ﰡ
مكية، وآيها سبع عشرة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (١) انشقت (وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) تساقطت.(وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (٣) بعضها إلى بعض بإزالة البرزخ فتصير بحراً واحداً، ثم تنشق الأرض فتبقى مستوية (لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا).
(وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤) بعثت موتاها. والتاء زائدة للإلحاق مبالغة، مثله بحشر لفظاً ومعنى.
(عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥) ما قدمت من الأعمال الصالحة وما ضيعت، أو ما أخرت من سنة حسنة أو سيئة، أو ما قدمت في أول عمرها وما أخرت في آخره.
(يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) أيِّ شيءٍ جرَّأك على عصيانه. وذكر الكريم؛ للمبالغة في المنع عن الاغترار، وللإشارة إلى أن الباعث على ذلك إنما كان تسويل الشيطان بأن ربَّك كريم يعفو ويغفر. وقيل؛ إنما ذكر وصف الكريم من كرمه تلقيناً له
(الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) الذي أوجدك سويّاً، تامَّ الخلق، معتدل الأعضاء، فلا يد أطول من أختها، ولا عين أوسع من نظيرتها، وكذا ماثل بين سائر الأطراف. وقرأ الكوفيون: " عَدَلَكَ " مخففاً، من العدل وهو الميل فكالمشدد إلا ما فيه من المبالغة أو الصرف، أي: نحا بك عن خلق سائر الحيوانات، أو إلى شبه الأبوين، أو إلى الطول والقصر، أو الذُّكورة والأنوثة.
(فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (٨) أي: ركبّك في أيّ صورة اقتضتها مشيئته، فـ " ما " زائدة، و " أَيِّ " للصفة، ولمّا أريد التعميم حذف موصوفها، ويجوز تعليقها بـ (عَدَلَكَ) أي: عدلك في صورة وأيّ صورة. كقولك: مررت برجل أيِّ رجل، وحذف الموصوف؛ لزيادة التفخيم والتعجب، ثم قال (مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) أي: ركبّك ما شاء أي: تركيياً بديعاً.
(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (١٢) جملة حالية، أي: إنكم تكذبون بالجزاء، والحال أن شأنه أمر خطير، مع علمه الشامل قد وكّل بكم من يحفظ عليكم النقير والقطمير، وأثنى على الكتبة إشارة إلى عظم أمر الجزاء.
(إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) اللام للعهد. وهم الذين يكذبون بيوم الدين؛ لقوله: (هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ).
(يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (١٦) كقوله: (وَمَا همْ منهَا بمُخرَجِين) صريح في سرمدية العذاب، ثمّ فخّم شأن الجزاء بتفخيم يومه بقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٨) أبهم أمره، وخاطب أعلم الخلق بأنه لم يحط بكنه ذلك اليوم، وكرّر ذلك، وآثر " ثم " للتراخي رتبة؛ إشارة إلى أنه مهما ترقى في العلم لم يبلغ ذلك، ثم أجمل بقوله:
أيَوم لم يُقدر أم يَومَ قُدر... من أيِّ يِومَي زمنَ الموت أَفرّ...
* * *
تمت سورة انفطرت، والحمد لمن آلاؤه تواترت، والصلاة على من آياته بهرت، وآله وصحبه ما غابت النجوم أو لمعت.
* * *