تفسير سورة مريم

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة مريم من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
دروس من سورة مريم
سورة مريم مكية نزلت بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة وقبل الإسراء وكانت الهجرة إلى الحبشة في السنة السابعة من البعثة، وكان الإسراء في السنة الحادية عشرة للبعثة، قبل الهجرة إلى المدينة بسنة وشهرين.
أي : أن سورة مريم نزلت بعد السنة السابعة من البعثة وقبل السنة الحادية عشرة.
وقد سميت هذه السورة بهذا الاسم ؛ لذكر قصة مريم فيها. وعدد آياتها ( ٩٨ ) آية، وعدد كلماتها ( ١١٩٢ ) كلمة.
أهداف السورة
الأهداف الأساسية لسورة مريم هي : تنزيه الله عن الولد والشريك، وإثبات وحدانية الله، والإلمام بقضية البعث القائمة على التوحيد.
هذه هي الأهداف الأساسية للسورة، كالشأن في السورة المكية غالبا.
والقصص هو مادة هذه السورة ؛ فهي تبدأ بقصة زكريا ويحيى، فقصة مريم ومولد عيسى، فطرف من قصة إبراهيم مع أبيه.. ثم تعقبها بإشارات إلى النبيين : إسحاق، ويعقوب، وموسى، وهارون، وإسماعيل، وإدريس، وآدم، ونوح. ويستغرق هذا القصص حوالي ثلثي السورة، ويستهدف إثبات الوحدانية والبعث، ونفي الولد والشريك وبيان : منهج المهتدين ومنهج الضالين من أتباع النبيين.
ومن ثم بعض مشاهد القيامة وبعض الجدل مع المنكرين للبعث، واستنكار للشرك ودعوى الولد، وعرض لمصارع المشركين والمكذبين في الدنيا وفي الآخرة وكله يتناسق مع اتجاه القصص في السورة ويتجمع حول محورها الأصيل.
وللسورة كلها جو خاص يضللها ويشيع فيها ويتمشى في موضوعاتها.. إن سياق هذه السورة معرض للانفعالات والمشاعر القوية.. الانفعالات في النفس البشرية، وفي ( نفس ) الكون من حولها. فهذا الكون الذي نتصوره جمادا لا حس له يعرض في السياق ذا نفس وحس ومشاعر وانفعالات، تشارك في رسم الجو العام للسورة حيث نرى السماوات والأرض والجبال تغضب وتنفعل ؛ حتى لتكاد تنفطر وتنشق وتنهد استنكارا ؛ ﴿ أن دعوا للرحمن ولدا. وما ينبغي للرحمن أن يتّخذ ولدا ﴾. ( مريم : ٩٢، ٩١ ).
أما الانفعالات في النفس البشرية فتبدأ مع مفتتح السورة وتنتهي مع ختامها والقصص الرئيس فيها حافل بهذه الانفعالات في مواقفه العنيفة العميقة. وبخاصة في قصة مريم، وميلاد عيسىi.
القصص في سورة مريم
القصص في سورة مريم امتداد للقصص في سورة الكهف. فهناك ظهرت قدرة الله البالغة في حفظ أصحاب الكهف وإحياءهم بعد موتهم، وفي إعطاء الرحمة والعلم للخضر عليه السلام، وفي منح ذي القرنين أسباب الملك والسلطان والسيادة، وهنا تظهر رحمة الله وفضله على زكريا ؛ إذ يمنحه يحيى على كبر وشيخوخة، وتظهر قدرة الله البالغة في خلق عيسى من أم دون أب، ثم نعمته السابغة على الأنبياء والرسل ورعاية الله لهم حتى يئدوا رسالاتهم، ويظهر ذلك في قصة إبراهيم مع أبيه، وقصة موسى مع قومه، وقصة إسماعيل الصادق الوعد، وقصة إدريس الصديق النبي.
زكريا ويحيى
ذكرت حلقة من هذه القصة في سورة آل عمران، ولكنها في سورة مريم تخالف ما سبق منها في أسلوبها وسياقها وما فيها من زيادة ونقص.
إن السمة الغالبة هنا هي سمة الرحمة والرضا والاتصال فهي تبدأ بذكر رحمة الله لعبده زكريا وهو يناجي ربه نجاء خفيا.
فتصور أحاسيس ذلك الشيخ الهرم ورغبته في الذرية والولد ودعاءه لله خفية بعيدا عن زوجته وعن الناس.
ثم ترسم لحظة الاستجابة في رعاية وحفظ ورضا.. فالرب ينادي عبده من الملإ الأعلى ﴿ يا زكريا ﴾. ويجعل له البشرى :﴿ إنا نبشّرك بغلام ﴾. ( مريم : ٧ }.
ويعمره بالعطف فيختار له اسم الغلام الذي بشره :﴿ اسمه يحيى ﴾. وهو اسم فذ غير مسبوق :﴿ لم نجعل له من قبل سميا ﴾. ( مريم : ٧ ).
وكأنما أفاق زكريا من غمرة الرغبة وحرارة الرجاء، على هذه الاستجابة القريبة للدعاء فإذا هو يواجه الواقع.. إنه رجل شيخ بلغ من الكبر عتيا، وهن عظمه واشتعل شيبه، وامرأته عاقر لم تلد في فتوته وصباه : فكيف يا ترى سيكون له غلام ؟ !
﴿ قال ربي أنّا يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ﴾. ( مريم : ٨ ).
ثم يأتيه الجواب عن سؤاله. بأن هذا أمر هين يسير أمام قدرة الله فهو سبحانه الخالق الفعال لما يريد. وهو سبحانه الذي جعل العاقر لا تلد. وجعل الشيخ الفاني لا ينسل. وهو قادر على إصلاح العاقر وإزالة سبب العقم، وتجديد قوة الإخصاب في الرجل وهو على كل شيء قدير.
وتمت ولادة يحيى وكبر وترعرع وأحكم الله عقله وهيأه لرعاية ميراث أبيه في حزم وعزم ولم يكن هذا الميراث مالا أو عقارا وإنما كان رسالة الهدى ودعوة الإيمان وناداه الله :﴿ يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ﴾. ( مريم : ١٢ ).
والكتاب هو التوراة، كتاب بني إسرائيل من بعد موسى وعليه يقوم أنبياؤهم يعملون به ويحكمون. وقد نودي : يحيى ؛ ليحمل العبء وينهض بالأمانة في قوة وعزم. لا يضعف ولا يتهاون ولا يتراجع عن تكاليف الوراثة.
وقد زود الله يحيى بالحكمة في صباه ووهبه الحنان والعطف ؛ لتأليف القلوب واجتذابها إلى الخير وآتاه الطهارة والتقوى فكان موصولا بالله، عابدا له، مجاهدا في سبيله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولا يخشى في الله لومة لائم.
حكمة خلق عيسى
انتقلت السورة من قصة ميلاد يحيى إلى قصة ميلاد عيسى وقد تدرج السياق من القصة الأولى ووجه العجب فيها هو ولادة العاقر من بعلها الشيخ، إلى الثانية ووجه العجب فيها هو ولادة العذراء من غير بعل وهي أعجب وأغرب.
وإذا نحن تجاوزنا حادث خلق إنسان أصلا وإنشاءه على هذه الصورة فإن حادث ولادة عيسى ابن مريم يكون أعجب ما إذا شهدته البشرية في تاريخها كله ويكون حادثا فذا لا نظير له من قبله ولا من بعده.
والبشرية لم تشهد خلق نفسها. وهو الحادث العجيب الضخم في تاريخها لم تشهد خلق الإنسان الأول من غير أب ولا أم. وقد مضت القرون بعد ذلك الحادث، فشاءت الحكمة الإلهية أن تبرز العجيبة الثانية في مولد عيسى من غير أب على غير السنة التي جرت منذ وجد الإنسان على هذه الأرض ؛ ليشهدها البشر ثم تظل في سجل الحياة الإنسانية بارزة فذة تتلفت إليها الأجيال. إن عز عليها أن تتلفت إلى العجيبة الأولى التي لم يشهدها إنسان !
لقد جرت سنة الله في امتداد الحياة بالتناسل من ذكر وأنثى في جميع الفصائل بلا استثناء.
حتى المخلوقات التي لا يوجد فيها ذكر وأنثى متميزان تتجمع في الفرد الواحد منها خلايا التذكير والتأنيث، جرت هذه السنة أحقابا طويلة حتى استقر في تصور البشر أن هذه هي الطريقة الوحيدة ونسوا الحادث الأول. حادث وجود الإنسان ؛ لأنه خارج عن القياس. فأراد الله أن يضرب لهم مثل عيسى ابن مريم عليه السلام ؛ ليذكرهم بحرية القدرة و طلاقة الإرادة. وأنها لا تحتبس داخل النواميس التي تختارها ولم يتكرر حادث عيسى ؛ لأن الأصل أن تجري السنة التي وضعها الله وأن ينفذ الناموس الذي اختاره. وهذه الحادثة الواحدة تكفي ؛ لتبقى أمام أنظار البشرية معلما بارزا على حرية المشيئة وعدم احتباسها داخل حدود النواميس :﴿ ولنجعله آية للناس ﴾. ( مريم : ٢١ ).
ونظرا لغرابة الحديث وضخامته فقد عز على فريق من الناس أن تتصوره على طبيعته وأن تدرك الحكمة في إبرازه. فجعلت تضفي على عيسى ابن مريم عليه السلام صفات ألوهية. وتصوغ حول مولده الخرافات والأساطير، وتعكس الحكمة من خلفه على هذا النحو العجيب- وهي إثبات القدرة الإلهية التي لا تتقيد، تعكسها فتشوه عقيدة التوحيد. والقرآن في هذه السورة يقص كيف وقعت هذه العجيبة ويبرز دلالتها الحقيقية وينفي تلك الخرافات والأساطير.
قصة ميلاد عيسى
وهب الله مريم التقوى واليقين ورزقها من فضله بغير حساب وفي يوم ما اعتكفت مريم كعادتها. وتوارت من أهلها واحتجبت عن أنظارهم. وبينما هي في خلوتها. مطمئنة إلى انفرادها. مطمئنة إلى انفرادها. إذ ظهر أمامها رجل سوى الخلقة فانتفضت انتفاضة العذراء المعذورة يفجؤها رجل في خلوتها، فتلجأ إلى الله تستعيد به وتستنجد به وتستثير مشاعر التقوى في نفس الرجل، والخوف من الله والتحرج من رقابته في هذا المكان الخالي. ولكن الرجل السوي هدأ من روعها وأعاد إليها طمأنينتها وأخبرها : أنه ملاك أرسله الله إليها ؛ لحكمة إلهية وفضل رباني :﴿ قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ﴾. ( مريم : ١٩ ).
وتدرك مريم شجاعة الأنثى المهددة في عرضها ؛ فتسأل في صراحة وحجة قائلة :﴿ أنا يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ﴾. ( مريم : ٢٠ ).
فهي لم تخالط رجلا في نكاح ولا في سفاح فأخبرها الملاك : أن هذا الحمل سيتم بقدرة الله وحده وهو أمر هين أمام هذه القدرة التي تقول للشيء : كن فيكون، وقد أراد الله أن يجعل هذا الحادث العجيب آية للناس وعلامة على وجوده وقدرته وحرية إدراكه.
﴿ قال كذلك قال ربك هو عليّ هيّن ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا ﴾. ( مريم : ٢١ ).
ثم مضى الملاك واختفى. وتم الحمل بقدرة الله، وجلست مريم حائرة تفكر في أمر نفسها وتخيلت ما سيقوله الناس عن عذراء تحمل وتلد من غير أن يكون لها بعل، وفي حدة الألم ومرارة الخوف نظرت إلى الطفل في حسرة واكتئاب، وجعلت تتمنى لو ضمها القبر. وفارقت هذا العالم قبل أن تصير أما من غير أن تتزوج فقالت :﴿ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ﴾. ( مريم : ٢٢ ).
لكنها ما لبثت أن سمعت صوت وليدها ؛ فبدد مخاوفها وكفكف دموعها. وناداها من تحتها :﴿ ألاّ تحزني قد جعل ربك تحتك سريا ﴾. ( مريم : ٢٤ ).
أي : جدولا يجري ماؤه في تلك البقعة الجرداء والأرجح أنه جرى للحظته من ينبوع أو تدفق من مسيل ماء في الجبل. وهذه النخلة التي تستندين إليها هزيها فتتساقط عليك رطبا. فهذا طعام وذاك شراب والطعام الحلو مناسب للنفساء. والرطب والتمر من أجود طعام النفساء :﴿ فكلي واشربي. هنيئا وقري عينا ﴾. ( مريم : ٢٦ )، واطمئني قلبا ؛ بما ترين من قدرة الله التي اخضر بها جذع النخلة اليابسة. وطيبي نفسا بما حباك الله من جريان الماء في تلك البقعة المقفرة ؛ واطمأنت مريم إلى فضل الله وإلى أن الله لن يتركها وحدها وإلى أن حجتها معها. هذا الطفل الذي ينطق في المهد.
ورجعت مريم إلى قومها وعشيرتها تحمل وليدها على كتفها، وسرعان ما شاع أمرها، وعرف خبرها، وجاء أقاربها : أنبوها بألسنة التقريع والتأنيب ويلومونها على هذه الفعلة المنكرة ويذكرونها بشرف أسرتها وكرم أصلها ؛ والتزمت مريم الصمت وأشارت إليهم : أن كلموا هذا الوليد إن أردتم الوقوف على حقيقة الأمر.
فقال القوم لها :﴿ كيف نكلم من كان في المهد صبيا ﴾. ( مريم : ٢٩ ).
كيف نكلم وليدا لم تكتمل أدوات نطقه، ولم تتحرك شفته إلى ثدي أمه ؛ فانطلق الوليد يجيبهم في بيان وحجة وبرهان وقال :﴿ إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا. وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبّارا شقيا، والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ﴾. ( مريم : ٣٣، ٣٠ ).
وهكذا يعلن عيسى عليه السلام : عبوديته لله ؛ فليس هو ابنه كما تدعي فرقة، وليس هو إلها كما تدعي فرقة، وليس هو ثالث ثلاثة كما تدعي فرقة، ويعلن : أن الله جعله نبيا لا ولدا ولا شريكا، وأن الله أوصاه بالصلاة والزكاة مدة حياته.
أسلو

