يجوز ان يكون المحكي أَسِحْرٌ هذا لانهم بتّوا القول بل هو استيناف بانكار ما قالوه الا ان يكون الاستفهام فيه للتقرير ويجوز ان يكون معنى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ أتعنونه- من قولهم فلان يخاف القالة فيستغنى عن المفعول كقوله تعالى سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ... وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧) اى لا يظفر- من تمام كلام موسى للدلالة على انه ليس بسحر- فانه لو كان سحرا لاضمحل ولم يبطل سحر السحرة- ولان العالم به لا يسحر او تمام قولهم ان جعل اسحر هذا محكيا- كانهم قالوا اجئتنا بالسحر تطلب به الفلاح ولا يفلح الساحرون.
قالُوا يعنى فرعون وقومه لموسى أَجِئْتَنا يا موسى لِتَلْفِتَنا اى لتصرفنا وقال قتادة لتلوينا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا من عبادة الأصنام او عبادة فرعون وَتَكُونَ قرا أبو بكر بالياء التحتانية والباقون بالتاء الفوقانية لَكُمَا الْكِبْرِياءُ الملك والسلطان سمى بها لا تصاف الملوك بالتكبر على الناس باستتباعهم فِي الْأَرْضِ ارض مصر وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (٧٨) مصدقين فيما تدّعونه.
وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ قرا حمزة والكسائي سَحَّارٍ عَلِيمٍ (٧٩) حاذق فيه فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٨٠) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ
قرا ابو عمرو وابو جعفر السّحر بالمد على ان ما استفهامية مرفوعة بالابتداء وجئتم به خبرها والسّحر خبر مبتدا محذوف او مبتدا خبره محذوف والجملة بدل من قوله ما جئتم به تقديره اهو السحر او السحر هو- وقرا الجمهور بلا مد على الخبر يعنى الّذي جئتم به السحر- لا ما سماه فرعون وقومه سحرا من آيات الله- ويؤيده قراءة ابن مسعود
له وَيُحِقُّ اللَّهُ اى يثبت ويقوى الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ باياته وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢).
فَما آمَنَ لِمُوسى اى لم يصدق موسى مع ما جاء به من الآيات وأبطل سحر السحرة إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ قيل ضمير قومه راجع الى موسى يعنى مومنى بنى إسرائيل الذين كانوا بمصر وخرجوا معه- قال مجاهد كانوا أولاد الذين أرسل إليهم موسى من بنى إسرائيل هلك الآباء وبقي الأبناء ولذا سموا ذرية- وقيل هم قوم نجوا من قتل فرعون لمّا امر بقتل أبناء بنى إسرائيل كانت المرأة من بنى إسرائيل إذا ولدت ولدا وهبته للقبطية خوفا من القتل فنشئوا عند القبط واسلموا فى اليوم الّذي غلب موسى السحرة- وقال آخرون الضمير راجع الى فرعون روى عطية عن ابن عباس قال هم أناس يسيرون من قوم فرعون أمنوا منهم امراة فرعون ومؤمن ال فرعون وخازن فرعون وامراة خازنه وما شطته- كذا اخرج ابن جرير عنه وعن ابن عباس رواية اخرى انهم سبعون اهل بيت من القبط من ال فرعون أمهاتهم من بنى إسرائيل فجعل الرجل يتبع امه وأخواله- قال الفراء سموا ذرية لان آباءهم كانوا من القبط وأمهاتهم من بنى إسرائيل كما يقال لاولاد اهل الفرس الذين سقطوا الى اليمن الأبناء لان أمهاتهم من غير جنس ابائهم عَلى خَوْفٍ اى مع خوف مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ الضمير لفرعون وجمعه على ما هو المعتاد من ضمير العظماء- او على ان المراد بفرعون اله كما يقال ربيعة ومضر والمعنى مع خوف من ال فرعون واشراف قومهم او للذرية او للقوم أَنْ يَفْتِنَهُمْ اى يعذبهم فرعون وهو بدل من فرعون او مفعول خوف وافراده بالضمير للدلالة على ان الخوف من الملأ كان بسببه وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ غالب متكبر فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣) المجاوزين الحد حتّى ادعى الربوبية مع كونه عبدا مخلوقا محتاجا- واسترقّ أبناء الأنبياء.
