يقسم تعالى بمخلوقاته الدالة على قدرته العظيمة، أن عذابه واقع بأعدائه وأنه لا دافع له عنهم، والطور هو الجبل الذي يكون فيها أشجار مثل الذي كلم الله عليه موسى، وما لم يكن فيه شجر لا يسمى طوراً، إنما يقال له جبل،
﴿ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ ﴾ قيل : هو اللوح المحفوظ، وقيل : الكتب المنزلة المكتوبة، التي تقرأ على الناس جهاراً، ولهذا قال :
﴿ فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ * والبيت المعمور ﴾، ثبت في
« الصحيحين » أن رسول الله ﷺ قال في حديث الإسراء :
« ثم رفع بي إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألفاً لا يعودون إليه آخر ما عليهم » يعني يتعبدون فيه ويطوفون به كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم، وهو كعبة أهل السماء السابعة، وفي كل سماء بيت يتعبد فيه أهلها ويصلون إليه، والذي في السماء الدنيا يقال له بيت العزة، والله أعلم. وقال ابن عباس : البيت المعمور هو بيت حذاء العرش تعمره الملائكة، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة ثم لا يعودون إليه، وكذا قال عكرمة ومجاهد وغير واحد من السلف، وقال قتادة والسدي :
« ذكرنا لنا أن رسول الله ﷺ قال يوماً لأصحابه :» هل تدرون ما البيت المعمور؟
« قالوا : الله ورسوله أعلم، قال :» فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة لو خر لخر عليها، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم
« » وقوله تعالى :
﴿ والسقف المرفوع ﴾ عن علي قال : يعني السماء، ثم تلا :
﴿ وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٣٢ ]، وكذا قال مجاهد وقتادة والسدي واختاره ابن جرير، وقال الربيع بن أَنَس : هو العرش يعني أنه سقف لجميع المخلوقات، وقوله تعالى :
﴿ والبحر المسجور ﴾ قال الربيع بن أَنَس : هو الماء الذي تحت العرش الذي ينزل الله منه المطر الذي تحيا به الأجساد في قبورها يوم معادها، وقال الجمهور : هو هذا البحر، واختلف في معنى قوله :
﴿ المسجور ﴾ فقال بعضهم : المراد أنه يوقد يوم القيامة ناراً كقوله،
﴿ وَإِذَا البحار سُجِّرَتْ ﴾ [ التكوير : ٦ ] أي أضرمت فتصير ناراً تتأجج محيطة بأهل الموقف، وروي عن علي وابن عباس : وقال العلاء بن بدر : إنما سمي البحر المسجور لأنه لا يشرب منه ماء ولا يسقى به زرع، وكذلك البحار يوم القيامة، وعن سعيد بن جبير :
﴿ والبحر المسجور ﴾ يعني المرسل، وقال قتادة : المسجور المملوء، واختاره ابن جرير، وقيل : المراد بالمسجور الممنوع المكفوف عن الأرض لئلا يغمرها فيغرق أهلها، قاله ابن عباس وبه يقول السدي وغيره، وعليه يدل الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب، عن رسول الله ﷺ قال :
2417
« ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات يستأذن الله أن ينفضح عليهم فيكفه الله عزّ وجلّ ».
وقوله تعالى :
﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴾ هذا هو القسم عليه أي لواقع بالمكافرين،
﴿ مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ ﴾ أي ليس له دافع يدفعه عنهم، إذا أراد الله بهم ذلك، قال الحافظ ابن أبي الدنيا : خرج عمر يعس المدينة ذات ليلة، فمرّ بدار رجل من المسلمين فوافقه قائماً يصلي، فوقف يستمع قراءته فقرأ :
﴿ والطور ﴾ - حتى بلغ -
﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ ﴾ قال : قسم ورب الكعبة حق، فنزل عن حماره، واستند إلى حائط، فمكث ملياً، ثم رجع إلى منزله، فمكث شهراً يعوده الناس لا يدرون ما مرضه رضي الله عنه. وقوله تعالى :
﴿ يَوْمَ تَمُورُ السمآء مَوْراً ﴾ قال ابن عباس : تتحرك تحريكاً، وقال مجاهد : تدور دوراً، وقال الضحّاك : استدارتها وتحركها لأمر الله وموج بعضها في بعض، وهذا اختيار ابن جرير أنه التحرك في استدارة، قال وأنشد أبو عبيدة بيت الأعشى فقال :
كأنَّ مِشيَتها من بيت جارتها | مَوْرُ السحابة لا رَيْثُ ولا عجل |
﴿ وَتَسِيرُ الجبال سَيْراً ﴾ أي تذهب فتصير هباء منبثاً وتنسف نسفاً،
﴿ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ أي ويل لهم ذلك اليوم من عذاب الله ونكاله،
﴿ الذين هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ ﴾ أي هم في الدنيا يخوضون في الباطل ويتخذون دينهم هزواً ولعباً
﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ ﴾ أي يدفعون ويساقون
﴿ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ﴾، قال مجاهد والسدي : يدفعون فيها دفعاً
﴿ هذه النار التي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾ أي تقول لهم الزبانية ذلك تقريعاً وتوبيخاً،
﴿ أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ * اصلوها ﴾ أي ادخلوها دخول من تغمره من جميع جهاته،
﴿ فاصبروا أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ ﴾، أي سواء صبرتهم على عذابها ونكالها أم لم تصبروا، لا محيد لكم عنها ولا خلاص لكم منها،
﴿ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ أي لا يظلم الله أحداً بل يجازي كلاً بعمله.
2418