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ كهيعص ( ١ ) ذكر رحمة ربّك عبده زكريا ( ٢ ) إذ نادى ربه نداء خفيّا ( ٣ ) قال ربّي إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك ربّ شقيا ( ٤ ) وإني خفت الموالى من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا ( ٥ ) يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربّ رضيا ( ٦ ) يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميّا ( ٧ ) قال ربّي أنا يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من اكبر عتيّا ( ٨ ) قال كذلك قال ربّك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ( ٩ ) قال ربّي اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويّا ( ١٠ ) فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيّا ( ١١ ) ﴾
تمهيد :
تشتمل هذه السورة على عظيم فضل الله، وجليل قدرته، ففي بدايتها خلق يحيى من أبوين كبيرين عقيمين، ثم قصة مريم ابنة عمران، وقد ورد في كتب السيرة : أن جعفر بن أبي طالب قرأ صدر هذه السورة على النجاشي وأصحابه.
التفسير :
١- كهيعص.
هي حروف افتتح الله تعالى بها بعض السور. قيل : هي مما استأثر الله تعالى بعلمه، وقيل : بل لها معان، وتعددت الآراء في هذه المعاني :
( أ‌ ) قيل : هي إشارة إلى أسماء الله تعالى أو صفاته ؛ فالكاف من اسمه ( كاف )، والهاء من ( هاد )، والياء من ( حكيم )، والعين من ( عالم )، والصاد من ( صادق ).
( ب‌ ) وقيل هي حروف للتحدي والإعجاز، وبيان أن القرآن مؤلف من حروف عربية تنطقون بها، وقد عجزتم عن الإتيان بمثله ؛ فدل ذلك على أنه من عند الله تعالى، وأصحاب هذا الرأي يذكرون : أن الحروف المقطعة في فواتح السور، مجموعها ١٤ حرفا، بينما حروف اللغة العربية ٢٨ حرفا، فكأن القرآن أخذ نصف الحروف في فواتحه، وترك للناس النصف الباقي ؛ ليصنعوا منه قرآنا إن استطاعوا.
( ج ) وذهب آخرون إلى أن هذه الأحرف للتنبيه مثل أدوات الاستفتاح، أو الجرس الذي يضرب فيتنبه التلاميذ إلى دخول المدرسة.
تمهيد :
تشتمل هذه السورة على عظيم فضل الله، وجليل قدرته، ففي بدايتها خلق يحيى من أبوين كبيرين عقيمين، ثم قصة مريم ابنة عمران، وقد ورد في كتب السيرة : أن جعفر بن أبي طالب قرأ صدر هذه السورة على النجاشي وأصحابه.
المفردات :
زكريا :( يمد ويقصر ) من ولد سليمان بن داود وكان نجارا.
٢- ﴿ ذكر رحمة ربّك عبده زكريا ﴾.
أي : هذا ذكر رحمة ربك عبده زكريا، والآية تبدأ بذكر : رحمة الله، وتفضله على عبد من عبيده، ونبي عظيم من أنبياء بني إسرائيل. والمعنى : هذا الذي نذكره لك يا محمد هو جانب من قصة عبدنا زكريا، وطرف من مظاهر الرحمة التي أسبغناها عليه، ومنحناه إياها.
تمهيد :
تشتمل هذه السورة على عظيم فضل الله، وجليل قدرته، ففي بدايتها خلق يحيى من أبوين كبيرين عقيمين، ثم قصة مريم ابنة عمران، وقد ورد في كتب السيرة : أن جعفر بن أبي طالب قرأ صدر هذه السورة على النجاشي وأصحابه.
المفردات :
نادى ربه : دعاه.
خفيا : مستورا عن الناس لم يسمعه أحد منهم.
التفسير :
٣- ﴿ إذ نادى ربه نداء خفيا ﴾.
لقد أخفى دعاءه عن الناس ؛ حتى لا ينسب إلى الرعونة ؛ لكبر سنه، أو رغبة في أن يبث ربه ما به في صوت خفيض، فإن الله يعلم القلب التقي، ويسمع الصوت الخفي. وتلمح رجلا كبيرا مسنّا يتضرع إلى الله تعالى في ظلام الليل، أو صحوة النهار، بعيدا عن الناس، مناجيا له، راغبا في الدعاء، والله تعالى يسمع الدعاء ويجيبه.
قال تعالى :﴿ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ﴾. ( البقرة : ١٨٦ ).
تمهيد :
تشتمل هذه السورة على عظيم فضل الله، وجليل قدرته، ففي بدايتها خلق يحيى من أبوين كبيرين عقيمين، ثم قصة مريم ابنة عمران، وقد ورد في كتب السيرة : أن جعفر بن أبي طالب قرأ صدر هذه السورة على النجاشي وأصحابه.
المفردات :
وهن العظم : ضعف ورق من الكبر إذ قد بلغ خمسا وسبعين سنة أو ثمانين.
اشتعل الرأس شيبا : انتشر الشيب في الرأس.
شقيا : يقال : شقي بكذا أي : تعقب فيه ولم يحصل مقصود منه، أي : كنت أدعوك فتعرّفني الإجابة فيما مضى.
التفسير :
٤- ﴿ قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا ﴾.
أظهر زكريا ضعفه وعجزه أمام ربه في استعطاف وتبتل ونداء خافت.
﴿ قال ربّ إنّي وهن العظم منّي ﴾.
أي : ضعف العظم وهو قوام البدن، وإذا ضعف العظم كان غيره أضعف وأوهن.
﴿ واشتعل الرأس شيبا ﴾.
أي : شاب شعر الرأس، وانشر البياض فيه، كما تنتشر النار في الهشيم، وأسند الاشتعال إلى الرأس وهو مكان الشعر ومنبته، ورسم صورة بارزة لرأس جللها الشيب، والبياض والكبر، وكأنه يقول : يا ربي : شخت وضعفت، وكبرت وصرت شيخا كبيرا فانيا قد وهن عظمه، وشاب شعره.
﴿ ولم أكن بدعائك ربّ شقيّا ﴾.
أي : تعودت على دعائك، وعلى مناجاتك، وعلى طرق بابك، وعودتني الفضل والإجابة والكرم، وأنا الآن أحوج ما أكون إلى هذا الفضل وهذه الإجابة ؛ فتوسل إلى الله بسابق دعائه، وسابق فضل الله عليه، وقد كان ذلك في شبابه وقوته، فأولى بفضل الله أن يناله في مرحلة شيخوخته وكبر سنه.
تمهيد :
تشتمل هذه السورة على عظيم فضل الله، وجليل قدرته، ففي بدايتها خلق يحيى من أبوين كبيرين عقيمين، ثم قصة مريم ابنة عمران، وقد ورد في كتب السيرة : أن جعفر بن أبي طالب قرأ صدر هذه السورة على النجاشي وأصحابه.
المفردات :
الموالي عصبة الرجل.
من ورائي : من بعدي.
عاقر : عقيم لا تلد.
وليا : ولدا من صلبي.
التفسير :
٥- ﴿ وإني خفت المولى من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليّا ﴾.
وإني خفت بني العم والعشيرة من بعد موتي، أن يضيعوا الدين، ولا يحسنوا وراثة العلم والنبوة ؛ فقد أثر عنهم : أنهم كانوا من شرار بني إسرائيل، فخافهم ألا يحسنوا خلافته في أمته، لا في الدين، ولا في المال، ولا في السياسة التي تتبع في إدارة شئونها.
﴿ وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا ﴾.
لقد أظهر أمام الله حاجته، وبين أسباب دعائه ؛ وهي خوفه على التراث والدين، أن يضيع بسبب أقاربه غير الصالحين للقيام على ذلك التراث، فطلب من الله ولدا من صلبه، يغرس فيه مبادئ الإيمان، ويؤهله للقيام على التراث والديانة
تمهيد :
تشتمل هذه السورة على عظيم فضل الله، وجليل قدرته، ففي بدايتها خلق يحيى من أبوين كبيرين عقيمين، ثم قصة مريم ابنة عمران، وقد ورد في كتب السيرة : أن جعفر بن أبي طالب قرأ صدر هذه السورة على النجاشي وأصحابه.
المفردات :
يعقوب : هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وكان متزوجا أخت مريم بنت عمران من ولد سليمان عليه السلام.
رضيا : مرضيا عندك قولا وفعلا.
التفسير :
٦- ﴿ يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربّ رضيّا ﴾.
أي : يرث النبوة والعلم ورعاية الدين، وقد ورد في الصحيحين :( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ؛ ما تركنا صدقة ) iii.
أما قوله تعالى :﴿ وورث سليمان داود ﴾. ( النمل :‍١٦ ). فهو ميراث العلم والدين والدعوة والرسالة.
قال فخر الدين الرازي في التفسير الكبير :
قدم زكريا عليه السلام على طلب الولد أمورا ثلاثة :
أحدها : كونه ضعيفا.
والثاني : أن الله ما رد دعاءه.
والثالث : كون المطلوب بالدعاء سببا للمنفعة في الدين، ثم صرح بسؤال الولد وذلك مما يزيد الدعاء توكيدا ؛ لما فيه من الاعتماد على حول الله وقوته، والتبري عن الأسباب الظاهرة.
وقال ابن كثير :
﴿ يرثني ويرث من آل يعقوب ﴾. يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة ﴿ واجعله رب رضيا ﴾. أي : مرضيا عندك وعند خلقك تحبه وتحببه إلى خلقك في دينه وخلقه.
تمهيد :
تشتمل هذه السورة على عظيم فضل الله، وجليل قدرته، ففي بدايتها خلق يحيى من أبوين كبيرين عقيمين، ثم قصة مريم ابنة عمران، وقد ورد في كتب السيرة : أن جعفر بن أبي طالب قرأ صدر هذه السورة على النجاشي وأصحابه.
المفردات :
لم نجعل له من قبل سميا : لم يسم أحد بهذا الاسم قبله.
التفسير :
٧- ﴿ يا زكريا إنّا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ﴾.
تشير الآية إلى عظيم فضل الله على خلقه، فقد استجاب الله دعاء زكريا وتبتله، وناداه الحق سبحانه : بأنه قد استجاب دعاءه ووهب له غلاما، واختار الله اسمه، وسماه :﴿ يحيى ﴾. وقد أحياه الله من بين شيخ كبير تخطى عمره مائة سنة، وامرأة عجوزا لا تلد، وهي عقيم في صباها فكيف بها في شيخوختها.
﴿ لم نجعل له من قبل سميا ﴾. أي : لم يسم أحد بهذا الاسم قبله، أو لم نجعل له مثيلا في ولادته ؛ حيث ولد لأب كبير عجوز واهن ؛ بلغ عمره مائة وعشرين سنة، وأم عاقر عقيم قاربت مائة سنة، أو لم نجعل له مثيلا في زهده وطاعته وإخلاصه، وجده في الحق واجتهاده. ويحتمل أن يكون جامعا لكل ما سبق. والله أعلم.
قال المفسرون :
كان قد بلغ مائة وعشرين سنة، وامرأته ثمان وتسعين سنة. فأراد أن يطمئن ويعرف الوسيلة التي يرزقه الله بها هذا الغلام.
وقد ورد هذا المعنى في الآية ٣٩ من سورة آل عمران حيث قال تعالى :﴿ فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ﴾. ( آل عمران : ٣٩ ).
وهذه الآية تبين : أن الله تعالى قد استجاب دعاءه وبشره بواسطة الملائكة ؛ أنه سيولد له غنام اسمه يحيى، مؤيدا بآيات الله، وله كرامة وسيادة، وامتناع عن الشهوات- مع قدرته عليها- وهو من الأنبياء ومن الصالحين، الذين بلغوا درجة عالية في عبادة ربهم وطاعته، ولعل هذه الصفات توضح معنى ﴿ لم نجعل له، من قبل سميا ﴾ّ، أي : أنه متميز بسلوكه، وفي اسمه، وفي ولادته من بين شيخين كبيرين عقيمين.
تمهيد :
تشتمل هذه السورة على عظيم فضل الله، وجليل قدرته، ففي بدايتها خلق يحيى من أبوين كبيرين عقيمين، ثم قصة مريم ابنة عمران، وقد ورد في كتب السيرة : أن جعفر بن أبي طالب قرأ صدر هذه السورة على النجاشي وأصحابه.
أنى : كيف ؟
عتيا : كل متناه إلى غاية من كبر أو فساد ؛ فهو عات، أي : يبست مفاصله وعظامه.
٨- ﴿ قال رب أنا يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقر وقد بلغت من الكبر عتيّا ﴾.
إن زكريا هو الذي دعا، وهو الذي طلب، ثم تفضل الله عليه بالجواب، وبشره بغلام ذكر اسمه : يحيى ؛ فذّ في اسمه وفي مسماه وصفاته، هنا تنبه زكريا على الواقع، وناجى ربه مظهرا ما فيه من ضعف، ووهم، وما في امرأته من عقم وشيخوخة.
﴿ قال رب أنا يكون لي غلام ﴾ وهو استفهام تعجب وسرور بالأمر العجيب.
﴿ وكانت امرأتي عاقرا ﴾. أي : والحال أن امرأتي عجوز عقيم، لم تلد في شبابها فكيف وهي الآن عجوز !
﴿ وقد بلغت من الكبر عتيا ﴾. أي : قد بلغت من الكبر والشيخوخة نهاية العمر.
قال الطبري :
عتيا : كل متناه إلى غاية من كبر أو فساد فهو عات وعاس.
تمهيد :
تشتمل هذه السورة على عظيم فضل الله، وجليل قدرته، ففي بدايتها خلق يحيى من أبوين كبيرين عقيمين، ثم قصة مريم ابنة عمران، وقد ورد في كتب السيرة : أن جعفر بن أبي طالب قرأ صدر هذه السورة على النجاشي وأصحابه.
المفردات :
شيئا : موجودا.
التفسير :
٩- ﴿ قال كذلك قال ربك هو علي هيّن وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ﴾.
﴿ قال كذلك ﴾ أي : الأمر كما ذكرت ؛ لأنك شيخ كبير هرم، وزوجك عجوز عقيم، ولكن أمام قدرة الله فذلك أمر هين يسير ؛ فقد خلق الله آدم بدون أب ولا أم، وخلق عيسى بدون أب وهو على كل شيء قدير، إذا أراد أمرا هيأ له الأسباب ثم قال له : كن فيكون.
﴿ وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ﴾. أي : كما خلقتك من العدم، ولم تك شيئا مذكورا فأنا قادر على خلق يحيى منكما.
قال المفسرون :
ليس في الخلق هين وصعب على الله، فوسيلة الخلق للصغير والكبير، والجليل والحقير واحدة، ﴿ كن فيكون ﴾. وإنما هو أهون في اعتبار الناس، فإن القادر على الخلق من العدم، قادر على الخلق من شيخين هرمين.
تمهيد :
تشتمل هذه السورة على عظيم فضل الله، وجليل قدرته، ففي بدايتها خلق يحيى من أبوين كبيرين عقيمين، ثم قصة مريم ابنة عمران، وقد ورد في كتب السيرة : أن جعفر بن أبي طالب قرأ صدر هذه السورة على النجاشي وأصحابه.
المفردات :
سويا : وأنت صحيح من غير مرض.
التفيسر :
‍١٠- ﴿ قال ربّ اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ﴾.
أي : طلب زكريا من الله تعالى أن يجعل له دليلا على بداية الحملة ؛ ليطمئن وليزداد شكرا لله تعالى. وذكرا له وحمدا.
﴿ قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويّا ﴾.
أي : إن العلامة على بداية الحملة هي أن ينقطع عن الكلام مع الناس بلسانه، مع كمال صحته وانطلاق لسانه في قراءة التوراة وذكر الله، وهي علامة تناسب الجو الذي يعيش فيه زكريا، من تبتله وشكره وذكره وعرفانه لله : بأنه المنعم المتفضل ؛ فكلمة ﴿ سويا ﴾ حال من زكريا. أي : أنك لا تكلم الناس بلسانك ؛ حال كونك سليما سويا معافى.
من المفسرين من ذهب إلى أن المراد ثلاث ليال كاملات بأيامهن، والأرجح أن المراد بكلمة ﴿ سويا ﴾ هو زكريا، أي : لا تكلم الناس مع عدم وجود علة بك بل نطقك سليم.
وفي سورة آل عمران :﴿ قال رب ّاجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشيّ والإبكار ﴾. ( آل عمران : ٤١ ).
تمهيد :
تشتمل هذه السورة على عظيم فضل الله، وجليل قدرته، ففي بدايتها خلق يحيى من أبوين كبيرين عقيمين، ثم قصة مريم ابنة عمران، وقد ورد في كتب السيرة : أن جعفر بن أبي طالب قرأ صدر هذه السورة على النجاشي وأصحابه.
المفردات :
المحراب : المصلّى.
أوحى : أومأ وأشار.
سبحوا : صلوا.
التفسير :
١١- ﴿ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبّحوا بكرة وعشيا ﴾.
أي : خرج زكريا إلى قومه من مكان عبادته وصلاته لله تعالى، فأشار إليهم : أن اذكروا الله وسبحوه ونزهوه على الشريك والولد ؛ في أوائل النهار وأواخره ﴿ بكرة ﴾ : صباح، ﴿ عشيا ﴾ : عصرا.
وقد ورد في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وفي صلاة العصر اقرؤوا إن شئتم قول الله تعالى :﴿ وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾iv. ( الإسراء : ٧٨ ).
والمحراب يطلق على المصلى، أو الغرفة التي كان يجلس فيها في بيت المقدس ؛ أو هو المسجد، فقد كانت مساجدهم تسمى : المحاريب ؛ لأنها الأماكن التي تحارب فيها الشياطين.
وفي تفسير المراغي :
والمحراب ( هو المسمى عند أهل الكتاب بالمذبح، وهو مقصورة في مقدم المعبد، لها باب يصعد إليه بسلم ذي درج قليله يكون من فيها محجوبا عمن في المعبد ).
وفي هذا المحراب الذي يتعبد فيه زكريا جاءت الملائكة فبشرته بيحيى. قال تعالى :﴿ فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ﴾. ( آل عمران : ٣٩ ).
﴿ يا يحيى خذ الكتاب بقوّة وآتيناه الحكم صبيّا ( ١٢ ) وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيّا ( ١٣ ) وبرّا بوالديه ولم يكن جبّارا عصيّا ( ١٤ ) وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيّا ( ١٥ ) ﴾
المفردات :
الكتاب : التوراة.
القوة : الجد والاجتهاد.
الحكم : الحكمة والفقه في الدين.
صبيا : صغيرا في زمن الصبا ( سبع سنين ).
تمهيد :
تفيد الآيات أن الله أوجد يحيى إلى عالم الوجود، ونما وترعرع متصفا بصفات الجد والحكمة والفهم، متحليا بالرحمة والطهارة والتقوى وبر الوالدين، مبتعدا عن التكبر والتجبر، وقد منحه الله السلام والسلامة في ميلاده وعند موته وعند بعثه.
التفسير :
١٢- ﴿ يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيّا ﴾.
لقد زود الله يحيى بمزودات عديدة، ليحسن الميراث وليلبي دعوة والده حين قال :﴿ فهب لي من لدنك وليا. يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيّا ﴾.
والكتاب هنا هو التوراة، وهو ميراث الأنبياء، يتولون شرحه والدعوة إليه، أي : نادى الله يحيى وألهمه ووفقه في أن يأخذ التوراة بالجد والاجتهاد، وتطبيق ما اشتملت عليه من أحكام وآداب ؛ فإن بركة العلم في العمل به.
﴿ وآتيناه الحكم صبيا ﴾.
أعطيناه بفضلنا الحكمة والفهم، والعلم النافع مع العمل به، وهو في سن الصبا ( سبع سنين ) حيث قال الصبيان ليحيى بن زكريا : اذهب بنا نلعب ؛ فقال : ما للعب خلقنا، لذلك قال تعالى :﴿ آتيناه الحكم صبيّا ﴾.
وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بالحكم : النبوة، واعترض آخرون بأن النبوة تحتاج إلى كمال العقل والفطنة، والراجح أن المراد بالحكم هنا : الفهم والحكمة، والعلم النافع والعمل به، وذلك عن طريق حفظ التوراة وفهمها وتطبيق أحكامها.
تمهيد :
تفيد الآيات أن الله أوجد يحيى إلى عالم الوجود، ونما وترعرع متصفا بصفات الجد والحكمة والفهم، متحليا بالرحمة والطهارة والتقوى وبر الوالدين، مبتعدا عن التكبر والتجبر، وقد منحه الله السلام والسلامة في ميلاده وعند موته وعند بعثه.
المفردات :
حنانا : ذا حنان وشفقة.
زكاة : طهارة من الدنس والذنوب والآثام.
تقيا : مطيعا لأمر ربّه.
التفسير :
١٣- ﴿ وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا ﴾.
أعطاه الله الحنان والشفقة والرحمة، وطبعه على هذه الصفات، وآتاه الطهارة والعفة، ونظافة القلب والطبع، ﴿ وكان تقيا ﴾، موصول القلب بالله، مراقبا لمولاه، مطيعا لأمره، يستشعر رقابته عليه في سره ونجواه.
تمهيد :
تفيد الآيات أن الله أوجد يحيى إلى عالم الوجود، ونما وترعرع متصفا بصفات الجد والحكمة والفهم، متحليا بالرحمة والطهارة والتقوى وبر الوالدين، مبتعدا عن التكبر والتجبر، وقد منحه الله السلام والسلامة في ميلاده وعند موته وعند بعثه.
المفردات :
برا بوالديه : كثير الإحسان إليهما.
جبارا : متعاليا عن قبول الحق والإذعان له.
عصيا : مخالفا أمر مولاه.
التفسير :
١٤- ﴿ وبرا بوالديه ولم يكن جبارّا عصيّا ﴾.
كان يحيى كثير البر بوالديه، والحدب عليهما، بعيدا عن عقوقهما، وقد جعل الله طاعة الوالدين في المرتبة التي تلي طاعته فقال سبحانه :﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إيّاه وبالوالدين إحسانا... ﴾ ( الإسراء : ٢٣ ).
﴿ ولم يك جبارا عصيّا ﴾. أي : لم يك متكبرا على الناس، ولا مخالفا لأمر ربه، بل كان لين الجانب، متواضعا.
وقد أمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسله بمثل هذا في قوله :﴿ واخفض جناك لمن اتبعك من المؤمنين ﴾. ( الشعراء : ٢١٥ )، وقال تعالى :﴿ ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ﴾. ( آل عمران : ١٥٩ ).
تمهيد :
تفيد الآيات أن الله أوجد يحيى إلى عالم الوجود، ونما وترعرع متصفا بصفات الجد والحكمة والفهم، متحليا بالرحمة والطهارة والتقوى وبر الوالدين، مبتعدا عن التكبر والتجبر، وقد منحه الله السلام والسلامة في ميلاده وعند موته وعند بعثه.
المفردات :
سلام : أي : أمان من الله عليه
التفسير :
١٥- ﴿ وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيّا ﴾.
أي : وتحية وأمان له يوم ميلاده، ويوم وفاته، ويوم يبعث من قبره للحساب. وخص هذه المواطن الثلاث ؛ لأنها أحرج المواطن في حياة الشخص، فعند : الميلاد يخرج من مكان آمن إلى دنيا لم يشاهد أحدا فيها، وعند الموت : يرى قوما لم يكن عاينهم، وعند البعث : يرى نفسه في مشهد عظيم، فالإنسان أحوج ما يكون في هذه المواقف إلى فضل ربه وعظيم رحمته، ورأفته به.
جاء في تفسير ابن كثير ما يأتي :
عن قتادة : أن الحسن قال : إن يحيى وعيسى عليهما السلام التقيا، فقال له عيسى : استغفر لي ؛ أنت خير مني، فقال له الآخر : أنت خير مني، فقال له عيسى : أنت خير منّي، سلمت على نفسي، وسلم الله عليك. فعرف والله فضلهما.
﴿ واذكر في القرآن مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيّا ( ١٦ ) فاتّخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويّا ( ١٧ ) قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيّا ( ١٨ ) قال إنما أنا رسول ربّك لأهب لك غلاما زكيّا ( ١٩ ) قالت أنا يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيّا ( ٢٠ ) قال كذلك قال ربك هو عليّ هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيّا ( ٢١ ) ﴾
المفردات :
انتبذت : اعتزلت وتنحت.
مكانا شرقيا : شرقي بيت المقدس، أو قبل مشرق الشمس.
تمهيد :
بدأت سورة مريم بذكر : قصة زكريا وقد رزق ولدا وهو عجوز وزوجته عقيم، وهي قصة مألوفة، فأتى بها كالتمهيد لميلاد عيسى من أم دون أب للدلالة على كمال القدرة الإلهية، وأنه هو مسبب الأسباب، وإذا أراد الله أمرا هيأ له الأسباب ثم قال له : كن فيكون، وقد ألف الناس أن يكون مجيء الأطفال بسبب تلقيح الذكر للأنثى، فجعل الله خلق عيسى معجزة وآية تدل على كمال القدرة الإلهية.
التفسير :
١٦- ﴿ واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيّا ﴾.
أي : واتل أيها الرسول الكريم في كتاب الله الذي أنزله إليه بالحق : قصة مريم ابنة عمران حين اعتزلت أهلها وانفردت عنهم إلى مكان شرقي بيت المقدس لتتخلى للعبادة.
وعن ابن عباس أنه قال : إني لأعلم خلق الله لأي شيء اتخذ النصارى الشرق قبلة ؛ لقول الله عز وجل :﴿ إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيّا ﴾. فاتخذوا ميلاد عيسى عليه السلام قبلة.
تمهيد :
بدأت سورة مريم بذكر : قصة زكريا وقد رزق ولدا وهو عجوز وزوجته عقيم، وهي قصة مألوفة، فأتى بها كالتمهيد لميلاد عيسى من أم دون أب للدلالة على كمال القدرة الإلهية، وأنه هو مسبب الأسباب، وإذا أراد الله أمرا هيأ له الأسباب ثم قال له : كن فيكون، وقد ألف الناس أن يكون مجيء الأطفال بسبب تلقيح الذكر للأنثى، فجعل الله خلق عيسى معجزة وآية تدل على كمال القدرة الإلهية.
المفردات :
حجابا : ساترا يسترها عنهم وعن الناس.
روحنا : جبريل عليه السلام.
بشرا سويا : في سورة رجل من بني آدم معتدل الخلق.
التفسير :
١٧- ﴿ فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ﴾.
أي : انفردت مريم لأمر يخصها ؛ أو لتتفرغ لعبادة ربها، فأرسل الله إليها جبريل عليه السلام، متمثلا في صورة بشر مكتمل الحواس سوي الخلقة، وسمي جبريل : روحا ؛ لأنه يحمل الوحي وهو روح وحياة.
قال تعالى :﴿ نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين ﴾. ( الشعراء : ١٩٤، ١٩٣ ).
وقد أضاف الله الروح إليه ؛ إضافة تشريف وتكريم. ﴿ روحنا ﴾ ؛ لأنه يتصرف بإذن الله وأمره.
تمهيد :
بدأت سورة مريم بذكر : قصة زكريا وقد رزق ولدا وهو عجوز وزوجته عقيم، وهي قصة مألوفة، فأتى بها كالتمهيد لميلاد عيسى من أم دون أب للدلالة على كمال القدرة الإلهية، وأنه هو مسبب الأسباب، وإذا أراد الله أمرا هيأ له الأسباب ثم قال له : كن فيكون، وقد ألف الناس أن يكون مجيء الأطفال بسبب تلقيح الذكر للأنثى، فجعل الله خلق عيسى معجزة وآية تدل على كمال القدرة الإلهية.
المفردات :
أعوذ : أعتصم، وألجأ، وأستجير.
إن كنت تقيا : ذا تقوى، أن تنال مني ما حرم الله عز وجل.
التفسير :
١٨- ﴿ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ﴾.
هنا تنتفض الفتاة مذعورة حين وجدت شخصا سوي الخلقة في مخدعها وتقول : إني أستجير بالله منك أن تنال مني ما حرم الله عليك ؛ إن كنت ذا تقوى تتقي محارمه، وتجتنب معاصيه، وتمثل الآية موقف فتاة مؤمنة، في حجاب بينها وبين قومها، تفاجأ بشخص سوي الخلقة، فتحرك فيه دواعي التقى والإيمان، وتذكره بالرحمن، الذي تتحصن بسلطانه، وتذكر الشخص بتقوى الله والخوف منه.
تمهيد :
