تفسير سورة سورة الطور من كتاب تفسير السمعاني
المعروف بـتفسير السمعاني
.
لمؤلفه
أبو المظفر السمعاني
.
المتوفي سنة 489 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الطوروهي مكية. وقد ثبت برواية جبير بن مطعم أنه قال :" سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ في المغرب سورة الطور " ١.
١ - متفق عليه ورواه البخاري ( ٢/ ٢٨٩ رقم ٧٦٥، و أطرافه : ٣٠٥٠، ٤٠٢٣، ٤٨٥٤)، و مسلم ( ٤/ ٢٣٩ رقم ٤٦٣)..
ﰡ
ﮞ
ﰀ
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالطور﴾ قَالَ مُجَاهِد: هُوَ بالسُّرْيَانيَّة اسْم للجبل. وَالأَصَح أَنه اسْم الْجَبَل بِالْعَرَبِيَّةِ. وَحكي عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: كل جبل ينْبت فَهُوَ طور، وكل مَا لَا ينْبت فَلَيْسَ بطور. وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار وَغَيره: هُوَ الطّور الَّذِي كلم الله عَلَيْهِ مُوسَى. وَقد رُوِيَ هَذَا القَوْل عَن قَتَادَة وَعِكْرِمَة. وَعَن نوف الْبكالِي: أَن الله تَعَالَى أوحى إِلَى الْجبَال أَنِّي منزل على جبل مِنْكُن، فشمخت الْجبَال بأنفسها، وتواضع الطّور وَقَالَ: أَنا رَاض بِمَا قسم الله لي، وَكَانَ عَلَيْهِ الْأَمر.
ﮠﮡ
ﰁ
وَقَوله: ﴿وَكتاب مسطور﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَنه الْقُرْآن، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ. وَالْآخر: أَنه التَّوْرَاة كتبهَا الله تَعَالَى فِي الألواح. وَالثَّالِث أَنه الْكتاب الَّذِي أثبت الله فِيهِ أَعمال بني آدم، وَيخرج يَوْم الْقِيَامَة وفيكون صَحَائِف، فآخذ بِيَمِينِهِ وآخذ بِشمَالِهِ، وآخذ وَرَاء ظَهره، وَهَذَا قَول مَعْرُوف ذكره الْفراء وَغَيره.
وَيُقَال: إِن المُرَاد مِنْهُ الصُّحُف الَّتِي تقْرَأ مِنْهَا الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء الْقُرْآن على مَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فِي صحف مكرمَة مَرْفُوعَة مطهرة بأيدي سفرة﴾ وَيُقَال: إِنَّه اللَّوْح الْمَحْفُوظ قد كتب فِيهِ مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَيُقَال: إِن المُرَاد مِنْهُ الصُّحُف الَّتِي تقْرَأ مِنْهَا الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء الْقُرْآن على مَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فِي صحف مكرمَة مَرْفُوعَة مطهرة بأيدي سفرة﴾ وَيُقَال: إِنَّه اللَّوْح الْمَحْفُوظ قد كتب فِيهِ مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
266
{فِي رق منشور (٣) وَالْبَيْت الْمَعْمُور (٤)
267
وَقَوله: ﴿فِي رق منشور﴾ وَالرّق: هُوَ الْأَدِيم الَّذِي يكْتب فِيهِ الشَّيْء.
وَقَوله: ﴿منشور﴾ أَي: مَبْسُوط، وَهَذَا يُؤَيّد القَوْل الَّذِي قُلْنَا إِن الْكتاب هُوَ صَحَائِف الْأَعْمَال فِي الْآخِرَة، لِأَن الله تَعَالَى قد قَالَ فِي مَوضِع آخر: ﴿وَإِذا الصُّحُف نشرت﴾ وَالْمرَاد مِنْهُ صَحَائِف الْأَعْمَال فِي الْآخِرَة.
