ﰡ
وأيضاً فإِنهم لما قالوا على سبيل الاقتراح لولا أنزل عليه آية من ربه وقيل له:﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ﴾[الرعد: ٢٧] أنزل: ﴿ الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ﴾ كأنه قيل: أو لم يكفهم من الآيات كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات هي الضلال إلى النور وهو الهدى. كتاب خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا كتاب أنزلناه جملة في موضع الصفة لتخرج متعلق بأنزلناه وهي لام العلة من الظلمات متعلق بتخرج إلى النور متعلق بتخرج أيضاً.﴿ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ ﴾ بدل من قوله: إلى النور وأعيد معه حرف الجر وهو إلى كما تقول: مررت بزيد بأخيك وقرىء: الله بالجر على البدل أو عطف بيان وقرىء: بالرفع على أنه مبتدأ أو خبر مبتدأ أي هو الله. وويل مبتدأ خبره للكافرين ومن عذاب في موضع الصفة لويل ولا يضر الفصل بالخبر بين الصفة والموصوف ولا يجوز أن يكون متعلقاً بويل لأنه مصدر ولا يجوز الفصل بين المصدر وما يتعلق به الخبر ويظهر من كلام الزمخشري أنه ليس في موضع الصفة قال: فإِن قلت ما وجه اتصال قوله: من عذاب شديد، بالويل قلت: لأن المعنى أنهم يولون من عذاب شديد ويضجون منه ويقولون: يا ويلاه لقوله تعالى:﴿ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً ﴾[الفرقان: ١٣].
" انتهى ". فظاهره يدل على تقدير عامل يتعلق به من عذاب شديد ويحتمل هذا العذاب أن يكون واقعاً بهم في الدنيا أو واقعاً بهم في الآخرة والاستحباب الإِيثار والاختيار وهو استفعال من المحبة لأن المؤثر للشىء على غيره كأنه يطلب من نفسه أن يكون أحب إليها وأفضل عندها من الآخر ويجوز أن يكون استفعل بمعنى أفعل كاستجاب وأجاب ولما ضمن معنى الإِيثار عدي بعلى وجوزوا في إعراب الذين ان يكون مبتدأ خبره أولئك في ضلال بعيد وان يكون مقطوعاً على الذم أما خبره مبتدأ محذوف أي هم الذين واما منصوباً بإِضمار فعل تقديره أذم وان يكون صفة للكافرين ونص على هذا الوجه الأخير الحوفي والزمخشري وأبو البقاء وهو لا يجوز لأن فيه الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي منهما وهو قوله: من عذاب شديد سواء أكان من عذاب شديد في موضع الصفة لويل أم متعلقاً بفعل محذوف أي يضجون ويولولون من عذاب شديد وتقدم الكلام على ويبغونها عوجاً، آل عمران. وعلى وصف الضلال بالبعد.﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾ الآية، سبب نزولها أن قريشاً قالوا: ما بال الكتب كلها أعجمية وهذا عربي فنزلت والظاهر أن قوله: وما أرسلنا من رسول العموم فيندرج فيه الرسول عليه السلام فإن كانت الدعوة عامة للناس كلهم أو اندرج في اتباع ذلك الرسول من ليس من قومه كان من لم تكن لغته لغة ذلك الرسول موقوفاً على تعلم تلك اللغة حتى يفهمها أو يرجع في تفسيرها إلى من يعلمها. و ﴿ أَنْ أَخْرِجْ ﴾ يحتمل أن تكون ان مفسرة بمعنى أي وان تكون أن مفسرة بمعنى أي تكون مصدرية وفي قوله: قومك خصوص لرسالته إلى قومه بخلاف قوله: لتخرج الناس. والظاهر أن قومه هم بنو إسرائيل.﴿ وَذَكِّرْهُمْ ﴾ معطوف على قوله: اخرج قومك والإِشارة بقوله: ان في ذلك إلى التذكير بأيام الله وصبار وشكور صفتا مبالغة وهما مشعرتان بأن أيام الله المراد بها بلاؤه ونعماؤه أي صبار على بلائه شكور لنعمائه.﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ﴾ الآية، لما تقدم أمره تعالى لموسى عليه السلام بالتذكير بأيام الله ذكرهم بما أنعم عليهم من نجاتهم من آل فرعون وفي ضمنها تعداد شىء مما جرى عليهم من نقمات الله وتقدم إعراب إذ في نحو هذا التركيب في قوله تعالى:﴿ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً ﴾[آل عمران: ١٠٣] وتقدم تفسير نظير هذه الآية إلى أن هنا ويذبحون بالواو وفي البقرة بغير واو وفي الأعراف يقتلون، فحيث لم يؤت بالواو جعل الفعل تفسيراً لقوله: يسومونكم، وحيث أتى بها دل المغايرة وان سوء العذاب كان بالتذبيح وبغيره، وحيث جاء يقتلون جاء باللفظ المطلق المحتمل للتذبيح ولغيره من أنواع القتل. وتقدم شرح تأذن وتلقيه بالقسم في قوله في الأعراف:﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ ﴾[الآية: ١٦٧]، واحتمل إذ أن يكون معطوفاً على إذ أنجاكم لأن هذا الاعلام بالمزيد على الشكر من نعمه تعالى والظاهر أن متعلق الشكر هو الانعام أي لئن شكرتم انعامي لأزيدنكم ولئن كفرتم أي نعمتي فلم تشكروها رتب العذاب الشديد على كفر نعمه تعالى ولم يبين محل الزيادة فاحتمل أن يكون في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما وجاء التركيب على ما عهد في القرآن من أنه إذا ذكر الخير أسند إليه تعالى وإذا ذكر العذاب بعده عدل عن نسبته إليه فقال: لأزيدنكم، ونسب الزيادة إليه تعالى وقال: إن عذابي لشديد، ولم يأت التركيب لأعذبنكم وصرح في لأزيدنكم بالمفعول وهنا لم يذكر وان كان المعنى عليه أي ان عذابي لكم شديد وجواب ان تكفروا محذوف لدلالة المعنى عليه التقدير فإِنما ضرر كفركم لاحق بكم والله تعالى متصف بالغنى المطلق والحمد سواء كفروا أم شكروا وفي خطابه لهم تحقير لشأنهم وتعظيم لله تعالى وكذلك في ذكر هاتين الصفتين.﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ الآية، الظاهر أن هذا خطاب موسى عليه السلام لقومه وقيل ابتداء خطاب من الله لهذه الأمة وخبر قوم نوح وعاد وثمود قد قصه الله في كتابه وتقدم في الاعراف وهود الهمزة في ألم للتقرير والتوبيخ والظاهر أن والذين في موضع خفض عطفاً على ما قبله أما على قوم نوح وعاد وثمود. قال الزمخشري: والجملة من قوله: لا يعلمهم إلا الله اعتراض والمعنى أنهم في الكثرة بحيث لا يعلم عددهم إلا الله. " انتهى ". وليست الجملة اعتراض لأن جملة الاعتراض تكون بين جزءين يطلب أحدهما الآخر. وقال أبو البقاء تكون هذه الجملة حالاً من الضمير في من بعدهم فإِن عني من الضمير المجرور في من بعدهم فلا يجوز لأنه حال مما جر بالإِضافة وليس له محل إعراب من رفع أو نصب وان عني من الضمير المستقر في الجار والمجرور النائب عن العامل أمكن. وقال أبو البقاء أيضاً: ويجوز أن يكون مستأنفاً وكذلك جاءتهم. وأجاز الزمخشري وتبعه أبو البقاء أن يكون والذين مبتدأ وخبره لا يعلمهم إلا الله. وقال الزمخشري: والجملة من المبتدأ والخبر وقعت اعتراض. " انتهى ". وليست باعتراض لأنها لم تقع بين جزءين يطلب أحدهما الآخر والضمير في جاءتهم عائد على الذين من قبلكم والجملة تفسيرية للنبأ والظاهر أن الأيدي هي الجوارح وأن الضميرين في أيديهم وفي أفواههم عائدان على الذين جاءتهم الرسل. وقالوا: وإنا كفرنا بادروا أولاً إلى الكفر وإلى التكذيب المحض ثم أخبروا أنهم في شك وهو التردد كأنهم نظروا بعض نظر اقتضى ان انتقلوا من التكذيب المحض إلى التردد أو هما قولان من طائفتين طائفة بادرت بالتكذيب والكفر وطائفة شكت والشك في مثل ما جاءت به الرسل عليهم السلام كفر. ومريب صفة توكيدية ودخلت همزة الاستفهام الذي معناه الإِنكار على الظرف على الجار الذي هو خبر على المبتدأ لأن الكلام ليس في الشك إنما هو في المشكوك فيه وأنه لا يحتمل الشك لظهور الأدلة وشهادتها عليه وقدر مضاف فقيل أفي إلاهيته أو في وحدانيته ثم نبههم على الوصف الذي يقتضي أن لا يقع فيه شك