تفسير سورة الزخرف

صفوة التفاسير
تفسير سورة سورة الزخرف من كتاب صفوة التفاسير المعروف بـصفوة التفاسير .
لمؤلفه محمد علي الصابوني .

اللغَة: ﴿صَفْحاً﴾ إعراضاً يقال: ضربت عنه صفحاً إِذا أعرضت عنه وتركته ﴿بَطْشاً﴾ قوة وانتقاماً، وبطش به أخذه بشدة وعنف ﴿مَهْداً﴾ فراشاً وبساطاً ﴿أَنشَرْنَا﴾ أحيينا، والنشور، الإِحياء بعد
139
الموت ﴿تَسْتَوُواْ﴾ تستقروا وتركبوا ﴿مُقْرِنِينَ﴾ مطيقين ﴿كَظِيمٌ﴾ مملوء غماً وغيظاً ﴿يَخْرُصُونَ﴾ يكذبون ﴿أُمَّةٍ﴾ دين وطريقة ﴿مُتْرَفُوهَآ﴾ المترف: المتنعم المنغمس في الشهوات.
التفسِير: ﴿حم﴾ الحروف المقطعمة للتنبيه على إِعجاز القرآن ﴿والكتاب المبين﴾ قسمٌ أقسم الله به أي أُقْسمُ بالقرآن البيّن الواضح الجلي، المظهر طريق الهدى من طريق الضلال، المبيِّين للبشرية ما تحتاج إليه من الأحكام والدلائل الشرعية ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ هذا هو المقسم عليه أي أنزلناه بلغة العرب، مشتملاً على كمال الفصاحة والبلاغة، بأسلول محكم، وبيانٍ معجز ﴿لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أي لكي تفهموا أحكامه، وتتدبروا معانيه، وتعقلوا أن أسلوبه الحكيم خارج عن طوق البشر قال البيضاوي: أقسم تعالى بالقرآن على أنه جعله قرآناً عربياً، وهو من البدائع البلاغية لتناسب القسم والمُقْسم عليه، تنبيهاً على أنه لا شيء أعلا منه فيقسم به، وهذا يدل على شرف القرآن وعزته بأبلغ وجهٍ وأدقه ﴿وَإِنَّهُ في أُمِّ الكتاب لَدَيْنَا﴾ أي وإِنه في اللوح المحفوظ عندنا ﴿لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ أي رفيع الشأن عظيم القدرة، ذو حكمةٍ بالغةٍ ومكانةٍ فائقة قال ابن كثير: بيِّن شرف القرآن في الملأ الأعلى، ليشرّفه ويعظّمه أهل الأرض أي وإِن القرآن في اللوح المحفوظ عندنا ذو مكانةٍ عظيمة، وشرف وفضل ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر صَفْحاً﴾ الاستفهام إِنكاري أي أنترك تذكيركم إعراضاً عنكم، ونعتبركم كالبهائم فلا نعظكم بالقرآن؟ ﴿أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ﴾ أي لأجل أنكم مسرفون في التكذيب والعصيان؟ لا، بل نذكّركم ونعظكم به إلى أن ترجعوا إلى طريق الحق قال قتادة: لو أن هذا القرآن رُفع حين ردَّه الأوائل لهلكوا، ولكنَّ الله برحمته كرَّره عليهم، ودعاهم إليه عشرين سنة قال ابن كثير: وقول قتادة لطيف المعنى جداً وحاصله أن تعالى من لطفه ورحمته بخلقه لا يترك دعاءهم إلى الخير، وإلى الذكر الحكيم، وإن كانوا مسرفين معرضين عنه، بل يأمر به ليهتدي به من قدَّر هدايته، وتقوم الحجة على من كتب شقاوته ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الأولين﴾ ؟ ت سلية للنبي عليه السلام أي ما أكثر ما أرسلنا من الأنبياء في الأمم الاولين؟ ﴿وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي ولم يكن يأتيهم نبي إلا سخروا منه واستهزءوا به قال الصاوي: وهاذ اتسلية له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمعنى تسلَّ يا محمد ولا تحزن فإنه وقع للرسل قبلك ما وقع لك ﴿فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً﴾ أي فأهلكنا قوماً كانوا أشد قوة من كفار مكة وأعتى منهم وأطغى ﴿ومضى مَثَلُ الأولين﴾ أي وسبق في القرآن أحاديثُ إِهلاكهم، ليكونوا عظة وعبرة لمن بعدهم من المكذبين قال الإِمام الفخر: إن كفار مكة سلكوا في الكفر والتكذيب مسلك من كان قبلهم، فليحذروا أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك فقد ضربنا لهم مثَلَهم ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض﴾ أي ولئن سألتَ يا محمد هؤلاء المشركين من خلق السمواتِ والأرض بهذا الشكل البديع ﴿لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العزيز العليم﴾ أي ليقولُنَّ خلقهنَّ اللهُ وحده، العزيزُ في ملكه، العليمُ بخلقه قال القرطبي: أقروا له بالخلق والإِيجاد، ثم عبدوا معه غيره
140
جهلاً منهم وسفهاً.
. ثم بيَّن تعالى لهم صفاته الجليلة، الدالة على كمال القدرة والحكمة فقال ﴿الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً﴾ أي بسط الأرض وجعلها كالفراش لكم، تستقرون عليها وتقومون وتنامون ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً﴾ أي وجعل لكم فيها طُرُقاً تسلكونها في أسفاركم ﴿لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ أي لكي تهتدوا إلى قدرة الخالق الحكيم، مودع هذا النظام العجيب ﴿والذي نَزَّلَ مِنَ السمآء مَآءً بِقَدَرٍ﴾ أي نزَّل بقدرته الماء من السماء بمقدارٍ ووزنٍ معلوم، بحسب الحاجة والكفاية قال القرطبي: أي بمقدار ينفع ولا يضر ﴿فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً﴾ أي فأحيينا به أرضاً ميتةً مقفرةً من النبات ﴿كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ أي كذلك نخرجكم من قبوركم كما نُخرج النبات من الأرض الميتة ﴿والذي خَلَقَ الأزواج كُلَّهَا﴾ أي خلق جميع الأصناف من الحيوان والنبات وغير ذلك قال ابن عباس: «الأزواج» الأصناف والأنواع كلها كالحلو والحامض، والأبيض والأسود، والذكر والأنثى ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ﴾ أي وسخَّر لكم من السفن في البحر، والإِبل في البر ما تركبونه في أسفاركم قال ابن كثير أي ذلَّلها وسخَّرها ويسَّرها لكم، لتأكلوا لحومها وتركبوا ظهورها ﴿لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ﴾ أي لتستقروا على ظهور هذا المركوب، سفينةً كانت أو جملاً ﴿ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا استويتم عَلَيْهِ﴾ أي وتتذكروا نعمة ربكم الجليلة عليكم حين تستقرون فوقها فتشكروه بقلوبكم ﴿وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا﴾ أي وتقولوا بألستنكم عند ركوبكم: سبحان الله الذي ذلَّل ويسَّر لنا ركوب هذا المركوب ﴿وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ أو وما كنا قادرين ولا مطيقين لركوبه لولا تسخيره تعالى لنا ﴿وَإِنَّآ إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ أي وإِنا إلى ربنا لراجعنن، وصائرون إليه بعد الموت قال في حاشية البيضاوي: وليس المراد من ذكر النعمة تصورها وإِخطارها في البال، بل المراد تذكر أنها نعمة حاصلةٌ بتدبير القادر العليم الحكيم، مستدعية لطاعته وشكره، فإن من تفكر في أنَّ ما يركبه الإِنسان من الفُلكْ والأنعام، أكثرة قوة وأكبر جثة من راكبه، ومع ذلك كان مسخراً لراكبه يتمكن من تصريفه إلى أيّ جانب شاء، وتفكر أيضاً في خلق البحر والريح وفي كونهما مسخرين للإِنسان مع ما فيهما من المهابة والأهوال، استغرق في معرفة عظمة الله تعالى وكبريائه، وكما قدرته وحكمته، فيحمله ذلك الاستغراق على أن يقول متعجباً من عظمة الله ﴿سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾.