وَقَوله: ﴿منشور﴾ أَي: مَبْسُوط، وَهَذَا يُؤَيّد القَوْل الَّذِي قُلْنَا إِن الْكتاب هُوَ صَحَائِف الْأَعْمَال فِي الْآخِرَة، لِأَن الله تَعَالَى قد قَالَ فِي مَوضِع آخر: ﴿وَإِذا الصُّحُف نشرت﴾ وَالْمرَاد مِنْهُ صَحَائِف الْأَعْمَال فِي الْآخِرَة.
ﮧﮨ
ﰃ
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالْبَيْت الْمَعْمُور﴾ قَالَ بَعضهم: هُوَ الْكَعْبَة، وعمارته بِالْحَجِّ وَالطّواف. وَالْقَوْل الْمَعْرُوف أَنه بَيت فِي السَّمَاء، قَالَه ابْن عَبَّاس وَعَامة الْمُفَسّرين وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَيْضا.
وَاخْتلفُوا فِي مَوْضِعه، فروى أنس بن مَالك بن صعصعة عَن النَّبِي فِي قصَّة الْمِعْرَاج أَنه قَالَ: " رفع لي الْبَيْت الْمَعْمُور فِي السَّمَاء السَّابِعَة ".
وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه فِي السَّمَاء السَّادِسَة. وَعَن الرّبيع بن أنس وَغَيره أَنه فِي السَّمَاء الدُّنْيَا بحيال الْكَعْبَة لَو سقط سقط عَلَيْهِ.
وَفِي الْقِصَّة: أَن الْبَيْت الْمَعْمُور [أنزلهُ] الله تَعَالَى من السَّمَاء لآدَم، وَوَضعه مَكَان الْكَعْبَة فَلَمَّا كَانَ زمَان نوح رَفعه الله تَعَالَى إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَهُوَ مَوضِع حج الْمَلَائِكَة وحرمته كَحُرْمَةِ الْكَعْبَة فِي الأَرْض.
قَالَ عَليّ وَغَيره: اسْمه الضراح يدْخلهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك لَا يعودون إِلَيْهِ أبدا وَقد أسْند هَذَا اللَّفْظ إِلَى الرَّسُول.
وَعَن بَعضهم أَنه فِي السَّمَاء الرَّابِعَة. وَفِي بعض المسانيد " أَن الله تَعَالَى خلق نَهرا
وَاخْتلفُوا فِي مَوْضِعه، فروى أنس بن مَالك بن صعصعة عَن النَّبِي فِي قصَّة الْمِعْرَاج أَنه قَالَ: " رفع لي الْبَيْت الْمَعْمُور فِي السَّمَاء السَّابِعَة ".
وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه فِي السَّمَاء السَّادِسَة. وَعَن الرّبيع بن أنس وَغَيره أَنه فِي السَّمَاء الدُّنْيَا بحيال الْكَعْبَة لَو سقط سقط عَلَيْهِ.
وَفِي الْقِصَّة: أَن الْبَيْت الْمَعْمُور [أنزلهُ] الله تَعَالَى من السَّمَاء لآدَم، وَوَضعه مَكَان الْكَعْبَة فَلَمَّا كَانَ زمَان نوح رَفعه الله تَعَالَى إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَهُوَ مَوضِع حج الْمَلَائِكَة وحرمته كَحُرْمَةِ الْكَعْبَة فِي الأَرْض.
قَالَ عَليّ وَغَيره: اسْمه الضراح يدْخلهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك لَا يعودون إِلَيْهِ أبدا وَقد أسْند هَذَا اللَّفْظ إِلَى الرَّسُول.
وَعَن بَعضهم أَنه فِي السَّمَاء الرَّابِعَة. وَفِي بعض المسانيد " أَن الله تَعَالَى خلق نَهرا
267
﴿والسقف الْمَرْفُوع (٥) وَالْبَحْر الْمَسْجُور (٦) ﴾ تَحت الْعَرْش يُسمى نهر الْحَيَوَان فيدخله جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام كل يَوْم حِين تطلع الشَّمْس ثمَّ يخرج، وينتفض انتفاضة فيقطر مِنْهُ سَبْعُونَ ألف قَطْرَة يخلق الله تَعَالَى من كل قَطْرَة مِنْهَا ملكا فهم الْعباد فِي الْبَيْت الْمَعْمُور ". وَهَذَا خبر غَرِيب.