البتة وهو كونه منشىء العالم وموجده فقال:﴿ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ وفاطر صفة لله ولا يجوز الفصل بين الموصوف وصفته بمثل هذا المبتدأ فيجوز أن تكون في الدار زيد الحسنة وان كان أصل التركيب في الدار الحسنة زيد ولما ذكر تعالى أنه موجد العالم ونبه على الوصف الذي لا يناسب أن يكون معه في شك ذكره ما هو عليه من اللطف بهم والإِحسان إليهم فقال:﴿ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ ﴾ أي يدعوكم إلى الإِيمان كما قال: إذ تدعون إلى الإِيمان أو يدعوكم لأجل المغفرة نحو دعوته لينصرني وتقدم الكلام في طرف من هذا في الاعراف في قوله:﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ﴾[الأعراف: ٣٤]، وقيل هنا:﴿ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى ﴾ قبل الموت ولا يعاجلكم بالعذاب ومعنى مسمى أي قد سماه وبين مقداره.﴿ إِنْ أَنتُمْ ﴾ أي ما أنتم.﴿ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾ لافضل بيننا وبينكم ولا فضل لكم علينا فلم تخصون بالنبوة دوننا والظاهر أن طلبهم السلطان المبين وقد أتتهم الرسل بالبينات إنما هو على سبيل التعنت والاقتراح وإلا فما أتوا به من الدلائل والآيات كان لمن استبصر ولكنهم قلدوا آباءهم فيما كانوا عليه من الضلال ألا ترى انهم لما ذكروا أنهم مماثلوهم قالوا:﴿ تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا ﴾ عما كان يعبد آباؤنا أي ليس مقصودكم إلا أن نكون لكم تبعاً ونترك ما نشأنا عليه من دين آبائنا.﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ ﴾ الآية، سلموا لهم في أنهم مماثلوهم في البشرية وحدها وأما ما سوى ذلك من الأوصاف التي اختصوا بها فلم يكونوا مثلهم ولم يذكروا ما هم عليه من الوصف الذي تميزوا به تواضعاً منهم ونسبة ذلك إلى الله تعالى لم يصرحوا بمنّ الله عليهم وحدهم ولكن أبرزوا ذلك في عموم من يشاء من عباده والمعنى عين بالنبوة على من يشاء تنبئته ومعنى بإِذن الله بتسويغه وإرادته أي الآية التي اقترحوها ليس لنا الاتيان بها ولا هي في استطاعتنا ولذلك كان التركيب وما كان لنا وإنما ذلك أمر متعلق بالمشيئة وفليتوكل أمر منهم للمؤمنين بالتوكل وقصدوا به أنفسهم قصداً أولياً وأمروها به كأنهم قالوا: ومن حقنا أن نتوكل على الله في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم وما يجري علينا منكم الا ترى إلى قولهم وما لنا إلا نتوكل على الله ومعناه وأي عذر لنا في أن لا نتوكل على الله وقد هدانا فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه وهو التوفيق لهداية كل واحد منا سبيله الذي يجب سلوكه في الدين والأمر الأول وهو قوله: فليتوكل المؤمنون لاستحداث التوكل. والثاني للثبات على ما استحدثوا من توكلهم.﴿ وَلَنَصْبِرَنَّ ﴾ جواب قسم ويدل على ما سبق ما يجب في الصبر وهو الأذى وما مصدرية وجوزوا أن يكون بمعنى الذي والضمير محذوف أي ما آذيتموناه وكان أصله به فهل حذف به أو الباء فوصل الفعل إلى الضمير قولان.﴿ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ ﴾ أقسموا على أنه لا بد من إخراجهم أو عودهم في ملتهم كأنهم قالوا: ليكونن أحد هذين ولما أقسموا هم على إخراج الرسل أو العودة في ملتهم أقسم تعالى على إهلاكهم وأي إخراج أعظم من الإِهلاك بحيث لا يكون لهم عودة إليها أبداً وعلى إسكان الرسل ومن آمن بهم وذرياتهم أرض أولئك المقسمين على إخراج الرسل والإِشارة بذلك إلى توريث الأرض الأنبياء ومن آمن بهم بعد إهلاك الظالمين كقوله تعالى:﴿ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾[الأعراف: ١٢٨].