وَقالَ مُوسى لما راى خوف المؤمنين من فرعون يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا اى ثقوا به واعتمدوا عليه ولا تخافوا من فرعون وملائه إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) جزاؤه محذوف
فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا فانهم كانوا مخلصين أصحابا لرسول رب العالمين على نبينا وعليه الصلاة والسلام- ثم دعوا ربهم وقالوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً اى موضع فتنة وعذاب لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) اى لا تسلطهم علينا فيفتنوننا ويعذبوننا- او المعنى لا تجعلنا سببا لزيادة طغيانهم وكفرهم بان تعذبنا بعذاب من عندك او بايدى قوم فرعون فيقول قوم فرعون لو كان هؤلاء على الحق ما عذبوا وظنوا انهم خير منا.
وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦) من كيدهم وشوم مشاهدتهم وفى تقديم التوكل على الدعاء تنبيه على ان الداعي ينبغى ان يتوكل اولا ليجاب دعوته قلت بل على ان التوكل من صفات اللازمة للصوفى والدعاء من عوارضه-.
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ هارون أَنْ تَبُوءَ اى تتخذا مباة ومرجعا من غيرها من الأماكن إليها للسكنى والعبادة لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً قال البغوي قال اكثر المفسرين كانت بنوا إسرائيل لا يصلون الا فى كنائسهم وبيعهم وكانت ظاهرة فلما أرسل موسى امر فرعون بتخريبها ومنعهم من الصلاة فيها فامرهم الله ان يتخذوا مساجد فى بيوتهم ويصلّوا فيها خوفا من ال فرعون هذا قول ابراهيم النخعي وعكرمة عن ابن عباس- وقال مجاهد خاف موسى ومن معه من فرعون فى الكنائس الجامعة فامروا ان يجعلوا فى بيوتهم مساجد مستقبلة الكعبة يصلون فيها سرّا وَاجْعَلُوا أنتما وقومكما بُيُوتَكُمْ الّتي تبوأتما لهم قِبْلَةً يعنى مصلّى متوجهة نحو القبلة يعنى الكعبة- روى ابن جريج عن ابن عباس قال كانت الكعبة قبلة موسى ومن معه وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ فيها أمروا بذلك أول أمرهم لئلا يظهر عليهم الكفرة فيوذوهم وَبَشِّرِ يا موسى الْمُؤْمِنِينَ (٨٧) ان يهلك الله عدوكم ويستخلفكم فى الأرض فى الدنيا- ويورثكم الجنة فى العقبى- شنّى الضمير اولا لان التبوء
وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً اى ما يتزين به الناس من اللباس والحلي والفرش والأثاث والمراكب والخدم والحشم وغيرها وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ اللام فى ليضلوا للعاقبة متعلقة باتيت يعنى حتّى صار عاقبة أمرهم الضلال والطغيان كقوله تعالى فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً- وقيل هى لام كى اى أتيتهم استدراجا ليثبتوا على الضلال- او لانهم لما جعلوها سببا للضلال فكانما اوتوها «١» ليضلوا- فيكون كلمة ربنا تكريرا للاول تأكيدا للالحاح فى التضرع- قال الشيخ ابو منصورا لما تريدى إذا علم منهم انهم يضلون الناس عن سبيله أتاهم ما أتاهم ما أتاهم ليضلوا عن سبيله- وهو كقوله تعالى إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً فيكون الاية