268
ﮪﮫ
ﰄ
قَوْله تَعَالَى: ﴿والسقف الْمَرْفُوع﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه السَّمَاء، وَالْآخر: أَنه الْعَرْش.
ﮭﮮ
ﰅ
وَقَوله: ﴿وَالْبَحْر الْمَسْجُور﴾ أشهر الْأَقَاوِيل فِيهِ أَنه الممتلئ. وَعَن ربيع بن أنس فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَكَانَ عَرْشه على المَاء﴾ قَالَ: إِن الله تَعَالَى جعل ذَلِك المَاء نِصْفَيْنِ حِين خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض، فَجعل نصفا مِنْهُ تَحت الأَرْض السَّابِعَة وَنصفا مِنْهُ تَحت الْعَرْش، فَإِذا كَانَ بَين النفختين ينزل الله مِنْهُ قطرا على الأَرْض، فينبت بِهِ الأجساد فِي الْقُبُور.
وَالْقَوْل الثَّانِي فِي الْآيَة: أَن الْبَحْر الْمَسْجُور هُوَ المفجور على مَا قَالَ الله تَعَالَى فِي مَوضِع آخر: ﴿وَإِذا الْبحار فجرت﴾ وتفجيرها هُوَ بسطها وإرسالها على الأَرْض. وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: الْبَحْر الْمَسْجُور هُوَ الْمُرْسل، وَذَلِكَ لِمَعْنى مَا بَينا.
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن الْبَحْر الْمَسْجُور هُوَ الموقد نَارا، من قَوْلهم: سجرت التَّنور. وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لكعب الْأَحْبَار: أَيْن جَهَنَّم؟ قَالَ: هُوَ الْبَحْر، فَقَالَ: مَا أَرَاك إِلَّا صَادِقا، وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذا الْبحار سجرت﴾
وَالْقَوْل الرَّابِع: أَن الْبَحْر الْمَسْجُور هُوَ الْبَحْر الَّذِي يبس مَاؤُهُ وَذهب، كَأَن بحار الأَرْض تفرغ عَن المَاء يَوْم الْقِيَامَة. وَعبر بَعضهم عَن هَذَا الْبَحْر الْمَسْجُور بالفارغ.
وَالْقَوْل الثَّانِي فِي الْآيَة: أَن الْبَحْر الْمَسْجُور هُوَ المفجور على مَا قَالَ الله تَعَالَى فِي مَوضِع آخر: ﴿وَإِذا الْبحار فجرت﴾ وتفجيرها هُوَ بسطها وإرسالها على الأَرْض. وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: الْبَحْر الْمَسْجُور هُوَ الْمُرْسل، وَذَلِكَ لِمَعْنى مَا بَينا.
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن الْبَحْر الْمَسْجُور هُوَ الموقد نَارا، من قَوْلهم: سجرت التَّنور. وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لكعب الْأَحْبَار: أَيْن جَهَنَّم؟ قَالَ: هُوَ الْبَحْر، فَقَالَ: مَا أَرَاك إِلَّا صَادِقا، وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذا الْبحار سجرت﴾
وَالْقَوْل الرَّابِع: أَن الْبَحْر الْمَسْجُور هُوَ الْبَحْر الَّذِي يبس مَاؤُهُ وَذهب، كَأَن بحار الأَرْض تفرغ عَن المَاء يَوْم الْقِيَامَة. وَعبر بَعضهم عَن هَذَا الْبَحْر الْمَسْجُور بالفارغ.
268
{إِن عَذَاب رَبك لوَاقِع (٧) مَا لَهُ من دَافع (٨) يَوْم تمور السَّمَاء مورا (٩) وتسير الْجبَال سيرا (١٠) فويل يَوْمئِذٍ للمكذبين (١١) الَّذين هم فِي خوض يَلْعَبُونَ (١٢)
269
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن عَذَاب رَبك لوَاقِع﴾ على هَذَا وَقع الْقسم، وَإِلَى هَذَا الْموضع كَانَ قسما على التَّقْدِير الَّذِي قُلْنَاهُ فِي السُّورَة الْمُتَقَدّمَة.