ومقام يحتمل المصدر أي قيامي عليه بالحفظ لأعماله ومراقبتي إياه كقوله تعالى:﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾[الرعد: ٣٣].
والظاهر أن الضمير في واستفتحوا عائد على الأنبياء أي استنصروا الله على أعدائهم كقوله تعالى:﴿ إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ ﴾[الأنفال: ١٩].
ويجوز أن يكون من الفتاحة وهي الحكومة أي استحكموا الله طلبوا منه القضاء بينهم واستنصار الرسل في القرآن كثير.﴿ وَخَابَ ﴾ معطوف على محذوف تقديره فنصروا وظفروا وخاب كل جبار عنيد وهم قوم الرسل وتقدم شرح جبار والعنيد المعاند كالخليط بمعنى المخالط.﴿ مِّن وَرَآئِهِ ﴾ ذكر ما يؤول إليه حال الجبار العنيد في الآخرة ووراء من الأضداد ينطلق على خلف وعلى أمام كأنه قيل من أمامه وبين يديه جهنم.﴿ وَيُسْقَىٰ ﴾ معطوف على محذوف تقديره يدخلها ويسقى والظاهر إرادة حقيقة الماء وصديد. قال مجاهد وغيره: وهو ما يسيل من أجساد أهل النار. وقال الزمخشري: صديق عطف بيان لما قال ويسقى من ماء فأبهمه ابهاماً ثم بينه بقوله صديد. " انتهى ". والبصريون لا يجيزون عطف البيان في النكرات وأجازه الكوفيون وتبعهم الفارسي فأعرب زيتونة عطف بيان لشجرة مباركة فعلى رأي البصريين لا يجوز أن يكون قوله: صديد عطف بيان وتجرع تفعل والظاهر أنها للتكلف نحو تحلم أي يأخذه شيئاً فشيئاً والظاهر هنا انتفاء مقاربة اساغته وإذا انتفت الإِساغة فيكون كقوله:﴿ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾[النور: ٤٠].
أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها والحديث جاء بأنه يشربه فإِن صح الحديث كان المعنى ولا يكاد يسيغه قبل أن يشربه ثم شربه كما جاء فذبحوها وما كادوا يفعلون أي وما كادوا يفعلون قبل الذبح.﴿ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ ﴾ أي أسبابه. والظاهر أن قوله: من كل مكان معناه من الجهات الست وذلك تفظيع لما يصيبه من الآلام.﴿ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ﴾ لتطاول شدائد الموت وامتداد سكراته. و ﴿ وَمِن وَرَآئِهِ ﴾ الخلاف في من ورائه هنا كالحلاف في من ورائه جهنم.﴿ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ ﴾ الآية، ارتفاع مثل على الابتداء وخبره محذوف تقديره عند سيبويه فيما يتلى عليكم أو يقص. قال ابن عطية: وقيل هو مبتدأ وأعمالهم ابتداء ثان وكرماد خبر الثاني والجملة خبر الأول وهذا عندي أرجح الأقوال وكأنك قلت المتحصل مثالاً في النفس للذين كفروا هذه الجملة المذكورة وهي أعمالهم في فسادها وقت الحاجة وتلاشيها كالرماد الذي تذروه الرياح وتفرقه بشدتها حتى لا يبقى له أثر ولا يجتمع منه شىء انتهى هذا القول الذي رجحه ابن عطية قاله الحوفي: وهو لا يجوز لأن الجملة الواقعة خبراً عن المبتدأ الأول الذي هو مثل عارية من رابط يعود على المثل وليست نفس المبتدأ في المعنى فلا تحتاج إلى رابط والمثل مستعار للصفة التي فيها غرابة وأعمالهم كرماد جملة مستأنفة على تقدير سؤال كأنه قيل كيف مثلهم فقيل أعمالهم كرماد كما تقول صفة زيد عرضه مصون وماله مبذول ووصف اليوم بقوله: عاصف وان كان من صفة الريح على سبيل التجوز كما قالوا يوم ماطر وليل نائم.﴿ لاَّ يَقْدِرُونَ ﴾ يوم القيامة.﴿ مِمَّا كَسَبُواْ ﴾ من أعمالهم.﴿ عَلَىٰ شَيْءٍ ﴾ أي لا يرون له أثراً من ثواب كما لا يرون له أثراً من ثواب كما لا يقدر من الرماد المطير بالرياح على شىء.﴿ ذٰلِكَ ﴾ إشارة إلى كونهم بهذه الحال وعلى مثل هذا الغرر والبعيد الذي يعمق فيه صاحبه وأبعد عن طريق النجاة أو البعيد عن الحق والثواب وفي البقرة لا يقدرون على شىء مما كسبوا على شىء من التفنن في الفصاحة والتغاير في التقديم والتأخير والمعنى واحد.﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحقِّ ﴾ الظاهر أن قوله: يذهبكم خطاب عام للناس وعن ابن عباس خطاب للكفار.﴿ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ الظاهر أن يكون المعنى ان يشأ يذهبكم أيها ويأت بناس آخرين من جنسكم آدميين.
﴿ وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ ﴾ أي دار الهلاك وجهنم بدل من قوله دار البوار والمخصوص بالذم محذوف تقديره وبئس القرار هي أي جهنم.﴿ وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً ﴾ أي زادوا إلى كفر نعمته أن صيروا له أنداداً وهي الأصنام التي اتخذوها آلهة من دون الله والظاهر أن اللام لام الصيرورة والمآل لما كانت نتيجة جعل الأنداد آلهة آل إلى الضلال والأمر بالتمتع أمر تهديد ووعيد.﴿ قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ الآية، لما ذكر حال الكفار وكفرهم نعمته وجعلهم أنداداً وتهددهم أمر المؤمنين بلزوم الطاعة والتيقظ لأنفسهم والتزام عمودي الإِسلام والصلاة والزكاة قبل مجيء يوم القيامة ومعمول قبل محذوف تقديره وأقيموا الصلاة ويقيموا جواب لهذا الأمر المحذوف وعلامة الجزم فيه حذف النون. قال ابن عطية: ويظهر أن المقول هو الآية التي بعد أي قوله: ﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ ﴾ " انتهى ". وهذا الذي ذهب إليه من كون معمول القول هو قوله: " الله الذي خلق " الآية، تفكيك للكلام يخالفه ترتيب