تفسير سورة يس

مجاز القرآن
تفسير سورة سورة يس من كتاب مجاز القرآن المعروف بـمجاز القرآن .
لمؤلفه أبو عبيدة معمر بن المثنى . المتوفي سنة 209 هـ

«سورة يس» (٣٦)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله «يس» (١) مجازه مجاز ابتداء أوائل السور..
«لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ» (٧) أي وجب..
ا «إِلَى الْأَذْقانِ» (٨) لذقن مجتمع اللحيين..
«فَهُمْ مُقْمَحُونَ» (٨) المقمح والمقنع واحد، تفسيره أي يجذب الذقن حتى يصير فى الصدر ثم يرفع رأسه «١» قال بشر بن أبى خازم الأسدىّ:
ونحن على جوانبها قعود نغضّ الطّرف كالإبل القماح
«٢» [٧٥٢].
«سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» (١٠) لها ثلاثة مواضع، لفظها لفظ الاستفهام وليس باستفهام قال زهير:
سواء عليه أىّ حين أتيته أساعة نحس تتّقى أم بأسعد
«٣» [٧٥٣]
(١). - ٤- ٧ «الأذقان... رأسه» : رواه الطبري ٢٢/ ٨٨ والذي ورد فى الجمهرة (٢/ ١٨٢ رواه ابن دريد عن أبى عبيدة، وفى غريب القرآن للسجستانى (ص ٧٠:
ويقال المقمح الذي جذب ذقنه إلى صدره ثم رفع رأسه.
(٢). - ٧٥٢: من كلمة فى مختارات الشعراء ص ٨٠ ورواه ابن دريد وقال فهذا يخالف قول أبى عبيدة لأنه قال نغض الطرف فكأن المقمح والله أعلم رفع شاخصا كان أو مغضيا وهو فى اللسان والتاج (قمح)، والقرطبي ١٥/ ٨.
(٣). - ٧٥٣: ديوانه ص ٢٣٢.
فخرج لفظها على لفظ الاستفهام وإنما هو إخبار وكذلك قال حسّان بن ثابت:
ما أبالى أنبّ بالحزن تيس أم لحانى بظهر غيب لئيم
«١» [٧٥٤] وكذلك قول زهير:
وما أدرى وسوف- إخال- أدرى أقوم آل حصن أم نساء
«٢» [٧٥٥].
«وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ» (١٢) أي جعلناه..
«فِي إِمامٍ مُبِينٍ» (١٢) أي فى كتاب مبين..
«فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ» (١٤) أي قوّينا وشددنا قال النّمر بن تولب:
كأنّ جمرة أو عزّت لها شبها بالجذع يوم تلاقينا بإرمام «٣»
[٧٥٦] أو عزّتها: أو غلبتها، يقال فى المثل من عزّ بزّ «٤» : من قهر سلب وتفسير «بزّ» انتزع، قال علىّ بن أبى طالب: «٥»
(١). - ٧٥٤: ديوانه ص ٣٧٨ والكتاب ١/ ٤٣٧ والشنتمرى ١/ ٤٨٨ والعيني ٤/ ١٣٥.
(٢). - ٧٥٥: ديوانه ص ٧٣ واللسان (قوم).
(٣). - ٨ «أرمام» :
جبل فى ديار باهلة بن أعصر وقيل أرمام واد ألح. (معجم ما استعجم ١/ ١٤١).
(٤). - ٩ «من عزيز» : فى الفاخر ص ٧٢ والميداني ٢/ ١٧٤ والقرطبي ١٥/ ١٤ واللسان (عزز) والفرائد ٢/ ٢٦٧. [.....]
(٥). - ٧٥٧: لعله من كلمة فى ديوان متلمس رقم ٩.
فعففت عن أثوابه «١» ولو اننى... كنت المقطّر بزّنى أثوابى
[٧٥٨].
«قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ» (١٩) أي حظكم من الخير والشر..
«قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ» (٢٠) بعض العرب يقول: يا قوم، يكسرها ولا يطلق ياء الاضافة كما حذفوا التنوين من نداء المفرد قالوا: يا زيد أقبل وبعضهم ينشد بيت زهير:
تبيّن خليل هل ترى من ظعائن... تحمّلن بالعلياء من فوق جرثم
[٥٥٠].
«اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ» (٢١) «من» فى موضع جميع..
«وَلا يُنْقِذُونِ» ٢٣ تكف هذه الياء (- كما تكف ياء الإضافة-) هاهنا وفى آية أخرى «رَبِّي أَكْرَمَنِ [وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي] أَهانَنِ» (٨٩/ ١٥- ١٦) قال الأعشى:
ومن كاشح ظاهر غمره... إذا ما انتسبت له أنكرن
«٢» [٧٥٩] والعرب تكفّ الياءات المكسورات والمفتوحات من الأرداف قال لبيد ابن ربيعة:
(١). - ١ «عمرو بن عبد ود» الذي ورد اسمه فى الفروق: أخباره فى تاريخ الطبري ١/ ١٤٧٥ من الدورة الأولى.