حجة على المعتزلة فى القول بوجوب الأصلح واللطف على الله تعالى- وقال البيضاوي قوله رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ دعاء عليهم بلفظ الأمر رَبَّنَا اطْمِسْ اى امحق عَلى أَمْوالِهِمْ باهلاكها كذا قال مجاهد- وقال اكثر اهل التفسير امسخها وغيّرها عن هيئتها- قال قتادة صارت أموالهم وحروثهم وزروعهم وجواهرهم حجارة منقوشة كهيئتها صحاحا وأنصافا وأثلاثا- ودعا عمر بن عبد العزيز بخريطة فيها أشياء من بقايا ال فرعون فاخرج منها البيضة مشقوقة والجوزة مشقوقة وانها لحجر- وقال السدى مسخ الله تعالى أموالهم حجارة والنخيل والثمار والدقيق والاطعمة وكانت احدى الآيات التسع وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ يعنى اقسها واطبع عليها حتّى لا تلين ولا تنشرح للايمان- انما دعا عليهم لمّا ايئس من ايمانهم وعلم بالوحى انهم لا يؤمنون- فاما قبل ان يعلم بانهم لا يؤمنون فلا يجوز له ان يدعو بهذا الدعاء لانه أرسل إليهم ليدعوهم بالايمان فان قيل بعد ما علم انهم لا يؤمنون اىّ فائدة فى الدعاء عليهم قلنا لعل ذلك للبغض بأعداء الله فى الله وذلك مقتضى طبيعة الايمان- او يكون ذلك امتثالا لامر الله تعالى ونظير ذلك قولك لعن الله إبليس مع ان ذلك معلوم انه ملعون امتثالا لقوله تعالى إِنَّ الشَّيْطانَ
قالَ الله تعالى لموسى وهارون قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما نسبت الدعوة إليهما لانه روى ان موسى كان يدعو وهارون يؤمّن والتأمين دعاء- قال البغوي وفى بعض القصص كان بين دعاء موسى والاجابة أربعين سنة فَاسْتَقِيما على الرسالة والدعوة وامضيا لامرى الى ان يأتيهم العذاب وَلا تَتَّبِعانِّ نهى بالنون الثقيلة ومحله جزم- وقرا ابن ذكوان بالنون الخفيفة- وكسر النون لالتقاء الساكنين سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨٩) اى طريق الجهلة فى الاستعجال او عدم الوثوق وعدم الاطمينان بما وعد الله سبحانه-.
وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ اى جوّزناهم وعبرناهم حتّى بلغوا الشطّ وفاعل هاهنا بمعنى فعل نحو عاقب امير اللص- وكان البحر قد انفلق لموسى وقومه فَأَتْبَعَهُمْ اى لحقهم وأدركهم فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ يقال اتبعه وتبعه إذا أدركه ولحقه واتّبعه بالتشديد إذا سار خلفه واقتدى به وقيل هما واحد بَغْياً وَعَدْواً اى باغين وعادين او للبغى والعدو- وقيل بغيا فى القول وعدوا فى الفعل فلمّا وصل فرعون بجنوده الى البحر هابوا دخوله فتقدمهم جبرئيل عليه السلام على فرس أنثى وخاض البحر فاقتحمت الخيول خلفه حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ وانطبق عليهم الماء لمّا دخل آخرهم وهمّ أولهم ان يخرج قالَ فرعون آمَنْتُ أَنَّهُ اى بانه وقرأ حمزة والكسائي بكسر الهمزة على إضمار القول او الاستيناف بدلا وتفسيرا لآمنت لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) فدسّ جبرئيل عليه السلام فى فيه من حماة البحر فمات قبل ان تقبل توبته- نكب الشقي عن الايمان او ان القبول وبالغ فيه حين لا يقبل فقال الله تعالى على سبيل الإنكار.