بدأت سورة مريم بذكر : قصة زكريا وقد رزق ولدا وهو عجوز وزوجته عقيم، وهي قصة مألوفة، فأتى بها كالتمهيد لميلاد عيسى من أم دون أب للدلالة على كمال القدرة الإلهية، وأنه هو مسبب الأسباب، وإذا أراد الله أمرا هيأ له الأسباب ثم قال له : كن فيكون، وقد ألف الناس أن يكون مجيء الأطفال بسبب تلقيح الذكر للأنثى، فجعل الله خلق عيسى معجزة وآية تدل على كمال القدرة الإلهية.
المفردات :
زكيا : طاهرا ما الأدناس والأرجاس والذنوب.
التفسير :
١٩- ﴿ قال إنما أنا رسول رّبك لأهب لك غلاما زكيّا ﴾.
أي : قال جبريل لها، مزيلا ما حدث عندها من الخوف منه، ومن النفور : لست شابا راغبا في الفاحشة كما تظنين، إنما أنا رسول ربك بعثني لأهب لك غلاما طاهرا مبرأ من العيوب، وقد نسب الهبة إليه، من قبل أنها جرت على يده بأن نفخ في جيبها بأمر الله.
تمهيد :
بدأت سورة مريم بذكر : قصة زكريا وقد رزق ولدا وهو عجوز وزوجته عقيم، وهي قصة مألوفة، فأتى بها كالتمهيد لميلاد عيسى من أم دون أب للدلالة على كمال القدرة الإلهية، وأنه هو مسبب الأسباب، وإذا أراد الله أمرا هيأ له الأسباب ثم قال له : كن فيكون، وقد ألف الناس أن يكون مجيء الأطفال بسبب تلقيح الذكر للأنثى، فجعل الله خلق عيسى معجزة وآية تدل على كمال القدرة الإلهية.
المفردات :
أنّى : كيف يكون ذلك ؟
بغيا : زانية.
التفسير :
٢٠- ﴿ قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيّا ﴾.
أي : كيف يكون لي ولد، وأنا لم أتزوج، ولست فاجرة ؛ فلم أتخذ الطريق إلى الولد بالزواج، ولست من الزانيات. والولد لا يأتي إلا من نكاح أو من سفاح !
تمهيد :
بدأت سورة مريم بذكر : قصة زكريا وقد رزق ولدا وهو عجوز وزوجته عقيم، وهي قصة مألوفة، فأتى بها كالتمهيد لميلاد عيسى من أم دون أب للدلالة على كمال القدرة الإلهية، وأنه هو مسبب الأسباب، وإذا أراد الله أمرا هيأ له الأسباب ثم قال له : كن فيكون، وقد ألف الناس أن يكون مجيء الأطفال بسبب تلقيح الذكر للأنثى، فجعل الله خلق عيسى معجزة وآية تدل على كمال القدرة الإلهية.
المفردات :
آية : علامة على قدرة خالقكم.
مقضيا : محتوما قد تعلق به قضاؤنا الأزلي.
التفسير :
٢١- ﴿ قال كذلك قال ربك هو عليّ هين ﴾.
إن الولد لا يأتي إلا من نكاح أو من سفاح في عادات الناس، أما إذا كان الأمر أمر الله، فإنه نافذ لا محالة، وليس على الله هين وصعب، لكن أراد أن يقرب الأمر إلى فهم مريم، والمراد : أن الله على كل شيء قدير، ولا يمتنع عليه فعل ما يريده، ولا يحتاج في إنشائه إلى المواد والآلات.
﴿ ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا ﴾.
ولنجعله معجزة ظاهرة أمام الناس، ورحمة من الله لعباده ؛ حين بعثه نبيا وهاديا ورسولا، وكان ذلك قضاء قد قضي في سابق علم الله، ومضى به فلا يغير ولا يبدل.
لقد خلق الله آدم من تراب ونفخ فيه من روحه، ثم خلق حواء من أب دون أم، ثم خلق عيسى من أم دون أب ؛ ليظهر للناس أن الآباء والأمهات هم أسباب مادية ملموسة، والمسبب الحقيقي هو الله قال تعالى :﴿ يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير ﴾. ( الشورى : ٥٠، ٤٩ ).
وقال سبحانه وتعالى :﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ﴾. ( آل عمران : ٥٩ ).
﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيّا ( ٢٢ ) فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيا منسيّا ( ٢٣ ) فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريّا ( ٢٤ ) وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيّا ( ٢٥ ) فكلي واشربي وقرّي عينا فإمّا ترينّ من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلم أكلم اليوم إنسيّا ( ٢٦ ) ﴾
المفردات :
فانتبذت : اعتزلت.
قصيا : بعيدا من أهلها وراء الجبل.
التفسير :
٢٢- ﴿ فحملته فانتبذت به مكانا قصيّا ﴾.
أي : اقتنعت بكلام جبريل فنفخ في جيب درعها ( الفتحة التي من الأمام في القميص ) فدخلت النفخة في جوفها فحملته، قال ابن عباس، وقال غيره : نفخ في كمها وقد تم الحمل بالجنين، فاعتزلت وهو في بطنها مكانا بعيدا عن أهلها ؛ خشية أن يعيروها بالولادة من غير زوج.
المفردات :
فأجاءها : الجأها واضطرها.
المخاض : الطلق حين تحرك الولد للخروج من البطن.
نسيا منسيا : كشيء ترك فلم يطلب، أو لم أكن في الأشياء.
التفسير :
٢٣- ﴿ فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيّا ﴾.
أي : وبعد أن حملت مريم بعيسى، وابتعدت به وهو محمول في بطنها عن قومها، وحان وقت ولادتها، ألجأها المخاض إلى جذع نخلة يابسة ؛ لتتكأ عليه عند الولادة، فاعتراها الهم والحزن، وتهيبت مقابلة الناس، فهم كانوا يرونها عابدة زاهدة ؛ والآن يظنون أنها زانية عاهرة ؛ فقالت يا ليتني مت قبل هذا الحمل والمخاض الذي حل بي، ﴿ وكنت نسيا منسيا ﴾. شيئا متروكا لا يهتم به أحد ؛ نسيا بفتح النون وكسرها لغتان في الشيء الحقير المهمل، مثل : الوَتر، والوتر بفتح الواو وكسرها.
وقد أدب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالأدب الإلهي ومن ذلك ألا يتمنى المسلم الموت ؛ لضيق مادي أو مرض ؛ وروى مسلم في صحيحه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لا يتمنين أحدهم الموت لضر نزل به. فإن كان لا بد متمنيا فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي )v.
المفردات :
فناداها من تحتها : اختلف في أنه عيسى، أو جبريل.
سريا : نهرا أو عنى نفسه عيسى.
التفسير :
٢٤- ﴿ فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريّا ﴾.
توجد قراءتان سبعيتان في ﴿ من تحتها ﴾. الأولى : بفتح الميم بمعنى : الذي تحتها وهو عيسى، والثانية : من تحتها بكسر الميم وهو جبريل عليه السلام، ورجح الطبري أن الذي ناداها هو عيسى عليه السلام ؛ لتزداد اطمئنانا ويقينا بهذه المعجزة، أي : ناداها عيسى عند ولادته قائلا : لا تحزني لهذا الأمر ؛ فقد جعل الله تحتك جدولا صغيرا يجري أمامك.
قال ابن عباس : ضرب جبريل برجله الأرض، فظهرت عين ماء عذب فجرى جدولا.
المفردات :
هزي : حركي.
رطبا : بُسرا ناضجا.
جنيا : صالحا للاجتناء.
التفسير :
٢٥- ﴿ وهزّي إليك بجدع النخلة تساقط عليك رطبا جنيّا ﴾.
أي : حركي جذع النخلة اليابسة ؛ يتساقط عليك الرطب الشهي الطري.
والرطب : هو ما نضج واستوى من التمر.
جنيّا : صالحا للأخذ والاجتناء.
لقد أراها الله تعالى عددا من الكرامات، منها وجود عين ماء تسير لوقتها، وتحريك نخلة يابسة تخضر وتثمر، ثم تحريك يديها بهز النخلة يؤدي إلى وقوع الثمر، وكل هذا ؛ لتطمين القلب، وللحث على الأخذ بالأسباب، ورحم الله القائل :
ألم تر أن الله قال لمريم وهزي إليك الجذع يساقط الرطب
ولو شاء أن نجنيه من غير هزه جنته، ولكن كل شيء له سبب
وقد ذكر العلماء : أن أفضل ما تأكله النفساء هو الرطب ؛ لأن فيه حلاوة وقوة.
المفردات :
قري عينا : طيبي نفسا وافرحي بولادتك إياي ولا تحزني.
قولي : أشيري إليهم.
صوما : صمتا.
التفسير :
٢٦- ﴿ فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إنّي نذرت للرحمن صوما فلن أكمل اليوم إنسيّا ﴾.
أي : فكلي من ذلك الرطب الشهي، واشربي من هذا الماء العذب السلسبيل، ﴿ وقري عينا ﴾. أي : طيبي نفسا بهذا المولود ولا تحزني ؛ ﴿ فإما ترين من البشر أحدا ﴾. أي : إذا رأيت أحدا من الناس وسألك عن شأن المولود ؛ فأشيري إليهم : بأني أوجبت على نفسي لله صمتا ؛ ألا أكلم اليوم أحدا.
قال الفخر الرازي ما ملخصه :
إنما منعت من الكلام لأمرين.
أحدهما : أن يكون عيسى هو المتكلم عنها ؛ ليكون أقوى لحجتها في إزالة التهمة عنها.
ثانيهما : كراهة مجادلة السفهاء، وفيه أن السكوت عن السفيه واجب، ومن أذل الناس سفيه لم يجب مسافها.
﴿ فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريّا ( ٢٧ ) يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيّا ( ٢٨ ) فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيّا ( ٢٩ ) قال إنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيّا ( ٣٠ ) وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيّا ( ٣١ ) وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبّارا شقيّا ( ٣٢ ) والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيّا ( ٣٣ ) ﴾
المفردات :
فريا : عظيما خارقا للعادة، وهي الولادة بلا أب.
التفسير :
٢٧- ﴿ فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريّا ﴾.
أي : حملت ابنها وجاءت إلى قومها بعد أن طهرت من النفاس، فلما رأوها أنكروا عليها وجود الولد معها، وقالوا لها : لقد جئت أمرا منكرا عظيما.
المفردات :
هارون : هو أخو موسى، وقيل : هو رجل صالح من بني إسرائيل.
يا أخت هارون : يا شبيهة هارون في الصلاح.
التفسير :
٢٨- ﴿ يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوْء وما كانت أمك بغيّا ﴾.
كان هارون رجلا صالحا في بني إسرائيل، منقطعا للعبادة ؛ فشبهوها به في صلاحها.
والمعنى : يا شبيهة هارون في الصلاح والعبادة والتقوى، ما كان أبوك بالفاجر، وما كانت أمك بالبغي ؛ فكيف أتيت بهذا الولد ؟ !.
أو المعنى : يا من أنتِ من نسل هارون أخي موسى : كما يقال للتميمي : يا أخا تميم، وللمصري : يا أخا مصر.
أخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن المغيرة بن شعبة قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران فقالوا : أرأيت ما تقرءون :﴿ يا أخت هارون ﴾ وموسى قبل عيسى بكذا وكذا ؟ قال : فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :( ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمّون بالأنبياء والصالحين قبلهم )vi.
المفردات :
في المهد : في الحجر ( حجر أمه ).
التفسير :
٢٩- ﴿ فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيّا ﴾.
فأشارت إلى ابنها عيسى ولسان حالها يقول لهم : وجهوا كلامكم إليه ؛ فإنه سيخبركم بحقيقة الأمر ولكنهم لم يقتنعوا بإشاراتها، بل قالوا لها : كيف نكلم طفلا صغيرا لا يزال في السرير يتغذى بلبان أمه ؟
جاء في التفسير الكبير لفخر الدين الرازي :
روى أنه كان يرضع، فلما سمع ذلك ؛ ترك الرضاع وأقبل عليهم بوجهه وكلمهم، ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغا يتكلم فيه الصبيان. ١ ه.
وكلام عيسى في المهد معجزة إلهية، أجراها الله على يديه، تبرأة لمريم، وإرهاصا لنبوة عيسى، فنحن نؤمن بها كما وردت في كتاب الله، وهو حسبنا.
المفردات :
الكتاب : الإنجيل.
التفسير :
٣٠- ﴿ قال إنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيّا ﴾.
أي : قال عيسى في كلامه أمام قوم مريم : أنا عبد الله خلقني بقدرته من غير أب، فقدم ذكر العبودية ؛ ليبطل قول من ادعى فيه الربوبية.
﴿ آتاني الكتاب وجعلني نبيا ﴾.
أي : قضى ربي أن يؤتيني الإنجيل في المستقبل، وأن يجعلني نبيا، أدعوا الناس إلى عبادته وحده، وإنما جاء بلفظ الماضي ؛ لإفادة تأكد تحققه ؛ فإن ما قضى به الله لا بد أن يقع، وقريب منه قوله تعالى :﴿ آتى أمر الله... ﴾ ( النحل : ١ )، وقوله سبحانه :﴿ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ﴾. ( الزمر : ٦٨ ).
المفردات :
مباركا : نفاعا للناس.
التفسير :
٣١- ﴿ وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ﴾.
أي : جعل فيَّ البركة والخير والنفع للعباد حيثما كنت وأينما حللت، وأوصاني بالمحافظة على الصلاة والزكاة مدة حياتي.
المفردات :
الجبار : المتعظم الذي لا يرى لأحد عليه حقا.
الشقي : العاصي لربه.
التفسير :
٣٢- ﴿ وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيّا ﴾.
أي : وجعلني الله مطيعا لوالدتي ومحسنا إليها، ولم يجعلني- سبحانه- متكبرا مرتكبا للمعاصي والموبقات.
٣٣- ﴿ والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ﴾.
أي : سلام الله علي في يوم ولادتي وفي يوم مماتي، وفي يوم خروجي حيا من قبري.
هذا ما نطق به المسيح وهو طفل لا يزال في المهد ؛ فقد تبرأ ممن جعله إلها حيث نطق بأنه عبد الله، وأنه نبي سيؤتيه الله الإنجيل، وسيجعله كثير البركة محافظا على الصلاة والزكاة، محسنا لوالدته، بعيدا عن التكبر والمعصية ؛ ثم هو بشر يسأل الله السلام والأمان له في كل أطوار حياته.
وبهذا رد المسيح على من جعله إلها، وعلى من قال : إنه ابن زنا، وعلى من ذهب إلى أن الأب إله، والابن إله، وروح القدس إله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فالمسيح في القرآن عبد الله ورسوله يحيى ويموت كسائر البشر خلقه الله من أم دون أب ؛ ليكون آية على قدرة الله الباهرة.
وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم :( يقول الله عز وجل : يشتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني، ويكذبني ابن آدم وما ينبغي له أن يكذبني ؛ أما شتمه إياي : فقوله : إن لي ولدا، وأما تكذيبه إياي فقوله لا يبعثني الله بعد موتي... )vii.
وقد تحدث القرآن مستنكرا أن يكون لله ولدا، مستخدما الدال وهي حرف من حروف القلقلة في نهاية كل آية فقال :
﴿ وقالوا اتّخذ الرحمن ولدا. لقد جئتم شيئا إدّا. تكاد السماوات يتفطّرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدّا. أن دعوا للرحمن ولدا. وما ينبغي للرحمن أن يتّخذ ولدا. إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا. لقد أحصاهم وعدهم عدّا. وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾. ( مريم : ٨٨، ٩٥ ).
وفي الصفحة الأخيرة من سورة المائدة يتبرأ المسيح عيسى عليه السلام ممن ادعى : بأنه إله، أو أن أمه مريم إله.
قال تعالى :﴿ وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب. ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرّقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد. إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ﴾. ( المائدة : ١١٨، ١١٦ ).
﴿ ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ( ٣٤ ) ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنّما يقول له كن فيكون ( ٣٥ ) وإن الله ربّي وربّكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ( ٣٦ ) فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ( ٣٧ ) أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ( ٣٨ ) وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ( ٣٩ ) إنّا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ( ٤٠ ) ﴾
المفردات :
قول الحق : قول الصدق الذي لا شبهة فيه.
يمترون : يشكون ويتنازعون ويختصمون ؛ فزعم اليهود : أنه ساحر كذاب، وزعمت النصارى أنه ابن الله، وثالث ثلاثة، وإله- تعالى الله عن ذلك-
التفسير :
٣٤- ﴿ ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ﴾.
أي : هذه هي القصة الحقيقية، وهي القول في عيسى ابن مريم، لا ما يصفه النصارى من أنه ابن الله، أو اليهود من أنه ابن زنى، ويشكّون في أمره ويمترون ويجادلون.
المفردات :
ما كان لله أن يتخذ من ولد : ما ينبغي ولا يصح أن يجعل له ولد.
التفسير :
٣٥- ﴿ ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ﴾.
ما صح ولا استقام للإله الواحد الأحد، السميع البصير القدير، أن يتخذ ولدا ؛ لأن الولد إنما يتخذه الفانون للامتداد، ويتخذه الضعفاء للنصرة، والله هو الباقي بقاء أبديا، وهو القوي القادر الذي لا يعجزه شيء.
﴿ سبحانه تنزه عن الصاحبة والولد ﴾.
أي : إذا أراد أمرا فإنما يأمر به ؛ ليكون كما أراد ؛ فليس في حاجة إلى نصرة الولد أو معونته كما يفعل البشر ؛ بل هو الإله القادر النافذ الأمر، وقريب من هذا المعنى قوله تعالى :﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ﴾. ( آل عمران : ٥٩ ).
المفردات :
صراط مستقيم : طريق لا يضل سالكه.
التفسير :
٣٦- ﴿ وإن الله ربّي وربّكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ﴾.
لقد أنطق الله عيسى في المهد بهذه الحقائق ؛ حتى لا يضل الضالون، ومن ذلك قوله : إن الله سبحانه هو رب الكون، ورب الناس أجمعين، ورب عيسى وخالقه، وإليه نتوجه جميعا بالعبادة ولا نعبد سواه، وهذا هو الطريق الواضح المستقيم.
وهذا معنى لا إله إلا الله. أي : لا معبود بحق سواه. وقريب منه ما ورد في سورة الصمد ؛ حيث أثبتت وحدانية الخالق، المقصود في الحوائج، فهو لم يلد ولدا ولم يولد من أب، كشأن البشر حيث يولد الصغير ثم يكبر فيصير أبا، ﴿ ولم يكن له كفوا أحد ﴾. أي : ليس له شبيه أو نظير أو مكافئ.
قال تعالى :﴿ قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد ﴾. ( الإخلاص : ٤، ‍١ ).
المفردات :
الأحزاب : فرق النصارى الثلاث.
مشهد : شهود وحضور.
يوم عظيم : يوم القيامة.
التفسير :
٣٧- ﴿ فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾.
أي : اختلفت الفرق من أهل الكتاب في شأن عيسى ؛ وصاروا أحزابا متفرقين، فمنهم : من يزعم : أنه ابن الله، ومنهم : من يزعم : أنه ابن زنى.
ولقد جمع الإمبراطور الروماني قسطنطين مجمعا من الأساقفة- وهو أحد المجامع الثلاثة الشهيرة- بلغ عدد أعضاءه ألفين ومائة وسبعين أسقفا، فاختلفوا في شأن عيسى اختلافا شديدا، وقالت كل فرقة فيه قولا.
قال بعضهم : هو الله هبط إلى أرض فأحيا من أحيا وأمات من أمات ثم صعد إلى السماء، وقال بعضهم : هو ابن الله.
وقال بعضهم : هو أحد الأقانيم الثلاثة : الأب والابن وروح القدس.
وقال بعضهم : هو ثالث ثلاثة : الله إله، وعيسى إله، وأمه إله، .
وقال بعضهم : هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته.
وقالت فرق أخرى أقوالا أخرى، ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلاثمائة وثمانية اتفقوا على قول، فمال إليه الإمبراطور ونصر أصحابه وطرد الآخرين، وشرد المعارضة وبخاصة الموحدين.
وقد سمي أتباع الملك قسطنطين الملكانية، وقد ابتنى لهم حينئذ الكنائس الكبار في مملكته كلها، بلاد الشام والجزيرة والروم، فكان مبلغ الكنائس في أيامه ما يقارب اثني عشر ألف كنيسةviii.
ونلاحظ أنه قبل الفتح الإسلامي لمصر، كان في مصر مذهبان منتشران بين أقباط مصر :
المذهب الملكاني : ويذهب إلى أن الابن مفصول من الأب قبل كل الأزمنة والدهور وهو جوهره ونوره اتحد بالإنسان المأخوذ من مريم.
والمذهب اليعقوبي : نسبه إلى عالم قبطي يسمى : يعقوب، يرى أن اللاهوت حل في الناسوت، أي : أن المسيح إنسان حلت فيه روح إله. وكان المذهب اليعقوبي منتشرا بين أبناء الشعب المصري، وكان زعماء اليعاقبة مجاهدون غاضبون على المذهب الملكاني، الذي تحبذه روما ؛ ولذلك فإن الشعب القبطي قد استقبل الفتح الإسلامي لمصر استقبالا حسنا، وأمد الفاتحين المسلمين بالعلف والمئونة والمساعدة ؛ ليتخلص الشعب من ظلم الرومان وتعسفهم.
وكانت مصر تعتبر مزرعة للقمح تورده إلى روما، وكانت روما تجبي الضرائب، وتفرض المذهب الملكاني، وتجني ثمار القمح ؛ مما جعل الأقباط راغبين في التخلص من جور الرومان وظلمهم، كما أن تصور اليعاقبة لطبيعة المسيح كان أقرب إلى التصور الإسلامي، من المذهب الملكاني الرومانيix.
﴿ فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ﴾.
أي : فعذاب شديد للكافرين من شهود ذلك اليوم ؛ وهو يوم القيامة، الذي يشهده الثقلان وغيرهما من مخلوقات الله.
المفردات :
اليوم : في الدنيا.
التفسير :
٣٨- ﴿ أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ﴾.
ما أشد سمعهم وبصرهم يوم يقدمون على ربهم وقد شاهدوا بأعينهم حقيقة الآخرة، وتفتحت أسماعهم وأبصارهم على الوعد الحق، فأفاقوا بعد فوات الأوان !
﴿ لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ﴾.
إلا أن هؤلاء الظالمين اليوم في الدنيا، في ضلال ظاهر ؛ قد أعمتهم الدنيا وشغلتهم الأماني، وسلبت أسماعهم وأبصارهم عن سماع الحق والتأمل في حقيقة التوحيد، فهم عمي في الدنيا عن الحقيقة، ثم يبصرون ويسمعون ويعرفون الحقيقة في الآخرة، ولكن بعد فوات الأوان، حيث يطلبون العودة إلى الدنيا ؛ لتدارك ما فات فلا يجابون إلى طلبهم !
صاح هل رأيت أو سمعت براع ردَّ في الضرع ما قرى في الحِراب ؟
المفردات :
يوم الحسرة : يوم القيامة، حين يندم الناس على ما فرطوا في جنب الله.
قضى الأمر : فرغ من الحساب.
التفسير :
٣٩- ﴿ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ﴾.
أي : خوف الناس جميعا من يوم القيامة، يوم يتحسر الظالمون على ما أسرفوا فيه وفرطوا في جنب الله، وفي ذلك اليوم يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار وقد ورد في الصحيحين أنه :( يؤتى بالموت بهيئة كبش أملح، يخالط بياضه سواد فيذبح بين الجنة والنار ثم ينادي : يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت )، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ﴾. x
وذبح الكبش تصوير ؛ لأن كلا من الفريقين يفهم فهما لا لبس فيه ؛ أنه لا موت بعد ذلك، وقوله :﴿ وهم في غفلة ﴾. أي : والظالمون في غفلة عن يوم القيامة، شغلتهم الدنيا وحظوظها عن التفكير في ذلك اليوم، ﴿ وهم لا يؤمنون ﴾. لا يصدقون بالبعث، والحساب، ومجازاة الله لهم على أعمالهم.
٤٠- إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون }.
كل ما على وجه الأرض عائد إلى الله تعالى عودة الميراث كله إلى الوارث الوحيد ؛ فلا تأس يا محمد على تكذيبهم ؛ فإنهم سيرجعون إلينا فنجازيهم بالعدل والقسطاس المستقيم.
جاء في مختصر تفسير ابن كثير للصابوني :
يخبر تعالى : أنه الخالق المالك المتصرف، وأن الخلق كلهم يهلكون، ويبقى هو تعالى وتقدس، ولا أحد يدعي ملكا، ولا تصرفا ؛ بل هو الوارث لجميع خلقه، الباقي بعدهم، الحاكم فيهم، فلم تظلم نفس شيئا، ولا جناح بعوضة، ولا مثقال ذرة.
قصة إبراهيم عليه السلام
﴿ واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيّا ( ٤١ ) إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ( ٤٢ ) يا أبت إنّي قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويّا ( ٤٣ ) يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيّا ( ٤٤ ) يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليّا ( ٤٥ ) قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنّك واهجرني مليا ( ٤٦ ) قال سلام عليك سأستغفر لك ربّي إنه كان بي حفيّا ( ٤٧ ) وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربّي عسى ألا أكون بدعاء ربّي شقيّا ( ٤٨ ) فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيّا ( ٤٩ ) ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليّا ( ٥٠ ) ﴾
المفردات :
واذكر في الكتاب : اتل في هذه السورة.
صديقا : مبالغا في الصدق لم يكذب قط.
تمهيد :
سورة مريم سورة إثبات القدرة الإلهية، والوحدانية والبعث، وإثبات النبوة، وهناك من ادعى : أن عيسى إلها، ومن ادعى : أن الأصنام آلهة تعبد من دون الله.
لذلك بدأ بقصة عيسى ؛ ليبين أنه عبد الله ورسوله، ثم ثنى بقصة إبراهيم ؛ ليرد من خلال قصته على عبّاد الأوثان.
التفسير :
٤١- ﴿ واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيّا ﴾.
أي : واتل أيها الرسول على قوم، الذين يعبدون الأصنام ؛ ما كان من خبر إبراهيم خليل الرحمن الذين هم من ذريته، ويدّعون : أنهم على ملته وهو الصديق النبي.
أي : إنه كان صديقا ملازما للصدق في كل أقواله وأفعاله وأحواله، كما كان نبيا من أولي العزم، الذين فضلهم الله على غيرهم من الرسل الكرام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ونلمح في الآيات رقة إبراهيم وأدبه وتواضعه في مخاطبة أخيه، واستعمال أيسر الألفاظ، وأجمل الجمل، فلم يصرح له بأنه على الكفر والضلال، بل تدرج معه في بيان جملة من الحقائق فأخبره بما يأتي :