. ولما ذكر تعالى اعتراف المشركين بأن خالق السموات والأرض هو رب العالمين، ذكر بعده ما يدل على سفههم وجهلهم في عبادة غير الله فقال ﴿وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾ أي جعل المشركون لله ولداً حيث قالوا: الملائكةُ بنات الله ﴿إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ مُّبِينٌ﴾ أي إن القائل لهذا المبالغُ في الكفر، عظيم الجحود والطغيان قال البيضاوي: أي ظاهر الكفران لأنه نسبة الولد إليه تعالى من فرط الجهل به والتحقير لشأنه ﴿أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بالبنين﴾ إِنكارُ وتعجبُ من حالهم أي هل اتخذ تعالى لنفسه البنات، وخصَّكم واختار لكم البنين؟ قال ابن كثير: وهذا إنكار
141
عليهم غاية الإِنكار، ثم ذكر تعالى تمام الإِنكار فقال ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ للرحمن مَثَلاً﴾ أي وإِذا بُشِّر أحد المشركين بالأنثى التي جعلها مثلاً لله بنسبة البنات له ﴿ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ أي صار وجهه كأنه أسود من الكآبة والحزن، وهو ممتلىءٌ غيظاً وغماً من سوء ما بُشّر به قال الإِمام الفاخر: والمقصودُ من الآية التنبيهُ على قلة عقولهم وسخافة تفكيرهم، فإِن الذي بلغ حاله في النقص إلى هذا الحدِّ كيف يجوز للعاقل إثباتُه لله تعالى؟ وقد روي عن بعض العرب أن امرأته وضعت أنثى فهجر البيت الذي فيه المرأة ﴿أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحلية﴾ أي أيجعلون للهِ من يُربَّى في الزينة وينشأ ويكبر عليها وهنَّ الإِناث؟ ﴿وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ﴾ أي ومن هو في الجدال غيرُ مظهرٍ لحجته لضعف رأيه؟ أوَمَنْ يكونُ هكذا يُنْسب إلى جناب الله العظيم؟ قال في التسهيل: والمقصد الرد على الذين قالوا الملائكةُ بنات الله، كأنه قال: أجعلتم للهِ من ينشأ في الحيلة؟ يعني يكبر وينبت في استعمالها، وذلك صفةُ النقص، ثم أتبعها بصفة نقصٍ أُخرى فقال ﴿وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ﴾ يعني أن الأنثى إذا خاصمت أو تكلمت لم تقدر أن تبيّن حجتها لنقص عقلها، وقلّما تجد امرأة إلا تفسد الكلام، وتخلط المعاني، فكيف يُنسب لله من يتصف بهذه النقائص؟ وقال ابن كثير: المرأة ناقصة في الصورة والمعنى، فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي ليجبر ما فيها من نقص، كما قال بعض الشعراء:
وما الحليُ إلا زينةٌ من نقيصةٍ يتمِّم من حُسْنٍ إِذا الحُسْنُ قصَّرا
وأما نقصُ معناها فإِنها صعيفةٌ عاجزةٌ عن الانتصار، كما قال بعض العرب وقد بُشِّر ببنت «ما هي بنعم الولد، نصرُها بكاءٌ، وبرُّها سرقة» ﴿وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إِنَاثاً﴾ كفرٌ آخرٍ تضمنه قولهم الشنيع أي واعتقد كفار العرب بأن الملائكة الذين هم أكمل العباد وأكرمهم على الله إناثٌ وحكموا عليهم بذلك ﴿أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ﴾ أي أحضروا وقت خلق الله لهم حتى عرفوا أنهم إناث؟ وهذا تجهيلٌ وتهكمٌ بهم ﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ أي سنأمر الملائكة بكتابة شهادتهم الكاذبة في ديوان أعمالهم ويُسألون عنها يوم القيامة، وهو وعيدٌ شديدٌ مع التهديد قال المفسرون: حكى تعالى عن كفار العرب ثلاثة أقوال شنيعة: الأول: أنهم نسبوا إلى الله الولد، الثاني: أنهم نسبوا إليه البناتِ دون البنين، الثالث: أنهم حكموا على الملائكة المكرمين بالأنوثة بلا دليل ولا برهان، فكذَّبهم القرآن الكريم في تلك الأقوال، ثم زادوا ضلالاً وبهتاناً فزعموا أنَّ ذلك برضى الله ﴿وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرحمن مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ أي قالوا على سبيل السخرية والاستهزاء: لو شاء اللهُ ما عبدنا هؤلاء الملائكة ولا الأصنام، ولمَّا كانت عبادتنا واقعة بمشيئته فهو راضٍ بها قال القرطبي: وهذا منهم كلمةُ حقٍّ أُريد بها باطل، فكل شيءٍ بإِرادة الله، والميشئةُ غير الرضى، ولا يصح الاحتجاج بالمشيئة، فإِنهم لو عبدوا الله بدل الأصنام لعلمنا أنَّ الله أراد منهم ذلك، وقد
142
كذبهم الله بقوله ﴿مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ﴾ إي ما لهم بذلك القول ولا برهان ﴿إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ أي ما هم إلا يكذبون ويتقوَّلون على الله كذباً وزوراً ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ﴾ ردٌّ آخر عليهم أي أم أنزلنا على هؤلاء المشركين كتاباً من قبل القرآن فهم بذلك الكتاب متمسكون يعملون بتوجيهاته؟ قال الإِمام الفخر: والمعنى: هل وجدوا ذلك الباطل في كتاب منزَّل قبل القرآن حتى يعوِّلوا عليه ويتمسكوا به ﴿بَلْ قالوا إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ﴾ بل للإِضراب وهو الانتقال من كلام إلى آخر أي لم يأتوا بحجةٍ عقلية أو نقلية على ما زعموا بل اعترفوا بأنه لا مستند لهم سوى تقليد آبائهم الجهَلة قال أبو السعود: والأُمةُ: الدينُ والطريقةُ سميت أمةً لأنها تؤم وتقصد ﴿وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ﴾ أي ونحن ماشون على طريقتهم مهتدون بآثارهم ﴿وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ﴾ أي وكما تبع هؤلاء الكفار آباءهم بغير حجة ولا برهان كذلك فعل من قبله من المذكبين، فما بعثنا قبلك رسولاً في أمةٍ من الأمم ﴿إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾ أي إلا قال المتنعمون فيها الذي أبطرتهم النعمة، وأعمتهم الشواتُ والملاهي عن تحمل المشاق في طلب الحق: إنا وجدنا أسلافنا على ملةٍ ودين، وإِنا مقتدون بهم في طريقتهم قال البيضاوي: والآية تسليةٌ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ودلالةٌ على أن التقليد في نحو هذا ضلالٌ قديم، وأسلافُهم لم يكن سندٌ منظور يُعتَدُّ به، وإِنما خصَّص المترفين بالذكر للإِشعار بأن التنعم وحبَّ البطالة صرفهم عن النظر إلى التقليد الأعمى، وذكر هنا ﴿مُّقْتَدُونَ﴾ وهناك ﴿مُّهْتَدُونَ﴾ تفنناً لأن معناهما واحد ﴿قال أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بأهدى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ﴾ ؟ أي قال كل نبيٍّ لقومه حين أنذرهم عذاب الله: أتقتدون بآبائكم ولو جئتكم بدينٍ أهدى وأرشد مما كانوا عليه؟ ﴿قالوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ أي قالوا إنا كافرون بكل ما أُرسلتم به من التوحيد والإِيمان والبعث والنشور ﴿فانتقمنا مِنْهُمْ فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين﴾ أي فانتقمنا من الأمم المكذبة بأنواع العذاب فانظر كيف صار حالهم ومآلهم!!