وَقَوله: ﴿وَاقع﴾ أَي: كَائِن.
وَقَوله: ﴿وَاقع﴾ أَي: كَائِن.
وَقَوله: ﴿مَا لَهُ من دَافع﴾ أَي: مَاله دَافع من الْكفَّار. وَعَن جُبَير بن مطعم: " أَنه أَتَى الْمَدِينَة ليفدي بعض أُسَارَى بدر، فَسمع النَّبِي يقْرَأ فِي الصَّلَاة سُورَة الطّور، فَلَمَّا سمع قَوْله: ﴿إِن عَذَاب رَبك لوَاقِع مَا لَهُ من دَافع﴾ غشية وَجل وَخَوف، وَكَانَ ذَلِك سَبَب إِسْلَامه ".
قَوْله: ﴿يَوْم تمور السَّمَاء مورا﴾ أَي: تَدور، وَيُقَال: تَجِيء وَتذهب وَالْمرَاد سَيرهَا وَيُقَال تكفأ بِأَهْلِهَا.
وَقَوله ﴿وتسير الْجبَال سيراً﴾ أى تجىء وَتذهب على وَجه الأَرْض، وَيُقَال: سَيرهَا سير السَّحَاب بَين السَّمَاء وَالْأَرْض على مَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَهِي تمر مر السَّحَاب﴾.
وَقَوله: ﴿فويل يَوْمئِذٍ للمكذبين الَّذين هم فِي خوض يَلْعَبُونَ﴾ أَي: فِي بَاطِل لاهون، وَيُقَال: يَخُوضُونَ فِي أَمر النَّبِي بالتكذيب، ويلعبون بِمَا هُوَ [الْجد]. وَعَن بَعضهم: أَنه رُؤِيَ فِي الْمَنَام، فَقيل لَهُ: كَيفَ الْأَمر؟ فَقَالَ: الْأَمر جد فأياك أَن تخلطه بِالْهَزْلِ. وَقيل: إِن الله تَعَالَى جعل كل مَا فِيهِ الْكفَّار لعبا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:وقوله :( فويل يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون ) أي : في باطل لاهون، ويقال : يخوضون في أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالتكذيب، ويلعبون بما هو [ الجد ]١. وعن بعضهم : أنه رؤي في المنام، فقيل له : كيف الأمر ؟ فقال : الأمر جد فأياك أن تخلطه بالهزل. وقيل : إن الله تعالى جعل كل ما فيه الكفار لعبا.
١ - من ((ك))، و في الاصل : الحسد، تحريف..
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَوْم يدعونَ إِلَى نَار جَهَنَّم دَعَا﴾ أَي: يدْفَعُونَ فِي نَار جَهَنَّم.
وَقَوله: ﴿دَعَا﴾ أَي: دفعا. والدع فِي اللُّغَة: هُوَ الدّفع بِشدَّة وعنف.
وَقَوله: ﴿دَعَا﴾ أَي: دفعا. والدع فِي اللُّغَة: هُوَ الدّفع بِشدَّة وعنف.
269
﴿يَوْم يدعونَ إِلَى نَار جَهَنَّم دَعَا (١٣) هَذِه النَّار الَّتِي كُنْتُم بهَا تكذبون (١٤) أفسحر هَذَا أم أَنْتُم لَا تبصرون (١٥) اصلوها فَاصْبِرُوا أَو لَا تصبروا سَوَاء عَلَيْكُم إِنَّمَا تُجْزونَ﴾
270
وَقَوله: ﴿هَذِه النَّار الَّتِي كُنْتُم بهَا تكذبون﴾ يُقَال لَهُم هَذَا على طَرِيق التوبيخ والتقريع.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أفسحر هَذَا﴾ فِي التَّفْسِير: أَنهم لما كَانُوا يرَوْنَ الْآيَات فِي الدُّنْيَا وَدَلَائِل نبوة الرَّسُول فَيَقُولُونَ: إِنَّهَا سحر وَنحن لَا نبصر مَا يَقُول أَي: لَا نعلم فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة وعاينوا الْعَذَاب يُقَال لَهُم: أفسحر هَذَا كَمَا تَزْعُمُونَ فِي الدُّنْيَا لما رَأَيْتُمْ من الْآيَات أم أَنْتُم لَا تبصرون، أَي: هَل أَنْتُم لَا تبصرون كَمَا لم تبصروا فِي الدُّنْيَا على زعمكم؟.