التركيب ويكون قوله: " يقيموا الصلاة " كلاماً مفلتاً من القول ومعموله أو يكون جواباً فصل به بين القول ومعموله ولا يترتب أن يكون جواباً لأن قوله تعالى: ﴿ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ ﴾ لا يستدعي إقامة الصلاة والانفاق إلا بعد تقدير بعيد جداً وتقدم الكلام على قوله تعالى: ﴿ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ ﴾ في البقرة ولما أطال الكلام في وصف أحوال السعداء والأشقياء ختم وصفه بالدلائل الدالة على وجود الصانع فقال: " الله الذي خلق " الآية، وذكر أنواعاً من الدلائل فذكر أولاً إبداعه وإنشاءه السماوات والأرض ثم أعقب بباقي الدلائل وأبرزها في جملة مستقلة ليدل وينبه على أن كل جملة منها مستقلة في الدلالة ولم يجعل متعلقاتها معطوفات عطف المفرد على المفرد ولفظ الجلالة الله مرفوع على الابتداء والذي خبره. قال ابن عطية: ويجوز أن تكون من لبيان الجنس كأنه قال: " فأخرج به رزقاً لكم هو الثمرات ". وهذا ليس بجيد لأن من التي لبيان الجنس إنما تأتي بعد المبهم الذي تبينه. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون من الثمرات مفعول أخرج رزقاً حالاً من المفعول أو نصباً على المصدر من أخرج لأنه في معنى رزق وقيل من زائدة " انتهى ". هذا لا يجوز عند جمهور البصريين لأن ما قبلها واجب وبعدها معرفة ويجوز عند الأخفش وانتصب دائبين على الحال والمعنى يدأبان في سيرهما وإنارتهما وإصلاحهما ما يصلحان من الأرض والأبدان والنبات والضمير المنصوب في سألتموه عائد على ما وهي وموصولة بمعنى الذي والذي يظهر أن النعمة هو المنعم به وأنه هو اسم جنس لا يراد به الواحد بل يراد به الجمع كأنه قيل: " وان تعدوا نعم الله " ومعنى لا تحصوها لا تحصروها ولا تطبقوا عددها والمراد بالإِنسان هما الجنس أي توجد فيه هذه الخلال وهي الظلم والكفر يظلم النعمة بإِغفال شكرها ويكفرها يجحدها وجاء في النحل " وان تعدوا نعمة الله " وجاءت مختتمة بقوله:﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾[النحل: ١٨] وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ ﴾ مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر التعجب من الذين بدلوا نعمة الله كفراً وجعلوا لله أنداداً وهم قريش ومن تابعهم من العرب الذين اتخذوا من دون الله آلهة وكان من نعمة الله عليهم إسكانه إياهم حرمه أردف ذلك بذكر أصلهم إبراهيم وأنه صلوات الله عليه دعا الله تعالى أن يجعل مكة آمنة ودعا بأن يجنب بنيه عبادة الأصنام.﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ ﴾ كقوم نوح.﴿ فَمَن تَبِعَنِي ﴾ أي على ديني وما أنا عليه.﴿ فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾ جعله بعضه لفرط الاختصاص به وملابسته له.﴿ وَمَنْ عَصَانِي ﴾ هذا فيه طباق معنوي لأن التبعية طاعة.﴿ فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ معناه لمن عصاه بغير الشرك.﴿ رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ﴾ الآية، كرر النداء رغبة في الإِجابة وإظهاراً للتذلل والالتجاء إلى الله وأتى بضمير جماعة المتكلمين لأنه تقدم ذكره وذكر بنيه في قوله: وأجنبي وبني. و ﴿ مِن ذُرِّيَّتِي ﴾ هو إسماعيل ومن ولد منه وذلك أن هاجر لما ولدت إسماعيل غارت منها سارة فروي أنه ركب البراق هو وهاجر والطفل فجاء في يوم واحد من الشام إلى بطن مكة فنزل وأنزل ابنه وأمته هنالك وركب منصرفاً من يومه ذلك وكان هذا كله بوحي من الله فلما ولى دعا بما في ضمن هذه الآية ومن للتبعيض لأن إسحاق كان بالشام والوادي ما بين الجبلين وليس من شرطه فيه ماء وإنما قال: غير ذي زرع لأنه كان علم أن الله لا يضيع هاجر وابنها في ذلك الوادي وأنه يرزقهما الماء.