143
المنَاسَبَة: لما حكى عن المشركين تقليدهم الأعمى للآباء، ذكر هنا إمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام، الذي يفتخر به العرب وينتسبون إليه، وتبرءه من قومه ومن عبادة الأوثان، للمقارنة بين الهدى والضلال، وبين منطق العقل السديد، ومنطق الهوى والتقليد.
اللغَة: ﴿بَرَآءٌ﴾ مصدر بمعنى بريء أي متبرىء يقال: تبرأتُ من الأمر أي تخليت منه بالكلية ﴿عَقِبِهِ﴾ ذريته ونسله قال ابن شهاب: العقب: الولدُ وولد الولد ﴿سُخْرِيّاً﴾ أي مسخراً في العمل مستخدماً فيه ﴿مَعَارِجَ﴾ مصاعد ومراقي جمع مِعْراج وهو ما يصعد عليه الإِنسان كالدرج ونحوه ﴿يَظْهَرُونَ﴾ يرتقون ويصعدون ﴿زُخْرُف﴾ زينة من ذهب وفضة وغيرهما ﴿يَعْشُ﴾ يُعرض وأصله من عشيَ البصرُ إذا ضعف قال الخليل: العشو هو النظر ببصر ضعيف.
التفسِير: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾ أي واذكر يا محمد حين قال إبراهيم الخليل لأبيه وقومه المشركين إنني بريءٌ من هذا الأوثان التي تعبدونها من دون الله ﴿إِلاَّ الذي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ أي لكنْ ربي الذي خلقني وأنشأني من العدم فإِنه يرشدني إلى الدين الحق، ويهديني إلى طريق السعادة ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ أي وجعل إبراهيم هذه الكلمة كلمة التوحيد باقيةً في ذريته فلا يزال فيهم من يوحِّد الله ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي رجاء أن يرجع إلى الإِيمان من الشرك منهم من قال مجاهد: «وجعلها كلمة» يعني «لا إله إلا الله» لا يزال في ذريته من يقولها إلى ايوم الدين ﴿بَلْ مَتَّعْتُ هؤلاء وَآبَآءَهُمْ﴾ أي بل متعتُ أهل مكة وآبائهم وهم من عقب إبراهيم بالإِمداد في العمر والنعمة، فاغتروا بالمهلة واشتغلوا بالتنعم واتباع الشهوات عن كلمة التوحيد ﴿حَتَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َmp;
١٦٤٨ - ; جَآءَهُمُ الحق وَرَسُولٌ مُّبِينٌ﴾
أي حتى جاءهم القرآن ورسولٌ ظاهر الرسالة، مؤيدٌ بالمعجزات الباهرة من عند الله قال الإِمام الفخر: وجه نظم الآية أنهم لما عوَّلوا على تقليد الآباء، ولم يتفكروا في الحجة، اغتروا بطول الإِمهال وإِمتاع الله إياهم بنعيم الدنيا فأعرضوا عن الحق ﴿وَلَمَّا جَآءَهُمُ الحق قَالُواْ هذا سِحْرٌ﴾ أي ولمَّا جاءهم القرآن لينبههم من غفلتهم، ويرشدهم إلى التوحيد، ازدادوا
144
عتواً وضلالاً فقالوا عن القرآن إنه سحر ﴿وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾ أي ونحن كافرون به، لا نصدّق أنه كلام الله قال أبو السعود: سمَّوا القرآن سحراً وكفروا به واستحقروا الرسول عليه السلام، فضمُّوا إلى كفرهم السابق معاندة الحق والاستهانة به ﴿وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ﴾ أي وقال المشركون: هلاَّ أُنزل هذا القرآن على رجل عظيم كبير في مكة أو الطائف!! قال المفسريون: يعنون «الوليد بن المغيرة» في مكة أو «عُروة بن مسعود الثقفي» في الطائف.
. استبعدت قريش نزول القرآن على محمد وهو فقير يتيم، واقترحوا أن ينزل على أحد الرؤساس والعظماء، ظناً منهم أن العظيم هو الذي يكون له مال وجاه، وفاتهم أن العظيم هو الذي يكون عند الله عظيماً، وهم يعتبرون مقياس العظمة: الجاه والمال، وهذا رأي الجاهلين في كل زمانٍ ومكان، أما مقياسُ العظمة الحقيقة عند الله تعالى وعند العقلاء، فإنما هو عظمة النفس، وسُموُّ الروح، ومَنْ أعظمُ نفساً وأسمى روحاً من محمد بان عبد الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ! ﴿ولهذا ردَّ تبارك وتعالى عليهم بقوله {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ ؟ أي أهم يمنحون النبة ويخصَّون بها من شاءوا من العباد، حتى يقترحوا أن تكون لفلان الغني، أو فلانٍ الكبير من الناس؟ ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َmp;
١٦٤٩ - ; لْحَيَاةِ الدنيا﴾
أي نحن بحكمتنا جعلنا هذا غنياً وهذا فقيراً، وفاوتنا بينهم في الأموال والأرزاق، وإِذا كان أمر المعيشة وهو تافه حقير لم نتركه لهم بل تولينا قسمته بأنفسنا، فكيف نترك أمر النبوة وهو عظيم وخطير لأهوائهم ومشتهياتهم} ! قال في التسهيل: كما قسمنا المعايش في الدنيا كذلك قسمنا المواهب الدينية، وإِذا كنا لم نهمل الحظوظ الحقيرة الفانية، فأولى وأحرى ألا نُهمل الحظوظ الشريفة الباقية ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ أي فضلنا بين الخلق في الرزق والعيش، وجعلناهم مراتب: هذا غني، وهذا فقير، وها متوسط الحال ﴿لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً﴾ أي ليكون كلٌ منهم مسخراً للآخر، ويخدم بعضهم بعضاً، لينتظم أمر الحياة قال الصاوي: إن القصد من جعل الناس متفاوتين في الرزق، لينتفع بعضهم ببعض، ولو كانوا سواءً في جميع الأحوال لم يخدم أحدٌ أحداً، فيفضي إلى خراب العالم وفساد نظامه وقال أبو حيانن: وقوله تعالى: ﴿سُخْرِيّاً﴾ بضم السين من التسخير بمعنى الاستخدام، لا من السخرية بمعنى الهزء، والحكمة هي أن يترفق بعضهم ببعضٍ، ويصلوا إلى منافعهم، ولو تولَّى كل واحدٍ جميع أشغاله بنفسه ما أطاق ذلك، وضاع وهلك، وفي قوله ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا﴾ تزهيدٌ في الإِكباب على طلب الدنيا، وعونٌ على التوكل على الله، وقال قتادة: تلقى ضعيف القوة، قليل الحيلة، عييَّ اللسان وهو موسَّع عليه في الرزق، وتلقى شديد الحيلة، بسيط اللسان وهو مقتَّر عليه في الرزق، وقال الشافعي:
ومن الدليل على القضاء وكونِه بؤسُ اللبيب وطيبُ عيشِ الأحمق
﴿وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ أي وإِنعامه تعالى عليك بالنبوة خيرٌ مما يجمع الناسُ من حطام الدنيا الفاني، ثم بيَّن تعالى حقارة الدنيا ودناءة قدرها عند الله فقال {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً
145
وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ} أي ولولا أن يرغب الناسُ في الكفر إذا رأوا الكافر في سعة من الرزق، ويصيروا أمةً واحدة في الكفر، لخصصنا هذه الدنيا بالكفار، وجعلنا لهم القصور الشاهقة المزخرفة بأنواع الزينة والنقوش، سقفها من الفضة الخالصة ﴿وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ أي وجعلنا لهم مصاعدَ وسلالم من فضة عليها يرتقون ويصعدون ﴿وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً﴾ أي ولبيوتهم أبواباً من قضة وسرراً من فضة، زيادةً في الرفاهية والنعيم ﴿عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ﴾ أي على تلك الأسرَّة الفضيَّة يتكئون ويجلسون ﴿وَزُخْرُفاً﴾ أي وجعلنا لهم زينةً من ستور ونمارق ونقوش وقال ابن عباس: ﴿زُخْرُفاً﴾ ذهباً أي جعلنا لهم سقفاً وأبواباً وسرراً من فضة وذهب ﴿وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الحياة الدنيا﴾ أي وما كل ذلك النعيم العاجل الذي نعطيه للكفار، إلاّ شيء يُتمتع به في الحياة الدنيا الزائلة الحقيرة ﴿والآخرة عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ أي والجنةُ وما فيها من أنواع الملاذ والنعم التي يقصر عنها البيان، هي خاصة بالمتقين لا يشاركهم فيها أحد قال المفسرون: والآياتُ سِيقتْ لبيان حقارة الدنيا وقلة شأنها، وأنها من الهوان بحيث لولا الفتنة لخصَّ بها الكفارين، فجل بيوت الكفرة ودرجها وسقوفها من ذهب وفضة، وأعطى الكافر كل ذلك النعيم في الدنيا لعدم حظه في الآخرة، ولكنه تعالى رحيم بالعباد فلذلك أغنى بعض الكفار وأفقر بعضهم، وأغنى بعض المؤمنين وأفقر بعضهم وفي الحديث
«لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها جرعة ماء» قال الزمخشري: فإِن قلت: فحين لم يوسّع على الكفارين للفتنة التي كان يؤدي إليها التوسعة عليهم، من إطباق الناس على الكفر لحبهم الدنيا وتهالكهم عليها، فهلاَّ وسَّع على المسلمين ليطبق الناس على الإِسلام؟ قلتُ التوسعةُ عليهم مفسدة أيضاً لما تؤدي إليها من دخول الناس في الإِسلام لأَجل الدنيا وذلك من دين المنافقين، فكانت الحكمة فيما دبَّر، حيث جعل الفريقين أغنياء وفقراء، وغلَّب الفقر على الغنى ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ا ; لرحمن﴾ أي ومن يعرض ويتعام ويتغافل عن القرآن وعبادة الرحمن ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً﴾ أي نهيء ونيسّر له شيطاناً لا ينفك عن الوسوسة له والإِغواء كقوله تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين تَؤُزُّهُمْ أَزّاً﴾ [مريم: ٨٣] ﴿فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ فهو له ملازم ومصاحب له لا يفارقه ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السبيل﴾ أي وإن الشياطين ليصدون هؤلاء الكفار الضالين عن طريق الهدى ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ﴾ أي ويحسب الكفار أنهم على نور وبصيرة وهدايةٍ من أمرهم ﴿حتى إِذَا جَآءَنَا﴾ أي حتى إذا جاء الكافر مع قرينه وقد ربط بلسلسةٍ واحدة ﴿قَالَ ياليت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين﴾ أي قال الكافر لقرينه: يا ليت بيني وبينك مثل ما بين المشرق والمغرب قال الطبري: وهذا من التغليب كما يقال: القمران، والعمران، والأبوان، فغلَّب ههنا المشرق عل المغرب ﴿فَبِئْسَ القرين﴾ أي فبئس الصاحب أنت لأنك كنت سبباً في شقائي بتزينك الباطل لي قال أبو سعيد الخدري: إذا بُعث الكافر زُوّد بقرينه من الشياطين، فلا يفارقه حتى
146
يصير به إلى النار ﴿وَلَن يَنفَعَكُمُ اليوم إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ﴾ أي ولن ينفعكم ويفيدكم اشتراككم في العذاب، ولن يخفف ذلك عنكم شيئاً بسبب ظلمكم، فإِن لكل واحد نصيبه الأوفر منه قال في التسهيل: المراد أنه لا ينفعهم اشتراكهم في العذاب، ولا يجدون راحة التأسي التي يجدها المكروب في الدنيا إذا رأى غيره قد أصابه مثل ما أصابه لأن المصيبة إذا عمَّت هانت، فدفع تعالى ذلك التوهم بأن اشتراكهم في العذاب، لا يخفِّف عنهم البلاء ﴿أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم أَوْ تَهْدِي العمي وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ أي فأنت يا محمد تقدر أن تسمع هؤلاء الكفار الذين هم كالصُّم والعُمي، ومن كان في ضلالٍ واضح؟ ليس لك ذلك فلا يَضِقْ صدرك إن كفروا قال المفسرون: والآية تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقد كان يجتهد في دعائهم إلى الإِيمان، ولا يزدادون إلاَّ تعامياً عن الحق وطغياناً وضلالاً ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ﴾ أي إن عجلنا وفاتك قبل الانتقام منهم، فإِنا سننتقم منهم بعد وفاتك ﴿أَوْ نُرِيَنَّكَ الذي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ﴾ أي أو نرينَّك يا محد العذاب الذي وعدناهم به في حياتك فإِنا قادرون عليهم فهم في قبضتنا لا يفوتوننا قال ابن عباس: قد أراه الله ذلك يوم بدر وقال ابن كثير: المعنى لا بدَّ أن ننتقم منهم ونعاقبهم في حياتك أو بعد وفاتك، ولم يقبض الله تعالى رسوله حتى أقرَّ عينه من أعدائه، وحكَّمه في نواصيهم ﴿فاستمسك بالذي أُوحِيَ إِلَيْكَ﴾ أي فتمسكْ يا محمد بالقرآن الذي أوحيناه لك ﴿إِنَّكَ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ أي فإِنك على الحق الواضح والطريق المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ أي وإِن هذا القرآن لشرفٌ عظيم لك ولقومك من قريش، إذ أُنزل بلغتهم وعلى رجلٍ منهم وسوف تسألون عن شكر هذه النعمة قال في التسهيل: والذكرُ هنا بمعنى الشرف، وقومُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هم قريشٌ وسائر العرب، فإِنهم نالوا بالإِسلام شرف الدنيا والآخرة، ويكفيك أن فتحوا مشارق الدنيا ومغاربها وصارت فيهم الخلافة والملك، وهذا القرآن شرفٌ لكل من تبعه، وهذه الآية نظير قوله تعالى
﴿لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠] ؟ ﴿وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ﴾ هذا على سبيل الفرض، وفي الكلام محذوف أي إن كنت يا محمد شاكاً في أمر التوحيد فسلْ من سبقك من الرسل ﴿أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ ؟ أي هل هناك أحدٌ من الرسل دعا لعبادة غير الله؟ ولاآية كقوله تعالى ﴿فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءُونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ﴾ [يونس: ٩٤] قال أبو السعود: والمراد بالآية الاستشهاد بإِجماع الأنبياء على التوحيد، والتنبيه على أنه ليس ببدع ابتدعه حتى يُكذَّب ويُعادى وقال أبو حيان: ويظهر أن الخطاب للسامع، والسؤال هنا مجاز عن النظر في أديان الأنبياء، هل جاءت عبادة الأوثان في ملةٍ من مللهم؟ وهذا كما يساءل الشعراء الديار والأطلال، ومنه قولهم: سل الأرض من شقَّ أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك؟ فإِنها إن لم تجبك حواراً أجابتك اعتباراً، وهذا كله من باب المجاز.
147
المنَاسَبَة: لما طغت قريش على الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في أمر النبوة، بسبب أنه فقيرٌ عديم المال والجاه، واختاروا أن يتنزَّل القرآن على رجلٍ كثير المال عظيم الجاه، ذكر تعالى قصة «موسى مع فرعون» ليشير إلى أن المنطق العناد والطغيان واحد، فقد سبقهم فرعون إلى التجبر بماله وسلطانه، وفرضَ قبول دعوة الحق بحجة أنه أكثر مالاً وجاهاً من موسى، فردت الآيات الكريمة هذه الشبهة السقيمة بالحجة والبرهان.
اللغَة: ﴿يَنكُثُونَ﴾ نكث العهد: نقضه ﴿مَهِينٌ﴾ حقير لا قدر له ولا مكانة ﴿آسَفُونَا﴾ أغضبونا وغاضونا ﴿سَلَفاً﴾ قُدْوة ﴿يَصِدُّونَ﴾ بكسر الصاد بمعنى يضجّون ويصيحون، وبضمها بمعنى الإِعراض ومنع الناس عن الإِيمان قال الجوهري: صدَّ يصُدُّ صديداً أي ضجَّ، وقيل إنه بالضم من الصدود وهو الإِعراض، وبالكسر من الضجيج، وقال الفراء: هما سواء ﴿تَمْتَرُنَّ﴾ الامتراء: الشك، امترى في الأمر شكَّ فيه، والمريةُ: الشكُ.
سَبَبُ النّزول: عن مجاهد قال: إن قريشاً قالت إن محمداً يريد أن نعبده كما عبد النصارى عيسى ابن مريم فأنزل الله ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾.
التفسِير: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَآ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ أي واللهِ لقد أرسلنا موسى بالمعجزات الباهرة الدالة على صدقه إلى فرعون وقومه الأقباط ﴿فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ العالمين﴾ أي
148
فقال له موسى: إني رسول الله إليك، أرسلني لأدعنك وقومك إلى عبادة الله وحده ﴿فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ﴾ أي فلما جاءهم بتلك الآيات الباهرة الدالة على رسالته ضحكوا سخريةً واستهزاءً به قال القرطبي: إِنما ضحكوا منها ليوهموا أتباعهم أن تلك الآياتِ سحرٌ، وأنهم قادرون عليها، قال تعالى ﴿وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا﴾ أي وما نريهم آية من آيات العذاب كالطوفان، والجراد، والقُمَّل إلا وهي في غاية الكبر والظهور، بحيث تكون أوضح من سابقتها قال الصاوي: والمعنى إلا وهي بالغة الغاية في الإِعجاز، بحيث يظن الناظر إليها أنها أكبر من غيرها ﴿وَأَخَذْنَاهُم بالعذاب لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي عاقبناهم بأنواع العذاب الشديد، لعلهم يرجعون عما هوعليه من الكفر والتكذيب ﴿وَقَالُواْ ياأيه الساحر ادع لَنَا رَبَّكَ﴾ أي وقالوا لما عاينوا العذاب ياأيها الساحرُ ادع لنا ربك ليكشف عنا هذا البلاء والعذاب ﴿بِمَا عَهِدَ عِندَكَ﴾ أي بالعهد الذي أعطاك إياه من استجابة دعائك ﴿إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ﴾ أي لنؤمِنن بك إن كشف عنا العذاب بدعائك قال المفسرون: ليس قولهم ﴿ياأيه الساحر﴾ على سبيل الانتقاص، وإنما هو تعظيم في زعمهم، لأن السحر كان عِلم زمانهم، ولم يكن مذموماً، فنادوه بذلك على سبيل التعظيم قال ابن عباس: معناه يا أيها العالم، وكان الساحر فيهم عظيماً يوقرونه ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ العذاب إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾ أي فلما رفعنا عنهم العذاب بدعوة موسى، إذا هم ينقضون العهد ويصرون على الكفر والعصيان ﴿ونادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ﴾ أي نادى فرعون رؤساء القبط وعظماءهم، لما رأى الآيات الباهرة من موسى وخاف أن يؤمنوا ﴿قَالَ ياقوم أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهار تَجْرِي مِن تحتي﴾ ؟ أي قال مفتخراً متبجحاً: أليست بلادُ مصرَ الواسعة الشاسعة ملكاً لي؟ وهذه الخُلجان والأنهار المتفرعمة من نهر النيل تجري من تحتي قصوري؟ قال القرطبي: ومعظمها أربعة: نهر الملك، ونهر طولون، ونهر دمياط، ونهر تينس وكلها من النيل وقال قتادة: كانت جنانها وأنهارها تجري من تحت قصره ﴿أَفَلاَ تُبْصِرُونَ﴾ ؟ أفلا تبصرون عظمتي وسعة ملكي، وقلة موسى وذلته؟ ﴿أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هذا الذي هُوَ مَهِينٌ﴾ أي بل أنا خيرٌ من هذا الضعيف الحقير الذي لا عزَّ له ولا جاه ولا سلطان، فهو يمتهن نفسه في حاجاته لحقارته وضعفه؟ يعني بذلك موسى عليه السلام ﴿وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ﴾ أي لا يكاد يفصح عن كلامه، ويوضّح مقصوده، فكيف يصلح للرسالة؟ قال أبو السعود: قال فرعون ذلك افتراءً على موسى، وتنقيصاً له عليه السلام في أعين الناس، باعتبار ما كان في لسانه من عُقدة، ولكنَّ الله أذهبها عنه بدعائه
﴿واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُواْ قَوْلِي﴾ [طه: ٢٧٢٨] ﴿فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ﴾ أي فهلاَّ ألقى الله إليه أسورةً من ذهب كرامةً له ودلالة على نبوَّتاه! ﴿قال مجاهد: كانوا إذا أرادوا أن يجعلوا رجلاً رئيساً عليهم سّوروه بسوارين وطوقوه بطوق من ذهبٍ علامة لسيادته {أَوْ جَآءَ مَعَهُ الملائكة مُقْتَرِنِينَ﴾ أي أو جاءت معه الملائكةُ يكتنفونه خدمةً له وشهادة بصدقه قال أبو حيان: لما
149
وصف فرعون نفسه بالعزة والمُلك، ووان بينه وبين موسى عليه السلام، ووصفه بالضعف وقلة الأعوان، اعترض فقال: إن كان صادقاً فهلاَّ ملَّكه ربُه وسوَّره وجعل الملائكة أنصاره} ! ﴿فاستخف قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ﴾ أي فاستخفَّ بعقول قومه واستجهلهم لخفة أحلامهم، فأطاعوه فيما دعاهم إليه من الضلالة ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾ لأي إنما أجابوه لفسقهم وخروجهم عن طاعة الله ﴿فَلَمَّآ آسَفُونَا انتقمنا مِنْهُمْ﴾ أي فلما أغضبونا وغاظونا انتقمنا منهم بأشد أنواع العقاب ﴿فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي فأغرقنا فرعون وقومه في البحر أجمعين فلم نبق منهم أحداً قال المفسرون: اغتر فرعنن بالعظمة والسلطان والأنهار التي تجري من تحته، فأهلكه الله بجنس ما تكبر به هو وقومه وذلك بالغرق بماء البحر، وفيه إشارة إلى أن من تعزَّز بشيء أهلكه الله به ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ﴾ أي جعلنا قوم فرعون قُدوةً لمن يعدهم من الكفار في استحقاق العذاب والدمار، ومثلاً يعتبرون به لئلا يصيبهم مثل ذلك قال مجاهد: سلفاً لكفار قريش يتقدمونهم إلى النار، وعظة وعبرةً لمن يأتي بعدهم ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾ أي ولمَّا ذُكر عيسى بن مريم في القرآن وضُرب المثلُ بالآلهة التي عُبدت من دون الله إذا مشركو قريش يضجون وترتفع أصواتُهم بالصياح قال المفسرون:
«لما قرأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] قال ابن الزبعرى: أهذا لنا أم لجميع الأمم؟ فقال عليه السلام: هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم فقال: قد خصمتك وربِّ الكعبة؟ أليست النصارى يعبدون المسيح، واليهود يعبدون عزيراً؟ وبنو فلان يعبدون الملائكة!! فإِن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم، فسكت عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ انتظاراً للوحي، فظنوا أنه أُلزم الحجة فضحك المشركون وضجوا وارتفعت أصواتهم فأنزل الله ﴿إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠١] » قال القرطبي: ولو تأمل ابن الزبعرى الآية ما اعترض عليها، لأنه تعالى قال ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ ولم يقل «ومنْ تعبدون» وإِنما أراد الأصنام ونحوها مما لايعقل، ولم يرد المسيح ولا الملائكة وإِن كانوا معبودين ﴿وقالوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ﴾ أي أآلهتنا خيرٌ أم عيسى؟ فإِن كان عيسى في النار فلتكنْ آلهتنا معه ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً﴾ أي ما قالوا هذا القول لك إلاَّ على وجه الجدل والمكابرة لا لطلب الحقِّ ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ أي بل هم قوم شديدو الخصومة واللجاج بالباطل قال في التسهيل: أي ما ضربوا لك هذا المثال إلا على وجه الجدل، وهو أن يقصد الإِنسان أن يغلب من يناظره، سواء غلبه بحقٍ أو بباطل، فإِن ابن الزبعرى وأمثاله ممن لا يخفى عليه أن عيسى لم يدخل في قوله تعالى ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ ولكنهم أرادوا المغالطة فوصفهم الله بأنهم قوم خَصِمون ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ أي ما عيسى إالا عبد كسائر العبيد أنعمنا عليه بالنبوة وشرفناه بالرسالة، وليس هو إلهاً ولا ابن إله كما زعم النصارى ﴿إِوَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لبني إِسْرَائِيلَ﴾ أي
150
وجعلناه آيةً وعبرةً لبني إسرائيل، يستدلون بها على قدرة الله تعالى، حيث خُلق من أمٍ بلا أب قال الرازي: أي صيرناه عبرةً عجيبة كالمثل السائر حيث خلقناه من غير أب كما خلقنا آدم ﴿وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي الأرض يَخْلُفُونَ﴾ أي ولو أردنا لجعلنا بدلاً منكم ملائكةً يسكنون في الأرض يكونون خلفاً عنكم قال مجاهد: ملائكة يعمرون الأرض بدلاً منكم ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ﴾ أي وإِن عيسى علامة على قبل الساعة قال ابن عباس وقتادة: إن خروج عيسى عليه السلام من أعلام الساعة لأن الله ينزله من السماء قبيل قيام الساعة، ﴿فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا﴾ أي فلا تشكُّوا في أمر الساعة فإنها آتية لا محالة وفي الحديث
«يوشك أن ينزل فيكم عيسى بن مريم حكماً مقسطاً... » الحديث ﴿واتبعون هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ أي وقل لهم يا محمد: ابتعوا هُداي وشرعي، فإِن هذا الذي أدعوكم إليه دينٌ قيّم وطريق مستقيم ﴿وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ أي لا تغتروا بوساوس الشيطان، واحذروا أن يصدكم عن اتباع الحق، فإِنه لكم عدوٌ ظاهر العداوة، حيث أخرج أباكم من الجنة، ونزع عنه لباس النور ﴿وَلَمَّا جَآءَ عيسى بالبينات قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة﴾ أي ولما جاء عيسى بالمعجزات وبالشرائع البينات الواضحات، قال قد جئتكم بما تقتضيه الحكمة الإلهية من الشرائع ﴿وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ أيوجئتكم لأبين لكم ما اختلفتم فيه من أمور الدين قال ابن جزي: وإِنما قال ﴿بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ دون الكل، لأن الأنبياء إِنما يبيّنون أمور الدين لا أمور الدنيا وقال الطبري: يعني من الأمور الدينية لا الدنيوية ﴿فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ﴾ أي فاتقوا اللهَ بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأطيعوا أمري فيما أبلغه إليكم من التكاليف ﴿إِنَّ الله هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه﴾ أي إن الله جلا وعلا هو الربُ المعبود لا ربَّ سواه فأخلصوا له الطاعة والعبادة قال ابن كثير: أي أنا وأنتم عبيد له، فقراء إليه، مشتركون في عبادته وحده ﴿هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ أي هذا التوحيد والتعبد بالشرائع، طريق مستقيم موصلٌ إلى جنات النعيم.
151
المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى أمر عيسى ودعوته إلى الدين الحق، أتبعه بذكر ضلال أهل الكتاب حيث تفرقوا شيعاً وأحزاباً في شأنه، فقد بعضهم إنه إله، وقال بعضهم إنه ابن الإِله، وقال آخرون إنه ثالث ثلاثة، ثم ذكر تعالى أحوال القيامة وأهوالها، وختم السورة الكريمة ببيان صفات المعبود الحق، الواحد الأحد جلاَّ وعلا.
اللغَة: ﴿الأخلاء﴾ جمع خليل وهو الصديق الحميم ﴿تُحْبَرُونَ﴾ تُسرون وتفرحون، والحبورُ: السرور والفرح ﴿أَكْوَابٍ﴾ جمع كوب وهو القدح الذي لا عروة له ﴿مُبْلِسُونَ﴾ آيسون من الرحمة، وحزينون من شدة اليأس ﴿أبرموا﴾ أحكموا الشيء يقال: أبرم القوم أمرهم أحكموه، والإِبرام، الإِحكام ﴿يُؤْفَكُونَ﴾ يُقلبون ويُصرفون، أَفكه أفْكاً أي قلبه وصرفه عن الشيء.