وَالْقَوْل الثَّانِي فِي قَوْله: ﴿أم أَنْتُم لَا تبصرون﴾ أَي: مَعْنَاهُ بل كُنْتُم لَا تبصرون، أَي: لَا تعلمُونَ، وَهَذَا قَول مَعْرُوف.
وَالْقَوْل الثَّانِي فِي قَوْله: ﴿أم أَنْتُم لَا تبصرون﴾ أَي: مَعْنَاهُ بل كُنْتُم لَا تبصرون، أَي: لَا تعلمُونَ، وَهَذَا قَول مَعْرُوف.
وَقَوله: ﴿اصلوها﴾ أَي: ادخلوها. وَيُقَال: قاسوا حرهَا.
وَقَوله: ﴿فَاصْبِرُوا أَو لَا تصبروا﴾ هُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿سَوَاء علينا أجزعنا أم صَبرنَا﴾ وَالْمعْنَى: أَنكُمْ سَوَاء صَبَرْتُمْ أَو جزعتم، فالعذاب وَاقع بكم وَلَا يُخَفف عَنْكُم. وَفِي بعض الْآثَار: أَن أهل النَّار يجزعون مُدَّة مديدة، وينادون على أنفسهم بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور ثمَّ يَقُولُونَ: تَعَالَوْا نصبر، فيصبرون أَيْضا مُدَّة مديدة فَلَا يَنْفَعهُمْ وَاحِد من الْأَمريْنِ، وَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿سَوَاء عَلَيْكُم﴾ أَي: مستو [كلتا] الْحَالَتَيْنِ، وَالْعَذَاب مُسْتَمر بكم فيهمَا.
وَقَوله: ﴿إِنَّمَا تُجْزونَ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ يَعْنِي: أَن هَذَا عَمَلكُمْ بِأَنْفُسِكُمْ.
وَقَوله: ﴿فَاصْبِرُوا أَو لَا تصبروا﴾ هُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿سَوَاء علينا أجزعنا أم صَبرنَا﴾ وَالْمعْنَى: أَنكُمْ سَوَاء صَبَرْتُمْ أَو جزعتم، فالعذاب وَاقع بكم وَلَا يُخَفف عَنْكُم. وَفِي بعض الْآثَار: أَن أهل النَّار يجزعون مُدَّة مديدة، وينادون على أنفسهم بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور ثمَّ يَقُولُونَ: تَعَالَوْا نصبر، فيصبرون أَيْضا مُدَّة مديدة فَلَا يَنْفَعهُمْ وَاحِد من الْأَمريْنِ، وَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿سَوَاء عَلَيْكُم﴾ أَي: مستو [كلتا] الْحَالَتَيْنِ، وَالْعَذَاب مُسْتَمر بكم فيهمَا.
وَقَوله: ﴿إِنَّمَا تُجْزونَ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ يَعْنِي: أَن هَذَا عَمَلكُمْ بِأَنْفُسِكُمْ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات ونعيم﴾ أَي: بساتين ونعمة.
270
﴿مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ (١٦) إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات ونعيم (١٧) فاكهين بِمَا آتَاهُم رَبهم ووقاهم رَبهم عَذَاب الْجَحِيم (١٨) كلوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ (١٩) ﴾
271
وَقَوله: ﴿فاكهين﴾ قَالَ ابْن عَرَفَة وَهُوَ نفطويه النَّحْوِيّ فاكهين: ناعمين. وَيُقَال: فاكهين ذَوي فَاكِهَة. يُقَال: فلَان لِابْنِ أَي: ذُو لبن: وتامر أَي: ذُو تمر. وَقُرِئَ: ﴿فكهين﴾ أَي: معجبين مسرورين بحالهم.