١-
الأصنام لا تسمع ولا ترى ولا تنفع من يعبدها.

٢-
لقد جاءني العلم والرسالة والهدى، ولا عيب أن يتبع الكبير الصغير ما دام الصغير على الحق والهدى.

٣-
إن إتباع الشيطان وعبادة الأوثان جرم كبير.

٤-
وشتان بين طريق الله العامر بالرضا والإيمان، وطريق الشيطان العامر بالإثم والعدوان.

تمهيد :
سورة مريم سورة إثبات القدرة الإلهية، والوحدانية والبعث، وإثبات النبوة، وهناك من ادعى : أن عيسى إلها، ومن ادعى : أن الأصنام آلهة تعبد من دون الله.
لذلك بدأ بقصة عيسى ؛ ليبين أنه عبد الله ورسوله، ثم ثنى بقصة إبراهيم ؛ ليرد من خلال قصته على عبّاد الأوثان.
٤٢- ﴿ إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يغني عنك شيئا ﴾.
أي : إن الإنسان يعبد إلها قادرا حكيما سميعا بصيرا مجيبا، أما أن يعبد صنفا عاجزا لا يصنع شيئا، ولا يسمع الدعاء، ولا يرى من يعبده، ولا يقدر على نفع نفسه، فضلا عن أن ينفع غيره، فهذا العمل باطل ضائع.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ونلمح في الآيات رقة إبراهيم وأدبه وتواضعه في مخاطبة أخيه، واستعمال أيسر الألفاظ، وأجمل الجمل، فلم يصرح له بأنه على الكفر والضلال، بل تدرج معه في بيان جملة من الحقائق فأخبره بما يأتي :

١-
الأصنام لا تسمع ولا ترى ولا تنفع من يعبدها.

٢-
لقد جاءني العلم والرسالة والهدى، ولا عيب أن يتبع الكبير الصغير ما دام الصغير على الحق والهدى.

٣-
إن إتباع الشيطان وعبادة الأوثان جرم كبير.

٤-
وشتان بين طريق الله العامر بالرضا والإيمان، وطريق الشيطان العامر بالإثم والعدوان.

تمهيد :
سورة مريم سورة إثبات القدرة الإلهية، والوحدانية والبعث، وإثبات النبوة، وهناك من ادعى : أن عيسى إلها، ومن ادعى : أن الأصنام آلهة تعبد من دون الله.
لذلك بدأ بقصة عيسى ؛ ليبين أنه عبد الله ورسوله، ثم ثنى بقصة إبراهيم ؛ ليرد من خلال قصته على عبّاد الأوثان.
المفردات :
صراطا سويا : طريقا مستقيما، موصلا إلى نيل السعادة.
التفسير :
٤٣- ﴿ يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويّا ﴾.
إن الله أكرمني بالرسالة، وأفاض عليّ من علمه وفضله، ﴿ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء... ﴾ ( الجمعة : ٤ ).
فقد اختص الله برسالته وفضله وعلمه، ولم يأتك مثل هذا العلم أو ذلك الفضل، فاتبعني في دعوتي ورسالتي، فإنك إن اتبعتني ؛ يسرت لك الهدى والإيمان والطريق القويم المعتدل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ونلمح في الآيات رقة إبراهيم وأدبه وتواضعه في مخاطبة أخيه، واستعمال أيسر الألفاظ، وأجمل الجمل، فلم يصرح له بأنه على الكفر والضلال، بل تدرج معه في بيان جملة من الحقائق فأخبره بما يأتي :

١-
الأصنام لا تسمع ولا ترى ولا تنفع من يعبدها.

٢-
لقد جاءني العلم والرسالة والهدى، ولا عيب أن يتبع الكبير الصغير ما دام الصغير على الحق والهدى.

٣-
إن إتباع الشيطان وعبادة الأوثان جرم كبير.

٤-
وشتان بين طريق الله العامر بالرضا والإيمان، وطريق الشيطان العامر بالإثم والعدوان.

تمهيد :
سورة مريم سورة إثبات القدرة الإلهية، والوحدانية والبعث، وإثبات النبوة، وهناك من ادعى : أن عيسى إلها، ومن ادعى : أن الأصنام آلهة تعبد من دون الله.
لذلك بدأ بقصة عيسى ؛ ليبين أنه عبد الله ورسوله، ثم ثنى بقصة إبراهيم ؛ ليرد من خلال قصته على عبّاد الأوثان.
٤٤- يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا }.
إن الشيطان هو الذي يزين للناس عبادة الأوثان ويزين لهم البعد عن طريق الرحمن، فمن عبد الأوثان فكأنما عبد الشيطان، وهناك طريقان في هذه الحياة : عبادة الرحمن، وعبادة الشيطان، فمن ترك طريق الرحمن، واتبع طريق الشيطان، صار عاصيا للرحمن، وهذه المعصية يتبعها غضب الرحمان، وسوء الخاتمة وسوء المصير.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ونلمح في الآيات رقة إبراهيم وأدبه وتواضعه في مخاطبة أخيه، واستعمال أيسر الألفاظ، وأجمل الجمل، فلم يصرح له بأنه على الكفر والضلال، بل تدرج معه في بيان جملة من الحقائق فأخبره بما يأتي :

١-
الأصنام لا تسمع ولا ترى ولا تنفع من يعبدها.

٢-
لقد جاءني العلم والرسالة والهدى، ولا عيب أن يتبع الكبير الصغير ما دام الصغير على الحق والهدى.

٣-
إن إتباع الشيطان وعبادة الأوثان جرم كبير.

٤-
وشتان بين طريق الله العامر بالرضا والإيمان، وطريق الشيطان العامر بالإثم والعدوان.

تمهيد :
سورة مريم سورة إثبات القدرة الإلهية، والوحدانية والبعث، وإثبات النبوة، وهناك من ادعى : أن عيسى إلها، ومن ادعى : أن الأصنام آلهة تعبد من دون الله.
لذلك بدأ بقصة عيسى ؛ ليبين أنه عبد الله ورسوله، ثم ثنى بقصة إبراهيم ؛ ليرد من خلال قصته على عبّاد الأوثان.
المفردات :
وليا : قرينا تليه ويليك في العذاب.
٤٥- ﴿ يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليّا ﴾.
يا أبت، إني أشفق عليك من غضب الله وعذابه ونقمته، وإذا غضب الله على إنسان ؛ طرده من رحمته، وصار من أولياء الشيطان، وأعظم بها من نقمة ؛ أن يطرد إنسان من مرضاة الله، وأن ينضم إلى حزب الشيطان !
قال تعالى :﴿ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ﴾. ( فاطر : ٦ ).
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ونلمح في الآيات رقة إبراهيم وأدبه وتواضعه في مخاطبة أخيه، واستعمال أيسر الألفاظ، وأجمل الجمل، فلم يصرح له بأنه على الكفر والضلال، بل تدرج معه في بيان جملة من الحقائق فأخبره بما يأتي :

١-
الأصنام لا تسمع ولا ترى ولا تنفع من يعبدها.

٢-
لقد جاءني العلم والرسالة والهدى، ولا عيب أن يتبع الكبير الصغير ما دام الصغير على الحق والهدى.

٣-
إن إتباع الشيطان وعبادة الأوثان جرم كبير.

٤-
وشتان بين طريق الله العامر بالرضا والإيمان، وطريق الشيطان العامر بالإثم والعدوان.

