تفسير سورة سورة الطارق من كتاب التفسير الشامل
.
لمؤلفه
أمير عبد العزيز
.
المتوفي سنة 2005 هـ
بيان إجمالي للسورة
هذه السورة مكية وآياتها سبع عشرة. ويقسم الله فيها بأجزاء من خلقه على جملة حقائق لا ريب فيها. وهي أن كل امرئ من الناس يقوم عليه حفظة من الملائكة يحفظون عليه ما عمل من خير أو شر. وأن الإنسان راجع إلى ربه فمحاسبه ومجازيه بما قدم. وغير ذلك من الحقائق مما تضمنته هذه السورة العظيمة بآياتها القصيرة العجاب وما انطوت عليه من أخبار الكون والكائنات مما هو كائن يوم المعاد.
ﰡ
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ والسماء والطارق ١ وما أدراك ما الطارق ٢ النجم الثاقب ٣ إن كل نفس لما عليها حافظ ﴾.
أقسم الله بالسماء وبالطارق وهي الكواكب التي تطرق الليل فتطلع فيه، وفي النهار تختفي. وهو من الطروق أي الدق. وقد سمي الليل طارقا، وقيل : قد يكون الطروق نهارا. ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " أعوذ بك من شر طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير ".
قوله :﴿ وما أدراك ما الطارق ﴾ أي ما أعلمك يا محمد ما الطارق. وذلك على سبيل التفخيم لشأنه. ثم فسّره بقوله :﴿ النجم الثاقب ﴾.
قوله :﴿ النجم الثاقب ﴾ أي المتوهج المتلألئ. والنجم خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو.
قوله :﴿ إن كل نفس لما عليها حافظ ﴾ وهذا جواب القسم. وإن، نافية بمعنى، ما. ولما، المشددة بمعنى إلا. يعني : ما كل نفس إلا عليها حافظ. أي حفظة من الملائكة يحفظون عليها ما فعلت من خير أو شر. والحافظ على الحقيقة هو الله. فإنه سبحانه يحفظ عباده المؤمنين من السوء ومن شر الأشرار وكيد الكائدين. كما في وقوله :﴿ فالله خير حافظا ﴾ .
قوله تعالى :﴿ فلينظر الإنسان ممّ خلق ٥ خلق من ماء دافق ٦ يخرج من بين الصلب والترائب ٧ إنه على رجعه لقادر ٨ يوم تبلى السرائر ٩ فما له من قوة ولا ناصر ﴾.
ينبه الله عباده للتفكر في يوم المعاد ليستيقنوا أن الساعة قائمة وأن بعثهم بعد الممات حق لا ريب فيه. فقال سبحانه :﴿ فلينظر الإنسان ممّ خلق ﴾ الفاء، عقب كل نفس عليها حافظ، لدلالة على وجوب التفكير في أصل الإنسان وكيفية خلقه ليوقن المتفكر أن الله قادر على إعادته يوم القيامة.
قوله :﴿ خلق من ماء دافق ﴾ خلق الإنسان من مني دافق، أو مدفوق أي مصبوب في الرحم. من الدفق وهو الصب.
قوله :﴿ يخرج من بين الصلب والترائب ﴾ يتكون الماء الذي يخلق منه الإنسان من ماء الرجل وماء المرأة. فهما ممتزجان في ماء واحد. إذ يخرج ماء الرجل من بين الصلب. وهو صلب الرجل أي ظهره. والترائب. أي ترائب المرأة جمع تربية وهي موضع القلادة من الصدر، وقيل : الترائب، ما بين الثديين، وقيل : ما بين المنكبين والصدر.
قوله :﴿ إنه على رجعه لقادر ﴾ يعني إن الله لقادر على رجع الإنسان أي إعادته ببعثه بعد الموت.