وَقَوله: ﴿بِمَا آتَاهُم رَبهم﴾ أَي: أَعْطَاهُم رَبهم.
وَقَوله: ﴿ووقاهم رَبهم عَذَاب الْجَحِيم﴾ أَي: عَذَاب النَّار، والجحيم: مُعظم النَّار.
وَقَوله: ﴿بِمَا آتَاهُم رَبهم﴾ أَي: أَعْطَاهُم رَبهم.
وَقَوله: ﴿ووقاهم رَبهم عَذَاب الْجَحِيم﴾ أَي: عَذَاب النَّار، والجحيم: مُعظم النَّار.
قَوْله تَعَالَى: ﴿كلوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا﴾ أَي: تهنئون هَنِيئًا.
وَقَوله: ﴿بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ أَي: تَعْمَلُونَ من الطَّاعَات.
وَقَوله: ﴿بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ أَي: تَعْمَلُونَ من الطَّاعَات.
قَوْله تَعَالَى: ﴿متكئين على سرر﴾ هُوَ جمع سَرِير.
وَقَوله: ﴿مصفوفة﴾ أَي مضموم بَعْضهَا إِلَى بعض. وَيُقَال: مصطفة.
وَفِي التَّفْسِير: أَن ارْتِفَاع السرير يكون كَذَا كَذَا ميلًا، فَإِذا أَرَادَ الْمُؤمن أَن يَصْعَدهُ تطامن حَتَّى يرْتَفع عَلَيْهِ الْمُؤمن، ثمَّ يعود إِلَى مَا كَانَ.
وَقَوله: ﴿وزوجناهم﴾ أَي: قرناهم، قَالَه الْفراء والزجاج وَغَيرهمَا من أهل الْمعَانِي. قَالُوا: وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ التَّزْوِيج الْمَعْرُوف الَّذِي يكون فِي الدُّنْيَا، فَإِن عقد التَّزْوِيج من عُقُود الدُّنْيَا لَيْسَ من عُقُود الْآخِرَة.
وَقَوله: ﴿بحور عين﴾ الْحور: الْبيض، وَمِنْه الْحوَاري، وَمِنْه الحواريون، لأَصْحَاب عِيسَى، وهم القصارون الَّذين يبيضون الثِّيَاب. وَالْعرب تسمى نسَاء الْأَمْصَار حواريات لبياضهن.
وَقَالَ بَعضهم:
وَقَوله: ﴿عين﴾ أَي: حسان الْعين. وَيُقَال: سميت الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ حوراء؛ لشدَّة
وَقَوله: ﴿مصفوفة﴾ أَي مضموم بَعْضهَا إِلَى بعض. وَيُقَال: مصطفة.
وَفِي التَّفْسِير: أَن ارْتِفَاع السرير يكون كَذَا كَذَا ميلًا، فَإِذا أَرَادَ الْمُؤمن أَن يَصْعَدهُ تطامن حَتَّى يرْتَفع عَلَيْهِ الْمُؤمن، ثمَّ يعود إِلَى مَا كَانَ.
وَقَوله: ﴿وزوجناهم﴾ أَي: قرناهم، قَالَه الْفراء والزجاج وَغَيرهمَا من أهل الْمعَانِي. قَالُوا: وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ التَّزْوِيج الْمَعْرُوف الَّذِي يكون فِي الدُّنْيَا، فَإِن عقد التَّزْوِيج من عُقُود الدُّنْيَا لَيْسَ من عُقُود الْآخِرَة.
وَقَوله: ﴿بحور عين﴾ الْحور: الْبيض، وَمِنْه الْحوَاري، وَمِنْه الحواريون، لأَصْحَاب عِيسَى، وهم القصارون الَّذين يبيضون الثِّيَاب. وَالْعرب تسمى نسَاء الْأَمْصَار حواريات لبياضهن.
وَقَالَ بَعضهم:
(فَقَالَ للحواريات يبْكين غَيرنَا | وَلَا تبكنا إِلَّا الْكلاب النوابح) |
271
﴿متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين (٢٠) وَالَّذين آمنُوا وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ﴾ بياضها، وَسَوَاد (حدقتيها).