تمهيد :
سورة مريم سورة إثبات القدرة الإلهية، والوحدانية والبعث، وإثبات النبوة، وهناك من ادعى : أن عيسى إلها، ومن ادعى : أن الأصنام آلهة تعبد من دون الله.
لذلك بدأ بقصة عيسى ؛ ليبين أنه عبد الله ورسوله، ثم ثنى بقصة إبراهيم ؛ ليرد من خلال قصته على عبّاد الأوثان.
المفردات :
أراغب أنت عن آلهتي : أكاره لها ؟
لأرجمنك : لأشتمنك باللسان، أو لأرجمنك بالحجارة.
مليا : دهرا طويلا، قال مهلهل :
فتصدعت صم الجبال لموته وبكت عليه المرمّلات مليا
التفسير :
٤٦- ﴿ قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ﴾.
قال والد إبراهيم مجيبا دعوة إبراهيم بالإنكار والاستكبار ؛ إذ كيف يخرج إبراهيم عن متابعة أبيه، وكيف لا يسجد لهذه الأصنام، وكيف يعيب على من يعبدها ؟
ونلمح توافق عباد الأصنام جميعا على أنهم وجدوا آباءهم يعبدونها، وأنها طريقهم للعبادة، وأن من خرج عن عبادتنا ؛ فقد خرج عن المعروف المألوف.
﴿ لئن لم تنته عن دعوتك هذه لأرجمنك واهجرني مليّا ﴾.
إذا لم تنتبه عن دعوتك هذه ؛ لأقتلنّك رميا بالحجارة، وخير لك أن تبتعد عني بعدا طويلا لا أريد أن أراك فيه.
تمهيد :
سورة مريم سورة إثبات القدرة الإلهية، والوحدانية والبعث، وإثبات النبوة، وهناك من ادعى : أن عيسى إلها، ومن ادعى : أن الأصنام آلهة تعبد من دون الله.
لذلك بدأ بقصة عيسى ؛ ليبين أنه عبد الله ورسوله، ثم ثنى بقصة إبراهيم ؛ ليرد من خلال قصته على عبّاد الأوثان.
المفردات :
حفيا : مبالغا في بري وإكرامي، يقال : حفي بي ؛ إذا اعتنى بإكرامه.
التفسير :
٤٧- ﴿ قال سلام عليك سأستغفر لك ربّي إنه كان ربّي حفيّا ﴾.
أجاب إبراهيم أباه في هدوء ورقة وإيمان، فقال :﴿ سلام عليك ﴾، وأمان الله أدعوه : أن يحل بك، سأدعو الله أن يسامحك، وأن يغفر لك، فإن الله عودني إجابة الدعاء، والكرم والفضل والقرب، وجاء هذا المعنى في قوله تعالى :﴿ وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ﴾.
تمهيد :
سورة مريم سورة إثبات القدرة الإلهية، والوحدانية والبعث، وإثبات النبوة، وهناك من ادعى : أن عيسى إلها، ومن ادعى : أن الأصنام آلهة تعبد من دون الله.
لذلك بدأ بقصة عيسى ؛ ليبين أنه عبد الله ورسوله، ثم ثنى بقصة إبراهيم ؛ ليرد من خلال قصته على عبّاد الأوثان.
المفردات :
شقيا : خائب المسعى.
التفسير :
٤٨- ﴿ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله... ﴾
لقد كان موقف إبراهيم إيجابيا حين لم يستجب والده لدعوته ؛ فقد فارق أباه وقومه، على وعد أن يدعو الله بأن يغفر لأبيه.
قال تعالى :﴿ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم ﴾. ( التوبة :‍‍١١٤ ).
روى أن إبراهيم عليه السلام هاجر من أرض العراق إلى بلاد الشام ؛ فرارا بدينه، وبعدا عن عبادة والده للأصنام، وفي بلاد الشام تزوج سارة حيث عوضه الله عما ترك، وآواه إلى جواره وفضله.
﴿ وأدعو ربّي عسى ألا أكون بدعاء ربّي شقيّا ﴾.
سأبتعد عنكم وألجأ إلى عبادة الله ودعائه، آملا أن يكون دعائي مستجابا، وألا أكون خائب المسعى، شقيا مرفوض الدعاء.
تمهيد :
سورة مريم سورة إثبات القدرة الإلهية، والوحدانية والبعث، وإثبات النبوة، وهناك من ادعى : أن عيسى إلها، ومن ادعى : أن الأصنام آلهة تعبد من دون الله.
لذلك بدأ بقصة عيسى ؛ ليبين أنه عبد الله ورسوله، ثم ثنى بقصة إبراهيم ؛ ليرد من خلال قصته على عبّاد الأوثان.
٤٩- ﴿ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلاّ جعلنا نبيّا ﴾.
أي : عندما اعتزل إبراهيم قومه، واعتزل أصنامهم التي يعبدونها، آواه الله إليه، وعوضه زوجة وذرية وأحفادا، هم آباء الأنبياء من بني إسرائيل، ولهم الشأن الخطير، والقدم العظيم.
فقد وهبه الله إسحاق، وولد لإسحاق يعقوب وهو الملقب بإسرائيل، وقد رزق اثني عشر ولدا سجد منهم أحد عشر ولدا ليوسف، تعبيرا لرؤيا يوسف في قوله تعالى :﴿ إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ﴾. ( يوسف : ٤ ).
أما إسماعيل فتولى الله تربيته بعد نقله رضيعا إلى المسجد الحرام ؛ فأحيى تلك المشاعر العظام ومن ثم أفرده بالذكر بقوله :﴿ واذكر في الكتاب إسماعيل... ﴾ ( مريم : ٥٤ ).
وهذا رسم تقريبي لشجرة الأنبياء
***
ولم يكن من نسل إسماعيل نبي إلا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن هنا قال بعض العلماء، إن فرع هذه الشجرة، يعدل فرعها الثاني. وآيات ﴿ تلك حجتنا ﴾ يقول الله تعالى فيها :
﴿ وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربّك حكيم عليم. ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين. وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين. وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضّلنا على العالمين. ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ﴾. ( الأنعام : ٨٧، ٨٣ ).
تمهيد :
سورة مريم سورة إثبات القدرة الإلهية، والوحدانية والبعث، وإثبات النبوة، وهناك من ادعى : أن عيسى إلها، ومن ادعى : أن الأصنام آلهة تعبد من دون الله.
لذلك بدأ بقصة عيسى ؛ ليبين أنه عبد الله ورسوله، ثم ثنى بقصة إبراهيم ؛ ليرد من خلال قصته على عبّاد الأوثان.
المفردات :
لسان صدق : ثناء حسن.
التفسير :
٥٠-﴿ ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا ﴾.
ووهبنا وأعطينا لإبراهيم وإسحاق ويعقوب ؛ من فضلنا الديني والدنيوي ما لم نؤته أحدا من العالمين ؛ فآتيناهم النسل الطاهر، والذرية المباركة، وإجابة الدعاء، واللطف في القضاء، والبركة في المال والأولاد ؛ إلى نحو ذلك من خيري الدنيا والآخرة.
﴿ وجعلنا لهم لسان صدق عليّا ﴾. فمحامدهم مذكورة على جميع الأزمان، قد سجلها الدهر على صفحاته ؛ تلبية لدعوة إبراهيم ؛ ﴿ واجعل لي لسان صدق في الآخرين ﴾. ( الشعراء : ٨٤ ).
فقد سجل الله لإبراهيم العديد من المواقف ومن بينها ما يأتي :
- موقفه من عبادة الأوثان.
- هجر والده وقومه عندما تبين له عدم إيمانهم.
- وفاؤه بذبح ولده ؛ استجابة لأمر الله.
- دعاؤه : أن يبعث الله في ذريته رسولا منهم.
- ذكره في التشهد والدعاء في الصلوات الخمس :( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم... ).
- أن جعل الله موطئ قديه مباركا فقال :﴿ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى... ﴾ ( البقرة : ١٢٥ ).
- أن الله مدحه بقوله :﴿ وإبراهيم الذي وفّى ﴾. ( النجم : ٣٧ ).
- أنه عادى كل المعبودات في الله فقال :﴿ فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ﴾. ( الشعراء : ٧٧ ).
- أن الله سجل له الذكر الحسن فقال :﴿ وتركنا عليه في الآخرين. سلام على إبراهيم ﴾. ( الصافات : ١٠٩، ١٠٨ ).
قصص موسى عليه السلام
﴿ واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا ( ٥١ ) وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ( ٥٢ ) ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا ( ٥٣ ) ﴾
المفردات :
مخلصا : مختارا مصطفى.
التفسير :
٥١- ﴿ واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسلا نبيّا ﴾.
أي : واتل أيها الرسول على قومك : ما اتصف به موسى من صفات كريمة ؛ فقد كان مخلصا أي : قربه الله واجتباه واستخلصه من عباده، وهناك قراءة أخرى بكسر اللام أي : أنه كان مخلصا لله في عبادته يعبد الله عن إخلاص وتوحيد وتقوى وإيمان.
﴿ وكان رسولا نبيا ﴾. فقد من الله عليه بصفتين : الأولى : الرسالة، والثانية : النبوة، والرسول هو الذي يوحى إليه بشرع ويكلف بالتبليغ، مثل موسى وإبراهيم ونوح وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام ؛ والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يوحى إليه بشرع ولا يكلف بالتبليغ، مثل يوشع عليه السلام.
وفي معنى هذه الآية يقول الله تعالى :﴿ يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ﴾. ( الأعراف : ١٤٤ ).
المفردات :
قربناه : تقريب تشريف وتكريم.
الطور : الجبل الذي بين مصر ومدين.
نجيا : مكلما لله بلا واسطة.
التفسير :
٥٢- وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيّا }.
نادى الله موسى حين عاد من أرض مدين إلى مصر، واقترب من جبل الطور، وكلمه الله من جانب الطور الأيمن، أي : الذي عن يمين موسى، وأعلمه الله بأنه رسول الله، وقد منحه الله البركة والرضا والقرب والمناجاة ؛ حيث كلم الله موسى تكليما.
وأي شرف أعظم من أن ينال البشر هذه المناجاة، والمناداة واختيار الإلهي للإنسان ؛ ليحمل رسالة الله إلى خلقه، وفي سورة طه يقول الله تعالى :﴿ وهل آتاك حديث موسى. إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إنّي آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى. فلما آتاها نودي يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى. وأنا اخترتك فاسمع لما يوحى. إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ﴾. ( طه : ١٤، ٩ ).
٥٣- ﴿ ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا ﴾.
ووهبنا لموسى من فضلنا ومعونتنا : أخاه هارون نبيا ؛ ليؤازر موسى ويناصره، ويقوم بالحجة والدفاع عن الرسالة معه، حيث استجاب الله دعاء موسى حين دعا الله أن يعاونه برسالة هارون معه قال تعالى :﴿ وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون. قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون ﴾. ( القصص : ٣٥، ٣٤ ).
وقال عز شأنه :﴿ واجعل لي وزيرا من أهلي. هارون أخي. اشدد به أزري. وأشركه في أمري. كي نسبحك كثيرا. ونذكرك كثيرا. إنك كنت بنا بصيرا. قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ﴾ ( طه : ٣٦، ٢٩ ).
قال ابن عباس : كان هارون أكبر من موسى بأربع سنين، وقال بعض السلف : ما شفع أحد في أحد في الدنيا، أعظم من شفاعة موسى في هارون أن يكون نبيا.
قصص إسماعيل عليه السلام
﴿ واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا ( ٥٤ ) وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا ( ٥٥ ) ﴾
تمهيد :
إسماعيل الذبيح الذي أجاب أباه يوم الذبح والفداء بقوله :﴿ يا أبت افعل ما تأمر ستجدني إنشاء الله من الصابرين ﴾. ( الصافات : ١٠٢ ).
وهو بن إبراهيم خليل الرحمن، وقد أثنى عليه ربه بصفات هي مفخرة للبشرية.
التفسير :
٥٤- ﴿ واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيّا ﴾.
أي : واذكر يا محمد في القرآن العظيم خبر جدك إسماعيل الذبيح ابن إبراهيم ؛ وهو أبو العرب جميعا.
﴿ إنه كان صادق الوعد ﴾. أي : متميزا في صدق الوعد والوفاء به.
قال المفسرون :
ذُكر بصدق الوعد والوفاء به، وإن كان موجودا في غيره من الأنبياء، تشريقا وإكراما، ولأنه عانى في الوفاء بالوعد ما لم يعانه غيره من الأنبياء، فمن أخلاقه : الصبر وتسليم نفسه للذبح فلذلك أثنى الله عليه ؛ ﴿ وكان رسولا نبيا ﴾. أي : جمع الله له بين الرسالة والنبوة.
قال ابن كثير :
وفي الآية دليل على شرف إسماعيل على أخيه إسحاق ؛ لأنه إنما وصف بالنبوة فقط، وإسماعيل وصف بالنبوة والرسالة، وكان محمد صلى الله عليه وسلم من نسل إسماعيل عليه السلام.
تمهيد :
إسماعيل الذبيح الذي أجاب أباه يوم الذبح والفداء بقوله :﴿ يا أبت افعل ما تأمر ستجدني إنشاء الله من الصابرين ﴾. ( الصافات : ١٠٢ ).
وهو بن إبراهيم خليل الرحمن، وقد أثنى عليه ربه بصفات هي مفخرة للبشرية.
٥٥- ﴿ وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا ﴾.
وكان يحث أهله على فعل الخيرات خصوصا : إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
وفي هذا المعنى قال الله تعالى :﴿ وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها... ﴾ ( طه : ١٣٢ ).
والصلاة : هي الصلة بين المؤمن وبين ربه وهي مفتاح الخير وطهارة النفس ومعراج الروح.
والزكاة : طهارة المال وسبيل تماسك المجتمع وتراحم الناس وتكاتفهم وتعاطفهم.
﴿ وكان عند ربه مرضيا ﴾. أي : كان محمودا عند الله، مقبولا قد نال رضا الله كما قال عز شأنه :﴿ رضي الله عنهم ورضوا عنه... ﴾ ( البينة : ٨ ).
قال الإمام فخر الدين الرازي في التفسير الكبير : وهذا نهاية المدح ؛ لأن المرضي عند الله هو الفائز في كل طاعاته بأعلى الدرجات.
قصص إدريس عليه السلام
﴿ واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ( ٥٦ ) ورفعناه مكانا عليا ( ٥٧ ) ﴾
التفسير :
٥٦- ﴿ واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صدّيقا نبيا ﴾.
أي : واذكر في القرآن الكريم بالثناء عليه : إدريس عليه السلام.
والنسابون يقولون : إنه جد نوح عليه السلام، ويقولون : إنه أول من خط القلم، وخاط الثياب، ولبس، المخيط، وكانوا قبله يلبسون الجلود.
وإدريس أول من نظر في النجوم وتعلم الحساب، وجعل الله ذلك من معجزاته xi.
وكل هذه الأخبار، ليس لدينا سند صحيح يؤكدها أو ينفيها، فنتوقف في قبولها، ويكفينا ما جاء في القرآن الكريم بشأنه.
قال صاحب الظلال :
وهناك رأي نذكره لمجرد الاستئناس به ولا نقرره أو ننفيه، يقول به بعض الباحثين في الآثار المصرية، وهو أن إدريس تعريب لكلمة ( أوزريس ) المصرية القديمة، كما أن يحيى تعريب لكلمة يوحنا، وكلمة اليسع تعريب لكلمة إليشع.. وأنه هو الذي صيغت حوله أساطير كثيرة، فهم يعتقدون بأنه صعد إلى السماء، وصار له فيها عرش عظيم، وكل من وزنت أعماله بعد الموت فوجدت حسناته ترجح سيئاته، فإنه يلحق بأوزيرس الذي جعلوه إلها لهم، وقد علمهم العلوم والمعارف قبل صعوده إلى السماء. وعلى أية حال فنحن نكتفي بما ورد في القرآن الكريم عنه، ونرجح أنه سابق على أنبياء نبي إسرائيلxii.
﴿ إنه كان صديقا نبيا ﴾.
لقد كان إدريس عليه السلام ملازما للصدق في جميع أحواله ؛ فسمي : صدّيقا.
وفي الحديث النبوي الشريف :( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق ؛ حتى يكتب عند الله صديقا ). وكان إدريس نبيا يوحى إليه بوحي السماء.
٥٧- ﴿ ورفعناه مكانا عليا ﴾.
أي : رفعا قدره وأعلينا ذكره، بشرف النبوة والزلفى عند الله، ونحو هذا قول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم :﴿ ورفعنا لك ذكرك ﴾. ( الشرح : ٤ ).
قال ابن كثير في تفسير الآية :
وقد تقدم في الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بإدريس ليلة الإسراء وهو في السماء الرابعة، وعن ابن عباس أن إدريس كان خياطا، فكان لا يغرز إبرة إلا قال : سبحان الله، فقال يمسي حين يمسي وليس في الأرض أحد أفضل عملا منه.
وقال سفيان : عن مجاهد :﴿ ورفعناه مكانا عليا ﴾. قال : السماء الرابعة.
وقال الحسن وغيره : في قوله تعالى :﴿ ورفعناه مكانا عليا ﴾. قال : الجنة ؛ إذ لا شرف أعلى منها.
وقال بعضهم : احتال إدريس فقال : يا رب، أريد أن أرى الجنة ؛ فحمله ملاك فشاهد الجنة، فقال إدريس : يا ربي، اتركني فيها فتركه الله فيها.
﴿ أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرّوا سجّدا وبكيّا ( ٥٨ ) ﴾
المفردات :
إسرائيل : يعقوب عليه السلام.
اجتبينا : اصطفينا واخترنا.
سجدا : واحدهم : ساجد.
بكيا : واحدهم : باك.
قال الخليل : إذا قصرت البكاء فهو مثل الحزن، أي : لا صوت معه كما قال الشاعر :
بكت عيني وحق لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويل
تمهيد :
بعد أن أفرد الله كل رسول من رسل الله العشرة، الذين سبق ذكرهم ؛ بالثناء عليه بما هو جدير به ؛ أردفه بما جازاهم به من الخير والاصطفاء والتفضيل.
التفسير :
٥٨- ﴿ أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين.. ﴾
أي : هؤلاء النبيون الذين قصصت أنباءهم عليك أيها الرسول، هم الذين أنعم الله عليهم بما خصهم به من القرب منه، وعظيم المنزلة لديه.
وقال ابن كثير :
أي : هؤلاء النبيون، وليس المراد المذكورين في هذه السورة فقط ؛ بل جنس الأنبياء عليهم السلام، استطرد من ذكر الأشخاص إلى الجنس.
﴿ الذين أنعم الله عيهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا... ﴾
قال السدي وابن جرير رحمه الله :
فالذي عنى به من ذرية آدم :( إدريس ) والذي عني به ممن حملنا مع نوح :( إبراهيم )، والذي عني به من ذرية إبراهيم : إسحاق، ويعقوب، وإسماعيل. والذي عني به من ذرية إسرائيل : موسى، وهارون، وزكريا، ويحيى، وعيسى ابن مريم.
أولئك النبيون، ومعهم من هدى الله واجتبى من الصالحين من ذريتهم، صفتهم البارزة.
﴿ إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ﴾.
فقد جمعوا بين الإيمان ورقة الوجدان، فهم يؤمنون بآيات الله، وتفيض قلوبهم وأفئدتهم بالخشوع والخضوع ؛ فيسجدون لله تعالى باكين خاضعين.
وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم في معنى هذه الآية تدل على أن من صفات المؤمنين التأثر والخشوع والبكاء لسماع القرآن وأدلة الإيمان.
قال تعالى :﴿ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله ولت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ﴾. ( الأنفال : ٢ ).
وقال عز شأنه :﴿ وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ﴾. ( المائدة : ٨٣ ).
وقال سبحانه وتعالى :﴿ الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد ﴾. ( الزمر : ٢٣ ).
﴿ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ( ٥٩ ) إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا ( ٦٠ ) ﴾
المفردات :
خلف : بسكون اللام : عقب السوء، ويقال لعقب الخير والصدق : خلف ( بفتح اللام ).
أضاعوا الصلاة : تركوها بتاتا.
اتبعوا الشهوات : انهمكوا في الملذات والمعاصي.
غيا : ضلالا، والمراد : يلقون جزاءهم في جهنم.
تمهيد :
ذكر الله سبحانه : حزب السعداء الأتقياء من الأنبياء والصالحين، الذين اجتباهم الله واختارهم ؛ لرقة قلوبهم ؛ وبكاء عيونهم وسجودهم لربهم.
ثم أردف هنا ذكر : من خلفهم ممن أضاعوا الواجبات وأقبلوا على شهوات الدنيا، ثم أعقب ذلك بذكر ما ينالهم من النكال والوبال في الآخرة، إلا من تاب وأناب فإن الله عز وجل يقبل توبته، ويدخله الجنة ويحسن مثوبته.
التفسير :
٥٩- ﴿ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ﴾.
أي : جاء بعد الأنبياء والصالحين، خلف سوء من أهل الضلال، تركوا أداء الفريضة، وجحدوا أوامر الله وأحكامه، واتبعوا الشهوات واستغرقوا فيها ؛ فما أشد المفارقة بين الفريقين.
﴿ فسوف يلقون غيا ﴾. والغي : الشرور والضلال، والضياع والهلال.
تمهيد :
ذكر الله سبحانه : حزب السعداء الأتقياء من الأنبياء والصالحين، الذين اجتباهم الله واختارهم ؛ لرقة قلوبهم ؛ وبكاء عيونهم وسجودهم لربهم.
ثم أردف هنا ذكر : من خلفهم ممن أضاعوا الواجبات وأقبلوا على شهوات الدنيا، ثم أعقب ذلك بذكر ما ينالهم من النكال والوبال في الآخرة، إلا من تاب وأناب فإن الله عز وجل يقبل توبته، ويدخله الجنة ويحسن مثوبته.
٦٠- ﴿ إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون شيئا ﴾.
أي : لكن من تاب إلى الله تعالى، وآمن به إيمانا صادقا، وأتبع ذلك بالعمل الصالح، فإن الله تعالى يقبل توبته، ويدخله الجنة، ويكافئه ويجازيه أحسن الجزاء، ولا ينقصه شيئا من جزاء عمله.
وقد تكرر هذا المعنى في القرآن الكريم ؛ دعوة إلى التوبة وحثا عليها، ورأفة ورحمة ببني آدم، الذين أغواهم الشيطان، ودعوة لهم أن ينتصروا على شهواتهم، وأن يفروا إلى ربهم ؛ فإن بابه مفتوح بالليل والنهار، والصباح والعشي، يقبل التوب ويغفر الذنب، وفي الآيات الأخيرة من سورة الفرقان، وصف لعباد الرحمن، ثم قال سبحانه :﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا. إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما. ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ﴾. ( الفرقان : ٧١، ٦٨ ).
وذكرت آيات التوبة والدعوة إليها في القرآن الكريم كثيرا فالإنسان خطاء، والله تعالى كريم حليم لذلك يدعو عباده إلى التوبة والإنابة، وينهاهم عن اليأس والقنوط قال تعالى :﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ﴾. ( الزمر : ٥٣ ).
وحفلت كتب السنة النبوية، وكتب الأحاديث القدسية ؛ بالدعوة إلى التوبة النصوح، وحثت عليها المؤمنين، وحذرتهم من التسويف واليأس، ودعتهم إلى الرجاء والأمل في وجه الله تعالى.
وفي الحديث الذي أخرجه ابن ماجة عن ابن سعود والحكيم الترمذي : عن أبي سعيد الخدري. يقول النبي صلى الله عليه وسلم :( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )xiii.
وفي صحيح البخاري يقول النبي صلى الله عليه وسلم :( يقول الله عز وجل : ما تقرب عبدي إلي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن دعاني لأجيبنه، ولئن سألني لأعطينه )xiv.
وروى الإمام أحمد في مسنده : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( يقول الله عز وجل : وعزتي وجلالي لو أتاني عبدي ليلا قبلته، ولو أتاني نهارا قبلته، وإن استقالني أقلته، وإن استغفرني غفرت له، ..... ، ومن جاء إليّ تلقيته من بعيد، ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد، ومن تعرف لحلولي وقوتي ألنت له الحديد )xv.
﴿ جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيّا ( ٦١ ) لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيّا ( ٦٢ ) تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيّا ( ٦٣ ) ﴾
المفردات :
جنات عدن : جنات إقامة، وهذا وصف لها بالدوام.
بالغيب : وهي غائبة عنهم.
وعده : ما وعد به من الجنات.
مأتيا : يأتيه من وعد به لا محالة.
تمهيد :
لما ذكر سبحانه وتعالى : أنه يدخل التائبين الجنة، أتبع ذلك بعدة أوصاف لهذه الجنة.
التفسير :
٦١- ﴿ جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا ﴾.
إن الجنة التي وعدها للتائبين هي جنات إقامة، وعد الرحمن عباده بها حال كون الجنة غائبة عنهم ؛ لكنهم آمنوا بها وصدقوا أن وعد الله آت لا محالة، ومن أصدق من الله حديثا.
تمهيد :
لما ذكر سبحانه وتعالى : أنه يدخل التائبين الجنة، أتبع ذلك بعدة أوصاف لهذه الجنة.
المفردات :
لغوا : فضولا من الكلام لا طائل تحته.
سلاما : من الله أو من الملائكة.
التفسير :
٦٢- ﴿ لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ﴾.
لا يسمعون في الجنة فاحشا من القول، ولا شيئا من فضول القول، بل تسلم عليهم الملائكة، على وجه التحية والإكرام، ولهم ما يشتهون في الجنة من أنواع المطاعم والمشارب ؛ بدون كد ولا تعب ولا انقطاع.
تمهيد :
لما ذكر سبحانه وتعالى : أنه يدخل التائبين الجنة، أتبع ذلك بعدة أوصاف لهذه الجنة.
٦٣- ﴿ تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ﴾.
إن هذه الجنة التي تقدم وصفها ؛ نورثها لعبادنا المتقين، الذين أطاعوا الله، وابتعدوا عن معاصيه ؛ فاستحقوا هذه الجنة بجدارة ؛ كأنها ميراث لهم ؛ كما قال سبحانه في وصف المؤمنين في أول سورة المؤمنين :﴿ أولئك هم الوارثون. الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ﴾. ( المؤمنون : ١١، ١٠ ).
﴿ وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا ( ٦٤ ) رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصبر لعبادته هل تعلم له سميّا ( ٦٥ ) ﴾
المفردات :
التنزل : النزول وقتا غب وقت.
ما بين أيدينا : ما قدامنا من الزمان المستقبل.
ما خلفنا : من الزمان الماضي.
ما بين ذلك : هو الزمان الحاضر.
نسيا : تاركا لك، فهو لا ينسى شيئا من أعمال العباد.
تمهيد :
ذكر كثير من المفسرين كالطبري والقرطبي وغيرهم : أن أهل مكة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أسئلة بإيعاز من اليهود حيث قالوا لأهل مكة : اسألوه عن فتية ذهبوا في الزمان أول وكان لهم أمر عجب، واسألوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، واسألوه عن الروح، فلما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنها قال : غدا أجيبكم، ونسي أن يقول : إن شاء الله ؛ فتأخر الوحي خمسة عشر يوما ؛ حتى قال كفار مكة : إن إله محمد ودعه وقلاه ؛ فنزل قوله تعالى :﴿ ما ودعّك ربّك وما قلى ﴾. ( الضحى : ٣ ).
وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وجماعة : عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا ؟ فنزلت :﴿ وما تنزل إلا بأمر ربك... ﴾xvi.