سَبَبُ النّزول: عن مقاتل قال: مكر المشركون بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في دار الندورة، وتآمروا على قتله حين استقر أمرهم على ما أشار به أبو جهل عليهم، وهو أن يبرز من كل قبيلة رجل ليشتركوا في قتله وتضعف المطالبة بدمه فنزلت: ﴿أَمْ أبرموا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ﴾.
التفسِير: ﴿فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ﴾ أي اختلفت فرق النصارى في شأن عيسى وصاروا شيعاً وأحزاباً فيه قال ابن كثير: صاروا شيعاً فيه، منهم من يُقرُّ بأنه عبدُ الله ورسولُه وهو الحقُّ، ومنهم من يدّعي أنه ولد الله، ومنهم من يقول إنه الله، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ أي فهلاكٌ ودمارٌ لهؤلاء الكفرة الظالمين من عذاب يومٍ مؤلم وهو يوم القيامة ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾ أي هل ينتظر هؤلاء المشركون المكذبون إلا إتيانَ الساعة ومجيئها فجأةً ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أي وهم غافلون عنها مشتغلون بأمور الدنيا، وحينئذٍ يندمون حيث لا ينفعهم الندم، ثم ذكر تعالى أحوال القيامة فقال {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ
152
إِلاَّ المتقين} أي الأصدقاء والأحباب يوم القيامة يصبحون أعداء "لاَّ من كانت صداقته ومحبته لله قال ابن كثير: كلُّ خلةٍ وصداقة لغير الله، فإِنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله عَزَّ وَجَلَّ فإِنه دائم بدوامه قال ابن عباس: صارت كل خلَّةٍ عداوةً يوم القيامة إلا المتقين تشريفاً وتطييباً لقلوبهم فيقول: ﴿ياعباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ يا عباد الله المؤمنين الذين تحققتم في العبودية لرب العالمين، لا خوفٌ عليكم في هذا اليوم العصيب، ولا أنتم تحزنون على ما فاتكم من الدنيا، ثم وضَّحهم بقوله ﴿الذين آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ﴾ أي هم الذين صدَّقوا بالقرآن، واستسلموا لحكم الله وأمره، وانقادوا لطاعته ﴿ادخلوا الجنة أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ﴾ أي يقال لهم: أدخلوا الجنة أنتم ونساؤكم المؤمنات، تُنعَّمون فيها وتُسرُّون سرورا يظهر أثره على وجوهكم ﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ﴾ أي يُطاف على أهل الجنة بأوانٍ من الذهب فيها طعام، وأقداحٍ من ذهب فيها الشراب قال المفسرون: آنية أهل الجنة التي يأكلون فيها الطعام، والكئوس التي يشربون فيها الشراب كلُّها من ذهب وفضة كما قال تعالى
﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ﴾ [الإنسان: ١٥] وفي الحديث «لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها في الدنيا ولكم في الآخرة» ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس وَتَلَذُّ الأعين أي وفي الجنة كل ما تشتهيه النفوس من أنواع اللذائذ والمشتهيات، وتُسرُّ به الأعين من فنون المناظر الجميلة، والمشاهد اللطيفة {وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي وأنتم في الجنة باقون دائمون، لا تخرجون منها أبداً قال أبو السعود: وهذا إتمامٌ للنعمة وإِكمال للسرور، فإِنَّ كل نعيمٍ زائلٍ موجبٌ لخوف الزوال.. لمَّا ذكر الجنة وأنها موضع الحبور، ذكر ما فيها من النعم، فذكر أولاً المطاعم، ثم ذكر المشارب، ثم بعد ذلك التفصيل ذكر بياناً كلياً بقوله ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس وَتَلَذُّ الأعين﴾ ثم ذكر تمام النعمة بالخلود في دار النعيم، وهذا حصرٌ لأنواع النعم، لأنها إمّا مشتهاة في القلوب، أو مستلذةٌ في العيون ﴿وَتِلْكَ الجنة التي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي وتلك الجنة الموصوفة بتلك الأوصاف الجليلة أُعطيتموها بسبب أعمالكم الصالحة التي قدمتموها في الدنيا قال ابن كثير: أي أعمالكم الصالحة كانت سبباً لشمول رحمة الله إياكم، فإنه لا يدخل أحد الجنة بعمله، ولكنْ برحمة الله وفضله، وإِنما الدرجاتُ يُنال تفاوتها بحسب الأعمال الصالحات وفي الحديث «مامن أحدٍ إلاّ وله منزلٌ في الجنة ومنزلٌ في النار، الكافر يرث المؤمن منزله في النار، والمؤمن يرثُ الكافر منزله في الجنة، وذلك قوله تعالى ﴿وَتِلْكَ الجنة التي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ﴿لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ أي لكم في الجنة من أنواع الفواكة والثمار الشيء الكثير سوى الطعام والشراب من هذه الفواكة تأكلون تفكهاً وتلذذاًَ قال المفسرون: يأكل أهل الجنة من بعض الثمار، وأما الباقي فعلى الأشجار على الدوام، لا
153
ترى فيها شجرةٌ تخلو عن ثمرها لحظة، فهي مزنيةٌ بالثمار أبداً، لأن كل ما يؤكل يخلف بدله وفي الحديث» لا ينزع رجلٌ في الجنة من ثمرها إلا نبت مثلاها مكانها «. ولما ذكر حال السعداء الأبرار أعقبه بذكر حال الأشقياء الفجار فقال ﴿إِنَّ المجرمين فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴾ أي إن الكافرين الراسخين في الإِجرام في العذاب الشديد في جهنم دائمون فيها أبداً قال الصاوي: والمراد بالمجرمين الكفار لأنهم ذكروا في مقابلة المؤمنين ﴿لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ﴾ أي لا يخفَّف عنه العذاب لحظة ﴿وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ أي وهم في ذلك العذاب يائسون من كل خير ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين﴾ أي وما ظلمناهم بعقابنا لهم، ولكنْ كانوا هم الظالمين لتعريضهم أنفسهم للعذاب الخالد ﴿وَنَادَوْاْ يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ أي ونادى الكفار مالكاً خازن النار قائلين: ليمتْنا اللهُ حتى نستريحمن العذاب قال ابنك ثير: أي ليقبضْ أرواحنا فيريحنا مما نحن فيه قال ابن عباس: فلم يجبهم إلا بعد ألف سنة ﴿قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ﴾ أي أجابهم إنكم مقيمون في العذاب أبداً، لا خلاص لكم منه بموتٍ ولا بغيره ﴿لَقَدْ جِئْنَاكُم بالحق ولكن أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ خطاب توبيخ وتقريع أي لقد جئناكم أيها الكفار بالحق الساطع المبين، ولكنكم كنتم كارهين لدين الله مشمئزين منه لكونه مخالفاً لأهوائكم وشهواتكم قال الرازي: هذا كالعلة لما ذُكر والمرادُ نفرتهم عن محمد وعن القرآن، وشدة بُغضْهم لقبول الدين الحق ﴿أَمْ أبرموا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ﴾ الكلام عن كفار قريش أي أم أحكم هؤلاء المشركون أمراً في كيد محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فإِنا محكمون أمرنا في نصرته وحمايته، وإهلاكهم وتدميرهم قال مقاتل: نزلت في تدبيرهم المكر بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في دار الندوة ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم﴾ أي أم يظنون أنَّا لا نسمع