272
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالَّذين آمنُوا وأتبعناهم ذرياتهم﴾ وَقُرِئَ: " وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ " وَفِي الْخَبَر مَوْقُوفا على ابْن عَبَّاس وَمَرْفُوعًا إِلَى رَسُول الله: " أَن الله تَعَالَى يرفع ذُرِّيَّة الْمُؤمن إِلَى دَرَجَته، وَإِن لم يبلغهَا عَمَلهم؛ لتقر عينهم بهم " وَعَن بَعضهم أَن هَذَا فِي الْآبَاء مَعَ الْأَوْلَاد، وَالْأَوْلَاد مَعَ الْآبَاء جَمِيعًا، كَأَن الله تَعَالَى يبلغ الْوَالِد دَرَجَة الْوَلَد إِذا كَانَ أرفع مِنْهُ فِي الدرجَة، ويبلغ الْوَلَد دَرَجَة الْوَالِد إِذا كَانَ أرفع مِنْهُ فِي الدرجَة. وَقد ورد فِي بعض الْكتب: أَن هَذَا يكون أَيْضا للْأَخ مَعَ أَخِيه فِي الْإِيمَان يَقُول الْأَخ: يَا رب، ارفعه إِلَى درجتي، فَيَقُول: إِنَّه لم يعْمل مثل عَمَلك، فَيَقُول: إِنِّي عملت لنَفْسي وَله.
وَفِي بعض الْأَخْبَار عَن النَّبِي " أَن أَوْلَاد الْمُؤمنِينَ يكونُونَ مَعَ آبَائِهِم فِي الْجنَّة وَأَوْلَاد الْكفَّار مَعَ آبَائِهِم فِي النَّار. "
وَفِي بعض الْأَخْبَار عَن النَّبِي " أَن أَوْلَاد الْمُؤمنِينَ يكونُونَ مَعَ آبَائِهِم فِي الْجنَّة وَأَوْلَاد الْكفَّار مَعَ آبَائِهِم فِي النَّار. "
272
( ﴿بِإِيمَان ألحقنا بهم ذُرِّيتهمْ﴾ وَفِي بعض الْأَخْبَار: " أَن أَوْلَاد الْمُشْركين يكونُونَ خدم أهل الْجنَّة ". وَقد ثَبت بِرِوَايَة عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: أَنه مَاتَ صبي من الْأَنْصَار، فَقَالَت عَائِشَة: طُوبَى لَهُ عُصْفُور من عصافير الْجنَّة، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " يَا عَائِشَة أَو غير ذَلِك؟ إِن الله تَعَالَى خلق النَّار وَخلق لَهَا أَهلا، وخلقهم لَهَا وهم فِي أصلاب آبَائِهِم، وَخلق الْجنَّة وَخلق لَهَا أَهلا، خلقهمْ لَهَا وهم فِي أصلاب آبَائِهِم ". قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بذلك أَبُو عَليّ الشَّافِعِي رَحمَه الله بِمَكَّة، أخبرنَا أَبُو الْحسن بن فراس أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد المقرىء أخبرنَا جدي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عَائِشَة بنت طَلْحَة، عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، عَن النَّبِي... وَالْخَبَر فِي صَحِيح مُسلم.
وَقد قَالَ أهل الْعلم: إِن الْأَصَح فِي ذرارى الْمُؤمنِينَ أَنهم فِي الْجنَّة، وَيحْتَمل أَن النَّبِي إِنَّمَا قَالَ ذَلِك على مَا كَانَ عرفه فِي الأَصْل، ثمَّ إِن الله تَعَالَى أخبرهُ أَن ذرارى الْمُسلمين فِي الْجنَّة بِهَذِهِ الْآيَة وَغَيرهَا، وأنما ذرارى الْكفَّار: فَالْأَصَحّ أَن الْأَمر فيهم على التَّوَقُّف على مَا روى عَن النَّبِي " أَنه سُئِلَ عَن أَطْفَال الْمُشْركين فَقَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين ".