قال العلماء :

ويمكن التوفيق بين الروايتين بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ذلك في محاورته السابقة أيضا، واقتصر في كل رواية على شيء مما وقع في المحاورة.
التفسير :
٦٤- ﴿ وما تنزل إلا بأمر ربّك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيّا ﴾.
أي : قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم : إنما أنا عبد مأمور إذا أمرت نزلت، وإذا حبست احتبست فالله سبحانه هو الذي يملك كل شيء وهو المدبر لنا في جميع الأزمنة، مستقبلها وماضيها وحاضرها.
قال المراغي :
وقصارى ذلك : أن أمرنا موكول إلى الله تعالى، يتصرف فينا بحسب مشيئته وإرادته، لا اعتراض لأحد عليه، فلا ننتقل من مكان إلى مكان، ولا ننزل في زمان دون زمان ؛ إلا بإذنه عز وجل.
﴿ وما كان ربك نسيا ﴾.
سبحانه لا ينسى شيئا من أعمال العباد، وإنما ينزل الوحي عندما تقتضي حكمته أن ينزل.
تمهيد :
ذكر كثير من المفسرين كالطبري والقرطبي وغيرهم : أن أهل مكة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أسئلة بإيعاز من اليهود حيث قالوا لأهل مكة : اسألوه عن فتية ذهبوا في الزمان أول وكان لهم أمر عجب، واسألوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، واسألوه عن الروح، فلما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنها قال : غدا أجيبكم، ونسي أن يقول : إن شاء الله ؛ فتأخر الوحي خمسة عشر يوما ؛ حتى قال كفار مكة : إن إله محمد ودعه وقلاه ؛ فنزل قوله تعالى :﴿ ما ودعّك ربّك وما قلى ﴾. ( الضحى : ٣ ).
وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وجماعة : عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا ؟ فنزلت :﴿ وما تنزل إلا بأمر ربك... ﴾xvi.

قال العلماء :

ويمكن التوفيق بين الروايتين بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ذلك في محاورته السابقة أيضا، واقتصر في كل رواية على شيء مما وقع في المحاورة.
المفردات :
اصطبر عليها : اثبت لشدائد العبادة وما فيها من المشاق.
سميا : شبيها ونظيرا.
التفسير :
٦٥- ﴿ رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا ﴾.
هو الله خالق السماوات والأرض وما بينهما، أي : خالق الكون كله بما فيه : السماء والفضاء، والأرض وما فيها من جبال ورمال وبحار وأنهار، ونبات وحيوان وإنسان، ومن وجد الله وجد كل شيء، ومن فقد الله فقد كل شيء.
﴿ فاعبده واصطبر لعبادته ﴾.
أي : استمر في عبادته وداوم عليها في إتقان وإخلاص، وتجرد وتمعن وصبر وتحمل، عندئذ تجد لذة العبادة، وتتحمل كل أذى وشدة كما يقول أحد العباد : نحن في سعادة لو عرفها الملوك لحاربونا عليها بالسيوف.
﴿ هل تعلم له سميّا ﴾.
أي : ليس له مثيل أو شريك أو مساو ؛ لأنه تعالى هو الخالق الرازق المبدئ المعيد بيده الخلق والأمر وهو يجير ولا يجار عليه.
﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾. ( الشورى : ١١ ).
ومعنى ﴿ هل تعلم له سميا ﴾. أي : هل تعلم له نظيرا أو شبيها يستحق معه المشاركة في العبادة والطاعة ؟ والجواب : كلا إنك لا تعلم ؛ لأنه سبحانه هو الخالق لكل شيء وما سواه إنما هو مخلوق له.
﴿ ويقول الإنسان أإذا مت لسوف أخرج حيا ( ٦٦ ) أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ( ٦٧ ) فورّبك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيّا ( ٦٨ ) ثم لننزعنّ من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيّا ( ٦٩ ) ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليّا ( ٧٠ ) وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيّا ( ٧١ ) ثم ننجي الذين اتقوا ونذروا الظالمين فيها جثيّا ( ٧٢ ) ﴾
تمهيد :
روى الكلبي : أن هذه الآيات نزلت في أبيّ بن خلف ؛ أخذ عظما باليا فجعل يفته بيده ويذريه في الريح ؛ زعم فلان : أنا نبعث بعد أن نموت ونكون مثل هذا، إن هذا لن يكون أبدا.
فنزلت هذه الآيات تناقش الفكرة وترد عليها، وتثبت البعث والحساب والجزاء، والنجاة للمتقين والعقوبة للظالمين.
التفسير :
٦٦- ﴿ ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا ﴾.
أي : يقول الكافر الجاحد للبعث : إذا مت وصرت ترابا، وعظما باليا، أبعد ما يكون عن الحياة، كيف أعود حيا بعد ذلك، والاستفهام هنا استفهام استبعاد واستنكار.
وقد روى البخاري ومسلم عن خباب بن الأرت : قال كنت رجلا قينا- أي : حدادا- وكان لي على العاص بن وائل دينار ؛ فأتيته أتقاضاه، فقال : لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت : لا والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث، أي : تموت الآن، وتبعث أمامي، وهذا من الباب المستحيل، قال : فإني إذا مت ثم بعثت، جئتني ولي مال فأعطينك ؛ فأنزل الله :﴿ أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ﴾. ( مريم : ٧٧ ).
تمهيد :
روى الكلبي : أن هذه الآيات نزلت في أبيّ بن خلف ؛ أخذ عظما باليا فجعل يفته بيده ويذريه في الريح ؛ زعم فلان : أنا نبعث بعد أن نموت ونكون مثل هذا، إن هذا لن يكون أبدا.
فنزلت هذه الآيات تناقش الفكرة وترد عليها، وتثبت البعث والحساب والجزاء، والنجاة للمتقين والعقوبة للظالمين.
المفردات :
يذكر : يتذكر ويتفكر.
٦٧- ﴿ أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ﴾.
أي : لقد بدأنا خلق الإنسان من لا شيء، والإعادة أهون من البدء، وهذا من أقصر الأدلة على البعث قال تعالى :﴿ كما بدأنا أول خلق نعيده... ﴾ ( الأنبياء : ١٠٤ ).
وفي أواخر سورة يس، يستعرض القرآن هذه الشبهة من المكذب الجاحد ويرد عليها بإثبات أن من بدأ الخلق قادر على إعادتهم، بل إن الإعادة أهون من البدء، قال تعالى :
﴿ وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم. قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم. الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون. أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم. إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ﴾. ( يس : ٨٣، ٧٨ ).
تمهيد :
روى الكلبي : أن هذه الآيات نزلت في أبيّ بن خلف ؛ أخذ عظما باليا فجعل يفته بيده ويذريه في الريح ؛ زعم فلان : أنا نبعث بعد أن نموت ونكون مثل هذا، إن هذا لن يكون أبدا.
فنزلت هذه الآيات تناقش الفكرة وترد عليها، وتثبت البعث والحساب والجزاء، والنجاة للمتقين والعقوبة للظالمين.
المفردات :
لنحشرنهم : لنجمعنهم.
جثيا : واحدهم : جاث وهو البارك على ركبتيه.
التفسير :
٦٨- ﴿ فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيّا ﴾.
يحشر الكفار ومعهم الشياطين الذين أغووهم.
قال المفسرون :
يحشر كل كافر مع شيطان في سلسلة، والموقف هنا موقف رهيب، حيث تعرض الآية أمام الأعين، موقف المشركين كل كافر مع شيطانه، وقد اشتد الهول وعظم الكرب ؛ وقد اشتد الهول وعظم الكرب ؛ فجثا الجميع على ركبهم حول جهنم من شدة الهول، حين عجزوا عن الوقوف.
وقد شرح هذا الموقف في سورة الجاثية، حيث تجتمع كل جماعة من المشركين، حول سجل أعمالها، وينادي عليهم : بأن اليوم هو يوم الجزاء بعذاب المهانة، والإذلال جزاء تكبركم في الدنيا.
قال تعالى :﴿ وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون. هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ﴾. ( الجاثية : ٢٩، ٢٨ ).
تمهيد :
روى الكلبي : أن هذه الآيات نزلت في أبيّ بن خلف ؛ أخذ عظما باليا فجعل يفته بيده ويذريه في الريح ؛ زعم فلان : أنا نبعث بعد أن نموت ونكون مثل هذا، إن هذا لن يكون أبدا.
فنزلت هذه الآيات تناقش الفكرة وترد عليها، وتثبت البعث والحساب والجزاء، والنجاة للمتقين والعقوبة للظالمين.
المفردات :
شيعة : جماعة تعاونت على الباطل وتشايعت عليه.
عتيا : تكبرا ومجاوزة للحد.
التفسير :
٦٩- ﴿ ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ﴾.
ثم لنستخرجنّ من كل طائفة، تشايعت وتعاهدت على الكفر بالبعث والجحود للحق، الذين هم أشد خروجا عن طاعتنا وامتثال أمرنا.
وقصارى ذلك : أن الله يحضرهم أولا حول جهنم، ثم يميز بعضهم عن بعض، فمن كان أشد تمردا في كفره ؛ خص بعذاب أعظم، فعذاب الضال المضل أشد وأقوى من عذاب التابع.
تمهيد :
روى الكلبي : أن هذه الآيات نزلت في أبيّ بن خلف ؛ أخذ عظما باليا فجعل يفته بيده ويذريه في الريح ؛ زعم فلان : أنا نبعث بعد أن نموت ونكون مثل هذا، إن هذا لن يكون أبدا.
فنزلت هذه الآيات تناقش الفكرة وترد عليها، وتثبت البعث والحساب والجزاء، والنجاة للمتقين والعقوبة للظالمين.
المفردات :
صليا : دخولا من صلي بالنار ؛ إذا قاسى حرها.
التفسير :
٧٠- ﴿ ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليّا ﴾.
أي : نحن أعلم بعتاة المجرمين، وبرءوس الكفر الداعين إليه، فبدأ بالأعتى فالأعتى. وهو منظر رهيب حين يقذف بكبار المجرمين في جهنم أمام أعين الجميع ؛ زيادة في النكال بهم.
قال ابن مسعود : يبدأ بالأكابر جرما.
جاء في التفسير الوسيط :
ثم لنحن أعلم من كل أحد سوانا، بالذين هم أحق بجهنم وباصطلاء نارها، وبالاكتواء بحرها وسعيرها ؛ لأننا لا يخفى علينا شيء من أحوال خلقنا.
وقريب من هذه الآية ما ورد من عتاب المستضعفين للكبراء ؛ لأن المستضعفين كانوا تبعا للكبراء في الدنيا ؛ فهل ينفعهم الكبراء يوم القيامة، ويجيب الكبراء بأن العذاب سيشملنا جميعا.
قال تعالى :﴿ وإذ يتحاجّون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنّا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النّار. قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد ﴾. ( غافر : ٤٨، ٤٧ ).
وأيضا دعوة المتكبرين للضعفاء أن يتبعوهم وسيتحملون عنهم جانبا من العذاب يوم القيامة، ولكنهم يوم القيامة لا يحملون عن الضعفاء شيئا، إنما يتحملون جزاء كفرهم، وأثقالا أخرى مع أثقالهم قال تعالى :﴿ وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون. وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ﴾. ( العنكبوت : ١٣، ١٢ ).
وخلاصة هذا : إنهم جميعا يستحقون العذاب ؛ لكنا ندخلهم في جهنم بحسب عتيهم وتجبرهم في كفرهم، وفي هذا جزاء عادل حيث يهان أئمة الكفر على رؤوس الأشهاد ؛ جزاء عتيهم وضلالهم.
تمهيد :
روى الكلبي : أن هذه الآيات نزلت في أبيّ بن خلف ؛ أخذ عظما باليا فجعل يفته بيده ويذريه في الريح ؛ زعم فلان : أنا نبعث بعد أن نموت ونكون مثل هذا، إن هذا لن يكون أبدا.
فنزلت هذه الآيات تناقش الفكرة وترد عليها، وتثبت البعث والحساب والجزاء، والنجاة للمتقين والعقوبة للظالمين.
المفردات :
واردها : مار عليها.
حتما : واجبا.
مقضيا : قضى بوقوعه.
التفسير :
٧٢، ٧١- ﴿ وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا. ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ﴾.
قضى الله أن يمر الخلائق جميعا على جهنم ؛ حيث يشاهدها المؤمنون وهي تتلمذ غيظا على من عصى الله تعالى، ثم يمرون على الصراط إلى الجنة، أما الكافرون فيبقون فيها قاعدين على ركبهم من شدة الهول.
روى السدى : عن ابن مسعود قال : يرد الناس جميعا الصراط، ويقومون حول النار ثم يصدون عن الصراط بأعمالهم، فمنهم : من يمر مثل البرق، ومنهم : من يمر مثل الريح، ومنهم : من يمر مثل الطير، ومنهم من يمر كأجود الخيل، ومنهم : من يمر كأجود الإبل، ومنهم : من يمر كعدو الرجل... في حديث طويل.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يرد الناس كلهم النار ثم يصدرون بأعمالهم.
﴿ ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ﴾.
أي : يرد الناس جميعا على الصراط، وهو على متن جهنم ؛ فيسقط فيها من يسقط من الكفار والعصاة ؛ على قدر ما اجترحوا من الآثام والذنوب، ثم ينجي الله المتقين منها بحسب أعمالهم، ويترك الكافرين جاثين على الركب كما جاءوا.
آراء العلماء في دخول جهنم
للعلماء أقوال متعددة حول المراد بقوله تعالى :﴿ وإن منكم إلا واردها... ﴾
قال ابن عباس :
الورود : الدخول ؛ لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخل جهنم ؛ فتكون بردا وسلاما على المؤمنين ؛ عند دخولهم إياها، كما كانت بردا وسلاما على إبراهيم، وتكون لهيبا وسعيرا على غيرهم.
وقال ابن مسعود وقتادة :
الورود : المرور عليها حين اجتياز الصراط كما في قوله تعالى :﴿ ولما ورد ماء مدين... ﴾ ( القصص : ٢٣ ).
أي : أشرف عليه وقاربه، فالمؤمنون يشرفون على جهنم ويشاهدونها ؛ ويقتربون منها دون أن يدخلوها.
وقد توسع المفسرون كالطبري والقرطبي وابن كثير والآلوسي وغيرهم في سوق أدلة كل فريق.
قال الطبري :
وظاهر الورود : الدخول... إلى أنها تكون بردا وسلاما على المؤمنين، وينجون منها سالمين.
قال خالد بن معدان :
إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا : ألم يقل ربنا : إنا نرد النار ؟ فيقال لهم : لقد وردتموها فألفيتموها رمادا.
واختار كثير من المفسرين : أن المؤمنين يردون فيدنون ويمرون بجهنم ؛ وهي تتأجج وتتميز وتتلمظ، ويرون العتاة ينزعون ويقذفون فيها، ثم يزحزح المؤمنون عن النار، وينجون منها لا يكادون ؛ ويترك الكفار يصطلون عذابها.
قال تعالى :﴿ فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ﴾. ( آل عمران : ١٨٥ ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧١:تمهيد :
روى الكلبي : أن هذه الآيات نزلت في أبيّ بن خلف ؛ أخذ عظما باليا فجعل يفته بيده ويذريه في الريح ؛ زعم فلان : أنا نبعث بعد أن نموت ونكون مثل هذا، إن هذا لن يكون أبدا.
فنزلت هذه الآيات تناقش الفكرة وترد عليها، وتثبت البعث والحساب والجزاء، والنجاة للمتقين والعقوبة للظالمين.