﴿ لِيُقِيمُواْ ﴾ متعلق بأسكنت وربنا دعاء معترض والمعنى أنه لا يخلو هذا البيت المعظم من العبادة ومن للتبعيض. قال الزمخشري: بواد هو وادي مكة غير ذي زرع لا يكون فيه شىء من زرع قط كقوله تعالى:﴿ قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ﴾[الزمر: ٢٨] بمعنى لا يوجد فيه إعوجاج ما فيه إلا استقامة لا غير " انتهى ". استعمل قط وهو ظرف لا يستعمل إلا مع الماضي معمولاً لقوله: لا يكون وهو ليس ماضياً وهو مكان ابدا الذي يستعمل فيه مع غير الماضي من المستقبلات. و ﴿ أَفْئِدَةً ﴾ وهو على حذف مضاف تقديره ذوي أفئدة وأصل الهوى أن يكون من علو. قال الزمخشري: ويجوز أن تكون من للابتداء كقولك: القلب مني سقيم يريد قلبي فكأنه قيل أفئدة ناس وإنما نكرت المضاف إليه في هذا التمثيل لتنكير أفئدة لأنها في الآية نكرة لتناول بعض الأفئدة " انتهى ". لا يظهر كونها لابتداء الغاية لأنه ليس لها فعل يبتدأ به لغاية ينتهي إليها إذ لا يصح ابتداء جعل الأفئدة.﴿ رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ﴾ الآية، كرر النداء للتضرع والالتجاء ولا يظهر تفاوت بين إضافة رب الى ياء المتكلم وبين إضافته إلى جمع المتكلم وما نخفي وما نعلن عام فيما يخفونه ويعلنونه ثم أتى بأعم منه وهو قوله تعالى:﴿ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ ﴾ والظاهر أن هذه الجمل التي تكلم بها إبراهيم عليه السلام لم تقع منه في زمن واحد وإنما حكى الله تعالى عنه ما وقع منه في أزمان مختلفة يدل على ذلك أن إسحاق لم يكن موجوداً حالة دعائه إذ ترك هاجر والطفل بمكة والظاهر أن حمده الله على هبة ولديه له كان بعد وجود إسحاق.
﴿ وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ ﴾ هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم منصوب على أنه مفعول ثان لأنذر ولا يصح أن يكون ظرفاً لأن ذلك اليوم ليس بزمان الإِنذار وهذا اليوم هو يوم القيامة وأنذر الناس الظالمين وبين ذلك قوله:﴿ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ ﴾ لأن المؤمنين يبشرون ولا ينذرون.﴿ أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ ﴾ هو على إضمار القول والظاهر أن التقدير فيقال لهم والقائل الملائكة أو الباري تعالى يوبخون بذلك ويذكرون بذلك مقالتهم في إنكار البعث وأقسامهم على ذلك كما قال تعالى:﴿ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ ﴾[النحل: ٣٨].
قال الزمخشري: أو لم تكونوا أقسمتم على إرادة القول وفيه وجهان أن يقولوا ذلك بطراً وأشراً ولما استولى عليهم من إعادة الجهل والسفه وأن يقولوا بلسان الحال حيث بنوا شديداً وأملوا بعيدا وما لكم جواب القسم وإنما جاء بلفظ الخطاب لقوله: " أقسمتم " ولو حكى لفظ المقسمين لقال ما لنا من زوال والمعنى أقسمتم أنكم باقون في الدنيا لا تزولون بالموت والفناء وقيل: لا تنتقلون إلى دار أخرى " انتهى ". جعل الزمخشري أو لم تكونوا محكياً بقولهم: مخالف لما قدمناه وقوله: لا يزولون بالموت والفناء ليس بجيد لأنهم مقرون بالموت والفناء وقيل هو قول مجاهد. ومعنى ما لكم من زوال من الأرض بعد الموت أي: لا نبعث من القبور.﴿ وَسَكَنتُمْ ﴾ ان كان من السكون فالمعنى أنهم قروا فيها واطمأنوا طيبي النفوس سائرين سيرة من قبلهم في الظلم والفساد لا يحدثوها بما لقي الظالمون قبلهم.﴿ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ ﴾ بالخبر والمشاهدة ما فعلنا بهم من الهلاك والانتقام.﴿ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ ﴾ أي صفات ما فعلوا ما فعل بهم وهي في الغرابة كالأمثال المضروبة لكل ظالم.