قوله :﴿ يوم تبلى السرائر ﴾ يوم، ظرف. والعامل فيه مقدر. أي يرجعه الله يوم تبلى السرائر. وقيل : يوم، منصوب على أنه مفعول به لفعل مقدر وتقديره واذكر. أي واذكر يوم تبلى السرائر، والسرائر جمع سريرة وهي ما يستكنّ في القلوب من العقائد والنوايا. والمراد هنا عرض الأعمال ونشر الصحف وانكشاف ما كانت تخفيه طوايا الصدور. وحينئذ يستبين الحق من الباطل ويتميز الخبيث من الطيب.
قوله :﴿ فما له من قوة ولا ناصر ﴾ أي : فليس للإنسان حينئذ من قوة ذاتية تنفعه أو تغنيه من عذاب الله شيئا ﴿ ولا ناصر ﴾ أي وليس له من حليف ولا حميم ولا مجير ينصره أو يدفع عنه شيئا من البلاء النازل في هذا اليوم العصيب الرهيب.
قوله تعالى :﴿ والسماء ذات الرّجع ١١ والأرض ذات الصّدع ١٢ إنه لقول فصل ١٣ وما هو بالهزل ١٤ إنهم يكيدون كيدا ١٥ وأكيد كيدا ١٦ فمهّل الكافرين أمهلهم رويدا ﴾ يقسم الله بالسماء ذات الرجع وهو المطر سمي بالرجع، لأنه يجيء ويرجع ويتكرر أو أن السماء ترجع كل سنة بمطر بعد مطر وهو قول أكثر المفسرين. وقيل : الرجع معناه الشمس والقمر والنجوم يرجعن في السماء، تطلع من ناحية وتغيب في أخرى.
قوله :﴿ والأرض ذات الصدع ﴾ وهذا قسم آخر بالأرض ذا الصدع، أي التي تتصدع عن النبات والشجر والثمر. والصدع معناه الشق.
قوله :﴿ إنه لقول فضل ﴾ جواب القسم، والضمير يعود إلى القرآن فإنه يفصل بين الحق والباطل. وهو البيان الذي يفرق بين سبيل الله المستقيم وسبل الضلال والاعوجاج.
قوله :﴿ وما هو بالهزل ﴾ أي ليس القرآن باللعب أو اللهو أو الباطل ولكنه الجد والحق.
قوله :﴿ إنهم يكيدون كيدا ﴾ إن هؤلاء المشركين الظالمين يمكرون بالإسلام ليبددوه تبديدا وليمحقوه من أذهان الناس وقلوبهم، لكي يبقى أثر بعد عين. وهم كذلك يمكرون بالمسلمين ليذلوهم أو يفنوهم أو ليستأصلوهم استئصالا. وذلك ديدن المشركين الظالمين في كل زمان. أولئك الذين يكيدون للإسلام والمسلمين بالغ الكيد فيتمالأون في الليل والنهار على تدمير المسلمين والقضاء على دينهم الإسلام. وذلك بمختلف الحيل والمخططات الخبيثة الشريرة.
قوله :﴿ وأكيد كيدا ﴾ أمكر بهم مكرا وأستدرجهم استدراجا فأدمر عليهم وأهلكهم من حيث لا يعلمون. وهذه حقيقة ظاهرة بدليل النص والاستقراء وهي أن الله يستدرج الظالمين المجرمين من أعداء الإسلام والمسلمين فيأخذهم أخذ عزيز مقتدر. وفي الحديث : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ".
قوله :﴿ فمهّل الكافرين أمهلهم رويدا ﴾ لا تستعجل العذاب لهم، ولا تسأل الله أن يعجّل هلاكهم، بل ذرهم لأمر الله وتدبيره، وما يعدّه لهم من سوء المصير. حتى إذا حان الأجل المقدور حاق بهم البلاء والتدمير ﴿ أمهلهم رويدا ﴾ أمهلهم، بدل من " مهّل " والإمهال معناه الإنظار : والتمهل معناه الاتئاد. ورويدا، منصوب على أنه مصدر مؤكد. أو صفة لمصدر محذوف. والمعنى : أمهل الكافرين الماكرين إمهالا قريبا.