المفردات :

واردها : مار عليها.
حتما : واجبا.
مقضيا : قضى بوقوعه.

التفسير :

٧٢، ٧١- ﴿ وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا. ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ﴾.
قضى الله أن يمر الخلائق جميعا على جهنم ؛ حيث يشاهدها المؤمنون وهي تتلمذ غيظا على من عصى الله تعالى، ثم يمرون على الصراط إلى الجنة، أما الكافرون فيبقون فيها قاعدين على ركبهم من شدة الهول.
روى السدى : عن ابن مسعود قال : يرد الناس جميعا الصراط، ويقومون حول النار ثم يصدون عن الصراط بأعمالهم، فمنهم : من يمر مثل البرق، ومنهم : من يمر مثل الريح، ومنهم : من يمر مثل الطير، ومنهم من يمر كأجود الخيل، ومنهم : من يمر كأجود الإبل، ومنهم : من يمر كعدو الرجل... في حديث طويل.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يرد الناس كلهم النار ثم يصدرون بأعمالهم.
﴿ ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ﴾.
أي : يرد الناس جميعا على الصراط، وهو على متن جهنم ؛ فيسقط فيها من يسقط من الكفار والعصاة ؛ على قدر ما اجترحوا من الآثام والذنوب، ثم ينجي الله المتقين منها بحسب أعمالهم، ويترك الكافرين جاثين على الركب كما جاءوا.
آراء العلماء في دخول جهنم
للعلماء أقوال متعددة حول المراد بقوله تعالى :﴿ وإن منكم إلا واردها... ﴾

قال ابن عباس :

الورود : الدخول ؛ لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخل جهنم ؛ فتكون بردا وسلاما على المؤمنين ؛ عند دخولهم إياها، كما كانت بردا وسلاما على إبراهيم، وتكون لهيبا وسعيرا على غيرهم.

وقال ابن مسعود وقتادة :

الورود : المرور عليها حين اجتياز الصراط كما في قوله تعالى :﴿ ولما ورد ماء مدين... ﴾ ( القصص : ٢٣ ).
أي : أشرف عليه وقاربه، فالمؤمنون يشرفون على جهنم ويشاهدونها ؛ ويقتربون منها دون أن يدخلوها.
وقد توسع المفسرون كالطبري والقرطبي وابن كثير والآلوسي وغيرهم في سوق أدلة كل فريق.

قال الطبري :

وظاهر الورود : الدخول... إلى أنها تكون بردا وسلاما على المؤمنين، وينجون منها سالمين.

قال خالد بن معدان :

إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا : ألم يقل ربنا : إنا نرد النار ؟ فيقال لهم : لقد وردتموها فألفيتموها رمادا.
واختار كثير من المفسرين : أن المؤمنين يردون فيدنون ويمرون بجهنم ؛ وهي تتأجج وتتميز وتتلمظ، ويرون العتاة ينزعون ويقذفون فيها، ثم يزحزح المؤمنون عن النار، وينجون منها لا يكادون ؛ ويترك الكفار يصطلون عذابها.
قال تعالى :﴿ فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ﴾. ( آل عمران : ١٨٥ ).

﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديّا ( ٧٣ ) وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيّا ( ٧٤ ) قل من كان في الضّلالة فليمدد له الرحمن مدّا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا ( ٧٥ ) ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا ( ٧٦ ) ﴾
المفردات :
بينات : ظاهرات الإعجاز.
مقاما : مكانا ومنزلا.
نديا : مجلسا ومجتمعا ومثله النادي.
تمهيد :
كان المشركون يفتخرون على المسلمين بالغنى والمال والسلطان، ويردون أن المسلمين في فقر وشدة ؛ فأجاب القرآن بأنه أهلك من الأمم السابقة ؛ من كان أحسن حالا وأفضل مظهرا، وعند قيام القيامة سيتميز المشركون إلى جهنم، والمتقون إلى الجنة.
التفسير :
٧٣- ﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديّا ﴾.
إذا قرأ المؤمنون القرآن، وشرحوا كلام الرحمن، وعرضوا مبادئ الإسلام ؛ { قال الذين كفروا للذين آمنوا، أنتم في خشونة من العيش، وقلة من المال والسلطان، ونحن نعيش في سعة من المال والعز والسلطان. والإله الحكيم لا يذل أحبابه بالفقر، ولا يسعد أعداءه بالغنى، وغنانا هذا دليل على أننا على الحق وأنتم على الباطل ؛ فمن منا أفضل حالا وأحسن منتدى ومجتمعا ؟
قال ابن عباس :
﴿ خير مقاما وأحسن نديا ﴾.
المقام : المنزل، والندي، المجلس.
تمهيد :
كان المشركون يفتخرون على المسلمين بالغنى والمال والسلطان، ويردون أن المسلمين في فقر وشدة ؛ فأجاب القرآن بأنه أهلك من الأمم السابقة ؛ من كان أحسن حالا وأفضل مظهرا، وعند قيام القيامة سيتميز المشركون إلى جهنم، والمتقون إلى الجنة.
المفردات :
القرن : أهل كل عصر.
الأثاث : متاع البيت من الفرش والثياب وغيرها ولا واحد له.
رئيا : المنظر، والمراد به : النضارة والحسن.
التفسير :
٧٤- ﴿ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا ﴾.
إن كثيرا من المكذبين لرسلهم كعاد وثمود وأضرابهم من الأمم والقرون ؛ أهلكناهم بالعذاب، وقد كانوا أكثر أموالا وأمتعة وأشكالا، وأفخم منظرا، وأكثر نعيما.
قال ابن عباس : الأثاث : المتاع، والرؤى : النظر.
والمقصود : ما أكثر متاعهم ؛ وما أبهى قصورهم ورياشهم، وما أجمل ثيابهم ومناظرهم، ولم تغن عنهم من عذاب الله شيئا !
قال تعالى :﴿ كم تركوا من جنات عيون. وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين. كذلك وأورثناها قوما آخرين. فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ﴾. ( الدخان : ٢٩، ٢٨ ).
وقريب من ذلك قوله تعالى :﴿ فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ﴾. ( التوبة : ٥٥ ).
تمهيد :
كان المشركون يفتخرون على المسلمين بالغنى والمال والسلطان، ويردون أن المسلمين في فقر وشدة ؛ فأجاب القرآن بأنه أهلك من الأمم السابقة ؛ من كان أحسن حالا وأفضل مظهرا، وعند قيام القيامة سيتميز المشركون إلى جهنم، والمتقون إلى الجنة.
المفردات :
فليمدد : فليمهله بطول العمر، والتمكن من سائر التصرفات.
جندا : أنصارا.
التفسير :
٧٥- ﴿ قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا ﴾.
أي : قل يا محمد لهؤلاء الكافرين بربهم، المدعين : أنهم على الحق، وأنكم على الباطل :﴿ من كان في الضلالة. منا أو منكم فليمدد له الرحمن مدا ﴾. فليمهله الرحمن فيما هو فيه، وليدعه في طغيانه حتى يلقى ربه، وينقضي أجله، وهذا غاية التهديد والوعيد.
وقصارى ذلك : إن من كان في الضلالة ﴿ فسنة الله ﴾ أن يمد له ويستدرجه ؛ ليزداد إثما، ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر.
﴿ إما العذاب وإما الساعة ﴾.
أي : إما بعذاب الدنيا يأتيه من حيث لا يحتسب، وإما بعذاب في الآخرة لا قبل له بدفعه.
﴿ فسيعلون من هو شر مكانا وأضعف جندا ﴾.
أي : فسيعلمون عندئذ حين تنكشف الحقائق أي الفريقين، شر منزلة عند الله، وأقل فئة وأنصارا، هل هم الكفار أم المؤمنون ؟ وهذا في مقابلة قومهم.
﴿ أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ﴾.
تمهيد :
كان المشركون يفتخرون على المسلمين بالغنى والمال والسلطان، ويردون أن المسلمين في فقر وشدة ؛ فأجاب القرآن بأنه أهلك من الأمم السابقة ؛ من كان أحسن حالا وأفضل مظهرا، وعند قيام القيامة سيتميز المشركون إلى جهنم، والمتقون إلى الجنة.
المفردات :
الباقيات الصالحات : الطاعات التي تبغي آثارها.
مردا : مرجعا وعاقبة.
التفسير :
٧٦- ﴿ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردّا ﴾.
يزيد الله المؤمنين المهتدين هداية، وإيمانا وبصيرة ؛ والأعمال الصالحة التي تبقى لصاحبها ذخرا في الآخرة ؛ خير عند الله من كل ما يتباهى به أهل الأرض، من حيث الأجر والثواب، ﴿ وخير مردا ﴾، وخير رجوعا وعاقبة، فإن نعيم الدنيا زائل ونعيم الآخرة باق دائم.
وقال الشيخ الشنقيطي في تفسير أضواء البيان :
ويظهر لي أن الكافر يجازى بعمله الصالح في الدنيا، مثل : صلة الرحم وبر الوالدين ؛ أما المؤمن فإن ثوابه في الآخرة أكثر عاقبة، وأفضل مردودا، وأبقى عاقبة.
وفي سنن ابن ماجة : عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال :
جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأخذ عودا يابسا قحط ورقه ثم قال :( إن قول : لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله تحط الخطايا، كما تحط ورق هذه الشجرة الريح، خذهن يا أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن هن الباقيات الصالحات، وهن كنوز الجنة ).
قال أبو سلمة :
فكان أبو الدرداء إذا ذكر هذا الحديث، قال : لأهللن الله، ولأكبرن الله، ولأحسبن الله، حتى إذا رآني الجاهل حسب أني مجنونxvii.
﴿ أرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ( ٧٧ ) أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمان عهدا ( ٧٨ ) كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا ( ٧٩ ) ونرثه ما يقول ويأتينا فردا ( ٨٠ ) ﴾
التفسير :
٧٧- ﴿ أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ﴾.
في صحيح البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والطبراني وابن حبان : عن خباب بن الأرت قال : كنت رجلا قينا ( حدادا ) وكان لي على العاص ابن وائل دين، فأتيته أتقاضاه ؛ فقال : لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت : لا والله لا أكفر بمحمد، فقلت : لا والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث، قال : فإني إذا مت ثم بعثت جئت ولي ثم مال وولد فأعطيك، فأنزل الله :﴿ أفرأيت الذي كفر بآياتنا... ﴾ الآياتxviii.
وقال ابن عباس :
إن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبون العاص بن وائل بدين، فأتوه يتقاضونه ؛ فقال : ألستم تزعمون : أن في الجنة ذهبا وفضة وحريرا ومن كل الثمرات ؟ قالوا : بلى، قال : فإن موعدكم الآخرة، فوالله لأوتين مالا وولدا، ولأوتين مثل كتابكم الذي جئتم به، فضرب الله مثله في القرآن، فنزلت الآياتxix.
ومعنى الآية :
أنظرت أيها العاقل فرأيت هذا الكافر الجاحد ؛ الذي كذب بالقرآن والبعث والرسالة، ولم يكتف بهذا الكفر بل زعم أن : الله سيعطيه في الآخرة المال والبنين.
المفردات :
أطلع الغيب : أظهر له علم الغيب ؟ !
عهدا : وعدا من الله تعالى له بذلك
٧٨- ﴿ أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا ﴾.
هل اطلع على الغيب الذي تفرد به علام الغيوب، أم أعطاه الله عهد بذلك فهو يتكلم عن ثقة ويقين.
المفردات :
كلا : كلمة زجر وتنبيه إلى الخطإ.
سنكتب ما يقول : سنسجل عليه قوله ونحاسبه عليه.
ونمد له من العذاب : سنطيله عليه ونضاعفه له.
التفسير :
٧٩- ﴿ كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا... ﴾
كلا حرف ردع وزجر، أي : ليرتدع هذا الكافر عن مقالته الشنعاء ؛ فسنسجل عليه قوله، ونحاسبه عليه حسابا عسيرا، ونزيده عذابا فوق عذاب فنضاعف عذابه، ونطيل عليه جزاء طغيانه واستهزائه.
المفردات :
ونرث ما يقول : نسلبه منه في الدنيا، فيدخل القبر وحيدا، ويبعث منفردا بدون مال أو ولد.
فردا : بدون مال أو ولد أو حشم أو خدم أو غير ذلك مما كان يفتخر به في الدنيا.
التفسير :
٨٠- ﴿ ونرثه ما يقول ويأتينا فردا ﴾.
أي : نرثه ما جمع من الدنيا وما عمل فيها، فيدخل القبر بالكفن فقط، ويأتينا يوم القيامة وحيدا لا مال معه ولا ولد، ولا نصير له ولا سند، ولا شيء مما كان يفتخر به في الدنيا، هو وأمثاله من المغرورين الجاحدين.
والآية وردت مورد الوعيد لإنسان عزه ماله وولده ؛ فاستهزأ بالآخرة، وادعى : أنه سيكون أكثر حظا في الآخرة وسيؤتى المال والولد ؛ فهدده القرآن بأنه سيدخل القبر وحيدا، وسيبعث فريدا بدون مال أو حشم أو خدم، أو غير ذلك، وسيلقى الحساب والجزاء.
﴿ واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزّا ( ٨١ ) كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدّا ( ٨٢ ) ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزّا ( ٨٣ ) فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدّا ( ٨٤ ) يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ( ٨٥ ) ونسوق الجرمين إلى جهنم وردا ( ٨٦ ) لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ( ٨٧ ) ﴾
المفردات :
العز : المنعة والقوة.
تمهيد :
تناقش الآيات شبهات المشركين، وتبطل حجتهم، وتعلن خسارتهم يوم القيامة، وتذكر أن الشياطين تستدرجهم فيستجيبون لها، ولهم أيام معدودة في الدنيا، ثم يأتي الجزاء في الآخرة، وهكذا تجمع الآيات بين الدنيا والآخرة في أسطر معدودة، فإذا الدنيا للعمل ؛ والآخرة للجزاء، حيث يحشر المتقون إلى الجنة مكرمين مبجلين، راكبين في وفد الكرامة، ويحشر الكافرون عطاشا مهانين راهبين، لا شفيع لهم.
التفسير :
٨١- ﴿ واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزّا ﴾.
واتخذ المشركون من قومك أيها الرسول آلهة يهبدونهم من دون الله، ليعتزوا بهم، ويجعلوهم شفعاء عند ربهم يقربونهم إليه.
فمنهم من عبد الأوثان والأصنام، ومنهم من عبد الجن أو استجار بهم، وطلب منهم النصرة.
تمهيد :
تناقش الآيات شبهات المشركين، وتبطل حجتهم، وتعلن خسارتهم يوم القيامة، وتذكر أن الشياطين تستدرجهم فيستجيبون لها، ولهم أيام معدودة في الدنيا، ثم يأتي الجزاء في الآخرة، وهكذا تجمع الآيات بين الدنيا والآخرة في أسطر معدودة، فإذا الدنيا للعمل ؛ والآخرة للجزاء، حيث يحشر المتقون إلى الجنة مكرمين مبجلين، راكبين في وفد الكرامة، ويحشر الكافرون عطاشا مهانين راهبين، لا شفيع لهم.
المفردات :
سيكفرون : سيجحدون.
ضدا : أعداء.
التفسير :
٨٢- ﴿ كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدّا ﴾.
ليس الأمر كما زعموا، فإن الآلهة التي عبدوها ؛ ستتبرأ يوم القيامة ممن عبدها، ويكونون أعداء لمن عبدهم، وينطق الله من لم يكن ناطقا منهم ؛ ليتبرأ من عبادة المشركين. وتكون الآلهة المدعاة أعداء للعابدين وأعوانا عليهم.
قال تعالى :﴿ ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون. وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرون ﴾. ( الأحقاف : ٦، ٥ ).
وقال عز شأنه :﴿ إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ﴾. ( فاطر : ١٤ ).
كما يتبرأ المسيح عليه السلام يوم القيامة ممن عبده، أو جعله إلها، ويقول لله تعالى :﴿ سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علا م الغيوب. ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم... ﴾ ( المائدة : ١١٧، ١١٦ ).
تمهيد :
تناقش الآيات شبهات المشركين، وتبطل حجتهم، وتعلن خسارتهم يوم القيامة، وتذكر أن الشياطين تستدرجهم فيستجيبون لها، ولهم أيام معدودة في الدنيا، ثم يأتي الجزاء في الآخرة، وهكذا تجمع الآيات بين الدنيا والآخرة في أسطر معدودة، فإذا الدنيا للعمل ؛ والآخرة للجزاء، حيث يحشر المتقون إلى الجنة مكرمين مبجلين، راكبين في وفد الكرامة، ويحشر الكافرون عطاشا مهانين راهبين، لا شفيع لهم.
المفردات :
أزا : الأز والهز والاستفزاز : شدة الإزعاج، والمراد : الإغراء بالمعاصي، وتحبيب الشهوات.
التفسير :
٨٣- ﴿ ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزّا ﴾.
كان المسلمون يتعجبون من إصرار الكافرين على الكفر، أما بيان القرآن، وهداية الرسول صلى الله عليه وسلم وسماحة الإسلام. وهنا يقول للرسول صلى الله عليه وسلم : لا تتعجب من تماديهم في الغي، وانهماكهم في الضلال ؛ فإن الشياطين تغريهم بالشر ؛ وتزين لهم العناد.
قال الإمام فخر الدين الرازي :
أي : تغريهم بالمعاصي، وتحثهم وتهيجهم لها بالوساوس والتسويلات.
وقال العوفي : تحرضرهم على محمد وأصحابه.
وقال قتادة : تزعجهم إزعاجا إلى معاصي الله.
وقال سفيان الثوري : تغريهم إغراء، وتستعجلهم استعجالا.
وقال السدى : تطغيهم طغياناxx.
وقال عبد الرحمن بن زيد : هذا كقوله تعالى :﴿ ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ﴾. ( الزخرف : ٣٦ ).
تمهيد :
تناقش الآيات شبهات المشركين، وتبطل حجتهم، وتعلن خسارتهم يوم القيامة، وتذكر أن الشياطين تستدرجهم فيستجيبون لها، ولهم أيام معدودة في الدنيا، ثم يأتي الجزاء في الآخرة، وهكذا تجمع الآيات بين الدنيا والآخرة في أسطر معدودة، فإذا الدنيا للعمل ؛ والآخرة للجزاء، حيث يحشر المتقون إلى الجنة مكرمين مبجلين، راكبين في وفد الكرامة، ويحشر الكافرون عطاشا مهانين راهبين، لا شفيع لهم.
المفردات :
فلا تعجل عليهم : لا تطلب الاستعجال بهلاكهم.
التفسير :
٨٤- ﴿ فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا ﴾.
أي : لا تتعجل وقوع العذاب لهم ؛ فإنما نؤخرهم إلى أجل معدود.
قال السدى : إنما نعد لهم عدا }. السنين والشهور والأيام والساعات.
وقال ابن عباس : نعد أنفاسهم في الدنيا، وكان بن عباس إذا قرأ هذه الآية بكى وقال : آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد : خروج نفسك، آخر العدد : دخول قبرك.
وعن ابن السماك : أنه كان عند المأمون فقرأ هذه الآية ثم قال : إذا كانت الأنفاس بالعدد، ولم يكن لها مدد، فما أسرع ما تنفد.
إن الحبيب من الأحباب مختلس لا يمنع الموت بواب ولا حرس
وكيف يفرح بالدنيا ولذتها فتى يعد عليه اللفظ والنفس
وقال شوقي :
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثان
تمهيد :
تناقش الآيات شبهات المشركين، وتبطل حجتهم، وتعلن خسارتهم يوم القيامة، وتذكر أن الشياطين تستدرجهم فيستجيبون لها، ولهم أيام معدودة في الدنيا، ثم يأتي الجزاء في الآخرة، وهكذا تجمع الآيات بين الدنيا والآخرة في أسطر معدودة، فإذا الدنيا للعمل ؛ والآخرة للجزاء، حيث يحشر المتقون إلى الجنة مكرمين مبجلين، راكبين في وفد الكرامة، ويحشر الكافرون عطاشا مهانين راهبين، لا شفيع لهم.
المفردات :
إلى الرحمن : إلى دار كرامته وهي الجنة.
وفدا : الوفود والأوفاد، واحدهم : وافد وهم القوم يقدمون مكرمين مبجلين راكبين.
التفسير :
٨٥- ﴿ يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ﴾.
أي : واذكر أيها الرسول لقومك : تكريم الله للمتقين يوم القيامة ؛ حيث يحشرون في وفد التكريم والإجلال، يركبون مراكب العز والعظمة ؛ حتى يدخلون جنة الرحمن مكرمين معززين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مرزوق قال : يستقبل المؤمن عند خروجه من قبره أحسن صورة رآها وأطيبها ريحا، فيقول : من أنت ؟ فيقول : أما تعرفني ؟ فيقول : لا، إلا أن الله قد طيب ريحك، وحسن وجهك، فيقول : أنا عملك الصالح، وهكذا كنت في الدنيا حسن العمل، طيبه، فطالما ركبتك في الدنيا، فهلم اركبني فيركبه ؛ فذلك قوله تعالى :﴿ يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ﴾.
وقال قتادة : إلى الجنة.
وقال علي في هذه الآية : لا والله ما على أرجلهم يحشرون، ولا يحشر الوفد على أرجلهم، ولكن بنوق لم يرى الخلائق مثلها، عليها رحائل من ذهب فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنةxxi.
تمهيد :
تناقش الآيات شبهات المشركين، وتبطل حجتهم، وتعلن خسارتهم يوم القيامة، وتذكر أن الشياطين تستدرجهم فيستجيبون لها، ولهم أيام معدودة في الدنيا، ثم يأتي الجزاء في الآخرة، وهكذا تجمع الآيات بين الدنيا والآخرة في أسطر معدودة، فإذا الدنيا للعمل ؛ والآخرة للجزاء، حيث يحشر المتقون إلى الجنة مكرمين مبجلين، راكبين في وفد الكرامة، ويحشر الكافرون عطاشا مهانين راهبين، لا شفيع لهم.
المفردات :
وردا : مشاة مهانين باستخفاف واحتقار ؛ كأنهم نعم تساق إلى الماء.
التفسير :
٨٦- ﴿ ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ﴾.
ونسوق الكافرين بالله إلى جهنم مشاة، قد تقطعت أعناقهم من العطش، فهم كالدواب التي ترد الماء، وأصل الورد : الإتيان إلى الماء بقصد الارتواء منه ؛ بعد العطش الشديد، وشتان بين تكريم وفد المؤمنين، وإهانة ورد الكافرين.
تمهيد :
تناقش الآيات شبهات المشركين، وتبطل حجتهم، وتعلن خسارتهم يوم القيامة، وتذكر أن الشياطين تستدرجهم فيستجيبون لها، ولهم أيام معدودة في الدنيا، ثم يأتي الجزاء في الآخرة، وهكذا تجمع الآيات بين الدنيا والآخرة في أسطر معدودة، فإذا الدنيا للعمل ؛ والآخرة للجزاء، حيث يحشر المتقون إلى الجنة مكرمين مبجلين، راكبين في وفد الكرامة، ويحشر الكافرون عطاشا مهانين راهبين، لا شفيع لهم.
المفردات :
العهد : شهادة ألا إله إلا الله، والتبري من الحول والقوة، وعدم رجاء أحد إلا الله ؛ وقيل : العهد : المحافظة على الصلاة
التفسير :
٨٧- { لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا.
أي : لا يشفعون ولا يشفع لهم غيرهم، لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا ؛ وهم من المؤمنون الصادقون ؛ فإنهم يملكونها بتمليك الله لهم إياها، وإذنه لهم فيها، كما قال تعالى :
﴿ من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه... ﴾ ( البقرة : ٢٥٥ ).
وكما قال سبحانه :﴿ وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ﴾. ( النجم : ٢٦ ).
وقال ابن كثير في تفسير الآية :
أي : ليس لهم من يشفع لهم، كما يشفع المؤمنون بعضهم لبعض، كما قال تعالى مخبرا عنهم :﴿ فما لنا من شافعين. ولا صديق حميم ﴾. ( الشعراء : ١٠١، ١٠٠ ).
وقوله :﴿ إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ﴾. هذا استثناء منقطع بمعنى : لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا ؛ وهو شهادة : أن لا إله إلا الله والقيام بحقه.
قال ابن عباس :
العهد :( شهادة أن لا إله إلا الله ) ويبرأ إلى الله من الحول والقوة ولا يرجو إلا الله عز وجل، وقال ابن أبي حاتم : عن الأسود بن يزيد ؛ قال : قرأ عبد الله ابن مسعود هذه الآية :﴿ إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ﴾. ثم قال : اتخذوا عند الله عهدا، فإن الله يقول يوم القيامة : من كان له عند الله عهد فليقم، قالوا : يا أبا عبد الرحمن فعلمنا، قال : قولوا : اللهم، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعل لي عندك عهدا تؤديه إليّ يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد.
قال المسعودي : وكان يلحق بهن : خائفا مستجيرا مستغفرا راهبا راغبا إليكxxii.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من جاء بالصلوات الخمس يوم القيامة قد حافظ على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها، لم ينتقص منه شيئا ؛ جاء وله عند الله عهد أن لا يعذبه، ومن جاء قد انتقص منها شيئا فليس له عند الله عهد إنشاء رحمه وإن شاء عذبه )xxiii.
﴿ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ( ٨٨ ) لقد جئتم شيئا إدّا ( ٨٩ ) تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا ( ٩٠ ) أن دعوا للرحمن ولدا ( ٩١ ) وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ( ٩٢ ) إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ( ٩٣ ) لقد أحصاهم وعدهم عدّا ( ٩٤ ) وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ( ٩٥ ) ﴾
التفسير :
٨٨- ﴿ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ﴾.
تأتي هذه الآيات في الرد على اليهود الذين قالوا : عزير ابن الله، والنصارى الذين قالوا : المسيح ابن الله، والمشركون الذين قالوا : الملائكة بنات الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
﴿ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ﴾.
لما قرر سبحانه وتعالى في هذه السورة الشريفة عبودية عيسى عليه السلام، وذكر : خلقه من مريم بلا أب، شرع في الإنكار على من زعم أن لله ولدا، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وتحدثت الآيات عن فظاعة هذا العدوان الذي يرتجف له ضمير الكون، وتنشق من هوله السماء والأرض، وتميد الجبال ؛ فالكون كله خاضع لله تعالى خضوع القهر والغلبة ؛ يحس بهذا العدوان من بني آدم ؛ ويغضب ويرتجف، كما يرتجف كل عضو في الإنسان عندما يغضب.
المفردات :
جئتم : فعلتم.
إدا :( بكسر الهمزة وفتحها ) المنكر العظيم والإدة : الشدة، يقال : أدّني الأمر وآدني : أثقلني وعظم عليّ.
٨٩- ﴿ لقد جئتم شيئا إدّا ﴾.
لقد جئتم أيها القائلون بمقالتكم هذه أمرا منكرا فظيعا. روى البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يقول الله تبارك وتعالى : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله :﴿ اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد ﴾xxiv.
المفردات :
التفطر : التشقق.
تخر : تسقط وتنهدم.
التفسير :
٩٠- ﴿ تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا ﴾.
لقد فزعت من هول الشرك السماوات والأرض والجبال وغضب الكون كله، فالكون كله خاضع لله خضوع القهر والغلبة، وحين قال الله لسماوات والأرض :﴿ ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ﴾. ( فصلت : ١١ ).
أي : أظهرنا من الخضوع لأمر الله والطاعة والامتثال، بحيث لو نطق لسان حالهما لقال : أتينا طائعين، أو تكلمنا بلسان التسبيح والحمد والطاعة كما قال سبحانه :﴿ وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم... ﴾ ( الإسراء : ٤٤ ).
فالكون خاضع لله تعالى مطيع لأمره، وهو يغضب حين يتطاول الإنسان على ربه ؛ ويدعي : أن له ولدا ؛ والله سبحانه غير مشابه للحوادث، فالولد يقتضي الجسمية ومشابهة الحوادث، والله منزه عن ذلك.
﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾. ( الشورى : ١١ ).
وفي الصحيحين : عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، أن يشرك به، ويجعل له ولد، وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم )xxv.
وفي رواية أخرى :( إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم ).
ونقل ابن كثير عن ابن جرير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله فمن قالها عند موته ؛ وجبت له الجنة ) قالوا : يا رسول الله، فمن قالها في صحته ؟ قال :( تلك أوجب وأوجب )، ثم قال :( والذي نفسي بيده لو جيء بالسماوات والأرضين وما فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضعن في كفة الميزان، ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهن )xxvi.
المفردات :
دعوا : نسبوا وأثبتوا.
التفسير :
٩١- ﴿ أن دعوا للرحمن ولدا ﴾.
أي : من أجل أنهم نسبوا إلى الله : اتخاذ الولد.
٩٢- ﴿ وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ﴾.
أي : لا يصلح له، ولا يليق به ؛ لجلاله وعظمته ؛ لأنه لا كفء له من خلقه ؛ لأن جميع الخلائق عبيد الله.
المفردات :
عبدا : منقادا خاضعا كما يفعل العبيد.
التفسير :
٩٣- ﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ﴾.
أي : ما من أحد من الملائكة والإنس والجن إلا وهو مملوك له سبحانه، ينقاد لحكمه، ويلتجئ إليه حين الحاجة ويخضع له خضوع العبد لسيده.
المفردات :
أحصاهم : عدهم وأحاط بهم.
عدا : عد أشخاصهم.
التفسير :
٩٤- ﴿ لقد أحصاهم وعدهم عدّا ﴾.
أي : قد علم عددهم، منذ خلقهم إلى يوم القيامة، ذكرهم وأنثاهم، وصغيرهم وكبيرهم، فهم جميعا تحت أمره وتدبيره، يعلم ما خفي من أحوالهم وما ظهر ولا يفوته شيء منها.
المفردات :
فردا : منفردا لا شيء معه من الأنصار والأتباع.
التفسير :
٩٥- ﴿ وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾.
وجميع الخلائق قد حشرت في ذلك اليوم، وكل فرد يقول : نفسي نفسي ! وقد أحاط الجبار بهم علما فما يستطيع أحد الفكاك من قبضته، أو الهروب من الحساب ؛ بل يحشر كل إنسان وحيدا بلا مال ولا أتباع ؛ ولا حشم ولا خدم، ولا ناصر ولا مجير ؛ إلا الله وحده لا شريك له، فيحكم في خلقه بما شاء وهو العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة ولا يظلم ربك أحدا.
﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّا ( ٩٦ ) فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدّا ( ٩٧ ) وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ( ٩٨ ) ﴾
المفردات :
الود : المودة والمحبة.
تمهيد :
تختم السورة ببيان : منزلة المؤمنين، ومودة الرحمن لهم، وبيان : أن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله، يبشر المتقين، وينذر الكافرين، وأن الله قد أهلك العديد من القرون المكذبة ؛ فهلكت وبادت، لا تسمع لها صوتا ولا ترى لها أثرا.
التفسير :
٩٦- ﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّا ﴾.
تبشر هذه الآية المؤمنين الذين يعملون الأعمال الصالحة : أن الله تعالى ينشر محبتهم في قلوب العباد، وينزل الله رحمته على عبده الصالح، ويزرع الحب والمودة والألفة في قلوب الناس له، فترى العبد محبوبا عند الناس، مرضيا عنده في الملإ الأعلى.
روى الشيخان والإمام أحمد : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن الله إذا أحب عبدا ؛ دعا جبريل فقال : يا جبريل، إني أحب فلانا فأحبه- قال :- فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء، إن الله يحب فلانا فأحبوه- قال :- فيحبه أهل السماء ؛ ثم يوضع له القبول في الأرض، وإن الله إذا أبغض عبدا ؛ دعا جبريل فقال : يا جبريل إني أبغض فلانا فأبغضه- قال :- فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلانا فابغضوه- قال :- يبغضه أهل السماء ؛ ثم يوضع له البغضاء في الأرض )xxvii.
وروى مسلم والترمذي، وقال الترمذي : حسن صحيح وابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إذا أحب الله عبدا ؛ نادى جبريل : إني قد أحببت فلانا فأحبه، فينادي في السماء، ثم ينزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قوله الله عز وجل :﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّا ﴾.
قال مجاهد : ودّا : محبة في الناس في الدنيا.
وقال سعيد بن جبير : يحبهم الله ويحببهم إلى خلقه المؤمنين.
وعن ابن عباس : الودّ من المسلمين في الدنيا، والرزق الحسن واللسان الصادق.
وقال هرم بن حيان : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم.
وكان عثمان رضي الله عنه يقول : ما من عبد يعمل خيرا أو شرا ؛ إلا كساه الله عز وجل رداء عملهxxviii.
تمهيد :
تختم السورة ببيان : منزلة المؤمنين، ومودة الرحمن لهم، وبيان : أن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله، يبشر المتقين، وينذر الكافرين، وأن الله قد أهلك العديد من القرون المكذبة ؛ فهلكت وبادت، لا تسمع لها صوتا ولا ترى لها أثرا.
المفردات :
بلسانك : بلغتك.
اللد : واحدهم : ألدّ، وهو الشديد الخصومة.
التفسير :
٩٧- ﴿ فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدّا ﴾.
لقد يسرنا نزول القرآن بلسان عربي مبين، ويسرنا حفظه وتلاوته وفهمه، وقربناه إلى المؤمنين ؛ لتبشر به المتقين بالجنة، فتسدد خطاهم، وتشد أزرهم، وتعلمهم بمكانتهم عند الله في الدنيا، وبمنزلتهم في الجنة في الآخرة.
﴿ وتنذر قوما لدّا ﴾. عتاة ظالمين، أشداء في الخصومة، يجادلون بالباطل ويصمّون آذانهم عن سماع الحق.
قال تعالى :﴿ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام ﴾. ( البقرة : ٢٠٤ ).
أي : أشد الناس خصومة وجدالا بالباطل. وقد أنزل الله القرآن الكريم بلسان عربي مبين، وقد جمع الله به شتات العرب، وأحيا ذكرهم، ورفع شأنهم.
قال تعالى :﴿ وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تُسألون ﴾. ( الزخرف : ٤٤ ).
وقال عز شأنه :﴿ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر ﴾. ( القمر : ١٧ ).
وقال تعالى :﴿ فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ﴾. ( الدخان : ٥٨ ).
فالقرآن وحي السماء، والرسول مبلغ يقرأ القرآن بلسانه العربي المبين، ويبلغه لقومه ويؤدبهم بآدابه فيخرجهم من الظلمات إلى النور ؛ فما أعظم أن ييسر الله وحيه، ويختار له الرسول والأمة والمؤمنين، وبذلك يحق القول على الكافرين.
﴿ فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدّا ﴾.
وقد مدح الله الوحي، ومدح الرسول، ومدح الأمة، التي استجابت لهذا الوحي، وسيظل هذا الوحي روح الأمة، وباب سعادتها، وسبيل عزتها، وباعث نهضتها قال تعالى :﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا... ﴾ ( الشورى : ٥٢ ).
تمهيد :
تختم السورة ببيان : منزلة المؤمنين، ومودة الرحمن لهم، وبيان : أن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله، يبشر المتقين، وينذر الكافرين، وأن الله قد أهلك العديد من القرون المكذبة ؛ فهلكت وبادت، لا تسمع لها صوتا ولا ترى لها أثرا.
المفردات :
ركزا : صوتا خفيا.
التفسير :
٩٨- ﴿ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ﴾.
لقد أهلكنا كثيرا من الأمم السابقة، التي كذبت رسلي ؛ فأغرقنا قوم نوح وقوم فرعون، وأهلكنا عادا وثمود وقوم لوط. وهذه الأمم التي بادت وهلكت بغضب لها ؛ كانت ملء السمع والبصر، لها تحرك وقوة وقدرة فوق الأرض، والآن بادت وأصبحت رميما تحت التراب ؛ لا ترى العين أحدا من أهلها، ولا تسمع لأحدهم صوتا خافتا. إنهم في صمت القبور.
وبهذا الختام يشخص القرآن الكريم أمام العين أمما أقوى من كفار مكة كانوا يتحركون وينبضون بالحياة والأماني والمشاعر، ثم إذا الصمت يخيم، والموت يجثم، وإذا الجثث والأشلاء والبلى والدمار، لا حس، لا حركة، لا صوت.
﴿ هل تحس منهم من أحد ﴾. انظر وتلفت.
﴿ أو تسمع لهم ركزا ﴾. تسمع وأنصت.
ألا إنه السكوت العميق، والصمت الرهيب، وما من أحد إلا الواحد الحي الذي لا يموتxxix.
Icon