(٢). - ٧٥٩: ديوانه ١٦ والكتاب ٢/ ٣١٧ والشنتمرى ٢/ ٢٩٠ وأمالى القالي ٢/ ٢٦٣ والسمط ص ٩٠٣.
وقبيل من لكيز شاهد... رهط مرجوم ورهط ابن المعلّ
«١» [٧٦٠] مرجوم العصرى من بنى عصر من عبد القيس وابن المعلّى جد الجارود الجذمىّ..
«إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ» (٢٥) مثل ذلك ومجازها: اسمعونى اسمعوا منى..
«أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ» (٣١) عمل الفعل الذي قبلها فيها «أَلَمْ يَرَوْا» إذا كانت معلقة بما قبلها فهى مفتوحة..
«وَإِنْ كُلٌّ» (٣٢) إذا خففت «إن» رفعت بها وإن ثقّلتها نصبت «لَمَّا جَمِيعٌ» تفسيرها وإن كلّ لجميع و «ما» مجازها مجاز «مَثَلًا ما بَعُوضَةً» (٢/ ٢٦) و «عَمَّا قَلِيلٍ» (٢٣/ ٤٠).
«الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ» (٣٣) مخففة الميت والميّت قال قوم: إذا كان قد مات فهو خفيف وإذا لم يكن مات فهو مثقل وقوم «٢» يجعلونه واحدا، الأصل الثقيل وهذا
(١). - ٧٦٠: لم أجده فى ديوانه وهو فى الكتاب ٢/ ٣١٧ والجمهرة ٢/ ٨٥، واللسان (رجم) والشنتمرى ٢/ ٢٩١ والعيني ٤/ ٥٤٨. مرجوم: قال ابن دريد: مرجوم لقب رجل من العرب كان سيدا ففاخر رجلا من قومه إلى بعض ملوك الحيرة فقال له: قد رجمتك بالشرف أي حكمت لك به فسمى مرجوما. البيت.. يريد المعلى وهو جد الجارود بشر بن عمرو بن المعلى. لكيز: قال الشنتمرى: قبيلة من ربيعة وهم لكيز بن أفصى وعمر بن جديلة بن أسد ابن ربيعة.
(٢). - ١٠- ١١ «قال قوم... قوم» : قال فى اللسان (موت) : وقيل الميت الذي لم يمت بعد.
وحكى الجوهري عن الفراء: يقال لمن لم يمت إنه ماتت عن قليل ولا يقولون لمن مات هذا ماتت.. إلخ.
تخفيفها، مجازها مجاز «هيّن»، «ليّن» ثم يخففون فيقولون: هين، لين، كما قال ابن الرّعلاء الغسّانىّ:
ليس من مات فأستراح بميت إنما الميت ميّت الأحياء
[١٧٩] فجعله خفيفا جميعا موضع: قد مات وموضع: لم يمت ثم ثقّل الخفيف..
«وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ» (٣٤- ٣٥) مجاز هذا مجاز قول العرب يذكرون الاثنين ثم يقتصرون على خبر أحدهما وقد أشركوا ذاك فيه وفى القرآن «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (٩/ ٣٤) وقال الأزرق بن طرفة «١» ابن العمرّد الفراصى من بنى فراص من باهلة:
رمانى بأمر كنت منه ووالدي برئا ومن دون الطّوىّ رمانى
«٢» [٧٦١] اقتصر على خبر واحد وقد أدخل الآخر معه وقال حسّان بن ثابت:
إن شرخ الشباب والشّعر الأسود ما لم يعاص كان جنونا
(٢٩١) ولم يقل: يعاصيا وكانا..
«نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ» (٣٧) نميّزه منه فنجىء بالظلمة «فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ» (٣٧) أي يقال للرجل: سلخه الله من دينه»
..
«حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ» (٣٩) هو الإهان إهان العذق الذي فى أعلاه العثاكيل «٤» وهى الشّماريخ والعذق بفتح العين النخلة.
(١). - ٨ «الأزرق بن طرفة» : لم أقف على ترجمته.
(٢). - ٧٦١: البيت منسوب فى الكتاب (١/ ٢٩) والشنتمرى (١/ ٣٨) إلى ابن أحمر ونسبه المحبى للفرزدق (شواهد الكشاف ٣١١).
(٣). - ١٥ «سلخة.. دينه» : هذا القول فى القرطبي ١٥/ ٢٦.
(٤). - ١٧ «العثاكيل» : واحدها العثكال والعثكول والعثكلة العذق.
الشماريخ: واحدها الشمراخ والشمرخ.
«لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ» (٤٠) مجازها: لا يكون أن تفوت..
«وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» (٤٠) مجاز هذا مجاز الموات الذي أجرى مجرى الناس فى القرآن «رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ» (١٢/ ٤) وفى آية أخرى «لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ» (٢١/ ١٥)..
«فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ» (٤١) المملوء يقال: شحنها عليه خيلا ورجالا أي ملأها والفلك القطب الذي تدور عليه السماء والفلك السفينة، الواحد والجميع من السّفن..
«فَلا صَرِيخَ لَهُمْ» (٤٣) لا مغيث لهم..
«وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا» (٤٣- ٤٤) مجازها مجاز المصدر الذي فعله بغير لفظه قال رؤبة:
«إنّ نزارا أصبحت نزارا دعوة أبرار دعوا أبرارا
(٦٩٧) وقال الأحوص:
إنّى لأمنحك الصّدود وإننى قسما إليك مع الصدود لأميل
(٦٩٥).
«وَنُفِخَ فِي الصُّورِ» (٥١) جميع صورة فخرجت مخرج بسرة وبسر ولم
تحمل على ظلمة وظلم ولو كانت كذلك لقلت «صور» فخرجت الواو بالفتحة ومجازها كسورة المدينة والجميع سور قال جرير:
لما أتى خبر الزّبير تواضعت... سور المدينة والجبال الخشّع
(٢٢٤) ومنها سور المجد أي أعاليه وقال العجّاج:
فرب ذى سرادق محجور... سرت إليه فى أعالى السور
(٤).
«مِنَ الْأَجْداثِ» (٥١) واحدها جدث وهى لغة أهل العالية، وأهل نجد يقولون «جدف»..
«يَنْسِلُونَ» (٥١) يسرعون، والذئب يعسل وينسل..
«يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا» (٥٢) أي من منامنا ثم جاء «هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ» (٥٢) استئناف..
«مُحْضَرُونَ» (٥٣) مشهدون.
«فى شغل فكهون» (٥٥) الفكه الذي يتفكه تقول العرب للرجل إذ كان يتفكه بالطعام أو بالفاكهة أو بأعراض الناس: إن فلانا لفكه بأعراض قالت خنساء أو عمرة بنتها:
فكه على حين العشاء إذا... حضر الشتاء وعزّت الجزر
[٧٦٥]
ومن قرأها فاكهون جعله كثير الفواكه صاحب فاكهة قال الحطيئة:
ودعوتنى وزعمت... أنك لابن بالصيف تامر
«١» [٧٦٧] أي ذو لبن وتمر أي عنده لبن كثير وتمر كثير «٢» وكذلك عاسل ولاحم وشاحم..
«فِي ظِلالٍ» (٥٦) واحدها ظلّة وجميع الظل أظلال وهو الكنّ أي لا يضحون.
«عَلَى الْأَرائِكِ» (٥٦) واحدتها أريكة وهى الفرش فى الحجال قال ذو الرّمة وجعلها فراشا:
خدودا جفت فى السّير حتى كأنما... يباشرن بالمعزاء مسّ الأرائك
(٤٦٨).
«ما يَدَّعُونَ» (٥٧) أي ما يتمنون «٣»، تقول العرب: ادّع على ما شئت أي تمنّى على ما شئت..
«سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ» (٥٨) «سلام» رفع على «لهم» عملت فيها. و «قولا» خرجت مخرج المصدر الذي يخرج من غير لفظ فعله..
«وَامْتازُوا» (٥٩) أي تميّزوا..
«أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا» (٦٢) مثقل وبعضهم لا يثقّل ويضمّ الحرف الأول ويثقل اللام ومعناهن الخلق والجماعة.
(١). - ٧٦٧: ديوانه ص ٧٥ والكتاب ٢/ ٨٨ وفتح الباري ٨/ ٤١٤.
(٢). - ١- ٣ «ومن... وتمر كثير» : روى ابن حجر هذا الكلام عنه (فتح الباري ٨/ ٤١٤).
(٣). - ٨ «يتمنون» : روى القرطبي (١٥/ ٤٥) تفسيره هذا عنه.
«وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ» (٦٦) يقال: أعمى طمس ومطموس وهو أن لا يكون بين جفنى العين غرّ وهو الشق بين الجفنين «١» والريح تطمس الأثر فلا يرى والرجل يطمس الكتاب..
«عَلى مَكانَتِهِمْ» (٦٧) المكان والمكانة واحد..
«رَكُوبُهُمْ «٢» » (٧٢) ما ركبوا والحلوبة ما حلبوا و «ركوبهم» فعلهم إذا ضمّ الأول..
«وَهِيَ رَمِيمٌ» (٧٨) الرّفات..
«مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ» (٨٣) والملك واحد.
(١). - ١- ٢ «أعمى... الجفنين» : هذا الكلام فى الطبري ٢٣/ ١٦.
(٢). - ٥ «ركوبهم» : روى القرطبي (١٥/ ٥٦) فى تفسير هذه الآية ما رواه الجرمي عن أبى عبيدة: الركوبة تكون للواحد والجماعة والركوب لا يكون إلا للجماعة. [.....]
Icon