﴿ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ ﴾ الآية، الظاهر أن الضمير في مكروا عائد على المخاطبين في قوله: أو لم تكونوا أقسمتم. أي مكروا بالشرك بالله تعالى وتكذيب الرسل ومعنى مكرهم المكر العظيم الذي استفرغو فيه جهدهم والظاهر أن هذا إخبار من الله تعالى لنبيه بما صدر منهم في الدنيا وأنه ليس مقولاً في الآخرة الظاهر إضافة مكر وهو المصدر إلى الفاعل كما هو مضاف في الأول إليه كأنه قيل وعند الله ما مكروا أي مكرهم. قال الزمخشري: أو يكون مضافاً إلى المفعول على معنى وعند الله مكرهم الذين يمكرهم به وهو عذابه الذي يستحقونه يأتيهم من حيث لا يشعرون ولا يحتسبون " انتهى ". هذا لا يصح إلا إن كان مكر يتعدى بنفسه كما قدر هو يمكرهم به والمحفوظ أن مكر لا يتعدى إلى مفعول به بنفسه. قال تعالى:﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾[الأنفال: ٣٠] ولا يحفظ زيد ممكور وإنما يقال ممكور به وقرىء: لتزول بفتح اللام الأولى وضم الثانية ولتزول بكسر الأولى وفتح الثانية والذي يظهر أن زوال الجبال مجاز ضرب مثلاً لمكر قريش وعظمة. والجبال لا تزول وهذا من باب الغلو والإِيغال والمبالغة في ذم مكرهم.﴿ فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ﴾ هذا الوعد هو قوله تعالى:﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا ﴾[غافر: ٥١].
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ﴾ لا يمتنع عليه شىء ولا يغالب.﴿ ذُو ٱنْتِقَامٍ ﴾ من الكفرة لا يعفو عنهم والتبديل يكون في الذات أي تزول ذات وتجيء أخرى منه بدلناهم جلوداً غيرها وبدلناهم بجنتيهم جنتين ويكون في الصفات تقول بدلت الحلقة خاتماً فالذات لم تفقد لكنها انتقلت من شكل إلى شكل واختلفوا في التبديل هنا أهو في الذات أم هو في الصفات فقال ابن عباس تمد كما يمد الأديم وتزال عنها جبالها وآكامها وشجرها وجميع ما فيها حتى تصير مستوية لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا وتبدل السماوات بتكوير شمسها وانتثار كواكبها وانشقاقها وخسوف قمرها.﴿ وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ ﴾ مقرنين مشدودين في القرن أي مقرون بعضهم مع بعض في القيود والأغلال والظاهر تعلق في الأصفاد بقوله: مقرنين أي: يقرنون في الأصفاد.﴿ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ ﴾ السرابيل القمص فيجمع عليهم الأربع لذع القطران وحرقته وإسراع النار في جلودهم واللون الوحش ونتن الريح.﴿ لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ ﴾ متعلق بقوله: وبرزوا لله.﴿ وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ جملة معترضة بينهما. و ﴿ كُلَّ نَفْسٍ ﴾ عام في الطائعة والعاصية.﴿ مَّا كَسَبَتْ ﴾ أي في حياتها من طاعة ومعصية فيثيب الطائعة ويعاقب العاصية.﴿ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ ﴾ تقدم شرحه والإِشارة بهذا إلى ما ذكره تعالى من قوله: ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً ﴾.
إلى قوله: ﴿ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ ﴾ ومعنى بلاغ كفاية في الوعظ والتذكير فالإِشارة بهذا إلى اعلام الله تعالى بما يجري في الآخرة ولينذروا وما بعده متعلق بمحذوف يدل عليه ما تقدم تقديره فأعلمنا به لينذروا به.﴿ وَلِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا هُوَ ﴾ الضمير في هو عائد على الله سبحانه وتعالى وهو المتصرف في ذلك اليوم وغيره وهو المتوحد بالألوهية.﴿ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ ﴾ هم أرباب العقول.