ما حدَّثوا به أنفسهم، وما تكلموا به فيما بينهم بطريق التناجي قال في التسهيل: السرُّ ما يحدث به الإِنسان نفسه أو غيره في خفية، والنجوى ما تكلموا به بينهم ﴿بلى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ أي لى إنا نسمع سرَّهم وعلانيتهم، وملائكتنا الحفظة يكتبون عليهم أعمالهم، روي أنها نزلت في» الأخنس بن شُريق «و» الأسود بن عبد يغوث «اجتمعنا فقال الأخنس: أترى الله يسمع سرَّنا!! فقال الآخر: يسمع نجوانا ولا يسمع سرنا ﴿قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين: لو فُرض أنَّ لله ولداً لكنت أنا أول من يعبد ذلك الولد، ولكنه جلا وعلا منزَّه عن الزوجة والولد قال القرطبي: وهذا كما تقول لمن تناظره: إن ثبتَ ما قلت بالدليل فأنا أول من يعتقده، وهذا مبالغةٌ في الاستبعاد، وترقيقٌ في الكلام وقال الطبري: هو ملاطفةٌ في الخطاب وقال البيضاوي: ولا يلزم من هذا الكلام صحة وجود الولد وعبادته له، بل المراد نفيهما على أبلغ الوجوه، وإِنكاره للولد ليس للعناد والمراء، بل لو كان لكان أولى الناس بالاعتراف به، فإن النبي يكون أعلم بالله وبما يصح له وما لا يصح {سُبْحَانَ رَبِّ السماوات
154
والأرض رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ} أي تنزَّه وتقدَّس اللهُ العظيمُ الجليل، ربُّ السمواتِ والأرضِ، وربُّ العرشِ العظيم، عمَّا يصفه به الكافرون من نسبة الولد إليه ﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ﴾ أي اترك كفار مكة في جهلهم وضلالهم، يخوضوا في باطلهم ويلعبوا بدنياهم ﴿حتى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الذي يُوعَدُونَ﴾ أي إلى ذلك اليوم الرهيب الذي وُعدوه وهو يوم القيامة فسوف يعلمون حينئذٍ كيف يكون حالهم ومصيرهم ومآلهم ﴿وَهُوَ الذي فِي السمآء إله وَفِي الأرض إله﴾ أي هو جل وعلا معبودٌ في السماء ومعبود في الأرض، لأنه هو الإِله الحق، المستحق للعابدة في السماء والأرض قال في التسهيل: أي هو الإِله لأهل الأرض وأهل السماء وقال ابن كثير: أي هو إله من في السَّمء وإلهُ من في الأرض، يعبده أهلهما وكلُّهم خاضعون له أذلاء بين يديه ﴿وَهُوَ الحكيم العليم﴾ أي هو الحكيم في تدبير خلقه، العليمُ بمصالحهم، وهذا كالدليل على وحدانيته تعالى ﴿وَتَبَارَكَ الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ أي تمجَّد وتعظَّم الله الذي له مُلك السمواتِ والإرض وما بينهما من المخلوقات، من الإِنس والجن والملائكة، فهو الخالق والمالك والمتصرف في الكائنات بلا ممانعةٍ ولا مدافعة ﴿وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة﴾ أي وعنده وحده علم زمان قيام الساعة ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أي وإليه لا إلى غيره مرجع الخلائق للجزاء، فيجازي كلاً بعمله ﴿وَلاَ يَمْلِكُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشفاعة﴾ أي ولا يملك أحدٌ ممن يعبدونهم من دون الله أن يشفع عند الله لأحد، لأنه شفاعته إلا بإذنه ﴿إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق﴾ أي إلا لمن شهد بالحق، وآمن عن علم وبصيرة، فإنه تنفع شفاعته عند الله ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أي وهم يعلمون أن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه قال المفسرون: والمرادُ ب ﴿مَن شَهِدَ بالحق﴾ عيسى وعزير والملائكة، فإِنهم يشهدون بالحق والوحدانية للهِ، فهؤلاء تنفع شفاعتهم للمؤمنين وإِن كانوا قد عُبدوا من دون الله ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله﴾ أي ولئن سألت يا محمد كفار مكة من الذي خلقهم وأوجدهم؟ ليقولُنَّ اللهُ خلقنا، فهم يعترفون بأنه خالق ثم يعبدون غيره ممن لا يقدر على شيء ﴿فأنى يُؤْفَكُونَ﴾ أي فكيف ينصرفون عن عبادة الرحمن إلى عبادة الأوثان؟ فهم في غاية الجهل والسفاهة وسخافة العقول ﴿وَقِيلِهِ يارب إِنَّ هؤلاء قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾ أي وقول محمد في شكواه لربه يا ربِّ إن هؤلاء قوم معاندون جبارون لا يصدقون براستلي ولا بالقرآن قال قتادة: هذا قول نبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يشكو قومه إلى ربه عَزَّ وَجَلَّ ﴿فاصفح عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ﴾ أي فأعرض عنهم يا محمد وسامحهم ولا تقابلهم بمثل ما يقابلونك به قال الصاوي: وهو تباعدٌ وبترؤٌ منهم، وليس في الآية مشروعية السلام على الكفار وقال قتادة: أمر بالصفح عنهم ثم أُمر بقتالهم، فصار الصفح منسوخاً بالسيف ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ أي فسوف يعلمون عاقبة إجرامهم وتكذيبهم، وهو وعدٌ وتهديد للمشركين، وتسلية لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ -
155
التشبيه البليغ
﴿جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً﴾ [الزخرف: ١٠] أي كالمهد والفراش حذفت منه الأداة ووجه الشبه فأصبح بليغاً.
٢ - الاستعارة التبعية ﴿فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً﴾ [الزخرف: ١١] شبَّه الأرض قبل نزول المطر بالإِنسان الميت ثم أنشرها الله أي أحياها بالمطر ففيه استعارة تبعية.
٣ - التأكيد بإِنَّ واللام مع صيغة المبالغة ﴿إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ مُّبِينٌ﴾ [الزخرف: ١٥] لأن فعول وفعيل من صيغ المبالغة.
٤ - الأسولب التهكمي للتوبيخ والتقريع ﴿أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بالبنين﴾ [الزخرف: ١٦] ؟ وبين لفظ البنات والبنين طباقٌ.
٥ - المجار المرسل ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: ٢٨] المراد بالكملة الجملة التي قالها ﴿إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٦] ففي اللفظ مجاز.
٦ - الاستعارة ﴿أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم أَوْ تَهْدِي العمي﴾ [الزخرف: ٤٠] شبه الكفار بالصم والعمي بطريق الاستعارة التمثيلية.
٧ - جناس الاشتقاق ﴿أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ﴾ [الزخرف: ٤٥] لتغير الشكل وبعض الحروف بينهما.
٨ - حذف الإِيجاز ﴿بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ﴾ أي أكواب من ذهب وحذف لدلالة السابق عليه.
٩ - ذكر العام بعد الخاص ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس﴾ بعد قوله ﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ﴾ الآية.
١٠ - الطباق ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم﴾ لأن المراد سرَّهم وعلانيتهم.
١١ - السجع الرصين غير المتكلف مثل ﴿كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ [الزخرف: ١١] ﴿مِّنَ الفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ﴾ [الزخرف: ١٢] ﴿وَإِنَّآ إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ [الزخرف: ١٤] وغير ذللك وهو من المحسنات البديعية.
156
Icon