تفسير سورة المسد

بيان المعاني
تفسير سورة سورة المسد من كتاب بيان المعاني المعروف بـبيان المعاني .
لمؤلفه ملا حويش . المتوفي سنة 1398 هـ

تفسير سورة المسد عدد ٦- ١١١
ومثلها في العدد الفلق والفيل نزلت بمكة بعد الفاتحة، وهي خمس آيات، وعشرون كلمة، وسبعة وسبعون حرفا، لا ناسخ ولا منسوخ فيها، وتسمى سورة تبّت، وسورة أبي لهب، ولا يوجد في القرآن سورة مبدوءة أو مختومة بما بدأت وختمت به.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال تعالى: «تَبَّتْ» أي هلكت وخسرت وخابت «يَدا أَبِي لَهَبٍ ١» عبد العزّى بن عبد المطلب بن هاشم عم رسول الله ﷺ والمراد هو ذاته لأن العرب تعبر عن كل الشيء ببعضه، وكنّي بأبي لهب لحسنه واشراق وجهه، وكناه الله بذلك لشهرته بها دون الاسم لا لتكريمه ولأن في تسمينه باسمه نسبة العبد للشرك، والكل عبيد الله لا يشاركه فيهم أحد، واخبار بأنه من أهل النار ذات اللهب لتوافق كنيته بما يؤول إليه حاله، ولا حول ولا قوة إلا بالله لم يرد الله له الخير، وهو عم حبيبه وصفيه، وأراده لصهيب وعمار وبلال وسلمان، ورحم الله من قال:
لعمرك ما الإنسان الا ابن دينه فلا تترك التقوى اتّكالا على النسب
لقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك الحسيب أبا لهب
وهكذا يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد «وَتَبَّ ١» وكان يقول ابن مسعود وقد تبّ لأنه هلك حقيقة، ولا تجوز القراءة بها لما فيها من الزيادة وهي عبارة عن كلمة قالها ليست من القرآن، راجع بحث القراءات في المقدمة ويقال عن هكذا زيادات (سيف خطيب) وقد جاء في التأويلات النجمية أن أبا لهب كان بداية أمر النبي ﷺ يحسن إليه ويكرمه ويقول إلى قريش: إن كان الأمر إلى محمد فلي عنده يد، وإن كان لقريش فلي عندها يد أيضا، لأنه كان يحسن إليها، وبعد أن ظهر أمر الرسول أظهر له العداوة وصار يهينه ويؤذيه، فأنزل الله فيه هذه السورة إعلاما بخسران يده عنده لتكذيبه إياه وخسران يده عند قريش أيضا لعدم بقاء يد لهم عند الرسول وإذلالهم لعدم الإيمان به وهذا أحسن ما قيل في أسباب نزول
120
هذه السورة أما ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: لما نزلت «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» الآية ٢١٥ من سورة الشعراء الآتية صعد النبي ﷺ على الصفا ونادى: يا بني فهر، يا بني عدي، (بطون من قريش)، حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أرسل رسولا لينظر ما هو الخبر، فجاء أبو لهب وقريش، فقال:
أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيّ؟ قالوا نعم ما جرّبنا عليك إلا صدقا، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب تبّا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا! فنزلت السورة، ونقله أكثر المفسرين.
مطلب سبب نزول السورة:
فلا يصح هذا أن يكون سببا لنزولها، لأن هذه الآية لم تنزل بعد ولا يصح أن يكون المؤخر سببا للمقدم كما لا يصح أن يكون المقدم ناسخا للمؤخر. على أن هذا لا يقدح في صحة الحديث لأنه صحيح لا غبار عليه وواقع عند نزول هذه الآية حقا إلا أنه لم يكن سببا لنزول السورة هذه، ولا يبعد أن يكون قول أبي لهب لحضرة الرسول (تبّا لك سائر اليوم) ردا على ما جاء في هذه السورة المتقدمة على هذه الحادثة، والأجدر أن يكون كذلك، لأن العرب قد ترد على كلمة قيلت لهم ولو بعد حين، ألم تر أن المعرّي حين قال للشاعر مهيار الديلمي لما سمع شعره بالعراق بعد أن سمعه في الشام «وأشعر من في العراق» عطفا على قوله قبل عشرين سنة وهو في الشام «أنت أشعر من في الشام» وهذا الشاعر له ديوان يحتوي على ثمانية عشر الف بيت، وهو مطبوع وموجود في مكاتب مصر وغيرها وهذا من بعض ذكاء المعرّي. وحين سقط في يدي أبي لهب يقول الله تعالى «ما أَغْنى عَنْهُ» أي لم ينجه من عذاب الله «مالُهُ وَما كَسَبَ ٢» في دنياه وولد الرجل من كسبه أي ولا ولده. أخرج أبو داود عن عائشة قالت إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه أي من ربحه. وأخرجه الترمذي بلفظ الجمع أي إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم
121
وكان لأبي لهب ثلاثة أولاد عتبة ومتعب أسلما، وعتيبة أهان حضرة الرسول ﷺ وأساء الأدب معه بأمر أبيه وطلق ابنته أم كلثوم، فقال صلى الله عليه وسلم: أللهم سلط عليه كلبا من كلابك. فقتله السبع على طريق الشام ومن أسماء السبع الكلب، ثم هلك أبو لهب بالعدسة أي مرض الطاعون بعد وقعة بدر، وهذا المرض يجتنب مخافة العدوى فاستأجروا له بعض السودان، فدفنوه مخافة العار وإلا لتركوه وهذه العادة توجد حتى الآن عند بعض البدو، فانهم إذا مات أحدهم بمرض يزعمون أنه يعدي فإنهم يتباعدون عنه ويتركونه، وقد يهجرونه إبّان مرضه مخافة العدوى كالجدري والطاعون وغيره، هذا وقد صدق الله فلم يغن عنه ماله ولا كسبه، ولم يحل بينه وبين ما حل به، وكان صاحب مواشي. قال ابن مسعود: ولما دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أقرباءه إلى الله، قال أبو لهب: إن كان ما تقول يا ابن أخي حقا فأنا افتدي نفسي بمالي وولدي، فأنزل الله هذه السورة وهذا يصح إذا وقع منه نزولها لا عند نزول آية الشعراء الآنفة الذكر. وبعد أن حقق الله وعده فيه بهلاكه في الدنيا على الصورة المذكورة أوعده بانه في الآخره أيضا (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ ٣) تتوقد وتنلهب في قلبه لشدة حسده له في الدنيا وفي الآخرة تحرقه (وَامْرَأَتُهُ) أم جميل المتقدم ذكرها في بحث فترة الوحي في المقدمة وصفها بقوله «حَمَّالَةَ «الْحَطَبِ ٤» في جهنم، ذمها مع ما هي عليه من الشرف وكريم المحتد، لأنها كانت تحمل الشوك والحسك وتطرحه في طريق رسول الله وأصحابه وتنم عليهم لشدة عداوتها لهم.
مطلب ما قالت أم جميل وما قيل فيها:
ولما نزلت هذه الآية جاءت حاملة فهرا (حجرا صغيرا) وقالت لأبي بكر والنبي بجانبه:
لأفعلن كذا وكذا بصاحبك لأنه هجاني وأنا أماثله بالشعر وأنشدت:
مذمما أبينا... ودينه قلينا
وأمره عصينا
وقد أعمى الله بصرها عن رؤية محمد ﷺ ولما سأله أبو بكر قال: حجبتني عنها الملائكة «فِي جِيدِها» عنقها «حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ٥» ليف كانت تنقل فيه
122
Icon