آلْآنَ يعنى اتؤمن الان حين أيست من الحيوة ولم يبق لك اختيار وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ذلك مدة عمرك وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) الضالين المضلين عن الايمان- قال البغوي روى عن ابن عباس ان النبي ﷺ قال لمّا أغرق الله تعالى
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ اى نلقيك بنجوة من الأرض وهى المكان المرتفع- او المعنى نبعدك مما وقع قومك من قعر البحر ونجعلك طافيا- وقرا يعقوب ننجيك بالتخفيف من الافعال بِبَدَنِكَ اى ببدنك عاريا من الروح او كاملا سويّا او عريانا عن اللباس او بدرعك- وكانت له درع مشهور من ذهب مرصع بالجواهر- قال البغوي لما اخبر موسى قومه بهلاك فرعون قال بنوا إسرائيل مامان فرعون- فامر الله البحر فالقى فرعون على الساحل احمر قصيرا كانه ثور فراه بنوا إسرائيل وعرفوه بدرعه فصدقوا لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ اى من ورائك آيَةً أي عبرة وعظة- او اية دالة على طريقة التوحيد مظهرا لعجز البشر وان كان ملكا فانه كان فى نفوس بنى إسرائيل متخيّلا متمكنا انه لا يهلك حتّى شكّوا فى موته حين أخبرهم موسى عليه السلام الى ان عاينوه مطروحا على ممرهم من الساحل او لمن يأتى بعدك من القرون إذا سمعوا مال أمرك ممن شاهدك ونكالا عن الطغيان وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ يعنى الكفار عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (٥٤) لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها-
.
فَإِنْ كُنْتَ ايها الإنسان فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ من القران والهدى على لسان رسولنا محمّد ﷺ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ قال ابن عباس ومجاهد والضحاك يعنى من أمن من اهل الكتب كعبد الله بن سلام وأصحابه يشهدون لك انه موعود فى التورية والإنجيل مطابق فى قصصه واصول أحكامه بالكتب المتقدمة- فهذا خطاب مع اهل الشك من الناس- وكان الناس فى عهد رسول الله ﷺ بين مصدق ومكذب وشاك- وفيه تنبيه على انه من خالجه شبهة فى الدين ينبغى ان يتسارع الى حلها بالرجوع الى الصالحين من اهل العلم- وقيل هذا خطاب مع النبي ﷺ على سبيل الفرض والتقدير او لزيادة تثبيته يدل عليه ما اخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة قال بلغنا انه ﷺ قال لا أشك ولا اسئل- وقيل خطاب مع النبي ﷺ والمراد به غيره على عادة العرب فانهم قد يخاطبون الرجل ويريدون به غيره كقوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ خاطب به النبي ﷺ والمراد به المؤمنون بدليل قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً حيث لم يقل بما تعمل- وقوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ- وقال الفراء علم الله سبحانه ان رسوله ﷺ غير شاكّ لكنه ذكره على عادة العرب يقول أحدهم لعبده ان كنت عبدى فاطعنى ويقول لولده ان كنت ولدي فافعل كذا ولا يكون ذلك على وجه الشك لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ يعنى ما أنزلنا إليك امر ثابت متحقق مِنْ رَبِّكَ ثبت ذلك عندك بالآيات الواضحة والبراهين القاطعة
وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥) الخطاب فى هذا كالخطاب فى ما سبق اما للشاكين من الناس او للرسول ﷺ والمراد به غيره او للرسول على سبيل الفرض- او الفرض منه التثبيت وقطع الاطماع عنه كقوله فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ-.
إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ اى وجبت عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ يعنى قوله حين أخذ الميثاق ان هؤلاء للنار- روى مالك والترمذي وابو داؤد عن مسلم بن يسار قال سئل عمر بن الخطاب عن هذه الاية وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ الاية قال عمر سمعت رسول الله ﷺ يسئل عنها فقال ان الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل اهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل اهل النار يعملون الحديث- وروى احمد عن ابى نصرة عن رجل من اصحاب النبي ﷺ يقال له ابو عبد الله قال سمعت رسول الله ﷺ يقول ان الله عز وجل قبض بيمينه قبضة واخرى باليد الاخرى وقال هذه لهذه يعنى للجنة وهذه لهذه يعنى للنار ولا أبالي. لا يُؤْمِنُونَ (٩٧) إذ لا نقض لقضاء الله تعالى.
وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ دالة على الصدق موجبة للايمان فان السبب الأصلي لايمانهم انما هو تعلق ارادة الله تعالى به ولم يوجد- وجملة لو جاءتهم مع معطوفة عليها مقدرة فى محل الحال من فاعل لا يؤمنون- تقديره لا يؤمنون لو لم يجئهم ولو جاءتهم كل اية يعنى لا يؤمنون فى حال من الأحوال حذف ما حذف لدلالة المذكور عليه حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧) فى القبر او فى النار او حالة الغرغرة وحينئذ لا ينفعهم الايمان كما لم ينفع ايمان فرعون حالة الغرغرة.
فَلَوْلا اى فهلا كانَتْ قَرْيَةٌ اى اهل قرية من القرى الّتي أهلكناها آمَنَتْ قبل معاينة العذاب ولم يؤخر الى حالة الغرغرة كما اخر فرعون فَنَفَعَها إِيمانُها اى قبلها الله منها- عن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ ان الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر رواه الترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم والبيهقي- وعن ابى ذر قال قال رسول الله ﷺ ان الله ليغفر لعبده ما لم يقع الحجاب قالوا يا رسول الله وما الحجاب قال ان تموت النفس وهى مشركة رواه احمد والبيهقي فى كتاب البعث والنشور إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ استثناء منقطع يعنى لكن قوم يونس أمنوا فنفعهم ايمانهم وجاز ان تكون الجملة فى معنى النفي لتضمن حرف التحضيض معناه
(٢) وفى الأصل انّما التوبة على الذين إلخ-
وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ يا محمّد ان يؤمن من فى الأرض كلهم لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ بحيث لا يشذ عنهم أحد جَمِيعاً مجتمعين على الايمان غير مختلفين فيه- وفيه رد لمذهب القدرية الذين قالوا ان الله سبحانه يشاء ايمان جميع الناس لكنهم لا يؤمنون باختيارهم- فانها تدل انه لم يشأ ايمانهم وانّ من شاء إيمانه يؤمن لا محالة لاستحالة تخلف مشية الله عما شاء والتقييد بمشية الإلجاء خلاف الظاهر أَفَأَنْتَ يا محمّد تُكْرِهُ النَّاسَ يعنى الكفار حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) ولم يشا الله ذلك منهم ترتب الإكراه على عدم المشية بالفاء وإدخال حرف الاستفهام للانكار وتقديم الضمير على الفعل للدلالة على ان ما لم يشأ الله مستحيل وجوده لا يمكن تحصيله بالإكراه فضلا عن الحث والتحريض عليه- وذلك انه ﷺ كان حريصا على ان يؤمن جميع الناس فاخبره الله تعالى بانه لا يؤمن منهم الا من سبق علم الله فيه بالسعادة دون من سبق عليه بالشقاوة فلا تهتم فى ذلك فالاية تسلّية للنبى صلى الله عليه وسلم
وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ بالله تعالى إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعنى الا بإرادته وتوفيقه وَيَجْعَلُ قرأ ابو بكر بالنون على التكلم والباقون بالياء على الغيبة اى يجعل الله الرِّجْسَ اى العذاب او الخذلان فانه سببه عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (١٠٠) الحق من الباطل يعنى الكفار لما على قلوبهم من الطبع ولعدم تعلق مشية الله تعالى بتعقّلهم
قُلِ يا محمّد انْظُرُوا ايها الناس وتفكروا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من عجائب الممكنات كالشمس والقمر والنجوم وحركاتها المنتسقة والجبال والبحار والأنهار والأشجار والمواليد الدالات على وجود صانع قديم قادر عليم متوحد بجلال ذاته وكمال صفاته- وكلمة ماذا ان جعلت استفهامية علقت انظروا عن العمد وَما تُغْنِي ما نافية او استفهامية للانكار فى موضع النصب يعنى لا تفيد الْآياتُ الموجبة للعلم واليقين وَالنُّذُرُ جمع نذير يعنى الرسل وغيرهم
فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ اى مشركوا مكة إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ اى مثل وقائع الَّذِينَ خَلَوْا مضوا مِنْ قَبْلِهِمْ من كفار الأمم السّابقة- قال قتادة يعنى وقائع الله تعالى فى قوم نوح وعاد وثمود- والعرب يسمى العذاب أياما- والنعم ايضا أياما قال الله تعالى وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ فكلّما مضى عليك من خير او شر فهو ايام قُلْ يا محمّد فَانْتَظِرُوا يا اهل مكة هلاكى إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (١٠٢) هلاككم
ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا عطف على محذوف دل عليه قوله إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا كانه قيل نهلك الأمم ثم ننجّى رسلنا ومن أمن معهم على حكاية الحال الماضية كَذلِكَ يعنى كما ننجى رسلنا من الأمم السابقة كذلك حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣) اى إنجاء مثل ذلك الانجاء ننجى محمّدا ﷺ وأصحابه حين يهلك المشركون- وحقّا علينا اعتراض يعنى وجب علينا وجوبا قرأ حفص والكسائي ننج مخففا من الافعال والباقون مشددا من التفعيل-
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ خطاب لاهل مكة إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي من صحته فانهم كانوا فى استبعاد من امر النبوة- وكانوا إذا رأوا الآيات اضطروا الى الايمان فكانوا فى شك وتزدد لشقاوتهم الجبلية فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الحجارة المنحوتة بايديكم وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ يعنى الّذي يحييكم ويميتكم ويخلق ما يشاء ويختار- وانما خص التوفى بالذكر للتهديد- جملة فلا اعبد الى آخره وضع موضع الجزاء اقامة للسبب مقام المسبب- تقديره ان كنتم فى شك من دينى فازيلوا ذلك الشك بالتأمل والتفكر فى دينى وهو هذا لا اعبد الحجارة المخلوقة الّتي لا تضر ولا تنفع واعبد الله الخالق القادر النافع الضار وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ اى بان أكون مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤) بما دل عليه العقل وثبت بالنقل من الكتب السماوية
وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ عطف على ان أكون ذكر الصلة فى المعطوف عليه بصيغة المضارع وفى المعطوف بصيغة الأمر لعدم
وَلا تَدْعُ عطف تفسيرى على قوله لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يعنى لا تعبد مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ ان دعوته وَلا يَضُرُّكَ ان خذلته ولا شك ان من تفكر ونظر بعين الانصاف فى هذا الدين المؤيد بالعقل والنقل حصل له اليقين بصحة الدين وزال عنه الشك ان شاء الله تعالى فَإِنْ فَعَلْتَ عبادة ما لا ينفعك ولا يضرك فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦) حيث وضعت العبادة فى غير موضعه جزاء للشرط وجواب لسوال مقدر عن تبعة عبادة غير الله-
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ اى يصيبك بِضُرٍّ اى بمرض او شدة او بلاء فَلا كاشِفَ لَهُ اى لا دافع له أحد إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ الله بِخَيْرٍ من خيرات الدنيا والاخرة فَلا رَادَّ اى لا دافع لِفَضْلِهِ أحد لعله ذكر الارادة مع الخير- والمس مع الضر مع تلازم الامرين للتنبيه على ان الخير مراد بالذات والضر انما مسّهم لا بالقصد الاول- ووضع الفضل موضع الضمير للدلالة على انه متفضل بما يريدهم من الخير لا لاستحقاق لهم عليه- ولم يستثن لان مراد الله لا يمكن رده يُصِيبُ بِهِ اى بكل واحد من الخير والشر مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فتتعرضوا الرحمة بالطاعة ولا تتكلوا عليها ولا تيئسوا من غفرانه بالمعصية ولكن خافوا عذابه- روى ابو نعيم عن على رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ ان الله اوحى الى نبى من أنبياء بنى إسرائيل قل لاهل طاعتى من أمتك ان لا يتكلوا على أعمالهم انى لا اناصب عبدا لحساب يوم القيامة أشاء ان أعذّبه الا عذبته وقل لاهل معصيتى من أمتك لا تلقوا بايديكم فانى اغفر الذنوب العظيمة ولا أبالي- قطع الله سبحانه بهذه الاية طريق الرغبة والرهبة الا اليه وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧)
قُلْ يا محمّد يا أَيُّهَا النَّاسُ اهل مكة قَدْ جاءَكُمُ العلم الْحَقُّ الثابت المطابق للواقع يعنى العلم بالتوحيد والصفات واحوال المبدأ والمعاد فى القران وعلى لسان رسوله ﷺ مِنْ رَبِّكُمْ ولم يبق لكم عذر بالجهل- او المراد بالحق ما ظهر تحققه وصدقه بالاعجاز يعنى القران او الرسول ﷺ ولم يبق لكم عذر فَمَنِ اهْتَدى بإذعان ذلك العلم والسلوك على مقتضاه وبقبول القران ومتابعة الرسول فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ فان نفعه عائد إليها وَمَنْ ضَلَّ عن طريق الحق بالإنكار والعناد فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها لان وباله عائد عليها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨) بحفيظ موكول الىّ أمركم حتّى اؤاخذ بضلالكم
وَاتَّبِعْ يا محمّد ما يُوحى إِلَيْكَ بامتثال الأوامر وترك المناهي وَاصْبِرْ على الطاعة وتحمل اذيتهم حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بقتال الكفار وضرب الجزية عليهم وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩) لا يمكن الخطاء فى حكمه لاطلاعه على السرائر كاطلاعه على الظواهر- والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمّد واله وأصحابه أجمعين تمت تفسير سورة يونس من التفسير المظهرى التاسع والعشرين من رمضان السنة الاولى من المائة الثالثة عشر بعد الهجرة شوال «١» سنة ١٢٠١ هجرى
.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
فهرس سورة هود عليه السلام من التفسير المظهرىمضمون صفحة ما ورد فى كتابة مقادير الخلائق والاجل والعمل والرزق ونحو ذلك- ٧ ما ورد فى العرش على الماء- ٧ مسئلة السموات والأرض وما بينهما خلقت لمحمّد ﷺ وللمؤمنين ٧ حديث عجبا لامر المؤمن ان امره كله له خير ٩ حديث تواضعوا لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى- ٩ ما ورد فى ان الكفار يعطون ثواب حسناتهم فى الدنيا- ١٢ حديث من أشرك فى عمله يعنى يرائى ١٢ حديث من كانت نيته طلب الاخرة ومن كانت نيته طلب الدنيا- ١٢ ما ورد فى كون علىّ رضى الله عنه باب العلم وذكر قطبيته- ١٤ حديث والّذي نفس محمّد بيده لا يسمع بي أحد ولم يؤمن الا كان من اهل النار- ١٥ حديث ان الله يدنى المؤمن فيضع كتفه عليه ويستره فيقول أتعرف ذنب كذا الحديث ١٥ ما ورد فى شهادة الأعضاء والازمنة والامكنة وغير ذلك- ١٦ قصة نوح عليه السلام ١٨ صفة السفينة- فى التنور ٢٢ قصة هود عليه السلام ٣١ حديث الإسلام يهدم ما كان قبله ٣١ قصة صالح عليه السلام ٣٤ قصة مجيء الملائكة لاهلاك قوم لوط اولا عند ابراهيم بالبشارة بإسحاق ويعقوب عليهم السلام ٣٦ قصة مجيئهم لوطا عليه السلام ٤٠ حديث رحم الله أخي لوطا كان يأوى الى ركن شديد ٤٢ قصة شعيب عليه السلام ٤٦ مسئلة من اشترى مكيلا او موزونا لا يجوز للمشترى ان يبيعه او يأكله حتّى يعيد الكيل والوزن- ٤٧ حديث نهى رسول الله ﷺ حتّى يجرى فيه الصاعان- ٤٧