وَقَوله: ﴿بِإِيمَان﴾ أَي: بإيمَانهمْ، إِمَّا بإيمَانهمْ بِأَنْفسِهِم، أَو بِثُبُوت الْإِيمَان لَهُم
وَقد قَالَ أهل الْعلم: إِن الْأَصَح فِي ذرارى الْمُؤمنِينَ أَنهم فِي الْجنَّة، وَيحْتَمل أَن النَّبِي إِنَّمَا قَالَ ذَلِك على مَا كَانَ عرفه فِي الأَصْل، ثمَّ إِن الله تَعَالَى أخبرهُ أَن ذرارى الْمُسلمين فِي الْجنَّة بِهَذِهِ الْآيَة وَغَيرهَا، وأنما ذرارى الْكفَّار: فَالْأَصَحّ أَن الْأَمر فيهم على التَّوَقُّف على مَا روى عَن النَّبِي " أَنه سُئِلَ عَن أَطْفَال الْمُشْركين فَقَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين ".
وَقَوله: ﴿بِإِيمَان﴾ أَي: بإيمَانهمْ، إِمَّا بإيمَانهمْ بِأَنْفسِهِم، أَو بِثُبُوت الْإِيمَان لَهُم
273
﴿وَمَا ألتناهم من عَمَلهم من شَيْء كل امْرِئ بِمَا كسب رهين (٢١) وأمددناهم بفاكهة وَلحم مِمَّا يشتهون (٢٢) يتنازعون فِيهَا كأسا﴾ بِإِيمَان الْآبَاء.
﴿ألحقنا بهم ذُرِّيتهمْ﴾ أَي: فِي الدرجَة على مَا قُلْنَا.
وَقَوله: ﴿وَمَا ألتناهم من عَمَلهم من شَيْء﴾ أَي: مَا نقصناهم من عَمَلهم من شَيْء. وَقَرَأَ ابْن كثير: " وَمَا ألتناهم " بِكَسْر اللَّام، وَالْأول هُوَ الأولى. وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: " وَمَا لتناهم " وَالْكل بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ الشَّاعِر:
قَوْله تَعَالَى: ﴿كل امْرِئ بِمَا كسب رهين﴾ هَذَا فِي الْمُشْركين، وَمَعْنَاهُ: أَن الْكفَّار محبوسون فِي النَّار بعملهم، وَأما الْمُؤمن فَهُوَ غير مَحْبُوس وَلَا مُرْتَهن، فَإِن ارْتهن بِعَمَلِهِ فَلَا بُد أَن يدْخل النَّار. وَفِي الْخَبَر الْمَعْرُوف أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ: " لن يُنجي أحدا مِنْكُم عمله، قيل: وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله؟ قَالَ: وَلَا أَنا إِلَّا أَن يتغمدني الله برحمة مِنْهُ وَفضل لَهُ ".
﴿ألحقنا بهم ذُرِّيتهمْ﴾ أَي: فِي الدرجَة على مَا قُلْنَا.
وَقَوله: ﴿وَمَا ألتناهم من عَمَلهم من شَيْء﴾ أَي: مَا نقصناهم من عَمَلهم من شَيْء. وَقَرَأَ ابْن كثير: " وَمَا ألتناهم " بِكَسْر اللَّام، وَالْأول هُوَ الأولى. وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: " وَمَا لتناهم " وَالْكل بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ الشَّاعِر:
(أبلغ بنى ثقل عني مغلغلة | جهد الرسَالَة لَا ألتا وَلَا كذبا) |
274
قَوْله تَعَالَى: ﴿وأمددناهم بفاكهة﴾ هَذَا رُجُوع إِلَى صفة أهل الْجنَّة.
وَقَوله: ﴿وَلحم طير مِمَّا يشتهون﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿وَلحم طير مِمَّا يشتهون﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يتنازعون فِيهَا كأسا﴾ أَي: يتعاطون، وَالْمعْنَى: بَعضهم يُعْطي بَعْضًا على مَا يفعل الشَّرَاب فِي الدُّنْيَا.
قَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: